نقوس المهدي
كاتب
سيداتي وسادتي:
حديثنا الليلة إليكم في الشعر! والموضوع دائر كما تعلمون الآن في كثير من الصحف والمجالس، ولعل الغرابة أن ينال الشعر الاهتمام وتبذل للفن الجهود في زمن مادي أخذته الواقعية المحسوسة، وطغت عليه الوضعية العلمية، وسادت فيه الفكرة الاقتصادية!
للشعر في الإفهام معنيان: أولهما أنه مجموعة العواطف والانفعالات التي تهيجها في نفوسنا أحداث الزمن، ومجالي الطبيعة، ومعاني الوجود، وألوان الحياة، فنقول منظر شعري، وظرف شعري. وثانيهما أنه فن قائم وصناعة عجيبة، يتناول الأهواء المشبوبة بالتنسيق والتأليف والجلاء، ثم يبرزها لغة جميلة تطرب لها الأذن ويهتز منها القلب! وبين المعنيين صلة شديدة وتباين كتابين الرائحة التي تضوع من الزهر، والرائحة التي تضوع من الكيمياء
ومهما يكن من شيء فالناس لا يزالون في لبئس من المعنيين، وحيرة في الشعر والشعور؛ وكان من أثر هذا أن طائفة من الأحكام والنظريات والمؤلفات قد فسدت وغمضت لإطلاق الكلمة والواحدة على معنيين شتيتين وإن اتصلت أسبابهما اتصالا وثيقا!
فالشمس الغاربة، والغاية الوارفة، والقمر الناعم، والبحر العظيم - هذه وغيرها تبعث في الناس حين يستشرقون لها انفعالات وجدانية تختلف في الشدة والمدة والنقاوة والأثر؛ وقد تكون أزمة الهوى، وفاجعة الموت، ونازلة الفقر، أسبابا مباشرة لاضطراب نفسي عميق أو خفيف يلون الشعور، ويشتت المعاش، ويبدل المثل الأعلى! ولكن هذه العواطف الإنسانية المعروفة تغاير ما نسميه (العاطفة الشعرية) ولعل بيان أوجه التغاير والاختلاف لا يخلو من عنت ومشقة، لأنهما في الواقع متحدان اتحادا شديدا ما ينفصل أحدهما عن الآخر أو يبرز له ويسمو عليه، فالعاطفة الشعرية تتصل أبدا بالحب والألم والخوف والغضب، و إلى هذا من مشاعر النفس وأهواء القلب
وإنما العاطفة الشعرية عندي إحساس قوي بحياة غربية، وشعور واضح بعالم جديد جرده المبين من نفسه لنفسه، ثم قوم أشياءه وأحداثه وأشخاصه بالميزان الذي له خاصة، وخلع على ما فيه قيما حديثه، قد تتفق وقد لا تتفق مع القيم المألوفة التي تواضع الناس عليها في حياتهم الدراجة! ولئن تشابهت أشياؤه بالأشياء، وتعارفت الأحياء بالأحياء، فلقد يشملها جميعا قانون النفس العام، وتصطبغ كلها بالشعور والإنساني، تتجاذب تلك الأشياء والأحداث والأشخاص وتتنادى وتطرد لغاية عملها في دقة ونظام؛ والأولى أن نقول إن الأشياء والأحداث والأشخاص تؤلف في العالم الجديد لحنا موسيقيا منسجما لا ضجة فيه ولا نشوز، يتملاه الشاعر ويستوحيه ويخضع له! دنيا رحبة هادئة جميلة هي ملك المبين لأنها من خلقه! ولعل هذا العالم الشعري يماثل من وجوه عديدة عالم الرؤى والأحلام التي تضطرب في خيال المرء، وتطيف في رأسه الغافي. . .
ولقد أحب أن أشير هنا، وقد انحدرت (الأحلام) مع الحديث، إلى أن جماعة الإبتداعين (الرومانتك) وأدباء العصر الحاضر قد خلطوا بين الشعر والرؤيا ووحدوا معناها! نعم، قد تكون الرؤيا والأحلام صورا شعرية خالصة، ولكنها صورة بارزة مؤلفة من عمل المصادفة والإتقان؛ وما دامت كذلك فهي صور شعرية بالمصادفة والاتفاق
إن عالم الرؤى عالم غريب قد ملأ ساحته الشعور المبهم، وانفرط فيه عقد المنطق المحترم، وهب عليه إدراك غير إدراكنا، وتفكير غير تفكيرنا! فهو عالم مغلق تبرز الأشياء فيه على غير حقيقتها ولونها المعهود، وهي إنما بأهوائنا المكظومة ومثلنا المرجوة ورغائبنا الكامنة. والعاطفة الشعرية حالة نفسية كهذه الحال الطليقة تظهر على غير انتظام، وتعمل في غير استقرار، وتضمحل من غير إنذار! لقد تقوم في أنفسنا بالمصادفة وتخفتي عن أعيننا بالمصادفة! وعجيب - يا سادتي - أثر المصادفة العابثة في ظهورها وفنائها! (تصفيق)
- 2 -
يكر الزمان مسرعا ولا يؤوب، وتتجدد الحياة مشرفة ولا تتشابه، وتزول الصور ماضية بدون أثر! والله القادر الحكيم إنما تفرد بالطي والنشر، والمحو والإبداع، ثم أودع في الحياة معنى الموت، وفي الجذوة قوة الركود، وفي الخلق سر الأعجاز!! ولكن الشاعر المبين لن يرضى عن اللحظة الحية التي تطوي إلا إذ، سجلها على القرطاس، وأمد في عمرها، وأثبتها على الدهر، كأنما يعارض انحدار الأشياء إلى صندوق العدم، أو يغالب عبث الليالي وتطور الوجود، فهو يقف بالذاهب الآفل وقفة طويلة ممنعة فيقيد خواطره، ويعلن أحاسيسه، ويحي حبه، ثم ينزع من الحياة قطعا يقذفها في إطار خالد جميل إلى العصور التي تليه، والأجيال التي تضطرب بعده على الأرض! كذلك استطاع أن يستمتع بالعاطفة الشعرية الطليقة وأن يستحضرها في نفسه كلما أراد كما تستحضر الرؤى بالتنويم؛ والفنون كلها تقلب العرض الزائل إلى حال دائم، والعمل الفني إنما هو الآلة الحسية لهذا التوليد العجيب والخلق الموفق؛ فالموسيقى والنحت والأدب والتصوير طرائق مختلفة للتمثيل والتعبير اقتضتها كثرة الحواس الظاهرة، واشتباك النفس الباطنة، وغموض المدينة الحاضرة. . . التمس الشاعر طائفة من السبل الملتوية لاستحضار العاطفة الشعرية، ورياضتها على الفن. ولعل أقدم السبل المشروعة، وأعمقها أثرا، وأشدها تركيبا هي اللغة! ولكن اللغة بطبيعتها المادية وسلطانها الواهي واستخدامها العملي أجهدت الشاعر أيما إجهاد، وهو الذي يقوم ويؤلف منها الجرس!
