نقوس المهدي
كاتب
يرى بعض الباحثين أن الأدب الضاحك أقل درجة في التصنيف من الأدب الجاد، وعللوا ذلك بأن الأدب الضاحك أو الأدب الفكاهي يعبث بمشاعر القراء وتنتهي حرارته بعد فورة الضحك التي تصاحبه، لذا نجدهم يضعونه دائما في مرتبة متأخرة في سلم الآداب، إلا أن هذه رؤية مردود عليها، كما يقول الأستاذ عبد الحميد محمد أحمد(1)، إذ أن الشعر الضاحك بعد أن يثير العاطفة ويشغل النفوس بالطرب وإنشراح الصدر، يبقى في جبين الدهر بمفرداته وتعابيره كافة متجددا تماما كما يمس التجديد كل صنائع البشر مما يبنون حينما يكون التجديد ضرورة أو حقا، ولولا ذلك لذهبت أعظم أغراض الشعرأدراج الرياح.
وقد عرف العرب هذا النوع من الأدب منذ أقدم العصور، فجاءت كتبهم مفعمة بصنوف الفكاهة، ولو حاولنا أن نحصي الكتب التي تناولت الفكاهة في الأدب العربي لعجزنا عن ذلك، فالبيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، ومحاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني، والمستظرف في كل فن مستطرف لشهاب الدين الأبشيهي، وغيرها كثير من كتب الأدب يقع الأدب الفكاهي بين طياتها. فالفكاهة أمر مطلوب، وهي تعد من (ضمن حاجات الإنسان الترويحية إن أغفلها الإنسان أو أقام حياته على الصرامة والعبوس فإنه حتما يخلق توترا نفسيا واجتماعيا رهيبا)(2).
وليس الأدب السوداني بدعا في ذلك، فقد كان هذا الضرب من الأدب معروفا ومتداولا بين الناس حتى قبل استقلال السودان خاصة بين تيارين: الاستقلال أو الاتحاد مع مصر، وكان يكتب باللغتين العربية الفصحى والعامية السودانية، ولعل أشهر مثال على ذلك ما حدث بين شاعرين كبيرين هما الاستقلالي عبدالحليم علي طه، والاتحادي محمود الفكي، وكانا صديقين حميمين لم يفسد الاختلاف السياسي بينهما للود قضية، وقد صدر مؤخرا كتاب يوثق لهذه المساجلات التي دارت بين الشاعرين الكبيرين(3).
وقد عرف هذا النوع من الشعر طريقه إلى المجتمع السوداني مع ظهور الصحف والمجلات السودانية حين بدأت في ترجمة حال المجتمع السوداني ونشر آدابه وفنونه منظومة ومنثورة، ولعل مما منع ظهور هذا النوع من الأدب قبل ذلك هو صعوبة النشر، إذ كان يصعب على الفرد أن يطبع كتابا على نفقته الخاصة، مما أتاح للصحف والمجلات الفرصة في نشر هذا الأدب وذيوعه.
ولعل الشعر في السودان في عمومه ما زال مخطوطا، وما نال حظه من الطباعة منه جزء يسير حتى قيل أن الشعر السوداني لم يطبع بعد(4)، والشعر الفكاهي على رأس القائمة، والأسباب كثيرة ومتعددة، فمنها أن بعض الشعراء كانوا يكرهون الأضواء فابتعدوا بانتاجهم الشعري تواضعا، وبعضهم حاولوا إنكار ما نظموه لاخوفا من أحد، ولكن خجلا لانتقالهم بنظام حياتهم من تلك التي كانت إلى تصوف وتعبد وزلفى إلى الله فمزقوا تلك الترهات التي كتبوها في زمن مضى، ثم أن هنالك بعض الشعراء جمعوا كل ما كتبوا وقاموا باحراقه لسبب غير معروف، إضافة إلى أن هناك فئة من الشعراء كانوا يكتبون لأنفسهم فقط ولا يبرزونه إلا في دائرة ضيقة تكون قاصرة على بعض الخواص. كذلك كان بعضهم لا يكتب اسمه الحقيقي بل كان يرمز إليه بالأحرف الأولى، أو يتخذ لقبا يكتب تحته مما صعب مهمة الباحثين في الأدب والتراث من تتبع مصادر هذه الأشعار والوصول إلى قائلها الحقيقي، ولعل لهذا التعتيم أسباب كثيرة قد تكون اجتماعية أو سياسية أو غيرها.
لقد عالج هؤلاء الشعراء سوء الحال، وعجز المرتب عن الإيفاء بمتطلبات الحياة، وزحمة المواصلات، ومصائب الامتحانات، والإحالة على المعاش، وتكاليف الحياة ونكدها وويلاتها المتلاحقة، وغير ذلك في قوالب فنية جميلة بعيدة عن الإسفاف أو الخروج عما تعارف عليه المجتمع من قيم نبيلة، وهؤلاء الشعراء هم أنفسهم، (باسمائهم أو برموزهم قالوا القصيد حرا طليقا، وبعضهم قاله مشطرا، ثم قالوه فصيحا مبرأ من قيود العامية، وآخرون جنحوا للعامية ومزجوها بالفصحى وهم في كل ذلك قد أجادوا الحبكة والتراكيب، وصاغوا من هذا المزج فرحا دافقا راقيا وأدبا يوبه له).(5)
شعراء الكتيبة:
وتطور هذا النوع من الأدب وظهرت له هيئات ومدراس مثل (مدرسة الكتيبة)، وهي مدرسة شعرية ينطلق كل أعضائها، وهم أبناء جيل واحد، من رؤية واحدة، ومنهم الموظف الذي على رأس العمل أو الذي أحيل على المعاش، وقال عنها الدكتور عبده بدوي: (… ولقد حملت لؤاء الهجاء في السودان جماعة تسمى {جماعة حسن بدري} وهو شاعر وصاحب مكتبة في أم درمان، والشرط الوحيد للانضمام إلى هذه الجمعية هو أن يهجو من يرغب في الدخول فيها شاعرا من المنضمين إلى الجميعة، فإذا كان هجاؤه قويا قبل فورا بين الجماعة، وحق له أن يضع شعر الهجاء في مكان خاص بالمكتبة يسمى {درج السفاسف} ليطلع عليه كل من يريد الوقوف على هذا اللون).
وقال عنها أيضا المرحوم النور إبراهيم(6) مؤلف ديوان الكتيبة، وهو ديوان شعر ظريف: (الكتيبة جماعة من الشعراء والغاوين ألّف بين قلوبهم الأدب البريء وقرّب من أهوائهم تباعد سواهم في الحياة الحزبية، فشاقهم من ضروب الأدب الهجاء خاصة، وراقتهم الدعابة البريئة فرارا بنفوسهم من ملق العيش وجفاف الصلات، وبعدا بها عن تلك الحياة الكالحة والأدب المكفهر، وخروجها عن تزمت مفتعل، وجو بغيض تلبد بغيوم الحزبية وأدبها الهزيل مما جعل حياة الأدب فيها خاصة، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج الأديب يده لم يكد يراها).
كذلك ظهر في السنوات الأخيرة نوع آخر من الشعر الفكاهي أطلق عليه اسم الشعر الحلمنتيشي، وقد تعود شعراء حلمنتيش على استعمال ألفاظ غريبة مستخرجة من أصول المفردات بصورة غير مألوفة وربما تخرج عن قاعدة التخريج اللغوي المعمول بها، وهم بذلك إنما يقدمون الجديد في المعنى وفي البناء الكلامي، ولهذا الشعر أيضا رواد ومحبيه، والطريف في الأمر أن الشعر الفكاهي قد وصل حتى للباعة الجائلين الذين يفترشون الأرصفة، فقد درجوا على استعمال نوع من الشعر الفكاهي للترويج لبضائعهم ووصف محاسنها، ورخص سعرها، معتمدين في ذلك على أصواتهم البشرية ومستخدمين مكبرات الصوت في بعض الأحيان. وهذه موضوعات لا يتسع المجال هنا لطرقها، وسوف نتناولها فيما بعد بإذن الله.
كيف البصارة؟:
وسوف نورد هنا بعض النماذج للأدب الضاحك أو الفكاهي لعدد من الشعراء السودانيين قيلت قصائده في مناسبات مختلفة، فهاهو الشاعر عمر الصديق الأزهري(7)، بعد أن أحيل على المعاش، يناشد الوزارة أن تهتم بالموظفين المعاشيين وتساهم في تخفيف أعباء المعيشة عنهم بحسبانها هي المسؤولة عنهم، والقصيدة بعنوان (كيف البصارة؟) والبصارة هي الحيلة والمعالجة:
عليك، عليك شرعا يا وزارة *** بتوجيه اهتمامك للفتارى(8)
عليك بنظرة لابد منها *** إليهم مرة في كل حاره
لإرباب المعاش عليك حق *** رعايتهم فإنت لهم إداره
بتوفير الغذاء لهم إذا ما *** أرادوا الخبز أو قصدوا الجزاره(9)
وتوفير الرغيف لهم رخيصا *** كبيرا مستديرا مثل طاره(10)
ولا داعي لفاكهة وحلوى *** ولا داعي لكيف أو سجاره
قليل سوف يكفيهم ويعطي *** لهم ما ضيعوه من حراره
هم احترقوا وأفنوه شبابا *** مع الإنجاز في غرف الوزاره
ومنهم من تفانى في اجتهاد *** بأقسام المصالح في مهاره
مع التجوال من بلد لأخرى *** على سفر وقد ذاقوا مراره
لقد كذب الذي قد قال منهم *** سأعمل في التجارة والنجاره
هم الفقراء في الدنيا فهلا *** وجدنا يامدير لهم بصاره؟
بين شاعرين:
ويورد الأستاذ عبدالحميد محمد أحمد صاحب كتاب (الدعابة والمرح في الشعر السوداني) قصة طريفة وقعت بين شاعرين كبيرين هما مصطفى أبو شرف(11) وحسن زيادة(12)، وكلاهما أغنى ديوان الشعر السوداني بالطريف الممتع، والقصة أن الشاعر أبو شرف تجاوز أصدقاءه الشعراء في الدعوة لوليمة زواج ابنه زهير، ولم يدع أصدقاؤه هذا الأمر يمر بلا مناوشات وزوابع، وكانت أول الغيث القصيدة التي أرسلها الشاعر حسن زيادة، وقد جاء في ديباجتها: (لكل عالم هفوة، ولكل جواد كبوة، وهفوة الأدباء بلقاء، وكبوة العارف نكراْء، ولقد هفا بالأمس البليغ، وكبا الجواد (أبو شرف) فليحمل نتائج هفوته وعيار كبوته، وللأستاذ الكبير الذي أماط اللثام عما تستر عليه وأخفاه صديقنا الجهبذ عن الكثيرين من أصحابه وأحبابه وافر الحمد والثناء، وليس أمام الأخ أبو شرف الآن مهما أوتي من معاذير غير الاستغفار والتكفير الذي لا يملك من أدواته الإ الصوم، فما بينه وبين العتق والفداء ما بين الأرض والسماء، وعلى نفسها جنت براقش).
ثم أرسل قصيدة طويلة طرحت قدرا من الملام، ثم الوعيد، وتجنيد الأصدقاء لحربه. يقول في بعض أبياتها:
ماذا دهاكم إذ نسيتم صحبكم *** والأمر أمرهمو وأنت لهم طرف
وزهير ليس بابنكم من دونهم *** إن كنت حقا بالأديب المعترف
ما لهم لم يسمعوا بزفافه *** وهو الذي في القلب محتل الغرف
هل أشعب قد جركم لفريقه *** فغدا الأديب إلى الأديب بمنحرف
قد كان حاتم أسوة لو شئتم *** لكنه أثر السنين بل الخرف
وزهير أرجو أن ينال لسعده *** ويجيء بالأشبال أمثال التحف
من كل قعناس وكل سميدع *** يفري كما أفرى الجدود أولي الشرف
وكان رد أبو شرف أيضا بقصيدة طويلة يستعطف فيها الشاعر زيادة ويعده ببعض الهدايا، بدأها قائلا: إلى الكبير والكاتب النحرير الذي أعاد لنا وحلق بنا بأدب المقامات الأصيل ونفى كل زائف ودخيل أبعث له بهذه الأبيات العرجاء ليتقبلها صاحبي بسخاء والتي لم ترفعه إلى فوق فهي من الوفاء في خوف، يقول في بعض أبياتها:
يا (زيادة) وأنت أعلم بالذي *** بيني وبينك يا أبا الأشبال
أو هكذا تمضي وترمي صاحبا *** بالأشأمين: البخل والإهمال
لا تسمعن للعاذلين ومكرهم *** فالعاذلون ومكرهم لزوال
إني ساطلب إن رأيت خريدة *** يدها، وأنت مع الصحاب حيالي
والمن منك والجهاز وسعره *** غال ولكن الجميل يغالي
حتى تفوز من الشريف بكسوة *** تنسيك ما قد فات من آمال
فإذا سمحت على العريس غداؤنا *** وعلى أبيه الشعر للأبطال
هاتوا الجهابذة الكرام ومعشرا *** نظموا القريض وكبروا لنزال
حتى أعود كما عهدتم سيدا *** طلق اليدين بوجهه المتلالي
جيلي يؤنبني لفرط وفائه *** أكرم بجيلي سيد الأجيال
وجاء رد الأستاذ حسن زيادة بعد مقدمة نثرية طويلة أثنى فيها على شاعرية أبو شرف ووفائه لعهوده مع أصحابه وكرمه وجوده، ومنها:
أبا شرف خلاك الدهر ذم *** فأنت الفرد في حل وحال
وحاشا أن يكون هناك لؤم *** وأنت النسر في أعلى الجبال
ولكن للصحاب عليك حق *** وأنت الحر محمود الخصال
فاطعم ما استطعت ولا تبالي *** عديد الذبح من أغلى الجمال
وجدك أطعم الأطيار يوما *** ومن جارى الجدود فلا يبالي
زائرة المتنبي:
وكتب الشاعرعمر الصديق الأزهري أيضا إلى أحد أصدقائه يلومه على عدم زيارته له في أثناء مرضه بالحمى بقصيدة طويلة، يقول فيها:
لو كنت تسأل عن صديقك كنت تعرف يا زميل
إن (الأغر)(13) على مرض ما كان في سفر طويل
فوق السرير مسهد الأجفان ذو جسم هذيل
زارته زائر الظلام بأهلها قبل الأصيل
غارت عليه بدائها، فإذا به يمسي عليل
لو كان ذا مال لزرت مكانه بالمستحيل
وسألت عنه الآل والأصحاب توا يا (زويل)(14)
وهرعت نحو مكانه حتى لو كانت (أويل)(15)
الناس عندكم نقود، والنقود هي الخليل(61)
لا خوة في الله أو في الدين ترجى من ضئيل
الامتحان:
وللشاعر مصطفى طيب الأسماء(17) قصيدة طريفة يصف فيها حال طلاب إحدى المدارس (مدرسة التجارة الثانوية) في أحد الامتحانات، وكان ذلك في عام 1957م، وكان الشاعر يراقب الفصل في ذلك الامتحان، فرسم صورة صادقة لحال الطلاب خلال ساعات الامتحان، يقول الشاعر:
ولقد وقفت مراقبا *** فرأيت مختلف الصور
بعض يعض أناملا *** حيران من طول الفكر
وفتى تلفت ذاهلا *** وكأنما زاغ البصر
وفتى يحك الرأس لا يدري *** وقد كلّ البصر
وفتى يكب على الصحيفة *** وهو (يشطب) ما سطر
خفقت قلوب بالمنى *** وهفت قلوب بالحذر
فإذا نظرت رأيت أصناف *** التلهف والعبر
فالدرج يضرب دون شيء *** والأكف على الشعر
والرجل تخبط في البلاط *** وذاك كرسي يصر(18)
والكلمة الحمقاء جاشت *** في الحلوق بلا مفر
وفتى يسائل نفسه *** وفتى تطلع للخبر
وزيادة متضاحك *** من غير معجبة تسر
ولعله قد هاجه *** شجن قديم مستسر
وفتى يهز الرأس في *** همس ويسهر يدكر
وخياله قد طاف في *** آفاق لندن في سفر
أعياه طول طوافه *** فهوى ليلمح ما سطر
ولقد بدا في وجهه *** شبح الإجابة واختصر
لكنه لا يستقر *** ولا يركز في البصر
والامتحان بلية *** يا ليته لم يبتكر
إثبات الحياة:
وصبّ أحد الشعراء جام غضبه على مصلحة المعاشات التي طالبته بشهادة يثبت بها أنه حيّ يرزق حتى توافق وتصرف له المعاش، وقد استنكر الشاعر تمسك الإدارة بهذا الروتين القاتل وهذا الطلب الغريب من رجل يقف أمامها بلحمه وشحمه وهي بعد كل ذلك تطالبه بما يثبت أنه حيّ يرزق حتى ينال معاشه:
أثبت أحييكم وأعلن أنني *** مقيم على قيد الحياة شديد
ولازلت أسعى للرغيف(19) مبكرا *** وفي البيت أني هانيء وسعيد
أكابس(20) في الباصات حتى كأنني *** شباب فتى في الدفاس(21) عنيد
أثبت وفي كفي شهادة ضابط *** من المجلس المطلوب وهو شهيد
وإني لأدعو الله أن يحفظ القوى *** ويمنحني عمرا مداه بعيد
أعيش به حتى أرى الكون زاهيا *** تكنفه عيش أغن رغيد
وأرجو لكم نعمى وعيشا ممهدا *** وعافية فيها هنا وسعود
ضرتان:
وهذه قصيدة في تعدد الزوجات كتبها الشاعر المربي خليل محمد عجب الدور، يصف فيها حال من تزوج بزوجتين، يقول فيها:
أقول لمن تزوج باثنتين *** حماك الله كيد الضرتين
فإن مشاكل الزوجات تعزى *** لأسباب تشيب المفرقين
وألفاظ تكاد تسيل منها *** على مضض دموع المقلتين
وكم زوج من الأزواج أضحى *** يعاني من شقاق الزوجتين
غدا وكأنه فار هذيل *** أسير بين أشرس هرتين
أقول لكل من أمسى حزينا *** وأصبح بائسا صفر اليدين
أقول له أيا ابن العم قولا *** صريحا موجزا في جملتين
تغرب في الديار لجمع مال *** به تحظى بأكرم زوجتين
تزوج خير غانية بحلفا *** وأخرى في النهود أو الضعين(22)
ومن يظفر بذات الدين حتما *** يعش طول الحياة قريرعين
القافية الأجنبية:
وتفنن شعراء الفكاهة في التلاعب بالقوافي فوضعوها كاملة بلغة الفرنجة، ووضع بعضهم كلمة إنجليزية تكمل الكلمة العربية لتأتي القافية موزونة رنانة، ومن ذلك قصيدة الشاعر ابن عمر(23) والتي جاءت بعنوان (عظيم المكرمات)، يقول فيها:
سوف أمضي في غد أو بعده *** فوداعا يا عظيم المكر mat
فأرسل الشيك سريعا يافتى *** وارحني من عظيم الطلـ bat
ثم خذه وارحني يا فتى *** فجميع الفضل من نحوكat
الشعر والحرب:
ولم ينس الشاعر السوداني الشعر والحرب دائرة الرحى، ولم تفته الفكاهة تحت قذف المدافع وانفجار القنابل، فقد تلقى الشاعر الصاغ محمود أبوبكر(24) من أحد اصدقائه، وهو الشاعر إبراهيم عمر الأمين، قصيد طويلة يعاتبه فيها على سكوته من الكتابة إليه، على الرغم من علمه أن الشاعر في ميدان القتال، ومن هذه القصيدة:
يا نسر، هل لك في سكوتك مأرب *** أم بت تفصح بالسكوت وتعرب
والأذن قد صدئت وصبري قد ذوى *** والنفس حائرة وعيني تسكب
والقلب خفاق، بذكرك هائم *** والوجد غلاب وشوقي أغلب
فيم السكوت، وكلنا متشوق *** ياخير من يملي القريض ويكتب
فيم السكوت، وأنت أفصح من له *** فكر عجيب، للحقائق منجب
ملكت عليّ النفس منك مكارم *** وخلال محمود ترقّ وتهذب
وتواضع أسر القلوب فأصبحت *** توليك إخلاصا وودك تخطب
ووداعة لو أودعت قمر الدجى *** لغدا لأذيال التطاول يسحب
ومنها أيضا:
ذكر ففي الذكرى على آلامها *** طعم كطعم الشهد بل هو أطيب
ارجع إلى الماضي بلحن مفرح *** كم بت للماضي أحن وأرقب
وأعد لي الماضي وسالف صفوه *** أرجعه في صور تروق وتخلب
واساله ذاك الطيف يرجع مرة *** فيعود ذا شجن غدا يتقلب
يا شاعرا ملأ النفوس هداية *** في رقة تبدو وعود أصلب
ولم يمنع الشاعر المقاتل دوي المدافع والراجمات، وهو في الخطوط الأمامية أن يرد على صديقه الشاعر ببرقية جاء فيها:
وصلت رسالتك التي *** أرسلتها … لله درك
فذكرت منها خير ما *** أنسيته فأجاب ذكرك
ورأيت منك تعلقا *** بحديث مصر فتلك مصرك
حافظ على شوقي ونبئني *** لماذا عيل صبرك؟
الشاعر الخامس:
ويورد السيد الصادق المهدي (52) في كتابه (الفكاهة ليست عبثا) قصة أحد أبناء أمراء المهدية، وكان الأمير متشاعرا يؤلف قصائد المدح والهجاء، وقد مدح عددا من أمراء المهدي وخلفائه، فمدح ذات مرة السيد إسحاق محمد الخليفة شريف(26)، والسيد إسحاق كان شاعرا، ولم تعجبه القصيدة فسماه خامس الشعراء، مضيفا وصفا خامسا للشعراء الأربعة المعروفين في الأبيات المشهورة، وهم:
الشعراء في الزمان أربعة:
شاعر يجري ولا يجرى معه
وشاعر يخوض وسط المعمعة
وثالث لا تشتهي أن تسمعه
ورابع لا تستحي أن تصفعه
وأضاف السيد إسحاق:
أما الأمير فضع عليه البردعة(27)
وأرفع هراوتك الثقيلة والبعه(28).
لا تنتحر:
وقال الشاعر عمر الصديق الأزهري مخاطبا أحد المواطنين كان قد شرع في الانتحار متسلقا مبنى البريد والبرق، وقد ورد هذا الخبر في صحيفة (الصحافة) الصادرة بتاريخ 24/8/1976م، وقد طلب الشاعر من المنتحر ان يضحك للدنيا حتى تضحك له، ولا يستعجل الموت فإنه آت لا ريب فيه، يقول الشاعر في القصيدة التي جاءت بعنوان: (لا تنتحر):
دون التسلق في المباني والتشبث بالخطر
ستموت، طال العمر يوما أو قصر
ما هكذا عرض المطالب والمشاكل والضجر
إن الحياة عزيزة والعمر فيها مختصر
والمرء فيها سائر يجني بها خيرا وشر
لا يدري أين قراره، فالله أدرى بالبشر
عش في الحياة مفرفشا وانس الكآبة والضجر
وأفرح وغن وانتش وانشد بالحان السمر
فاصبر فللآجال يوم ضمن أيام الدهر
هجاء ومدح وعتاب:
وقد حدثت لي قصة طريفة مع أخي ورفيق دربي الأستاذ الدكتور إبراهيم القرشي عثمان(29)، وكان ذلك في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، فقد هاجر الأخ إبراهيم إلى أرض الحرمين الشريفين للعمل في التدريس وتركنا في السودان في الوظيفة التي ما كان مرتبها يفي بأقل القليل من متطلبات الحياة، وكنت دائما أكتب للأخ إبراهيم وأطالبه بإرسال عقد عمل حتى أخرج من هذا الضيق الذي أعانيه، ولم أكن أعرف الظروف التي كان يمر بها الأخ إبراهيم، ويبدو أنني أغلظت عليه في إحدى رسائلي، فجاء الرد هذه المرة بقصيدة طويلة فيها من الهجاء والمدح والعتاب وشرح الحال الكثير، والأخ إبراهيم رجل يمتلك ناصية البيان وهو شاعر وأديب وكان الإخوة في المكتب ينتظرون رسائله على أحر من الجمر، إذ كانت هذه الرسائل عبارة عن قطع نثرية في غاية الروعة، أو قصائد شعرية تحمل من الدعابة والفكاهة ما يريح النفس ويسر الخاطر، ولم يكن العالم يومها يعرف الواتساب أو الإيميل أو غير ذلك من الوسائط الإعلامية التي جعلت من العالم الآن قرية صغيرة، فقد كنا ننتظر البريد بفارغ الصبر، ومازلت احتفظ بهذه الرسائل، شعرها ونثرها، بعد أن مضى عليها أكثر من ثلاثين عاما، يقول الشاعر بادئا بالهجاء:
مازلت أجوف من طبول الشلك(30) في أرض الجنوب(31)
مازلت تنفخ (كالورالة)(32) حين تخرج في الدروب
كالهر يحكي، حين يفزع، صولة الليث الغضوب
و(بهرشة)(33) (الجعلي)(34) تحسب أننا خوفا نذوب
ما يفتأ (الجعلي) يحسب أنه بطل الشعوب
هذا (التجعول) (35) كم يدل على خواء في القلوب
***
ما زال قلبي بالمداد على رسائلكم .. يذوب
ويظل شخصكم الحبيب على معالينا كذوب
يا أيها المحبوب يا ودا تأصل في القلوب
أنت الشريك إذا المسرة والمعين على الكروب
يا أيها المنعوت بالرأي السديد لدى الخطوب
من خصنا بوداده مولاي علام الغيوب
كيف التعالي للعيون على الحواجب والهدوب
ما الشغل؟ أنتم شغلنا بفراقكم كدنا نذوب
والله لولا لقمة كتبت لنا ومنى ضروب
ما كان حب الأرض تغلبه ثقوب في الجيوب
***
أقسمت بالبيت الذي تهوي له كل القلوب
للخبز بالماء الزلال بأرضنا عسل يطيب
لهفي على نيل يفيض كأنه عين الغريب
يجري ويرقب وقت أوبتنا ويسأل هل نؤوب
سالت على شطيه أفياء الغصون مع الغروب
عجلى تقبل صفحتيه تقول قد أزف المغيب
وتجيش في لحن النسيم عرائس السدر الرطيب
والجو يعبق بالشذى حتى كأن الماء طيب
صور تذوب لطافة ولكم لها نفسي تذوب
***
قلبي على قومي تقطع حسرة وقضى وجيب
أصواتهم لحن سماوي وإيقاع طروب
ووجوههم ما البدر حين يبدد الليل الرهيب
عمرت مجالسهم بذكر الله والطهر العجيب
نفسي وما ملكت يداى فدى لهم مما ينوب
***
يا ويح نفسي من يقين النفس في الأمل الكذوب
ما زلت أبني صرح آمالي على شكل غريب
وقطعت خامسة السنين وما اشتريت (أليف طوب)(36)
ابني به سقفا يكن إذا تناوحت الجنوب(37)
ويلم شمل بني، يؤويهم، إذا طرقت شعوب(38)
***
وتظل تطرق في جنون ذلك الوتر العجيب
حتى كأن أخاك يرفل في ذرا عيش رحيب
ينسيه أيام الصفاء وذلك العهد الحبيب
خدعتك حالي وهي لا تخفى على فطن لبيب
لا تنفع الشكوى من الدنيا ولا يجدي النحيب
فالداء شق على السقيم وعائديه والطبيب
فارفق، رعاك الله، واستبق المودة في القلوب
خاتمة:
هذا قليل من كثير يمكن أن يكتب في هذا الموضوع، ومازال الجانب الأكبر من هذا النوع من الشعر حبيس الأدراج وبعضه في الصدور والبعض الآخر رحل مع أهله للدار الآخرة، وأتمنى أن يكون في ذلك ردا على بعض الباحثين السودانيين وسواهم ممن الصقوا بالسوداني صفة العنف والتقطيب والبعد عن الرقة، وأهملوا صفات أخرى كثيرة انفردت بها الشخصية السودانية وأصبحت علامة مميزة لها، وهذا الحال ليس لدى السودان أو السودانيين فقط، بل قد جرى ذلك على كثير من الأمم والشعوب، إذ درج البعض على اختزال صفة أو سمة واحدة سلبية كانت أو إيجابية لبعض الأمم وأصبغها على الجميع وأهمل بقية الصفات الأخرى، مثل وصف الإنجليز بالبرود، والأسكتلنديين بالبخل، والايرلنديين بالغباء، والألمان بالتعصب، والإسبان بالعنف، والسويسريين بالدقة، واليابانيين بالتهذيب، والسودانيين بالكسل إضافة إلى الحدة في الطبع وسرعة الغضب.
الهوامش:
(1)عبدالحميد محمد أحمد: ولد بالخندق شمال السودان عام 1947م، وتخرج في جامعة أم درمان الإسلامية 1972م، ونال درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية من جامعة إفريقيا العالمية، والدكتوراه في العلوم السياسية، كما نال دبلوم فوق الجامعة من القاهرة عام 1975م.وتقلد عددا الوظائف في وزارة الثقافة والإعلام، كما نال عضوية عدد من الهيئات العلمية والأدبية والثقافية، ورأس تحرير عدد من الدوريات الأدبية والثقافية. وتبلغ مؤلفات الدكتور عبدالحميد أكثر من 250 مؤلفا في شتى أنواع المعارف، ولم ير منها النور سوى سبعة وسبعون كتابا. (من حوار صحفي أجري من الدكتور عبدالحميد في صحيفة الانتباهة بتاريخ 23 ديسمبر 2014).
(2) الفكاهة ليست عبثا.
(3) المساجلات الشعرية بين الشاعرين عبدالحليم علي طه ومحمود الفكي.
(4) الإخوانيات في الشعر السوداني.
(5) من رواد أدب الفكاهة في السودان.
(6) النور إبراهيم: ولد بمدينة الدويم عام 1910م، وتلقى تعليمه الأولي والأوسط بالخرطوم ورفاعة، وواصل تعليمه حتى تخرج في كلية غردون التذكارية عام 1931م، وبعد التخرج انخرط في سلك التعليم حيث عمل مدرسا بالدويم وفي الدويم نفسها اختار العمل بـ (بخت الرضا)، فكان من المساهمين في إعداد برامج المدارس الأولية، ثم برامج تدريب المعلمين، وتحول في عام 1937م ليعمل مدراسا أولا بكلية المعلمات بأم درمان وظل فيها نحو عشرة أعوام، وابتعث خلال هذه الفترة إلى إنجلترا مدة عام (47 _ 1948م)، وعمل بعد عودته من إنجلترا في عدد من الوظائف في سلك التعليم).
(7) عمر الصديق عمر الأزهري: ولد بمدينة رفاعة عام 1937م وتلقى فيها تعليمه الأولي والأوسط، ثم التحق بمدرسة البريد والبرق بأم درمان، وعمل بعد التخرج في مجال البريد والبرق حتى عام 1965م، تحول بعد ذلك إلى مصلحة الطيران المدني فالتحق بمعهد الطيران بالخرطوم، ثم واصل دراسة الطيران بالقاهرة، وظل يعمل في مجال لاسلكي الطيران حتى تقاعد بالمعاش الاختياري عام 1989م. وهو من أسرة اشتهر كثير من أفرادها بقرض الشعر، فهو شاعر، وابن شاعر، وعمه شاعر.
(8) الفتارى: فتر: لانت مفاصله وضعفت، وفتارى: تعابى.
(9) الجزارة: جزر: نحر، والجزّار: الذبّاح، والجزارة حرفته، والجزر: مكان يبيع اللحم.
(10) طاره: آلة كالدف كبيرة ومستديرة قد يبلغ قطرها أكثر من ثلاثين سم.
(11) مصطفى محمد حسن أبوشرف: ولد بالخرطوم في عام 1917م، وانخرط في سلك التعليم ابتداء من الخلوة حتى تخرج في كلية غردون التذكارية عام 1936م، وفي عام 1937م التحق بالعمل في حسابات السكة الحديد وبقي فيها حتى عام 1941م، اتجه بعدها إلى العمل في التعليم الأهلي استجابة للنداء الذي وجهه مؤتمر الخريجين والذي كان يدعو إلى الانخراط في سلك التعليم الأهلي لتوسيع الفرص للطلاب للحاق بركب العلم، وكان من نصيب أبوشرف الذهاب إلى مدرسة مدني ناظرا لمدرستها الوسطى الأهلية، وقد شهدت التعليم الأهلي في عهده توسعا كبيرا.
(12) حسن زيادة محمد صلاح: ولد بأم درمان عام 1909م، وتخرج في كلية غردون عام 1930م، وعمل محاسبا بوزارة المالية، ومساعدا للمراجع العام، ثم مراقبا ماليا لشركة الصمغ العربي، وقد عمل الأستاذ زيادة في عدد كبير من مدن السودان، كما عمل خارج السودان (أديس أبابا)، وكان عضوا في جمعية أبي روف الأدبية.
(13) الأغر: لقب يطلق الشاعر.
(14) زويل: تصغير كلمة (زول)، وهي كلمة سودانية معروفة وعربية فصيحة لها ثمانية عشر معنى في لسان العرب، وتعني إنسان أو شخص.
(15) أويل مدينة بجنوب السودان.
(16) الخليل: هو الصاحب.
(17) مصطفى طيب الأسماء: ولد في عام 1944م في قرية أبي شنينة بالنيل الأزرق، وتخرج في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم حصل على دبلوم كلية التربية من جامعة عين شمس، وعمل في جميع مراحل التعليم بالسودان، وفي جامعة أم درمان الإسلامية، وجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، إضافة إلى عمله محررا ومراسلا لعدد من الصحف السودانية. وشغل الشاعر مصطفي طيب الأسماء عضوية عدد من المؤسسات العلمية والأدبية منها: اتحاد الأدباء السودانيين، والمجمع اللغوي السوداني، ومجلس جامعه القرآن الكريم، كما شغل منصب نائب الأمين العام لهيئة علماء السودان، وهو مؤسس جماعة الضاد، وله عدد من المؤلفات في اللغه والأدب والدراسات الدينية والثقافية. وتوفي عام 2003 م.
(18) يصر: يحدث صوتا.
(19) الرغيف: الخبز.
(20) أكابس: أزاحم، والمكابسة ومزاحمة الناس بلا ذوق.
(21) الدفاس: استعمال القوة وسط جمهرة من الناس.
(22) حلفا: مدينة في أقصى شمال السودان، والنهود والضعين: مدن في غرب السودان.
(23) حسن عمر الأزهري (ابن عمر): ولد بمدينة أم درمان عام 1892م، وتلقى تعليمه الأولي بالخلوة وفيها حفظ القرآن الكريم، ثم واصل تعليمه حتى تخرج في كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم فيما بعد) عام 1917م، ثم عمل بالتدريس في المدارس الابتدائية وجاب العديد من قرى السودان ومدنه حتى أحيل على المعاش عام 1949م، وقد أطلق عليه لقب (هري) وهي نصف (أزهري). وكان مشهورا من خلال بابه الراتب الذي كان يحرره في صحيفة (السودان الجديد)، وكان هذا الباب يحوي شعرا فكها يطرق كل باب.
(24) الصاغ محمود أبوبكر حسن: ولد بمدينة بور بمديرية أعالي النيل في عام 1908م، وهو من قبيلة الحلنقة بشرق السودان، وقد لقب بالنسر. تلقى تعليمه الأولي بمدرسة عطبرة الأمريكانية، والأبيض، ووادي حلفا متنقلا مع أسرته إذ كان والده ضابطا قي قوة دفاع السودان، وتخرج في كلية غردون التذكارية عام 1933م، وبدأ حياته العملية مترجما بالسكة الحديد في عطبرة، ولكنه استقال منها وإلتحق بالجيش كطالب حربي حيث تخرج ضابطا حربيا عام 1937م. اشترك في الحرب العالمية الثانية وكان يحارب في صحراء شمال إفريقيا، ثم انتقل إلى الشرق ليحارب في الجبهة الإرترية والحبشية. له عدد من الأناشيد الحماسية ومن أشهرها (صه يا كنار)، وله ديوان شعر مطبوع بعنوان (أكواب بابل من السنة البلابل).
(25) الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي: سياسي ومفكر، ولد بأم درمان في 25/12/1935م، وتخرج في جامعة أكسفورد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1957م، ونال درجة الماجستير في الاقتصاد من الجامعة نفسها. أنتخب رئيسا لحزب الأمة عام 1964م، وتولى رئاسة الوزارة أول مرة عام 1966م مدة عشرة أشهر فقط، ثم تولى رئاسة الوزارة مرة أخرى عام 1986م وحتى يونيو عام 1989م. له العديد من المؤلفات السياسية والفكرية، منها: (مسألة جنوب السودان) عام 1964م، و(يسألونك عن المهدية) عام 1974م، و(مستقبل الإسلام في السودان) عام 1974م، و(العودة من تهتدون إلى تعلمون)، وغيرها من المؤلفات.
(26) إسحاق محمد الخليفة شريف: (1923 _ 1993م): ولد بمدينة أم درمان وبها توفي، وتخرج في كلية غردون التذكارية عام 1945م، وفي جامعة أكسفورد عام 1949م، وفي جامعة دبلن عام 1951م، كما نال دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية من جامعة باريس عام 1959م. وعمل مترجما برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من عام 1973م وإلى عام 1985م، وله ديوان شعر بعنوان (زهر وقفر)، صدر عن دار الريحاني ببيروت عام 1956م، إضافة إلى عدد من القصائد نظمها باللغة الإنجليزية.
(27) بردعة: حشية تلقى على ظهر الدابة بغرض إراحة الراكب.
(28) البعه: لبع: ضربه على قفاه بكفه.
(29) إبراهيم القرشي عثمان: ولد بمدني في 1955م، وتخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم عام 1980م، وعمل أستاذا بها وبجامعة الملك سعود بالرياض، كاتب وشاعر. له أكثر من عشرة مؤلفات منها: (عادات سودانية أصولها عربية)، و(المقارنة بين امرىء القيس والحاردلو). وزير سابق، ورئيس مجلس أمناء جائزة الأدب النبوي، وعضو المجمع اللغوي بالسودان ورئيس دائرة اللهجات السودانية. يعمل حاليا أستاذا بكلية اللغات والترجمة جامعة الرباط الوطني.
(30) الشلك: قبيلة في جنوب السودان.
(31) الجنوب: المقصود به جنوب السودان قبل الانفصال.
(32) الورالة: جمع ورل، وهو دابة على خلقة الضب أعظم منه، طويل الذنب دقيقه.
(33) هرشة: هرشه: أخافه بالكلام.
(34) جعلي، منسوب إلى قبيلة الجعليين، وهي قبيلة عربية ينتسب أفرادها إلى جدهم العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، وقد عرفوا بالشجاعة والكرم والاعتزاز بالنفس.
(35) التجعول: ادعاء الانتساب إلى الجعليين.
(36) أليف طوب: أليف: تصغير الرقم ألف، والطوب مادة من الطين المحروق يصنع في شكل قوالب مستطيلة ويستعمل في بناء المنازل.
(37) تناوحت الجنوب: صوت الريح وحنينها.
(38) طرقت شعوب: أدركتني المنية أو الموت.
المراجع:
1_ الشخصية السودانية في عيون صفوتها / أسئلة وتحرير: عمرو منير ._ الخرطوم: دار عزة للنشر والتوزيع، 2010م، 228ص.
2_ الشخصية السودانية: المكونات والمؤثرات والسمات (محاولة في النقد الذاتي) / عبدالوهاب أحمد عبدالرحمن ._ الخرطوم: جامعة المغتربين، 2011، 478 ص.
3_ الإخوانيات في الشعر السوداني / عبدالحميد محمد أحمد ._ الخرطوم: الدار السودانية للكتب، 1422هـ / 2002م، 352 ص.
4_ الفكاهة في الشعر السوداني / عبدالحميد محمد أحمد ._ الخرطوم: دار عزة للطباعة والنشر، 2003م، 229 ص.
5_ الدعابة والمرح في الشعر السوداني / عبدالحميد محمد أحمد ._ الخرطوم: دار عزة للطباعة والنشر، 2003م، 215 ص.
6_ ديوان شعر خواطر / حسن زيادة ._ الخرطوم بحري: دار الحكمة للطباعة والنشر، د.ت، 24ص.
7_ الفكاهة ليست عبثا / الصادق المهدي ._ الخرطوم: دار عزة للنشر والتوزيع، 2007م، 203 ص.
8_ من رواد أدب الفكاهة في السودان / عبدالحميد محمد أحمد ._ الخرطوم: دار عزة للطباعة والنشر، 2003م، 253 ص.
9_ المساجلات الشعرية بين الشاعرين عبدالحليم علي طه ومحمود الفكي (1935 ـ 1956م) ._ تقديم وتحقيق:عبدالمجيد حاج الأمين ._ أم درمان: مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، 2012م، 210 ص.
(10) قاموس اللهجة العامية في السودان ._ ط 2/ عون الشريف قاسم ._ القاهرة: المكتب المصري الحديث، 1405هـ/ 1985م، 1251ص.
وقد عرف العرب هذا النوع من الأدب منذ أقدم العصور، فجاءت كتبهم مفعمة بصنوف الفكاهة، ولو حاولنا أن نحصي الكتب التي تناولت الفكاهة في الأدب العربي لعجزنا عن ذلك، فالبيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، ومحاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني، والمستظرف في كل فن مستطرف لشهاب الدين الأبشيهي، وغيرها كثير من كتب الأدب يقع الأدب الفكاهي بين طياتها. فالفكاهة أمر مطلوب، وهي تعد من (ضمن حاجات الإنسان الترويحية إن أغفلها الإنسان أو أقام حياته على الصرامة والعبوس فإنه حتما يخلق توترا نفسيا واجتماعيا رهيبا)(2).
وليس الأدب السوداني بدعا في ذلك، فقد كان هذا الضرب من الأدب معروفا ومتداولا بين الناس حتى قبل استقلال السودان خاصة بين تيارين: الاستقلال أو الاتحاد مع مصر، وكان يكتب باللغتين العربية الفصحى والعامية السودانية، ولعل أشهر مثال على ذلك ما حدث بين شاعرين كبيرين هما الاستقلالي عبدالحليم علي طه، والاتحادي محمود الفكي، وكانا صديقين حميمين لم يفسد الاختلاف السياسي بينهما للود قضية، وقد صدر مؤخرا كتاب يوثق لهذه المساجلات التي دارت بين الشاعرين الكبيرين(3).
وقد عرف هذا النوع من الشعر طريقه إلى المجتمع السوداني مع ظهور الصحف والمجلات السودانية حين بدأت في ترجمة حال المجتمع السوداني ونشر آدابه وفنونه منظومة ومنثورة، ولعل مما منع ظهور هذا النوع من الأدب قبل ذلك هو صعوبة النشر، إذ كان يصعب على الفرد أن يطبع كتابا على نفقته الخاصة، مما أتاح للصحف والمجلات الفرصة في نشر هذا الأدب وذيوعه.
ولعل الشعر في السودان في عمومه ما زال مخطوطا، وما نال حظه من الطباعة منه جزء يسير حتى قيل أن الشعر السوداني لم يطبع بعد(4)، والشعر الفكاهي على رأس القائمة، والأسباب كثيرة ومتعددة، فمنها أن بعض الشعراء كانوا يكرهون الأضواء فابتعدوا بانتاجهم الشعري تواضعا، وبعضهم حاولوا إنكار ما نظموه لاخوفا من أحد، ولكن خجلا لانتقالهم بنظام حياتهم من تلك التي كانت إلى تصوف وتعبد وزلفى إلى الله فمزقوا تلك الترهات التي كتبوها في زمن مضى، ثم أن هنالك بعض الشعراء جمعوا كل ما كتبوا وقاموا باحراقه لسبب غير معروف، إضافة إلى أن هناك فئة من الشعراء كانوا يكتبون لأنفسهم فقط ولا يبرزونه إلا في دائرة ضيقة تكون قاصرة على بعض الخواص. كذلك كان بعضهم لا يكتب اسمه الحقيقي بل كان يرمز إليه بالأحرف الأولى، أو يتخذ لقبا يكتب تحته مما صعب مهمة الباحثين في الأدب والتراث من تتبع مصادر هذه الأشعار والوصول إلى قائلها الحقيقي، ولعل لهذا التعتيم أسباب كثيرة قد تكون اجتماعية أو سياسية أو غيرها.
لقد عالج هؤلاء الشعراء سوء الحال، وعجز المرتب عن الإيفاء بمتطلبات الحياة، وزحمة المواصلات، ومصائب الامتحانات، والإحالة على المعاش، وتكاليف الحياة ونكدها وويلاتها المتلاحقة، وغير ذلك في قوالب فنية جميلة بعيدة عن الإسفاف أو الخروج عما تعارف عليه المجتمع من قيم نبيلة، وهؤلاء الشعراء هم أنفسهم، (باسمائهم أو برموزهم قالوا القصيد حرا طليقا، وبعضهم قاله مشطرا، ثم قالوه فصيحا مبرأ من قيود العامية، وآخرون جنحوا للعامية ومزجوها بالفصحى وهم في كل ذلك قد أجادوا الحبكة والتراكيب، وصاغوا من هذا المزج فرحا دافقا راقيا وأدبا يوبه له).(5)
شعراء الكتيبة:
وتطور هذا النوع من الأدب وظهرت له هيئات ومدراس مثل (مدرسة الكتيبة)، وهي مدرسة شعرية ينطلق كل أعضائها، وهم أبناء جيل واحد، من رؤية واحدة، ومنهم الموظف الذي على رأس العمل أو الذي أحيل على المعاش، وقال عنها الدكتور عبده بدوي: (… ولقد حملت لؤاء الهجاء في السودان جماعة تسمى {جماعة حسن بدري} وهو شاعر وصاحب مكتبة في أم درمان، والشرط الوحيد للانضمام إلى هذه الجمعية هو أن يهجو من يرغب في الدخول فيها شاعرا من المنضمين إلى الجميعة، فإذا كان هجاؤه قويا قبل فورا بين الجماعة، وحق له أن يضع شعر الهجاء في مكان خاص بالمكتبة يسمى {درج السفاسف} ليطلع عليه كل من يريد الوقوف على هذا اللون).
وقال عنها أيضا المرحوم النور إبراهيم(6) مؤلف ديوان الكتيبة، وهو ديوان شعر ظريف: (الكتيبة جماعة من الشعراء والغاوين ألّف بين قلوبهم الأدب البريء وقرّب من أهوائهم تباعد سواهم في الحياة الحزبية، فشاقهم من ضروب الأدب الهجاء خاصة، وراقتهم الدعابة البريئة فرارا بنفوسهم من ملق العيش وجفاف الصلات، وبعدا بها عن تلك الحياة الكالحة والأدب المكفهر، وخروجها عن تزمت مفتعل، وجو بغيض تلبد بغيوم الحزبية وأدبها الهزيل مما جعل حياة الأدب فيها خاصة، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج الأديب يده لم يكد يراها).
كذلك ظهر في السنوات الأخيرة نوع آخر من الشعر الفكاهي أطلق عليه اسم الشعر الحلمنتيشي، وقد تعود شعراء حلمنتيش على استعمال ألفاظ غريبة مستخرجة من أصول المفردات بصورة غير مألوفة وربما تخرج عن قاعدة التخريج اللغوي المعمول بها، وهم بذلك إنما يقدمون الجديد في المعنى وفي البناء الكلامي، ولهذا الشعر أيضا رواد ومحبيه، والطريف في الأمر أن الشعر الفكاهي قد وصل حتى للباعة الجائلين الذين يفترشون الأرصفة، فقد درجوا على استعمال نوع من الشعر الفكاهي للترويج لبضائعهم ووصف محاسنها، ورخص سعرها، معتمدين في ذلك على أصواتهم البشرية ومستخدمين مكبرات الصوت في بعض الأحيان. وهذه موضوعات لا يتسع المجال هنا لطرقها، وسوف نتناولها فيما بعد بإذن الله.
كيف البصارة؟:
وسوف نورد هنا بعض النماذج للأدب الضاحك أو الفكاهي لعدد من الشعراء السودانيين قيلت قصائده في مناسبات مختلفة، فهاهو الشاعر عمر الصديق الأزهري(7)، بعد أن أحيل على المعاش، يناشد الوزارة أن تهتم بالموظفين المعاشيين وتساهم في تخفيف أعباء المعيشة عنهم بحسبانها هي المسؤولة عنهم، والقصيدة بعنوان (كيف البصارة؟) والبصارة هي الحيلة والمعالجة:
عليك، عليك شرعا يا وزارة *** بتوجيه اهتمامك للفتارى(8)
عليك بنظرة لابد منها *** إليهم مرة في كل حاره
لإرباب المعاش عليك حق *** رعايتهم فإنت لهم إداره
بتوفير الغذاء لهم إذا ما *** أرادوا الخبز أو قصدوا الجزاره(9)
وتوفير الرغيف لهم رخيصا *** كبيرا مستديرا مثل طاره(10)
ولا داعي لفاكهة وحلوى *** ولا داعي لكيف أو سجاره
قليل سوف يكفيهم ويعطي *** لهم ما ضيعوه من حراره
هم احترقوا وأفنوه شبابا *** مع الإنجاز في غرف الوزاره
ومنهم من تفانى في اجتهاد *** بأقسام المصالح في مهاره
مع التجوال من بلد لأخرى *** على سفر وقد ذاقوا مراره
لقد كذب الذي قد قال منهم *** سأعمل في التجارة والنجاره
هم الفقراء في الدنيا فهلا *** وجدنا يامدير لهم بصاره؟
بين شاعرين:
ويورد الأستاذ عبدالحميد محمد أحمد صاحب كتاب (الدعابة والمرح في الشعر السوداني) قصة طريفة وقعت بين شاعرين كبيرين هما مصطفى أبو شرف(11) وحسن زيادة(12)، وكلاهما أغنى ديوان الشعر السوداني بالطريف الممتع، والقصة أن الشاعر أبو شرف تجاوز أصدقاءه الشعراء في الدعوة لوليمة زواج ابنه زهير، ولم يدع أصدقاؤه هذا الأمر يمر بلا مناوشات وزوابع، وكانت أول الغيث القصيدة التي أرسلها الشاعر حسن زيادة، وقد جاء في ديباجتها: (لكل عالم هفوة، ولكل جواد كبوة، وهفوة الأدباء بلقاء، وكبوة العارف نكراْء، ولقد هفا بالأمس البليغ، وكبا الجواد (أبو شرف) فليحمل نتائج هفوته وعيار كبوته، وللأستاذ الكبير الذي أماط اللثام عما تستر عليه وأخفاه صديقنا الجهبذ عن الكثيرين من أصحابه وأحبابه وافر الحمد والثناء، وليس أمام الأخ أبو شرف الآن مهما أوتي من معاذير غير الاستغفار والتكفير الذي لا يملك من أدواته الإ الصوم، فما بينه وبين العتق والفداء ما بين الأرض والسماء، وعلى نفسها جنت براقش).
ثم أرسل قصيدة طويلة طرحت قدرا من الملام، ثم الوعيد، وتجنيد الأصدقاء لحربه. يقول في بعض أبياتها:
ماذا دهاكم إذ نسيتم صحبكم *** والأمر أمرهمو وأنت لهم طرف
وزهير ليس بابنكم من دونهم *** إن كنت حقا بالأديب المعترف
ما لهم لم يسمعوا بزفافه *** وهو الذي في القلب محتل الغرف
هل أشعب قد جركم لفريقه *** فغدا الأديب إلى الأديب بمنحرف
قد كان حاتم أسوة لو شئتم *** لكنه أثر السنين بل الخرف
وزهير أرجو أن ينال لسعده *** ويجيء بالأشبال أمثال التحف
من كل قعناس وكل سميدع *** يفري كما أفرى الجدود أولي الشرف
وكان رد أبو شرف أيضا بقصيدة طويلة يستعطف فيها الشاعر زيادة ويعده ببعض الهدايا، بدأها قائلا: إلى الكبير والكاتب النحرير الذي أعاد لنا وحلق بنا بأدب المقامات الأصيل ونفى كل زائف ودخيل أبعث له بهذه الأبيات العرجاء ليتقبلها صاحبي بسخاء والتي لم ترفعه إلى فوق فهي من الوفاء في خوف، يقول في بعض أبياتها:
يا (زيادة) وأنت أعلم بالذي *** بيني وبينك يا أبا الأشبال
أو هكذا تمضي وترمي صاحبا *** بالأشأمين: البخل والإهمال
لا تسمعن للعاذلين ومكرهم *** فالعاذلون ومكرهم لزوال
إني ساطلب إن رأيت خريدة *** يدها، وأنت مع الصحاب حيالي
والمن منك والجهاز وسعره *** غال ولكن الجميل يغالي
حتى تفوز من الشريف بكسوة *** تنسيك ما قد فات من آمال
فإذا سمحت على العريس غداؤنا *** وعلى أبيه الشعر للأبطال
هاتوا الجهابذة الكرام ومعشرا *** نظموا القريض وكبروا لنزال
حتى أعود كما عهدتم سيدا *** طلق اليدين بوجهه المتلالي
جيلي يؤنبني لفرط وفائه *** أكرم بجيلي سيد الأجيال
وجاء رد الأستاذ حسن زيادة بعد مقدمة نثرية طويلة أثنى فيها على شاعرية أبو شرف ووفائه لعهوده مع أصحابه وكرمه وجوده، ومنها:
أبا شرف خلاك الدهر ذم *** فأنت الفرد في حل وحال
وحاشا أن يكون هناك لؤم *** وأنت النسر في أعلى الجبال
ولكن للصحاب عليك حق *** وأنت الحر محمود الخصال
فاطعم ما استطعت ولا تبالي *** عديد الذبح من أغلى الجمال
وجدك أطعم الأطيار يوما *** ومن جارى الجدود فلا يبالي
زائرة المتنبي:
وكتب الشاعرعمر الصديق الأزهري أيضا إلى أحد أصدقائه يلومه على عدم زيارته له في أثناء مرضه بالحمى بقصيدة طويلة، يقول فيها:
لو كنت تسأل عن صديقك كنت تعرف يا زميل
إن (الأغر)(13) على مرض ما كان في سفر طويل
فوق السرير مسهد الأجفان ذو جسم هذيل
زارته زائر الظلام بأهلها قبل الأصيل
غارت عليه بدائها، فإذا به يمسي عليل
لو كان ذا مال لزرت مكانه بالمستحيل
وسألت عنه الآل والأصحاب توا يا (زويل)(14)
وهرعت نحو مكانه حتى لو كانت (أويل)(15)
الناس عندكم نقود، والنقود هي الخليل(61)
لا خوة في الله أو في الدين ترجى من ضئيل
الامتحان:
وللشاعر مصطفى طيب الأسماء(17) قصيدة طريفة يصف فيها حال طلاب إحدى المدارس (مدرسة التجارة الثانوية) في أحد الامتحانات، وكان ذلك في عام 1957م، وكان الشاعر يراقب الفصل في ذلك الامتحان، فرسم صورة صادقة لحال الطلاب خلال ساعات الامتحان، يقول الشاعر:
ولقد وقفت مراقبا *** فرأيت مختلف الصور
بعض يعض أناملا *** حيران من طول الفكر
وفتى تلفت ذاهلا *** وكأنما زاغ البصر
وفتى يحك الرأس لا يدري *** وقد كلّ البصر
وفتى يكب على الصحيفة *** وهو (يشطب) ما سطر
خفقت قلوب بالمنى *** وهفت قلوب بالحذر
فإذا نظرت رأيت أصناف *** التلهف والعبر
فالدرج يضرب دون شيء *** والأكف على الشعر
والرجل تخبط في البلاط *** وذاك كرسي يصر(18)
والكلمة الحمقاء جاشت *** في الحلوق بلا مفر
وفتى يسائل نفسه *** وفتى تطلع للخبر
وزيادة متضاحك *** من غير معجبة تسر
ولعله قد هاجه *** شجن قديم مستسر
وفتى يهز الرأس في *** همس ويسهر يدكر
وخياله قد طاف في *** آفاق لندن في سفر
أعياه طول طوافه *** فهوى ليلمح ما سطر
ولقد بدا في وجهه *** شبح الإجابة واختصر
لكنه لا يستقر *** ولا يركز في البصر
والامتحان بلية *** يا ليته لم يبتكر
إثبات الحياة:
وصبّ أحد الشعراء جام غضبه على مصلحة المعاشات التي طالبته بشهادة يثبت بها أنه حيّ يرزق حتى توافق وتصرف له المعاش، وقد استنكر الشاعر تمسك الإدارة بهذا الروتين القاتل وهذا الطلب الغريب من رجل يقف أمامها بلحمه وشحمه وهي بعد كل ذلك تطالبه بما يثبت أنه حيّ يرزق حتى ينال معاشه:
أثبت أحييكم وأعلن أنني *** مقيم على قيد الحياة شديد
ولازلت أسعى للرغيف(19) مبكرا *** وفي البيت أني هانيء وسعيد
أكابس(20) في الباصات حتى كأنني *** شباب فتى في الدفاس(21) عنيد
أثبت وفي كفي شهادة ضابط *** من المجلس المطلوب وهو شهيد
وإني لأدعو الله أن يحفظ القوى *** ويمنحني عمرا مداه بعيد
أعيش به حتى أرى الكون زاهيا *** تكنفه عيش أغن رغيد
وأرجو لكم نعمى وعيشا ممهدا *** وعافية فيها هنا وسعود
ضرتان:
وهذه قصيدة في تعدد الزوجات كتبها الشاعر المربي خليل محمد عجب الدور، يصف فيها حال من تزوج بزوجتين، يقول فيها:
أقول لمن تزوج باثنتين *** حماك الله كيد الضرتين
فإن مشاكل الزوجات تعزى *** لأسباب تشيب المفرقين
وألفاظ تكاد تسيل منها *** على مضض دموع المقلتين
وكم زوج من الأزواج أضحى *** يعاني من شقاق الزوجتين
غدا وكأنه فار هذيل *** أسير بين أشرس هرتين
أقول لكل من أمسى حزينا *** وأصبح بائسا صفر اليدين
أقول له أيا ابن العم قولا *** صريحا موجزا في جملتين
تغرب في الديار لجمع مال *** به تحظى بأكرم زوجتين
تزوج خير غانية بحلفا *** وأخرى في النهود أو الضعين(22)
ومن يظفر بذات الدين حتما *** يعش طول الحياة قريرعين
القافية الأجنبية:
وتفنن شعراء الفكاهة في التلاعب بالقوافي فوضعوها كاملة بلغة الفرنجة، ووضع بعضهم كلمة إنجليزية تكمل الكلمة العربية لتأتي القافية موزونة رنانة، ومن ذلك قصيدة الشاعر ابن عمر(23) والتي جاءت بعنوان (عظيم المكرمات)، يقول فيها:
سوف أمضي في غد أو بعده *** فوداعا يا عظيم المكر mat
فأرسل الشيك سريعا يافتى *** وارحني من عظيم الطلـ bat
ثم خذه وارحني يا فتى *** فجميع الفضل من نحوكat
الشعر والحرب:
ولم ينس الشاعر السوداني الشعر والحرب دائرة الرحى، ولم تفته الفكاهة تحت قذف المدافع وانفجار القنابل، فقد تلقى الشاعر الصاغ محمود أبوبكر(24) من أحد اصدقائه، وهو الشاعر إبراهيم عمر الأمين، قصيد طويلة يعاتبه فيها على سكوته من الكتابة إليه، على الرغم من علمه أن الشاعر في ميدان القتال، ومن هذه القصيدة:
يا نسر، هل لك في سكوتك مأرب *** أم بت تفصح بالسكوت وتعرب
والأذن قد صدئت وصبري قد ذوى *** والنفس حائرة وعيني تسكب
والقلب خفاق، بذكرك هائم *** والوجد غلاب وشوقي أغلب
فيم السكوت، وكلنا متشوق *** ياخير من يملي القريض ويكتب
فيم السكوت، وأنت أفصح من له *** فكر عجيب، للحقائق منجب
ملكت عليّ النفس منك مكارم *** وخلال محمود ترقّ وتهذب
وتواضع أسر القلوب فأصبحت *** توليك إخلاصا وودك تخطب
ووداعة لو أودعت قمر الدجى *** لغدا لأذيال التطاول يسحب
ومنها أيضا:
ذكر ففي الذكرى على آلامها *** طعم كطعم الشهد بل هو أطيب
ارجع إلى الماضي بلحن مفرح *** كم بت للماضي أحن وأرقب
وأعد لي الماضي وسالف صفوه *** أرجعه في صور تروق وتخلب
واساله ذاك الطيف يرجع مرة *** فيعود ذا شجن غدا يتقلب
يا شاعرا ملأ النفوس هداية *** في رقة تبدو وعود أصلب
ولم يمنع الشاعر المقاتل دوي المدافع والراجمات، وهو في الخطوط الأمامية أن يرد على صديقه الشاعر ببرقية جاء فيها:
وصلت رسالتك التي *** أرسلتها … لله درك
فذكرت منها خير ما *** أنسيته فأجاب ذكرك
ورأيت منك تعلقا *** بحديث مصر فتلك مصرك
حافظ على شوقي ونبئني *** لماذا عيل صبرك؟
الشاعر الخامس:
ويورد السيد الصادق المهدي (52) في كتابه (الفكاهة ليست عبثا) قصة أحد أبناء أمراء المهدية، وكان الأمير متشاعرا يؤلف قصائد المدح والهجاء، وقد مدح عددا من أمراء المهدي وخلفائه، فمدح ذات مرة السيد إسحاق محمد الخليفة شريف(26)، والسيد إسحاق كان شاعرا، ولم تعجبه القصيدة فسماه خامس الشعراء، مضيفا وصفا خامسا للشعراء الأربعة المعروفين في الأبيات المشهورة، وهم:
الشعراء في الزمان أربعة:
شاعر يجري ولا يجرى معه
وشاعر يخوض وسط المعمعة
وثالث لا تشتهي أن تسمعه
ورابع لا تستحي أن تصفعه
وأضاف السيد إسحاق:
أما الأمير فضع عليه البردعة(27)
وأرفع هراوتك الثقيلة والبعه(28).
لا تنتحر:
وقال الشاعر عمر الصديق الأزهري مخاطبا أحد المواطنين كان قد شرع في الانتحار متسلقا مبنى البريد والبرق، وقد ورد هذا الخبر في صحيفة (الصحافة) الصادرة بتاريخ 24/8/1976م، وقد طلب الشاعر من المنتحر ان يضحك للدنيا حتى تضحك له، ولا يستعجل الموت فإنه آت لا ريب فيه، يقول الشاعر في القصيدة التي جاءت بعنوان: (لا تنتحر):
دون التسلق في المباني والتشبث بالخطر
ستموت، طال العمر يوما أو قصر
ما هكذا عرض المطالب والمشاكل والضجر
إن الحياة عزيزة والعمر فيها مختصر
والمرء فيها سائر يجني بها خيرا وشر
لا يدري أين قراره، فالله أدرى بالبشر
عش في الحياة مفرفشا وانس الكآبة والضجر
وأفرح وغن وانتش وانشد بالحان السمر
فاصبر فللآجال يوم ضمن أيام الدهر
هجاء ومدح وعتاب:
وقد حدثت لي قصة طريفة مع أخي ورفيق دربي الأستاذ الدكتور إبراهيم القرشي عثمان(29)، وكان ذلك في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، فقد هاجر الأخ إبراهيم إلى أرض الحرمين الشريفين للعمل في التدريس وتركنا في السودان في الوظيفة التي ما كان مرتبها يفي بأقل القليل من متطلبات الحياة، وكنت دائما أكتب للأخ إبراهيم وأطالبه بإرسال عقد عمل حتى أخرج من هذا الضيق الذي أعانيه، ولم أكن أعرف الظروف التي كان يمر بها الأخ إبراهيم، ويبدو أنني أغلظت عليه في إحدى رسائلي، فجاء الرد هذه المرة بقصيدة طويلة فيها من الهجاء والمدح والعتاب وشرح الحال الكثير، والأخ إبراهيم رجل يمتلك ناصية البيان وهو شاعر وأديب وكان الإخوة في المكتب ينتظرون رسائله على أحر من الجمر، إذ كانت هذه الرسائل عبارة عن قطع نثرية في غاية الروعة، أو قصائد شعرية تحمل من الدعابة والفكاهة ما يريح النفس ويسر الخاطر، ولم يكن العالم يومها يعرف الواتساب أو الإيميل أو غير ذلك من الوسائط الإعلامية التي جعلت من العالم الآن قرية صغيرة، فقد كنا ننتظر البريد بفارغ الصبر، ومازلت احتفظ بهذه الرسائل، شعرها ونثرها، بعد أن مضى عليها أكثر من ثلاثين عاما، يقول الشاعر بادئا بالهجاء:
مازلت أجوف من طبول الشلك(30) في أرض الجنوب(31)
مازلت تنفخ (كالورالة)(32) حين تخرج في الدروب
كالهر يحكي، حين يفزع، صولة الليث الغضوب
و(بهرشة)(33) (الجعلي)(34) تحسب أننا خوفا نذوب
ما يفتأ (الجعلي) يحسب أنه بطل الشعوب
هذا (التجعول) (35) كم يدل على خواء في القلوب
***
ما زال قلبي بالمداد على رسائلكم .. يذوب
ويظل شخصكم الحبيب على معالينا كذوب
يا أيها المحبوب يا ودا تأصل في القلوب
أنت الشريك إذا المسرة والمعين على الكروب
يا أيها المنعوت بالرأي السديد لدى الخطوب
من خصنا بوداده مولاي علام الغيوب
كيف التعالي للعيون على الحواجب والهدوب
ما الشغل؟ أنتم شغلنا بفراقكم كدنا نذوب
والله لولا لقمة كتبت لنا ومنى ضروب
ما كان حب الأرض تغلبه ثقوب في الجيوب
***
أقسمت بالبيت الذي تهوي له كل القلوب
للخبز بالماء الزلال بأرضنا عسل يطيب
لهفي على نيل يفيض كأنه عين الغريب
يجري ويرقب وقت أوبتنا ويسأل هل نؤوب
سالت على شطيه أفياء الغصون مع الغروب
عجلى تقبل صفحتيه تقول قد أزف المغيب
وتجيش في لحن النسيم عرائس السدر الرطيب
والجو يعبق بالشذى حتى كأن الماء طيب
صور تذوب لطافة ولكم لها نفسي تذوب
***
قلبي على قومي تقطع حسرة وقضى وجيب
أصواتهم لحن سماوي وإيقاع طروب
ووجوههم ما البدر حين يبدد الليل الرهيب
عمرت مجالسهم بذكر الله والطهر العجيب
نفسي وما ملكت يداى فدى لهم مما ينوب
***
يا ويح نفسي من يقين النفس في الأمل الكذوب
ما زلت أبني صرح آمالي على شكل غريب
وقطعت خامسة السنين وما اشتريت (أليف طوب)(36)
ابني به سقفا يكن إذا تناوحت الجنوب(37)
ويلم شمل بني، يؤويهم، إذا طرقت شعوب(38)
***
وتظل تطرق في جنون ذلك الوتر العجيب
حتى كأن أخاك يرفل في ذرا عيش رحيب
ينسيه أيام الصفاء وذلك العهد الحبيب
خدعتك حالي وهي لا تخفى على فطن لبيب
لا تنفع الشكوى من الدنيا ولا يجدي النحيب
فالداء شق على السقيم وعائديه والطبيب
فارفق، رعاك الله، واستبق المودة في القلوب
خاتمة:
هذا قليل من كثير يمكن أن يكتب في هذا الموضوع، ومازال الجانب الأكبر من هذا النوع من الشعر حبيس الأدراج وبعضه في الصدور والبعض الآخر رحل مع أهله للدار الآخرة، وأتمنى أن يكون في ذلك ردا على بعض الباحثين السودانيين وسواهم ممن الصقوا بالسوداني صفة العنف والتقطيب والبعد عن الرقة، وأهملوا صفات أخرى كثيرة انفردت بها الشخصية السودانية وأصبحت علامة مميزة لها، وهذا الحال ليس لدى السودان أو السودانيين فقط، بل قد جرى ذلك على كثير من الأمم والشعوب، إذ درج البعض على اختزال صفة أو سمة واحدة سلبية كانت أو إيجابية لبعض الأمم وأصبغها على الجميع وأهمل بقية الصفات الأخرى، مثل وصف الإنجليز بالبرود، والأسكتلنديين بالبخل، والايرلنديين بالغباء، والألمان بالتعصب، والإسبان بالعنف، والسويسريين بالدقة، واليابانيين بالتهذيب، والسودانيين بالكسل إضافة إلى الحدة في الطبع وسرعة الغضب.
الهوامش:
(1)عبدالحميد محمد أحمد: ولد بالخندق شمال السودان عام 1947م، وتخرج في جامعة أم درمان الإسلامية 1972م، ونال درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية من جامعة إفريقيا العالمية، والدكتوراه في العلوم السياسية، كما نال دبلوم فوق الجامعة من القاهرة عام 1975م.وتقلد عددا الوظائف في وزارة الثقافة والإعلام، كما نال عضوية عدد من الهيئات العلمية والأدبية والثقافية، ورأس تحرير عدد من الدوريات الأدبية والثقافية. وتبلغ مؤلفات الدكتور عبدالحميد أكثر من 250 مؤلفا في شتى أنواع المعارف، ولم ير منها النور سوى سبعة وسبعون كتابا. (من حوار صحفي أجري من الدكتور عبدالحميد في صحيفة الانتباهة بتاريخ 23 ديسمبر 2014).
(2) الفكاهة ليست عبثا.
(3) المساجلات الشعرية بين الشاعرين عبدالحليم علي طه ومحمود الفكي.
(4) الإخوانيات في الشعر السوداني.
(5) من رواد أدب الفكاهة في السودان.
(6) النور إبراهيم: ولد بمدينة الدويم عام 1910م، وتلقى تعليمه الأولي والأوسط بالخرطوم ورفاعة، وواصل تعليمه حتى تخرج في كلية غردون التذكارية عام 1931م، وبعد التخرج انخرط في سلك التعليم حيث عمل مدرسا بالدويم وفي الدويم نفسها اختار العمل بـ (بخت الرضا)، فكان من المساهمين في إعداد برامج المدارس الأولية، ثم برامج تدريب المعلمين، وتحول في عام 1937م ليعمل مدراسا أولا بكلية المعلمات بأم درمان وظل فيها نحو عشرة أعوام، وابتعث خلال هذه الفترة إلى إنجلترا مدة عام (47 _ 1948م)، وعمل بعد عودته من إنجلترا في عدد من الوظائف في سلك التعليم).
(7) عمر الصديق عمر الأزهري: ولد بمدينة رفاعة عام 1937م وتلقى فيها تعليمه الأولي والأوسط، ثم التحق بمدرسة البريد والبرق بأم درمان، وعمل بعد التخرج في مجال البريد والبرق حتى عام 1965م، تحول بعد ذلك إلى مصلحة الطيران المدني فالتحق بمعهد الطيران بالخرطوم، ثم واصل دراسة الطيران بالقاهرة، وظل يعمل في مجال لاسلكي الطيران حتى تقاعد بالمعاش الاختياري عام 1989م. وهو من أسرة اشتهر كثير من أفرادها بقرض الشعر، فهو شاعر، وابن شاعر، وعمه شاعر.
(8) الفتارى: فتر: لانت مفاصله وضعفت، وفتارى: تعابى.
(9) الجزارة: جزر: نحر، والجزّار: الذبّاح، والجزارة حرفته، والجزر: مكان يبيع اللحم.
(10) طاره: آلة كالدف كبيرة ومستديرة قد يبلغ قطرها أكثر من ثلاثين سم.
(11) مصطفى محمد حسن أبوشرف: ولد بالخرطوم في عام 1917م، وانخرط في سلك التعليم ابتداء من الخلوة حتى تخرج في كلية غردون التذكارية عام 1936م، وفي عام 1937م التحق بالعمل في حسابات السكة الحديد وبقي فيها حتى عام 1941م، اتجه بعدها إلى العمل في التعليم الأهلي استجابة للنداء الذي وجهه مؤتمر الخريجين والذي كان يدعو إلى الانخراط في سلك التعليم الأهلي لتوسيع الفرص للطلاب للحاق بركب العلم، وكان من نصيب أبوشرف الذهاب إلى مدرسة مدني ناظرا لمدرستها الوسطى الأهلية، وقد شهدت التعليم الأهلي في عهده توسعا كبيرا.
(12) حسن زيادة محمد صلاح: ولد بأم درمان عام 1909م، وتخرج في كلية غردون عام 1930م، وعمل محاسبا بوزارة المالية، ومساعدا للمراجع العام، ثم مراقبا ماليا لشركة الصمغ العربي، وقد عمل الأستاذ زيادة في عدد كبير من مدن السودان، كما عمل خارج السودان (أديس أبابا)، وكان عضوا في جمعية أبي روف الأدبية.
(13) الأغر: لقب يطلق الشاعر.
(14) زويل: تصغير كلمة (زول)، وهي كلمة سودانية معروفة وعربية فصيحة لها ثمانية عشر معنى في لسان العرب، وتعني إنسان أو شخص.
(15) أويل مدينة بجنوب السودان.
(16) الخليل: هو الصاحب.
(17) مصطفى طيب الأسماء: ولد في عام 1944م في قرية أبي شنينة بالنيل الأزرق، وتخرج في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم حصل على دبلوم كلية التربية من جامعة عين شمس، وعمل في جميع مراحل التعليم بالسودان، وفي جامعة أم درمان الإسلامية، وجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، إضافة إلى عمله محررا ومراسلا لعدد من الصحف السودانية. وشغل الشاعر مصطفي طيب الأسماء عضوية عدد من المؤسسات العلمية والأدبية منها: اتحاد الأدباء السودانيين، والمجمع اللغوي السوداني، ومجلس جامعه القرآن الكريم، كما شغل منصب نائب الأمين العام لهيئة علماء السودان، وهو مؤسس جماعة الضاد، وله عدد من المؤلفات في اللغه والأدب والدراسات الدينية والثقافية. وتوفي عام 2003 م.
(18) يصر: يحدث صوتا.
(19) الرغيف: الخبز.
(20) أكابس: أزاحم، والمكابسة ومزاحمة الناس بلا ذوق.
(21) الدفاس: استعمال القوة وسط جمهرة من الناس.
(22) حلفا: مدينة في أقصى شمال السودان، والنهود والضعين: مدن في غرب السودان.
(23) حسن عمر الأزهري (ابن عمر): ولد بمدينة أم درمان عام 1892م، وتلقى تعليمه الأولي بالخلوة وفيها حفظ القرآن الكريم، ثم واصل تعليمه حتى تخرج في كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم فيما بعد) عام 1917م، ثم عمل بالتدريس في المدارس الابتدائية وجاب العديد من قرى السودان ومدنه حتى أحيل على المعاش عام 1949م، وقد أطلق عليه لقب (هري) وهي نصف (أزهري). وكان مشهورا من خلال بابه الراتب الذي كان يحرره في صحيفة (السودان الجديد)، وكان هذا الباب يحوي شعرا فكها يطرق كل باب.
(24) الصاغ محمود أبوبكر حسن: ولد بمدينة بور بمديرية أعالي النيل في عام 1908م، وهو من قبيلة الحلنقة بشرق السودان، وقد لقب بالنسر. تلقى تعليمه الأولي بمدرسة عطبرة الأمريكانية، والأبيض، ووادي حلفا متنقلا مع أسرته إذ كان والده ضابطا قي قوة دفاع السودان، وتخرج في كلية غردون التذكارية عام 1933م، وبدأ حياته العملية مترجما بالسكة الحديد في عطبرة، ولكنه استقال منها وإلتحق بالجيش كطالب حربي حيث تخرج ضابطا حربيا عام 1937م. اشترك في الحرب العالمية الثانية وكان يحارب في صحراء شمال إفريقيا، ثم انتقل إلى الشرق ليحارب في الجبهة الإرترية والحبشية. له عدد من الأناشيد الحماسية ومن أشهرها (صه يا كنار)، وله ديوان شعر مطبوع بعنوان (أكواب بابل من السنة البلابل).
(25) الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي: سياسي ومفكر، ولد بأم درمان في 25/12/1935م، وتخرج في جامعة أكسفورد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1957م، ونال درجة الماجستير في الاقتصاد من الجامعة نفسها. أنتخب رئيسا لحزب الأمة عام 1964م، وتولى رئاسة الوزارة أول مرة عام 1966م مدة عشرة أشهر فقط، ثم تولى رئاسة الوزارة مرة أخرى عام 1986م وحتى يونيو عام 1989م. له العديد من المؤلفات السياسية والفكرية، منها: (مسألة جنوب السودان) عام 1964م، و(يسألونك عن المهدية) عام 1974م، و(مستقبل الإسلام في السودان) عام 1974م، و(العودة من تهتدون إلى تعلمون)، وغيرها من المؤلفات.
(26) إسحاق محمد الخليفة شريف: (1923 _ 1993م): ولد بمدينة أم درمان وبها توفي، وتخرج في كلية غردون التذكارية عام 1945م، وفي جامعة أكسفورد عام 1949م، وفي جامعة دبلن عام 1951م، كما نال دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية من جامعة باريس عام 1959م. وعمل مترجما برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من عام 1973م وإلى عام 1985م، وله ديوان شعر بعنوان (زهر وقفر)، صدر عن دار الريحاني ببيروت عام 1956م، إضافة إلى عدد من القصائد نظمها باللغة الإنجليزية.
(27) بردعة: حشية تلقى على ظهر الدابة بغرض إراحة الراكب.
(28) البعه: لبع: ضربه على قفاه بكفه.
(29) إبراهيم القرشي عثمان: ولد بمدني في 1955م، وتخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم عام 1980م، وعمل أستاذا بها وبجامعة الملك سعود بالرياض، كاتب وشاعر. له أكثر من عشرة مؤلفات منها: (عادات سودانية أصولها عربية)، و(المقارنة بين امرىء القيس والحاردلو). وزير سابق، ورئيس مجلس أمناء جائزة الأدب النبوي، وعضو المجمع اللغوي بالسودان ورئيس دائرة اللهجات السودانية. يعمل حاليا أستاذا بكلية اللغات والترجمة جامعة الرباط الوطني.
(30) الشلك: قبيلة في جنوب السودان.
(31) الجنوب: المقصود به جنوب السودان قبل الانفصال.
(32) الورالة: جمع ورل، وهو دابة على خلقة الضب أعظم منه، طويل الذنب دقيقه.
(33) هرشة: هرشه: أخافه بالكلام.
(34) جعلي، منسوب إلى قبيلة الجعليين، وهي قبيلة عربية ينتسب أفرادها إلى جدهم العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، وقد عرفوا بالشجاعة والكرم والاعتزاز بالنفس.
(35) التجعول: ادعاء الانتساب إلى الجعليين.
(36) أليف طوب: أليف: تصغير الرقم ألف، والطوب مادة من الطين المحروق يصنع في شكل قوالب مستطيلة ويستعمل في بناء المنازل.
(37) تناوحت الجنوب: صوت الريح وحنينها.
(38) طرقت شعوب: أدركتني المنية أو الموت.
المراجع:
1_ الشخصية السودانية في عيون صفوتها / أسئلة وتحرير: عمرو منير ._ الخرطوم: دار عزة للنشر والتوزيع، 2010م، 228ص.
2_ الشخصية السودانية: المكونات والمؤثرات والسمات (محاولة في النقد الذاتي) / عبدالوهاب أحمد عبدالرحمن ._ الخرطوم: جامعة المغتربين، 2011، 478 ص.
3_ الإخوانيات في الشعر السوداني / عبدالحميد محمد أحمد ._ الخرطوم: الدار السودانية للكتب، 1422هـ / 2002م، 352 ص.
4_ الفكاهة في الشعر السوداني / عبدالحميد محمد أحمد ._ الخرطوم: دار عزة للطباعة والنشر، 2003م، 229 ص.
5_ الدعابة والمرح في الشعر السوداني / عبدالحميد محمد أحمد ._ الخرطوم: دار عزة للطباعة والنشر، 2003م، 215 ص.
6_ ديوان شعر خواطر / حسن زيادة ._ الخرطوم بحري: دار الحكمة للطباعة والنشر، د.ت، 24ص.
7_ الفكاهة ليست عبثا / الصادق المهدي ._ الخرطوم: دار عزة للنشر والتوزيع، 2007م، 203 ص.
8_ من رواد أدب الفكاهة في السودان / عبدالحميد محمد أحمد ._ الخرطوم: دار عزة للطباعة والنشر، 2003م، 253 ص.
9_ المساجلات الشعرية بين الشاعرين عبدالحليم علي طه ومحمود الفكي (1935 ـ 1956م) ._ تقديم وتحقيق:عبدالمجيد حاج الأمين ._ أم درمان: مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، 2012م، 210 ص.
(10) قاموس اللهجة العامية في السودان ._ ط 2/ عون الشريف قاسم ._ القاهرة: المكتب المصري الحديث، 1405هـ/ 1985م، 1251ص.