نقوس المهدي
كاتب
القسم الأول
قصص ألف ليلة وليلة مجموعة من الحكايات ذات شهرة في الشرق وفي الغرب، ترددها جميع المجتمعات العربية، وفي القرن الثامن عشر ظهرت ترجمتها على يد أحد المستشرقين وأسمه: جالان، الذي قدمها للقراء فيما بين سنتي 1704م و1708م، وأدى ذلك الى ظهور عدة ترجمات لها مما أشاعها، وجعل الباحثين في المسائل الشعبية يقومون بإعداد دراسات متوالية عنها، بما في ذلك البحث في مغازي القصص، وفي أساليبها، ثم في البحث عنها من حيث موطنها، وسبب ظهورها، وفي هذه الأثناء ظهرت أقوال كثيرة تحكي عن مصدر ألف ليلة وليلة: من أين جاءت؟ وما هو أصلها؟ وقد تعددت الأقوال كثيرا حول هذا الأمر فهناك من قال: إن أصلها هندي، ومن قال: إن أصلها فارسي، والواقع ان تعدد الأماكن التي تدور عليها القصص الواردة في كتاب ألف ليلة وليلة، وتعدد الأمصار المذكورة فيها تدل على انها لا تنتمي الى بلد واحد إلا ان تكون الحكايات قد بدأت قليلة تنتمي الى بلد بعينه ثم زاد فيها الرواة فخرجت من بلد الى بلد.
وهذا الذي نقوله عليه دلالة من قول الأستاذ أحمد رشدي صالح في كتابه فنون الأدب الشعبي الذي صدر في سنة 1956م، فقد ذكر ما يشبه الذي أشرنا إليه حين قال: لقد أرتحل تأليف ألف ليلة وليلة بعد ترجمتها، فأضيفت إليها اضافات غير أصلها، والى هذه الناحية وجه المستشرقون همهم لمعرفة المواطن المختلفة.
ثم يضيف الى ذلك ويرجحون ان بعض أجزائها قد أضيفت في العراق كقصتي هارون الرشيد، وجعفر البرمكي، وبعضها قد أضيفت في سورية، وجانب قد زيد في مصر، وهو أحدث أجزائها، ومنه قصة أحمد الدنف، ودليله، ومما يذكر ان الجانب المصري يصطبغ بالإمعان في الخيال، والإشارات الأسطورية.
وإذا أردنا ان نتساءل عن حكايات ألف ليلة وليلة من حيث القصد من تأليفها، ولمن ألفت؟ فإننا سوف نجد الجواب على التساؤل في دراسة قدمتها الدكتورة سهير القلماوي لجامعة القاهرة، فنالت بها شهادة الدكتوراه. وموضوع الرسالة هو: ألف ليلة وليلة، وهي تقول ضمن بحثها: إن كتاب ألف ليلة وليلة لم يؤلف ليقرأ ويحفظ في دور الكتب، وإنما هو مجموعة من القصص المتفرقة، كان القصد منها، ومن كتابتها تسلية العامة شفاها وتسميعا.
ومع ذلك فإننا نستطيع القول ان لهذه القصص جانبا تعليميا وتثقيفيا ينبغي ان يؤخذ بالحسبان، ومما يؤكد لنا ذلك اننا نجد من بين حكاياتها حكاية تتعلق بالطيور والثعلب مع الذئب والحمار والثور مع صاحب الحقل، ومنها النهي عن الاغترار بالدنيا والوثوق بها، والكرم، وغير ذلك.
هذا وتحتوي حكايات ألف ليلة وليلة على نماذج بشرية كثيرة هم أبطال القصص الذين يصنعون الحكاية أو تدور حولهم الأحداث، ومن هذه النماذج الملوك والأمراء والتجار والشعراء وأصحاب الحرف اليدوية بجميع أنواعها.
ونماذج التجار في القصص من أدل الأمور على المخاطرة التي يقوم بها كل تاجر، وهي التي تنقل القارئ الى خيالات يصل بموجبها الى بلاد عجيبة ذات مسحة خيالية.
طبعت ألف ليلة وليلة في عدد من دول الوطن العربي منها مصر ولبنان وسورية، وانتشرت في جميع الأصقاع العربية، وكانت تباع في الكويت لدى مكتبات بيع الكتب وعلى الأخص مكتبة محمد بن سيار التي اشتهرت بجلب وبيع مثل هذا النوع من الكتب، والى جانب ذلك فإن عددا من الأهالي يمتلكون نسخا من هذا الكتاب، ويحرصون على قراءته بين وقت وآخر، وبعض الأسر تستمع إليه من واحد منها وهي مجتمعة حوله، وفي بعض الديوانيات يقرأ أحد القراء شيئا من قصص ألف ليلة وليلة وما شابهها.
وبهذا فإن هذه الحكايات معروفة ومنتشرة في الكويت وفي خارجها، وهي صورة واضحة للأدب الشعبي العربي مهما قيل عن مصادرها، وبسبب انتشارها في الغرب وترجمتها الى لغات أخرى غير اللغة العربية دليل على اهميتها، وعلى ان ما تحتوي عليه من أحداث وأخبار بغض النظر عن صحتها، فإنها تقدم صورة تمثل المجتمعات القديمة على نحو ما.
تحدثت الموسوعة العربية الميسرة عن ألف ليلة وليلة فذكرت أنها: مجموعة منوعة من القصص الشعبي العربي بلغة بين الفصحى والعامية، يتخللها شعر مصنوع أكثره مكسور، وركيك، في نحو 1420 مقطوعة.
وتحدثت هذه الموسوعة عن طبعات ألف ليلة وليلة فذكرت أنها حديثة في مجملها، وأنها لا ترجع الى أقدم من القرن التاسع عشر، وان هذا هو ما جعل البحث عن أصولها عسيرا للغاية، وهذه الطبعات الأولى تأتي على الترتيب الوارد أدناه:
> طبعة مدينة كلكتا الهندية (الأولى).
> طبعة بولاق (الأولى).
> طبعة كلكتا الهندية الثانية.
> طبعة برسلاو. في بولندا.
> طبقعة بولاق (الثانية).
وتتابعت الطبعات بعد ذلك كما أشرنا سالفا.
وقد جرى بحث طول عن أصول هذه الحكايات، ولكن دون نتيجة تذكر، فقد أغلقت الأبواب أمام الباحثين في هذا الشأن.
أما عن ترجمتها الأولى، فقد كنا ذكرنا ان الذي ترجمها في البداية اسمه: جالان. وكانت ترجمته مع التصرف، وقد تأكد الباحثون أنه تصرف كبير، وجالان هذا من فرنسا واسمه الكامل انطوان جالان، وقد بدأ بعض الغربيين في ترجمة ألف ليلة وليلة مثل ترجمته، ثم طبعت في طبعات مختلفة منها ما هو مصور بجميل الصور، ومنها ما أعد لكي يقرؤه الأطفال، فكانت كتابته وصوره على النمط المعهود لقصص الصغار.
ولم تخرج الموسوعة العالمية كثيرا عما سبق ذكره ولعل من أهم ما ورد في هذه الموسوعة، ما يلي: تُمثل القصص بيئات شتى خيالية وواقعية، وأكثر البيئات بروزاً هي: مصر ثم العراق وسورية، واختلف الباحثون حول تقسيم القصص بحسب المواطن.
والنسخ تختلف فيما ورد فيها من القصص اختلافاً قليلاً ثم قسمت - مجموعة ألف ليلة وليلة - بحسب الموضوعات عبر القصص كلها. ودرست في العربية. وقد أظهرت الدراسة اختلاف أساليب القصص، وطرق المعالجة باختلاف الموضوع لاصطباغه بالمنبع الذي عنه أخذ.
ويقسم ليتمان الليالي الى موضوعات، في آخر نسخة من دائرة المعارف الاسلامية.
وهي تدرس - كذلك - من حيث تنوع النسخ والترجمات دراسة دقيقة فاحصة. وتدرس من حيث سبب تسميتها بهذا الاسم.
وتكرر الموسوعة ان الدراسة التاريخية، والأسماء التي وردت في الحكايات وكذلك ما ذكر فيها من الأشياء والأماكن قد تعين على تحديد عصر ألف ليلة وليلة مع صعوبة ذلك، لأن القصص ذاتها تتحدث عن عدة عصور وعدة أماكن بل وعدة ملوك ما يجعل الوصول الى المطلوب وهو تحديد الزمان الذي رويت فيه صعبا للغاية.
أما ليتمان الذي ورد ذكره أعلاه، ويبدو أنه من كتاب دائرة المعارف الاسلامية وهو باحث ألماني له دور كبير في دراسة التراث الشعبي العالمي، له الى جانب ما ذكرناه كتاب خاص بموضوعنا هذا عنوانه: ألف ليلة وليلة، دراسة وتحليل إنه إينو ليتمان، وقد ولد في سنة 1892م، ومات في سنة 1958م.
أساس حكايات ألف ليلة وليلة بطلان مهمان تدور بهما كل حكاية. وهما الملك شهريار وابنة الوزير شهرزاد، وكان شهريار قد اكتشف خيانة زوجته له، فقتلها، ثم صار يتزوج في كل ليلة بواحدة من نساء بلده، ويقتلها في الصباح خوفا من انحرافها كما صنعت الأولى. وقد ضج الناس جميعا لهذا الأمر، وكثر عدد المنكوبين ببناتهم، ولم يبق في المدينة إلا ابنة الوزير وهي: شهرزاد، وكانت فتاة ذكية قارئة للكتب وأخبار الملوك والشعر، فقالت لوالدها: زوجني هذا الملك، إما أن أعيش، وإما أن أكون فداء للبنات وسببا في خلاصهن من هذه المأساة.