أرجو أن أظفر - أيها السادة - يعرض ما يكابد الشاعر من آلام، ويبذل من جهود، ويغالب من مصاعب
إن اللغة كما ذكرت أداة قديمة يخلص الناس إلى حاجات العيش ومطالب الجسد، فهي على هذا أداة سمجة خلقتها المصلحة، وشوهتها الظروف، وأخضعتها الشهوات! فقيم الكلمات، ومدلول الألفاظ، وقواعد التركيب، وفن الكتابة، ومخارج النطق إنما هي ألهية من الألاهي الطريفة نبعث بها على ما تقتضيه المآرب وترتضيه الأهواء. ولقد نجل مقررات المجمع الأدبي، ونقدر عمل الطباعة والصحافة في تحديد معنى اللفظ وكف شرة الفرد، ولكن خصائص اللغة من حيث قدرتها على إبداع الجرس الموسيقي وتشقق المعني الواحد فيها عن كثير من المعاني المندرجة لم تجد - وا أسفاه - من يرد عنها عادية النزوات وعرف الأوضاع؛ فقد ننطق بالحرف وترسل الكلمة كما تقوى حناجرنا، وتنفرج شفاهنا، وتتسع ثقافتنا، وتزخر نفوسنا فنحرف الكلم عن موضعه، وندخل الفوضى على المفهوم، وننشر الشك في قيمة اللغة والحق أن اللغة لو أنها لم تصلح لغايات العيش، ولم تشتمل على معنى السعادة لما كانت تكون وسيلة من وسائل الشعر والفن، ومطلبا من مطالب الدقة والتعبير
هكذا، يا سادتي، شاء الحظ العاثر المشؤوم أن يستخدم الشاعر أداة حسية عملية ليحقق بها فنا أبي إلا أن يثور على المعاش، ويشرف على العمل، ويسمو على المادة. .!!
أما الموسيقى السعيد - وا لهفي على حظه - فقد يشرع فيما اختص له توفير عليه، ووسيلته جاهزة سامية مستقلة، لا يشركه فيها أحد من الناس، ولا تتدنى إلى ما لم تخلق له، وهو إنما يعمد إلى مادة قد صهرتها العصور، وهيأتها الطبيعية، وحددتها الغاية! لشد ما يشبه الموسيقى الصناع نحلة ولودا جاءت لتفرخ فوجدت الخلية قائمة على أحسن ما تقوم البيوت، مقسمة على أدق ما تقسم الغرف، فولدت مرتاحة هانئة ثم اهتمت للعسل وحده تجمعه من هنا ومن هناك! كذلك رجل الألحان يؤلف فنه من غير جهد، ويسلك سبيله بهجاً طروباً كأنما الملحن قد انسجم وبرز واكتمل قبل أن تمسه يد الموسيقى الفنان!!
ذلك بأننا نعيش بالسمع في عالم الأصوات؛ ونحيا بالأذن حين تعمى العين ويعيا اللسان؛ وبالأذن تدرك بطبيعتها أن الأصوات المتعالية إنما تتألف من وحدات بسيطة بالغة البساطة، صغيرة بالغة الصغر، حتى كأنها لا تقاس بشيء أو تلمح لوحدها، وهذه الوحدات قد تنسجم لمسافات محدودة، وتطرد بنسب معينة، فتكون الصوت الموسيقى، وقد تضطرب بغير نظام، وتسير على غير منهاج، فتكون الضجة الراجفة. فالأذن تعلم بالغريزة مكان الوحدة من الجرس، وتتذوق بالفطرة نور الجمال في الهمس، وتدرك أن الفرق بين النغم والضجة كالفرق بين النقاوة والكدورة، أو بين النظام والفوضى، ثم جاء العلم الطبيعي فأتم إدراك الغريزة وفطنة الأذن، وهو العلم القديم الدقيق، فقاس النسب، واخترع الآلات وإبداع من الألحان ما لا تستطيعه دنيا الطبيعة بذاتها...
وللموسيقى عمل السحر في النفس، تخلق جوا خاصا بها لست أدري ما طبيعته، وإنما أعلم أنه جو هادئ يتخدر فيه الشعور، وتطير العاطفة، ويحلو التخيل، وتبرز الأحلام! ولو أن لحنا شجيا انبعث خافتا من كمان في هذه القاعة الرحبة التي يهزها صوتي المضطرب المتعاظم لرأيتكم فجاءة تميلون الرؤوس وترهفون الآذان إلى مصدر اللحن، تتحسسونه وتتذوقونه، وتمدونه في أنفسكم وأنتم لا تشعرون! أفلا فطنتم إلى الأشعة القوية التي سطعت عليكم من شعاع لطيف، وإلى الدنيا الحالة التي طغت عليكم إثر جرس خفيف؟ ولقد يعطس شخص أو يقع كرسي أو يفتح باب فتستيقظ أنفسكم الحالمة وكأنما صار لها ما يصير للزجاج إذا كسر، أو الحبل إذا تصرم
تلكم الألحان الهادئة، والآذان الواعية، تعين الموسيقى على إحياء النفوس من غير تعب؛ أما لغة الشاعر فكما علمتم ألفاظ جامدة مبهمة، وتخاطب الأذان والنفس على السواء، وتدخل إليهما مزيجا مضطربا من الأصوات والصور، وتثير فيهما ألوانا متداخلة من العواطف والميول. وهنا موضع الشذوذ، فلست أعرف أثرا متداولا أفرط في الغموض والاشتباك كاللغة، ولقد تقول كلاما صحيحا يقبله العقل ولكنه لا يهز الأذن ولا يطرب القلب، أو تقول كلاما منسجما جميلا ولكنه خلو من التفكير والمعاني! وليس أدل على اشتباك اللغة من نشأة هذه العلوم المختلفة التي تتظاهر كلها على شرحها وتفسيرها، فثم علم النقد والأدب والبلاغة والمنطق والاشتقاق والنحو تشترك جميعها في الكشف عما يحجب الألفاظ من الإبهام والتعقيد. ولن يستطيع المبين أن يتجاهل هذه العلوم أو يثور على سلطانها أو يكتفي بالتوقيع على الأذن دون النفوذ إلى النفس!
ولكن الكلام كلامان: منثور ومنظوم، والنثر والنظم مظهران قويان للغة، وبينهما حدود على وضوحها متداخلة متشابكة. . .
