نقوس المهدي
كاتب
تعتبر دراسة القصص الشعبي دراسة علمية، إنجازا حديثا.لذلك يتسع حقل هذا السرد الشعبي العريق لمزيد من الأبحاث والدراسات المتنوعة. وتبقى الخطوة الأساس الأولى في هذا الطريق، ممركزة حول جمع المتون، وتصنيفها، وتجنيسها، من اجل الاستفادة الكبيرة المثلى من هذا المأثور الشعبي الثمين.
عن القصص الشعبي في المغرب من الكثرة والتنوع إلى درجة يصعب معها حصره أو دراسته في شموليته. لهذا كان من اللازم أن تمر عملية التعاطي معه بمجموعة من المراحل الأولية الضرورية، ومنها جمعه وتصنيفه وتبويبه وأرشفته.
لكن ن الملاحظ أن معظم المحاولات السابقة المبذولة من اجل تحقيق تلك الغاية، ارتبطت أساسا بنمط واحد معين من أنواع القصص الشعبي هو الحكاية العجيبة، وغن خالطتها بعض النصوص المتخللة المنتمية إلى غير هذا النوع مثلما هو الشأن في مجموعة حكايات بيرول الفرنسية في القرن 17، ومجموعة حكايات الأخوين جريم الألمانية، ومجموعة الحكايات الشعبية الروسية لافاناسييف في القرن19.
والحقيقة أن عملية جمع القصص الشعبي وتصنيفه، تمثل إشكالا عويصا، يضع أكثر من علامة استفهام أمام طرق إنجاز هذه العملية، لاسيما فيما يتعلق بحصر الحدود الفارقة بين أنواع السرد الشعبي المختلفة، وكيفية ترتيب نصوصها إحصائيا وجماليا ودلاليا.
وفي المغرب، يلاحظ الباحث المتتبع لمشهد الأدب الشعبي، أن المتن المغربي من القصص الشعبي كما المتن العربي، قد عرف مجموعة من المحاولات المبذولة من طرف الأجانب والمغاربة، لجمعه وتبويبه. على أن هذه المحاولات اتسمت بالاضطراب والمزاجية، بحيث لم تخضع لأية منهجية مرسومة قبلا. فقد اصدر كل من محمد الفاسي وإميل درمنجهيم مجموعة( حكايات فاسية) باللغة الفرنسية سنة 1926، محتوية على 15 حكاية عجيبة دونما تنصيص على التبرير العلمي المطلوب. وعاد الرجلان بعد سنتين، لتتمة مسيرتهما في طريق جمع الحكايات الشعبية الفاسية، بإصدار مجموعة ثانية باللغة الفرنسية أيضا، تحت عنوان:(حكايات فاسية جديدة)، مكونة من 23 حكاية تكاد أن تكون ممركزة على الحكايات العجيبة بالذات، لولا أن تخللتها 5 حكايات نوعية تنتمي إلى نمط مغاير هو الحكاية الشعبية.
وفي سنة 1937 نشر جورج كولين مجموعة( حكايات ونوادر)ن تحمل 40 حكاية مغربية، لكن دون عناوين، بل مرقمة من واد إلى أربعين بالأرقام الرومانية. ويتبين الباحث من التدقيق فيها، أن متنها يتوزع إلى حكاية مرحة(29 حكاية)، وحكاية شعبية(10)، وحكاية عجيبة(1).
وسبق أن نشر إ. دستينك سنة 1940 كتاب( نصوص بربرية في عامية شلوح سوس)، مخصص كله لنوع آخر من القص الشعبي المغربي، ويتعلق الامر بالحكاية الخرافية، بمظاهرها المختلفة من حيوانية ونباتية وجمادية.
كما صدر لفرانسوا بونجان( حكايات لالا ثريا: طائر اصفر وطائر أخضر) سنة 1952، من 13 حكاية عجيبة. وفي شمال المغرب نشر أواخر الحماية الإسبانية، لاركاديو دي لاريا بالاسين( حكايات شعبية ليهود شمال المغرب) في جزئين، صدر الجزء الأول سنة 1952، بينما انتظر صدور الجزء الثاني إلى 1953.وقد بلغ مجموع حكايات المتن فيهما 156 حكاية ما بين عجيبة، وشعبية ومرحة.