كانت شهرزاد - بعد أن تزوجت بالملك - تقص عليه في كل ليلة حكاية تتوقف عن إكمالها عند طلوع الصباح، فيكون الملك متشوقا الى سماع باقيها، فيضطر الى استبقاء شهرزاد لليلة إضافية حتى يستمع الى باقي الحكاية التي تربطها في نهاية الليل بحكاية أخرى تتوقف عن روايتها عند طلوع الصباح وهكذا حتى انها أنهت ألف ليلة وليلة على هذه الشاكلة فلا هي توقفت، ولا هو مل سماعها، وبعد انتهاء هذه المدة زالت من نفس الملك تلك الأفكار السوداء عن النساء فأبقاها زوجة له الى الأبد، وأقلع عن سيرته السابقة.
وتحولت حكايات شهر زاد الى كتاب ضخم يضم بين دفتيه هذه المجموعة الكبيرة مما روته لشهريار، وقد جرى حديث عن أصول هذه الحكايات في عدد من الكتب، منها ما أشرنا إليه قبل قليل، أما وصول الكتاب الجامع لحكايات ألف ليلة وليلة فقد جاءنا كما يلي، وقد أشرنا الى بعضه سلفا، تعود أقدم مخطوطة وصلت إلينا من ألف ليلة وليلة الى القرن الحادي عشر الهجري، وقد كتبت بلغة أقرب الى العامية ومسجوعة أحيانا، وتتجه بخطابها القصصي الى الإنسان العادي، ولم تتقيد بقواعد النحو العربي، ولم يعرف لها مؤلف ولذلك فهي من الأدب الشعبي.
وإن كنا لاحظنا الاهتمام الغربي الكبير بهذه الحكايات، وتنويع ما كتب حولها والاستفادة منها في تقديم كتب مصورة جميلة للأطفال فإننا نستطيع ان نقول إنه لم يكن المستشرقون من كتاب الغرب - فقط - هم الذين اهتموا بألف ليلة وليلة وكتبوا عنها، ففي تراثنا أكثر من رجل أمين قد ذكروا ذلك، ومنهم ابن النديم في كتابه الفهرست، والمرزوقي في كتابه: الأزمنة والأمكنة.
ومما يجدر بنا قوله هو أن: عددا من الموسوعات قد كتبت عن ألف ليلة وليلة كتابات كثيرة فيها توسع، وفيها عودة الى الأصول، والى الترجمات، والى الطبعات بأنواعها ولكننا نلاحظ التشابه الكبير بين المقولات التي ترد في هذه الموسوعات، حتى تصل الى شيء من التماثل، وهذا غير مستغرب فالموضوع واحد، ودراسته قديمة وعميقة وختاما لعرضنا هذا فإننا نجد بعض ما كتب مما يستحق الإثبات هنا لأنه فيه اختلاف ولو كان يسيرا عن المنقولات السابقة التي علقنا عليها، وفي هذا الذي نشير إليه فقرتان مهمتان هما:
أ) بعد اشارة الى مصادر ألف ليلة وليلة، والى الأصل الذي تنزع إليه جاء هذا التعليق أما الحقائق الثابتة حول أصلها، فهي انها لم تخرج بصورتها الحالية، وإنما ألفت على مراحل وأضيفت إليها على مر الزمن مجموعة من القصص بعضها له أصول هندية قديمة معروفة، وبعضها مأخوذ من أخبار العرب وقصصهم الحديثة نسبيا، أما موطن هذه القصص، فقد ثبت أنها تمثل بيئات شتى خيالية وواقعية، وأكثر البيئات بروزاً العراق وسورية ومصر، القصص بشكلها الحالي كانت قد كتبت في حوالي 1500 للميلاد.
ب) أما الفقرة الثانية فهي تشير الى ما يلي: وتعتبر ألف ليلة وليلة من أفضل ما في المكتبة العربية من مصدر حياتي واقعي لما تحتويه من الاشعار ولما تشير إليه من حكايات وقصص تعرفنا بالتاريخ القديم والعادات التي كان لها التأثير، كل التأثير اجتماعياً، وثقافياً وعلمياً ويستدل على ذلك من سعة انتشار هذا الاثر الخالد وتهافت المطابع العربية ودور النشر قديما وحديثا على اعادة طباعته في مجمل عواصم العالم عدا عن المبادرة الى ترجمته الى مختلف اللغات ونخص بالذكر الترجمتين الفرنسية والانجليزية.
ومما ينبغي ذكره هنا ان الفقرة رقم أ التي مضت انما هي تعليق على القول السائد عن أصل ألف ليلة وليلة وهو أنها من أصل فارسي قد ترجمت عنه وهو هزار أفسان، ومعناه ألف خرافة وقد بين لنا ما ورد في الفقرة (أ) أن تنوع ما ورد في الكتاب الذي بين أيدينا ينفي ذلك.
ولئن كنا قد تحدثنا - من قبل - عن اينو ليتمان فإن من المهم ان نوسع دائرة الحديث عنه، فهو رجل يستحق ذلك، فقد كان له دور في الحياة العلمية ليس في بلده بل وفي مصر العربية كذلك، فقد كان من كبار المشاركين في الدراسات الشرقية، وكان مدرسا في الجامعة المصرية القديمة لبعض الوقت، وكان عضوا في مجمع اللغة العربية بمصر، وما ينبغي ان يذكر هنا ان المجمع أقام له حفل تأبين مهم عندما مات وشارك في ذلك الحفل د.طه حسين الذي كان يطلق عليه لقب عميد الادب العربي.
ولقد قال العميد يومذاك:
إذا ذكرت الاستاذ ليتمان فلست أذكر زميلا في المجمع فحسب، وإنما أذكر استاذاً كان له أبلغ الاثر- لا أقول في حياتي الخاصة - ولكن في حياة كثير من الشباب الذين كانوا يختلفون الى الجامعة المصرية القديمة، وما أعرف أن أحدا أثر في الحياة العقلية في الشباب المصريين في ذلك الوقت كهذين الاستاذين العظيمين اللذين كانا عضوين في هذا المجمع: الاستاذ نالينو والاستاذ ليتمان
هذا بعض ما قيل عن ليتمان الذي كان ضِمن أولئك الذين قاموا بترجمة كتاب ألف ليلة وليلة، وقد اعترف له بالتفوق كتاب في شأن الترجمات هو: مترجمو ألف ليلة وليلة، وهو خورخي لويس بورخيس وهو كاتب ارجنتيني تولي الحديث عن ترجمات هذا الكتاب التراثي، وكان من بين الترجمات التي تحدث عنها هذه الترجمة التي قام بها اينو ليتمان، وقال عنها: ان ترجمة اينو ليتمان هي على الدوام واعية، وقابلة للقراءة، وعادية، وانه يتبع ايقاع اللغة العربية نفسها، وترجمته هي الأفضل.
ونعود الآن إلى كتاب ألف ليلة وليلة، ونحن نقصد - بالطبع - النسخة العربية من هذا الكتاب، وقد جرى طبعها كثيراً كما اشرنا من قبل، وتكاد تكون قد طبعت في كل بد عربي، الا ما قل من ذلك، وكانت لي مفاجأة ان وجدت في احدى مكتبات بيع الكتب في الكويت طبعة أنيقة متقنة تتكون من اربعة مجلدات، وتحتوي على أغلفه ملونة وعلى صور ملونة في داخل كل جزء من اجزائها.
طبعت هذه الطبعة في الجزائر، وبالتحديد لدى دار الهدى هناك، وهذه الدار لها فروع في وطنها موزعة على عين مليله، وقسنطينة، والجزائر، ووهران، وللدار وكيل أو شريك - لا أعرف - في بيروت هو: المكتبة الحديثة، ناشرون، وربما كانت هذه المكتبة من ممتلكات الدار الجزائرية اتخذتها من أجل تسهيل توزيع انتاجها من الكتب في بقية اجزاء الوطن العربي.
كان الذي ذكرنا فيما مضى من سطور هو بمثابة مقدمة لما نريد ان نذكره عن حكايات ألف ليلة وليلة، واذا كنا قد اسهبنا في كل ما ذكرناه فإن ذلك من مقتضيات الموضوع فألف ليلة وليلة ذات أهمية كبرى في التراث الشعبي العربي وهي إضافة إلى ذلك قد خرجت من عالمنا إلى عالم الغرب فترجمت وكانت أهم ترجمتين لها هما: الانجليزية والفرنسية واهتمام الاجانب وعلى الأخص منهم فئة المستشرفين بهذه الحكايات دليل على أهميتها فهي تمثل التاريخ الاجتماعي للقرون التي وردت الحكايات عنها، وهي متنوعة بشكل يلفت الانظار الى انماط الحياة التي تدل عليها القصص التي جاءت متنوعة على صورة تلفت الانظار وتملأ الذهن بالمعلومات بجميع انواعها، وهذا هو ما يبحث عنه الباحثون وما دمنا قد تحدثنا عن طبعة الجزائر لكتاب ألف ليلة وليلة وهي طبعة - فيما نرى - دقيقة، وكان الحرص على اتقانها واضحاً يراه القارئ ابتداء من غلافها، ومع ذلك فهي شبيهة بالطبعات العربية الاخرى من حيث عدد القصص وترتيبها وشخصيات كل قصة، ولا نكاد نجد فرقا واضحاً بين طبعة واخرى إلا فيما ندر وهذا بيان عنها.
يبدأ الجزء الأول ببيان كيفية ابتداء الحكايات، وهذا البيان يأتي سهلاً يسيرا، معبراً عن سلوك طريق شهرزاد الى رواية حكاياتها ومن ثم إلى قلب الملك الذي كان لا يصبر على أي فتاة يتزوجها أكثر من ليلة واحدة فاضطر بسبب ذكائها واحاديثها إلى الصبر عليها ألف ليلة وليلة، ولم تخضع لما خضع له أمثالها من الفتيات اللاتي تزوجهن الملك من قبلها. وحكاية الابتداء هذه سوف نقدمها كاملة مع تصرف قليل بعد ان نذكر بيانات الأجزاء الأربعة كاملة وذلك كما يلي باختصار شديد.