(تصفيق شديد)
- 3 -
أذكر أني كنت أحاضر مرة في هذا المعنى طائفة من الأجانب، فلما بلغت هذا الموضع من الحديث إذا أحد المستمعين يتلو علي رسالة طريفة بعث بها الكاتب (راكان) إلى صديقه (شايلان) يقول فيها: (. . . وأنت تستطيع أن تنعت نثري بما شئت من الظرف والكياسة والبساطة، فلقد اعتزمت على ألا أحيد عن نصائح أستاذي الكبير (مالرب) ولا التزم ما يلتزمه غيري من الوزن والإيقاع والجرس، وحسبي الوضوح من تاج أزين به نسيج ألفاظي ولفتات ذهني! كان مالرب الذكي يشبه النثر بالمشي، ويقرن الشعر بالرقص، ويقول إن ما نفعله مرغمين يستحق التسامح والاعتدال، ثم لا بد فيه من التجاوز والإهمال، وأما ما نعمله باختيارنا ورغبتنا فمن السخرية أن يكون المرء فيه ضعيفا أو وسطا، فالأعرج مضطر إلى المشي اضطرارا، ولكنه متحذلق سخيف لو راح يرقص على الفالس والخطوات الخمس) إن تشبيه النثر بالمشي والشعر بالرقص تشبيه خصب جميل لا أعرف أصح منه ولا أدق ولا أشمل! فالمشي كالنثر يقصد به صاحبه أن ينال غاية مائلة ويحقق فكرة مرسومة، فهو يرجو شيئا، ومن أجله يمشي، ولعله لم يدب برجليه ويضرب في الأرض إلا لأن الباعث قد تحرك فيه وألح عليه؛ وظروف المشي، أعني طبيعة الشيء وحالة البدن والأرض واشتداد الرغبة، هي التي تحدد سرعته وتعين وجهته؛ فالمشي على هذا واسطة قائمة تزول متى برز وجه الغاية، أو هو فعل متجدد سوف ينطوي بعد حين. أما الرقص فهو هو الواسطة والغاية، ليس يغني ولا يسير على غير هدى؛ ولئن قصد به فهو الرياضة على الفن الجميل، والشعور بالحياة السعيدة، والاستماع بالمثل الأعلى! على أن الرقص يستخدم نفس الأرجل والأعضاء ولأعصاب التي يستخدمها المشي، وكذلك الشعر أداته الكلمات والصور والمعاني التي يقوم بها النثر عند البيان
إنما يمتاز الشعر من النثر بأنه يتناول الألفاظ على نحو من التركيب والتوجيه يخالف ما يتناول منها النثر في أغلب الأحيان، فنحن نعجب بالكناية والمجاز في الشعر أشد العجب، بل نحن لا نعجب بالشعر إلا إذا كان كله أجله كناية ومجازا. أما القول بوحدة الشعر والنثر فهو قول لم يقره النقد الصحيح ولم يسغه الذوق والحديث، ولعل ما يجوز في أحدهما لا يجوز في الآخر على أوجز تعبير
والمشي كالنثر يسلك به صاحبه أخصر الطرق وأقومها وأقلها عوجا ومنعطفات ليصل إلى بغيته التي يرجوها دون تريث ولا تذبذبن ولكن الرقص بخلاف ذلك لا يحلو إلا إذا أكثر من الروحات والغدوات، وأفرط في اللف والدوران، وأمعن في الجيئة والذهوب؛ ولو سمح لنا الرياضيون لقلنا إن الخط المستقيم سبيل الماشي والناثر، والخط المنحرف سبيل الراقص والشاعر!
تلك السماء تسح مطرا - هكذا يعبر الناثر في نزول المطر الشديد، وهكذا علمنا منذ الطفولة على الكلام، أما الشاعر فلن يبين كما يبين الناثر ويتكلم الناس وإنما يكسو الحقيقة العارية، ويزين الصورة الواقعة، ويعرض الحس في إطار رائع يبهر البصر ويعجب البصيرة. وما ينبغي للشاعر الفنان أن يقول (تلك السماء تمطر تسح مطرا) حتى نحمل المظلة ونتقي البلل لأن (تلك السماء تسح مطرا) قاعدة الكاتب الناثر، ينشئ فيوجز ويصرح ثم لا يجمل ولا يبالغ
يمشي الرجل متثاقلا أو مسرعا إلى غايته، فما يكاد يبلغها حتى يقف قائما لا يسعى كأنما التثاقل والإسراع كانا من أثر الحاجة والإلحاح، فالرجل يكف عن المشي لأن علة المشي قد زالت ولأن غاية السعي قد برزت! وهذا الأعرج الضعيف الذي ذكره مالرب في حديثه إنما يجلس مستويا على مقعده كما يجلس الراكض العاني بعد طوال اللهث والتعب. كذلك لغة النثر تضطرب وتموت في الذهن متى عرف معناها واستابنت غايتها؛ فهذه محاضرتي غنما ألقيها على مسامعكم لتفهموا عني ما أحب وتعتقدوا بالذي أعتقد، فأنا أقول الآن نثرا، ومتى انتهيت من الكلام وارفض جمعكم الحافل طارت الألفاظ سريعا من ذاكرتكم، وبقي الأثر منطبعا في أذهانكم كأنما أقول من الكلام المنثور لأدفنه بيدي وأذيبه متعمدا، ولقد يتفاعل هذا الأثر الحديث مع غيره من الآثار السابقة كما تتفاعل فيما بينها عناصر الكيمياء؛ ومهما تكن نتيجة التفاعل الفكري فالألفاظ التي أقذفها إنما أقذفها لتتلاشى كما يتلاشى البخار في الفضاء. وكمال محاضرتي أن تفهموا معناها لا أن تحفظوا مبناها، لأن المعنى متى أشرق في الذهن ووضح في الخيال وجد اللفظ سجنا يحد من سعته ويضعف من شأنه؛ فالفهم والدقة والوضوح غاية النثر التي لا غاية له غيرها وأعني أن الكلام المنثور يحيا حياة قصيرة ثم يموت. . .
وما ينبغي أن يحيا النثر إلا حياة قصيرة ثم يموت بعد أن يبلغ رسالته تامة صحيحة واضحة! ولكن الشعر خالد تتجدد ألفاظه في القراءة، وتحلو معانيه عند الإعادة؛ وقيمة الشعر في شكله الظاهر وكلماته المزجاة، قد انتظمت كما ينتظم العقد وانسجمت كما تنسجم الموسيقى؛ فرؤوسنا تحفظ اللفظ تتلوه مترنمة هازجة وتعيده على نحو ما سمعته في الرصف والاتساق. ثم لا تبالي إن ثملت أو حزنت أو ثارت ما دام في إنشادها رنة الفرح أو أنة الألم أو نزوة الهوى. ولقد جهل قوم كثيرون طبيعة الشعر، وهاموا في وضع الحدود وتباين المعالم فما نجحوا ولا استراحوا؛ وعندي أن الشعر لفظ جميل تستمع به الأفهام الراجحة، وتتناشده الشفاه اللاغية، وتهضمه النفوس الواعية. ثم تخرجه كما كان لفظا جميلا تبقي جدته على الزمان كأنما يستعلن في (ميكانيكية) متشابهة قوية رائعة. . .
