نقوس المهدي
كاتب
قد لا نجد مثيلا في الأدب العربي القديم لذلك الذي كتبه الشيخ ركن الدين الوهراني الذي عاش في القرن السادس الهجري (16 ميلادي ). وكما يشير اسمه فقد ولد في مدينة "وهران "، ولكنه عاش معظم عمره في مصر وأقام في الشام في طريقه الى عاصمة الإمبراطورية "بغداد" التي كانت تعيش فترة أفولها الحضاري في عهد الخليفة المستضيء بالله . لم يترك الوهراني الكثير من المؤلفات بل لقد جمعت المقامات والمنامات والرسائل التي كتبها في مجلد واحد صدر قبل بضعة أعوام .
والوهراني في كل ما كتب، كان يسخر بمرارة وجرأة مدهشة من الناس والزمان والظواهر الفاسدة والذات فلا شيء خارج دائرة لسانه السليط و نقده العميق الذي لم يستثنِ شيئا أو أحدا حتى الوهراني نفسه ولقد نقل قول أحدهم في حقه بأنه رغم تفاهته ( يتمكتب و يتمشعر ) أي يكتب النثر ويقول الشعر. كما لم يسلم من لسانه الصوفية ورجال الدين الذين قال عنهم ( هربوا من كدِّ الصنائع والأعمال الى الزوايا المساجد والمشاهد بحجة العبادة والانقطاع فلا يزال أحدهم يأكل وينام حتى يموت.. إنهم كالخروع في البستان يشرب الماء ويضيق المكان..). إنها سخرية تدفع القارئ أحيانا الى الضحك بصخب والى القهقهة في البداية وبعدها الى الغرق في التفكير العميق في ما هو تحت السطح. غير أن مشكلة القارئ المعاصر هي أنه قد لا يفهم الكثير من تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها الوهراني واللغة الإيحائية أو المباشرة التي كتب بها. ومما توقفت عنده في قراءتي للوهراني وشعرت بأنه حي وذو علاقة بزماننا العناوين التالية أقبسها هنا تحية لروح الشيخ الوهراني :
- في المنام الكبير الذي وصف فيه المحشر والعالم الآخر وما حدث له ولصاحبه عند الحوض وكيف شاهد أربعا من الشخصيات التاريخية وهم يرقصون و(يتزهزون ) فرحا بغفران ذنوب أحد كبار المذنبين تفاؤلا بأن المغفرة الربانية قد تشملهم وهؤلاء الأربعة هم: عبد الرحمن بن ملجم قاتل الخليفة الرابع الأمام علي بن أبي طالب، والشمر بن ذي الجوشن قاتل ولده الحسين وصحبه، والحجاج بن يوسف الثقفي حاكم العراق الدموي في عهد بني أمية، والشيخ أبو مرة " إبليس " ! وكيف أن عزرائيل كان يتشفع ويهتم بالأطباء لأنهم كانوا يسهلون عمله في الدنيا حين يقوم باختطاف أرواح الناس في هجاء مبطن لأطباء عصره. أما أطرف ُملحة في هذا المنام فهي المتعلقة باللقاء بالملاك المكلف بجهنم واسمه "مالك خازن النار " وكيف حاول الوهراني ملاطفته ومناداته باسم دلع خاص هو " مال " اختصارا وترخيما لمالك ! ومن خروقاته التي يمكن وصفها بالسوريالية اليوم كتابته مقامة على لسان جامع دمشق يلقي فيها الجامع خطبة في مؤتمر للجوامع. وله خطبة أخرى على لسان مئذنة، وكتب رسالة على لسان كلب موجهة الى كلب آخر. ومن أطرف ما كتب مقامة بعنوان " شمس الخلافة " وهي عن عجوز مغربية كانت مكلفة بتربية خمسين فتاة جاءها شيخ ( قد جمع بين الجفا وغلظ القفا ..) يطلب غرفة للكراء ( فتوسمت فيه عظيم الآلة فسرى في خيالها وسال عليه ريالها..) وقررت أن تصنع منه فقيها فتزوجته ثم سهرت على تعليمه الفقه والاهتمام بمظهره ليكون بمظهر الفقهاء ولكنه فشل في مهنته هذه فاشتغل في مهنة " العونية " التي ربما كانت مهنة غير شريفة تعتمد على القوة البدنية والاعتداء على الناس فنجح فيها أيما نجاح ( وصار الشيخ زوج العلافة يلقب بشمس الخلافة ). وللوهراني مقامة عنوانها ( نسخة عهد تقليد قاضي قضاة الفاسقين ) يتعهد فيها أمام الملأ باسم ( القاضي الأجم فخر القيادة وتاجها، وقطب المعاصي وسراجها، وعز العلوق وعمادها، ركن الليا...ـة وزنادها، جمال الفسقة وعينها، وشرف الزناة وزينها ..) ومن نماذج هجائه لتصرفات الحكام نختم بقوله ( ثم أن الملك المعظم – أدام الله أيامه – كما تعلم ،ينهب الأيام نهبا ،ويقطع الأوقات الى اللذات وثبا، أنفق بعد وصوله الى ديار مصر نحواً من مائة وسبعين ألف دينار، كأنما وقعت في بئر، فلم يظهر لها حس ولا خبر، إلا على المساخر والقوادين..) وكما ظلت عبارة ( لا حس ولا خبر ) حية في اللهجة المعاصرة المصرية، سيظل أدب الوهراني الساخر، مُرا وحيَّا وكاسر، يسوط الظالمين بشدة، ويلقي أحجار هجائه بحدة، في مستنقع السائد والحاضر الراكد، فيطري السليم وينفي الذميم .