الجزء الأول، وابتداؤه من الليلة الأولى إلى الليلة الثامنة والستين بعد المئة، وتحتوي على الحكايات التالية:
أ) حكاية المقدمة.
ب) التاجر مع العفريت.
ت) الشيخ الأول صاحب الغزالة
ث) الشيخ الثاني صاحب الكلبتين.
ج) الشيخ الثالث صاحب البغلة.
ح) حكاية الصياد مع العفريت.
وذلك مستمر على هذا النمط إلى نهاية ليالي الجزء الأول.
الجزء الثاني: ويبدأ من الليلة التاسعة والستين بعد المئة ويحتوي على روايات منها:
أ- حكاية الراعي العابد حكاية الطيور والوحوش مع بني آدم.
ب- حكاية العصفور.
ت- حكاية الحائل.
ث- حكاية قمر الزمان.
وهكذا يبدو لنا تنوع هذا الجزء من الكتاب لأن شهرزاد تكون قد أطمأنت كثيراً إلى حياتها، وعلمت ان شهريار مشتاق إلى سماعها في كل ليلة منتظراً متى تنتهي هذه الحكايات اللطيفة المتنوعة، فصارت حكاياتها هنا أكثر عمقاً وأشمل في المعاني والموضوعات، وهذا الجزء من الكتاب ينتهي في الليلة التاسعة والأربعين بعد المئة الرابعة، بزيادة كبيرة على القصص التي وردت في الجزء الأول الذي لم يتجاوز الثامنة والستين بعد المئة، وهذا ما يدل على صدق ما أشرنا إليه من اطمئنان شهرزاد وانطلاقها في بث حكاياتها لشهريار.
الجزء الثالث: وهذا الجزء يبدأ منذ الليلة الخمسين بعد المئة الرابعة، وينتهي عند الليلة الخامسة والاربعين بعد المئة السابعة، وهي مملوء بالحكايات وان كان بعضها قصيراً إلا انه لا يخرج عن الطريق التي سلكتها شهرزاد في سردها للاحداث دون ان يمل مستمعها او يدركه النوم قبل ان يدركها الصباح.
ومن موضوعات هذا الجزء:
- تودد الجارية.
- المرأة الصالحة.
- الرجل الصالح.
- حكاية إبراهيم الخواص مع ابنة الملك.
- حكاية السندباد.
- حكاية مدينة الجن.
وهذا من الملاحظ ان بعض الحكايات لا ينتهي في ليلة واحدة من ليالي ألف ليلة، بل إن هذا البعض ليأخذ عدة ليال.
مثلما حدث مع حكاية السندباد التي اخذت شهرزاد في سردها ليالي طويلة.
ومثل ذلك حكاية: كيد النساء وحكاية على الزيبق المصري، وغيره.
الجزء الرابع: وهو الأخير، من أجزاء كتاب ألف ليلة وليلة، وقد كانت بدايته مع الليلة السادسة والأربعين بعد المئة السابعة الى ان أنتهي في الليلة الاولى بعد الألف ويتميز هذا الجزء في ان بعض حكاياته تتكون من عدة فصول، وان بعضها يتكون من فصل واحد ولكنها استغرقت عدة ليال حتى صار تمام الحكاية. ومن حكايات هذا الجزء.
- حكاية حسن وهي متفرعة إلى عدة حكايات.
- حكاية مسرور التاجر.
- حكاية مريم الزنارية.
- حكاية الثعلب والذئب.
- حكاية صياد السمك.
ينبغي ان نذكر أمرين مهمين يتعلقان بحكايات ألف ليلة وليلة، وهما:
أ) ان بعض الحكايات قد أخذت شهرة كبيرة بين الناس، وكان أكثرهم يحرص على تداولها، وقضاء السهرات معها لما فيها من تشويق وحبكة قصصية ممتعة.
ب) ان بعض هذه الحكايات وعلى الأخص منها ما يمكن ان ينطبق عليه ما ورد في البند (أ) قد طبع في كراسات أو كتيبات صغيرة، وصار يباع لدى مكتبات بيع الكتب مفصولا عن ألف ليلة وليلة، حتى لقد صار مشهورا بذلك ومن هذا حكايات السندباد، وتودد الجارية، وليس الجليس، وقمر الزمن، حسن الصايغ، على الذيبق.
وكثير آخر من أمثال هذه الحكايات، وأذكر أن أكثر من بائع لها يقوم بعرضها في الكويت إضافة الى المكتبات المخصصة لبيع الكتب وهي مطبوعة في مصر وفي تونس.
وأخيراً فهذه هي حكاية الابتداء كما وردت في الجزء الأول من الكتاب، وهي تبين لنا كيف وصلت شهر زاد الى الملك لكي تكون زوجته، ولكي تحتفظ برأسها سليما بعد أن كان هذا الملك يقتل كل صباح زوجة جديدة.
وشهر زاد هي ابنة وزير الملك، وقد كان من تلك البداية ما يلي، وذلك وفق الحكاية التي وردت في بداية الكتاب ودلت على منهجه في تقديم القصص التي يحتوى عليها.
بعد أن قتل الملك شهريار آخر فتاة تزوج بها، دعا اليه وزيره، وقال له: أحضر الى زوجة أخرى ولا يمر هذا النهار إلا وقد أتيت بها، وكان هذا هو جاري عادته معه.
فخرج الوزير، لكي يبحث عن الفتاة المطلوبة، ولكنه لم يجد وضافت به الدنيا فتوجه الى منزله وهو خائف من الملك إن جاء المساء ولم يجد الفتاة المطلوبة، تقول الحكاية: وكان للوزير ابنتان ذاتا حسن وجمال وبهاء، وقد اعتدال الكبيرة اسمها شهر زاد والصغيرة اسمها دنيازاد، وكانت الكبيرة قد قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين وأخبار الأمم الماضين، قيل إنها جمعت ألف كتاب من كتب التواريخ المتعلقة بالأمم السالفة والملوك الخالية والشعراء فقالت لأبيها: مالي أراك متغيرا حاملا الهم والأحزان وقد قال بعضهم في المعنى شعرا:
قل لمن يحمل هما
إن هماً لا يدوم
مثل ما يفنى السرور
هكذا تفنى الهموم
فلما سمع الوزير من ابنته هذا الكلام حكى لها ما جرى له من الأول الى الآخر مع الملك فقالت له: بالله يا أبت زوجني هذا الملك، فإما أن أعيش وإما أن أكون فداء لبنات المسلمين وسببا لخلاصهن من بين يديه، فقال لها: بالله عليك لا تخاطري بنفسك أبدا، فقالت له: لابد من ذلك، فقال: أخشى عليك أن يحصل لك ما حصل للحمار والثور مع صاحب الزرع، فقالت له: وما الذي جرى لهما يا أبت؟
قال: اعلمي يا ابنتي أنه كان لبعض التجار أموال ومواش وكان له زوجة وأولاد، وكان الله تعالى أعطاه معرفة ألسن الحيوانات والطير، وكان مسكن التاجر الأرياف، وكان عنده في داره حمار وثور، فأتى يوما الثور الى مكان الحمار فوجده مكنوسا مرشوشا، وفي معلفه شعير مغربل وتبن مغربل، وهو راقد مستريح، وفي بعض الأوقات يركبه صاحبه لحاجة تعرض له ويرجع على حاله، فلما كان في بعض الأيام سمع التاجر الثور وهو يقول للحمار: هنيئا لك ذلك، أنا تعبان وأنت مستريح تأكل الشعير مغربلا، ويخدمونك وفي بعض الأوقات يركبك صاحبك ويرجع، وأنا دائما للحرث.
فقال له الحمار: إذا خرجت الى الغيط ووضعوا على رقبتك الناف فارقد ولا تقم ولو ضربوك، فإن قمت فارقد ثانيا، فإذا رجعوا بك ووضعوا لك الفول فلا تأكله كأنك ضعيف، وامتنع عن الأكل والشرب يوما أو يومين أو ثلاثة فإنك تستريح من التعب والجهد، وكان التاجر يسمع كلامهما، فلما جاء السواق الى الثور يعلفه أكل منه شيئا يسيرا فأصبح السواق يأخذ الثور الى الحرث، فوجده ضعيفا فقال له التاجر: خذ الحمار وَحَرِّثْه مكانه اليوم كله، فلما رجع آخر النهار شكره الثور على تفضلاته حيث أراحه من التعب في ذلك اليوم، فلم يرد عليه الحمار جوابا وندم أشد الندامة، فلما كان ثاني يوم جاء المزارع، وأخذ الحمار وَحَرِّثْه الى آخر النهار فلم يرجع إلا مسلوخ الرقبة شديد الضعف، فتأمله الثور وشكره ومجده، فقال له الحمار: كنت مقيما مستريحا فما ضرني إلا فضولي، ثم قال: أعلم أني لك ناصح، وقد سمعت صاحبنا يقول: إن لم يقم الثور من موضعه فاعطوه الجزار ليذبحه ويعمل جسمه قطعا، وأنا خائف عليك ونصحتك والسلام.
فلما سمع الثور كلام الحمار شكره وقال في غد أسرح معهم، ثم إن الثور أكل علفه بتمامه حتى لحس المذود بلسانه، كل ذلك وصاحبهما يسمع كلامهما، فلما طلع النهار وخرج التاجر وزوجته الى دار البقر وجلسا فجاء السواق، وأخذ الثور وخرج، فلما رأى الثور صاحبه حرك ذنبه، وبرطع، فضحك التاجر حتى استلقى على قفاه.
فقالت له زوجته: من أي شيء تضحك فقال لها: شيء رأيته وسمعته ولا أقدر أن أبوح به فأموت، فقالت له: لابد أن تخبرني بذلك وما سبب ضحكك، ولو كُنْتَ تموت، فقال لها: ما أقدر أن أبوح به خوفا من الموت، فقالت له: أنت لم تضحك إلا علي، ثم أنها لم تزل تلح عليه وتلح في الكلام الى أن غلبت عليه، فتحير وأحضر أولاده، وأرسل فأحضر القاضي والشهود، وأراد أن يوصي ثم يبوح لها بالسر ويموت، لأنه كان يحبها محبة عظيمة، فهي بنت عمه وأم أولاده، وكان عَمَّرَ من العمر مئة وعشرين سنة.