هاتان نقطتان ثابتتان تقابل إحداهما الأخرى على مسافة صغيرة، يتأرجح بينهما رقاص مضطرب كرقاص الساعة، قد تدلى وتذبذب في جيئة وذهوب. أما النقطتان الثابتتان المتقابلتان فهما اللفظ والمعنى، أو الشكل والفكرة، أو الجرس والعاطفة؛ وأما الرقاص المضطرب فهو النفس المتصفحة الممعنة، تقرأ القصيدة المنظومة أول ما تقرأ، فتجوز اللفظ لتفهم المعنى، وتنسى الشكل لتذكر الفكرة، ثم تخلص من الجرس إلى العاطفة تستطلع مطاويها كما هو الحال في التخاطب والكلام، وهنا في هذه السطور يتساوى النثر والشعر، ولكنه طور خاطف لا يلبث أن يزول. ذلك أن النفس القارئة تكر راجعة بعد هذا إلى اللفظ تعيده وتتملاه. ثم لا ترى خيرا منه صندوقا يضم أشتات المعنى، ويحفظ دقائق الفكرة، ويعلن جمال العاطفة! تعود إلى اللفظ بعد ما عرفت المعنى كما يعود الرقاص من جولته إلى حيث ابتدأ في الجولان! وهكذا تضطرب النفس القارئة بين اللفظ والمعنى كما يضطرب الرقاص بين النقطتين الثابتتين المتقابلتين، وهذا الاضطراب بين الظاهر والباطن هو الذي أسميناه (بالعاطفة الشعرية) في صدر المحاضرة، وهو غاية الشعر التي لا غاية له غيرها، ولعل الشاعر الموهوب من يختار اللفظة الصالحة لأحداث الاضطراب النفسي، وإحياء العاطفة الشعرية
فالشعر كما أراه يفترق عن النثر ولا يلتبس به، وهو أشد ما يكون بعدا وتساميا عن القصة والرواية اللتين تصفان حوادث الواقع وتعرضان مشاهدة الحياة، وهذا التباين نلمحه واضحا في الوضع الطبيعي الذي يأخذه قارئ الرواية وقارئ الشعر، فالأول ينساق مع تيار الحوادث، فيفخر أو يغضب أو يفرح أو يحزن، وقد وضع جبهته بين كفيه، وركب رأسه فيما يقرأ، وتعجل التلاوة ليأمن الذي يلي ويطمئن للخاتمة، فجسده غائب وحواسه فارغة، وعقله منغمس تائه لا يشعر بما حوله ولا يدرك إلا ما هو فيه، ولو انصفنا لقلنا إن قواه الجسمانية قد انحلت، وأن قواه النفسانية قد انقلبت عقلا يمعن ويتلو ويتأثر، أما قارئ الشعر فلا تتقسم طبيعته ولا تتوزع قواه، وإنما يذهب في القراءة بجوارحه كلها ما دق منها وما ظهر، ما رق وما غلظ، ما شرف وما سفل؛ فالقصيدة تهيج نفسه وعصبه، وتوقظ ملكاته الحسية والفكرية. ثم تريده على أن يتصور الأشياء ويتمثل الحقيقة كما هي غير محرفة ولا ملتوية ولا مضطربة!!
ولكني على هذا ألمح بين الشعر والنثر درجات من الصور خافة متوسطة تربط قطبين متقابلين في الأدب، وتصل مظهرين قويين للغة، ثم تنشئ بينهما حدودا على وضوحها متداخلة متشابكة. . .
- 4 -
أينظم الشاعر مضطرا أم ينظم مختارا؟
هذا آخر ما أفكر فيه وأتحدث عنه، والغريب أن الباحثين لم ينتهوا بعد من تقرير شيء في هذا. فالجدال عنيف، والتعقيد ظاهر، والعمل شاق. وقد يئست طائفة من الشعراء وتبرمت بالقريض، ثم قالت: إن مهنتنا تضني النفس وتأكل القوى، وصاحبنا مالرب يزعم مخلصا أن الشاعر ينهي مقطوعته الفنية وجب أن يهدأ مرتاحا بعد ذلك عشر سنوات!!
ينظم الشاعر. . . ولكنكم تدرون متى ينظم الشاعر، وما حاجتي إلى شيء تعرفونه حق المعرفة. ينظم الشاعر حين يفيض قلبه ويمتلئ صدره، فينطلق لسانه ويقول شعرا، ولكم وددت أن يكون هذا الرأي الفطير صحيحا سديدا، إذن لاحتمل الشاعر تكاليف الحياة، ورضى المبين بميسور الشقاء! ولكن القريحة الفنية قد تتبلد وتظلم حتى لا تعي أمرا ولا تنطق حرفا، فمن يقول بهذا الرأي الغرير يخضع الشاعر لسلطان القدر العابث، ويغدو الإنتاج الشعري حينئذ مرهونا بالمصادفة المواتية واللمحة المشرقة، أو متصلا بالوحي العالي والموهبة الخارقة. ولست أعلم افتئاتا على حرية الشاعر وامتهانا لكرامته كهذا الرأي القائل العاثر يجعله منفعلا لا فاعلا، وحاكيا أمينا يقول ما يلقى إليه من الكلام، وهو، يحاسب كما يحاسب مدير الصحيفة المسئول، فما كان خيرا قالوا هذا من عند الله، وما كان شرا قالوا هذا من عنده! والعجيب أن الكثرة الغالبة من الشعراء تؤمن بهذا الرأي وتناضل عنه، أو هي على الأقل لا تجد الفضاضة الذليلة بأن ترضى قانعة بمشيئة المصادفة والوحي
توافرت الأدلة وأثبتت التجربة أن الشعر الذي يعترف بجودته وبلوغه المنزلة الرفيعة التي تملى القارئ أثر الوحي والإحساس النفسي، إنما هو الواقع من عمل الجهد الدائب، والإدارة الصابرة، والتفكير العميق. أفلا نحس بهذا المجهود الكبير يبذله الشاعر حين نقرأ قصيدة من قصائده الطويلة الجميلة؟ فنحن نخطئ كثيرا إن حسبنا أن الشعر وحدة لا تقبل التجزئة؛ وموهبة لا تقوى على المران، وأثرا لا يخضع للزمن لقد يمتاز الشاعر من بين الناس كافة بلحظات مشرقة خاطفة تعصف بذاته وكيانه عصف الريح بفروع الشجر، فتتفتح لديه مغاليق نفسه، ويطل على دنياه الكامنة، ويلمح عجائب الروح. تلك لحظات ثمينة غريزة تضئ ما اختبأ بين اللحم والدم، وتبعث من المعاني والصور ما لا يفهمها أو يقدرها إلا الشاعر وحده، لأنها مختلطة بأوضار المادة وصادرة عن أسرار الظلام؛ وهي معان وصور لا تلبث للمنطق الظاهر ولا تلين للبيان الشعري، وكل ما في الأمر أنها قطع تنتثر من أعماقنا في حالها الطبيعي كما تنتثر الأحجار الكريمة من جوف البركان. ولقد ينبغي أن نطرح الأوشاب، ونحتفظ بالعنصر الصالح النقي لنذيبه في قالب جديد ونقدمه جوهرة خالصة للناس
فالذين يؤمنون بالوحي الشعري يقتلون العمل والإبداع، ويرضون بالشاعر وسيطا تملي عليه القدرة القادرة ما تشاء من ضروب القول وألوان المطالعة، وما لمثل هذا الفن ويخلق الشعراء! لشد ما هزئنا بالذين كانوا يؤمنون بحلول الجن أجساد البشر، ثم يجرون ألسنتهم ما يشتهون من الحجج واللهجات والنزوات! نعم إن شعور الصادق في اللفظ الجميل قوام الشعر الصحيح، ولكن الشعور النفسي لن ينبجس صافيا عذبا مهيئا للبيان، وما أحسبه يصفو ويعذب إلا إذا نهد له الشاعر بنشاطه فجرده من الأدران التي تمازجه، ونفض الغبار عنه ثم أهداه للقارئ أنشودة وأثرا كاملا. . .