وقد يستغرب الباحث، حينما يلاحظ أن هذا النهج قد استمر إلى أيامنا هذه، رغم ما عرفته الدراسات الأدبية الشعبية من تقدم معرفي وتطور منهجي، ومن وعي بأنماط القصص الشعبي على المستوى الاجناسي. مثل ( من اجل الوردة الحمراء سال دمي) حكايات مغربية باللغة الإسبانية، جمعها رودولفو خيل، ومحمد بنعزوز في منطقة غماره وجبالة بشمال المغرب، ونشرها المعهد الإسباني العربي للثقافة بمدريد سنة 1977. وقد بلغ عدد حكايات هذا المتن 131 حكاية مغربية، لم تخضع لأي تصنيف أو تأطير. وكذلك( حكايات من الفلكلور المغربي)ن في جزئين، صدر الجزء الأول سنة 1978، والجزء الثاني سنة 1985. وقد جمع فيهما يسري شاكر 100 حكاية مغربية متداخلة نوعيا. و( راوي مراكش)، مجموعة من 7 حكايات مغربية وطولة، جمعها طوني بارطون، ونشرها بالإنجليزية سنة 1980.
وفي رسالتها الضخمة، لنيل دبلوم الدراسات العليا، بعنوان( الحكاية الشعبية في مراكش)، فضلت مالكة العاصمي تصنيف كم الحكايات المراكشية، الواردة في الأجزاء الثلاثة من الرسالة، وفق تقسيم متعدد المستويات، يركز أساسا على الموضوعات( قيم اجتماعية- نظريات ومواقف فكرية- أحداث ترفيهية)، لكنه ينتقل إلى تصنيف الحكايات حسب شخصيات أبطالها وهدفية مغزاها.
ولعل هذا الاضطراب في تصنيف القصص الشعبي المغربي، يدعونا جميعا إلى ضرورة إعادة النظر في كيفية جمعه وضبطه، وتبويبه وتصنيفه، وأرشفته، على أسس مغايرة وواعية بحقيقة كل هذه العمليات وآلياتها ومناهجها.
والحكاية العجيبة، نوع سردي شعبي ، تهيمن عليها الظواهر الخارقة من سحر وجن وأفعال خارجة عن المنطق والمعقولية، منفلتة من إسار المكان وسلطان الزمن، مع ابتعاد المغزى الوعظي والأخلاقي المباشر عن مقصديتها. وهي تقدم عوالمها العجائبية كما لو كانت أمرا طبيعيا..
أما الحكاية الشعبية، فهي عكس سابقتها، تعبير موضوعي واقعي، غير منقطع عن الزمن والمكان، حيث تجري في واقع تاريخي فعلي. مما جعل بعض الباحثين العرب يسمونها( الحكاية الواقعية). وتتحدد أهم عناصرها التجنيسية المخصوصة بها، في الوعي بمفارقات الحياة الواقعية والارتباط بها.
أما الحكاية الخرافية فهي نوع آخر مختلف بين أنواع الجنس السردي الشعبي. وهي ذات مكونات أجناسيى مميزة لها، تتحدد في شدة قصرها المطرد. وفي بساطة بنائها المهيكل على أساسين اثنين: تعرض في الأول الحادثة المجسدة لمغزى، ويركز في الثاني الموقف الأخلاقي المباشر. كما أن أبطالها بلا أسماء، وعددهم جد قليل، بحيث لا يتجاوز الثلاثة غالبا. يتعلق الأمر ب( المعتدي، الضحية، الوسيط). وهو غما من الحيوان، أو النبات أو الجماد أو الظواهر الطبيعية. ويؤنسنون بإسقاط الخصائص البشرية عليهم.
والحكاية المرحة، تشترك مع الحكاية الخرافية في الاتصاف بالقصر الشديد. لذا فهي تتميز أيضا ببساطة البناء وتكثيف الزمن والمكان، ومحدودية الشخوص، والتركيز على حدث واحد منفرد، والارتباط بالواقع الاجتماعي، وبراعة التجسيد والتشخيص، ودينامية الحوار وعضويته.كما أن أبطالها ليست ذات تجليات عدوانية كما هو الشأن بالنسبة لأبطال الحكاية الخرافية،ولا هي مبنية على المكر والخداع مثلما يلاحظ في معظم أبطال الحكاية الشعبية. كما تستند الحكاية المرحة على ثنائية شخوصية يتقابل فيها النقيضان لصنع جدلية المفارقة المكونة لجوهر الحكاية.
عن: القصص الشعبي: قضايا وإشكالات، للدكتور مصطفى يعلى، ط1 2007 ،
البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 29
محمد داني, 10/7/09
عن القصص الشعبي في المغرب من الكثرة والتنوع إلى درجة يصعب معها حصره أو دراسته في شموليته. لهذا كان من اللازم أن تمر عملية التعاطي معه بمجموعة من المراحل الأولية الضرورية، ومنها جمعه وتصنيفه وتبويبه وأرشفته.
لكن ن الملاحظ أن معظم المحاولات السابقة المبذولة من اجل تحقيق تلك الغاية، ارتبطت أساسا بنمط واحد معين من أنواع القصص الشعبي هو الحكاية العجيبة، وغن خالطتها بعض النصوص المتخللة المنتمية إلى غير هذا النوع مثلما هو الشأن في مجموعة حكايات بيرول الفرنسية في القرن 17، ومجموعة حكايات الأخوين جريم الألمانية، ومجموعة الحكايات الشعبية الروسية لافاناسييف في القرن19.
والحقيقة أن عملية جمع القصص الشعبي وتصنيفه، تمثل إشكالا عويصا، يضع أكثر من علامة استفهام أمام طرق إنجاز هذه العملية، لاسيما فيما يتعلق بحصر الحدود الفارقة بين أنواع السرد الشعبي المختلفة، وكيفية ترتيب نصوصها إحصائيا وجماليا ودلاليا.
وفي المغرب، يلاحظ الباحث المتتبع لمشهد الأدب الشعبي، أن المتن المغربي من القصص الشعبي كما المتن العربي، قد عرف مجموعة من المحاولات المبذولة من طرف الأجانب والمغاربة، لجمعه وتبويبه. على أن هذه المحاولات اتسمت بالاضطراب والمزاجية، بحيث لم تخضع لأية منهجية مرسومة قبلا. فقد اصدر كل من محمد الفاسي وإميل درمنجهيم مجموعة( حكايات فاسية) باللغة الفرنسية سنة 1926، محتوية على 15 حكاية عجيبة دونما تنصيص على التبرير العلمي المطلوب. وعاد الرجلان بعد سنتين، لتتمة مسيرتهما في طريق جمع الحكايات الشعبية الفاسية، بإصدار مجموعة ثانية باللغة الفرنسية أيضا، تحت عنوان:(حكايات فاسية جديدة)، مكونة من 23 حكاية تكاد أن تكون ممركزة على الحكايات العجيبة بالذات، لولا أن تخللتها 5 حكايات نوعية تنتمي إلى نمط مغاير هو الحكاية الشعبية.
وفي سنة 1937 نشر جورج كولين مجموعة( حكايات ونوادر)ن تحمل 40 حكاية مغربية، لكن دون عناوين، بل مرقمة من واد إلى أربعين بالأرقام الرومانية. ويتبين الباحث من التدقيق فيها، أن متنها يتوزع إلى حكاية مرحة(29 حكاية)، وحكاية شعبية(10)، وحكاية عجيبة(1).
وسبق أن نشر إ. دستينك سنة 1940 كتاب( نصوص بربرية في عامية شلوح سوس)، مخصص كله لنوع آخر من القص الشعبي المغربي، ويتعلق الامر بالحكاية الخرافية، بمظاهرها المختلفة من حيوانية ونباتية وجمادية.
كما صدر لفرانسوا بونجان( حكايات لالا ثريا: طائر اصفر وطائر أخضر) سنة 1952، من 13 حكاية عجيبة. وفي شمال المغرب نشر أواخر الحماية الإسبانية، لاركاديو دي لاريا بالاسين( حكايات شعبية ليهود شمال المغرب) في جزئين، صدر الجزء الأول سنة 1952، بينما انتظر صدور الجزء الثاني إلى 1953.وقد بلغ مجموع حكايات المتن فيهما 156 حكاية ما بين عجيبة، وشعبية ومرحة.
وقد يستغرب الباحث، حينما يلاحظ أن هذا النهج قد استمر إلى أيامنا هذه، رغم ما عرفته الدراسات الأدبية الشعبية من تقدم معرفي وتطور منهجي، ومن وعي بأنماط القصص الشعبي على المستوى الاجناسي. مثل ( من اجل الوردة الحمراء سال دمي) حكايات مغربية باللغة الإسبانية، جمعها رودولفو خيل، ومحمد بنعزوز في منطقة غماره وجبالة بشمال المغرب، ونشرها المعهد الإسباني العربي للثقافة بمدريد سنة 1977. وقد بلغ عدد حكايات هذا المتن 131 حكاية مغربية، لم تخضع لأي تصنيف أو تأطير. وكذلك( حكايات من الفلكلور المغربي)ن في جزئين، صدر الجزء الأول سنة 1978، والجزء الثاني سنة 1985. وقد جمع فيهما يسري شاكر 100 حكاية مغربية متداخلة نوعيا. و( راوي مراكش)، مجموعة من 7 حكايات مغربية وطولة، جمعها طوني بارطون، ونشرها بالإنجليزية سنة 1980.
وفي رسالتها الضخمة، لنيل دبلوم الدراسات العليا، بعنوان( الحكاية الشعبية في مراكش)، فضلت مالكة العاصمي تصنيف كم الحكايات المراكشية، الواردة في الأجزاء الثلاثة من الرسالة، وفق تقسيم متعدد المستويات، يركز أساسا على الموضوعات( قيم اجتماعية- نظريات ومواقف فكرية- أحداث ترفيهية)، لكنه ينتقل إلى تصنيف الحكايات حسب شخصيات أبطالها وهدفية مغزاها.
ولعل هذا الاضطراب في تصنيف القصص الشعبي المغربي، يدعونا جميعا إلى ضرورة إعادة النظر في كيفية جمعه وضبطه، وتبويبه وتصنيفه، وأرشفته، على أسس مغايرة وواعية بحقيقة كل هذه العمليات وآلياتها ومناهجها.
والحكاية العجيبة، نوع سردي شعبي ، تهيمن عليها الظواهر الخارقة من سحر وجن وأفعال خارجة عن المنطق والمعقولية، منفلتة من إسار المكان وسلطان الزمن، مع ابتعاد المغزى الوعظي والأخلاقي المباشر عن مقصديتها. وهي تقدم عوالمها العجائبية كما لو كانت أمرا طبيعيا..
أما الحكاية الشعبية، فهي عكس سابقتها، تعبير موضوعي واقعي، غير منقطع عن الزمن والمكان، حيث تجري في واقع تاريخي فعلي. مما جعل بعض الباحثين العرب يسمونها( الحكاية الواقعية). وتتحدد أهم عناصرها التجنيسية المخصوصة بها، في الوعي بمفارقات الحياة الواقعية والارتباط بها.
أما الحكاية الخرافية فهي نوع آخر مختلف بين أنواع الجنس السردي الشعبي. وهي ذات مكونات أجناسيى مميزة لها، تتحدد في شدة قصرها المطرد. وفي بساطة بنائها المهيكل على أساسين اثنين: تعرض في الأول الحادثة المجسدة لمغزى، ويركز في الثاني الموقف الأخلاقي المباشر. كما أن أبطالها بلا أسماء، وعددهم جد قليل، بحيث لا يتجاوز الثلاثة غالبا. يتعلق الأمر ب( المعتدي، الضحية، الوسيط). وهو غما من الحيوان، أو النبات أو الجماد أو الظواهر الطبيعية. ويؤنسنون بإسقاط الخصائص البشرية عليهم.
والحكاية المرحة، تشترك مع الحكاية الخرافية في الاتصاف بالقصر الشديد. لذا فهي تتميز أيضا ببساطة البناء وتكثيف الزمن والمكان، ومحدودية الشخوص، والتركيز على حدث واحد منفرد، والارتباط بالواقع الاجتماعي، وبراعة التجسيد والتشخيص، ودينامية الحوار وعضويته.كما أن أبطالها ليست ذات تجليات عدوانية كما هو الشأن بالنسبة لأبطال الحكاية الخرافية،ولا هي مبنية على المكر والخداع مثلما يلاحظ في معظم أبطال الحكاية الشعبية. كما تستند الحكاية المرحة على ثنائية شخوصية يتقابل فيها النقيضان لصنع جدلية المفارقة المكونة لجوهر الحكاية.
عن: القصص الشعبي: قضايا وإشكالات، للدكتور مصطفى يعلى، ط1 2007 ،
البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 29
محمد داني, 10/7/09