ثم إنه أرسل وأحضر جميع أهلها وأهل حارته، وقال لهم حكايته وأنه متى قال لأحد على سره مات، فقال لها جميع الناس ممن حضر: بالله عليك اتركي هذا الأمر لئلا يموت زوجك أبو أولادك، فقالت لهم: لا أرجع عنه حتى يقول لي ولو يموت، فسكتوا عنها، ثم إن التاجر قام من عندهم، وتوجه إلى دار الدواب ليتوضأ ثم يرجع يقول لكي لهم ويموت.
وكان عنده ديك تحته خمسون دجاجة، وكان عنده كلب، فسمع التاجر الكلب وهو ينادي الديك ويسبه ويقول له: أنت فرحان وصاحبنا رايح يموت، فقال الديك للكلب: وكيف ذلك الأمر؟ فأعاد الكلب عليه القصة، فقال له الديك: والله ان صاحبنا قليل العقل، انا لي خمسون زوجة أرضي هذه، وأُغْضِبُ هذه وهو ما له إلا زوجة واحدة لا يعرف صلاح أمره معها، فما له لا يأخذ لها بعضها من عيدان التوت ثم يدخل الى حجرتها ويضربها حتى تموت او تتوب ولا تعود تسأله عن شيء.
قال: فلما سمع التاجر كلام الدين وهو يخاطب الكلب رجع الى عقله، وعزم على ضربها، ثم قال الوزير لابنته شهرزاد: ربما فعل بكل مثل ما فعل التاجر بزوجته، فقالت له: ما فعل؟ قال: دخل عليها الحجرة بعدما قطع لها عيدان التوت، وخبأها داخل الحجرة وقال لها: تعالي داخل الحجرة حتى أقول لك، لا ينظرني أحد ثم أموت، فدخلت معه، ثم انه قفل باب الحجرة عليهما، ونزل عليها بالضرب الى ان أغمي عليها، فقالت له: تبت، ثم انها قبلت يديه ورجليه وتابت، وخرجت وإياه وفرح الجماعة وأهلها وصاروا في أسر الأحوال الى الممات. فلما سمعت ابنة الوزير مقالة أبيها قالت له: لا بد من ذلك، فجهزها وطلع الى الملك شهريار، وكانت قد أوصت أختها الصغيرة وقالت لها: اذا توجهت الى الملك أرسلت أطلبك فاذا جئت عندي ورأيت الملك جالسا فقولي: يا أختي حدثينا حديثا غريبا نقطع به السهر، وأنا أحدثك حديثا يكون فيه الخلاص ان شاء الله. ثم ان أباها الوزير طلع بها الى الملك فلما رآه فرح وقال: أتيت بحاجتي؟ فقال؟ نعم، فلما أراد ان يدخل عليها بكت، فقال لها، ما بك؟ فقالت: أيها الملك ان لي أختا صغيرة أريد ان أودعها، فأرسلها الملك اليها فجاءت الى أختها وعانقتها وجلست تحت السرير، فقام الملك ثم جلسوا يتحدثون، فقالت لها أختها الصغيرة: بالله عليك يا أختي حدثينا حديثا نقطع به سهر ليلتنا فقالت: حبا وكرامة ان أذن الملك المهذب، فلما سمع ذلك الكلام وكان به قلق فرح بسماع الحديث وأذن لها.
ومن هنا ابتدأت الحكايات، ومضت شهرزاد وهي تغترف من بحر قراءاتها في كل ليلة ما يشغل بال شهريار الى الصباح، فيضطر للانتظار حتى يستمع الى آخر هذا الحديث الطلي وكانت النتيجة ان زالت من نفسه النقمة التي كان يحس بها تجاه النساء اذ عرف أنهن لسن كلهن مثل زوجته الأولى التي خانته.[..]
القسم الثاني
لا يكتمل حديثنا عن ألف ليلة وليلة إلا إذا تحدثنا عن أولئك الذين اهتموا بها من الأدباء العرب. ولن نجد أهم من الدكتورة سهير القلماوي، والأستاذ أحمد رشدي صالح لكي نتحدث عنهما بهذا الشأن، وذلك كما يلي:
أولاً: أحمد رشدي صالح، وقد تحدثنا عنه فيما مضى ناقلين عنه بعض الأفكار التي قدمها بشأن هذا الكتاب المهم من كتب التراث الشعبي.
ويعتبر هذا الأديب من أوائل المهتمين بالفنون الشعبية في بلاد العرب، وهو من مواليد سنة 1920م، وكانت وفاته في سنة 1980م، نشأ في محافظة المنيا، ودرس حتى تمكن من الالتحاق بجامعة القاهرة التي تخرج منها بقسم اللغة الإنجليزية سنة 1941م، كما تخرج من معهد الصحافة في سنة 1943م.
وابتدأ حياته العملية بعد ذلك فكان أول عمل قام به هو أنه صار مذيعاً في الإذاعة، ثم صار محرراً أدبياً في جريدة الجمهورية، وذلك في سنة 1957م، ثم بعد ذلك تم اختياره مديراً لمركز الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، ثم عين عضواً متفرغاً في مجلس إدارة مؤسسة المسرح، وانتقل من هذا العمل لكي يكون مشرفاً على مسارح الفنون الشعبية والفرق الاستعراضية.
وبعد كل هذه الأعمال استقال من وزارة الثقافة، والتحق بالعمل بالصحف مرة أخرى، وذلك بانضمامه إلى أسرة أخبار اليوم، فتفرغ بذلك للعمل في الصحافة.
ولقد كان اهتمامه بالفنون الشعبية اهتماماً كبيراً حتى لفت إليه الأنظار فانتخبته لجنة الفولوكلور الدولية التي تتبع منظمة اليونسكو عضوا بها عن المشرق العربي، وذلك في سنة 1967م.
أما في وطنه فقد أعيد تعيينه في سنة 1970م، مشرفاً عاماً على الفرق القومية للفنون الشعبية.
والتفتت جامعة الاسكندرية إلى أعماله هذه فمنحته جائزة في الأدب الشعبي تقديراً لجهوده التي بذلها طوال حياته.
وكانت له عدة مؤلفات منها ما هو في السياسة والتاريخ ومنها ما هو متعلق باهتمامه الأخير وهو الفنون الشعبية وله -أيضاً- اهتمام بكتابة القصة والرواية، والترجمة فقد ترجم أربعين قصة من الأدب العالمي.
وفيما يتعلق بمؤلفاته الخاصة بالتراث الشعبي فهي:
- الأدب الشعبي 1955م.
- فنون الأدب الشعبي 1956م.
- الفنون الشعبية 1960م.
- الفلكلور والعالم المعاصر 1972م.
- المسرح العربي 1973م.
وَكُلُّ هذا يكفي للدلالة على همة هذا الرجل الأديب، وعلى حرصه على أداء واجبه تجاه ما خصص أوقاته له من أعمال كان أهمها ما يتعلق بالتراث الشعبي.
ثانياً: الدكتورة سهير القلماوي، وهي احدى الكاتبات والأديبات الأوليات في مصر، وكانت من أوائل الدفعات التي التحقت بالجامعة، وفي سنة 1941م حصلت على الماجستير والدكتوراه في الآداب، وكان تخصصها في الأدب العربي، وكانت أول محاضرة تُعينُ في الجامعة، وهي من السيدات الأوليات في من شغلن منصب رئاسة قسم علمي، فكانت رئيس قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة، ورئيسة الاتحاد المصري النسوي، ورئيسة الرابطة العربية للخريجات وقد نشرت لها مجموعة من الكتابات ضمن مجلدين بعنوان أحاديث جدتي، وهي تتضمن مجموعة من القصص القصيرة، مع درسات نقدية، وعدد كبير من تراجم أعلام الأدب.
والدكتورة سهير القلماوي، من مواليد القاهرة، وكان مولدها في اليوم العشرين من شهر يوليه لسنة 1911م، ولقد عاشت في القاهرة طيلة حياتها، وكانت قد نشأت في أسرة تفخر -دائماً- بتعليم بناتها، ومنهن هذه المرأة المجدة المنتجة.. ومن علامات جدها أنها انْكَبِّتْ على قراءة الكتب التي تضمها مكتبة والدها، فاستفادت منها فائدة كبيرة ولقد كانت هذه المكتبة غنية بأنواع الكتب من شتى المعارف، وكان مؤلفو تلك الكتب هم الذين صاغوا شخصيتها الأدبية، وصقلوا موهبتها، حتى رأيناها على مثل ما رأيناها عليه من مقدرة أدبية وفكرية.
وكانت إبان طفولتها عندما قامت ثورة سنة 1919م المصرية وحركت الشارع المصري بأسره بما في ذلك الفرع النسوي من هذا الشارع فظهرت النسوة المصريات إلى الشارع لأول مرة وشاركن في المظاهرات، وفي أنشطة الثورة المختلفة، وقد تأثرت سهير القلماوي في وقت مبكر بهذا النشاط الكبير، وكانت هدى شعراوي هي المثل الأعلى لها، ومعها صفية زغلول وهي شخصية مصرية قومية بارزة في ذلك الوقت، ومن ذلك الوقت، ولكثرة ما شاهدت من الأنشطة النسوية وحضرت من المناظرات فإنها اختزنت في ذهنها وفي ضميرها ما شكل بعض مبادئها المتعلقة بالحركة النسائية.
أنهت سهير القلماوي المرحلة ما قبل الجامعية في الكلية الأميركية للبنات وتوجهت إلى دراسة الطب، ولكنها لأمر ما لم تقبل في هذه الدراسة، فاتجهت بتشجيع من والدها إلى دراسة الأدب العربي، فتم ذلك والتحقت بالجامعة بصفتها فتاة شابة تتلقى الدراسة بين أربعين من الرجال، وتدرس الأدب العربي، وكان الدكتور طه حسين -آنذاك- رئيساً لقسم اللغة العربية بالجامعة، ورئيساً لتحرير مجلة جامعة القاهرة.