بيروت
محمد روحي فيصل
مجلة الرسالة - العدد 94
بتاريخ: 22 - 04 - 1935
حديثنا الليلة إليكم في الشعر! والموضوع دائر كما تعلمون الآن في كثير من الصحف والمجالس، ولعل الغرابة أن ينال الشعر الاهتمام وتبذل للفن الجهود في زمن مادي أخذته الواقعية المحسوسة، وطغت عليه الوضعية العلمية، وسادت فيه الفكرة الاقتصادية!
للشعر في الإفهام معنيان: أولهما أنه مجموعة العواطف والانفعالات التي تهيجها في نفوسنا أحداث الزمن، ومجالي الطبيعة، ومعاني الوجود، وألوان الحياة، فنقول منظر شعري، وظرف شعري. وثانيهما أنه فن قائم وصناعة عجيبة، يتناول الأهواء المشبوبة بالتنسيق والتأليف والجلاء، ثم يبرزها لغة جميلة تطرب لها الأذن ويهتز منها القلب! وبين المعنيين صلة شديدة وتباين كتابين الرائحة التي تضوع من الزهر، والرائحة التي تضوع من الكيمياء
ومهما يكن من شيء فالناس لا يزالون في لبئس من المعنيين، وحيرة في الشعر والشعور؛ وكان من أثر هذا أن طائفة من الأحكام والنظريات والمؤلفات قد فسدت وغمضت لإطلاق الكلمة والواحدة على معنيين شتيتين وإن اتصلت أسبابهما اتصالا وثيقا!
فالشمس الغاربة، والغاية الوارفة، والقمر الناعم، والبحر العظيم - هذه وغيرها تبعث في الناس حين يستشرقون لها انفعالات وجدانية تختلف في الشدة والمدة والنقاوة والأثر؛ وقد تكون أزمة الهوى، وفاجعة الموت، ونازلة الفقر، أسبابا مباشرة لاضطراب نفسي عميق أو خفيف يلون الشعور، ويشتت المعاش، ويبدل المثل الأعلى! ولكن هذه العواطف الإنسانية المعروفة تغاير ما نسميه (العاطفة الشعرية) ولعل بيان أوجه التغاير والاختلاف لا يخلو من عنت ومشقة، لأنهما في الواقع متحدان اتحادا شديدا ما ينفصل أحدهما عن الآخر أو يبرز له ويسمو عليه، فالعاطفة الشعرية تتصل أبدا بالحب والألم والخوف والغضب، و إلى هذا من مشاعر النفس وأهواء القلب
وإنما العاطفة الشعرية عندي إحساس قوي بحياة غربية، وشعور واضح بعالم جديد جرده المبين من نفسه لنفسه، ثم قوم أشياءه وأحداثه وأشخاصه بالميزان الذي له خاصة، وخلع على ما فيه قيما حديثه، قد تتفق وقد لا تتفق مع القيم المألوفة التي تواضع الناس عليها في حياتهم الدراجة! ولئن تشابهت أشياؤه بالأشياء، وتعارفت الأحياء بالأحياء، فلقد يشملها جميعا قانون النفس العام، وتصطبغ كلها بالشعور والإنساني، تتجاذب تلك الأشياء والأحداث والأشخاص وتتنادى وتطرد لغاية عملها في دقة ونظام؛ والأولى أن نقول إن الأشياء والأحداث والأشخاص تؤلف في العالم الجديد لحنا موسيقيا منسجما لا ضجة فيه ولا نشوز، يتملاه الشاعر ويستوحيه ويخضع له! دنيا رحبة هادئة جميلة هي ملك المبين لأنها من خلقه! ولعل هذا العالم الشعري يماثل من وجوه عديدة عالم الرؤى والأحلام التي تضطرب في خيال المرء، وتطيف في رأسه الغافي. . .
ولقد أحب أن أشير هنا، وقد انحدرت (الأحلام) مع الحديث، إلى أن جماعة الإبتداعين (الرومانتك) وأدباء العصر الحاضر قد خلطوا بين الشعر والرؤيا ووحدوا معناها! نعم، قد تكون الرؤيا والأحلام صورا شعرية خالصة، ولكنها صورة بارزة مؤلفة من عمل المصادفة والإتقان؛ وما دامت كذلك فهي صور شعرية بالمصادفة والاتفاق
إن عالم الرؤى عالم غريب قد ملأ ساحته الشعور المبهم، وانفرط فيه عقد المنطق المحترم، وهب عليه إدراك غير إدراكنا، وتفكير غير تفكيرنا! فهو عالم مغلق تبرز الأشياء فيه على غير حقيقتها ولونها المعهود، وهي إنما بأهوائنا المكظومة ومثلنا المرجوة ورغائبنا الكامنة. والعاطفة الشعرية حالة نفسية كهذه الحال الطليقة تظهر على غير انتظام، وتعمل في غير استقرار، وتضمحل من غير إنذار! لقد تقوم في أنفسنا بالمصادفة وتخفتي عن أعيننا بالمصادفة! وعجيب - يا سادتي - أثر المصادفة العابثة في ظهورها وفنائها! (تصفيق)
- 2 -
يكر الزمان مسرعا ولا يؤوب، وتتجدد الحياة مشرفة ولا تتشابه، وتزول الصور ماضية بدون أثر! والله القادر الحكيم إنما تفرد بالطي والنشر، والمحو والإبداع، ثم أودع في الحياة معنى الموت، وفي الجذوة قوة الركود، وفي الخلق سر الأعجاز!! ولكن الشاعر المبين لن يرضى عن اللحظة الحية التي تطوي إلا إذ، سجلها على القرطاس، وأمد في عمرها، وأثبتها على الدهر، كأنما يعارض انحدار الأشياء إلى صندوق العدم، أو يغالب عبث الليالي وتطور الوجود، فهو يقف بالذاهب الآفل وقفة طويلة ممنعة فيقيد خواطره، ويعلن أحاسيسه، ويحي حبه، ثم ينزع من الحياة قطعا يقذفها في إطار خالد جميل إلى العصور التي تليه، والأجيال التي تضطرب بعده على الأرض! كذلك استطاع أن يستمتع بالعاطفة الشعرية الطليقة وأن يستحضرها في نفسه كلما أراد كما تستحضر الرؤى بالتنويم؛ والفنون كلها تقلب العرض الزائل إلى حال دائم، والعمل الفني إنما هو الآلة الحسية لهذا التوليد العجيب والخلق الموفق؛ فالموسيقى والنحت والأدب والتصوير طرائق مختلفة للتمثيل والتعبير اقتضتها كثرة الحواس الظاهرة، واشتباك النفس الباطنة، وغموض المدينة الحاضرة. . . التمس الشاعر طائفة من السبل الملتوية لاستحضار العاطفة الشعرية، ورياضتها على الفن. ولعل أقدم السبل المشروعة، وأعمقها أثرا، وأشدها تركيبا هي اللغة! ولكن اللغة بطبيعتها المادية وسلطانها الواهي واستخدامها العملي أجهدت الشاعر أيما إجهاد، وهو الذي يقوم ويؤلف منها الجرس!