نقوس المهدي, 22/5/10
#35
نقوس المهدي
نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
الوهراني والسخرية السوداء
علاء اللامي
قد لا نجد مثيلا في الأدب العربي القديم لذلك الذي كتبه الشيخ ركن الدين الوهراني الذي عاش في القرن السادس الهجري (16 ميلادي ). وكما يشير اسمه فقد ولد في مدينة " وهران "، ولكنه عاش معظم عمره في مصر وأقام في الشام في طريقه الى عاصمة الإمبراطورية " بغداد " التي كانت تعيش فترة أفولها الحضاري في عهد الخليفة المستضيء بالله. لم يترك الوهراني الكثير من المؤلفات بل لقد جمعت المقامات والمنامات والرسائل التي كتبها في مجلد واحد صدر قبل بضعة أعوام .
والوهراني في كل ما كتب ، كان يسخر بمرارة وجرأة مدهشة من الناس والزمان والظواهر الفاسدة والذات فلا شيء خارج دائرة لسانه السليط و نقده العميق الذي لم يستثنِ شيئا أو أحدا حتى الوهراني نفسه ولقد نقل قول أحدهم في حقه بأنه رغم تفاهته ( يتمكتب و يتمشعر ) أي يكتب النثر ويقول الشعر.
كما لم يسلم من لسانه الصوفية ورجال الدين الذين قال عنهم:
( هربوا من كدِّ الصنائع والأعمال الى الزوايا والمساجد والمشاهد بحجة العبادة والانقطاع فلا يزال أحدهم يأكل وينام حتى يموت.. إنهم كالخروع في البستان يشرب الماء ويضيق المكان ..).
إنها سخرية تدفع القارئ أحيانا الى الضحك بصخب والى القهقهة في البداية وبعدها الى الغرق في التفكير العميق في ما هو تحت السطح . غير أن مشكلة القارئ المعاصر هي أنه قد لا يفهم الكثير من تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها الوهراني واللغة الإيحائية أو المباشرة التي كتب بها . ومما توقفت عنده في قراءتي للوهراني وشعرت بأنه حي وذو علاقة بزماننا العناوين التالية أقبسها هنا تحية لروح الشيخ الوهراني :
- في المنام الكبير الذي وصف فيه المحشر والعالم الآخر وما حدث له ولصاحبه عند الحوض وكيف شاهد أربعا من الشخصيات التاريخية وهم يرقصون و (يتزهزون ) فرحا بغفران ذنوب أحد كبار المذنبين تفاؤلا بأن المغفرة الربانية قد تشملهم وهؤلاء الأربعة هم: عبد الرحمن بن ملجم قاتل الخليفة الرابع الأمام علي بن أبي طالب، والشمر بن ذي الجوشن قاتل ولده الحسين وصحبه، والحجاج بن يوسف الثقفي حاكم العراق الدموي في عهد بني أمية، والشيخ أبو مرة " إبليس " ! وكيف أن عزرائيل كان يتشفع ويهتم بالأطباء لأنهم كانوا يسهلون عمله في الدنيا حين يقوم باختطاف أرواح الناس في هجاء مبطن لأطباء عصره .
أما أطرف ُملحة في هذا المنام فهي المتعلقة باللقاء بالملاك المكلف بجهنم واسمه " مالك خازن النار " وكيف حاول الوهراني ملاطفته ومناداته باسم دلع خاص هو " مال " اختصارا وترخيما لمالك!
ومن خروقاته التي يمكن وصفها بالسوريالية اليوم كتابته مقامة على لسان جامع دمشق يلقي فيها الجامع خطبة في مؤتمر للجوامع.
وله خطبة أخرى على لسان مئذنة ، وكتب رسالة على لسان كلب موجهة الى كلب آخر .
ومن أطرف ما كتب مقامة بعنوان " شمس الخلافة " وهي عن عجوز مغربية كانت مكلفة بتربية خمسين فتاة جاءها شيخ ( قد جمع بين الجفا وغلظ القفا..) يطلب غرفة للكراء ( فتوسمت فيه عظيم الآلة فسرى في خيالها وسال عليه ريالها..) وقررت أن تصنع منه فقيها فتزوجته ثم سهرت على تعليمه الفقه والاهتمام بمظهره ليكون بمظهر الفقهاء ولكنه فشل في مهنته هذه فاشتغل في مهنة " العونية " التي ربما كانت مهنة غير شريفة تعتمد على القوة البدنية والاعتداء على الناس فنجح فيها أيما نجاح ( وصار الشيخ زوج العلافة يلقب بشمس الخلافة ).
وللوهراني مقامة عنوانها ( نسخة عهد تقليد قاضي قضاة الفاسقين ) يتعهد فيها أمام الملأ باسم ( القاضي الأجم فخر القيادة وتاجها، وقطب المعاصي وسراجها، وعز العلوق وعمادها، ركن الليا...ـة وزنادها، جمال الفسقة وعينها، وشرف الزناة وزينها..) ومن نماذج هجائه لتصرفات الحكام نختم بقوله ( ثم أن الملك المعظم – أدام الله أيامه – كما تعلم، ينهب الأيام نهبا، ويقطع الأوقات الى اللذات وثبا، أنفق بعد وصوله الى ديار مصر نحواً من مائة وسبعين ألف دينار، كأنما وقعت في بئر، فلم يظهر لها حس ولا خبر، إلا على المساخر والقوادين..) وكما ظلت عبارة ( لا حس ولا خبر ) حية في اللهجة المعاصرة المصرية، سيظل أدب الوهراني الساخر، مُرا وحيَّا وكاسر، يسوط الظالمين بشدة، ويلقي أحجار هجائه بحدة، في مستنقع السائد والحاضر الراكد، فيطري السليم وينفي الذميم.
منقــــــــــــــــول
والوهراني في كل ما كتب، كان يسخر بمرارة وجرأة مدهشة من الناس والزمان والظواهر الفاسدة والذات فلا شيء خارج دائرة لسانه السليط و نقده العميق الذي لم يستثنِ شيئا أو أحدا حتى الوهراني نفسه ولقد نقل قول أحدهم في حقه بأنه رغم تفاهته ( يتمكتب و يتمشعر ) أي يكتب النثر ويقول الشعر. كما لم يسلم من لسانه الصوفية ورجال الدين الذين قال عنهم ( هربوا من كدِّ الصنائع والأعمال الى الزوايا المساجد والمشاهد بحجة العبادة والانقطاع فلا يزال أحدهم يأكل وينام حتى يموت.. إنهم كالخروع في البستان يشرب الماء ويضيق المكان..). إنها سخرية تدفع القارئ أحيانا الى الضحك بصخب والى القهقهة في البداية وبعدها الى الغرق في التفكير العميق في ما هو تحت السطح. غير أن مشكلة القارئ المعاصر هي أنه قد لا يفهم الكثير من تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها الوهراني واللغة الإيحائية أو المباشرة التي كتب بها. ومما توقفت عنده في قراءتي للوهراني وشعرت بأنه حي وذو علاقة بزماننا العناوين التالية أقبسها هنا تحية لروح الشيخ الوهراني :
- في المنام الكبير الذي وصف فيه المحشر والعالم الآخر وما حدث له ولصاحبه عند الحوض وكيف شاهد أربعا من الشخصيات التاريخية وهم يرقصون و(يتزهزون ) فرحا بغفران ذنوب أحد كبار المذنبين تفاؤلا بأن المغفرة الربانية قد تشملهم وهؤلاء الأربعة هم: عبد الرحمن بن ملجم قاتل الخليفة الرابع الأمام علي بن أبي طالب، والشمر بن ذي الجوشن قاتل ولده الحسين وصحبه، والحجاج بن يوسف الثقفي حاكم العراق الدموي في عهد بني أمية، والشيخ أبو مرة " إبليس " ! وكيف أن عزرائيل كان يتشفع ويهتم بالأطباء لأنهم كانوا يسهلون عمله في الدنيا حين يقوم باختطاف أرواح الناس في هجاء مبطن لأطباء عصره. أما أطرف ُملحة في هذا المنام فهي المتعلقة باللقاء بالملاك المكلف بجهنم واسمه "مالك خازن النار " وكيف حاول الوهراني ملاطفته ومناداته باسم دلع خاص هو " مال " اختصارا وترخيما لمالك ! ومن خروقاته التي يمكن وصفها بالسوريالية اليوم كتابته مقامة على لسان جامع دمشق يلقي فيها الجامع خطبة في مؤتمر للجوامع. وله خطبة أخرى على لسان مئذنة، وكتب رسالة على لسان كلب موجهة الى كلب آخر. ومن أطرف ما كتب مقامة بعنوان " شمس الخلافة " وهي عن عجوز مغربية كانت مكلفة بتربية خمسين فتاة جاءها شيخ ( قد جمع بين الجفا وغلظ القفا ..) يطلب غرفة للكراء ( فتوسمت فيه عظيم الآلة فسرى في خيالها وسال عليه ريالها..) وقررت أن تصنع منه فقيها فتزوجته ثم سهرت على تعليمه الفقه والاهتمام بمظهره ليكون بمظهر الفقهاء ولكنه فشل في مهنته هذه فاشتغل في مهنة " العونية " التي ربما كانت مهنة غير شريفة تعتمد على القوة البدنية والاعتداء على الناس فنجح فيها أيما نجاح ( وصار الشيخ زوج العلافة يلقب بشمس الخلافة ). وللوهراني مقامة عنوانها ( نسخة عهد تقليد قاضي قضاة الفاسقين ) يتعهد فيها أمام الملأ باسم ( القاضي الأجم فخر القيادة وتاجها، وقطب المعاصي وسراجها، وعز العلوق وعمادها، ركن الليا...ـة وزنادها، جمال الفسقة وعينها، وشرف الزناة وزينها ..) ومن نماذج هجائه لتصرفات الحكام نختم بقوله ( ثم أن الملك المعظم – أدام الله أيامه – كما تعلم ،ينهب الأيام نهبا ،ويقطع الأوقات الى اللذات وثبا، أنفق بعد وصوله الى ديار مصر نحواً من مائة وسبعين ألف دينار، كأنما وقعت في بئر، فلم يظهر لها حس ولا خبر، إلا على المساخر والقوادين..) وكما ظلت عبارة ( لا حس ولا خبر ) حية في اللهجة المعاصرة المصرية، سيظل أدب الوهراني الساخر، مُرا وحيَّا وكاسر، يسوط الظالمين بشدة، ويلقي أحجار هجائه بحدة، في مستنقع السائد والحاضر الراكد، فيطري السليم وينفي الذميم .
نقوس المهدي, 22/5/10
#35
نقوس المهدي
نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
الوهراني والسخرية السوداء
علاء اللامي
قد لا نجد مثيلا في الأدب العربي القديم لذلك الذي كتبه الشيخ ركن الدين الوهراني الذي عاش في القرن السادس الهجري (16 ميلادي ). وكما يشير اسمه فقد ولد في مدينة " وهران "، ولكنه عاش معظم عمره في مصر وأقام في الشام في طريقه الى عاصمة الإمبراطورية " بغداد " التي كانت تعيش فترة أفولها الحضاري في عهد الخليفة المستضيء بالله. لم يترك الوهراني الكثير من المؤلفات بل لقد جمعت المقامات والمنامات والرسائل التي كتبها في مجلد واحد صدر قبل بضعة أعوام .
والوهراني في كل ما كتب ، كان يسخر بمرارة وجرأة مدهشة من الناس والزمان والظواهر الفاسدة والذات فلا شيء خارج دائرة لسانه السليط و نقده العميق الذي لم يستثنِ شيئا أو أحدا حتى الوهراني نفسه ولقد نقل قول أحدهم في حقه بأنه رغم تفاهته ( يتمكتب و يتمشعر ) أي يكتب النثر ويقول الشعر.
كما لم يسلم من لسانه الصوفية ورجال الدين الذين قال عنهم:
( هربوا من كدِّ الصنائع والأعمال الى الزوايا والمساجد والمشاهد بحجة العبادة والانقطاع فلا يزال أحدهم يأكل وينام حتى يموت.. إنهم كالخروع في البستان يشرب الماء ويضيق المكان ..).
إنها سخرية تدفع القارئ أحيانا الى الضحك بصخب والى القهقهة في البداية وبعدها الى الغرق في التفكير العميق في ما هو تحت السطح . غير أن مشكلة القارئ المعاصر هي أنه قد لا يفهم الكثير من تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها الوهراني واللغة الإيحائية أو المباشرة التي كتب بها . ومما توقفت عنده في قراءتي للوهراني وشعرت بأنه حي وذو علاقة بزماننا العناوين التالية أقبسها هنا تحية لروح الشيخ الوهراني :
- في المنام الكبير الذي وصف فيه المحشر والعالم الآخر وما حدث له ولصاحبه عند الحوض وكيف شاهد أربعا من الشخصيات التاريخية وهم يرقصون و (يتزهزون ) فرحا بغفران ذنوب أحد كبار المذنبين تفاؤلا بأن المغفرة الربانية قد تشملهم وهؤلاء الأربعة هم: عبد الرحمن بن ملجم قاتل الخليفة الرابع الأمام علي بن أبي طالب، والشمر بن ذي الجوشن قاتل ولده الحسين وصحبه، والحجاج بن يوسف الثقفي حاكم العراق الدموي في عهد بني أمية، والشيخ أبو مرة " إبليس " ! وكيف أن عزرائيل كان يتشفع ويهتم بالأطباء لأنهم كانوا يسهلون عمله في الدنيا حين يقوم باختطاف أرواح الناس في هجاء مبطن لأطباء عصره .
أما أطرف ُملحة في هذا المنام فهي المتعلقة باللقاء بالملاك المكلف بجهنم واسمه " مالك خازن النار " وكيف حاول الوهراني ملاطفته ومناداته باسم دلع خاص هو " مال " اختصارا وترخيما لمالك!
ومن خروقاته التي يمكن وصفها بالسوريالية اليوم كتابته مقامة على لسان جامع دمشق يلقي فيها الجامع خطبة في مؤتمر للجوامع.
وله خطبة أخرى على لسان مئذنة ، وكتب رسالة على لسان كلب موجهة الى كلب آخر .
ومن أطرف ما كتب مقامة بعنوان " شمس الخلافة " وهي عن عجوز مغربية كانت مكلفة بتربية خمسين فتاة جاءها شيخ ( قد جمع بين الجفا وغلظ القفا..) يطلب غرفة للكراء ( فتوسمت فيه عظيم الآلة فسرى في خيالها وسال عليه ريالها..) وقررت أن تصنع منه فقيها فتزوجته ثم سهرت على تعليمه الفقه والاهتمام بمظهره ليكون بمظهر الفقهاء ولكنه فشل في مهنته هذه فاشتغل في مهنة " العونية " التي ربما كانت مهنة غير شريفة تعتمد على القوة البدنية والاعتداء على الناس فنجح فيها أيما نجاح ( وصار الشيخ زوج العلافة يلقب بشمس الخلافة ).
وللوهراني مقامة عنوانها ( نسخة عهد تقليد قاضي قضاة الفاسقين ) يتعهد فيها أمام الملأ باسم ( القاضي الأجم فخر القيادة وتاجها، وقطب المعاصي وسراجها، وعز العلوق وعمادها، ركن الليا...ـة وزنادها، جمال الفسقة وعينها، وشرف الزناة وزينها..) ومن نماذج هجائه لتصرفات الحكام نختم بقوله ( ثم أن الملك المعظم – أدام الله أيامه – كما تعلم، ينهب الأيام نهبا، ويقطع الأوقات الى اللذات وثبا، أنفق بعد وصوله الى ديار مصر نحواً من مائة وسبعين ألف دينار، كأنما وقعت في بئر، فلم يظهر لها حس ولا خبر، إلا على المساخر والقوادين..) وكما ظلت عبارة ( لا حس ولا خبر ) حية في اللهجة المعاصرة المصرية، سيظل أدب الوهراني الساخر، مُرا وحيَّا وكاسر، يسوط الظالمين بشدة، ويلقي أحجار هجائه بحدة، في مستنقع السائد والحاضر الراكد، فيطري السليم وينفي الذميم.
منقــــــــــــــــول