نقوس المهدي
كاتب
في هذا العدد سنتعرف على عالم فاضل من العصر العلوي الأول مارس الطب إلى جانب علوم أخرى، يتعلق الأمر بابن عزوز المراكشي المشهور بسيدي بَلّة.. أبو محمد عبد الله بن عزوز القرشي الشاذلي المراكشي، المعروف بسيدي بلّة، طبيب صوفي وفقيه كبير.. المصادر لم تذكر سنة ولادة ابن عزوز المراكشي، لكننا نعرف سنة وفاته التي كانت 1789م.
كان ابن عزوز المراكشي عارفا بدقائق اللغة والفقه، وكان مولعا بالتنجيم، وأسرار الحروف.. وقد ذهب الناس مذاهب شتى في الحديث عن مواهب سيدي بلّة حتى نسبوا إليه خوارق ذكرها ابن المؤقت في السعادة الأبدية؛ منها أنه رد إناء إلى حالته الطبيعية، بعد أن حوله كيمائي آخر إلى ذهب..
سلك سيدي بلّة طريق التصوف على يد أبي العباس أحمد الحبيب اللمطي، مريد عبد السلام بن الطيب القادري، الذي تتلمذ بدوره على يد الشيخ سيدي قاسم الخصاصي..
لقد كان ابن عزوز صوفيا بالمعنى العميق لكلمة تصوف، إذ رغم تفوقه في العلوم كان يعيش متقشفا، ولا يأكل إلا من كسب كده في أعمال الخرازة..
والغريب أن هذا العالم المتقشف الذي كان يأكل من عمل يده لم يكن بعيدا عن دوائر السلطة، فقد أخبرنا ابن المؤقت المراكشي في السعادة الأبدية (ج: 1) أن ابن عزوز المراكشي استطاع أن يخمد ثائرة السلطان سيدي محمد بن عبد الله، عندما أغضبه الشيخ التاودي ابن سودة برفضه توقيع حقوق الديوانة التي فرضها السلطان..
لم يشتهر ابن عزوز المراكشي ضمن سلاسل انتقال العلم الشهيرة ببلاد المغرب كتلك التي يتوسطها اليوسي، أو عبد القادر الفاسي، أو المرغيثي، أو ابن ناصر الدرعي؛ لكن مؤلفاته تدل على أنه نابغ من نوابغ عصره آثر الزهد، والتقشف، والابتعاد عن الأضواء.. وتتجلى ميادين التأليف عند سيدي بلّة في التصوف، والطب، والتنجيم، وأسرار الحروف، ومعظم مؤلفات هذا الفاضل لازالت مخطوطة نذكر منها في علم التصوف: رسالة الصوفي للصوفي في التعريف بالاسم الأعظم المفرد الجامع الكافي؛ وإثمد البصائر، في معرفة حكمة المزاهر.
وألف سيدي بلّة في الطب ذهاب الكسوف، ونفي الظلمات في علم الطب، والطبائع والحكمة، انتهى من تأليفه سنة 1780.. وهو كتاب اشتهر بين الطلبة في عصر المؤلف، وعد من الكتب الأساسية في المعرفة الطبية خلال العصر السعدي الأول. وهو الكتاب الذي أثنى عليه الباحث الفرنسي رينو في دراسته لتاريخ الطب بالمغرب، وقد ألف ابن عزوز المراكشي كتابا آخر سماه كشف الرموز، يتعلق بفوائد النباتات الطبية..
لم يكتف ابن عزوز بالعلم الطبيعي بل نراه يهتم بمواضيع ميتافيزيقية، إذ لم تكن حدود الطب واضحة المعالم من زاوية معرفية موضوعية، على اعتبار أن عصر سيدي بلة كان عصر تقليد في الطب ولم يكن عصر إبداع..
ومن باب الموضوعية نقول أن هذا الرجل الفاضل العالم الخراز المتقشف رأى في الاهتمام بعلم الحرف وأسراره استمرارا لبحثه في الطبيعيات، فألف لباب الحكمة في علم الحروف وعلم الأسماء الإلهية، وبحر الوقوف على سر الحروف ذكرهما ابن المؤقت في السعادة الأبدية، والسر الوافي، والترتيب الكافي؛ ذكره عبد السلام بن سودة في دليل مؤرخ المغرب الأقصى؛ وحل المعقود، وعقد المحلول..
كان ابن عزوز ذا نفس موسوعي يدل على ذلك تنوع تآليفه، وتنوع المواضيع في التأليف الواحد، من ذلك كتاب الأسئلة والأجوبة في الفقه، والأصول والطب.
وقد عرف عبد السلام بن سودة في دليل مؤرخ المغرب الأقصى برسالة الصوفي للصوفي، وقال أنها في التعريف باسم الله الأعظم المفرد الجامع الكافي، وفي التعريف بشرابه الصافي، وميزانه الوافي، وسره الخافي، تشمل على ثلاثة مجالس، في المجلس الأول ثلاثة أبواب، وفي الثاني بابان، وفي الثالث أربعة أبواب، وتنتهي بخاتمة، أنه كتاب صوفي خالص يتميز باستعمال مصطلحات خاصة لا يفهمها عامة الناس إلا أنه غير أصيل.
أما كتب إثمد البصائر فهو رسالة محتوية على مقدمة، وثلاثة كتب وفصول كثيرة، ومختصة بعلم الحكمة الذي يقول المؤلف في تعريفه: "أعظم العلوم مقاما، وأقدمها أصلا وفرعا، وأقواها حجة ودليلا، وأجلاها سبيلا، هو علم الحكمة الكافل بأسرار اللاهوت، والكاشف لأستار الجبروت، ومنه مشاهدة الملك، ومغيب الملكوت، والكاشف عن أحوال السعداء والأشقياء، في دار الفناء ودار البقاء.. أعلم بها الناظر، أرشدك الله، أن الحكمة هي أصل المواهب، وأفضل المكاسب، إذ الحكمة علم الأسباب البعيدة التي بها وجود الموجودات، وعلم الأسباب القريبة التي تبرز أفعال هذه الذوات..
ثم يشرح المؤلف دور الحكمة ويبين خصائصها بقوله: "والحكمة خصائص، وذلك أنها تنمو ولا تندثر، وتنور لب عارفها حتى يستصبر، ولا يقبل على الجاهل ولا من هو عنها يدبر، والحكمة لها علوم وفنون، والحكيم هو الجامع لفنون الحكمة، المطلع على أسرارها الإلهية، فينزل من الواحد إلى ما لانهاية له، ويترقى مما لا نهاية له إلى الواحد.. ".
أما رسالة لباب الحكمة في علم الحرف فيقول سيدي بلّة فيها: "اعلم أيها الناظر، أن الله تعالى خلق الحروف في العالم اللوحى أشكالا مستديرة، كهيئة الثمانية وعشرين حرفا وجعل في باطن استدارتها مشكلة على هيئة الحروف باللسان، وأنزل بها كتابه، وبعث بها رسوله إلى كافة خلقه، وذلك السر الخفي، هو أن العالم العلوي جمع محض، والعالم السفلي تفرقة محض، فإذا كان الإنسان في عالم التفرقة، برز له الشكل الحرفي من باطن الدائرة فيرى العالم السفلي، وإن هو ارتقى إلى الحقيقة الجمع شاهد الحروف مستديرة، فيرى الباطن والظاهر..
أما كتاب ذهاب الكسوف الذي ألفه ابن عزوز المراكشي في علم الطب فكتاب ضخم في الوصفات الطبية، منتشر بالمغرب انتشارا كبيرا. ويبدو من مدخله أن ابن عزوز كان يروم التنظير في علم الطب وليس مجرد إعطاء وصفات طبية؛ يبدو ذلك من قوله: "وبعد: فقد اختلج صدري لما نحن بسبيل كشفه من معاني الطب والطبائع والحكمة" وقد درسه كل من العالم رينو في تأريخه للطب المغربي، والعالم لوسيان لوكلير مترجم وناشر كتاب جامع المفردات لابن البيطار..
توفي ابن عزوز المراكشي سنة ت 1204 ه – 1789م كما في دليل مؤرخ المغرب الأقصى لعبد السلام بن سودة، ولا عبرة بما عند ابن الموقت، السعادة، 1 ص: 96 من أنه مات عام 1295 – 1878 وقد تبعه في هذا الخطأ العلامة عبد الله كنون في النبوغ 1 ص: 303، ودفن سيدي بلّة في دار سكناه بباب ايلان بمحروسة مراكش، ليس بعيد عن قبر القاضي عياض السبتي، وقبره اليوم مشهور.. رحمه الله وجازاه عن المغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..
كان ابن عزوز المراكشي عارفا بدقائق اللغة والفقه، وكان مولعا بالتنجيم، وأسرار الحروف.. وقد ذهب الناس مذاهب شتى في الحديث عن مواهب سيدي بلّة حتى نسبوا إليه خوارق ذكرها ابن المؤقت في السعادة الأبدية؛ منها أنه رد إناء إلى حالته الطبيعية، بعد أن حوله كيمائي آخر إلى ذهب..
سلك سيدي بلّة طريق التصوف على يد أبي العباس أحمد الحبيب اللمطي، مريد عبد السلام بن الطيب القادري، الذي تتلمذ بدوره على يد الشيخ سيدي قاسم الخصاصي..
لقد كان ابن عزوز صوفيا بالمعنى العميق لكلمة تصوف، إذ رغم تفوقه في العلوم كان يعيش متقشفا، ولا يأكل إلا من كسب كده في أعمال الخرازة..
والغريب أن هذا العالم المتقشف الذي كان يأكل من عمل يده لم يكن بعيدا عن دوائر السلطة، فقد أخبرنا ابن المؤقت المراكشي في السعادة الأبدية (ج: 1) أن ابن عزوز المراكشي استطاع أن يخمد ثائرة السلطان سيدي محمد بن عبد الله، عندما أغضبه الشيخ التاودي ابن سودة برفضه توقيع حقوق الديوانة التي فرضها السلطان..
لم يشتهر ابن عزوز المراكشي ضمن سلاسل انتقال العلم الشهيرة ببلاد المغرب كتلك التي يتوسطها اليوسي، أو عبد القادر الفاسي، أو المرغيثي، أو ابن ناصر الدرعي؛ لكن مؤلفاته تدل على أنه نابغ من نوابغ عصره آثر الزهد، والتقشف، والابتعاد عن الأضواء.. وتتجلى ميادين التأليف عند سيدي بلّة في التصوف، والطب، والتنجيم، وأسرار الحروف، ومعظم مؤلفات هذا الفاضل لازالت مخطوطة نذكر منها في علم التصوف: رسالة الصوفي للصوفي في التعريف بالاسم الأعظم المفرد الجامع الكافي؛ وإثمد البصائر، في معرفة حكمة المزاهر.
وألف سيدي بلّة في الطب ذهاب الكسوف، ونفي الظلمات في علم الطب، والطبائع والحكمة، انتهى من تأليفه سنة 1780.. وهو كتاب اشتهر بين الطلبة في عصر المؤلف، وعد من الكتب الأساسية في المعرفة الطبية خلال العصر السعدي الأول. وهو الكتاب الذي أثنى عليه الباحث الفرنسي رينو في دراسته لتاريخ الطب بالمغرب، وقد ألف ابن عزوز المراكشي كتابا آخر سماه كشف الرموز، يتعلق بفوائد النباتات الطبية..
لم يكتف ابن عزوز بالعلم الطبيعي بل نراه يهتم بمواضيع ميتافيزيقية، إذ لم تكن حدود الطب واضحة المعالم من زاوية معرفية موضوعية، على اعتبار أن عصر سيدي بلة كان عصر تقليد في الطب ولم يكن عصر إبداع..
ومن باب الموضوعية نقول أن هذا الرجل الفاضل العالم الخراز المتقشف رأى في الاهتمام بعلم الحرف وأسراره استمرارا لبحثه في الطبيعيات، فألف لباب الحكمة في علم الحروف وعلم الأسماء الإلهية، وبحر الوقوف على سر الحروف ذكرهما ابن المؤقت في السعادة الأبدية، والسر الوافي، والترتيب الكافي؛ ذكره عبد السلام بن سودة في دليل مؤرخ المغرب الأقصى؛ وحل المعقود، وعقد المحلول..
كان ابن عزوز ذا نفس موسوعي يدل على ذلك تنوع تآليفه، وتنوع المواضيع في التأليف الواحد، من ذلك كتاب الأسئلة والأجوبة في الفقه، والأصول والطب.
وقد عرف عبد السلام بن سودة في دليل مؤرخ المغرب الأقصى برسالة الصوفي للصوفي، وقال أنها في التعريف باسم الله الأعظم المفرد الجامع الكافي، وفي التعريف بشرابه الصافي، وميزانه الوافي، وسره الخافي، تشمل على ثلاثة مجالس، في المجلس الأول ثلاثة أبواب، وفي الثاني بابان، وفي الثالث أربعة أبواب، وتنتهي بخاتمة، أنه كتاب صوفي خالص يتميز باستعمال مصطلحات خاصة لا يفهمها عامة الناس إلا أنه غير أصيل.
أما كتب إثمد البصائر فهو رسالة محتوية على مقدمة، وثلاثة كتب وفصول كثيرة، ومختصة بعلم الحكمة الذي يقول المؤلف في تعريفه: "أعظم العلوم مقاما، وأقدمها أصلا وفرعا، وأقواها حجة ودليلا، وأجلاها سبيلا، هو علم الحكمة الكافل بأسرار اللاهوت، والكاشف لأستار الجبروت، ومنه مشاهدة الملك، ومغيب الملكوت، والكاشف عن أحوال السعداء والأشقياء، في دار الفناء ودار البقاء.. أعلم بها الناظر، أرشدك الله، أن الحكمة هي أصل المواهب، وأفضل المكاسب، إذ الحكمة علم الأسباب البعيدة التي بها وجود الموجودات، وعلم الأسباب القريبة التي تبرز أفعال هذه الذوات..
ثم يشرح المؤلف دور الحكمة ويبين خصائصها بقوله: "والحكمة خصائص، وذلك أنها تنمو ولا تندثر، وتنور لب عارفها حتى يستصبر، ولا يقبل على الجاهل ولا من هو عنها يدبر، والحكمة لها علوم وفنون، والحكيم هو الجامع لفنون الحكمة، المطلع على أسرارها الإلهية، فينزل من الواحد إلى ما لانهاية له، ويترقى مما لا نهاية له إلى الواحد.. ".
أما رسالة لباب الحكمة في علم الحرف فيقول سيدي بلّة فيها: "اعلم أيها الناظر، أن الله تعالى خلق الحروف في العالم اللوحى أشكالا مستديرة، كهيئة الثمانية وعشرين حرفا وجعل في باطن استدارتها مشكلة على هيئة الحروف باللسان، وأنزل بها كتابه، وبعث بها رسوله إلى كافة خلقه، وذلك السر الخفي، هو أن العالم العلوي جمع محض، والعالم السفلي تفرقة محض، فإذا كان الإنسان في عالم التفرقة، برز له الشكل الحرفي من باطن الدائرة فيرى العالم السفلي، وإن هو ارتقى إلى الحقيقة الجمع شاهد الحروف مستديرة، فيرى الباطن والظاهر..
أما كتاب ذهاب الكسوف الذي ألفه ابن عزوز المراكشي في علم الطب فكتاب ضخم في الوصفات الطبية، منتشر بالمغرب انتشارا كبيرا. ويبدو من مدخله أن ابن عزوز كان يروم التنظير في علم الطب وليس مجرد إعطاء وصفات طبية؛ يبدو ذلك من قوله: "وبعد: فقد اختلج صدري لما نحن بسبيل كشفه من معاني الطب والطبائع والحكمة" وقد درسه كل من العالم رينو في تأريخه للطب المغربي، والعالم لوسيان لوكلير مترجم وناشر كتاب جامع المفردات لابن البيطار..
توفي ابن عزوز المراكشي سنة ت 1204 ه – 1789م كما في دليل مؤرخ المغرب الأقصى لعبد السلام بن سودة، ولا عبرة بما عند ابن الموقت، السعادة، 1 ص: 96 من أنه مات عام 1295 – 1878 وقد تبعه في هذا الخطأ العلامة عبد الله كنون في النبوغ 1 ص: 303، ودفن سيدي بلّة في دار سكناه بباب ايلان بمحروسة مراكش، ليس بعيد عن قبر القاضي عياض السبتي، وقبره اليوم مشهور.. رحمه الله وجازاه عن المغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..