أرجو أن أظفر - أيها السادة - يعرض ما يكابد الشاعر من آلام، ويبذل من جهود، ويغالب من مصاعب
إن اللغة كما ذكرت أداة قديمة يخلص الناس إلى حاجات العيش ومطالب الجسد، فهي على هذا أداة سمجة خلقتها المصلحة، وشوهتها الظروف، وأخضعتها الشهوات! فقيم الكلمات، ومدلول الألفاظ، وقواعد التركيب، وفن الكتابة، ومخارج النطق إنما هي ألهية من الألاهي الطريفة نبعث بها على ما تقتضيه المآرب وترتضيه الأهواء. ولقد نجل مقررات المجمع الأدبي، ونقدر عمل الطباعة والصحافة في تحديد معنى اللفظ وكف شرة الفرد، ولكن خصائص اللغة من حيث قدرتها على إبداع الجرس الموسيقي وتشقق المعني الواحد فيها عن كثير من المعاني المندرجة لم تجد - وا أسفاه - من يرد عنها عادية النزوات وعرف الأوضاع؛ فقد ننطق بالحرف وترسل الكلمة كما تقوى حناجرنا، وتنفرج شفاهنا، وتتسع ثقافتنا، وتزخر نفوسنا فنحرف الكلم عن موضعه، وندخل الفوضى على المفهوم، وننشر الشك في قيمة اللغة والحق أن اللغة لو أنها لم تصلح لغايات العيش، ولم تشتمل على معنى السعادة لما كانت تكون وسيلة من وسائل الشعر والفن، ومطلبا من مطالب الدقة والتعبير
هكذا، يا سادتي، شاء الحظ العاثر المشؤوم أن يستخدم الشاعر أداة حسية عملية ليحقق بها فنا أبي إلا أن يثور على المعاش، ويشرف على العمل، ويسمو على المادة. .!!
أما الموسيقى السعيد - وا لهفي على حظه - فقد يشرع فيما اختص له توفير عليه، ووسيلته جاهزة سامية مستقلة، لا يشركه فيها أحد من الناس، ولا تتدنى إلى ما لم تخلق له، وهو إنما يعمد إلى مادة قد صهرتها العصور، وهيأتها الطبيعية، وحددتها الغاية! لشد ما يشبه الموسيقى الصناع نحلة ولودا جاءت لتفرخ فوجدت الخلية قائمة على أحسن ما تقوم البيوت، مقسمة على أدق ما تقسم الغرف، فولدت مرتاحة هانئة ثم اهتمت للعسل وحده تجمعه من هنا ومن هناك! كذلك رجل الألحان يؤلف فنه من غير جهد، ويسلك سبيله بهجاً طروباً كأنما الملحن قد انسجم وبرز واكتمل قبل أن تمسه يد الموسيقى الفنان!!
ذلك بأننا نعيش بالسمع في عالم الأصوات؛ ونحيا بالأذن حين تعمى العين ويعيا اللسان؛ وبالأذن تدرك بطبيعتها أن الأصوات المتعالية إنما تتألف من وحدات بسيطة بالغة البساطة، صغيرة بالغة الصغر، حتى كأنها لا تقاس بشيء أو تلمح لوحدها، وهذه الوحدات قد تنسجم لمسافات محدودة، وتطرد بنسب معينة، فتكون الصوت الموسيقى، وقد تضطرب بغير نظام، وتسير على غير منهاج، فتكون الضجة الراجفة. فالأذن تعلم بالغريزة مكان الوحدة من الجرس، وتتذوق بالفطرة نور الجمال في الهمس، وتدرك أن الفرق بين النغم والضجة كالفرق بين النقاوة والكدورة، أو بين النظام والفوضى، ثم جاء العلم الطبيعي فأتم إدراك الغريزة وفطنة الأذن، وهو العلم القديم الدقيق، فقاس النسب، واخترع الآلات وإبداع من الألحان ما لا تستطيعه دنيا الطبيعة بذاتها...
وللموسيقى عمل السحر في النفس، تخلق جوا خاصا بها لست أدري ما طبيعته، وإنما أعلم أنه جو هادئ يتخدر فيه الشعور، وتطير العاطفة، ويحلو التخيل، وتبرز الأحلام! ولو أن لحنا شجيا انبعث خافتا من كمان في هذه القاعة الرحبة التي يهزها صوتي المضطرب المتعاظم لرأيتكم فجاءة تميلون الرؤوس وترهفون الآذان إلى مصدر اللحن، تتحسسونه وتتذوقونه، وتمدونه في أنفسكم وأنتم لا تشعرون! أفلا فطنتم إلى الأشعة القوية التي سطعت عليكم من شعاع لطيف، وإلى الدنيا الحالة التي طغت عليكم إثر جرس خفيف؟ ولقد يعطس شخص أو يقع كرسي أو يفتح باب فتستيقظ أنفسكم الحالمة وكأنما صار لها ما يصير للزجاج إذا كسر، أو الحبل إذا تصرم
تلكم الألحان الهادئة، والآذان الواعية، تعين الموسيقى على إحياء النفوس من غير تعب؛ أما لغة الشاعر فكما علمتم ألفاظ جامدة مبهمة، وتخاطب الأذان والنفس على السواء، وتدخل إليهما مزيجا مضطربا من الأصوات والصور، وتثير فيهما ألوانا متداخلة من العواطف والميول. وهنا موضع الشذوذ، فلست أعرف أثرا متداولا أفرط في الغموض والاشتباك كاللغة، ولقد تقول كلاما صحيحا يقبله العقل ولكنه لا يهز الأذن ولا يطرب القلب، أو تقول كلاما منسجما جميلا ولكنه خلو من التفكير والمعاني! وليس أدل على اشتباك اللغة من نشأة هذه العلوم المختلفة التي تتظاهر كلها على شرحها وتفسيرها، فثم علم النقد والأدب والبلاغة والمنطق والاشتقاق والنحو تشترك جميعها في الكشف عما يحجب الألفاظ من الإبهام والتعقيد. ولن يستطيع المبين أن يتجاهل هذه العلوم أو يثور على سلطانها أو يكتفي بالتوقيع على الأذن دون النفوذ إلى النفس!
ولكن الكلام كلامان: منثور ومنظوم، والنثر والنظم مظهران قويان للغة، وبينهما حدود على وضوحها متداخلة متشابكة. . .
