نقوس المهدي
كاتب
وسوف نتناول أخوان الصفا من حيث نشأتهم وغرضهم ومن هم أخوان الصفا من هم إخوان الصفا؟ هناك من يصف جماعة إخوان الصفا بأنهم جماعة سرية دينية و سياسية و فلسفية وشيعية أو اسماعياية باطنية ويذكر منهم خمسة هم: محمد بن مشير البستى الملقب بالمقسى وأبو الحسن على بن هارون الزنجابى ومحمد بن احمد النهرجورى وزيد بن رفاعة والعوفى وهى جماعة تألفت وتصافت و اجتمعت على القدس والطهارة ووضعوا مذهبا زعموا انه يؤدى إلى الفوز برضوان الله. لماذا سموا بإخوان الصفا؟ هناك من يرى أنهم سموا بإخوان الصفا لأنهم تصافوا فيما بينهم واجتمعوا على القدس والطهارة و وضعوا مذهبا زعموا انه يؤدى إلى الفوز برضوان الله. وفى الواقع أن أفلاطون هو المبتكر الرئيسي لمفهوم الأخوة العلمية فقد عالج هذة الفكرة من خلال معالجته لموضوع الحب في محاورة لا تحمل عنوان المأدبة و إذا كان أفلاطون تكلم عن الحب أيضا في محاورة فيدروس إلا إن المأدبة عنوانا لهذة المحاورة له دلالته حيث أن المقصود من المأدبة الاجتماع على المودة والاتصال بالألفة و المحبة. أما فكرة الإخوة في الإسلام فلها أساسها المستمد من القرآن الكريم مثل قوله تعالى "إنما المؤمنون أخوة" وقد لازمت فكرة الإخوة كافة الحركات الثورية في المجتمع الاسلامى مثل: الخرمية و البابكية و الإسماعيلية وغبرها على أن الباحثين لم يستطيعوا الوقوف على المصدر الذي استوحت منه الجماعة اسمها"أخوان الصفاء" على وجه التحديد ويمكن أن نحصر أهم هذة الأجتهادت فيما يلي:
1- يميل البعض إلى انه مقتبس مما ورد في كتاب كليلة ودمنة عن الحمامة المطوقة وكيف نجت من الشبكة بمساعدة أخوان لها هذا فضلا عن ما ضربه صاحب كتاب كليلة و دمنة من الأمثال ينطبق على ما جاء في الرسائل من إشارات واضحة من تعاون الأصدقاء الرحماء فيما بينهم هذا فضلا عن احتواء كتاب كليلة و دمنة على كلمة أخوان الصفا
2- ذهب فريق آخر من الباحثين إلى القول بان الصفاء تعنى الصفاء في المودة أو إنها مقتبسة من الصوفية التى تدعو إلى صفاء القلب.
3- ويذهب فريق آخر من الباحثين إلى القول بوجود علاقة بين كلمة إخوان الصفاء وبين كلمة philosophy فيقابلون بين كلمة أخ وكلمة philo و يقابلون بين كلمة "صفا" و كلمة sophy هذا بالإضافة إلى إن كلمة sophy تشبه إلى حد كبير كلمة sofis في اللغة اليونانية القديمة والتى تعنى الصفاء أو النقاء وتقابل كلمة pure في اللغة الإنجليزية و pure في الفرنسبة. أما أخوان الصفا أنفسهم فقد أشاروا في رسائلهم إلى أن الصفاء يعنى النقاء والصفاء من شوائب التغيير. متى ظهر أخوان الصفا؟ يميل أكثر الباحثين أن جماعة أخوان الصفا قد ظهرت فى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) ولهم في ذلك حجج وبراهين:
- انقسام الدولة العباسية في القرن الرابع الهجري إلى خلافات متصارعة بعد أن عصفت بالخلافة العباسية الحدثان وتقسمها أمراء وملوك ولم للعباسيين فيها إلا بعض نفوذ فيها يطيف ببغداد وقيام دول ذات سيادة فكان السلطان في مركز الخلافة لبنى بويه وفي الأندلس لبنى أمية وفى أفريقيا للعبيديين وفي مصر للإخشيديين وفى الجزيرة الفراتية للشيبانيين وفي اليمامة للقرامطة وفي خراسان وما وراء النهر للساسانيين و تخاصم هذة الأسر فيما بينها
2- سبق دخول بنى بويه بغداد عام 344هجريا وانتشر الفساد فى الحكم ولم تكن هذة الحالة سوى نتيجة محتومة وطبيعية للثورات العديدة ونظرا لتجمع الثورات والسلطان فى ايدى جماعة من الفاسدين الذين فقدوا كل إحساس بالعدل والاستقامة فأخذت الجماعات المناهضة لهؤلاء الحكام تأخذ شكل الحركات السرية من اجل إعداد الأذهان للثورة ومن اشهر هذة الجماعات السرية جماعة إخوان الصفا.
3- انتشار الفلسفة اليونانية انتشارا واسعا في القرن الرابع الهجري وكثرة الفرق الإسلامية من أهل الحديث والمعتزلة والشيعة والخوارج وقد حاول كلا منها نشر دعوتها بمختلف الوسائل وخاصة من استعان منها في سبيل ذلك بالفلسفة اليونانية مما ترتب عليه ظهور مذاهب تجمع في آن واحد بين الشريعة الإسلامية والفلسفة اليونانية وفي هذا الإطار ظهرت رسائل أخوان الصفا التى كانت تجمع بين المذاهب الشيعية و المعتزلة من جانب وبين ثمرات الفلسفة اليونانية من جانب آخر.
4- الصراعات والنزاعات الاجتماعية والسياسية والدينية بسبب تعدد الأديان و المذاهب الدينية والجنسية والعرقية في الخلافة العباسية خصوصا في القرن الرابع الهجري فأراد إخوان الصفا أن يذيبوا جميع تلك الخلافات في مذهب واحد شامل مبنى على أسس مبادىء مستوحاة من كافة الأديان والمذاهب والمل.
5- تسامح الدولة البويهيه وما اثر عنهم من تساهل فكرى في عهدهم على عكس الحال فى عهد سيطرة الأتراك الذين كانوا مؤيدين لمذهب أهل السنة.
6- الاستناد إلى رواية أبو حيان التوحيدي حيث أشار إلى أن الجماعة قد استكملت تنظيمها سنة 373 اى في القرن الرابع الهجري. وهناك اتجاه ثان برى أن جماعة أخوان الصفا يعود تاريخها إلى نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين ويؤكد هذا الاتجاه انتساب أخوان الصفا للإسماعيلية وصلتهم الوثيقة بها وقدمهم بالانتساب اليه. وهذا الاتجاه لم يقدم أدلة دامغة للبرهنة على ظهور الإخوان في أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث للهجرة. البيئة الجغرافية لإخوان الصفا:- لقد اختلف الباحثون أيضا حول مكان تأسيس أو ظهور جماعة أخوان الصفا وهنا نجد اتجاهين ألاول يذهب إلى أن الجماعة تأسست في البصرة و كان لها فرع في بغداد والثاني يذهب إلى أن الجماعة تأسست في سلمية بالشام. غرض أخوان الصفا:
- لقد رأى أخوان الصفا أن الشريعة قد دنست بأقوال وتأويلات لا تتصل بها وان الفلسفة وحدها هى العلاج الوحيد لهذا الطارىء وعموما فقد هدفهم أن ينالوا فوزا سياسيا وان يكون لجماعتهم سلطانا زمنيا بين هذة الأحزاب والجماعات والدويلات الأخرى التى تميز بها القرن الرابع الهجري لضعف السلطة المركزية وقتئذ بسبب تحكيم العناصر الأجنبية فتكونوا بأسم الإصلاح الديني والقوا رسائلهم في تهذيب النفس وإصلاح النفس وإصلاح الأخلاق أي أن هدفهم كان الحصول على السلطان والغاية السياسية مبتغاهم. وهناك من برى انه كان من أهدافهم القضاء على الإسلام وقلب نظام الحكم غير أن الهدف السياسي أكثر ظهورا في رسائلهم من الهدف الديني ويمكن أن نقول أن الغرض من الهدفين كان أحياء العقائد والحضارة الفارسية. وربما كانت محاولة لتشكيل نظرة شاملة أو دين عالمي يتجاوز كل الاديان. وسوف نتناول في هذا الفصل الفكر السياسي عند أخوان الصفا والذي يدور حول المدينة الفاضلة المدبنة الفاضلة غاية الأجتماع السياسي تنحصر أنواع الاجتماعات عند أخوان الصفا في ثلاثة أنواع هى :
1- المدينة
2- الأمة
3- الدولة العالمية
ويرون أن المدينة تمثل مركز وحده اجتماعية متكاملة متأثرين بآراء أفلاطون و أرسطو إلا إنهم رأوا أن هناك وحدات اجتماعية اكبر من المدينة تتمثل في الأمة و الدولة العالمية و هو شئ لم يخطر على بال فلاسفة اليونان الذين اغترفوا كثيرا من فلسفاتهم و نظرياتهم على الأرجح و لعل ذلك يرجع إلى تأثرهم بتعاليم الدين الإسلامي الذي يهدف إلى إخضاع العالم كله إلى حكومة واحدة. والأمة في رأى الأخوان هى تلك تختص بصفات وطبائع وسجايا وموقع جغرافي ووحدة تاريخية و عادات و تقاليد موحدة بحيث تميزها عن الأمم الأخرى. ويتصور الأخوان أن هناك اجتماعا اكبر من الأمة يمكن تحقيقه في شكل دولة عالمية يشملها دين موحد وشريعة واحدة. ورأى الأخوان أن أول لبنة في تنظيمهم هو بناء المدينة الفاضلة أخوان الصفا والمدينة الفاضلة: لقد دعا أخوان الصفا إلى المدينة الفاضلة وكانوا كثيرا ما يذكرون أن لهم مدينة فاضلة يصفونها بالمثالية والروحانية والحق أنها كانت مجتمع سرى مغلق و لم يكن هؤلاء أول من تكلموا عن المدينة الفاضلة وإنما كانت الشغل الشاغل لفلاسفة اليونان كما علق الفلاسفة عليها أمالا كبيرة. وقد تأثر أخوان الصفا بأفلاطون في هذة المدينة لأنهم كانوا يعرفون أفلاطون جيدا ويسمى ألإخوان مدينتهم بدولة أهل الخير ويقولون"يبدأ أولها من قوم علماء و حكماء و خيار فضلاء يجتمعون على رأى واحد ويتفقون على مذهب واحد ودين واحد ويعقدون بينهم عقدا و ميثاقا إلا يتجادلوا أو لا يتقاعدوا عن نصرة بعضهم بعضا ويكونوا كرجل واحد في جميع أمورهم و كنفس واحدة في جميع تدبيرهم فيما يقصدون عن نصرة الدين وطلب الآخرة لا يبتغون سوى وجه الله و رضوانه جزاء ولا شكورا" خصائص المدينة الفاضلة:
1- يذكرون أن مدينتهم مرتفعة في الهواء وهذا رمز أنها مليئة بالتعاون في الدين والمعاش وقد يسمح بعضهم بتلف جسده لبنصر الدين أو ألأخ لان الجسد فان مظلم لا ينبغي الحرص عليه.
2- وفي المدينة تعاون علمي وأدبي ومادي وعلى كل فرقة أن تهيئ لنفسها مجلسا خاصا بها يجتمع فيه أعضاؤها وقتا معينا ولا يسمح لغيرهم بالحضور ويتذاكرون في المجلس علومهم ويتحاورون فيه أسرارهم.
3- وللمدينة قانون العقل الذي جعله الله تعالى رئيسا على الفضلاء من خلقه ومن لم يرض به فعقوبته المقاطعة و طي ألأسرار عنه.
4- و للمدينة أربعة أيام لكل يوم شأنه: فيوم خروج أول القائمين منهم يوم عيد ويوم فيه تصرم دولة أهل الجور وثالث فيه مقاومة الباطل الحق ورابع يوم الحزن والكآبة بالرجوع إلى كهف التقية والاستتار وكون الأمر على ما قال صاحب الشريعة "أن الإسلام ظهر غريبا وسيعود غريبا" ومن هنا يتضح الهدف السياسي تماما إلا وهو الثورة على نظام الحكم وأنهم مازالوا في طور الستر وأنهم ينتظرون قيام الثورة ويوم قيامها عيد عندهم و لكنهم يعلمون أن الهزيمة ستلحق بهم وسيعودون ألي الستر مرة أخرى. مراتب أهل المدينة الفاضلة:
1- المرتبة ألا ولى مرتبة ألأبرار: و يتراوح أعمارهم ما بين خمسة عشرة سنة إلى ثلاثين سنة و هم أرباب صنائع ونفوسهم جيدة التصور سريعة القبول و كثيرا ما توجه الخطاب في رسائل أخوان الصفا أليهم.
2- المرتبة الثانية مرتبة ألأخيار: وهم الرؤساء ذوو السياسة الذين يشفقون على إخوانهم وأعمارهم ما بين الثلاثين وألأربعين.
3- الثالثة مرتبة الفضلاء الكرام وهم الملوك ذوو ألأمر والنهي و أعمارهم بين الأربعين و الخمسين. 4-المرتبة الرابعة مرتبة الذين بلغوا سن الخمسين و هي التي يدعون أليها إخوانهم في أي مرتبة وهم هنا يرمزون الى ما يتمنونه من صعود سياسي لا روحاني والتقسيم في جمهورية أفلاطون بحسب المهنة لا السن كما هو لدى أخوان الصفا. الفرق بين المدينة الفاضلة والمدن الأخرى عند أخوان الصفا: لقد وصف أخوان الصفا المدن الأخرى بالجائرة وأوضحوا الفرق بين المدينتين (أى المدينة الفاضلة والمدينة الجائرة) فيما يلي:
1- المدينة الفاضلة لا يدخلها ألا من توافر فيه حد أدنى من العلم أما المدن غير الفاضلة فلا يشترط أن يكون سكانها علماء فضلاء بل تجمع الأخيار والأشرار والعلماء والجهلاء والمصلحين والمفسدين وأقواما مختلفي الطباع والأخلاق والآراء والأعمال والعادات.
2- المدينة الفاضلة تشبه جزيرة مخصبة كثيرة النعم يسود بين أهلها المحبة و الرحمة و الشفقة أما المدينة الجائرة فتشبه جزيرة وعرة جبلية مليئة بالسباع الضارية.
3- شبه الأخوان المدينة الفاضلة بالدار الأخرة ونعيمها ويشبهون المدينة الجائرة بالحياة الدنيا وجحيمها. ثانيا: الإمامة عند أخوان الصفا: بعد أن انتهينا من المدينة الفاضلة نأتي إلى رأس الحكم و هو الأمام و رأي الأخوان فيه أهتم أخوان الصفا بموضوع الإمامة أو الخلافة وأكدوا ضرورة الوصية فيها فالتصرف دون توقيف من الرسول كان سبباً في انقسام الأمة الإسلامية واختلاف الآراء فيها فليس هناك خلاف إذاً بين أخوان الصفا وبين الشيعة في ذلك وهذا تلويح منهم بالموافقة على رأي الأمامية الذين رأوا وجوبها بالنص على الإمام علي رضي الله عنه. فائدة الامام عند اخوان الصفا: يرى أخوان الصفا أن فائدة الإمام حفظ الشريعة وإحياء السنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, اجتماع الأمة على رأي واحد ونصب نواب عنه في الأقاليم ورجوع فقهاء المسلمين إليه في المشكلات من فقه وأحكام وحدود وفتاوى وبذلك يكون نصب الأمام عندهم واجباً. وجدير بالذكر أن من شدة تعلق أخوان الصفا أنهم كانوا يقابلون بين نظام المدينة وسائر الكواكب كالجنود والأعوان والرعية في المدينة ونسبة المريخ من الشمس كنسبة صاحب الجيش من الملك والمشترى كالقاضي وعطارد كالوزير والقمر كولي العهد وهكذا وفكرة أن الملك كالشمس قريبة الشبه بما ذكره أفلاطون عن الشمس وأهميتها في العالم المحسوس حيث هي التي تمنح الأشياء عين وجودها شروط الامامة: ذكر أخوان انه يجب أن يكون لأفضل بعد النبي والأقرب إليه نسبياً غير أنهم اختلفوا في هذه الشروط وهناك من رأى عكس الشرط السابق غير أنهم يذكرون انه يجب التفرقة بين خلافة النبوة وخلافة الملك. مأخذهم على الخلافة : لقد غضب أخوان الصفا على الخلفاء من غير مذهبهم أشد الغضب مع إنهم راضون عن تصرف علي رضي الله عنه ويسمونه أمير المؤمنين ويسخطون على من أغضبه يوم التحكيم فلم يكن في نية الحكمين أي إصلاح وهم يرون ما يراه علي في التحكيم وهذا اعتراف ضمني بإمامته ولا خلاف بينهم وبين الشيعة والإسماعيلية في ولاية علي. الخلافة عند اخوان الصفا: الخلافة في رأي أخوان الصفا لا تؤخذ غلاباً بل انه لابد توقيفه ووصيه وكل من اغتصبها فهو خليفة إبليس وكأنهم يحكمون على جميع الخلفاء بأنهم أتباع إبليس ما عدا من كان على مذهبهم ويقول اخوان الصفا ان الخلافة بدأت مع أدم عندما استخلفه الله على الأرض وفي هذا اتفاق مع نظرية الباطنية التي تقضي بان الإمامة عالمية وانها بدأت من أول الخليقة في كل الأمم والديانات. أهمية الدين بالنسبة للملك في نظرية الدولة عند أخوان الصفا: لقد جعل أخوان الصفا الدين هو الأصل في هذه العلاقة حيث أن الدين هو الأصل في صلاح الدنيا والآخرة والملك عندهم حارس الدين وانه حتى تركه القيام بواجباته أنفسد الدين والدنيا جميعاً وشعارهم أن الملك هو الدين أما الملك فهو شئ عارض فالأنبياء أعطاهم الله الملك ولكنه كان عارضاً بالنسبة لهم مع أنهم جمعوا بين الملك والدين وتتم مبررات الجمع بين الدين والملك في نظر أخوان الصفا فيما يلي:
1- أن الملك لو كان شخصاً آخر غي شخص النبي لم يكن يجرؤ إن يردهم عن دينهم أو يسومهم سوء العذاب كما فعل فرعون ببني إسرائيل.
2- أن الناس بطبيعتهم لا يرغبون الا في دين الملوك ولا يرهبون الا منهم وهكذا كان يرى الأخوان أن الملك عارض وانه وسيلة لحفظ الدين الذي هو الأصل أو " الأخ المقدم " وان الصورة المثلى للدولة هي تلك التي يجتمع فيها الملك والدين لشخص واحد أو رئيس واحد. والمنطلق الأساسي لهم كان قائماً عل تعاليم الدين الإسلامي وحثه على الزهد في الحياة وتفضيله الدار الآخرة على الحياة الدنيا واستشهد الأخوان في هذا المقام بالأنبياء والرسل وأفعالهم وبآيات القرآن الكريم مثل قوله تعالي " تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة " صدق الله العظيم . الكشف والستر: نص أخوان الصفا على أن الأمة قد يكونون ظاهرين وقد يصيرون إلى الستر فالإمامة عندهم واجبة سواء ظهر الأمام أو استتر وللائمة فوائد جمة في حالتي الكشف والستر معا ففي الكشف يظهر ملكهم في الأجسام وألارواح وفي الستر يظهر في الأنفس والعقول أما الخلفاء الذين ليسوا من مذهبهم فهم أصحاب المملكة والخلافة الجسمية وتظهر إمامتهم في الجسد وحده لأنهم لم ينالوا التأييد الإلهي و لذا صاروا مشغولين بالشهوات والملذات فالقول أن ألإمام يملك النفوس في دور الستر و يملك الأرواح في دور الكشف ليس ألا تأليها لهذا ألإمام فمن يملك هذا ألا الله- سبحانه و تعالى- بل وأعطوا العصمة للإمام كالأنبياء. خلاصة القول حول نظرية الأخوان في الإمامة و شروط الأمام و أوصافه أنه إذا كان الحاكم صالحا صلحت الدولة والعكس ويعتبرون الرئيس هو السلطة العليا كالشمس بالنسبة للكواكب و كالقلب بالنسبة للبدن فهو مصدر المدينة و قوام نظامها و منه تستمد باقي السلطات الدنيا رئاستها كما يتضح من الشروط التي وضعها الأخوان لرئاسة المدينة الفاضلة أن مهمته ليست سياسية فحسب بل هي مهمة خلقية أيضا فهو من الناحية الخلقية يمثل النموذج الذي يحتذيه أهل المدينة الفاضلة و مما لاشك فيه أن نظرة الأخوان هذه وأن تكن نظرة ثيوقراطية ديموقراطية ألا أنها تتفق مع روح العصر حيث أن أطار المؤسسات السياسية قد تحدد بالدين والعرف تحديدا لا يمكن التفكير في الخروج عليه و تطويره عن طريق العمل الدائب المستمر من جانب المشرع بل لا يصح الخروج عليه لأن ذلك سيؤدي إلى أضعاف الجماعة و فالسلطة السياسية بمعنى الكلمة لا وجود لها ألا في المجتمعات الشرقية حيث الحكم المطلق و الاستغلال بواسطة الملك ورجاله و فيما عدا ذلك يمكن أحداث تغييرات في الأشخاص و في الملوك و في الأسر و العائلات المالكة ولكن تبقى الأشكال السياسية كما هي. ونتناول التنظيم الذي أعده الأخوان من أجل الدعوة إلى فكرتهم حول المدينة الفاضلة وهي التطبيق العملي للجانب الفكري السياسي عند الأخوان حيث بدأوا بالدعوة لجلب الأنصار أليهم أولا: نظام الدعوة: أن الخصائص العامة التي تميز دعوة أخوان الصفا كعقيدة أو مذهب هي عدم اقتصارها على كونها مجرد تحليل الواقع و نقضه و أنما تسعى إلى ذلك التغيير الذي هو جوهر المذهب السياسي بمعنى أن الأوضاع القائمة تتناقض مع الصورة المثالية للواقع الجديد الذي تسعى الحركة إلى تحقيقه. فالخصائص العامة التي تميز دعوة أخوان الصفا السياسية هي:- 1- أنها تعبير عن عقيدة سياسية.
2- أنها تعبير عن عقيدة ذات جوهر ديني.
3- أنها دعاية تشهيرية و تحريضيه ضد النظام القائم.
4- أنها تعبير عن مفهوم خاص لنظرية الدولة و كيفية ممارسة السلطة.
5- أنها دعوة حركية تسعى لتحقيق أهداف معينة حددتها مقدما و أعلنت عنها كمحور للنشاط المنبعث من المذهب.
6- أنها دعوة جماهيرية لأنها تخاطب المجموع و تتجه إلى الجماعة و تسعى إلى تحقيق أهدافها عن طريق التكتل الجماهيري و الوحدة الحركية. و قد قامت حركة أخوان الصفا اليوم على أساس ما يعرف اليوم بالديالكتيك وهذا يربط و يمزج بين مفهومي الدعوة و الدعاية كأسلوبين من أساليب التعامل النفسي لأن حركة الأخوان تسعى إلى التوسع و الانتشار وهى في سبيل ذلك تستخدم الدعاية وهى تسعى إلى التربية العقائدية و التنشئة السياسية و خلق نماذج جديدة من البشر و هي في سعيها هذا تلجأ لأسلوب الدعوة و من الطبيعي أن تكون الدعوة سرية و أن تتم هذه الدعوة من خلال تنظيم قوى قادر على تعميق الدعوة و نشر الدعاية. و لذلك أسس الأخوان فروعا لجماعتهم في جميع الأمصار و الأقطار و انتدبوا الدعاة للاتصال بكافة طبقات الناس لكسب الأمصار وربطهم بالجماعة وأهدافها و من ثم يعتمد نظام الدعوة على فكرتين أساسيتين هما:
1- القائمين بالدعوة أو الدعاة.
2- المستجيبين للدعوة أو المدعوين. أولا: الدعاة: كانت حركة أخوان الصفا عبارة عن دعاية خفية مستترة تغشاها أساليب من المكر و المراوغة ولذلك عملت في هدوء و حذر على نشر أفكارها و آراؤها بين الجماهير باستخدام أسلوب بث الدعاة بينهموهناك شروط يجب أن تتوافر في الداعي:
1- أن يكون المرشح لأن يكون داعيا محبا للتنقل من بلد إلى أخر في طلب العلم.
2- أن يسأل الله الوسيلة إلى الخلاص و النجاة و تجنب الهلاك بالمعرفة و بما ألهمه الله من العلم و العمل بما يكون فيه نجاته.
3- أن يكون متصفا بالحلم و حسن العبادة.
3- أن يألب الناس على النظام القائم و يدعو إلى الخلاص منه و يدعو إلى الاهتداء إلى طريق دعوة الأخوان. وبالنسبة لأسلوب اختيار الداعي فلقد كان قادة الأخوان الذين هم في أعلى مراتب الجماعة هم الذين يقومون باختيار الداعي ثم يكفونه ما يهمه من أمور دنياه ثم تحديد المكان الذي سيبدأ فيه الداعي الجديد مهمته. كذلك قام أسلوب الرسائل و المراسلات للاتصال بين الداعي و قيادة الجماعة و أيضا قام أسلوب المندوبين لنفس الغرض و أن كان هناك من يرى أنهم من المراتب العليا في الجماعة. ثانيا: المدعوين أو المستجيبين للدعوة:- لقد عمل أخوان الصفا على اجتذاب الناس إليهم من خلال عدة شعارات هي:
1- الدعوة لبناء المدينة الفاضلة: لاشك في أن الدعوة الأخوان لبناء دولة أهل الخير قد جعلت كثيرا من الناقمين على نظام الحكم القائم من كافة العناصر و الطبقات ينضمون إلى هذه الجماعة كما أن هذه الدعوة المشعة بالتفاؤل قد جذبت أعضاء للحركة من نختلف الطبقات المضطهدة و الناقمة.
2- تحقير الدنيا و الزهد فيها: لا ريب أن تحقير الأخوان للدنيا ومباهجها و دعوتهم إلى الزهد و تحبيذه ربما أدت إلى جذب الطبقات الفقيرة المعدمة و لعل مساعدة الأخوان للعضو بأن يكفوه أمور الدنيا المادية تعتبر دافعا قويا لجذب الطبقات الفقيرة للانضمام للجماعة.
3- مهاجمة معتقدات الفرق المختلفة: و من الملاحظ أيضا أن مهاجمة الأخوان لمعتقدات الفرق المختلفة و التشكيك في صحتها لهو دعوة ضمنية لأتباع هذه الفرق لهجرها و الانضمام إلى جماعة أخوان الصفا وعموما فهذا خطأ كبير حيث أن من مصلحة أخوان الصفا أو أي حركة ثورية عامة أن تتحالف مع الفرق الأخرى لا أن تهاجمها هذا فضلا عن استغلال الظروف النفسية والحالة الاجتماعية للمدعوين. يبقى التركيز على جذب الشباب للدعوة حيث أنهم كانوا يفضلون اجتذاب الشباب و الصبيان كثيرا و لعل تفضيل الأخوان للشباب والفتيان الأحداث يرجع إلى إقتداءهم بسنة الله تعالى و ذلك لأن الله تعالى لم يبعث نبيا الا وهو شاب و لا أعطى الحكمة أحدا من خلقه إلا من الشباب أو الفتيان كما ذكرهم الله تعالى في قوله"فتية أمنوا بربهم" و مع ذلك فأنهم لا يجدون ضرورة من ضم المشايخ. و من الشروط التي يجب توافره في المدعو لعضوية الجماعة :
1- أن يكون مؤتلف الروحانية.
2- أن يكون صحيح العزم.
3- أن يكون تام الصحبة.
4- أن بكون مأمون الصحبة.
5- أن يكون معنيا على الازدياد من العلوم.
6- ألا يأنف من التعلم أو يتكبر على المعلم و أن يقبل وصايا العارفين و يتبع المرشدين. ومن توافرت فيه هذه الشروط المبدئية يصبح مهيئا لقبول الدعوة بشرط أن تتوافر لديه الأحوال الأربعة التالية :
1- الإقرار باللسان.
2- التصور بضروب الأمثال للوضوح و البيان.
3- التصديق بالضمير والاعتقاد.
4- التحقيق بالاجتهاد في الاعمال. والعضو الذي يصدق كلامهم يصبح قوي النفس و كله رجاء في الفوز و ثقة في الله و لا شك أن هذه رموز باطنية. ومن مبادئهم أن يقوم الرئيس بامتحان العضو و ذلك بأن يطلب منه الابتعاد عن أهله مثلا. و جدير بالذكر أن كل صنف من المدعوين كان له دعاة مخصوصين له فهناك طوائف مقرون بهم منهم أولاد الملوك و الأمراء والوزراء و العمال والكتاب و منهم طائفة من أولاد الأشراف والدهاقين و لكل صنف دعاة مخصوصون. ثانيا:نظام المجالس السرية(الخلايا) : هناك نوعان من المجالس عند الأخوان :
1- مجلس للذات الجسمانية أي للأكل و الشرب وغيرها من أمور الجسد.
2- مجلس للذات الروحانية أي مجلس العلم. ونظم الأخوان مجالسهم على النحو التالي:
1- مجلس لكل منطقة: يدعو الأخوان أعضاء جماعتهم في كل مكان أن يكون هناك مجلسا خاصا بهم في كل بلدة و هو الذي يقود كل جوانب الحركة المحلية و ينظم كل أموره.
2- مواعيد الاجتماعات و مكانها: يكون اجتماع الأخوان في مجلسهم مرة واحدة كل أثني عشر يوما و ليس للاجتماع مكان ثابت و يجتمعون في أي مكان يكونون آمنين فيه على أنفسهم و يكون الاجتماع ليلا أو نهارا. شروط الاجتماعات :
1- أن يكون الاجتماع على تقوى الله وخيفة مراقبة.
2- على الأعضاء قبل حضور الاجتماع أن يتنظفوا و يتطهروا و يأخذوا زينتهم.
3- عدم التغيب عن الاجتماع لأي سبب من الأسباب فبما سوى عذر قهري يمنع صاحبه من الحضور إلى مكان الاجتماع.
4- رئاسة الاجتماعات:يستفاد من رسائل أخوان الصفا أن المجلس الأعلى لجماعة أخوان الصفا كان يطلق على رئيسه "الحكيم" أو"رب بيت الحكمة" و أن عدد تلاميذه كانوا أثنى عشر تلميذا و عموما فقد احتل الرئيس قدرا كبيرا بين مرؤسيه. الأسس العامة التي تحكم نظام المجالس : وضع الأخوان مجموعة من الأسس و القواعد التي تنظم العلاقة بين أفراد الجماعة وهى كالأتي:
1- أخذ العهد من العضو الجديد بما يتضمن الحفاظ على العلوم ة الأسرار ونشرها.
2- التدرج في تلقين أعضاء الجماعة علوم الجماعة وأسرارها.
3- الطاعة وهى طاعة المراتب الدنيا للمراتب العليا حتى لا يحدث الخلاف.
4- حرية الرأي حتى لا تقع الخصومة و يجب أن يكون المتجادلان من نفس الرتبة فإذا لم يتفقا رفعوا الأمر إلى من هو أعلى رتبة.
5- الفدائية والتضحية بالروح والجسد في سبيل الدعوة.
6- صون الأسرار و هو أهم مبدأ عند الجماعة. لقد ذكر من أخوان الصفا خمسة أعضاء هم: أبو سليمان محمد بن معشر البستي و يعرف بالمقدسي و أبو الحسن علي بن هارون الزنجابي و أبو احمد المهرجاني و العوفي و زيد بن رفاعة و كانوا يجتمعون سرا ويتباحثون في الفلسفة على أنواعها. و في الواقع أن الاختلاف بين الباحثين حول عصر جماعة أخوان الصفا أدى إلى الاختلاف حول أشخاص الجماعة الذين صنفوا رسائل أخوان الصفا و من هذه الآراء ما يلي :
1- أن واضعي الرسائل في القرن الرابع الهجري هم زيد بن رفاعة وأبو سليمان محمد بن مشير(معشر) البستي المعروف بالمقدسي و أبو الحسن على بن هارون الزنجابي و أبو احمد المهرجاني و النهرجوري و العوفي و أبي محمد بن أبي البغل.
2- أن الحكيم المجريطي هو الذي وضع رسائل أخوان الصفا أو الرسالة الجامعة.
3- أن احد الأئمة من آل البيت في العصر العباسي الأول هو الذي وضع هذه الرسائل مع عدم الاتفاق حول الأمام الواضع لها.
4- أن الحرم الأربعة للإمام احمد الوفي هم الذين وضعوا و هؤلاء الحرم هم عبدا لله بن المبارك وعبدا لله بن سعيد وعبد الله بن حمدان وعبد الله بن ميمون القداح. على أن الاحتمال الأقوى أن الرسائل قد ظهرت على مراحل وذلك ابتداء من عبد الله بن مبارك (المتوفى عام 181 أو 182هجريا) إلى الأمام عبد الله بن محمد ( المتوفي 212 هجريا) إلى الأمام احمد بن عبد الله(المتوفي299 هجريا) إلى عبد الله بن سعيد (المتوفى عام24. هجريا) إلى زيد بت رفاعة و جماعته في الربع الأخير من القرن الرابع الهجري إلى المجريطي (المتوفي 395 أو398 هجريا) و هذا يتفق مع مراحل تطور أي حركة حيث أنها تبدأ من الاعتدال حيث لا نلمح في الرسائل الأولى أي هجوم صريح على الخلفاء الراشدين و لكن بعد أن يتعاقب أجيال الجماعة يزداد تطرفها و هذا ما نلاحظه بصورة تدريجية في الرسائل اللاحقة. وقد بلغت الجماعة أوج مجدها في العصر العباسي الثاني مما يؤكد أنها قد بدأت قبل ذلك بكثير وهذا يتفق مع ما سبق الإشارة إليه.
المصادر:
1- د.أبو زيد شلبي: تاريخ الحضارة الإسلامية و الفكر الإسلامي- الطبعة الثامنة- مكتبة وهبة- القاهرة-1997
2- د.احمد شلبي:موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية "الخلافة العباسية"- الجزء الثالث- الطبعة الثامنة- دار الفكر العربي- القاهرة-1985
3- الموسوعة العربية الميسرة: تحرير د.محمد شفيق غربال و آخرون- الجزء الأول- دار الجيل- بيروت- 1995 4-د.عبد المنعم الحفني:موسوعة الفرق و الجماعات و المذاهب والفرق الإسلامية- الطبعة الأولى- دار الرشاد- القاهرة-1993
4- د.عبد اللطيف محمد العبد:الإنسان في فكر أخوان الصفا-مكتبة الانجلو مصرية- القاهرة
5- د.محمد البهي: الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي- الطبعة السادسة-مكتبة وهبة-القاهرة-1982
6- د.محمد فريد حجاب:الفلسفة السياسية عند أخوان الصفا- تقديم د.عز الدين فوده- الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة-1982
1- يميل البعض إلى انه مقتبس مما ورد في كتاب كليلة ودمنة عن الحمامة المطوقة وكيف نجت من الشبكة بمساعدة أخوان لها هذا فضلا عن ما ضربه صاحب كتاب كليلة و دمنة من الأمثال ينطبق على ما جاء في الرسائل من إشارات واضحة من تعاون الأصدقاء الرحماء فيما بينهم هذا فضلا عن احتواء كتاب كليلة و دمنة على كلمة أخوان الصفا
2- ذهب فريق آخر من الباحثين إلى القول بان الصفاء تعنى الصفاء في المودة أو إنها مقتبسة من الصوفية التى تدعو إلى صفاء القلب.
3- ويذهب فريق آخر من الباحثين إلى القول بوجود علاقة بين كلمة إخوان الصفاء وبين كلمة philosophy فيقابلون بين كلمة أخ وكلمة philo و يقابلون بين كلمة "صفا" و كلمة sophy هذا بالإضافة إلى إن كلمة sophy تشبه إلى حد كبير كلمة sofis في اللغة اليونانية القديمة والتى تعنى الصفاء أو النقاء وتقابل كلمة pure في اللغة الإنجليزية و pure في الفرنسبة. أما أخوان الصفا أنفسهم فقد أشاروا في رسائلهم إلى أن الصفاء يعنى النقاء والصفاء من شوائب التغيير. متى ظهر أخوان الصفا؟ يميل أكثر الباحثين أن جماعة أخوان الصفا قد ظهرت فى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) ولهم في ذلك حجج وبراهين:
- انقسام الدولة العباسية في القرن الرابع الهجري إلى خلافات متصارعة بعد أن عصفت بالخلافة العباسية الحدثان وتقسمها أمراء وملوك ولم للعباسيين فيها إلا بعض نفوذ فيها يطيف ببغداد وقيام دول ذات سيادة فكان السلطان في مركز الخلافة لبنى بويه وفي الأندلس لبنى أمية وفى أفريقيا للعبيديين وفي مصر للإخشيديين وفى الجزيرة الفراتية للشيبانيين وفي اليمامة للقرامطة وفي خراسان وما وراء النهر للساسانيين و تخاصم هذة الأسر فيما بينها
2- سبق دخول بنى بويه بغداد عام 344هجريا وانتشر الفساد فى الحكم ولم تكن هذة الحالة سوى نتيجة محتومة وطبيعية للثورات العديدة ونظرا لتجمع الثورات والسلطان فى ايدى جماعة من الفاسدين الذين فقدوا كل إحساس بالعدل والاستقامة فأخذت الجماعات المناهضة لهؤلاء الحكام تأخذ شكل الحركات السرية من اجل إعداد الأذهان للثورة ومن اشهر هذة الجماعات السرية جماعة إخوان الصفا.
3- انتشار الفلسفة اليونانية انتشارا واسعا في القرن الرابع الهجري وكثرة الفرق الإسلامية من أهل الحديث والمعتزلة والشيعة والخوارج وقد حاول كلا منها نشر دعوتها بمختلف الوسائل وخاصة من استعان منها في سبيل ذلك بالفلسفة اليونانية مما ترتب عليه ظهور مذاهب تجمع في آن واحد بين الشريعة الإسلامية والفلسفة اليونانية وفي هذا الإطار ظهرت رسائل أخوان الصفا التى كانت تجمع بين المذاهب الشيعية و المعتزلة من جانب وبين ثمرات الفلسفة اليونانية من جانب آخر.
4- الصراعات والنزاعات الاجتماعية والسياسية والدينية بسبب تعدد الأديان و المذاهب الدينية والجنسية والعرقية في الخلافة العباسية خصوصا في القرن الرابع الهجري فأراد إخوان الصفا أن يذيبوا جميع تلك الخلافات في مذهب واحد شامل مبنى على أسس مبادىء مستوحاة من كافة الأديان والمذاهب والمل.
5- تسامح الدولة البويهيه وما اثر عنهم من تساهل فكرى في عهدهم على عكس الحال فى عهد سيطرة الأتراك الذين كانوا مؤيدين لمذهب أهل السنة.
6- الاستناد إلى رواية أبو حيان التوحيدي حيث أشار إلى أن الجماعة قد استكملت تنظيمها سنة 373 اى في القرن الرابع الهجري. وهناك اتجاه ثان برى أن جماعة أخوان الصفا يعود تاريخها إلى نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين ويؤكد هذا الاتجاه انتساب أخوان الصفا للإسماعيلية وصلتهم الوثيقة بها وقدمهم بالانتساب اليه. وهذا الاتجاه لم يقدم أدلة دامغة للبرهنة على ظهور الإخوان في أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث للهجرة. البيئة الجغرافية لإخوان الصفا:- لقد اختلف الباحثون أيضا حول مكان تأسيس أو ظهور جماعة أخوان الصفا وهنا نجد اتجاهين ألاول يذهب إلى أن الجماعة تأسست في البصرة و كان لها فرع في بغداد والثاني يذهب إلى أن الجماعة تأسست في سلمية بالشام. غرض أخوان الصفا:
- لقد رأى أخوان الصفا أن الشريعة قد دنست بأقوال وتأويلات لا تتصل بها وان الفلسفة وحدها هى العلاج الوحيد لهذا الطارىء وعموما فقد هدفهم أن ينالوا فوزا سياسيا وان يكون لجماعتهم سلطانا زمنيا بين هذة الأحزاب والجماعات والدويلات الأخرى التى تميز بها القرن الرابع الهجري لضعف السلطة المركزية وقتئذ بسبب تحكيم العناصر الأجنبية فتكونوا بأسم الإصلاح الديني والقوا رسائلهم في تهذيب النفس وإصلاح النفس وإصلاح الأخلاق أي أن هدفهم كان الحصول على السلطان والغاية السياسية مبتغاهم. وهناك من برى انه كان من أهدافهم القضاء على الإسلام وقلب نظام الحكم غير أن الهدف السياسي أكثر ظهورا في رسائلهم من الهدف الديني ويمكن أن نقول أن الغرض من الهدفين كان أحياء العقائد والحضارة الفارسية. وربما كانت محاولة لتشكيل نظرة شاملة أو دين عالمي يتجاوز كل الاديان. وسوف نتناول في هذا الفصل الفكر السياسي عند أخوان الصفا والذي يدور حول المدينة الفاضلة المدبنة الفاضلة غاية الأجتماع السياسي تنحصر أنواع الاجتماعات عند أخوان الصفا في ثلاثة أنواع هى :
1- المدينة
2- الأمة
3- الدولة العالمية
ويرون أن المدينة تمثل مركز وحده اجتماعية متكاملة متأثرين بآراء أفلاطون و أرسطو إلا إنهم رأوا أن هناك وحدات اجتماعية اكبر من المدينة تتمثل في الأمة و الدولة العالمية و هو شئ لم يخطر على بال فلاسفة اليونان الذين اغترفوا كثيرا من فلسفاتهم و نظرياتهم على الأرجح و لعل ذلك يرجع إلى تأثرهم بتعاليم الدين الإسلامي الذي يهدف إلى إخضاع العالم كله إلى حكومة واحدة. والأمة في رأى الأخوان هى تلك تختص بصفات وطبائع وسجايا وموقع جغرافي ووحدة تاريخية و عادات و تقاليد موحدة بحيث تميزها عن الأمم الأخرى. ويتصور الأخوان أن هناك اجتماعا اكبر من الأمة يمكن تحقيقه في شكل دولة عالمية يشملها دين موحد وشريعة واحدة. ورأى الأخوان أن أول لبنة في تنظيمهم هو بناء المدينة الفاضلة أخوان الصفا والمدينة الفاضلة: لقد دعا أخوان الصفا إلى المدينة الفاضلة وكانوا كثيرا ما يذكرون أن لهم مدينة فاضلة يصفونها بالمثالية والروحانية والحق أنها كانت مجتمع سرى مغلق و لم يكن هؤلاء أول من تكلموا عن المدينة الفاضلة وإنما كانت الشغل الشاغل لفلاسفة اليونان كما علق الفلاسفة عليها أمالا كبيرة. وقد تأثر أخوان الصفا بأفلاطون في هذة المدينة لأنهم كانوا يعرفون أفلاطون جيدا ويسمى ألإخوان مدينتهم بدولة أهل الخير ويقولون"يبدأ أولها من قوم علماء و حكماء و خيار فضلاء يجتمعون على رأى واحد ويتفقون على مذهب واحد ودين واحد ويعقدون بينهم عقدا و ميثاقا إلا يتجادلوا أو لا يتقاعدوا عن نصرة بعضهم بعضا ويكونوا كرجل واحد في جميع أمورهم و كنفس واحدة في جميع تدبيرهم فيما يقصدون عن نصرة الدين وطلب الآخرة لا يبتغون سوى وجه الله و رضوانه جزاء ولا شكورا" خصائص المدينة الفاضلة:
1- يذكرون أن مدينتهم مرتفعة في الهواء وهذا رمز أنها مليئة بالتعاون في الدين والمعاش وقد يسمح بعضهم بتلف جسده لبنصر الدين أو ألأخ لان الجسد فان مظلم لا ينبغي الحرص عليه.
2- وفي المدينة تعاون علمي وأدبي ومادي وعلى كل فرقة أن تهيئ لنفسها مجلسا خاصا بها يجتمع فيه أعضاؤها وقتا معينا ولا يسمح لغيرهم بالحضور ويتذاكرون في المجلس علومهم ويتحاورون فيه أسرارهم.
3- وللمدينة قانون العقل الذي جعله الله تعالى رئيسا على الفضلاء من خلقه ومن لم يرض به فعقوبته المقاطعة و طي ألأسرار عنه.
4- و للمدينة أربعة أيام لكل يوم شأنه: فيوم خروج أول القائمين منهم يوم عيد ويوم فيه تصرم دولة أهل الجور وثالث فيه مقاومة الباطل الحق ورابع يوم الحزن والكآبة بالرجوع إلى كهف التقية والاستتار وكون الأمر على ما قال صاحب الشريعة "أن الإسلام ظهر غريبا وسيعود غريبا" ومن هنا يتضح الهدف السياسي تماما إلا وهو الثورة على نظام الحكم وأنهم مازالوا في طور الستر وأنهم ينتظرون قيام الثورة ويوم قيامها عيد عندهم و لكنهم يعلمون أن الهزيمة ستلحق بهم وسيعودون ألي الستر مرة أخرى. مراتب أهل المدينة الفاضلة:
1- المرتبة ألا ولى مرتبة ألأبرار: و يتراوح أعمارهم ما بين خمسة عشرة سنة إلى ثلاثين سنة و هم أرباب صنائع ونفوسهم جيدة التصور سريعة القبول و كثيرا ما توجه الخطاب في رسائل أخوان الصفا أليهم.
2- المرتبة الثانية مرتبة ألأخيار: وهم الرؤساء ذوو السياسة الذين يشفقون على إخوانهم وأعمارهم ما بين الثلاثين وألأربعين.
3- الثالثة مرتبة الفضلاء الكرام وهم الملوك ذوو ألأمر والنهي و أعمارهم بين الأربعين و الخمسين. 4-المرتبة الرابعة مرتبة الذين بلغوا سن الخمسين و هي التي يدعون أليها إخوانهم في أي مرتبة وهم هنا يرمزون الى ما يتمنونه من صعود سياسي لا روحاني والتقسيم في جمهورية أفلاطون بحسب المهنة لا السن كما هو لدى أخوان الصفا. الفرق بين المدينة الفاضلة والمدن الأخرى عند أخوان الصفا: لقد وصف أخوان الصفا المدن الأخرى بالجائرة وأوضحوا الفرق بين المدينتين (أى المدينة الفاضلة والمدينة الجائرة) فيما يلي:
1- المدينة الفاضلة لا يدخلها ألا من توافر فيه حد أدنى من العلم أما المدن غير الفاضلة فلا يشترط أن يكون سكانها علماء فضلاء بل تجمع الأخيار والأشرار والعلماء والجهلاء والمصلحين والمفسدين وأقواما مختلفي الطباع والأخلاق والآراء والأعمال والعادات.
2- المدينة الفاضلة تشبه جزيرة مخصبة كثيرة النعم يسود بين أهلها المحبة و الرحمة و الشفقة أما المدينة الجائرة فتشبه جزيرة وعرة جبلية مليئة بالسباع الضارية.
3- شبه الأخوان المدينة الفاضلة بالدار الأخرة ونعيمها ويشبهون المدينة الجائرة بالحياة الدنيا وجحيمها. ثانيا: الإمامة عند أخوان الصفا: بعد أن انتهينا من المدينة الفاضلة نأتي إلى رأس الحكم و هو الأمام و رأي الأخوان فيه أهتم أخوان الصفا بموضوع الإمامة أو الخلافة وأكدوا ضرورة الوصية فيها فالتصرف دون توقيف من الرسول كان سبباً في انقسام الأمة الإسلامية واختلاف الآراء فيها فليس هناك خلاف إذاً بين أخوان الصفا وبين الشيعة في ذلك وهذا تلويح منهم بالموافقة على رأي الأمامية الذين رأوا وجوبها بالنص على الإمام علي رضي الله عنه. فائدة الامام عند اخوان الصفا: يرى أخوان الصفا أن فائدة الإمام حفظ الشريعة وإحياء السنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, اجتماع الأمة على رأي واحد ونصب نواب عنه في الأقاليم ورجوع فقهاء المسلمين إليه في المشكلات من فقه وأحكام وحدود وفتاوى وبذلك يكون نصب الأمام عندهم واجباً. وجدير بالذكر أن من شدة تعلق أخوان الصفا أنهم كانوا يقابلون بين نظام المدينة وسائر الكواكب كالجنود والأعوان والرعية في المدينة ونسبة المريخ من الشمس كنسبة صاحب الجيش من الملك والمشترى كالقاضي وعطارد كالوزير والقمر كولي العهد وهكذا وفكرة أن الملك كالشمس قريبة الشبه بما ذكره أفلاطون عن الشمس وأهميتها في العالم المحسوس حيث هي التي تمنح الأشياء عين وجودها شروط الامامة: ذكر أخوان انه يجب أن يكون لأفضل بعد النبي والأقرب إليه نسبياً غير أنهم اختلفوا في هذه الشروط وهناك من رأى عكس الشرط السابق غير أنهم يذكرون انه يجب التفرقة بين خلافة النبوة وخلافة الملك. مأخذهم على الخلافة : لقد غضب أخوان الصفا على الخلفاء من غير مذهبهم أشد الغضب مع إنهم راضون عن تصرف علي رضي الله عنه ويسمونه أمير المؤمنين ويسخطون على من أغضبه يوم التحكيم فلم يكن في نية الحكمين أي إصلاح وهم يرون ما يراه علي في التحكيم وهذا اعتراف ضمني بإمامته ولا خلاف بينهم وبين الشيعة والإسماعيلية في ولاية علي. الخلافة عند اخوان الصفا: الخلافة في رأي أخوان الصفا لا تؤخذ غلاباً بل انه لابد توقيفه ووصيه وكل من اغتصبها فهو خليفة إبليس وكأنهم يحكمون على جميع الخلفاء بأنهم أتباع إبليس ما عدا من كان على مذهبهم ويقول اخوان الصفا ان الخلافة بدأت مع أدم عندما استخلفه الله على الأرض وفي هذا اتفاق مع نظرية الباطنية التي تقضي بان الإمامة عالمية وانها بدأت من أول الخليقة في كل الأمم والديانات. أهمية الدين بالنسبة للملك في نظرية الدولة عند أخوان الصفا: لقد جعل أخوان الصفا الدين هو الأصل في هذه العلاقة حيث أن الدين هو الأصل في صلاح الدنيا والآخرة والملك عندهم حارس الدين وانه حتى تركه القيام بواجباته أنفسد الدين والدنيا جميعاً وشعارهم أن الملك هو الدين أما الملك فهو شئ عارض فالأنبياء أعطاهم الله الملك ولكنه كان عارضاً بالنسبة لهم مع أنهم جمعوا بين الملك والدين وتتم مبررات الجمع بين الدين والملك في نظر أخوان الصفا فيما يلي:
1- أن الملك لو كان شخصاً آخر غي شخص النبي لم يكن يجرؤ إن يردهم عن دينهم أو يسومهم سوء العذاب كما فعل فرعون ببني إسرائيل.
2- أن الناس بطبيعتهم لا يرغبون الا في دين الملوك ولا يرهبون الا منهم وهكذا كان يرى الأخوان أن الملك عارض وانه وسيلة لحفظ الدين الذي هو الأصل أو " الأخ المقدم " وان الصورة المثلى للدولة هي تلك التي يجتمع فيها الملك والدين لشخص واحد أو رئيس واحد. والمنطلق الأساسي لهم كان قائماً عل تعاليم الدين الإسلامي وحثه على الزهد في الحياة وتفضيله الدار الآخرة على الحياة الدنيا واستشهد الأخوان في هذا المقام بالأنبياء والرسل وأفعالهم وبآيات القرآن الكريم مثل قوله تعالي " تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة " صدق الله العظيم . الكشف والستر: نص أخوان الصفا على أن الأمة قد يكونون ظاهرين وقد يصيرون إلى الستر فالإمامة عندهم واجبة سواء ظهر الأمام أو استتر وللائمة فوائد جمة في حالتي الكشف والستر معا ففي الكشف يظهر ملكهم في الأجسام وألارواح وفي الستر يظهر في الأنفس والعقول أما الخلفاء الذين ليسوا من مذهبهم فهم أصحاب المملكة والخلافة الجسمية وتظهر إمامتهم في الجسد وحده لأنهم لم ينالوا التأييد الإلهي و لذا صاروا مشغولين بالشهوات والملذات فالقول أن ألإمام يملك النفوس في دور الستر و يملك الأرواح في دور الكشف ليس ألا تأليها لهذا ألإمام فمن يملك هذا ألا الله- سبحانه و تعالى- بل وأعطوا العصمة للإمام كالأنبياء. خلاصة القول حول نظرية الأخوان في الإمامة و شروط الأمام و أوصافه أنه إذا كان الحاكم صالحا صلحت الدولة والعكس ويعتبرون الرئيس هو السلطة العليا كالشمس بالنسبة للكواكب و كالقلب بالنسبة للبدن فهو مصدر المدينة و قوام نظامها و منه تستمد باقي السلطات الدنيا رئاستها كما يتضح من الشروط التي وضعها الأخوان لرئاسة المدينة الفاضلة أن مهمته ليست سياسية فحسب بل هي مهمة خلقية أيضا فهو من الناحية الخلقية يمثل النموذج الذي يحتذيه أهل المدينة الفاضلة و مما لاشك فيه أن نظرة الأخوان هذه وأن تكن نظرة ثيوقراطية ديموقراطية ألا أنها تتفق مع روح العصر حيث أن أطار المؤسسات السياسية قد تحدد بالدين والعرف تحديدا لا يمكن التفكير في الخروج عليه و تطويره عن طريق العمل الدائب المستمر من جانب المشرع بل لا يصح الخروج عليه لأن ذلك سيؤدي إلى أضعاف الجماعة و فالسلطة السياسية بمعنى الكلمة لا وجود لها ألا في المجتمعات الشرقية حيث الحكم المطلق و الاستغلال بواسطة الملك ورجاله و فيما عدا ذلك يمكن أحداث تغييرات في الأشخاص و في الملوك و في الأسر و العائلات المالكة ولكن تبقى الأشكال السياسية كما هي. ونتناول التنظيم الذي أعده الأخوان من أجل الدعوة إلى فكرتهم حول المدينة الفاضلة وهي التطبيق العملي للجانب الفكري السياسي عند الأخوان حيث بدأوا بالدعوة لجلب الأنصار أليهم أولا: نظام الدعوة: أن الخصائص العامة التي تميز دعوة أخوان الصفا كعقيدة أو مذهب هي عدم اقتصارها على كونها مجرد تحليل الواقع و نقضه و أنما تسعى إلى ذلك التغيير الذي هو جوهر المذهب السياسي بمعنى أن الأوضاع القائمة تتناقض مع الصورة المثالية للواقع الجديد الذي تسعى الحركة إلى تحقيقه. فالخصائص العامة التي تميز دعوة أخوان الصفا السياسية هي:- 1- أنها تعبير عن عقيدة سياسية.
2- أنها تعبير عن عقيدة ذات جوهر ديني.
3- أنها دعاية تشهيرية و تحريضيه ضد النظام القائم.
4- أنها تعبير عن مفهوم خاص لنظرية الدولة و كيفية ممارسة السلطة.
5- أنها دعوة حركية تسعى لتحقيق أهداف معينة حددتها مقدما و أعلنت عنها كمحور للنشاط المنبعث من المذهب.
6- أنها دعوة جماهيرية لأنها تخاطب المجموع و تتجه إلى الجماعة و تسعى إلى تحقيق أهدافها عن طريق التكتل الجماهيري و الوحدة الحركية. و قد قامت حركة أخوان الصفا اليوم على أساس ما يعرف اليوم بالديالكتيك وهذا يربط و يمزج بين مفهومي الدعوة و الدعاية كأسلوبين من أساليب التعامل النفسي لأن حركة الأخوان تسعى إلى التوسع و الانتشار وهى في سبيل ذلك تستخدم الدعاية وهى تسعى إلى التربية العقائدية و التنشئة السياسية و خلق نماذج جديدة من البشر و هي في سعيها هذا تلجأ لأسلوب الدعوة و من الطبيعي أن تكون الدعوة سرية و أن تتم هذه الدعوة من خلال تنظيم قوى قادر على تعميق الدعوة و نشر الدعاية. و لذلك أسس الأخوان فروعا لجماعتهم في جميع الأمصار و الأقطار و انتدبوا الدعاة للاتصال بكافة طبقات الناس لكسب الأمصار وربطهم بالجماعة وأهدافها و من ثم يعتمد نظام الدعوة على فكرتين أساسيتين هما:
1- القائمين بالدعوة أو الدعاة.
2- المستجيبين للدعوة أو المدعوين. أولا: الدعاة: كانت حركة أخوان الصفا عبارة عن دعاية خفية مستترة تغشاها أساليب من المكر و المراوغة ولذلك عملت في هدوء و حذر على نشر أفكارها و آراؤها بين الجماهير باستخدام أسلوب بث الدعاة بينهموهناك شروط يجب أن تتوافر في الداعي:
1- أن يكون المرشح لأن يكون داعيا محبا للتنقل من بلد إلى أخر في طلب العلم.
2- أن يسأل الله الوسيلة إلى الخلاص و النجاة و تجنب الهلاك بالمعرفة و بما ألهمه الله من العلم و العمل بما يكون فيه نجاته.
3- أن يكون متصفا بالحلم و حسن العبادة.
3- أن يألب الناس على النظام القائم و يدعو إلى الخلاص منه و يدعو إلى الاهتداء إلى طريق دعوة الأخوان. وبالنسبة لأسلوب اختيار الداعي فلقد كان قادة الأخوان الذين هم في أعلى مراتب الجماعة هم الذين يقومون باختيار الداعي ثم يكفونه ما يهمه من أمور دنياه ثم تحديد المكان الذي سيبدأ فيه الداعي الجديد مهمته. كذلك قام أسلوب الرسائل و المراسلات للاتصال بين الداعي و قيادة الجماعة و أيضا قام أسلوب المندوبين لنفس الغرض و أن كان هناك من يرى أنهم من المراتب العليا في الجماعة. ثانيا: المدعوين أو المستجيبين للدعوة:- لقد عمل أخوان الصفا على اجتذاب الناس إليهم من خلال عدة شعارات هي:
1- الدعوة لبناء المدينة الفاضلة: لاشك في أن الدعوة الأخوان لبناء دولة أهل الخير قد جعلت كثيرا من الناقمين على نظام الحكم القائم من كافة العناصر و الطبقات ينضمون إلى هذه الجماعة كما أن هذه الدعوة المشعة بالتفاؤل قد جذبت أعضاء للحركة من نختلف الطبقات المضطهدة و الناقمة.
2- تحقير الدنيا و الزهد فيها: لا ريب أن تحقير الأخوان للدنيا ومباهجها و دعوتهم إلى الزهد و تحبيذه ربما أدت إلى جذب الطبقات الفقيرة المعدمة و لعل مساعدة الأخوان للعضو بأن يكفوه أمور الدنيا المادية تعتبر دافعا قويا لجذب الطبقات الفقيرة للانضمام للجماعة.
3- مهاجمة معتقدات الفرق المختلفة: و من الملاحظ أيضا أن مهاجمة الأخوان لمعتقدات الفرق المختلفة و التشكيك في صحتها لهو دعوة ضمنية لأتباع هذه الفرق لهجرها و الانضمام إلى جماعة أخوان الصفا وعموما فهذا خطأ كبير حيث أن من مصلحة أخوان الصفا أو أي حركة ثورية عامة أن تتحالف مع الفرق الأخرى لا أن تهاجمها هذا فضلا عن استغلال الظروف النفسية والحالة الاجتماعية للمدعوين. يبقى التركيز على جذب الشباب للدعوة حيث أنهم كانوا يفضلون اجتذاب الشباب و الصبيان كثيرا و لعل تفضيل الأخوان للشباب والفتيان الأحداث يرجع إلى إقتداءهم بسنة الله تعالى و ذلك لأن الله تعالى لم يبعث نبيا الا وهو شاب و لا أعطى الحكمة أحدا من خلقه إلا من الشباب أو الفتيان كما ذكرهم الله تعالى في قوله"فتية أمنوا بربهم" و مع ذلك فأنهم لا يجدون ضرورة من ضم المشايخ. و من الشروط التي يجب توافره في المدعو لعضوية الجماعة :
1- أن يكون مؤتلف الروحانية.
2- أن يكون صحيح العزم.
3- أن يكون تام الصحبة.
4- أن بكون مأمون الصحبة.
5- أن يكون معنيا على الازدياد من العلوم.
6- ألا يأنف من التعلم أو يتكبر على المعلم و أن يقبل وصايا العارفين و يتبع المرشدين. ومن توافرت فيه هذه الشروط المبدئية يصبح مهيئا لقبول الدعوة بشرط أن تتوافر لديه الأحوال الأربعة التالية :
1- الإقرار باللسان.
2- التصور بضروب الأمثال للوضوح و البيان.
3- التصديق بالضمير والاعتقاد.
4- التحقيق بالاجتهاد في الاعمال. والعضو الذي يصدق كلامهم يصبح قوي النفس و كله رجاء في الفوز و ثقة في الله و لا شك أن هذه رموز باطنية. ومن مبادئهم أن يقوم الرئيس بامتحان العضو و ذلك بأن يطلب منه الابتعاد عن أهله مثلا. و جدير بالذكر أن كل صنف من المدعوين كان له دعاة مخصوصين له فهناك طوائف مقرون بهم منهم أولاد الملوك و الأمراء والوزراء و العمال والكتاب و منهم طائفة من أولاد الأشراف والدهاقين و لكل صنف دعاة مخصوصون. ثانيا:نظام المجالس السرية(الخلايا) : هناك نوعان من المجالس عند الأخوان :
1- مجلس للذات الجسمانية أي للأكل و الشرب وغيرها من أمور الجسد.
2- مجلس للذات الروحانية أي مجلس العلم. ونظم الأخوان مجالسهم على النحو التالي:
1- مجلس لكل منطقة: يدعو الأخوان أعضاء جماعتهم في كل مكان أن يكون هناك مجلسا خاصا بهم في كل بلدة و هو الذي يقود كل جوانب الحركة المحلية و ينظم كل أموره.
2- مواعيد الاجتماعات و مكانها: يكون اجتماع الأخوان في مجلسهم مرة واحدة كل أثني عشر يوما و ليس للاجتماع مكان ثابت و يجتمعون في أي مكان يكونون آمنين فيه على أنفسهم و يكون الاجتماع ليلا أو نهارا. شروط الاجتماعات :
1- أن يكون الاجتماع على تقوى الله وخيفة مراقبة.
2- على الأعضاء قبل حضور الاجتماع أن يتنظفوا و يتطهروا و يأخذوا زينتهم.
3- عدم التغيب عن الاجتماع لأي سبب من الأسباب فبما سوى عذر قهري يمنع صاحبه من الحضور إلى مكان الاجتماع.
4- رئاسة الاجتماعات:يستفاد من رسائل أخوان الصفا أن المجلس الأعلى لجماعة أخوان الصفا كان يطلق على رئيسه "الحكيم" أو"رب بيت الحكمة" و أن عدد تلاميذه كانوا أثنى عشر تلميذا و عموما فقد احتل الرئيس قدرا كبيرا بين مرؤسيه. الأسس العامة التي تحكم نظام المجالس : وضع الأخوان مجموعة من الأسس و القواعد التي تنظم العلاقة بين أفراد الجماعة وهى كالأتي:
1- أخذ العهد من العضو الجديد بما يتضمن الحفاظ على العلوم ة الأسرار ونشرها.
2- التدرج في تلقين أعضاء الجماعة علوم الجماعة وأسرارها.
3- الطاعة وهى طاعة المراتب الدنيا للمراتب العليا حتى لا يحدث الخلاف.
4- حرية الرأي حتى لا تقع الخصومة و يجب أن يكون المتجادلان من نفس الرتبة فإذا لم يتفقا رفعوا الأمر إلى من هو أعلى رتبة.
5- الفدائية والتضحية بالروح والجسد في سبيل الدعوة.
6- صون الأسرار و هو أهم مبدأ عند الجماعة. لقد ذكر من أخوان الصفا خمسة أعضاء هم: أبو سليمان محمد بن معشر البستي و يعرف بالمقدسي و أبو الحسن علي بن هارون الزنجابي و أبو احمد المهرجاني و العوفي و زيد بن رفاعة و كانوا يجتمعون سرا ويتباحثون في الفلسفة على أنواعها. و في الواقع أن الاختلاف بين الباحثين حول عصر جماعة أخوان الصفا أدى إلى الاختلاف حول أشخاص الجماعة الذين صنفوا رسائل أخوان الصفا و من هذه الآراء ما يلي :
1- أن واضعي الرسائل في القرن الرابع الهجري هم زيد بن رفاعة وأبو سليمان محمد بن مشير(معشر) البستي المعروف بالمقدسي و أبو الحسن على بن هارون الزنجابي و أبو احمد المهرجاني و النهرجوري و العوفي و أبي محمد بن أبي البغل.
2- أن الحكيم المجريطي هو الذي وضع رسائل أخوان الصفا أو الرسالة الجامعة.
3- أن احد الأئمة من آل البيت في العصر العباسي الأول هو الذي وضع هذه الرسائل مع عدم الاتفاق حول الأمام الواضع لها.
4- أن الحرم الأربعة للإمام احمد الوفي هم الذين وضعوا و هؤلاء الحرم هم عبدا لله بن المبارك وعبدا لله بن سعيد وعبد الله بن حمدان وعبد الله بن ميمون القداح. على أن الاحتمال الأقوى أن الرسائل قد ظهرت على مراحل وذلك ابتداء من عبد الله بن مبارك (المتوفى عام 181 أو 182هجريا) إلى الأمام عبد الله بن محمد ( المتوفي 212 هجريا) إلى الأمام احمد بن عبد الله(المتوفي299 هجريا) إلى عبد الله بن سعيد (المتوفى عام24. هجريا) إلى زيد بت رفاعة و جماعته في الربع الأخير من القرن الرابع الهجري إلى المجريطي (المتوفي 395 أو398 هجريا) و هذا يتفق مع مراحل تطور أي حركة حيث أنها تبدأ من الاعتدال حيث لا نلمح في الرسائل الأولى أي هجوم صريح على الخلفاء الراشدين و لكن بعد أن يتعاقب أجيال الجماعة يزداد تطرفها و هذا ما نلاحظه بصورة تدريجية في الرسائل اللاحقة. وقد بلغت الجماعة أوج مجدها في العصر العباسي الثاني مما يؤكد أنها قد بدأت قبل ذلك بكثير وهذا يتفق مع ما سبق الإشارة إليه.
المصادر:
1- د.أبو زيد شلبي: تاريخ الحضارة الإسلامية و الفكر الإسلامي- الطبعة الثامنة- مكتبة وهبة- القاهرة-1997
2- د.احمد شلبي:موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية "الخلافة العباسية"- الجزء الثالث- الطبعة الثامنة- دار الفكر العربي- القاهرة-1985
3- الموسوعة العربية الميسرة: تحرير د.محمد شفيق غربال و آخرون- الجزء الأول- دار الجيل- بيروت- 1995 4-د.عبد المنعم الحفني:موسوعة الفرق و الجماعات و المذاهب والفرق الإسلامية- الطبعة الأولى- دار الرشاد- القاهرة-1993
4- د.عبد اللطيف محمد العبد:الإنسان في فكر أخوان الصفا-مكتبة الانجلو مصرية- القاهرة
5- د.محمد البهي: الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي- الطبعة السادسة-مكتبة وهبة-القاهرة-1982
6- د.محمد فريد حجاب:الفلسفة السياسية عند أخوان الصفا- تقديم د.عز الدين فوده- الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة-1982