نقوس المهدي
كاتب
رواية «بوصلة سيدي النّا...» آخر إصدارات الحكواتي سالم اللبان كانت محور لقاء أدبي شهده مساء أول أمس الجمعة 20 افريل الجاري صالون السرديات الذي تنشطه الكاتبة مسعودة أبو بكر بالنادي الثقافي الطاهر الحداد.
هذا اللقاء الذي حضره أدباء وشعراء وباحثون أكاديميون وطلبة وإعلاميون استهله الكاتب جلول عزونة بمداخلة تحدث خلالها عن نفس ملحمي تميزت به رواية «بوصلة سيدي النّا...» التي صارع فيها الإنسان نفسه وعن نفس بلزاكي تحيل عليه رغبة اللبان في أن يقول كل شيء دفعة واحدة.
التنوع والثراء
و«بوصلة سيدي النّا...» من حصيلة سنتي على جناح السرد وهي التجربة الثانية التي خاضها الحكواتي سالم اللبان في ما أطلق عليه «الكتابة التحدي» أو الكتابة تحت ضغط الزمن وقد خاضها في سنتي 2008 /2009 وألزم خلالها نفسه بكتابة نص سردي كل أسبوع باللغتين الفرنسية والعربية وبقراءة نصوصه بنادي القصة بالوردية قبل نشرها على الانترنيت فكانت الحصيلة 30 نصا سرديا غير طويل وهذه الرواية التي قدمها جلول عزونة فقال انها طويلة نسبيا جميلة الإخراج والكتابة فيها من التنوع والثراء ما ينم عن ثقافة عميقة ومطالعات وهضم لما يكتب في تونس وخارجها وأضاف : « خلال عشر سنوات طالعت عشرات الروايات وهناك روايتان بقيتا علامة فارقة بالنسبة إلي وهما رواية « في انتظار الحياة» لكمال الزعباني و»بوصلة سيدي النّا...» لسالم اللبان وهذا لا يعني انه ليس هناك أهم وأجمل وليس هذا انحيازا أو تزلفا إنما هو رأي شخصي».
ولاحظ عزونة ان سالم اللبان بذل في روايته جهدا يكاد يبلغ حد الوسوسة فأتقن عمليات تداخل الأحداث والعودة على البدء وتعدد الشخوص وحتى غلاف الكتاب هو في الحقيقة شكل الفصول وتداخلها مع الأقسام الكبرى للرواية.
وقال: «ترى في الرواية لوحات من الحياة تعود إلى 50 أو 60 سنة تفيد تعايش الأجيال وان بؤرة الأحداث هي مدينة المنستير وفيها قصة عائلة بداخلها قصص حب وغرام ناجحة وأخرى فاشلة..قصص تضعنا في قلب الأحداث المعاصرة يتعمد خلالها اللبان جر القارئ ودفعه لان يواكب ويسجل ويشتغل معه وهو يعيش مخاض الكتابة وتردد الكاتب».
سيرة ذاتية لجيل كامل
ورأى عزونة في «بوصلة سيدي النّا...» زخما كبيرا من الجمال والفنطازيا رغم ان الرواية واقعية، ورغبة جامحة من الكاتب في ان يختبر في كل مرة ذكاء قارئه. وأكد الباحث ان الواقعي في هذه الرواية متداخل مع العجائبي بشكل تام - فأحيانا تبدو الوجوه والطبائع وأحيانا تغيب فتتداخل الرؤية مع الرؤيا- وانه وجد سيرة ذاتية لجيل كامل حتى لكأن الرواية حوصلة لحياة مجموعة أفراد من جيل واحد.»
ما قدمته الكاتبة مسعودة أبو بكر منشطة اللقاء عن مسيرة الكاتب وثراء تجربته وتعليقها على دراسة جلول عزونة دفع اللبان إلى الإقرار بأنه مهووس بالشكل ويحب أن يطرز روايته وصرح بان البوصلة هي في الأساس من الفلتات التي يعتز بها والتي سمحت بها علاقته بنادي القصة بالوردية وابنة خاله التي تحصلت على شهادة عليا وبقيت في حالة بطالة 8 سنوات والراحل الجيلاني بلحاج يحيى.
اغلب المتدخلين في النقاش أبدوا إعجابهم بمسيرة سالم اللبان وجديته ولكنهم تقدموا بأسئلة تخص شكل الكتابة وسالت فوزية بالنور مثلا عن العلاقة بين البطل محمد الأمجد بريقشة والحكواتي وعن وجه الشبه بينهما وقالت: «ما الذي يبقى من الكاتب في شخصية بطله؟» واثنت الكاتبة ريم العيساوي على الحوار بين الكاتب وبطله وقالت انه موجود في كتابات ديدرو وفي الروايات الوجودية بصفة عامة ولدى الكاتب الإماراتي علي أبو الريش الذي كتب 16 رواية لم تخل من مثل هذا الحوار.
لزوم ما لا يلزم
ومن ناحيته أصر سوف عبيد على أن يؤكد على أن سالم اللبان من المثقفين المتعددي المواهب في الموسيقى والمسرح والشعر والغناء والتمثيل منذ أوائل السبعينات وقال: «فهو إذا قال القصيدة العمودية مقنع إلى حد انه يشبه في أسلوبه الفطاحل وفي الشعر الحر أيضا وإذا كتب القصيدة الومضة واللمحة او ما يسمى بالهايكو فهو مبدع فيها إلى حد بعيد أما إذا كتب فقصصه رائعة. وسأل: «كيف تتنقل من جنس أدبي إلى آخر ولماذا ؟ وألا يحسن أن تركز اليوم على جنس واحد لتسبر أغواره وتسجل فيه الإضافة المرجوة؟.» ورأى صلاح الدين القريشي ان الإسراف في البحث عن جمال الكلمة والصورة البديعة وتزويق الأسلوب قد يكون على حساب عمق الرواية وقال: «ان مثل هذا الزخم كفيل بان يرهن الرواية القادمة».
وفي رده على كل هذه التساؤلات قال سالم اللبان أو الحكواتي كما يحلو له ان يسميه قراؤه انه لا علاقة لرواية «بوصلة سيدي النّا...» مع ما قرأه في نادي القصة بالوردية والذي سينشره قريبا في « عنقود حكايا «وذلك توضيحا لتساؤل ورد في تدخل الكاتب الناصر التومي وصرح بان هذه الرواية خطط لها مع المرحوم الجيلاني بلحاج يحي ورسم لها الناحية اليمنى من الغلاف قبل أن يكتب أي حرف فيها وعدلها محمد الأمجد بريقشة بطل الرواية وأضاف: «عملت على ان تكون الرواية هيكة وقيدت نفسي بلزوم ما لا يلزم وهذا لان الفن عندي هو متعة وعمل، أنا اعبث بالنصّ وألعب به واشتغل عليه وهو ليس نورا قذفه الله في صدري».
وفي خصوص العلاقة بينه وبين البطل قال انه لا يكتب من عدم وانه ابن رباط المنستير وبينهما نوعية حياة جماعية حاول ان يستلهم منها الأحداث وان بينه وبين بطله توجد اللغة العربية ومحمود المسعدي وأكد على انه صنع شخصية مستقلة تماما ولا علاقة لها بسيرته الذاتية. وعن ما يبقى من الكاتب في شخوصه رأى اللبان انه من الأصح ان نسال ما الذي يبقى من الشخصية المحورية في كاتبها وان محمد الأمجد بريقشة أعطاه فكرة وموضوع الرواية القادمة ولم يرهنها وسيكون عنوانها « مجنون سطح الكلب» وقال : « ستجدون فيها الزخم الجمالي والعمق أيضا».
الصباح يوم 22 - 04 - 2012
هذا اللقاء الذي حضره أدباء وشعراء وباحثون أكاديميون وطلبة وإعلاميون استهله الكاتب جلول عزونة بمداخلة تحدث خلالها عن نفس ملحمي تميزت به رواية «بوصلة سيدي النّا...» التي صارع فيها الإنسان نفسه وعن نفس بلزاكي تحيل عليه رغبة اللبان في أن يقول كل شيء دفعة واحدة.
التنوع والثراء
و«بوصلة سيدي النّا...» من حصيلة سنتي على جناح السرد وهي التجربة الثانية التي خاضها الحكواتي سالم اللبان في ما أطلق عليه «الكتابة التحدي» أو الكتابة تحت ضغط الزمن وقد خاضها في سنتي 2008 /2009 وألزم خلالها نفسه بكتابة نص سردي كل أسبوع باللغتين الفرنسية والعربية وبقراءة نصوصه بنادي القصة بالوردية قبل نشرها على الانترنيت فكانت الحصيلة 30 نصا سرديا غير طويل وهذه الرواية التي قدمها جلول عزونة فقال انها طويلة نسبيا جميلة الإخراج والكتابة فيها من التنوع والثراء ما ينم عن ثقافة عميقة ومطالعات وهضم لما يكتب في تونس وخارجها وأضاف : « خلال عشر سنوات طالعت عشرات الروايات وهناك روايتان بقيتا علامة فارقة بالنسبة إلي وهما رواية « في انتظار الحياة» لكمال الزعباني و»بوصلة سيدي النّا...» لسالم اللبان وهذا لا يعني انه ليس هناك أهم وأجمل وليس هذا انحيازا أو تزلفا إنما هو رأي شخصي».
ولاحظ عزونة ان سالم اللبان بذل في روايته جهدا يكاد يبلغ حد الوسوسة فأتقن عمليات تداخل الأحداث والعودة على البدء وتعدد الشخوص وحتى غلاف الكتاب هو في الحقيقة شكل الفصول وتداخلها مع الأقسام الكبرى للرواية.
وقال: «ترى في الرواية لوحات من الحياة تعود إلى 50 أو 60 سنة تفيد تعايش الأجيال وان بؤرة الأحداث هي مدينة المنستير وفيها قصة عائلة بداخلها قصص حب وغرام ناجحة وأخرى فاشلة..قصص تضعنا في قلب الأحداث المعاصرة يتعمد خلالها اللبان جر القارئ ودفعه لان يواكب ويسجل ويشتغل معه وهو يعيش مخاض الكتابة وتردد الكاتب».
سيرة ذاتية لجيل كامل
ورأى عزونة في «بوصلة سيدي النّا...» زخما كبيرا من الجمال والفنطازيا رغم ان الرواية واقعية، ورغبة جامحة من الكاتب في ان يختبر في كل مرة ذكاء قارئه. وأكد الباحث ان الواقعي في هذه الرواية متداخل مع العجائبي بشكل تام - فأحيانا تبدو الوجوه والطبائع وأحيانا تغيب فتتداخل الرؤية مع الرؤيا- وانه وجد سيرة ذاتية لجيل كامل حتى لكأن الرواية حوصلة لحياة مجموعة أفراد من جيل واحد.»
ما قدمته الكاتبة مسعودة أبو بكر منشطة اللقاء عن مسيرة الكاتب وثراء تجربته وتعليقها على دراسة جلول عزونة دفع اللبان إلى الإقرار بأنه مهووس بالشكل ويحب أن يطرز روايته وصرح بان البوصلة هي في الأساس من الفلتات التي يعتز بها والتي سمحت بها علاقته بنادي القصة بالوردية وابنة خاله التي تحصلت على شهادة عليا وبقيت في حالة بطالة 8 سنوات والراحل الجيلاني بلحاج يحيى.
اغلب المتدخلين في النقاش أبدوا إعجابهم بمسيرة سالم اللبان وجديته ولكنهم تقدموا بأسئلة تخص شكل الكتابة وسالت فوزية بالنور مثلا عن العلاقة بين البطل محمد الأمجد بريقشة والحكواتي وعن وجه الشبه بينهما وقالت: «ما الذي يبقى من الكاتب في شخصية بطله؟» واثنت الكاتبة ريم العيساوي على الحوار بين الكاتب وبطله وقالت انه موجود في كتابات ديدرو وفي الروايات الوجودية بصفة عامة ولدى الكاتب الإماراتي علي أبو الريش الذي كتب 16 رواية لم تخل من مثل هذا الحوار.
لزوم ما لا يلزم
ومن ناحيته أصر سوف عبيد على أن يؤكد على أن سالم اللبان من المثقفين المتعددي المواهب في الموسيقى والمسرح والشعر والغناء والتمثيل منذ أوائل السبعينات وقال: «فهو إذا قال القصيدة العمودية مقنع إلى حد انه يشبه في أسلوبه الفطاحل وفي الشعر الحر أيضا وإذا كتب القصيدة الومضة واللمحة او ما يسمى بالهايكو فهو مبدع فيها إلى حد بعيد أما إذا كتب فقصصه رائعة. وسأل: «كيف تتنقل من جنس أدبي إلى آخر ولماذا ؟ وألا يحسن أن تركز اليوم على جنس واحد لتسبر أغواره وتسجل فيه الإضافة المرجوة؟.» ورأى صلاح الدين القريشي ان الإسراف في البحث عن جمال الكلمة والصورة البديعة وتزويق الأسلوب قد يكون على حساب عمق الرواية وقال: «ان مثل هذا الزخم كفيل بان يرهن الرواية القادمة».
وفي رده على كل هذه التساؤلات قال سالم اللبان أو الحكواتي كما يحلو له ان يسميه قراؤه انه لا علاقة لرواية «بوصلة سيدي النّا...» مع ما قرأه في نادي القصة بالوردية والذي سينشره قريبا في « عنقود حكايا «وذلك توضيحا لتساؤل ورد في تدخل الكاتب الناصر التومي وصرح بان هذه الرواية خطط لها مع المرحوم الجيلاني بلحاج يحي ورسم لها الناحية اليمنى من الغلاف قبل أن يكتب أي حرف فيها وعدلها محمد الأمجد بريقشة بطل الرواية وأضاف: «عملت على ان تكون الرواية هيكة وقيدت نفسي بلزوم ما لا يلزم وهذا لان الفن عندي هو متعة وعمل، أنا اعبث بالنصّ وألعب به واشتغل عليه وهو ليس نورا قذفه الله في صدري».
وفي خصوص العلاقة بينه وبين البطل قال انه لا يكتب من عدم وانه ابن رباط المنستير وبينهما نوعية حياة جماعية حاول ان يستلهم منها الأحداث وان بينه وبين بطله توجد اللغة العربية ومحمود المسعدي وأكد على انه صنع شخصية مستقلة تماما ولا علاقة لها بسيرته الذاتية. وعن ما يبقى من الكاتب في شخوصه رأى اللبان انه من الأصح ان نسال ما الذي يبقى من الشخصية المحورية في كاتبها وان محمد الأمجد بريقشة أعطاه فكرة وموضوع الرواية القادمة ولم يرهنها وسيكون عنوانها « مجنون سطح الكلب» وقال : « ستجدون فيها الزخم الجمالي والعمق أيضا».
الصباح يوم 22 - 04 - 2012