(تصفيق شديد)
- 3 -
أذكر أني كنت أحاضر مرة في هذا المعنى طائفة من الأجانب، فلما بلغت هذا الموضع من الحديث إذا أحد المستمعين يتلو علي رسالة طريفة بعث بها الكاتب (راكان) إلى صديقه (شايلان) يقول فيها: (. . . وأنت تستطيع أن تنعت نثري بما شئت من الظرف والكياسة والبساطة، فلقد اعتزمت على ألا أحيد عن نصائح أستاذي الكبير (مالرب) ولا التزم ما يلتزمه غيري من الوزن والإيقاع والجرس، وحسبي الوضوح من تاج أزين به نسيج ألفاظي ولفتات ذهني! كان مالرب الذكي يشبه النثر بالمشي، ويقرن الشعر بالرقص، ويقول إن ما نفعله مرغمين يستحق التسامح والاعتدال، ثم لا بد فيه من التجاوز والإهمال، وأما ما نعمله باختيارنا ورغبتنا فمن السخرية أن يكون المرء فيه ضعيفا أو وسطا، فالأعرج مضطر إلى المشي اضطرارا، ولكنه متحذلق سخيف لو راح يرقص على الفالس والخطوات الخمس) إن تشبيه النثر بالمشي والشعر بالرقص تشبيه خصب جميل لا أعرف أصح منه ولا أدق ولا أشمل! فالمشي كالنثر يقصد به صاحبه أن ينال غاية مائلة ويحقق فكرة مرسومة، فهو يرجو شيئا، ومن أجله يمشي، ولعله لم يدب برجليه ويضرب في الأرض إلا لأن الباعث قد تحرك فيه وألح عليه؛ وظروف المشي، أعني طبيعة الشيء وحالة البدن والأرض واشتداد الرغبة، هي التي تحدد سرعته وتعين وجهته؛ فالمشي على هذا واسطة قائمة تزول متى برز وجه الغاية، أو هو فعل متجدد سوف ينطوي بعد حين. أما الرقص فهو هو الواسطة والغاية، ليس يغني ولا يسير على غير هدى؛ ولئن قصد به فهو الرياضة على الفن الجميل، والشعور بالحياة السعيدة، والاستماع بالمثل الأعلى! على أن الرقص يستخدم نفس الأرجل والأعضاء ولأعصاب التي يستخدمها المشي، وكذلك الشعر أداته الكلمات والصور والمعاني التي يقوم بها النثر عند البيان
إنما يمتاز الشعر من النثر بأنه يتناول الألفاظ على نحو من التركيب والتوجيه يخالف ما يتناول منها النثر في أغلب الأحيان، فنحن نعجب بالكناية والمجاز في الشعر أشد العجب، بل نحن لا نعجب بالشعر إلا إذا كان كله أجله كناية ومجازا. أما القول بوحدة الشعر والنثر فهو قول لم يقره النقد الصحيح ولم يسغه الذوق والحديث، ولعل ما يجوز في أحدهما لا يجوز في الآخر على أوجز تعبير
والمشي كالنثر يسلك به صاحبه أخصر الطرق وأقومها وأقلها عوجا ومنعطفات ليصل إلى بغيته التي يرجوها دون تريث ولا تذبذبن ولكن الرقص بخلاف ذلك لا يحلو إلا إذا أكثر من الروحات والغدوات، وأفرط في اللف والدوران، وأمعن في الجيئة والذهوب؛ ولو سمح لنا الرياضيون لقلنا إن الخط المستقيم سبيل الماشي والناثر، والخط المنحرف سبيل الراقص والشاعر!
تلك السماء تسح مطرا - هكذا يعبر الناثر في نزول المطر الشديد، وهكذا علمنا منذ الطفولة على الكلام، أما الشاعر فلن يبين كما يبين الناثر ويتكلم الناس وإنما يكسو الحقيقة العارية، ويزين الصورة الواقعة، ويعرض الحس في إطار رائع يبهر البصر ويعجب البصيرة. وما ينبغي للشاعر الفنان أن يقول (تلك السماء تمطر تسح مطرا) حتى نحمل المظلة ونتقي البلل لأن (تلك السماء تسح مطرا) قاعدة الكاتب الناثر، ينشئ فيوجز ويصرح ثم لا يجمل ولا يبالغ
يمشي الرجل متثاقلا أو مسرعا إلى غايته، فما يكاد يبلغها حتى يقف قائما لا يسعى كأنما التثاقل والإسراع كانا من أثر الحاجة والإلحاح، فالرجل يكف عن المشي لأن علة المشي قد زالت ولأن غاية السعي قد برزت! وهذا الأعرج الضعيف الذي ذكره مالرب في حديثه إنما يجلس مستويا على مقعده كما يجلس الراكض العاني بعد طوال اللهث والتعب. كذلك لغة النثر تضطرب وتموت في الذهن متى عرف معناها واستابنت غايتها؛ فهذه محاضرتي غنما ألقيها على مسامعكم لتفهموا عني ما أحب وتعتقدوا بالذي أعتقد، فأنا أقول الآن نثرا، ومتى انتهيت من الكلام وارفض جمعكم الحافل طارت الألفاظ سريعا من ذاكرتكم، وبقي الأثر منطبعا في أذهانكم كأنما أقول من الكلام المنثور لأدفنه بيدي وأذيبه متعمدا، ولقد يتفاعل هذا الأثر الحديث مع غيره من الآثار السابقة كما تتفاعل فيما بينها عناصر الكيمياء؛ ومهما تكن نتيجة التفاعل الفكري فالألفاظ التي أقذفها إنما أقذفها لتتلاشى كما يتلاشى البخار في الفضاء. وكمال محاضرتي أن تفهموا معناها لا أن تحفظوا مبناها، لأن المعنى متى أشرق في الذهن ووضح في الخيال وجد اللفظ سجنا يحد من سعته ويضعف من شأنه؛ فالفهم والدقة والوضوح غاية النثر التي لا غاية له غيرها وأعني أن الكلام المنثور يحيا حياة قصيرة ثم يموت. . .
وما ينبغي أن يحيا النثر إلا حياة قصيرة ثم يموت بعد أن يبلغ رسالته تامة صحيحة واضحة! ولكن الشعر خالد تتجدد ألفاظه في القراءة، وتحلو معانيه عند الإعادة؛ وقيمة الشعر في شكله الظاهر وكلماته المزجاة، قد انتظمت كما ينتظم العقد وانسجمت كما تنسجم الموسيقى؛ فرؤوسنا تحفظ اللفظ تتلوه مترنمة هازجة وتعيده على نحو ما سمعته في الرصف والاتساق. ثم لا تبالي إن ثملت أو حزنت أو ثارت ما دام في إنشادها رنة الفرح أو أنة الألم أو نزوة الهوى. ولقد جهل قوم كثيرون طبيعة الشعر، وهاموا في وضع الحدود وتباين المعالم فما نجحوا ولا استراحوا؛ وعندي أن الشعر لفظ جميل تستمع به الأفهام الراجحة، وتتناشده الشفاه اللاغية، وتهضمه النفوس الواعية. ثم تخرجه كما كان لفظا جميلا تبقي جدته على الزمان كأنما يستعلن في (ميكانيكية) متشابهة قوية رائعة. . .
هاتان نقطتان ثابتتان تقابل إحداهما الأخرى على مسافة صغيرة، يتأرجح بينهما رقاص مضطرب كرقاص الساعة، قد تدلى وتذبذب في جيئة وذهوب. أما النقطتان الثابتتان المتقابلتان فهما اللفظ والمعنى، أو الشكل والفكرة، أو الجرس والعاطفة؛ وأما الرقاص المضطرب فهو النفس المتصفحة الممعنة، تقرأ القصيدة المنظومة أول ما تقرأ، فتجوز اللفظ لتفهم المعنى، وتنسى الشكل لتذكر الفكرة، ثم تخلص من الجرس إلى العاطفة تستطلع مطاويها كما هو الحال في التخاطب والكلام، وهنا في هذه السطور يتساوى النثر والشعر، ولكنه طور خاطف لا يلبث أن يزول. ذلك أن النفس القارئة تكر راجعة بعد هذا إلى اللفظ تعيده وتتملاه. ثم لا ترى خيرا منه صندوقا يضم أشتات المعنى، ويحفظ دقائق الفكرة، ويعلن جمال العاطفة! تعود إلى اللفظ بعد ما عرفت المعنى كما يعود الرقاص من جولته إلى حيث ابتدأ في الجولان! وهكذا تضطرب النفس القارئة بين اللفظ والمعنى كما يضطرب الرقاص بين النقطتين الثابتتين المتقابلتين، وهذا الاضطراب بين الظاهر والباطن هو الذي أسميناه (بالعاطفة الشعرية) في صدر المحاضرة، وهو غاية الشعر التي لا غاية له غيرها، ولعل الشاعر الموهوب من يختار اللفظة الصالحة لأحداث الاضطراب النفسي، وإحياء العاطفة الشعرية
فالشعر كما أراه يفترق عن النثر ولا يلتبس به، وهو أشد ما يكون بعدا وتساميا عن القصة والرواية اللتين تصفان حوادث الواقع وتعرضان مشاهدة الحياة، وهذا التباين نلمحه واضحا في الوضع الطبيعي الذي يأخذه قارئ الرواية وقارئ الشعر، فالأول ينساق مع تيار الحوادث، فيفخر أو يغضب أو يفرح أو يحزن، وقد وضع جبهته بين كفيه، وركب رأسه فيما يقرأ، وتعجل التلاوة ليأمن الذي يلي ويطمئن للخاتمة، فجسده غائب وحواسه فارغة، وعقله منغمس تائه لا يشعر بما حوله ولا يدرك إلا ما هو فيه، ولو انصفنا لقلنا إن قواه الجسمانية قد انحلت، وأن قواه النفسانية قد انقلبت عقلا يمعن ويتلو ويتأثر، أما قارئ الشعر فلا تتقسم طبيعته ولا تتوزع قواه، وإنما يذهب في القراءة بجوارحه كلها ما دق منها وما ظهر، ما رق وما غلظ، ما شرف وما سفل؛ فالقصيدة تهيج نفسه وعصبه، وتوقظ ملكاته الحسية والفكرية. ثم تريده على أن يتصور الأشياء ويتمثل الحقيقة كما هي غير محرفة ولا ملتوية ولا مضطربة!!
ولكني على هذا ألمح بين الشعر والنثر درجات من الصور خافة متوسطة تربط قطبين متقابلين في الأدب، وتصل مظهرين قويين للغة، ثم تنشئ بينهما حدودا على وضوحها متداخلة متشابكة. . .
- 4 -
أينظم الشاعر مضطرا أم ينظم مختارا؟
هذا آخر ما أفكر فيه وأتحدث عنه، والغريب أن الباحثين لم ينتهوا بعد من تقرير شيء في هذا. فالجدال عنيف، والتعقيد ظاهر، والعمل شاق. وقد يئست طائفة من الشعراء وتبرمت بالقريض، ثم قالت: إن مهنتنا تضني النفس وتأكل القوى، وصاحبنا مالرب يزعم مخلصا أن الشاعر ينهي مقطوعته الفنية وجب أن يهدأ مرتاحا بعد ذلك عشر سنوات!!
ينظم الشاعر. . . ولكنكم تدرون متى ينظم الشاعر، وما حاجتي إلى شيء تعرفونه حق المعرفة. ينظم الشاعر حين يفيض قلبه ويمتلئ صدره، فينطلق لسانه ويقول شعرا، ولكم وددت أن يكون هذا الرأي الفطير صحيحا سديدا، إذن لاحتمل الشاعر تكاليف الحياة، ورضى المبين بميسور الشقاء! ولكن القريحة الفنية قد تتبلد وتظلم حتى لا تعي أمرا ولا تنطق حرفا، فمن يقول بهذا الرأي الغرير يخضع الشاعر لسلطان القدر العابث، ويغدو الإنتاج الشعري حينئذ مرهونا بالمصادفة المواتية واللمحة المشرقة، أو متصلا بالوحي العالي والموهبة الخارقة. ولست أعلم افتئاتا على حرية الشاعر وامتهانا لكرامته كهذا الرأي القائل العاثر يجعله منفعلا لا فاعلا، وحاكيا أمينا يقول ما يلقى إليه من الكلام، وهو، يحاسب كما يحاسب مدير الصحيفة المسئول، فما كان خيرا قالوا هذا من عند الله، وما كان شرا قالوا هذا من عنده! والعجيب أن الكثرة الغالبة من الشعراء تؤمن بهذا الرأي وتناضل عنه، أو هي على الأقل لا تجد الفضاضة الذليلة بأن ترضى قانعة بمشيئة المصادفة والوحي
توافرت الأدلة وأثبتت التجربة أن الشعر الذي يعترف بجودته وبلوغه المنزلة الرفيعة التي تملى القارئ أثر الوحي والإحساس النفسي، إنما هو الواقع من عمل الجهد الدائب، والإدارة الصابرة، والتفكير العميق. أفلا نحس بهذا المجهود الكبير يبذله الشاعر حين نقرأ قصيدة من قصائده الطويلة الجميلة؟ فنحن نخطئ كثيرا إن حسبنا أن الشعر وحدة لا تقبل التجزئة؛ وموهبة لا تقوى على المران، وأثرا لا يخضع للزمن لقد يمتاز الشاعر من بين الناس كافة بلحظات مشرقة خاطفة تعصف بذاته وكيانه عصف الريح بفروع الشجر، فتتفتح لديه مغاليق نفسه، ويطل على دنياه الكامنة، ويلمح عجائب الروح. تلك لحظات ثمينة غريزة تضئ ما اختبأ بين اللحم والدم، وتبعث من المعاني والصور ما لا يفهمها أو يقدرها إلا الشاعر وحده، لأنها مختلطة بأوضار المادة وصادرة عن أسرار الظلام؛ وهي معان وصور لا تلبث للمنطق الظاهر ولا تلين للبيان الشعري، وكل ما في الأمر أنها قطع تنتثر من أعماقنا في حالها الطبيعي كما تنتثر الأحجار الكريمة من جوف البركان. ولقد ينبغي أن نطرح الأوشاب، ونحتفظ بالعنصر الصالح النقي لنذيبه في قالب جديد ونقدمه جوهرة خالصة للناس
فالذين يؤمنون بالوحي الشعري يقتلون العمل والإبداع، ويرضون بالشاعر وسيطا تملي عليه القدرة القادرة ما تشاء من ضروب القول وألوان المطالعة، وما لمثل هذا الفن ويخلق الشعراء! لشد ما هزئنا بالذين كانوا يؤمنون بحلول الجن أجساد البشر، ثم يجرون ألسنتهم ما يشتهون من الحجج واللهجات والنزوات! نعم إن شعور الصادق في اللفظ الجميل قوام الشعر الصحيح، ولكن الشعور النفسي لن ينبجس صافيا عذبا مهيئا للبيان، وما أحسبه يصفو ويعذب إلا إذا نهد له الشاعر بنشاطه فجرده من الأدران التي تمازجه، ونفض الغبار عنه ثم أهداه للقارئ أنشودة وأثرا كاملا. . .
بيروت
محمد روحي فيصل
مجلة الرسالة - العدد 94
بتاريخ: 22 - 04 - 1935
التعديل الأخير بواسطة المشرف: