نقوس المهدي
كاتب
تتم التحضيرات لانتخاب رئيس البلدية في إحدى المدن الصغيرة، ويتنافس فيها ممثلا أقوى حزبين، أما باقي المرشحين فقد كانوا خارج ظل المنافسة.
لقد انتهت الحملات الدعائية التي كانت تجري في المحلات والمنازل والمقاهي ولم يبق سوى المقابلات المباشرة مع المتنافسين.
بشير أفندي كان أحد المتنافسين، وهو الذي خدم في الجيش برتبة عالية وبعد ذلك عمل بصفة مدّع عام قرابة ثلاثين عاماً.
أما المتنافس الآخر فهو البقّال كاظم أفندي، مختار المدينة منذ سنوات طويلة، رجل أميّ، يجيد القراءة قليلاً، والكتابة لا يجيدها إطلاقاً، أما حسابات دكان البقالة فكان يقوم بها من خلال مجموعة إشارات ومصطلحات وضعها لنفسه.
ساحة المهرجان تقع مقابل مركز الحكومة في المدينة، حيث جهزت المنصة ووضع عليها إبريق ماء وكأس.
وبما أن الأجواء السائدة بين الحزبين اللذين يمثلهما المتنافسان كانت جيدة، لذلك دخل بشير أفندي وكاظم متأبطاً كل منهما ذراع الآخر.
تجمع أهالي المدينة والقرى المحيطة في الساحة. وبما أن بشير أفندي كان معروفاً من قبل الجميع فإنه كان على يقين تام من أنه سيصعد المنصة أولاً.
فتقدم من كاظم أفندي قائلاً:
- تفضل يا كاظم أفندي كي تلقي كلمتك أولاً.
أجابه كاظم أفندي:
- أستغفر الله ومن أنا حتى أصعد أولاً، تفضل واصعد يا بشير أفندي.
استمر بشير أفندي كريس بلدية طيلة فترة ثلاث دورات متتالية وهذا ما جعله يتدلل قليلاً، إلا أنه صعد المنصة في نهاية المطاف، وبدأ كلمته مباشرة ودون أي اضطراب وهذا نابع من طبيعة عمله في محكمة المدينة سنوات طويلة.
“أيها الأخوة المواطنون، كان لي الشرف إذ أنني كسبت ثقتكم العزيزة مدة ثلاث دورات ولكي أحافظ على هذه الثقة جهدت أن أكون أهلاً لهذه المهمة التي أوليتموني إياها والآن ونحن ندخل مرحلة إنتخابية جديدة لا أقول لكم إنتخبوني ولا أصر على ذلك، وما أود قوله أنني متعب جداً وفي نفس الوقت مشغول جداً ولديّ الأعمال الخاصة ولكنني رشحت نفسي ثانية خدمةً لمواطنيّ الأعزاء، ولهذا فالقرار قراركم في اختياري أو اختياره، رمق كاظم بيك بنظرة جانبية، ولكن عليّ توعيتكم فيما يتعلق بسمات رئيس البلدية، وسأقوم بذلك قدر طاقتي الشخصية.
إن رئاسة البلدية مهمة شاقة ومرهقة لذلك يجب أن لا يكون رئيس البلدية هرماً، ولا يضع طقم أسنان _ كاظم أفندي كان أكبر من بشير أفندي بأربعة عشر عاماً أصلع الرأس ويضع طقم أسنان ـ يعني رئيس البلدية يجب أن يكون عمره بحدود الخمسين عاماً ـ بشير أفندي كان في الخمسين من العمر ـ إياكم أن تنتخبوا شخصاً لا يفقه شيئاً في القانون أو النظام فيعطل أعمالكم ـ في المدينة كلها لا يوجد غير بشير أفندي رجل قانون ـ أنا لا أقول إنتخبوني ولكن يجب أن تحسنوا الاختيار، لا تنتخبوا شخصاً لا يجيد القراءة والكتابة!. ولأن رئيس البلدية يذهب إلى كل مكان، يجب أن يكون بنطاله مكوي، إياكم أن تنتخبوا رجلاً لا يضع ربطة عنق، وإلا ستفقدون شرف مدينتنا وكرامتها ـ في المدينة كلها لم يكن سوى بشير أفندي من يرتدي بنطالاً مكوياً، ويضع ربطة عنق ـ إياكم أن تنتخبوا شخصاً يرتدي قبعة غير لباديّة، إياكم أن تنتخبوا شخصاً لا يعتمر قبعة لباديّة ـ خلع قبعته اللباديّة وعرضها على الحضور ـ وإلا ستهينوننا ـ في المدينة كلها لم يعتمر القبعة اللباديّة سواه ـ أنا لا أذع عليكم كي تنتخبوني ولكن عند اختياركم ريس البلدية يجب أن تكون سماته كما شرحت لكم.”
أخذ القرويون الذين ملؤوا الساحة يتهامسون عندما كان بشير أفندي ينزل من على المنصة:
- نعم يقول الصدق.
- إنه محق تماماً.
بعد ذلك صعد كاظم أفندي المنصة وبدأ كلمته قائلاً:
” بشير أفندي أوضح لكم كل شيء ـ مشيراً بيده نحو بشير أفندي ـ إن أنياب رئيس البلدية يجب أن تكون مغطاة بصفيح من الذهب ـ أنياب بشير أفندي كانت مغطاة بالذهب، تابع قوله مشيراً أيضاً بيده نحو بشير أفندي ـ ريس البلدية يجب أن يكون له عينان زرقاوان…”
أما القرويون فقد كانوا يقهقهون بأعلى صوتهم ، تابع:
“رئيس البلدية يجب أن يكون شخصاً أقف على يساره.”
استشاط بشير أفندي غيظاً وغضباً. تابع:
“كذلك رئيس البلدية يجب أن يحمل مثل ذلك العكاز ويسند على أرنبة أنفه نظارتين.”
كان القرويون يقهقهون بشدة من حديث كاظم أفندي.
“رئيس البلدية يجب أن يكون إسمه بشير..”
نزل كاظم أفندي من على المنصة أما الحضور فكانوا لا يستطيعون التماسك من شدة الضحك. أما بشير أفندي فقد كان يقضم شاربيه بأسنانه من شدة الغيظ.
استمر المهرجان الانتخابي في اليوم الثاني، أما الجماهير المحتشدة والتي زاد عددهم عن الضعفين، فانقسمت إلى قسمين، الاغلبية تقف إلى جانب بشير أفندي.
تخلى بشير أفندي هذا عن المواقف اللينة لذلك راح ينشر الغسيل الوسخ لمنافسه. وهذا ما جعل الأحاديث كلها تدور حول أملاك كاظم أفندي.
إعتلى بشير أفندي المنصة متوتراً من حديث البارحة ولذلك بدأ حديثه مباشرةً:
“أيها المواطنون:
إنني مجبر على الإفصاح عن جميع القضايا، هل هناك أحد لا يعرف ما قدمه كاظم أفندي طيلة فترة مخترته. عندما يزور مدينتنا أي ضيف كبير فإلى أين يذهب أولاً، من المؤكد أنه سيذهب إلى بيت المختار كاظم أفندي، ولكن لماذا؟ أنتم جميعاً تعرفون السبب. هل تذكرون ما جرى في العام الماضي عندما استضاف ثلاثة زوّار، هنا أشفقت على أمينة يومها! أليس هو الذي داعبها في البستان وترك زوّاره…”
دبت همهمة واضحة بين القرويين:
- صحيح تماماً.
- نعم صحيح ما يقوله.
“أيها المواطنون:
هل تعلمون ماذا فعل بجلود الأغنام التي أخذها في عيد الأضحى الماضي؟ إن هذا الرجل الذي يود أن يصبح رئيساً للبلدية تزوج من أربع نساء بعقد غير قانوني. هل هناك من لا يعرف ذلك؟..”
إرتفع صوت القرويين قليلاً:
- حلال على الشاطر.
“أيها المواطنون:
كلكم يعرف تماماً أن هذا الرجل لم يكن يملك سوى دكان بقالة فقط قبل أن يصبح مختاراً ولكن خلال عشر سنوات كلكم تعرفون أنه يمتلك نصف هذه المدينة..”
ارتفعت أصوات القرويين ثانيةً:
- كم هو بارع هذا المختار.
“أيها المواطنون:
إن الحديث الذي أود قوله لم ينته بعد وهناك الكثير ولكن لا يجوز الاستمرار أكثر من ذلك، ولذلك أنتم أصحاب القرار في الاختيار.”
اعتلى كاظم أفندي المنصة بعد انتهاء التصفيق الحاد وبدأ خطابه:
“صحيح تماماً كل ما قاله بشير أفندي إنه مدّع عام منذ ثلاثين عاماً ولكن لا يملك قطعة أرض صغيرة ولا حتى زوج ثيران!… إنه إنسان شريف جداً وإذا نزل عنده أي زائر فهو لا يملك مكاناً يجلسه فيه، أو سريراً ينام عليه. أما إذا كنتم تودون أن تعرفوا وضعي فأستطيع القول أنني لم أكن أملك أي شيء قبل أن أصبح مختاراً، أما الآن ولله الحمد فأملك قطعة أرض تبلغ مساحتها /250/ دونماً وقبعة لباديّة… لديه نظارتان وربطة عنق، أما أنا فإنسان أمّي لا أجيد القراءة ولا الكتابة. هذا ما رغبت في قوله وعليكم الاختيار”.
انتهى المهرجان الخطابي وتفرق الجميع، أما الإقتراع فسيبدأ بعد يومين.
إجتمع أصدقاء المختار في بقاليته:
- ماذا فعلت يا كاظم أفندي؟ ما هذا الكلام الذي قلته؟ لقد جعلت منه ملاكاً طاهراً، ولا يملك شيئاً وأنت تعرف تماماً أن لديه القدرة أن يزينك بالذهب.
ضحك كاظم أفندي وقال:
- لنر ماذا سيحصل في الانتخابات؟
- ياهوه… ألم تكن لديك مائتا رأس ماشية، والدونمات الثلاثون التي ورثتها عن والدك، وزوج الثيران. ألم يكن لديك كل هذا قبل أن تصبح مختاراً، وأمينة التي أشفق عليها أليس هو الذي هتك عرضها.
- هدئ من روعك.. لنر ماذا سيحصل في الانتخابات.
إنتهت الانتخابات وتم فرز الأصوات. ولم يستطع بشير أفندي رئيس البلدية السابق الحصول على ربع الأصوات التي حصل عليها المختار. وهكذا أصبحت نتائج الانتخابات الشغل الشاغل لأهل المنطقة.
- يلزمنا تعبيد الطريق وتمديد أنابيب المياه، كذلك يلزمنا بذار وماشية. بشير أفندي ماذا فعل طيلة هذه السنوات ماذا استفدنا من علمه، إنه إنسان غير ماهر.! أما المختار فهو رجل كبير لا شك ولا يستطيع عمل شيء، ولكنه إنسان مدبر.
بعد تلك الانتخابات تغيرت أساليب الدعاية الانتخابية ولذلك أخذ المرشحون يعرفون أنفسهم على النحو التالي:
“أيها المواطنون مائة رأس من الماشية، أربعة أزواج من الثيران، وأربع نساء، وخمسمائة دونم أرض، وكل أسبوع أداعب امرأة وأهتك عرضها، وببراعتي حصلت خلال شهر على كل ذلك.”
لقد انتهت الحملات الدعائية التي كانت تجري في المحلات والمنازل والمقاهي ولم يبق سوى المقابلات المباشرة مع المتنافسين.
بشير أفندي كان أحد المتنافسين، وهو الذي خدم في الجيش برتبة عالية وبعد ذلك عمل بصفة مدّع عام قرابة ثلاثين عاماً.
أما المتنافس الآخر فهو البقّال كاظم أفندي، مختار المدينة منذ سنوات طويلة، رجل أميّ، يجيد القراءة قليلاً، والكتابة لا يجيدها إطلاقاً، أما حسابات دكان البقالة فكان يقوم بها من خلال مجموعة إشارات ومصطلحات وضعها لنفسه.
ساحة المهرجان تقع مقابل مركز الحكومة في المدينة، حيث جهزت المنصة ووضع عليها إبريق ماء وكأس.
وبما أن الأجواء السائدة بين الحزبين اللذين يمثلهما المتنافسان كانت جيدة، لذلك دخل بشير أفندي وكاظم متأبطاً كل منهما ذراع الآخر.
تجمع أهالي المدينة والقرى المحيطة في الساحة. وبما أن بشير أفندي كان معروفاً من قبل الجميع فإنه كان على يقين تام من أنه سيصعد المنصة أولاً.
فتقدم من كاظم أفندي قائلاً:
- تفضل يا كاظم أفندي كي تلقي كلمتك أولاً.
أجابه كاظم أفندي:
- أستغفر الله ومن أنا حتى أصعد أولاً، تفضل واصعد يا بشير أفندي.
استمر بشير أفندي كريس بلدية طيلة فترة ثلاث دورات متتالية وهذا ما جعله يتدلل قليلاً، إلا أنه صعد المنصة في نهاية المطاف، وبدأ كلمته مباشرة ودون أي اضطراب وهذا نابع من طبيعة عمله في محكمة المدينة سنوات طويلة.
“أيها الأخوة المواطنون، كان لي الشرف إذ أنني كسبت ثقتكم العزيزة مدة ثلاث دورات ولكي أحافظ على هذه الثقة جهدت أن أكون أهلاً لهذه المهمة التي أوليتموني إياها والآن ونحن ندخل مرحلة إنتخابية جديدة لا أقول لكم إنتخبوني ولا أصر على ذلك، وما أود قوله أنني متعب جداً وفي نفس الوقت مشغول جداً ولديّ الأعمال الخاصة ولكنني رشحت نفسي ثانية خدمةً لمواطنيّ الأعزاء، ولهذا فالقرار قراركم في اختياري أو اختياره، رمق كاظم بيك بنظرة جانبية، ولكن عليّ توعيتكم فيما يتعلق بسمات رئيس البلدية، وسأقوم بذلك قدر طاقتي الشخصية.
إن رئاسة البلدية مهمة شاقة ومرهقة لذلك يجب أن لا يكون رئيس البلدية هرماً، ولا يضع طقم أسنان _ كاظم أفندي كان أكبر من بشير أفندي بأربعة عشر عاماً أصلع الرأس ويضع طقم أسنان ـ يعني رئيس البلدية يجب أن يكون عمره بحدود الخمسين عاماً ـ بشير أفندي كان في الخمسين من العمر ـ إياكم أن تنتخبوا شخصاً لا يفقه شيئاً في القانون أو النظام فيعطل أعمالكم ـ في المدينة كلها لا يوجد غير بشير أفندي رجل قانون ـ أنا لا أقول إنتخبوني ولكن يجب أن تحسنوا الاختيار، لا تنتخبوا شخصاً لا يجيد القراءة والكتابة!. ولأن رئيس البلدية يذهب إلى كل مكان، يجب أن يكون بنطاله مكوي، إياكم أن تنتخبوا رجلاً لا يضع ربطة عنق، وإلا ستفقدون شرف مدينتنا وكرامتها ـ في المدينة كلها لم يكن سوى بشير أفندي من يرتدي بنطالاً مكوياً، ويضع ربطة عنق ـ إياكم أن تنتخبوا شخصاً يرتدي قبعة غير لباديّة، إياكم أن تنتخبوا شخصاً لا يعتمر قبعة لباديّة ـ خلع قبعته اللباديّة وعرضها على الحضور ـ وإلا ستهينوننا ـ في المدينة كلها لم يعتمر القبعة اللباديّة سواه ـ أنا لا أذع عليكم كي تنتخبوني ولكن عند اختياركم ريس البلدية يجب أن تكون سماته كما شرحت لكم.”
أخذ القرويون الذين ملؤوا الساحة يتهامسون عندما كان بشير أفندي ينزل من على المنصة:
- نعم يقول الصدق.
- إنه محق تماماً.
بعد ذلك صعد كاظم أفندي المنصة وبدأ كلمته قائلاً:
” بشير أفندي أوضح لكم كل شيء ـ مشيراً بيده نحو بشير أفندي ـ إن أنياب رئيس البلدية يجب أن تكون مغطاة بصفيح من الذهب ـ أنياب بشير أفندي كانت مغطاة بالذهب، تابع قوله مشيراً أيضاً بيده نحو بشير أفندي ـ ريس البلدية يجب أن يكون له عينان زرقاوان…”
أما القرويون فقد كانوا يقهقهون بأعلى صوتهم ، تابع:
“رئيس البلدية يجب أن يكون شخصاً أقف على يساره.”
استشاط بشير أفندي غيظاً وغضباً. تابع:
“كذلك رئيس البلدية يجب أن يحمل مثل ذلك العكاز ويسند على أرنبة أنفه نظارتين.”
كان القرويون يقهقهون بشدة من حديث كاظم أفندي.
“رئيس البلدية يجب أن يكون إسمه بشير..”
نزل كاظم أفندي من على المنصة أما الحضور فكانوا لا يستطيعون التماسك من شدة الضحك. أما بشير أفندي فقد كان يقضم شاربيه بأسنانه من شدة الغيظ.
استمر المهرجان الانتخابي في اليوم الثاني، أما الجماهير المحتشدة والتي زاد عددهم عن الضعفين، فانقسمت إلى قسمين، الاغلبية تقف إلى جانب بشير أفندي.
تخلى بشير أفندي هذا عن المواقف اللينة لذلك راح ينشر الغسيل الوسخ لمنافسه. وهذا ما جعل الأحاديث كلها تدور حول أملاك كاظم أفندي.
إعتلى بشير أفندي المنصة متوتراً من حديث البارحة ولذلك بدأ حديثه مباشرةً:
“أيها المواطنون:
إنني مجبر على الإفصاح عن جميع القضايا، هل هناك أحد لا يعرف ما قدمه كاظم أفندي طيلة فترة مخترته. عندما يزور مدينتنا أي ضيف كبير فإلى أين يذهب أولاً، من المؤكد أنه سيذهب إلى بيت المختار كاظم أفندي، ولكن لماذا؟ أنتم جميعاً تعرفون السبب. هل تذكرون ما جرى في العام الماضي عندما استضاف ثلاثة زوّار، هنا أشفقت على أمينة يومها! أليس هو الذي داعبها في البستان وترك زوّاره…”
دبت همهمة واضحة بين القرويين:
- صحيح تماماً.
- نعم صحيح ما يقوله.
“أيها المواطنون:
هل تعلمون ماذا فعل بجلود الأغنام التي أخذها في عيد الأضحى الماضي؟ إن هذا الرجل الذي يود أن يصبح رئيساً للبلدية تزوج من أربع نساء بعقد غير قانوني. هل هناك من لا يعرف ذلك؟..”
إرتفع صوت القرويين قليلاً:
- حلال على الشاطر.
“أيها المواطنون:
كلكم يعرف تماماً أن هذا الرجل لم يكن يملك سوى دكان بقالة فقط قبل أن يصبح مختاراً ولكن خلال عشر سنوات كلكم تعرفون أنه يمتلك نصف هذه المدينة..”
ارتفعت أصوات القرويين ثانيةً:
- كم هو بارع هذا المختار.
“أيها المواطنون:
إن الحديث الذي أود قوله لم ينته بعد وهناك الكثير ولكن لا يجوز الاستمرار أكثر من ذلك، ولذلك أنتم أصحاب القرار في الاختيار.”
اعتلى كاظم أفندي المنصة بعد انتهاء التصفيق الحاد وبدأ خطابه:
“صحيح تماماً كل ما قاله بشير أفندي إنه مدّع عام منذ ثلاثين عاماً ولكن لا يملك قطعة أرض صغيرة ولا حتى زوج ثيران!… إنه إنسان شريف جداً وإذا نزل عنده أي زائر فهو لا يملك مكاناً يجلسه فيه، أو سريراً ينام عليه. أما إذا كنتم تودون أن تعرفوا وضعي فأستطيع القول أنني لم أكن أملك أي شيء قبل أن أصبح مختاراً، أما الآن ولله الحمد فأملك قطعة أرض تبلغ مساحتها /250/ دونماً وقبعة لباديّة… لديه نظارتان وربطة عنق، أما أنا فإنسان أمّي لا أجيد القراءة ولا الكتابة. هذا ما رغبت في قوله وعليكم الاختيار”.
انتهى المهرجان الخطابي وتفرق الجميع، أما الإقتراع فسيبدأ بعد يومين.
إجتمع أصدقاء المختار في بقاليته:
- ماذا فعلت يا كاظم أفندي؟ ما هذا الكلام الذي قلته؟ لقد جعلت منه ملاكاً طاهراً، ولا يملك شيئاً وأنت تعرف تماماً أن لديه القدرة أن يزينك بالذهب.
ضحك كاظم أفندي وقال:
- لنر ماذا سيحصل في الانتخابات؟
- ياهوه… ألم تكن لديك مائتا رأس ماشية، والدونمات الثلاثون التي ورثتها عن والدك، وزوج الثيران. ألم يكن لديك كل هذا قبل أن تصبح مختاراً، وأمينة التي أشفق عليها أليس هو الذي هتك عرضها.
- هدئ من روعك.. لنر ماذا سيحصل في الانتخابات.
إنتهت الانتخابات وتم فرز الأصوات. ولم يستطع بشير أفندي رئيس البلدية السابق الحصول على ربع الأصوات التي حصل عليها المختار. وهكذا أصبحت نتائج الانتخابات الشغل الشاغل لأهل المنطقة.
- يلزمنا تعبيد الطريق وتمديد أنابيب المياه، كذلك يلزمنا بذار وماشية. بشير أفندي ماذا فعل طيلة هذه السنوات ماذا استفدنا من علمه، إنه إنسان غير ماهر.! أما المختار فهو رجل كبير لا شك ولا يستطيع عمل شيء، ولكنه إنسان مدبر.
بعد تلك الانتخابات تغيرت أساليب الدعاية الانتخابية ولذلك أخذ المرشحون يعرفون أنفسهم على النحو التالي:
“أيها المواطنون مائة رأس من الماشية، أربعة أزواج من الثيران، وأربع نساء، وخمسمائة دونم أرض، وكل أسبوع أداعب امرأة وأهتك عرضها، وببراعتي حصلت خلال شهر على كل ذلك.”