نقوس المهدي
كاتب
مقدمة
يعتبر الشعر المغربي سجل للشعراء المغاربة و هو المنبع الوحيد الذي يحفظ تراثهم وتاريخهم الأدبي و الاخلاقي و العلمي والثقافي و الاجتماعي بالإضافة إلى أنه هو الناطق الرسمي الذي تدون فيه بطولاتهم وآثارهم في جميع المجالات عبر ممر العصور و عليه فإن منطقة المغرب العربي تزخر بالعديد من الشعراء الذين ساهموا في نقل العلم والمعرفة للبلادهم حتي تزدهر وتتقدم فقد جالوا كل روبوع البلاد الإسلامية من اجل جمع المزيد من العلوم والمعرفة ونقلها الى وطنهم للمساهمة في الإثراء العلمي من بينهم العلامة والشاعر المغربي بكر بن حماد التاهرتي وهذا هوسبب اختيارنا لهذا الموضوع هو الرغبة في التعرف على الشاعر المغربي الحزين و معرفة اهم الاغراض التي نظم فيها و تميز بها بالإضافة إلى إثراء رصيدنا العلمي والمعرفي عن هذا الأدب المغربي ومن هنا قد اثرنا حوله العديد من التسأولات من هو بكر بن حماد و كيف نشأ ؟ و ما هي أهم إسهاماته وما الذي ميز شعره ؟ وقد إعتمدنا في عرضنا هذا المنهج التاريخي الوصفي و للإجابة عن هذه التساؤلات المطروحة وغيرها اتبعنا الخطة التالية : حيث إفتتحناها بمقدمة و إتبعناها بمبحثين الأول : حياة بكر بن حماد التيهارتي ويدرج ضمنه ثلاث مطالب : الأول نسبه ونشأته و الثاني تعليمه ورحلاته و الثالث شيوخه وتلامذته وبعده يليه المبحث الثاني :
إسهامات ابو بكر بن حماد الشعرية ومميزاتها فالمطلب الأول يحتوي إسهاماته الشعرية و الثاني : أهم مميزاته.وقد اختتمناها بخاتمة ملمة عن الموضوع .
كما اعتمدنا على اهم مرجعين و هما الدر الوقاد و محاضرات في الأدب المغربي القديم
خطــــــــة العـــــــرض
مقدمـــة .
المبحث الأول :نشـأة بكر بن حماد الشخصية وحياتـه العلميـة.
المطلب الأول: ولادتــه ونسبـــه.
المطلب الثاني : تعليمة ورحلاته.
المطلب الثالث : شيوخه وتلامذته.
المبحث الثاني: إسهامات بكر بن حماد الشعرية ومميزاتها الفنية.
المطلب الأول : إسهاماتـــه الشعـــــريــة.
المطلب الثاني : خصائص ومميزات شعره.
الخاتمــــة
المبحث الأول : نشــــأة بكر بـــن حمــاد الشخصيــة وحياتــه العلميـة
المطلب الأول :ولادته ونسبه
بكر بن حماد بن سهل و قيل "سهر" بن إسماعيل، أبو عبد الرحمن الزناتي ،التاهرتي ،نسبة الى زناتة القبيلة البربرية الشهيرة ، و التاهرتي نسبة الى مدينة تيهرت أو " تاهرت" و تسمى اليوم تيارت و هي إحدى ولايات الغرب الجزائري. (1)
ولد سنة 200 هـ بمدينة تيهرت في بيت شرف و علم ، وكانت مدينة تيهرت في ذلك الوقت هي عاصمة الدولة الرستمية و التي تعتبر أول دولة للخوارج في العالم الإسلامي، وقد تأسست على جزء من المغرب الأوسط على يد عبد الرحمن بن رستم الفارسي الأصل ( ت سنة 171هـ، 788م ) الإمام الأول لهم ، و قد عرفت تيهرت إزدهارا ثقافيا و أدبيا كبيرا ، فقصدها العلماء و الأدباء و ظهرت فيها حركة علمية، وازدهرت الحركة الصناعية والتجارية حتى نافست حواضر العالم الإسلامي آنذاك في المشرق و الأندلس.
وقد كان والده رحمه الله شديد الحرص على توجيهه الوجهة الصالحة الصحيحة على هدى أهل السنة و الجماعة في بيئة يغلب عليها مذهب الخوارج، إذ كان يحفظه القرآن الكريم ، ويستصحبه إلى دور العلم و مجالس القضاء و دروس الفقهاء و سماع الحديث الشريف، كما أهتم بإرساله إلى أعلام العربية و الأدب فأخذ العربية و النحو و البيان و العروض. (2)
المطلب الثاني :تعليمه ورحلاته:
في ريعان الشباب وبالضبط سنة 217 هـ بدأت رحلة البحث عن المعرفة لبكر بن حماد الى معاقل العلم ليستقى منها ويتتلمذ على يد اشهر مفكريها ليكون بذلك حلقة بارزة ممن ساهموا في نقل حضارة المشرق للمغرب (1)، و تعد رحلته للقيروان أول طريقه لنهل علوم الفقه واللغة والحديث وكانت من مسقط رأسه تاهرت عام 217هـ الى البلاد الشرقية وهو لا يزال في عنفوان الشباب فتوقف بالقيروان وقرأ بها الفقه والحديث وبقية العلوم الأخرى التي كانت تلقى حينذاك بمساجدها على أكبر علمائها و بالخصوص على يد الشيخ عون بن يوسف الخزاعي والإمام سحنون بن سعيد التنوخي ، وللحقيقة التاريخية فإن هناك اختلاف حول تأريخ بداية دراسته بالقيروان قبل المشرق او العكس ولكن الرائج هو ما ذكرناه على ان نوضح بأن مقامه في القيروان لم يطل اكثر من بضع شهور قليلة . ليشد الرحال شطر المشرق ، أين حل بمصر قليلا متجها الى بغداد معقل العلم ؟(2)
وكما ذكرنا قبلا فبعد الاطلاع على المراجع التي تناول هذا الجانب من حياة بكر بن حماد لا نجد تحديد واضح لمقام بكر بالقيروان (لان المؤرخين والأدباء اتفقوا على انه اتصل ببغداد بالخليفة المعتصم العباسي ومدحه ونال جوائزه وان المعتصم تولى الخلافة عام 218 أي سنة بعد أن غادر شاعرنا مسقط رأسه تاهرت كما اتصل أيضا بدعبل الخزاعي الشاعر وان هذا الأخير توفي عام 220هـ أي ثلاثة سنين بعد خروجه من تاهرت هذا من جهة و من جهة أخرى فإن بكر بن حماد قد صرح بأنه فرغ من قراء ة كتبه كلها على عون بن يوسف الخزاعي مع علمنا أن هذا الأخير توفي عام 239هـ ) (3) فهل كانت قرأته على عون قبل ذهابه إلى العراق أو بعد الرجوع منه ؟الظاهر الأول ثم انه يصرح في نص آخر انه انشد مقطوعة من شعره بالعراق و مصر و تاهرت والقيروان وهذا ما يدل دلالة واضحة على توقفه بمصر أيضا لكن هل كان ذلك أثناء ذهابه إلى العراق أو بعد إيابه منها أو أثناء هما معا ؟ فهذا سؤال لا نجد له جوابا في النصوص التي بين أيدينا.
ورحلته الى المشرق لم تقتصر على مدينة بغداد فقط بل انتقل وجاب معظم المدن و الحواضر العلمية كالكوفة و البصرة و غيرهما ، ولقي علماء الحديث الشريف فسمع منهم ، وتزود بعلوم الدين واللغة والأدب ، على يد الأئمة الأعلام كالإمام الحافظ مسدد بن مسرهد الذي سمع منه المسند ، و حاتم السجستاني وابن الأعرابي ـ تلميذ الأصمعي ـ ، ومن أعلام الشعراء مثل أبي تمام ودعبل الخزاعي ، وعلي بن الجهم وغيرهم.(1)
العودة إلى القيروان ثم الهروب منها:
بعد هذه الرحلة العلمية، و ملاقاة علماء الحديث و أعلام الأدب و الشعر ، وخاصة علاقته بالخليفة العباسي المعتصم يكون (بكر بن حماد) قد دخل بشعره معمعة الصراع في كواليس البلاط في بغداد، وهو إن لم يكن وصل إلى مستوى المتبارين في الفوز برضى الخليفة والفوز المطرد بجوائزه وعطائه فقد سجل حضوره الشعري في الساحة الأدبية.
من هنا لمعت شخصيته الشعرية في مستواها المعين، وغطت عما سواها من أعماله، خاصة في (القيروان) و(تيهرت)، وقد عاد إلى (القيروان) أستاذاً بجامعها الأكبر فقصده الطلاب من أنحاء المغرب العربي والأندلس، خاصة أن الحدود لم تكن عائقاً بين أبناء الأمة العربية والإسلامية، بل كان العلماء والمثقفون فوق الحدود والأنظمة، فالخلافات والصراعات التي كانت قائمة في المشرق وفي المغرب العربي (المنقسم إلى ثلاث إمارات، رستمية، وإدريسية وأغلبية) لم تكن تحول دون التواصل، فكان (بكر بن حماد) مواطنا في (تيهرت) كما هو مواطن في (بغداد) ومواطن في (القيروان). (2) ، و من تلاميذ بكر بن حماد فيها أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم صاحب "كتاب المحن"، و محمد بن صالح المعافري و غيرهم ،. لكن مقامه بالقيروان لم يدم طويلا، فقد تركها هاربا إلى بلاده تيهرت بعد أن كثرت ضده الوشايات إلى الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي حاكم إفريقيا بأنه يذكره في مجالسه و بصفه بالظالم و الفاسق، فتوعده خاصة بعد رفضه و تشنيعه على الأمير و من يرى رأيه في مسألة خلق القرآن الكريم بعد اعتناقهم لآراء و أقوال فرقة المعتزلة في هذه المسألة، بينما اعتصم بكر بن حماد و كثير من أهل القيروان بأقوال أهل السنة والجماعة ورفضوا رأي المعتزلة وتعاليمها،.
ويروي تلميذه أبو العرب في" كتاب المحن " في باب " أخبار المحنة في خلافة مأمون" بأنه ينقل أخبار وآراء و أقوال علماء السنة عن طريق بكر بن حماد عن شيوخه، في هذه المسألة . حين هروب بكر بن حماد من القيروان فارا بدينه و حياته وكان يرافقه في رحلته ابنه أبو بكر ، وفي الطريق إلى موطنه وعلى مقربة من تيهرت في المكان المعروف بقلعة ابن حمة تعرض لهما اللصوص ، فهاجموهما لكنهما دافعا عن نفسيهما و لكن اللصوص تغلبوا عليهما ، فأصيب بكر بن حماد بجروح بليغة وقُتِلَ ابنه أمام عينيه في منظر مفجع عام295هـ ، كما سلب اللصوص كل ما وجدوه من مال و متاع ، وقد تركت هذه الحادثة أثرًا بالغاً في نفسه ظل يمزق أحشاءه عامًا كاملاً ،وظل على هذه المعاناة حتى توفاه أجله في سنة 296هـ.وقد رثاه بقصيدة مؤثرة و حزينة تعد من عيون الشعر العربي سنتعرض لها لاحقا،.(1)
عودته الى تيهرت و مجالسه العلمية:وصل شاعرنا إلى تيهرت مكسور الجناح ، حزينا، ، عليلا يعاني آلام الفقد، فاعتزل الناس فترة يداوي فيها جراحه، ويبث همومه وأحزانه لنفسه المفجوعة بأقرب الناس إليه في قصائد رثاء يخفف بها ألام نفسه و يبرد فيها حرقة كبده، ووصل خبره و تسامع به أهل تيهرت و علمائها فقصدوه يخففون عنه و يعزونه في فقده ابنه ، وطلبوا منه أن يسمعهم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأجابهم إلى طلبهم، وعقد مجالس الرواية و السماع ، يشرح فيها الحديث الشريف بطريقة بارعة، و يتدرج فيه بأسلوب تعليمي مشوق ، و يحلي مجالسه بإنشاده لأبيات شعرية في الزهد و الوعظ، فتسامع به طلاب العلم و محبي الحديث الشريف، فشد إليه طلاب العلم و الشيوخ الرحال من مختلف أقطار المغرب العربي و من الأندلس، فاستفادوا منه و من علمه، فكان مما أملاه و أخذه عنه علماء المغرب و الأندلس حديث مسدد بن مسرهد في عشرة أجزاء كما ذكر ذلك تلميذه الحافظ المحدث قاسم بن أصبغ.
وقد ذكر المحدث أبو الفضل أحمد بن قاسم التاهرتي عن والده لما كان يدرس عند شاعرنا،أنه كان لا يزيده عن أربعة أحاديث في اليوم .(2)
المطلب الثالث : شيوخه وتلامذته:
ولان بلاد المغرب حديثة الاستعراب فمن البديهي أن لا نرى أدبا ولا أدباء إلا ماكان من رجال الدين والفقه والدعاة الذين يغدون لتثقيف سكان المغرب لذا فأن اغلب شيوخ بكر بن حماد من المشرق (1)فقد لقي شاعرنا الكثير من أعلام الحديث الشريف، و الأدباء و اللغويين والشعراء ، فحضر مجالسهم و أخذ عنهم و سنقتصر على ذكر أشهرهم:
-1 مسدد بن مسرهد (ت 228): الحافظ الحجة أبو الحسن الأسدي، بصرى يكنى أبا الحسن، سمع جويرية بن أسماء وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وطبقتهم. روى عنه أبو زرعة والبخاري وأبو داود وإسماعيل القاضي وأبو خليفة الجمحي. . قال يحيى القطان: لو أتيت مسددا لأحدثه لكان أهلا. وقال ابن معين: هو ثقة ثقة. وقال أبو حاتم: أحاديثه عن القطان عن عبيد الله بن عمر كالدنانير، كأنك تسمعها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
-2 نعيم بن حماد الخزاعى المروزى ( ت سنة 228 هـ) الإمام الشهير أبو عبد الله الخزاعي المروزي الفرضي الأعور نزيل مصر، سمع إبراهيم بن طهمان و أبو حمزة السكري وعيسى بن عبيد الكندي وخارجة بن مصعب وابن المبارك وهشيم وخلق كثير. وروى عنه البخاري مقرونا بآخر والدارمي وأبو حاتم وبكر بن سهل الدمياطي وخلق خاتمتهم حمزة محمد الكاتب.حمل في الفتنة هو والبويطى مقيدين في خلافة المعتصم فابى أن يقول بخلق القرآن فحبس ومات وهو مسجون.
-3 ابن الاعرابي ( ت 231هـ) : إمام اللغة، أبو عبد الله، محمد بن زياد بن الاعرابي الهاشمي، انتهى إليه علم اللغة،والحفظ.له مصنفات كثيرة أدبية، وتاريخ القبائل، وكان صاحب سنة واتباع.
-4 بهلول بن عمر بن صالح ( ت 233 هـ) الفَرْدَمي، روى عن أبيه ومالك وغيرهما روى عنه عبد الله بن صالح بن بهلول وعثمان بن أيوب ، وذكر أبو العرب في تاريخ إفريقية أنه يروي أيضا عن الليث وابن لهيعة، قال بكر بن حماد أكره أن أفصح بالرواية عنه لزهادة الناس فيه، وقال أبو بكر المالكي في علماء إفريقية اختلف الناس فيه فبعضهم ضعفه ووثقه بعضهم وكان صدوقا في حديثه.(2)
-5 إسحاق بن إبراهيم، يعرف بإسحاق ابن راهويه (ت سنة 238 هـ): الإمام الحافظ الكبير أبو يعقوب التميمي الحنظلي المروزي، نزيل نيسابور وعالمها بل شيخ أهل المشرق،سمع من ابن المبارك وهو صبي وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز بن عبد الصمد العمى وفضيل بن عياض وعيسى بن يونس والدراوردي وطبقتهم. وعنه الجماعة سوى ابن ماجه. وأحمد وابن معين وشيخه يحيى بن آدم والحسن بن سفيان وأبو العباس السراج وخلق كثير.
وعن أحمد قال: لا أعلم لإسحاق بالعراق نظيرا. وقال النسائي: إسحاق ثقة مأمون إمام.
وقال أبو زرعة: ما رئي أحفظ من إسحاق.
-6 زهير بن عباد بن مليح بن زهير الرواسي (ت سنة 238)) الكوفي ابن عم وكيع ابن الجراح بن مليح أصله كوفي.وحدث بمصر ودمشق عن مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك ، روى عنه محمد بن عبدالله بن عمار وقال كان ثقة وأبو حاتم الرازي ووثقه أبو زرعة الدمشقي وأبو الزنباع روح بن الفرج وأحمد بن أبي الحواري وابو عبد الملك البسري وعبد الرحمن ابن القاسم الرواسي والحسن بن الفرج الغزي وقاسم بن عثمان والحسين بن حميد العكي وآخرون.قال صالح جزرة صدوق.وعنه الحسن بن سفيان وآخرون ووثقه أبوحاتم ،وذكره ابن حبان في الثقات قال يخطئ ويخالف وقال ابن عبد البر ثقة.
7- أبو سعيد سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي ( ت 240 هـ):
واسمه عبد السلام، و سُحنون لقب له، وسمي " سحنون " باسم طائر حديد النظر، لحدته في المسائل، صاحب "المدونة " المشهورة في الفقه المالكي، أخذ سحنون العلم بالقيروان عن مشائخها، وسمع في رحلته إلى مصر والحجاز. كان سحنون ثقة حافظاً للعلم. اجتمعت فيه خلال قلّما اجتمعت في غيره. الفقه البارع والورع الصادق، والصرامة في الحق،والزهادة في الدنيا،ومناقبة كثيرة. .(1)
8- أبو حاتم السجستاني ( ت سنة 255 هـ) : الإمام العلامة أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني ثم البصري المقريء النحوي اللغوي صاحب التصانيف ، تصدر للاقراء والحديث والعربية.وتخرج به أئمة في الحديث و العربية ، وكان جماعة للكتب يتجر فيها.
وله باع طويل في اللغات والشعر ، والعروض، والنحو.
تلاميذه:
لقد رأينا كيف أن شاعرنا جلس للتدريس و عقد حلقات السماع في كل من القيروان ثم في تيهرت و أنه كان مقصد طلاب العلم و الأدب ، و لذلك فقد عددت كتب التراجم الكثير من تلامذته و ممن أخذ عنه خاصة في علم الحديث الشريف رواية و دراية ، و هذه تراجم مختصرة لبعض تلامذته :
1- قاسم بن عبد الرحمن بن محمد التميمي التاهرتي البزاز ( حوالي سنة 322هـ): والد المحدث أبي الفضل أحمد بن قاسم من أهل تاهرت نشأ بها وطلب العلم عند بكر بن حماد وسمع منه الحديث الشريف و الفقه و الشعر ، وكان بكر بن حماد يكتب له في كل يوم أربعة أحاديث ويقول لا تأتيني إلا وقد حفظتها، حكى ذلك ابنه أبو الفضل وقرأته بخط أبي عمر بن عبد البر ودخل الأندلس في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وجاء بابنه أبي الفضل هذا إلى قرطبة وهو ابن تسع سنين. "
-2 قاسم بن أصبغ بن محمد البياني ( ت سنة 340 هـ) أبو محمد مولى الوليد بن عبد الملك، إمام من أئمة الحديث حافظ مكثر مصنف، سمع محمد بن وضاح، ومحمد بن عبد السلام الخشني، وجماعة، ورحل فسمع إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبا إسماعيل محمد بن إسماعيل ... وبكر بن حماد التاهرتي، سمع منه مسند مسدد عنه، وغيرهم صنف في السنن كتاباً حسناً، له " مسند مالك "، وفي أحكام القرآن كتاباً جليلاً وله كتاب المجتبي على أبواب كتاب ابن الجارود المنتقى.
-3 محمد بن صالح بن محمد بن سعد ( ت 383 هـ) بن نزار بن عمرو بن ثعلبة أبو عبد الله القحطاني المغافري الأندلسي الفقيه المالكي رحل إلى المشرق فسمع خيثمة بن سليمان وأبا سعيد بن الأعرابي وإسماعيل بن محمد الصفار وأبا يزن حمير بن إبراهيم بن عبد الله الحميري وبكر بن حماد التاهرتي وغيرهم، روى عنه أبو عبد الله الحاكم، وكان قد سمع في بلاده وبمصر وبالحجاز والشام وبالجزيرة من وببغداد وورد نيسابور في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين فسمع الكثيرثم خرج إلى مرو ومنها إلى بخارى فتوفي بها.
-4 بهلول بن عمر بن صالح بن عبيدة بن حبيب بن صالح الفردمي ( ت 233 أو 234 هـ): روى عن أبيه ومالك وغيرهما روى عنه عبد الله بن صالح بن بهلول وعثمان بن أيوب بكر بن حماد ، وكان يقول عنه: "أكره أن أفصح بالرواية عنه لزهادة الناس فيه" قال أبو بكر المالكي في علماء إفريقية اختلف الناس فيه فبعضهم ضعفه ووثقه بعضهم وكان صدوقا في حديثه. (1)
-5 إبنه عبد الرحمان التاهرتي بن بكر بن حماد أبو زيد ( ت سنة 295 هـ): ولد و تعلم و نشأ في تيهرت كان له السبق في الرحيل الى الاندلس، جلس للتدريس في قرطبة ، اشتهر بدروسه في الحديث الشريف و التفسير ، حدث عن أبيه و كتب عنه غير واحد من شعر ابيه و من حديثه ... توفي في قرطبة".
-6 أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم ( ت سنة 333 هـ : من أهل القيروان العلامة المفتي، المحدث المؤرخ، صاحب "كتاب المحن" و " طبقات علماء إفريقية" و " فضائل مالك " و غيرها من المصنفات، سمع أبو العرب من خلق كثير منهم بكر بن حماد و عيسى بن مسكين، وأبي عثمان بن الحداد وغيرهم.
عارض الغزو الشيعي - الفاطمي – لتونس و قاتل في صفوف بني الأغلب و ألقي عليه القبض و حبس وقيد مع ابنه مدة.
-7 عزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عيسى( 335 هـ) ابن عبد الواحد بن صبيح اللخمي، مالقي يكنى أبا هريرة، كان فقيهاً عالماً، متفنناً بصيراً بالمسائل، موثقاً.
سمع من أخطل بن رفدة وعلاء بن عيسى وابن بدرون
ولقي بكر بن حماد و أخذ عنه.
المبحث الثاني : إسهامات بكر بن حماد الشعرية ومميزاتها الفنية
المطلب الأول :إسهاماته الشعرية
(لا يزيد ما بين أيدينا من شعر بكر بن حماد على مئة وعشرة بيتا موزعة على تسعة عشرة قصيدة ومقطوعة ، أكثرها تسعة عشرة بيت وأقلها بيت واحد وهو القدر الذي استطاع جمعه محمد بن رمضان شاوش في وأصدره تحت عنوان الدر الوقاد )(1) . وقد جاءت ابياته موزعة على تسع عشرة موضوعا منها ما يصل الى حجم القصيدة بمعنى اكثر من سبعة ابيات ومنها ما يعد قطع شعرية بالنظر لعددها السبع ابيات فما دون الى حد البيت او البيتين (2) ، وقد قيل في بكر بأنه لا يمكن ان يعد شاعرا من طبقة شعراء عصره كدعبل الخزاعي وابي تمام ، بل كان يتعاطى الشعر أحيانا في أوقات فراغه من انشغاله بالحديث والتدريس . وهناك رأي آخر ينظر لبكر بن حماد هذه النظرة من باب موضعه بالمقارنة مع فحول الشعراء لأننا نجد في شعر المقلين أبيات ومقطوعات رائعة يمكن أن تعد من قمم الشعر في موضوعاتها ولا يقلل هدا من قيمة الشاعر.
خاض أبو بكر بن حماد في أغراض عديدة ومتنوعة وهو يدور حول بعض النظرات في الحياة والموت والناس والرثاء والهجاء النابع من عاطفته الدينية ومن انتمائه السياسي والمديح والاعتذار وقليل من الوصف .
وقد أطلق وصف الشاعر الحزين على بكر بن حماد باعتبار نظرته للحياة والناس من عليائه نظرة مفحمة بالأسى والتقى والورع والثقة بالنفس التي يدلل عليها تكراره لاسمه في شعره ومن النماذج الموضحة لما قلنا سنقوم بعرض شعره بحسب موضوعاته الاكثر شيوعا كما يلي:
01- غرض الوصف: و قد اقتطفنا له من غرض الوصف قصيدة كان يصف فيها جو تاهرت شتاء و هي من بحر السريع في قوله :
ما أخشن البرد وريعانه ****و أطراف الشمس بتاهرت
تبدو من الغيم إذا ما بدت **** كأنها تنشر من تخت
فقد كان يقصد في صدر البيت الأول بريعان كل شيء أوله ومنه ريعان الشباب .أما في عجز البيت فكان يقصد به أي أن حر شعاعها ضعيف يقال :تطرفت الشمس إذا بدت للغروب أما في عجز البيت الثاني فإن لفظة تخت هي لفظة فارسية معناها السرير وهي مستعملة هنا بمعنى الفراش .
02- غرض الهجاء : كما نظم شعرا في غرض الهجاء و منه نورد مقطعا حيث يقول :
قل لابن ملجم و الأقدار غالبة *** هدمت ويلك للإسلام اركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم *** و اول الناس إسلاما و إمانا
و أعلم الناس بالقرآن ثم بما *** سن الرسول لنا شرعا و تبيانا
صهر النبي و مولاه وناصره *** أضحت مناقبه نورا وبرهانا
قصد ابن حماد بأبياته ان يهجو عمران بن حطان الخارجي الشاعر ويعارض قصيدته التي مدح بها عبد الرحمان بن ملجم قاتل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
فجاء مطلع أبيات عمران بن حطان التي هجاها بكر بن حماد تقول :
لله در المرادي الذي سفكت *** كفاه مهجة شر الخلق انسانا
أمسى عشية غشاة بضربته *** مما جناه من الآثام عريانا
ومن خلال هذه الأبيات يتضح لنا بأن ابن حطان هو شاعر العقيدة يقوم على الحجج التي تستمد أصولها من المبادئ الدينية .(1)
كما هجا بكر بن حماد الخليفة المعتصم العباسي بقوله :
بكى لشباب الدين مكتئب صب *** وقاض بفرط الدمع من عينه غرب
و قام إمام لم يكن ذا هداية *** فليس له دين وليس له لعب
ملاحظة : (لقد نسب ابن رشيق هذين البيتين من هذه القصيدة لبكر ابن حماد لكنه لم يؤكد ذلك كما أنه هناك رأي أخر يقول بأنها لدعبل الخزاعي ولكن هذا أنكرها كما نسبت إلى إبراهيم بن المهدي العباسي و على كل حال في النهاية نسبت إلى بكر بن حماد لأنه هذا روح أسلوبه و يؤيد هذه النظرية مقطوعته الشعرية التي تليها و الله أعلم بالحقيقة . ) (1)
كما نجد بأن شاعرنا بكر بن حماد قد قام بتحريض الخليفة المعتصم على دعبل حيث قال :
أيهجو أمير المؤمنين ورهطه *** و يمشي على الأرض العريضة دعبل
أما والذي أرسى ثبيرا مكانه *** لقد كانت الدنيا لذاك تزلزل
03- غرض المدح:نظم شاعرنا في هذا الغرض وقام بمدح أمراء الاغالبة حكام القيروان مقابل عطايا يعبونه اياه فكان من شعراء التكسب في هذا فنجده يمدح ابراهيم بن احمد التغلبي(261-290) في ابيات قصيرة نظمها حين جاء لزيارته بكر ومانعه الامير لانشغاله بالجواري وحين انشدها اعلم بها غلامه فآجره بصرة بها 100دينار وفيها يقول:
خلقن الغواني للرجال بلية * فهن موالينا ونحن عبيدها
اذا ما أردنا للورد في غير حينه * أتتنا به في كل حين خدودها(1)
كما مدح أيضا الأمير أحمد بن القاسم بن إدريس صاحب مدينة كرت فقال :
إن السماحة والمروءة و الندى *** جمعوا لأحمد من بنى القاسم
و إذا تفاخرت القبائل وانتمت *** فافخر بفضل محمد و بفاطم
و قال أيضا: في مدح أبا العيش عيسى بن إدريس صاحب جرواة و تلمسان . (2)
سائل زواغة عن فعال سيوفه *** ورملحه في العارض المتلل
وديار نفرة كيف داس حريمها *** و الخيل تمرغ بالشيح الذبل
لقد ذكر في صدر البيت الأول فعال و في رويات أخرى ذكرت طعان أما في عجز البيت الثاني فذكر العارض ما يعرض على السيف فيقتل به أما كلمة نفرة في صدر البيت الثاني فهي اسم قبائل بربرية مغربية مستوطنة ناحية تلمسان .أما الخيل تمرغ أي تسقط على الأرض و تنقلب على التراب من شدة الطعان ، أما الوشيج في رواية يقصد بها الرماح الدقيقة ،و يقال تطاعنوا بالوشيج و في رواية اخرى عمت بدلا من غشى .
04- غرض الزهد والوعظ : فان لشاعرنا باع في هذا بالنظر لتنشئته الدينية فنجد له أبيات تتحدث عن الخير في الدنيا قليل حيث قال :
لقد جفت الأقلام بالخلق كلهم *** فمنهم شقي خائب و سعيد
تمر الليالي بالنفوس سريعة*** و يبدئ ربي الخلق ثم يعيد
كما تحدث عن التذكير بالموت وحاجات النفس البشرية التي ترغب عن الآخرة بالدنيا كما تحدث عن تفضيل بعض الناس على بعض ، و عن ذكرى الموت ونذكر في هذا الصدد هذه المقاطع حيث قال :
لقد جمحت نفسي فصدت وأعرضت *** وقد مرقت نفسي فطال مروقها
فيا أسفي من جنح ليل يقودها *** وضوء نهار لايزال يسوقه
كما هناك أبيات أخرى يتحدث فيها عن وقفته بالقبور فقال :
قف بالقبور فناد اليها مدين بها *** من أعظم بليت فيها وأجساد
قوم تقطعت الأسباب بينهم *** من الوصال و صار واتحت أطواد(1)
05- غرض الاعتذار : له اشعار كثيرة في هذا الغرض حيث إعتذر إلى أبي حاتم الرستمي بعد أن رجع من العراق و كان قد أوقع في الفتنة و نذكرمنها هذه الأبيات :
و مؤنسة لي بالعراق تركتها *** وغن شبابي في الغضون نضير
فقالت كما النواسي قبلها *** عزيز علينا أن نراك تسبر(1)
06-غـرض الرثـاء : أما أشهر الأغراض التي عرف بها أبو بكر بن حماد التاهرتي هو غرض الرثاء وخاصة رثائه على ابنه عبد الرحمان بعد مقتله امام عينه لذا فقد بلغت شاعريته الحزينة ذروتها في مرثيته البائية الى الحد الذي تتضائل أمامها مراثي الخنساء لاخيها صخرحيث قال :
بكيت على الاحبة إذا تولوا ***ولو أني هلكت بكوا عليا
فيانسلى بقاؤك كان ذخرا *** وفقدك قد كوى الاكباد كيا
كفى حزنا بأنن منك خلو *** وانك ميت وبقيت حيا
ولم اك آيسا فيئست لما *** رميت التراب فوقك من يديا
فليت الخلق إذا خلقوا طاعوا *** وليتك لم تك يابكر شيا
تسر بأشهر تمضي سراعا *** وتطوي في لياليهن طيا
فلا تفرح بالدنيا ليس تبقى *** ولا تأسف عليها يا بنيا
فقد قطع البقاء غروب شمس *** و مطلعها علي يا اخيا
و ليس الهم يجلوه نهار *** تدور له الفراد والثريا
وقال يرثي ولده عبد الرحمان ايضا :
وهون وجدي أنني بك لاحق *** وأن بقائي في الحياة قليل
وأن ليس يبقى للحبيب حبيبه *** وليس بباق للخليل خليل
و لو أن طول الحزن مما يرده *** للازمني حزن عليه طويل (1)
كما رثا أيضا تاهرت بعد تخربيها حيث قال :
زرنا منازل قوم لم يزورونا ***إنا لفي غفلة عما يقاسونا
لو ينطقون لقالوا : الزاد ويحكم *** حل الرحيل فما يرجو المقيمونا
كما رثا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال :
قل لابن ملجم والأقدار غالبة * هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم * وأول الناس إسلاما وإيمانا(1)
وقد ألف أبي العباس الجراوي كتابه صفوة الادب وديوان العرب وهي الحماسة المغربية وقد أورد في ديوانه جميع مراثي بكر بن حماد على انها من اروع ما نظم في هذا اللون (2)لبكر ابن حماد نظم يعد ثروة في الشعر العربي عموما وخدمة جليلة للشعر المغربي خصوصا بما قدمه فيه من روائع تستحق الإشادة فبالإضافة لنظمه عن رضاء ولده والقيروان فقد رثى الشاعر نفسه حين دخل عليه بعض من أحبابه فلم يستطع القيام لهم وقال :
احبو إلى الموت كما يحبو الجمل *** قد جاءني ما ليس لي فيه حيل (2)
إن ما جاء من شعر بكر بن حماد في أغراضه التي ذكرناها والتي لم نذكرها توضح انه كان يميل إلى الشعر السياسي كمجال والشعر الاجتماعي والديني كمجال آخر أدرج ضمنه قصائد ومقطوعات في ألوان مختلفة، وفي هذا يجسد لنا شاعرنا محطة تطور وازدهار في موضوعات الشعر المغربي الذي كان في قديمه صورة مطابقة للشعر المشرقي . (3)
من خلال هذه الأبيات سنتعرض في المطلب المقبل إلى خصائص النظم الشعري عند بكر بن حماد .
المطلب الثاني : خصائص ومميزات شعره
يعد بكر بن حماد من الشعراء الذين تتلمذوا وتأثروا بالمشارقة في جميع آدابهم فجاء شعره كشعرهم في الشكل والمضمون.وللوقوف على جزئيات الأمر نورد الخصائص على شكل نقاط كما يلي :
01* من حيث شكل القصيدة : حافظ على شكل القصيدة العربية بناء وأغراضا فقد نظم في أغراض كثيرة كالاعتذار والوصف والزهد والهجاء و كان في هذا مرة بدافع التكسب ومرة بدافع التأثر ، إما عن غرض الغزل فقد كان قليلا وقليل جدا في ما خلفه بالنظر لطبيعة نشأته الدينية هذا من جهة وكونه متطبع في هذا بعادات أهل المغرب مقارنة بالشرق في شدة الالتزام والمحافظة فنجده في هذه الزاوية مغربيا صرفا.أما عن شكل قصائده فكانت على نفس طريقة نسج القصائد القديمة من حيث الشكل والوزن والقافية ولم نعثر له عن ألوان مغربية مستحدثة .
كما أن التركيب اللغوي لقصائده نجده استخدم اللغة الكلاسيكية التي تميزت بـ: السهولة والبساطة والدقة والإيحاء والشعرية ....ويظهر ما قلناه بصورة دقيقة في قصائده التي على شكل رثاء وبالذات قصيدته في رثاء ابنه.
02* من حيث مضمون القصيدة : على اعتبار أن الصورة الشعرية عنصر فاعل يعطي للقصيدة حيوية وحركة تخلصها من الرتابة والجمود فإنها في شعر بكر بن حماد متوفرة من خلال عناصرها الآتية :
- الصورة والأشكال البلاغية: دائما بناء على قصيدته المشهورة في رثاء ابنه فأننا نجد هنا الصورة مبنية على إيقاع حزين دافئ بلحظة إنسانية لان قصيدته قائمة على إيقاع متدفق من المشاعر الإنسانية من قوله مثلا ( يا نسلي-ذخرا-فقدك...) فهي إيحاء قوي يرافقه جودة في اختيار المفردة.
- الصورة والإيحاء: كثير ما نقع في أشعار لا تستوحي الصورة الشعرية فيها الإحساس الباطني في تأليفها لذلك بقيت جامدة ملتصقة بالحس الخارجي تغازله وتقيم معه حوارية دائمة يباركها العقل الواعي في مدركاته ويزودها بما تحتاجه ، من هنا فقد كانت الصورة تعتمد على التقرير وتنزع إلى التفسير أكثر مما تقصده إلى الإيحاء ، فليس الغرض من الشعر الفكرة الواضحة والشعور المضبوط فمن الروعة أن يلبس الشعر ثوبا من الايحاء فالشعر الجيد هو الذي يترك في نفس المتلقي شعور بعدم الاكتفاء يدفعه للغوص في أعماق القصيدة لاستكناه المزيد من بحرها ، وقصيدة بكر فعلا وبإقرار أهل الشعر في عصره فهي موحية بل شديدة الايحاء.
* الصورة والعاطفة : على اعتبار أن الصورة الشعرية هي رسم قوامه الكلمات المشحونة بالإحساس والعاطفة،فإن عاطفة بكر بن حماد في قصيدته صادقه نابعة عن روح مفجوعة بمقتل عزيز عليها.
* الصورة والانسجام : بالرغم من توفر العوامل المذكورة آنفا من دقة وإيحاء وعاطفة فإنه مع ذلك لم تتعارض مع انسجام شكل القصيدة لدى بكر بن حماد.
* التركيب الموسيقي: لدينا موسيقي خارجية نلتمسها في الوزن الذي اعتمد فيه البحر الوافر الذي يعتبر من اللين البحور الشعرية ، وكذا اختياره لقافية وروي يائي والياء حرف مجهور يدلل على قوة أكثر من غيره وهو اختيار موجود لدى شعراء عصره.
-اما الموسيقى الداخلية فهي الموسيقى المتولدة على حسن تراص الكلمات واختيارها كدلالة وكصوت انفعالي ظهر لدى بكر في إكثاره من : الشد...والمد كما في قوله : حيا... شيا...طيا(1)
* ومنه يتضح لنا أن بكر بن حماد قد تميز بما راج في عصره بمتيزات في قصائدهم ويظهر ذلك من خلال :
- أولا من حيث الشكل:
1- عزوفه عن القصيدة الطلالية إلى بدايات أخرى للقصيدة كوصف الطبيعة.
2- الاكثار من المقطوعات القصيرة التي كانت لدى شعراء العباسيين بغرض الغناء.
3- عدوله عن الاوزان الطويلة والاعتماد على الاوزان الخفيفة والبحوراللينة كالوافر.
- ثانيا من حيث المضمون:
1- من حيث الألفاظ والأساليب : وكما ذكرناه آنفا تمتاز بالسهولة من حيث اللغة والمعنى.
2- من حيث الأفكار والمعاني :امتازت بالدقة والإتقان والبعد في الخيال والمبالغة في الإحساس .
الخــــــــــاتمــــــــة
يعتبر (ابن حماد) حلقة مهمة من حلقات نشأة أدب مغربي متميز؛فعبر عن مغربه شعرا، بعواطفه وبصلاته المختلفة ، كما نقل صوت المغرب إلى المشرق، وصور بعض ما كان يجري هنالك من نقاش وأفكار، وسجل موقفه منه كعربي بحس مسلم مؤمن بضرورة التزام ما يوحد واجتناب ما يبدد الطاقات ، بعيداً عن الانتماء المذهبي الضيق، فلم يحشر نفسه في انتماء متحيز لهذا المذهب السياسي أو الديني أو غيره، بالرغم من اعتباره شيعيا في بعض المراجع إلا أن ما خلفه من شعر يظهر أن مثله -فيما يبدو- إسلامية عامة ذات نهج سني عموما- كأغلبية المسلمين، مما جعله متفتحا على جميع المذاهب أو التيارات الإسلامية، تعبيرا عن رحابة صدره، وسعة أفقه الفكري في النظر إلى جميع أبناء لأمة الواحدة بعين مسلمة.
كما يتضح ومن خلال التعرف على بكر ابن حماد ودوره في بناء الأدب المغربي الذي عرف أول بذوره الناضجة مع نهاية القرن الأول الهجري،وأينعت وأزهرت وتعددت ألوانها وأشكالها في القرن الثالث الهجري، واعتمادا على الإشكال المطروح بداية العرض يمكننا القول أن بكر بن حماد اعتبر شاعر القرن الثالث الهجري المغربي لأنه جسد آنذاك صورة من صور الأصالة والانفتاح والتأثير والتأثر بين بلاد المغرب والمشرق من جهة وجودة ما قدمه وخلفه من تراث مغربي من جهة أخرى بعيدا عن مقارنته بفحول شعراء العرب .
يعتبر الشعر المغربي سجل للشعراء المغاربة و هو المنبع الوحيد الذي يحفظ تراثهم وتاريخهم الأدبي و الاخلاقي و العلمي والثقافي و الاجتماعي بالإضافة إلى أنه هو الناطق الرسمي الذي تدون فيه بطولاتهم وآثارهم في جميع المجالات عبر ممر العصور و عليه فإن منطقة المغرب العربي تزخر بالعديد من الشعراء الذين ساهموا في نقل العلم والمعرفة للبلادهم حتي تزدهر وتتقدم فقد جالوا كل روبوع البلاد الإسلامية من اجل جمع المزيد من العلوم والمعرفة ونقلها الى وطنهم للمساهمة في الإثراء العلمي من بينهم العلامة والشاعر المغربي بكر بن حماد التاهرتي وهذا هوسبب اختيارنا لهذا الموضوع هو الرغبة في التعرف على الشاعر المغربي الحزين و معرفة اهم الاغراض التي نظم فيها و تميز بها بالإضافة إلى إثراء رصيدنا العلمي والمعرفي عن هذا الأدب المغربي ومن هنا قد اثرنا حوله العديد من التسأولات من هو بكر بن حماد و كيف نشأ ؟ و ما هي أهم إسهاماته وما الذي ميز شعره ؟ وقد إعتمدنا في عرضنا هذا المنهج التاريخي الوصفي و للإجابة عن هذه التساؤلات المطروحة وغيرها اتبعنا الخطة التالية : حيث إفتتحناها بمقدمة و إتبعناها بمبحثين الأول : حياة بكر بن حماد التيهارتي ويدرج ضمنه ثلاث مطالب : الأول نسبه ونشأته و الثاني تعليمه ورحلاته و الثالث شيوخه وتلامذته وبعده يليه المبحث الثاني :
إسهامات ابو بكر بن حماد الشعرية ومميزاتها فالمطلب الأول يحتوي إسهاماته الشعرية و الثاني : أهم مميزاته.وقد اختتمناها بخاتمة ملمة عن الموضوع .
كما اعتمدنا على اهم مرجعين و هما الدر الوقاد و محاضرات في الأدب المغربي القديم
خطــــــــة العـــــــرض
مقدمـــة .
المبحث الأول :نشـأة بكر بن حماد الشخصية وحياتـه العلميـة.
المطلب الأول: ولادتــه ونسبـــه.
المطلب الثاني : تعليمة ورحلاته.
المطلب الثالث : شيوخه وتلامذته.
المبحث الثاني: إسهامات بكر بن حماد الشعرية ومميزاتها الفنية.
المطلب الأول : إسهاماتـــه الشعـــــريــة.
المطلب الثاني : خصائص ومميزات شعره.
الخاتمــــة
المبحث الأول : نشــــأة بكر بـــن حمــاد الشخصيــة وحياتــه العلميـة
المطلب الأول :ولادته ونسبه
بكر بن حماد بن سهل و قيل "سهر" بن إسماعيل، أبو عبد الرحمن الزناتي ،التاهرتي ،نسبة الى زناتة القبيلة البربرية الشهيرة ، و التاهرتي نسبة الى مدينة تيهرت أو " تاهرت" و تسمى اليوم تيارت و هي إحدى ولايات الغرب الجزائري. (1)
ولد سنة 200 هـ بمدينة تيهرت في بيت شرف و علم ، وكانت مدينة تيهرت في ذلك الوقت هي عاصمة الدولة الرستمية و التي تعتبر أول دولة للخوارج في العالم الإسلامي، وقد تأسست على جزء من المغرب الأوسط على يد عبد الرحمن بن رستم الفارسي الأصل ( ت سنة 171هـ، 788م ) الإمام الأول لهم ، و قد عرفت تيهرت إزدهارا ثقافيا و أدبيا كبيرا ، فقصدها العلماء و الأدباء و ظهرت فيها حركة علمية، وازدهرت الحركة الصناعية والتجارية حتى نافست حواضر العالم الإسلامي آنذاك في المشرق و الأندلس.
وقد كان والده رحمه الله شديد الحرص على توجيهه الوجهة الصالحة الصحيحة على هدى أهل السنة و الجماعة في بيئة يغلب عليها مذهب الخوارج، إذ كان يحفظه القرآن الكريم ، ويستصحبه إلى دور العلم و مجالس القضاء و دروس الفقهاء و سماع الحديث الشريف، كما أهتم بإرساله إلى أعلام العربية و الأدب فأخذ العربية و النحو و البيان و العروض. (2)
المطلب الثاني :تعليمه ورحلاته:
في ريعان الشباب وبالضبط سنة 217 هـ بدأت رحلة البحث عن المعرفة لبكر بن حماد الى معاقل العلم ليستقى منها ويتتلمذ على يد اشهر مفكريها ليكون بذلك حلقة بارزة ممن ساهموا في نقل حضارة المشرق للمغرب (1)، و تعد رحلته للقيروان أول طريقه لنهل علوم الفقه واللغة والحديث وكانت من مسقط رأسه تاهرت عام 217هـ الى البلاد الشرقية وهو لا يزال في عنفوان الشباب فتوقف بالقيروان وقرأ بها الفقه والحديث وبقية العلوم الأخرى التي كانت تلقى حينذاك بمساجدها على أكبر علمائها و بالخصوص على يد الشيخ عون بن يوسف الخزاعي والإمام سحنون بن سعيد التنوخي ، وللحقيقة التاريخية فإن هناك اختلاف حول تأريخ بداية دراسته بالقيروان قبل المشرق او العكس ولكن الرائج هو ما ذكرناه على ان نوضح بأن مقامه في القيروان لم يطل اكثر من بضع شهور قليلة . ليشد الرحال شطر المشرق ، أين حل بمصر قليلا متجها الى بغداد معقل العلم ؟(2)
وكما ذكرنا قبلا فبعد الاطلاع على المراجع التي تناول هذا الجانب من حياة بكر بن حماد لا نجد تحديد واضح لمقام بكر بالقيروان (لان المؤرخين والأدباء اتفقوا على انه اتصل ببغداد بالخليفة المعتصم العباسي ومدحه ونال جوائزه وان المعتصم تولى الخلافة عام 218 أي سنة بعد أن غادر شاعرنا مسقط رأسه تاهرت كما اتصل أيضا بدعبل الخزاعي الشاعر وان هذا الأخير توفي عام 220هـ أي ثلاثة سنين بعد خروجه من تاهرت هذا من جهة و من جهة أخرى فإن بكر بن حماد قد صرح بأنه فرغ من قراء ة كتبه كلها على عون بن يوسف الخزاعي مع علمنا أن هذا الأخير توفي عام 239هـ ) (3) فهل كانت قرأته على عون قبل ذهابه إلى العراق أو بعد الرجوع منه ؟الظاهر الأول ثم انه يصرح في نص آخر انه انشد مقطوعة من شعره بالعراق و مصر و تاهرت والقيروان وهذا ما يدل دلالة واضحة على توقفه بمصر أيضا لكن هل كان ذلك أثناء ذهابه إلى العراق أو بعد إيابه منها أو أثناء هما معا ؟ فهذا سؤال لا نجد له جوابا في النصوص التي بين أيدينا.
ورحلته الى المشرق لم تقتصر على مدينة بغداد فقط بل انتقل وجاب معظم المدن و الحواضر العلمية كالكوفة و البصرة و غيرهما ، ولقي علماء الحديث الشريف فسمع منهم ، وتزود بعلوم الدين واللغة والأدب ، على يد الأئمة الأعلام كالإمام الحافظ مسدد بن مسرهد الذي سمع منه المسند ، و حاتم السجستاني وابن الأعرابي ـ تلميذ الأصمعي ـ ، ومن أعلام الشعراء مثل أبي تمام ودعبل الخزاعي ، وعلي بن الجهم وغيرهم.(1)
العودة إلى القيروان ثم الهروب منها:
بعد هذه الرحلة العلمية، و ملاقاة علماء الحديث و أعلام الأدب و الشعر ، وخاصة علاقته بالخليفة العباسي المعتصم يكون (بكر بن حماد) قد دخل بشعره معمعة الصراع في كواليس البلاط في بغداد، وهو إن لم يكن وصل إلى مستوى المتبارين في الفوز برضى الخليفة والفوز المطرد بجوائزه وعطائه فقد سجل حضوره الشعري في الساحة الأدبية.
من هنا لمعت شخصيته الشعرية في مستواها المعين، وغطت عما سواها من أعماله، خاصة في (القيروان) و(تيهرت)، وقد عاد إلى (القيروان) أستاذاً بجامعها الأكبر فقصده الطلاب من أنحاء المغرب العربي والأندلس، خاصة أن الحدود لم تكن عائقاً بين أبناء الأمة العربية والإسلامية، بل كان العلماء والمثقفون فوق الحدود والأنظمة، فالخلافات والصراعات التي كانت قائمة في المشرق وفي المغرب العربي (المنقسم إلى ثلاث إمارات، رستمية، وإدريسية وأغلبية) لم تكن تحول دون التواصل، فكان (بكر بن حماد) مواطنا في (تيهرت) كما هو مواطن في (بغداد) ومواطن في (القيروان). (2) ، و من تلاميذ بكر بن حماد فيها أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم صاحب "كتاب المحن"، و محمد بن صالح المعافري و غيرهم ،. لكن مقامه بالقيروان لم يدم طويلا، فقد تركها هاربا إلى بلاده تيهرت بعد أن كثرت ضده الوشايات إلى الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي حاكم إفريقيا بأنه يذكره في مجالسه و بصفه بالظالم و الفاسق، فتوعده خاصة بعد رفضه و تشنيعه على الأمير و من يرى رأيه في مسألة خلق القرآن الكريم بعد اعتناقهم لآراء و أقوال فرقة المعتزلة في هذه المسألة، بينما اعتصم بكر بن حماد و كثير من أهل القيروان بأقوال أهل السنة والجماعة ورفضوا رأي المعتزلة وتعاليمها،.
ويروي تلميذه أبو العرب في" كتاب المحن " في باب " أخبار المحنة في خلافة مأمون" بأنه ينقل أخبار وآراء و أقوال علماء السنة عن طريق بكر بن حماد عن شيوخه، في هذه المسألة . حين هروب بكر بن حماد من القيروان فارا بدينه و حياته وكان يرافقه في رحلته ابنه أبو بكر ، وفي الطريق إلى موطنه وعلى مقربة من تيهرت في المكان المعروف بقلعة ابن حمة تعرض لهما اللصوص ، فهاجموهما لكنهما دافعا عن نفسيهما و لكن اللصوص تغلبوا عليهما ، فأصيب بكر بن حماد بجروح بليغة وقُتِلَ ابنه أمام عينيه في منظر مفجع عام295هـ ، كما سلب اللصوص كل ما وجدوه من مال و متاع ، وقد تركت هذه الحادثة أثرًا بالغاً في نفسه ظل يمزق أحشاءه عامًا كاملاً ،وظل على هذه المعاناة حتى توفاه أجله في سنة 296هـ.وقد رثاه بقصيدة مؤثرة و حزينة تعد من عيون الشعر العربي سنتعرض لها لاحقا،.(1)
عودته الى تيهرت و مجالسه العلمية:وصل شاعرنا إلى تيهرت مكسور الجناح ، حزينا، ، عليلا يعاني آلام الفقد، فاعتزل الناس فترة يداوي فيها جراحه، ويبث همومه وأحزانه لنفسه المفجوعة بأقرب الناس إليه في قصائد رثاء يخفف بها ألام نفسه و يبرد فيها حرقة كبده، ووصل خبره و تسامع به أهل تيهرت و علمائها فقصدوه يخففون عنه و يعزونه في فقده ابنه ، وطلبوا منه أن يسمعهم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأجابهم إلى طلبهم، وعقد مجالس الرواية و السماع ، يشرح فيها الحديث الشريف بطريقة بارعة، و يتدرج فيه بأسلوب تعليمي مشوق ، و يحلي مجالسه بإنشاده لأبيات شعرية في الزهد و الوعظ، فتسامع به طلاب العلم و محبي الحديث الشريف، فشد إليه طلاب العلم و الشيوخ الرحال من مختلف أقطار المغرب العربي و من الأندلس، فاستفادوا منه و من علمه، فكان مما أملاه و أخذه عنه علماء المغرب و الأندلس حديث مسدد بن مسرهد في عشرة أجزاء كما ذكر ذلك تلميذه الحافظ المحدث قاسم بن أصبغ.
وقد ذكر المحدث أبو الفضل أحمد بن قاسم التاهرتي عن والده لما كان يدرس عند شاعرنا،أنه كان لا يزيده عن أربعة أحاديث في اليوم .(2)
المطلب الثالث : شيوخه وتلامذته:
ولان بلاد المغرب حديثة الاستعراب فمن البديهي أن لا نرى أدبا ولا أدباء إلا ماكان من رجال الدين والفقه والدعاة الذين يغدون لتثقيف سكان المغرب لذا فأن اغلب شيوخ بكر بن حماد من المشرق (1)فقد لقي شاعرنا الكثير من أعلام الحديث الشريف، و الأدباء و اللغويين والشعراء ، فحضر مجالسهم و أخذ عنهم و سنقتصر على ذكر أشهرهم:
-1 مسدد بن مسرهد (ت 228): الحافظ الحجة أبو الحسن الأسدي، بصرى يكنى أبا الحسن، سمع جويرية بن أسماء وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وطبقتهم. روى عنه أبو زرعة والبخاري وأبو داود وإسماعيل القاضي وأبو خليفة الجمحي. . قال يحيى القطان: لو أتيت مسددا لأحدثه لكان أهلا. وقال ابن معين: هو ثقة ثقة. وقال أبو حاتم: أحاديثه عن القطان عن عبيد الله بن عمر كالدنانير، كأنك تسمعها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
-2 نعيم بن حماد الخزاعى المروزى ( ت سنة 228 هـ) الإمام الشهير أبو عبد الله الخزاعي المروزي الفرضي الأعور نزيل مصر، سمع إبراهيم بن طهمان و أبو حمزة السكري وعيسى بن عبيد الكندي وخارجة بن مصعب وابن المبارك وهشيم وخلق كثير. وروى عنه البخاري مقرونا بآخر والدارمي وأبو حاتم وبكر بن سهل الدمياطي وخلق خاتمتهم حمزة محمد الكاتب.حمل في الفتنة هو والبويطى مقيدين في خلافة المعتصم فابى أن يقول بخلق القرآن فحبس ومات وهو مسجون.
-3 ابن الاعرابي ( ت 231هـ) : إمام اللغة، أبو عبد الله، محمد بن زياد بن الاعرابي الهاشمي، انتهى إليه علم اللغة،والحفظ.له مصنفات كثيرة أدبية، وتاريخ القبائل، وكان صاحب سنة واتباع.
-4 بهلول بن عمر بن صالح ( ت 233 هـ) الفَرْدَمي، روى عن أبيه ومالك وغيرهما روى عنه عبد الله بن صالح بن بهلول وعثمان بن أيوب ، وذكر أبو العرب في تاريخ إفريقية أنه يروي أيضا عن الليث وابن لهيعة، قال بكر بن حماد أكره أن أفصح بالرواية عنه لزهادة الناس فيه، وقال أبو بكر المالكي في علماء إفريقية اختلف الناس فيه فبعضهم ضعفه ووثقه بعضهم وكان صدوقا في حديثه.(2)
-5 إسحاق بن إبراهيم، يعرف بإسحاق ابن راهويه (ت سنة 238 هـ): الإمام الحافظ الكبير أبو يعقوب التميمي الحنظلي المروزي، نزيل نيسابور وعالمها بل شيخ أهل المشرق،سمع من ابن المبارك وهو صبي وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز بن عبد الصمد العمى وفضيل بن عياض وعيسى بن يونس والدراوردي وطبقتهم. وعنه الجماعة سوى ابن ماجه. وأحمد وابن معين وشيخه يحيى بن آدم والحسن بن سفيان وأبو العباس السراج وخلق كثير.
وعن أحمد قال: لا أعلم لإسحاق بالعراق نظيرا. وقال النسائي: إسحاق ثقة مأمون إمام.
وقال أبو زرعة: ما رئي أحفظ من إسحاق.
-6 زهير بن عباد بن مليح بن زهير الرواسي (ت سنة 238)) الكوفي ابن عم وكيع ابن الجراح بن مليح أصله كوفي.وحدث بمصر ودمشق عن مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك ، روى عنه محمد بن عبدالله بن عمار وقال كان ثقة وأبو حاتم الرازي ووثقه أبو زرعة الدمشقي وأبو الزنباع روح بن الفرج وأحمد بن أبي الحواري وابو عبد الملك البسري وعبد الرحمن ابن القاسم الرواسي والحسن بن الفرج الغزي وقاسم بن عثمان والحسين بن حميد العكي وآخرون.قال صالح جزرة صدوق.وعنه الحسن بن سفيان وآخرون ووثقه أبوحاتم ،وذكره ابن حبان في الثقات قال يخطئ ويخالف وقال ابن عبد البر ثقة.
7- أبو سعيد سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي ( ت 240 هـ):
واسمه عبد السلام، و سُحنون لقب له، وسمي " سحنون " باسم طائر حديد النظر، لحدته في المسائل، صاحب "المدونة " المشهورة في الفقه المالكي، أخذ سحنون العلم بالقيروان عن مشائخها، وسمع في رحلته إلى مصر والحجاز. كان سحنون ثقة حافظاً للعلم. اجتمعت فيه خلال قلّما اجتمعت في غيره. الفقه البارع والورع الصادق، والصرامة في الحق،والزهادة في الدنيا،ومناقبة كثيرة. .(1)
8- أبو حاتم السجستاني ( ت سنة 255 هـ) : الإمام العلامة أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني ثم البصري المقريء النحوي اللغوي صاحب التصانيف ، تصدر للاقراء والحديث والعربية.وتخرج به أئمة في الحديث و العربية ، وكان جماعة للكتب يتجر فيها.
وله باع طويل في اللغات والشعر ، والعروض، والنحو.
تلاميذه:
لقد رأينا كيف أن شاعرنا جلس للتدريس و عقد حلقات السماع في كل من القيروان ثم في تيهرت و أنه كان مقصد طلاب العلم و الأدب ، و لذلك فقد عددت كتب التراجم الكثير من تلامذته و ممن أخذ عنه خاصة في علم الحديث الشريف رواية و دراية ، و هذه تراجم مختصرة لبعض تلامذته :
1- قاسم بن عبد الرحمن بن محمد التميمي التاهرتي البزاز ( حوالي سنة 322هـ): والد المحدث أبي الفضل أحمد بن قاسم من أهل تاهرت نشأ بها وطلب العلم عند بكر بن حماد وسمع منه الحديث الشريف و الفقه و الشعر ، وكان بكر بن حماد يكتب له في كل يوم أربعة أحاديث ويقول لا تأتيني إلا وقد حفظتها، حكى ذلك ابنه أبو الفضل وقرأته بخط أبي عمر بن عبد البر ودخل الأندلس في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وجاء بابنه أبي الفضل هذا إلى قرطبة وهو ابن تسع سنين. "
-2 قاسم بن أصبغ بن محمد البياني ( ت سنة 340 هـ) أبو محمد مولى الوليد بن عبد الملك، إمام من أئمة الحديث حافظ مكثر مصنف، سمع محمد بن وضاح، ومحمد بن عبد السلام الخشني، وجماعة، ورحل فسمع إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبا إسماعيل محمد بن إسماعيل ... وبكر بن حماد التاهرتي، سمع منه مسند مسدد عنه، وغيرهم صنف في السنن كتاباً حسناً، له " مسند مالك "، وفي أحكام القرآن كتاباً جليلاً وله كتاب المجتبي على أبواب كتاب ابن الجارود المنتقى.
-3 محمد بن صالح بن محمد بن سعد ( ت 383 هـ) بن نزار بن عمرو بن ثعلبة أبو عبد الله القحطاني المغافري الأندلسي الفقيه المالكي رحل إلى المشرق فسمع خيثمة بن سليمان وأبا سعيد بن الأعرابي وإسماعيل بن محمد الصفار وأبا يزن حمير بن إبراهيم بن عبد الله الحميري وبكر بن حماد التاهرتي وغيرهم، روى عنه أبو عبد الله الحاكم، وكان قد سمع في بلاده وبمصر وبالحجاز والشام وبالجزيرة من وببغداد وورد نيسابور في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين فسمع الكثيرثم خرج إلى مرو ومنها إلى بخارى فتوفي بها.
-4 بهلول بن عمر بن صالح بن عبيدة بن حبيب بن صالح الفردمي ( ت 233 أو 234 هـ): روى عن أبيه ومالك وغيرهما روى عنه عبد الله بن صالح بن بهلول وعثمان بن أيوب بكر بن حماد ، وكان يقول عنه: "أكره أن أفصح بالرواية عنه لزهادة الناس فيه" قال أبو بكر المالكي في علماء إفريقية اختلف الناس فيه فبعضهم ضعفه ووثقه بعضهم وكان صدوقا في حديثه. (1)
-5 إبنه عبد الرحمان التاهرتي بن بكر بن حماد أبو زيد ( ت سنة 295 هـ): ولد و تعلم و نشأ في تيهرت كان له السبق في الرحيل الى الاندلس، جلس للتدريس في قرطبة ، اشتهر بدروسه في الحديث الشريف و التفسير ، حدث عن أبيه و كتب عنه غير واحد من شعر ابيه و من حديثه ... توفي في قرطبة".
-6 أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم ( ت سنة 333 هـ : من أهل القيروان العلامة المفتي، المحدث المؤرخ، صاحب "كتاب المحن" و " طبقات علماء إفريقية" و " فضائل مالك " و غيرها من المصنفات، سمع أبو العرب من خلق كثير منهم بكر بن حماد و عيسى بن مسكين، وأبي عثمان بن الحداد وغيرهم.
عارض الغزو الشيعي - الفاطمي – لتونس و قاتل في صفوف بني الأغلب و ألقي عليه القبض و حبس وقيد مع ابنه مدة.
-7 عزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عيسى( 335 هـ) ابن عبد الواحد بن صبيح اللخمي، مالقي يكنى أبا هريرة، كان فقيهاً عالماً، متفنناً بصيراً بالمسائل، موثقاً.
سمع من أخطل بن رفدة وعلاء بن عيسى وابن بدرون
ولقي بكر بن حماد و أخذ عنه.
المبحث الثاني : إسهامات بكر بن حماد الشعرية ومميزاتها الفنية
المطلب الأول :إسهاماته الشعرية
(لا يزيد ما بين أيدينا من شعر بكر بن حماد على مئة وعشرة بيتا موزعة على تسعة عشرة قصيدة ومقطوعة ، أكثرها تسعة عشرة بيت وأقلها بيت واحد وهو القدر الذي استطاع جمعه محمد بن رمضان شاوش في وأصدره تحت عنوان الدر الوقاد )(1) . وقد جاءت ابياته موزعة على تسع عشرة موضوعا منها ما يصل الى حجم القصيدة بمعنى اكثر من سبعة ابيات ومنها ما يعد قطع شعرية بالنظر لعددها السبع ابيات فما دون الى حد البيت او البيتين (2) ، وقد قيل في بكر بأنه لا يمكن ان يعد شاعرا من طبقة شعراء عصره كدعبل الخزاعي وابي تمام ، بل كان يتعاطى الشعر أحيانا في أوقات فراغه من انشغاله بالحديث والتدريس . وهناك رأي آخر ينظر لبكر بن حماد هذه النظرة من باب موضعه بالمقارنة مع فحول الشعراء لأننا نجد في شعر المقلين أبيات ومقطوعات رائعة يمكن أن تعد من قمم الشعر في موضوعاتها ولا يقلل هدا من قيمة الشاعر.
خاض أبو بكر بن حماد في أغراض عديدة ومتنوعة وهو يدور حول بعض النظرات في الحياة والموت والناس والرثاء والهجاء النابع من عاطفته الدينية ومن انتمائه السياسي والمديح والاعتذار وقليل من الوصف .
وقد أطلق وصف الشاعر الحزين على بكر بن حماد باعتبار نظرته للحياة والناس من عليائه نظرة مفحمة بالأسى والتقى والورع والثقة بالنفس التي يدلل عليها تكراره لاسمه في شعره ومن النماذج الموضحة لما قلنا سنقوم بعرض شعره بحسب موضوعاته الاكثر شيوعا كما يلي:
01- غرض الوصف: و قد اقتطفنا له من غرض الوصف قصيدة كان يصف فيها جو تاهرت شتاء و هي من بحر السريع في قوله :
ما أخشن البرد وريعانه ****و أطراف الشمس بتاهرت
تبدو من الغيم إذا ما بدت **** كأنها تنشر من تخت
فقد كان يقصد في صدر البيت الأول بريعان كل شيء أوله ومنه ريعان الشباب .أما في عجز البيت فكان يقصد به أي أن حر شعاعها ضعيف يقال :تطرفت الشمس إذا بدت للغروب أما في عجز البيت الثاني فإن لفظة تخت هي لفظة فارسية معناها السرير وهي مستعملة هنا بمعنى الفراش .
02- غرض الهجاء : كما نظم شعرا في غرض الهجاء و منه نورد مقطعا حيث يقول :
قل لابن ملجم و الأقدار غالبة *** هدمت ويلك للإسلام اركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم *** و اول الناس إسلاما و إمانا
و أعلم الناس بالقرآن ثم بما *** سن الرسول لنا شرعا و تبيانا
صهر النبي و مولاه وناصره *** أضحت مناقبه نورا وبرهانا
قصد ابن حماد بأبياته ان يهجو عمران بن حطان الخارجي الشاعر ويعارض قصيدته التي مدح بها عبد الرحمان بن ملجم قاتل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
فجاء مطلع أبيات عمران بن حطان التي هجاها بكر بن حماد تقول :
لله در المرادي الذي سفكت *** كفاه مهجة شر الخلق انسانا
أمسى عشية غشاة بضربته *** مما جناه من الآثام عريانا
ومن خلال هذه الأبيات يتضح لنا بأن ابن حطان هو شاعر العقيدة يقوم على الحجج التي تستمد أصولها من المبادئ الدينية .(1)
كما هجا بكر بن حماد الخليفة المعتصم العباسي بقوله :
بكى لشباب الدين مكتئب صب *** وقاض بفرط الدمع من عينه غرب
و قام إمام لم يكن ذا هداية *** فليس له دين وليس له لعب
ملاحظة : (لقد نسب ابن رشيق هذين البيتين من هذه القصيدة لبكر ابن حماد لكنه لم يؤكد ذلك كما أنه هناك رأي أخر يقول بأنها لدعبل الخزاعي ولكن هذا أنكرها كما نسبت إلى إبراهيم بن المهدي العباسي و على كل حال في النهاية نسبت إلى بكر بن حماد لأنه هذا روح أسلوبه و يؤيد هذه النظرية مقطوعته الشعرية التي تليها و الله أعلم بالحقيقة . ) (1)
كما نجد بأن شاعرنا بكر بن حماد قد قام بتحريض الخليفة المعتصم على دعبل حيث قال :
أيهجو أمير المؤمنين ورهطه *** و يمشي على الأرض العريضة دعبل
أما والذي أرسى ثبيرا مكانه *** لقد كانت الدنيا لذاك تزلزل
03- غرض المدح:نظم شاعرنا في هذا الغرض وقام بمدح أمراء الاغالبة حكام القيروان مقابل عطايا يعبونه اياه فكان من شعراء التكسب في هذا فنجده يمدح ابراهيم بن احمد التغلبي(261-290) في ابيات قصيرة نظمها حين جاء لزيارته بكر ومانعه الامير لانشغاله بالجواري وحين انشدها اعلم بها غلامه فآجره بصرة بها 100دينار وفيها يقول:
خلقن الغواني للرجال بلية * فهن موالينا ونحن عبيدها
اذا ما أردنا للورد في غير حينه * أتتنا به في كل حين خدودها(1)
كما مدح أيضا الأمير أحمد بن القاسم بن إدريس صاحب مدينة كرت فقال :
إن السماحة والمروءة و الندى *** جمعوا لأحمد من بنى القاسم
و إذا تفاخرت القبائل وانتمت *** فافخر بفضل محمد و بفاطم
و قال أيضا: في مدح أبا العيش عيسى بن إدريس صاحب جرواة و تلمسان . (2)
سائل زواغة عن فعال سيوفه *** ورملحه في العارض المتلل
وديار نفرة كيف داس حريمها *** و الخيل تمرغ بالشيح الذبل
لقد ذكر في صدر البيت الأول فعال و في رويات أخرى ذكرت طعان أما في عجز البيت الثاني فذكر العارض ما يعرض على السيف فيقتل به أما كلمة نفرة في صدر البيت الثاني فهي اسم قبائل بربرية مغربية مستوطنة ناحية تلمسان .أما الخيل تمرغ أي تسقط على الأرض و تنقلب على التراب من شدة الطعان ، أما الوشيج في رواية يقصد بها الرماح الدقيقة ،و يقال تطاعنوا بالوشيج و في رواية اخرى عمت بدلا من غشى .
04- غرض الزهد والوعظ : فان لشاعرنا باع في هذا بالنظر لتنشئته الدينية فنجد له أبيات تتحدث عن الخير في الدنيا قليل حيث قال :
لقد جفت الأقلام بالخلق كلهم *** فمنهم شقي خائب و سعيد
تمر الليالي بالنفوس سريعة*** و يبدئ ربي الخلق ثم يعيد
كما تحدث عن التذكير بالموت وحاجات النفس البشرية التي ترغب عن الآخرة بالدنيا كما تحدث عن تفضيل بعض الناس على بعض ، و عن ذكرى الموت ونذكر في هذا الصدد هذه المقاطع حيث قال :
لقد جمحت نفسي فصدت وأعرضت *** وقد مرقت نفسي فطال مروقها
فيا أسفي من جنح ليل يقودها *** وضوء نهار لايزال يسوقه
كما هناك أبيات أخرى يتحدث فيها عن وقفته بالقبور فقال :
قف بالقبور فناد اليها مدين بها *** من أعظم بليت فيها وأجساد
قوم تقطعت الأسباب بينهم *** من الوصال و صار واتحت أطواد(1)
05- غرض الاعتذار : له اشعار كثيرة في هذا الغرض حيث إعتذر إلى أبي حاتم الرستمي بعد أن رجع من العراق و كان قد أوقع في الفتنة و نذكرمنها هذه الأبيات :
و مؤنسة لي بالعراق تركتها *** وغن شبابي في الغضون نضير
فقالت كما النواسي قبلها *** عزيز علينا أن نراك تسبر(1)
06-غـرض الرثـاء : أما أشهر الأغراض التي عرف بها أبو بكر بن حماد التاهرتي هو غرض الرثاء وخاصة رثائه على ابنه عبد الرحمان بعد مقتله امام عينه لذا فقد بلغت شاعريته الحزينة ذروتها في مرثيته البائية الى الحد الذي تتضائل أمامها مراثي الخنساء لاخيها صخرحيث قال :
بكيت على الاحبة إذا تولوا ***ولو أني هلكت بكوا عليا
فيانسلى بقاؤك كان ذخرا *** وفقدك قد كوى الاكباد كيا
كفى حزنا بأنن منك خلو *** وانك ميت وبقيت حيا
ولم اك آيسا فيئست لما *** رميت التراب فوقك من يديا
فليت الخلق إذا خلقوا طاعوا *** وليتك لم تك يابكر شيا
تسر بأشهر تمضي سراعا *** وتطوي في لياليهن طيا
فلا تفرح بالدنيا ليس تبقى *** ولا تأسف عليها يا بنيا
فقد قطع البقاء غروب شمس *** و مطلعها علي يا اخيا
و ليس الهم يجلوه نهار *** تدور له الفراد والثريا
وقال يرثي ولده عبد الرحمان ايضا :
وهون وجدي أنني بك لاحق *** وأن بقائي في الحياة قليل
وأن ليس يبقى للحبيب حبيبه *** وليس بباق للخليل خليل
و لو أن طول الحزن مما يرده *** للازمني حزن عليه طويل (1)
كما رثا أيضا تاهرت بعد تخربيها حيث قال :
زرنا منازل قوم لم يزورونا ***إنا لفي غفلة عما يقاسونا
لو ينطقون لقالوا : الزاد ويحكم *** حل الرحيل فما يرجو المقيمونا
كما رثا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال :
قل لابن ملجم والأقدار غالبة * هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم * وأول الناس إسلاما وإيمانا(1)
وقد ألف أبي العباس الجراوي كتابه صفوة الادب وديوان العرب وهي الحماسة المغربية وقد أورد في ديوانه جميع مراثي بكر بن حماد على انها من اروع ما نظم في هذا اللون (2)لبكر ابن حماد نظم يعد ثروة في الشعر العربي عموما وخدمة جليلة للشعر المغربي خصوصا بما قدمه فيه من روائع تستحق الإشادة فبالإضافة لنظمه عن رضاء ولده والقيروان فقد رثى الشاعر نفسه حين دخل عليه بعض من أحبابه فلم يستطع القيام لهم وقال :
احبو إلى الموت كما يحبو الجمل *** قد جاءني ما ليس لي فيه حيل (2)
إن ما جاء من شعر بكر بن حماد في أغراضه التي ذكرناها والتي لم نذكرها توضح انه كان يميل إلى الشعر السياسي كمجال والشعر الاجتماعي والديني كمجال آخر أدرج ضمنه قصائد ومقطوعات في ألوان مختلفة، وفي هذا يجسد لنا شاعرنا محطة تطور وازدهار في موضوعات الشعر المغربي الذي كان في قديمه صورة مطابقة للشعر المشرقي . (3)
من خلال هذه الأبيات سنتعرض في المطلب المقبل إلى خصائص النظم الشعري عند بكر بن حماد .
المطلب الثاني : خصائص ومميزات شعره
يعد بكر بن حماد من الشعراء الذين تتلمذوا وتأثروا بالمشارقة في جميع آدابهم فجاء شعره كشعرهم في الشكل والمضمون.وللوقوف على جزئيات الأمر نورد الخصائص على شكل نقاط كما يلي :
01* من حيث شكل القصيدة : حافظ على شكل القصيدة العربية بناء وأغراضا فقد نظم في أغراض كثيرة كالاعتذار والوصف والزهد والهجاء و كان في هذا مرة بدافع التكسب ومرة بدافع التأثر ، إما عن غرض الغزل فقد كان قليلا وقليل جدا في ما خلفه بالنظر لطبيعة نشأته الدينية هذا من جهة وكونه متطبع في هذا بعادات أهل المغرب مقارنة بالشرق في شدة الالتزام والمحافظة فنجده في هذه الزاوية مغربيا صرفا.أما عن شكل قصائده فكانت على نفس طريقة نسج القصائد القديمة من حيث الشكل والوزن والقافية ولم نعثر له عن ألوان مغربية مستحدثة .
كما أن التركيب اللغوي لقصائده نجده استخدم اللغة الكلاسيكية التي تميزت بـ: السهولة والبساطة والدقة والإيحاء والشعرية ....ويظهر ما قلناه بصورة دقيقة في قصائده التي على شكل رثاء وبالذات قصيدته في رثاء ابنه.
02* من حيث مضمون القصيدة : على اعتبار أن الصورة الشعرية عنصر فاعل يعطي للقصيدة حيوية وحركة تخلصها من الرتابة والجمود فإنها في شعر بكر بن حماد متوفرة من خلال عناصرها الآتية :
- الصورة والأشكال البلاغية: دائما بناء على قصيدته المشهورة في رثاء ابنه فأننا نجد هنا الصورة مبنية على إيقاع حزين دافئ بلحظة إنسانية لان قصيدته قائمة على إيقاع متدفق من المشاعر الإنسانية من قوله مثلا ( يا نسلي-ذخرا-فقدك...) فهي إيحاء قوي يرافقه جودة في اختيار المفردة.
- الصورة والإيحاء: كثير ما نقع في أشعار لا تستوحي الصورة الشعرية فيها الإحساس الباطني في تأليفها لذلك بقيت جامدة ملتصقة بالحس الخارجي تغازله وتقيم معه حوارية دائمة يباركها العقل الواعي في مدركاته ويزودها بما تحتاجه ، من هنا فقد كانت الصورة تعتمد على التقرير وتنزع إلى التفسير أكثر مما تقصده إلى الإيحاء ، فليس الغرض من الشعر الفكرة الواضحة والشعور المضبوط فمن الروعة أن يلبس الشعر ثوبا من الايحاء فالشعر الجيد هو الذي يترك في نفس المتلقي شعور بعدم الاكتفاء يدفعه للغوص في أعماق القصيدة لاستكناه المزيد من بحرها ، وقصيدة بكر فعلا وبإقرار أهل الشعر في عصره فهي موحية بل شديدة الايحاء.
* الصورة والعاطفة : على اعتبار أن الصورة الشعرية هي رسم قوامه الكلمات المشحونة بالإحساس والعاطفة،فإن عاطفة بكر بن حماد في قصيدته صادقه نابعة عن روح مفجوعة بمقتل عزيز عليها.
* الصورة والانسجام : بالرغم من توفر العوامل المذكورة آنفا من دقة وإيحاء وعاطفة فإنه مع ذلك لم تتعارض مع انسجام شكل القصيدة لدى بكر بن حماد.
* التركيب الموسيقي: لدينا موسيقي خارجية نلتمسها في الوزن الذي اعتمد فيه البحر الوافر الذي يعتبر من اللين البحور الشعرية ، وكذا اختياره لقافية وروي يائي والياء حرف مجهور يدلل على قوة أكثر من غيره وهو اختيار موجود لدى شعراء عصره.
-اما الموسيقى الداخلية فهي الموسيقى المتولدة على حسن تراص الكلمات واختيارها كدلالة وكصوت انفعالي ظهر لدى بكر في إكثاره من : الشد...والمد كما في قوله : حيا... شيا...طيا(1)
* ومنه يتضح لنا أن بكر بن حماد قد تميز بما راج في عصره بمتيزات في قصائدهم ويظهر ذلك من خلال :
- أولا من حيث الشكل:
1- عزوفه عن القصيدة الطلالية إلى بدايات أخرى للقصيدة كوصف الطبيعة.
2- الاكثار من المقطوعات القصيرة التي كانت لدى شعراء العباسيين بغرض الغناء.
3- عدوله عن الاوزان الطويلة والاعتماد على الاوزان الخفيفة والبحوراللينة كالوافر.
- ثانيا من حيث المضمون:
1- من حيث الألفاظ والأساليب : وكما ذكرناه آنفا تمتاز بالسهولة من حيث اللغة والمعنى.
2- من حيث الأفكار والمعاني :امتازت بالدقة والإتقان والبعد في الخيال والمبالغة في الإحساس .
الخــــــــــاتمــــــــة
يعتبر (ابن حماد) حلقة مهمة من حلقات نشأة أدب مغربي متميز؛فعبر عن مغربه شعرا، بعواطفه وبصلاته المختلفة ، كما نقل صوت المغرب إلى المشرق، وصور بعض ما كان يجري هنالك من نقاش وأفكار، وسجل موقفه منه كعربي بحس مسلم مؤمن بضرورة التزام ما يوحد واجتناب ما يبدد الطاقات ، بعيداً عن الانتماء المذهبي الضيق، فلم يحشر نفسه في انتماء متحيز لهذا المذهب السياسي أو الديني أو غيره، بالرغم من اعتباره شيعيا في بعض المراجع إلا أن ما خلفه من شعر يظهر أن مثله -فيما يبدو- إسلامية عامة ذات نهج سني عموما- كأغلبية المسلمين، مما جعله متفتحا على جميع المذاهب أو التيارات الإسلامية، تعبيرا عن رحابة صدره، وسعة أفقه الفكري في النظر إلى جميع أبناء لأمة الواحدة بعين مسلمة.
كما يتضح ومن خلال التعرف على بكر ابن حماد ودوره في بناء الأدب المغربي الذي عرف أول بذوره الناضجة مع نهاية القرن الأول الهجري،وأينعت وأزهرت وتعددت ألوانها وأشكالها في القرن الثالث الهجري، واعتمادا على الإشكال المطروح بداية العرض يمكننا القول أن بكر بن حماد اعتبر شاعر القرن الثالث الهجري المغربي لأنه جسد آنذاك صورة من صور الأصالة والانفتاح والتأثير والتأثر بين بلاد المغرب والمشرق من جهة وجودة ما قدمه وخلفه من تراث مغربي من جهة أخرى بعيدا عن مقارنته بفحول شعراء العرب .