وقد اهتم الدكتور طه حسين بهذه الفتاة فجعلها مساعدة رئيس تحرير تلك المجلة في سنة 1932م. وبذلك حصلت على رخصة العمل بالصحافة وكانت أول امرأة مصرية تنال هذه الرخصة، وأضافت إلى ذلك نشاطاً إذاعياً فكانت تبث برنامجاً للبث الإذاعي من إذاعة القاهرة.
وحصلت على شهادة الماجستير، فَأُرسلَتْ في بعثة بحثية إلى باريس للاستعداد بأبحاث تعينها على الحصول على شهادة الدكتوراه وكان ذلك في سنة 1941م.
ومن بعد ذلك أنهت دراستها بالحصول على الدكتوراه فكانت أول امرأة مصرية تنال هذه الشهادة، وكانت من جامعة القاهرة التي احتضنتها منذ بداية دراستها.
وأنهت دراستها بذلك ثم ابتدأت في أداء العمل الموكول إليها فكانت أول امرأة مصرية تحاضر في الجامعة في سنة 1936م. ولم تتوقف عند ذلك، فسارت في طريقها العلمي والعملي حتى صارت أستاذة جامعية، وأدى ذلك إلى حصولها على مركز رئيسة قسم اللغة العربية في سنة 1985م.
هذا فيما يتعلق بعملها الرسمي الذي قامت به بناء على دراستها، وتخصصها العلمي في جامعة القاهرة، أما نشاطها الاجتماعي الواسع في خارج هذه الدائرة فهو متشعب ومنه ما يلي:
- كانت في سنة 1959م رئيسة للاتحاد المصري النسوي.
- وصارت بعد ذلك رئيسة لرابطة خريجات جامعة المرأة المصرية.
- أصبحت في سنة 1967م رئيسة للهيئة العامة للسينما والمسرح والموسيقى.
- وفي سنة 1988م صارت رئيساً لمجمع ثقافة الطفل، وكانت تسهم عبر عملها الأدبي في الدعوة للحفاظ على حقوق المرأة، كما تسهم في ذلك عبر المؤتمرات واللقاءات المتعلقة بالشؤون النسوية، وكان اهتمامها هذا قد أوصلها إلى رئاسة المؤتمر الدولي للمرأة في سنة 1960م.
إلى غير ذلك من الأمور المهمة، فقد كانت الدكتورة سهير القلماوي لا تهدأ بالا دون أن تعمل في المجالين الأدبي الخاص والاجتماعي العام.
وبعد أن قامت بواجبها من هذين العملين الأدبي العلمي، والاجتماعي؛ اتجهت إلى العمل السياسي، فصارت عضوا في البرلمان المصري في سنة 1958م ثم في سنة 1979م ثم في سنة 1984م. وصارت -أيضاً- رئيسة لإحدى الإدارات التابعة للهيئة المصرية للنشر والتوزيع، فعملت على نشر الكتاب والتشجيع على القراءة والإطلاع، واهتمت بتنمية صناعة الكتاب، وعندما جاءت سنة 1967م قامت بعمل كبير في هذا المجال يوم أسست -لأول مرة- معرض القاهرة الدولي للكتاب وهو أول معرض من نوعه في الشرق الأوسط، وأخيراً فإنها صارت رئيسة الهيئة العامة للكتاب منذ سنة 1967م حتى سنة 1971م، ثم وفي آخر أعمالها صارت رئيسة لهيئة الرقابة منذ سنة 1982م حتى سنة 1985م.
في مجال الأعمال الأدبية الكتابية كان للدكتورة سهير القلماوي دور كبير فقد أنجزت خلال مشوارها الإنساني ما يقرب من مئة من المنشورات تحتوي على أبحاث وقصص قصيرة وعلى أعمال أخرى متعددة، وقد يصعب الآن أن نذكر أو نستعرض جميع ما أنجزت، وذلك لكثرته ولتنوع الأغراض التي يبحثها، ولكن ما نستطيع أن نقوله هو أن إنتاج هذه الأديبة البارزة كان إنتاجاً غزيراً يشهد له القراء والنقاد حتى لقد قال هؤلاء: إن القلماوي علامة أدبية بارزة في الحركة الثقافية المعاصرة بمصر.
ونعود هنا لكي نقول إن ما كتبناه عن الدكتورة سهير القلماوي إنما جاء بسبب عرضنا في هذا المقال لكتاب ألف ليلة وليلة وهي وثيقة الصلة بهذا الكتاب. ذلك أن من أهم أعمالها كتابها ألف ليلة وليلة وكان هذا الكتاب هو الرسالة التي نالت بموجبها شهادة الدكتوراه، ونالت بسببها شهرة كبيرة لأن هذه الرسالة كانت متقنة من حيث هي عمل أدبي كبير وراق، وكانت من أوائل رسائل الدكتوراه التي تقدمها امرأة من مصر لجامعة القاهرة.
وسوف نعرض هذا الكتاب فيما بعد، ولكننا لا ننسى أن نشير إلى أن مجهودها الشخصي في تشجيع الأدباء الجدد، واهتمامها بهم وبتوجيههم، ومساعدتهم على نشر إنتاجهم وتوزيعه أمر لا يمكن إغفاله، ومن أجل ذلك فقد حصلت على جوائز يصل عددها إلى ثلاث عشرة جائزة منها جائزة مجمع اللغة العربية في سنة 1954م التي نالتها عن كتابها ألف ليلة وليلة وجائزة الدولة التقديرية في أدب الشباب سنة 1955م، وعدة جوائز تقديرية أخرى قدمتها لها الدولة منها ميدالية تقدير، ووسام الجمهورية من الدرجة الأولى في سنة 1978م، وأخيراً فإنها نالت الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية بمصر في سنة 1987م.
وبعد هذه الجهود الجبارة، والإنجازات الرائعة، والشهرة الكبيرة في جميع المجالات التي طرقتها، توفيت هذه المرأة العاملة المجدة في اليوم الرابع من شهر مايو لسنة 1997م.
لاحظنا أن كتاب ألف ليلة وليلة الذي نالت به الدكتورة سهير القلماوي شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة قد نال نجاحاً كبيراً، واهتم به القراء والنقاد على حد سواء، ونشر لأول مرة عن طريق دار نشر مصرية عالية القيمة هي دار المعارف التي طبعته في صورة جميلة تجذب القراء إليه، ثم أعيدت طباعته عدة مرات، ولايزال الإقبال عليه مستمراً، هذا وقد احتفت الصحافة المصرية به احتفاء شديداً، وامتلأت صفحاتها بعرضه والحديث عنه، وكان من أهم ما صدر في هذا السبيل مقال قامت بنشره جريدة الأهرام المصرية الشهيرة، وكان نشر هذا المقال في اليوم الثامن عشر من شهر أغسطس لسنة 2010م، وذلك بمناسبة صدور طبعة جديدة من كتاب الدكتورة سهير القلماوي الذي نتحدث عنه، وذلك بعد مرور أكثر من نصف قرن على الطبعة التي أصدرتها دار المعارف، ومما ورد في المقال المشار إليه ما يلي:
1 - تحدثت الكاتبة عن أصول الكتاب الذي هو موضوع بحثها، ولاحظت أن فيه كثيرا مما يدل على أصول مصرية في العادات، وفي الشخصيات التي تضمنها النص.
2 - كانت أول طبعة من طبعات ألف ليلة وليلة هي طبعة بولاق بمصر، وأن المستشرقين اهتدوا إلى هذا الكتاب عند الحصول على نسخة من هذه الطبعة، ومن ثم جرت ترجمتها وتم نشرها في الغرب.
3 - أكدت الكاتبة أن حكايات شهرزاد قد مرت بمراحل ثلاث أولاها هي مرحلة حكايتها على ألسنة الناس، والثانية هي مرحلة التدوين، وذلك بنقلها من نص شفهي إلى نص مكتوب وأما المرحلة الثالثة فكانت هي التي جرى فيها جمع تلك المدونات في مجموعات اتخذت فيما بعد شكل الكتاب الذي هو بين أيدينا.
4 - ميز ألف ليلة وليلة أنها دونت واحتفظ بها، وأن المستمعين إليها كانوا من طبقة راقية، جعلت لليالي ميزة على غيرها من فنون الأدب الشعبي.
5 - تستعرض المؤلفة في كتابها الموضوعات التي وردت في ألف ليلة وليلة بصورة عامة دون أن تلجأ إلى تفصيل كل حكاية على حدة وذلك لصعوبة الأمر، وهي ترى أن من أهم موضوعات تلك الحكايات ما يرد فيها من الخوارق، والإنسان يفكر في الخوارق -عادة- لأنه يخاف -بطبعه- من المجهول، وهذا ما جعل الحكايات تجمع بين المعتقدات الشعبية والروح الإسلامية.
6- تناولت الحكايات موضوعات تاريخية من حيث العصور ومن حيث الشخصيات المعروفة، ومن ذلك ما يتعلق بالمرأة ومدى انطباع صورتها العامة على من ورد ذكرهن في القصص.
7- لابد وان نذكر ان كتاب الدكتورة سهير القلماوي قد تعرض لنكسة كبيرة وهذا هو مجمل ما ذكره كاتب مقال الاهرام بهذا الخصوص موضحا الصورة التي كادت تهز الحكايات باكملها، يشار الى ان المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام اصدر قرارا في يونيو الماضي بحفظ البلاغات المقدمة ضد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة وبعض العاملين بالهيئة، بسبب اعادة طباعة ونشر مؤلف الف ليلة وليلة الذي اشار المبلغون الى ان فيه ازدراء الدين الاسلامي وخدش الحياء العام، وكذلك الدعوة الى الفجور والفسق واشاعة الفاحشة.
وكانت رابطة محامون بلا قيود قد تقدمت ببلاغ للنائب العام منذ ايام تطالب فيه بمحاكمة وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة، لاعادة طبع رواية الف ليلة وليلة ضمن هذه السلسلة، موضحة انها تضم عبارات وصورا خادشة للحياء.
وهكذا انتهت الازمة وعاد الكتاب الى ارفف المكتبات لكي يشبع رغبة الناس في قراءته.
عرفت حكايات الف ليلة وليلة في الكويت منذ زمن طويل، وعرفت باجزائها الكاملة الاربعة كما عرفت مقسمة على كتيبات صغيرة يضم كل كتيب منها قصة من القصص، ومن هذه القصص ما يروي حكاية السندباد المشهور برحلاته المتعددة ومغامراته الكثيرة، وهما اثنان بري وبحري، ولما كانت الكويت تعيش على ساحل البحر وكان الناس فيها يعتمدون عليه في كسب معيشتهم فان اقرب السندبادين اليهم هو البحري منهما، ولذا فقد شاعت اخباره في البلاد، واصبح مشهورا على نطاق واسع، ولما يقوم به ابناء الكويت من جهود كبيرة في المجال البحري، وما يبدونه من نشاط وهمة عالية في رحلات الغوص والسفر، فقد اطلق عليهم لقب ابناء السندباد، وهو عنوان كتاب الان فاليارس الذي كتبه واصفا رحلته على متن سفينة كويتية يقودها النوخذة علي النجدي.
اذن فان اختيارنا قد وقع على جزء من اجزاء حكاية السندباد التي روتها شهرزاد في احدى لياليها وهي الليلة الحادية والثلاثين بعد المئة الخامسة: حيثُ جلست الراوية امام الملك والى جوارها اختها دنيازاد، وبدأت الحكاية بما يلي: بلغني ايها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد انه كان في زمن الخليفة هارون الرشيد بمدينة بغداد رجل يقال له السندباد الحَمَّال، وكان رجلا فقير الحال يحمل تجارته على رأسه فاتفق له انه حمل في يوم من الايام حملة ثقيلة، وكان ذلك اليوم شديد الحر فتعب من تلك الحملة وعرق واشتد عليه الحر، فمر على باب رجل تاجر قدامه كنس ورش وهناك هواء معتدل، وكان بجانب الباب مصطبة عريضة فحط الحمال حمولته على تلك المصطبة ليستريح ويشم الهواء.
فخرج عليه من ذلك الباب نسيم رائق ورائحة زكية، فاستلذ الحمال لذلك وجلس على جانب المصطبة، فسمع في ذلك المكان نغم اوتار وعودا واصواتا مطربة وانواع انشاد معربة، وسمع ايضا اصوات طيور تناغي وتسبح الله تعالى باختلاف الاصوات وسائر اللغات، من قماري وهزار وشحارير وبلابل وفاخت وكروان.
فعند ذلك تعجب في نفسه وطرب طربا شديدا، فتقدم الى ذلك الباب فوجد في داخل البيت بستانا عظيما، ونظر فيه غلمانا وعبيدا وخداما وحشما وشيئا لا يوجد الا عند الملوك والسلاطين، وبعد ذلك هبت عليه رائحة اطعمة طيبة زكية من جميع الالوان المختلفة والشراب الطيب، فرفع طرفه الى السماء وقال: سبحانك يا رب يا خالق، يارزاق، ترزق من تشاء بغير حساب، اللهم اني استغفرك من جميع الذنوب واتوب اليك من العيوب، يا رب لا اعترض عليك في حكمك وقدرتك، فانك لا تُسْأَلُ عما تفعل وانك على كل شيء قدير، سبحانك تُغْنِي من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، لا اله الا انت ما اعظم شأنك، وما اقوى سلطانك، وما أحسن تدبيرك، قد انعمت على من تشاء من عبادك، فهذا المكان صاحبه في غاية النعمة، وهو متلذذ بالروائح اللطيفة والمآكل اللذيذة، والمشارب الفاخرة في سائر الصِّفات، وقد حكمت في خلقك بما تريد وما قدرته عليهم، فمنهم تعبان ومنهم مستريح، ومنهم سعيد ومنهم من هو مثلي في غاية التعب والذل.
فلما فرغ السندباد الحمال من قوله اراد ان يحمل حملته ويسير، اذ طلع عليه من ذلك الباب غلام صغير السن حسن الوجه مليح القد فاخر الملابس، فقبض على يد الحمال وقال له: ادخل كلم سيدي فإنه يدعوك، فاراد الحمال الامتناع عن الدخول مع الغلام فلم يقدر على ذلك، فحط حملته عند الباب في دهليز المكان ودخل مع الغلام داخل الدار، فوجد دارا مليحة وعليها انس ووقار، ونظر الى مجلس عظيم، فيه من السادات الكرام والموالي العظام، وفيه من جميع اصناف الزهر وجميع اصناف المشموم، ومن انواع النقل والفواكه، وشيء كثير من اصناف الاطعمة النفيسة، وفيه آلات السماع والطرب من اصناف الجواري الحسان كل منهن في مقامه على حسب الترتيب.
وفي صدر ذلك المجلس رجل عظيم محترم قد لكزه الشيب في عوارضه، وهو مليح الصورة حسن المنظر، وعليه هيبة ووقار وعز وافتخار، فعند ذلك بهت السندباد الحمال وقال في نفسه: والله ان هذا المكان من بقع الجنان او انه يكون قصر ملك او سلطان، ثم تأدب وسلم عليهم ووقف وهو منكس رأسه.
وفي الليلة اللاحقة واصلت شهرزاد قائلة:
فأذن له صاحب المكان بالجلوس فجلس وقد قربه اليه وصار يؤانسه بالكلام ويرحب به، ثم انه قدم له شيئا من انواع الطعام المفتخر الطيب النفيس، فتقدم السندباد الحمال وسمي واكل حتى اكتفى وشبع وقال: الحمد لله على كل حال، ثم انه غسل يديه وشكرهم على ذلك.
فقال صاحب المكان: مرحبا بك ونهارك مبارك، فما يكون اسمك؟ وما تعاني من الصنائع؟ فقال له: يا سيدي اسمي السندباد الحمال وانا احمل على رأسي اسباب الناس بالاجرة، فتبسم صاحب المكان وقال له: اعلم يا حمال ان اسمك مثل اسمي، فانا السندباد البحري.
انه كان لي اب تاجر وكان من اكابر الناس والتجار، وكان عنده مال كثير وقد مات وانا ولد صغير وخلف لي مالا وعقارا وضياعا، فلما كبرت وضعت يدي على الجميع وقد اكلت اكلا مليحا وشربت شربا مليحا، وعاشرت الشَّباب وتجملت بلبس الثياب، ومشيت مع الخلان والاصحاب واعتقدت ان ذلك يدوم لي وينفعني ولم ازل على هذه الحالة مدة من الزمان، ثم اني رجعت الى عقلي وافقت من غفلتي، فوجدت مالي قد مال وحالي قد حال، وقد ذهب جميع ما كان عني، ولم استفق لنفسي الا وانا مرعوب مدهوش، وقد تذكرت حكاية كنت اسمعها سابقا من ابي وهي حكاية سيدنا سليمان بن داود عليه السلام في قوله: ثلاثة خير من ثلاثة: يوم الممات خير من يوم الولادة، وكلب حي خير من سبع ميت، والقبر خيرمن الفقر، ثم اني قمت وجمعت ما كان عندي من أثاث وملبوس وبعته ثم بعت عقاري و جميع ما تملك يدي، فجمعت ثلاثة آلاف درهم وقد خطر ببالي السفر.
فعند ذلك هممت فقمت واشتريت لي بضاعة ومتاعا واسبابا وشيئا من اغراض السفر، وقد سمحت لي نفسي بالسفر في البحر، فنزلت المركب وانحدرت الى مدينة البصرة مع جماعة من التجار، وسرنا في البحر اياما وليالي وقد مررنا بجزيرة بعد جزيرة، ومن بحر الى بحر، ومن بر الى بر، وفي كل مكان مررنا به نبيع ونشتري ونقايض بالبضائع فيه، وقد انطلقنا في سير البحر الى ان وصلنا الى جزيرة كأنها روضة من رياض الجنة، فأرسى بنا صاحب المركب على تلك الجزيرة ورمي مراسيها وشد السلم، فنزل جميع من كان في المركب في تلك الجزيرة، وعملوا لهم كوانين وأوقدوا فيها النار، واختلفت اشغالهم، فمنهم من صار يطبخ ومنهم من صار يغسل، ومنهم من صار يتفرج، وكانت انا من جملة المتفرجين في جوانب الجزيرة.
وقد اجتمع الركاب على آكل وشرب ولهو ولعب، فبينما نحن على تلك الحالة واذا بصاحب المركب واقف على جانبه وصاح باعلى صوته: يا ركاب السلامة اسرعوا واطلعوا الى المركب، وبادروا الى الطلوع واتركوا اسبابكم واهربوا بارواحكم وفوزوا بسلامة انفسكم من الهلاك، فان هذه الجزيرة التي انتم عليها ما هي جزيرة، وانما هي سمكة كبيرة رست في وسط البحر فبنى عليها الرمل فصارت مثل الجزيرة، وقد نبتت عليها الاشجار من قديم الزمان، فلما وقدتم عليها النار احست بالسخونة فتحركت، وفي هذا الوقت تنزل بكم في البحر فتغرقوا جميعا فاطلبوا النجاة لانفسكم قبل الهلاك.
ولما سمع الركاب كلام ذلك الريس، اسرعوا وبادروا بالطلوع الى المركب وتركوا الاسباب وحوائجهم ودسوتهم وكوانينهم، فمنهم من لحق المركب ومنهم من لم يلحقه، وقد تحركت تلك الجزيرة ونزلت الى قرار البحر بجميع ما كان عليها، وانطبق عليها البحر المتلاطم بالامواج، وكنت من جملة من تخلف في الجزيرة فغرقت في البحر مع جملة من غرق، ولكن الله تعالى انقذني ونجاني من الغرق ورزقني بقطعة خشب كبيرة من القطع التي كانوا يغسلون فيها، فمسكتها بيدي وركبتها من حلاوة الروح ورفست الماء برجلي مثل المجاديف والامواج تلعب بي يمينا وشمالا.
وقد نشر الريس قلوع المركب، وسافر بالذين طلع بهم ولم يلتفت لمن غرق منه، ومازلت انظر الى ذلك المركب حتى اختفى عن عيني وايقنت بالهلاك ودخل علي الليل وانا على هذه الحالة، فمكثت على ما انا فيه يوما وليلة، وقد ساعدني الريح والامواج الى ان رست بي تحت جزيرة عالية، وفيها اشجار مطلة على البحر فمسكت فرعا من شجرة عالية وتعلقت به بعدما اشرفت على الهلاك وتمسكت به الى أن طلعت الى الجزيرة، فوجدت في رجلي خدرا واثر اكل السمك في بطونهما ولم اشعر بذلك من شدة ما كنت فيه من الكرب والتعب، وقد ارتميت في الجزيرة وانا مثل الميت، وغبت عن وجودي وغرقت في دهشتي، ولم ازل على هذه الحالة الى ثاني يوم، وقد طلعت الشمس علي وانتبهت في الجزيرة فوجدت رجليَّ قد ورمتا، فسرت حزينا على ما انا فيه فتارة ازحف وتارة احبو على ركبي، وكان في الجزيرة فواكه كثيرة وعيون ماء عذب، فصرت آكل من تلك الفواكه، ولم ازل على هذه الحالة مدة ايام وليال فانتعشت نسبياً وردت لي روحي وقويت حركتي، وصرت اتفكر وامشي في جانب الجزيرة واتفرج بين الاشجار ما خلق الله تعالى، وقد عملت لي عكازا من تلك الاشجار اتوكأ عليه، ولم أزل على هذه الحالة الى ان تمشيت يوما من الايام في جانب الجزيرة، فلاح لي شبح من بعيد فظننت انه وحش او انه دابة من دواب البحر، فتمشيت الى نحوه ولم أزل أتفرج عليه وإذا هو فرس عظيم المنظر، مربوط في جانب الجزيرة على شاطئ البحر، فدنوت منه فصرخ علي صرخة عظيمة، فارتعبت منها وأردت أن أرجع، وإذا برجل خرج من تحت الأرض وصاح علي وتبعني وقال: من أنت؟ ومن أين جئت؟ وما سبب وصولك إلى هذا المكان؟ فقلت له: يا سيدي أعلم أني رجل غريب، وكنت في مركب وغرقتُ أنا وبعض من كان فيه، فرزقني الله بقطعة خشب فركبتها وعامت بي إلى أن رمتني الأمواج في هذه الجزيرة.
فلما سمع كلامي أمسكني من يدي وقال لي: أمش معي، فنزل بي في سرداب تحت الأرض، ودخل بي إلى قاعة كبيرة وأجلسني في صدر تلك القاعة، وجاء لي بشيء من الطعام، وأنا كنت جائعاً فأكلت حتى شبعت واكتفيت وارتاحت نفسي، ثم إنه سألني عن حالي وما جرى لي، فأخبرته بجميع ما كان من أمري من المبتدأ إلى المنتهى فتعجب من قصتي.
فلما فرغت من حكايتي قلت: بالله عليك يا سيدي لا تؤاخذني، فأنا قد أخبرتك بحقيقة حالي وما جرى لي، وأنا أشتهي منك أن تخبرني من أنت؟ وما سبب جلوسك في هذه القاعة التي تحت الأرض؟ وما سبب ربطك هذه الفرس على جانب البحر؟
فقال لي: أعلم أننا جماعة متفرقون في هذه الجزيرة على جوانبها ونحن سياس الملك المهرجان، وتحت أيدينا جميع خيوله، وفي كل شهر عند اكتمال القمر نأتي بالخيل والجياد ونربطها في هذه الجزيرة من كل بكر، ونختفي في هذه القاعة تحت الأرض حتى لا يرانا أحد، فيجيء حصان من خيول البحر على رائحة تلك الخيل ويطلع على البر فلا يرى أحداً، فيثبت عليها وينزل عنها ويريد أخذها معه، فلا تقدر أن تسير معه من الرباط، فيصيح عليها ويضربها برأسه ورجليه ويصيح فنسمع صوته، فنعلم أنه نزل عنها فنطلع صارخين عليه، فيخاف وينزل البحر والفرس تحمل وتلد مهراً أو مهرة تساوي خزنة مال، ولا يوجد لها نظير على وجه الأرض، وهذا وقت طلوع الحصان، وإن شاء الله تعالى آخذك معي إلى الملك المهرجان، وأُفَرِّجُكَ على بلادنا، واعلم أنه لولا اجتماعك علينا ما كنت ترى أحداً في هذا المكان غيرنا، وكنت تموت كمداً ولا يدري بك أحد، ولكن أنا أكون سبب حياتك ورجوعك إلى بلادك، فدعوت له وشكرته على فضله وإحسانه، فبينما نحن في هذا الكلام وإذا بالحصان قد طلع من البحر وصرخ صرخة عظيمة، ثم وثب على الفرس، فلما فرغ منها وأراد أخذها معه، فلم يقدر ورفست وصاحت عليه، فأخذ الرجل السايس سيفاً بيده ودرقة وطلع من باب تلك القاعة، وهو يصيح على رفقته ويقول: أطلعوا إلى الحصان، ويضرب بالسيف على الدرقة، فجاء جماعة بالرماح صارخين فجفل منهم الحصان، وراح إلى حال سبيله ونزل في البحر مثل الجاموس، وغاب تحت الماء.
فعند ذلك جلس الرجل قليلاً، وإذا هو بأصحابه قد جاؤوه ومع كل واحد فرس يقودها، فنظروني عنده فسألوني عن أمري فأخبرتهم بما حكيته له، وقربوا مني ومدوا السماط وأكلوا وعزموني فأكلتُ معهم، ثم إنهم قاموا وركبوا الخيول وأخذوني إلى مدينة الملك المهرجان، وقد دخلوا عليه وأعلموه بقصتي، فطلبني فأدخلوني عليه وأوقفوني بين يديه، فسلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي وحياني بإكرام وسألني عن حالي، فأخبرته بجميع ما حصل لي وبكل ما رأيته من المبتدأ إلى المنتهى.
فعند ذلك تعجب مما وقع لي، ومما جرى لي، وقال لي: يا ولدي والله لقد حصل لك مزيد من السلامة، ولولا طول عمرك ما نجوت من هذه الشدائد، ولكن الحمد لله على السلامة، ثم إنه أحسن إليَّ وأكرمني وقربني إليه وصار يؤانسني بالكلام والملاطفة، وجعلني عنده عاملاً على ميناء البحر، وكاتباً على كل مركب عبر إلى البر، وصرت واقفاً عنده لأقضي له مصالحه وهو يحسن إلي وينفعني من كل جانب، وقد كساني كسوة مليحة فاخرة، وصرت مقدماً عنده في الشفاعات وقضاء مصالح الناس، ولم أزل عنده مدة طويلة.
وأنا كلما أشق على جانب البحر، أسأل التجار والمسافرين والبحريين عن ناحية مدينة بغداد لعل أحداً يخبرني عنها، فأروح معه إليها وأعود إلى بلادي، فلم يعرفها أحد ولم يعرف من يروح إليها، وقد تحيرت في ذلك وسئمت من طول الغربة، ولم أزل على هذه الحالة مدة من الزمان، إلى أن جئت يوماً من الأيام ودخلت على الملك المهرجان، فوجدت عنده جماعة من الهنود، فسلمت عليهم فردوا علي السلام ورحبوا بي، وقد سألوني عن بلادي فذكرتها لهم وسألتهم عن بلادهم فَذَكَرُوا لي أنهم أجناس مختلفة.
ومنهم جماعة تسمى البراهمة وهم قوم لا يشربون الخمر أبداً، وإنما هم أصحاب حظ وصفاء ولهو وطرب وجمال وخيول ومواشي، وأعلموني أن صنف الهنود يفترق على اثنتين وسبعين فرقة فتعجبت من ذلك غاية في العجب.
ورأيت في مملكة المهرجان جزيرة من جملة الجزائر، يقال لها كابل، يسمع فيها ضرب الدفوف والطبول طول الليل، وقد أخبرنا أصحاب الجزائر والمسافرون بأنهم أصحاب الجد والرأي، ورأيت في البحر سمكة طولها مئتا ذراع، ورأيت أيضاً سمكاً وجهه مثل وجه البوم، ورأيت في تلك السفرة كثيراً من العجائب والغرائب مما لو حكيته لكم لطال شرحه، ولم أزل أتفرج على تلك الجزائر وما فيها، إلى أن وقفت يوماً من الأيام على جانب البحر وفي يدي عكاز حسب عاداتي، وإذا بمركب قد أقبل وفيه تجار كثيرون.
فلما وصل إلى ميناء المدينة طوى الريس قلوعه وأرسله على البر ومد السلم، وأطلع البحرية جميع ما كان في ذلك المركب إلى البر، وأبطؤوا في تطليعه وأنا واقف أكتب عليهم، فقلت لصاحب المركب: هل بقي في مركبك شيء؟ فقال: نعم يا سيدي، معي بضائع في بطن المركب، ولكن صاحبها غرق معنا في البحر في بعض الجزائر ونحن قادمون في البحر.
فغرضنا أننا نبيعها ونأخذ ثمنها لأجل أن نوصله إلى أهله في مدينة بغداد فقلت للريس: ما يكون اسم ذلك الرجل صاحب البضائع؟ فقال اسمه السندباد البحري وقد غرق معنا في البحر.
فلما سمعت كلامه حققت النظر فيه فعرفته وصرخت عليه صرخة عظيمة وقلت: يا ريس أعلم أني صاحب البضائع التي ذَكَرَتها، وأنا السندباد البحري الذي نزلت من المركب في الجزيرة مع جملة من نزل من التجار، ولما تحركت السمكة التي كنا عليها وصحت أنت علينا طلع من طلع وغرق الباقي، وكنت أنا من جملة من غرق ولكن الله سلمني ونجاني من الغرق بقصعة كبيرة من القِصَع التي كان الركاب يغسلون فيها ملابسهم. فركبتها وصرت أرفس برجلي وساعدني الريح والموج إلى أن وصلت إلى هذه الجزيرة فطلعت فيها وأعانني الله تعالى بسايس الملك المهرجان، فأخبرته بقصتي فأنعم علي وجعلني كاتباً على ميناء هذه المدينة، فصرت أنتفع بخدمته وصار لي عنده قبول، هذه البضائع التي معك بضائعي ورزقي، قال الريس: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما بقي لأحد أمانة ولا ذمة، فقلت: له يا ريس ما سبب ذلك وأنت سمعتني أخبرتك بقصتي؟ فقال الريس: لأنك سمعتني أقول: إن معي بضائع صاحبها غرق، فتريد أن تأخذها بلا حق وهذا حرام عليك، فإننا رأيناه لما غرق وكان معه جماعة من الركاب كثيرون وما نجا منهم أحد فكيف تدعي أنك أنت صاحب البضائع؟
فقلت له: يا ريس اسمع قصتي وافهم كلامي يظهر لك صدقي، فإن الكذب شيمة المنافقين، ثم إني حكيت للريس جميع ما كان مني من حين خرجت معه من مدينة بغداد إلى أن وصلنا تلك الجزيرة التي غرقنا فيها، وأخبرته ببعض أحوال جرت بيني وبينه فعند ذلك تحقق الريس والتجار صدقي فعرفوني وهنوني بالسلامة، وقالوا جميعاً: والله ما كنا نصدق بأنك نجوت من الغرق، ولكن رزقك الله عمراً جيداً، ثم إنهم أعطوني البضائع فوجدت اسمي مكتوباً عليها ولم ينقص منها شيء، ففتحتها وأخرجت منها شيئاً نفيساً غالي الثمن، وحَمَلَتْهُ معي بحرية المركب وطلعت به إلى الملك على سبيل الهدية، وأعلمت الملك بأن هذا المركب، الذي كنت فيه، وأخبرته أن بضائعي وصلت إلي بالتمام والكمال وأن هذه الهدية منها.
فتعجب الملك من ذلك الأمر غاية العجب، وظهر له صدقي في جميع ما قلته، وقد أحبني محبة شديدة وأكرمني إكراماً زائداً، ووهب لي شيئاً كثيراً في نظير هديتي، ثم بعت حمولتي وما كان معي من البضائع، وكسبت فيها شيئاً كثيراً واشتريت بضاعة وأسباباً ومتاعاً من تلك المدينة.
ولما أراد تجار المركب السفر، شحنت جميع ما كان معي في المركب ودخلت عند الملك وشكرته على فضله وإحسانه، ثم استأذنته في السفر إلى بلادي وأهلي فودعني وأعطاني شيئاً كثيراً عند سفري من متاع تلك المدينة، فودعته ونزلت المركب وسافرنا بإذن الله تعالى، وخدمنا السعد وساعدتنا المقادير، ولم نزل مسافرين ليلاً ونهاراً إلى أن وصلنا بالسلامة إلى مدينة البصرة، وطلعنا إليها وأقمنا فيها زمناً قليلاً وقد فرحت بسلامتي وعودتي إلى بلادي.
وبعد ذلك توجهت إلى مدينة بغداد ومعي من الحمول والمتاع والأسباب شيء كثير له قيمة عظيمة، ثم جئت إلى حارتي ودخلت بيتي وقد جاء جميع أهلي وأصحابي، ثم إني اشتريت لي خدماً وحشماً ومماليك وسراري وعبيداً حتى صار عندي شيء كثير، و اشتريت لي دوراً وأماكن وعقاراً أكثر من الأول، ثم إني عاشرت الأصحاب ورافقت الخلان، وصرت أكثر مما كنت عليه في الزمن الأول، ونسيت جميع ما قاسيت من التعب والغربة والمشقة وأهوال السفر، واشتغلت باللذات والمسرات والمآكل الطيبة والمشارب النفيسة، ولم أزل على هذه الحالة، وهذا ما كان في أول سفراتي.
هنا تنتهي حكاية السندباد البحري، وهي جزء من عدة حكايات تتناول كل ما جرى له في رحلاته المتعددة وكفى ما تقدم دليلاً على ما ورد في كتاب ألف ليلة وليلة ودليلاً - آخر - على سبب تعلق الناس بهذه الحكايات.
وهذا هو ما حدث للسندباد البحري في رحلته الأولى وما لقيه من الصعاب، وما قام به من المغامرات. وما قدمناه هو نص ما ألقته شهرزاد على الملك شهريار ومن الصعوبة بمكان أن نذكر باقي الرحلات التي قام بها هذا المغامر لأن المجال لا يسمح لنا بذلك.
هذا ومن الكلمات التي تحتاج إلى تبيين:
1- درقة وجمعها درق، وهي قطعة مستديرة يمسك بها الفارس للوقاية من ضربة السيف التي قد يوجهها إليه عدوه. وهي: الدرع.
2- قصعة وجمعها قصاع: إناء مستدير يستعمل للغسيل بما في ذلك غسيل الملابس. ونُسَميه: الطشت، وقد جمع قصعة على قِصَع.
3- لكزه: ضربه.
وإلى هنا نتوقف على أمل اللقاء.
ملحاق خير
طبع كتاب الدكتورة سهير القلماوي: ألف ليلة وليلة لدى دار المعارف بمصر منذ أمد طويل، ثم أعادت الهيئة المصرية للكتاب طباعته في سنة 2010م ضمن مشروع لها أعادت بموجبه طباعة عدد من الكتب التي صدرت من قبل تحت عنوان شامل هو: أدباء القرن العشرين. وكان منهم إبراهيم المازني ومحمد حسين هيكل وإبراهيم ناجي ومحمد زكي عبدالقادر، وآخرون...
وللطبعة التي نتحدث عنها هنا مقدمتان؛ الأولى منها كتبها الدكتور طه حسين، وذكر فيها حكاية الكتاب منذ كان فكرة في ذهن تلميذته سهير القلماوي إلى أن انهت من إعداده ونالت به شهادة الدكتوراه بتفوق كبير.
وذكر الدكتور أنه فوجئ بها تطرح عليه فكرة الدراسة لأنها كما قالت تريد الخوض في موضوع التراث الشعبي وعلى الأخص في كتاب: ألف ليلة وليلة.
ولقد حاول الدكتور بتلميذته أن تصرف النظر عن هذا الموضوع لأنه كان يعلم صعوبته، وأنه يحتاج إلى إعداد خاص منه الخروج إلى أوروبا والاحتكاك بالمستشرقين الذين اهتموا بهذا الموضوع دراسة وتحقيقاً وتأليفاً، ولقد تحقق للدكتور طه حسين ما أراد فتقدمت سهير القلماوي -أولاً- لنيل شهادة الماجستير، ثم بدأت رحلة البحث الأوروبية التي اقترح عليها الدكتور طه حسين أن تقوم بها.
ومضت في طريقها تجالس المستشرقين وتحضر المحاضرات وتغشى جلسات البحث والمناقشة، وتجمع ما تستطيع جمعه من الكتب، وتزور المكتبات العامة حتى استطاعت أن تُكَوِّنَ فكرة قلما يستطيع باحث أن يُكونها لنفسه. وصارت مستعدة للعمل وفق المعطيات التي توصلت إليها.
ولقد لاحظت فيما يتعلق بالمستشرقين أنهم يبحثون كثيراً بل ويشغلون أنفسهم في البحث عن أصول ألف ليلة وليلة، ولم يكن ذلك -في رأيها- لسبب علمي بقدر ما كانوا يقصدون نزع الصفة العربية عن هذه الحكايات التي انتشرت في الآفاق.
ومما كتبته في هذا الشأن قولها: ألف ليلة وليلة بحر خِضَم حدوده قصة الملك شهريار وزوجته شهرزاد، ألقى فيه القاص ما ألقى، وأخرج منه ما أخرج، وعاش (النص) طليقاً في هذه الحدود الفضفاضة. حتى جاء اهتمام الغربيين، فقيد من حريته، ونقل نصه من آذان العامة وأفواههم إلى المطبوعات والمخطوطات في دور الكتب، ولقد ساعد هذا الإدخال على وجود مجموعات كثيرة من القصص الشعبية المتشابهة يمكن أن تُدْمَجَ فيها بكل يسر، وهي مجموعات مترجمة من الهندية أو الفارسية، ومجموعات مما روي في اللغة العربية.
ولقد كانت الباحثة تعجب من إصرار أولئك المستشرقين على البحث عن الأصول الفارسية أو الهندية لألف ليلة وليلة، بينما واقع الحكايات يقف حائلاً دون قبول طروحاتهم لأن الأمر اختلط عليهم كما تقدم، ولأن القصص الواردة على لسان شهرزاد منه ما يدل على المجتمعات العربية وما يدل على أصول عربية قديمة. وإذا وجد في القصص ما هو بخلاف ذلك فإن الأمر لا يعدو أن يكون من خلط النساخ بين الأصل وبعض ما ورد عن الهند وفارس.
ولن نتحدث عن كتاب الدكتورة سهير القلماوي بأكثر من ذلك، فالكتاب بحث علمي جامعي من النوع الممتاز، وقد درس الحكايات من جميع جوانبها. ودافع عن أصلها العربي الذي عرفناه منذ القدم.
د. يعقوب يوسف الغنيم
التعديل الأخير بواسطة المشرف: