نقوس المهدي
كاتب
1-عتبات نظرية
تحديد المفاهيم:
أ- مفهوم النص:
أضحى مصطلح النص من أهم المصطلحات الأكثر تداولا في الساحة الثقافية اليوم لما يطرحه من سجال على مستوى التنظير، والممارسة/ القراءة، ولتداخله مع مصطلحات أخرى كالخطاب، الجملة…”الإنسان يوظف المفاهيم باعتبارها أدوات للتواصل وباعتبارها أيضا مكتسبات معرفية جاءت وليدة البحث في مختلف الظواهر التي اهتم بها (…) وكلما تطورت المفاهيم (…) أمكن التقدم في معرفة الأشياء (…) إن للمفاهيم تاريخها الذي هو تاريخ المعرفة لأن المفاهيم تولد وتتطور وتتغير وتنتقل من مجال معرفي إلى آخر[1].
إن الدلالة اللغوية لمفهوم النص تتحدد من خلال ما طرحه ابن منظور الإفريقي المصري في لسان العرب، مادة (ن،ص،ص) بالقول:”نصص النص: رفعك الشيئ نص الحديث ينصه نصا: رفعه. وكل ما أظهر فقد نص. وقال عمر بن دينار: ما رأيت رجلا أنص للحديث من الزهري أي أرفعه له وأسند. يقال: نص الحديث إلى فلان أي رفعه، وكذلك نصصته إليه. ونصت الظبية جيدها: رفعته. ووضع على المنصة أي على غاية الفضيحة والشهرة والظهور (…) ونص المتاع نصا: جعل بعضها على بعض . ونص الدابة ينصها نصا رفعها في السير، وكذلك الناقة (…) قال أبو عبيدة: النص التحريك حتى تستخرج من الناقة أقصى سيرها (…) والنص والنصيص: السير الشديد والحث، ولهذا قيل نصصت الشيء رفعته ومنه منصة العروس. وأصل النص أقصى الشيء وغايته، ثم سمي به ضرب من السير سريع. ابن الأعرابي: النص الإسناد إلى الرئيس الأكبر، والنص التوقيف، والنص التعيين على شيء ما، ونص الأمر شدته. ونص كل شيء منتهاه.
(…) ويقال نصصت الشيء حركته (…) وروي عن كعب أنه قال: يقول الجبار: احذروني فإني لا أناص عبدا إلا عذبته، أي لا استقصي عليه في السؤال والحساب، وهي مفاعلة منه، إلا عذبته[2].
وجاء في المعجم العالمي لاروس، المجلد 15، ما يلي:”تنحدر كلمة النص Textus من فعل Texére، نسج، والنص تبعا لذلك يعني الثوب، ويعني بعد ذلك تسلسل الأفكار وتوالي الكلمات. إنه الكلام الخاص بكاتب معين في مقابل التعليقات”[3]
يلتقي التحديد اللغوي في اللغة العربية، والتحديد اللغوي في اللغة الفرنسية لمصطلح “النص” في: النسج/الإسناد٬ إذ نقول نسجت الناقة في سيرها إذا أسرعت في نقل قوائمها، من هنا يلتقي التحديدان، وقد يشتركان في أن النسيج هو جعل الشيء بعضه على بعض، وهذا عين المعنى المراد لغة في اللغة العربية أليس النص نسيجا متجانسا من الدوال تحيل على مداليل؟ لكن الاختلافات جوهرية بين اللغتين تكمن في أن اللغة العربية تجعل النص: الفضيحة، والشهرة، والظهور،و الرفع،و السير الشديد، والحث،و التحريك، والعذاب.
ويضيف المعجم الفرنسي: التسلسل،و الكلام الفردي الذي يقابل التعليق. ولو ربطنا بين مثلا لا يحصر التسلسل والسير الشديد والإسناد للامسنا أن المعاني اللغوية المشتركة كثيرة بين اللغتين.
إننا سنركز في مقاربتنا للنص المقامي عند الحريري، بالإضافة لما سبق على معاني: الفضيحة، الشهرة والظهور، الكلام الخاص، وهي مفاهيم/معاني نرى أن النص المقامي يجسدها بامتياز، ولها علاقة بمفهوم الأدب الشطاري. لكن قبل ذلك سنقف في عجالة على الدلالة الاصطلاحية للنص.
إن الدلالة الاصطلاحية لمفهوم “النص”، تبقى وفية لمرجعياتها الحديثة، إذ يعتبر فرديناردي سوسيرFerdinand de Saussure أول من حول التفكير في النص من الوجهة البلاغية إلى الوجهة اللسانية، أي أن سوسيرعد النص ظاهرة لغوية، تتميز بنيتها Structure باستقلاليتها عن باقي البنى (الاجتماعية السيكولوجية)… هي – الظاهرة اللغوية- ذات مدار مغلق، لا تحيل على شيء خارجها، تحيل على نفسها فقط.
استطاع رومان جاكبسون أن يكيف المصطلحات اللسانية مع المفاهيم التحليلية النقدية إذ وضع معايير موضوعية تسمح بدراسة النصوص الأدبية، كنصوص منغلقة على ذاتها.
إن ما يهم جاكبسون في أول ونهاية المطاف هو أدبية النص الأدبي. لقد وضع ستة عناصر للغة اعتبرها، خطة لتحليل الخطاب اللغوي وفهمه: المرسل، والمرسل إليه، و الإرسالية،و قناة التواصل،و السياق، والسنن/القانون.
ولكل عنصر من هذه العناصر الستة، وظيفة: الإرجاعية، الانفعالية، التأثيرية الميتا لغوية، اللغوية، الشعرية.
“وتعطي مختلف هذه العناصر ووظائفها الترسيمية الآتية:
سياق
(مرجعية )
رسالة
(شعرية)
مرسل ______________________ مرسل إليه
(انفعالية) اتصال (إفهامية)
(انتباهية)
شفرة
(لسانية واضحة)[4]
تحدد كريستينا النص بالقول:” نحدد النص كجهاز عبر لغوي يقوم، بإعادة توزيع نظام اللغة، وذلك بأن تعالقا بين الكلام التواصلي الهادف إلى الإخبار المباشر، وبين مختلف الملفوظات القديمة أو الآنية[5] .تحاول الناقدة البلغارية ج. كريستينا، وضمن مشروعها السيميائي العام،” أن تتجاوز اعتبار النص نظاما من الدوال مغلقا على ذاته، بل توسع مفهومه باعتبار مرجعياته المحيلة على الإنسان والمجتمع والتاريخ. فلكل نص مرجع أو مرجعيات يدخل معها في علاقة تعلق وحوار أو ما سمته علاقة تناص Intertextualité .
إن من أهم المفاهيم الدالة التي تميز نظرية كريستينا السينمائية ثنائية النص الظاهر phéno-texte، والنص التوليد Géno-texte “فالنص الظاهر، هو الظاهرة اللفظية، كما تبدو في نظرية الملفوظ المشخص أي مستوى السطح الفونولوجي والتركيبي والدلالي، وهو الجانب الذي اهتمت به الدراسات البنيوية الوصفية. أما النص التوليد، فهو النص الذي يتم تكوينه من خلال عمليات الهدم/البناء/التحويل التي تلحق البنيات العميقة للملفوظات Enoncés بشكل يظهر إنتاجية الأثر وقابليته على الانفتاح القرائي مادام النص ملكا للجميع وما دام البحث عن المعنى مغامرة أنيقة تنتهي بتعذيب النص”[6].
مع رولان بارت، سيصبح الأدب نظاما Système من العلامات Signes . إن حقيقة النص الأدبي لا تكمن في الرسالة message التي يبعثها المرسل، وإنما تكمن في هذا النظام اللغوي. وقد دعا رولان بارت إلى “موت المؤلف” وخلخلة مملكته وسلطته “لصالح حياة النص عنده”. النص”لا يولد من كلمات تولد معنى وحيدا، معنى لاهوتيا إذا صح التعبير (وهو “رسالة” المؤلف الإله)، وإنما هو فضاء متعدد الأبعاد تتمازج فيه كتابات متعددة، وتتعارض من غير أن يكون فيها ما هو أكثر من غيره أصالة[7]“
تطرح سجالات بارت ثلاثة قضايا جوهرية:
أ. نفي أي قدسية أو سلطة للمؤلف
ب. كل نص يعقد، بالقوة – صلة تفاعل مع غيره من النصوص – يتناص مع غيره من النصوص.
ج. ليس هناك أفضلية لنص على آخر، فلا يجب أن نفهم بعملية تفاعل النصوص، حواريتها، أفضلية السابق على اللاحق أو أن الأول أصل والثانية فرع منه/عنه.
إن النص عند بارت عبارة عن جملة لغوية كبرى ينطبق عليها/عليه، ما ينطبق على الجملة اللغوية العادية، مادامت تشكل نسقا من العلامات المتمصلة صوتيا ومعجميا وتركيبيا ودلاليا.
إن الأثر الأدبي عند تودوروف صياغة لغوية تعبيرية مقصودة لذاتها تربط بين مختلف عناصرها علاقات انسجام وتناغم تكسبها هوية جديدة إذ يصبح النص حينها في مستوى خلق قوانينه الرمزية والإشارية الداخلية الخاصة به، بطريقة تؤدي إلى اعتقادنا بأنه مستقل كل الاستقلال عن قوانين اللغة الطبيعية ٬يقول تودورف ”إن مفهوم النص لا يموضع في نفس مستوى الجملة (أو العبارة أو المركب) ، وبهذا وجب تمييز النص عن الفقرة التي هي وحدة مطبعية لمجموعة من الجمل (…) يتحدد النص باستقلاله وانغلاقه وهو يشكل نسقا لا يجب مماثلته مع النسق اللغوي، بل يجب وضعه معه في علاقة تجاور وتشابه معا”[8].
ب- مفهوم التناص :
كل نص ليس بريئا، بمعنى آخر أن كل نص يحبل بنصوص ثاوية، حاضرة غائبة فيه، ويستحيل أن نجد نصا أدبيا لا يتفاعل مع نصوص سابقة عليه أو معاصرة له. هذا يقودنا إلى الحديث عن مفهوم التناص Intertextualité . فما التناص إذن؟
لقد استفادت كرستيفا من أبحات ميخائيل باختين فيما يتعلق بالحوارية – حوارية النصوص – تقول꞉” كل نص يتشكل من تركيبة فسيفساء من الاستشهادات وكل نص هو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى(…)أي أن النص ينشئ علاقة مع الماضي في سياقاته الثقافية والتاريخية والاجتماعية…الخ، لكنها علاقة محملة بدلات معاصرة ومستحضرة لصور تعبر عن الواقع[9]“
هكذا فالنص Texte يستثمر نصوصا أخرى، يتحاور معها، ويدخل معها في علاقات متشابكة: تكرار، اشتراك، نحت، محاكاة، استنساخ، خرق، نفي، صدى، تشرب، تحوير، اقتطاع، تحويل، الامتصاص… هو توظيف نصوص سابقة أو آتية، توسيع، مخالفة، تمثل استيعاب، سرقة أدبية٬ محاكاة ساخرة (الباروديا) لتوليد دلالات جديدة. النص إذن جيولوجيا نصوص، و “مزيج كيميائي” “التناص باعتباره فعلا مضاعفا يسهم فيه المؤلف والمتلقى على حد سواء: الأول عندما يلجأ إلى استعارة أنظمة التشخيص وممارسات دالة تقوم على التكرار، والثاني عندما يتدخل كذات مساندة أو معارضة وغير ذلك من حالات المتلقي، ويتحكم مثل هذا في إقامة حد المفاضلة والموازنة بين النصوص. وليس التناص الضيق وحده هو الذي يتحكم في توجيه القراءة، التلقي، وإنما تنهض داخل النصوص فوق ذلك أواليات أخرى لا تقل عن التناص تأثيرا، ومنها حالات “الحوارية” و”التحوير” التي تقود رأسا إلى افتراض هوية متعددة للمتكلم داخل النص”[10].
لا ترتبط إذن التناص بالكاتب ضرورة، بل يمتد للقارئ من خلال إسقاط هذا الأخير لبينات نصية يعرفها سابقا على بنية نصية يكتشفها آنيا. إن التناص مرتبة من مراتب التأويل Interprétation “” إذن، يعمل البناء/الهدم هذا داخل المشهد المتميز الذي هو مشهد الكتابة والتناص، حيث تتم ممارسة سيميوطيقا هادفة إلى جعل أنواع إنتاج المعنى آنية وجعل الكلام المنطقي داخل النص ملموسا”[11].
لكن هناك سؤال يثيره جيرار جنيت، بصدد حديثه عن التناص هو “انطلاقا من أية لحظة يمكن الحديث عن وجود نص داخل آخر وفق مصطلح التناص؟” [12]
ج- مفهوم الرؤية :
نعني بمفهوم الرؤية ، الرؤية للعالم ، وهي عند غولدمان ليست نسخا أو انعكاسا آليات للأشياء يقول :”هي تفاعل وثيق بين البنى الذهبية لمجتمع ما ، وبين البنى التي تشكل عالم العمل الفني. فالعلاقة ليست بين العمل الفني والمجتمع، ولا حتى بينه وبين الوعي الجماعي وإنما العلاقة تؤخذ على مستوى التماثل البنياني”[13].
في مقاربتنا لمقامات الحريري سنحاول أن أربط بين مستويين اثنين : مستوى فهم النص المقامي، من خلال الكشف عن العناصر المكونة لبنيته، ومستوى تفسيره، أي الربط بين النص وواقعي الخارجي )تاريخي وغير تاريخي). وانطلاقا مما سبق، سنشتغل على نصين مقاميين: “المقامةالحرامية”، و” المقامة البصرية” باعتبارهما توليفة لنصوص سابقة عليهما. إنهما بنيات شكلية مضمونية نتيجة لتكون نصوص جزئية – فرع – شكلت نواة حية لنصين” افتراضيين” قام فيهما الحريري٬ بقصدية٬ استثمار صنعه تناصية ولدت معان جديدة .
فما هي المسوغات الموضوعية التي أدت بنا إلى اختيار هاتين المقامتين دون سواهما من مقامات الحريري الخمسين؟ ولماذا أيضا، مقامات الحريري، وليس الهمذاني كمؤسس لهذا النوع الأدبي؟
المقامات الحريرية المسماة بالمقامات الأدبية، جاءت بعد نضوج واختمار التجربة النثرية العربية القديمة – القرن الخامس الهجري- وهي من النصوص التي تتحرك داخلها الذاكرة الشعرية والنثرية العربية، ومن جهة أخرى، هي أرقى ما بلغه هذا الجنس genre الأدبي من حيث: الاكتمال والتأصيل لدرجة أن العديد من النصوص المقامية التي جاءت بعد الحريري حاكت مقاماته “ونبذت مقامات الهمذاني”[14].
هناك أربعة أسباب رئيسة دفعتنا لاختيار “المقامة الحرامية” و”المقامة البصرية”
أولآ: المقامة الحرامية أول مقامة أنشأها أبو محمد بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري بالرغم من أننا لا نجدها تحتل المرتبة الأولى في المقامات الخمسين، بل موقعها هو المرتبة الثامنة والأربعين.
ثانيا: تحتل المقامة البصرية المرتبة الخمسين، أي أنها آخر المقامات التي بلغتنا للحريري. وبين أول مقامة وآخر مقامة رحلة متعددة الجوانب: الأمكنة، والكدية،والسفر٬ والحيل…
ثالثا: تجري أحداث المقامتين في فضاء مكاني واحد هو البصرة كمكان عام مفتوح، والمسجد كمكان مغلق. يقول الحريري في المقامة الحرامية “꞉روى الحارث بن همام، عن أبي زيد السروجي قال: مازلت مذ رحلت عنسي وارتحلت عن عرسي وغرسي، أحن إلى عيان البصرة (…) فأداني الاختراق في مسالكها والاتصالات في سككها إلى محلة موسومة بالاحترام، منسوبة إلى بني حرام، ذات مساجد مشهودة “[15]. ويروي في المقامة البصرية: “حكى الحارث بن همام، قال꞉أشعرت في بعض الأيام هما، برح بي استعاره ولاح علي شعاره. وكنت سمعت أن غشيان مجالس الذكر، يسرو وغواشي الفكر. فلم أر لإطفاء ما بي من الجمرة إلا قصد الجامع بالبصرة”[16].
رابعا: الحريري في المقامة البصرية غير الحريري في المقامات التسع والأربعين، ذلك أنه في المقامة الخمسين يخرق أفق انتظارالقارئ الذي تعود من بطله أبي زيد السروجي توظيفه لكل أنواع المكر، والخداع، حتى في الأماكن الدينية ꞉المسجد، لكن هنا، المسجد أضحى مكانا للتقوى والعبادة والتزهد. فهل بهذا التوظيف الجديد للفضاء الديني، يتبرأ الحريري مما قام به بطله في بقية القامات؟
II- مظاهر ومستويات التناص في المقامتين ٬نماذج تحليلية وأمثلة تطبيقية꞉
إن أبرز ما يثيرنا في مقاربة المقامتين هو انفتاحهما، ضمنيا على جملة من” التجليات الأجناسية” التي تتفاعل بطريقة مباشرة وغير مباشرة مع النص المولد، كقصدية تناصية مفكر فيها بقوة، خاصة وأن مقامات الحريري تشكلت في جب جنسين متمايزين، لأولهما – الشعر- الريادة في الذاكرة الأدبية العربية، ولثانيهما – النثر – حق امتصاص وتذويب الأول؛ وكأننا بالنثر يريد أن يؤسس لنفسه ديوانه العربي الخاص به”إن الذي يهمنا من هذاهو أن الأنواع الأدبية القديمة، سواء كانت شعرا أو نثرا تستمد قوتها واستمراريتها من مقتضيات التلقي بالدرجة الأولى، وهذا يعني أن لا فضل لنوع على آخر في ذاته، وإنما التفاضل بين الأنواع في مدى استجابتها لرغبات جماعية في اختزال ثلاثية الزمن: (الماضي، الحاضر، المستقبل) قصد فتح أفق جديد لنشوة الذات وبهر الآخر”[17].
وأول ما يلفت نظرنا هو أن “القامة الحرامية” ابتدأت بالمكون الحكائي “روى الحارث ابن همام، عن أبي زيد السروجي” ٬ وتنتهي بالمكون الشعري. في حين أن المقامة البصرية تبتدئ بفعل حكى بدل روى : (حكى الحارث بن همام، قال…) دون ذكر البطل السروجي، وتنتهي بالنثر أيضا ꞉ “إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة، وولي الخيرات في الدنيا والآخرة”.
يستوقفنا توظيف سبعة وأربعين بيتا شعريا في “المقامة الحرامية” واثنين وخمسين بيتا في “المقامة البصرية. فهل هذا التوظيف المعقلن للشعري بالمقامتين حافز لإثارة القارئ المتوهم الذي استساغت أذنه وذائقية الشعر، واستدراجه للمزاوجة بين المألوف- استقلالية الشعر- عن النثر ٬ والغريب꞉ المزج بين النثر والشعر؟.
يفتتح الحريري المقامتين بالقول “روى الحارث بن همام” و “حكى الحارث بن همام” وهو استهلال/ لازمة، يذكر باستهلالات أستاذ الحريري بديع الزمان الهمذاني (358هـ/398هـ) ”حدثنا عيسى بن هشام قال…” فالاستهلالات تلتقي في:
أولا: محاكاة الحريري التامة للهمذاني على مستوى:
أ- زمن الفعل: الماضي٬
ب- الاسم، الضمير، المسند لهذا الفعل، وهو ضمير المتكلم الجمعي (نا)٬
ج- المسرود له / لهم وهو/ هم هنا المستعمون للمقامة في مقام ما، وزمان متعدد.
ثانيا: عملية الإسناد الاسمي أو ماهية الذات الساردة، فهي عند الهمذاني: (عيسى + هشام) وعند الحريري (الحارث + همام). “ويمكن أن نعتبر هذا النوع من الانفتاح، ممارسة “جلية وواعية” مادام النص يعلن عن قصدية الاختيار والتوظيف”.[18] فالحريري وهو يحيل على أستاذه “البديع ٬ يستجيب لأحد المرتكزات الأساسية التي قامت عليها الثقافة العربية الإسلامية في أغلب مجالاتها؛ فإحالة اللاحق على السابق٬ وتطابق رأييهما حول قضية ما ٬ يضفي مصداقية على القضية ويجعلها تحظى بالقبول لدى المتلقي المرتاب منها”[19]
ثالثا: لا يجب أن ننسى أن هذه المحاكاة تبتدئ أول ما تبتدئ به عناوين المقامات، فكل مقامة تبدأ بلفظ” المقامة” ٬ ومعنى ذلك أن العنوان يقدم لنا معونة كبرى على التداخل الممكن والمحتمل بين نصوص المبدعين الهمذاني والحريري.
تناص اللغة / تناص الأجناس
إذا انطلقنا من المسلمة التي مفادها أن الكلام البشري صور شتى للاستعمالات السابقة، أمكننا أن نتأكد تأكدا جازما بأن لا الهمذاني ولا الحريري، بالرغم من إبداعهما غير المجادل فيه، إنما تفاعلوا، قصدا، أو بغير قصد، سلبا أو إيجابا، مع نصوص أدبية وغير أدبية سابقة على تواجدهم أو معاصرة لهم.
ليس هدفنا طرح نقاش جديد حول التنظير لمفهوم التناص الأدبي، ولكن نؤمن بأن كل نص أدبي عبارة عن تعالق نصوص متنوعة، متعددة الأشكال، والنوايا٬ والقارئ الحذق هو من يستطيع أن يلامس الحوارية Le dialogisme المتحكمة في نسيج النص، ومن ثمة أن “يفضح” هذه النصوص ويعيدها إلى أصلها / صورتها. من هنا سنتبنى ثلاثة أنماط للحوارية كما حددها ميخائيل باختين:
1- التهجين L’hybridation٬
2- العلاقات المتداخلة ذات الطابع الحواري بين اللغات٬
3- الحوارية الخالصة.
إن التهجين عند باختين هو:”مزج لغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، والتقاء وعيين لغويين مفصولين بحقبة زمنية، وبفارق اجتماعي، أو بهما معا، داخل ساحة ذلك الملفوظ”[20].
أما العلاقات المتداخلة ذات الطابع الحواري بين اللغات، وهي ما يسميها باختين أيضا الأسلبة La stylasation، إنها بمثابة إضاءة متبادلة بين اللغات”إن الإضاءة المتبادلة المصاغة في حوار داخليا، التي تنجزها الأنساق اللسانية في مجملها تتميزعين التهجين بمعناه الخاص. ففي الإضاءة المتبادلة لا يكون توحيد مباشر للغتين داخل ملفوظ واحد، وإنما هي لغة معينة وملفوظة، إلا أنها مقدمة على ضوء اللغة الأخرى”[21].
ومفهوم الحوارالخالص عند باختين “ما سماه أفلاطون منذ زمن بالمحاكاة المباشرة (mimésis) أي حوار الشخصيات فيما بينها داخل الحكي”[22].
كيف وظف الحريري هذه الأنماط الحوارية الثلاثة في المقامتين “الحرامية” و”البصرية”؟
إن صوت / ملفوظ الراوي يختلف عن صوت البطل أبي زيد السروجي . فكل منهما يصدر عن منظورمغاير للآخر،على الأقل على المستوى الاجتماعي. تقدم لنا المقامتان الراوي ، كناقل أمين لأحداث الحكاية /الحكايات، في حين يصدر ملفوظ البطل عن وعي هذا الأخير بموقع الكلمة وأثرها وتأثيرها الأخاذ على”مجتمع”المستهلكين لخطابه. وتنشأ الهجنة من تداخل ملفوظ الراوي ، وملفوظ البطل الشطاري، وتكشف الملفوظات عن نواياهما؛ فإذا كانت لغة الراوي، شبه تلقائية ، لأن دور الرواية يتوقف عند حدود نقل الكلام فإن ملفوظات أبي زيد مفكر فيها بقوة لاستلاب لب السامع .. ودور الكاتب – الحريري- هو تنظيم هذا التعدد اللساني في المقامة وتوجيهه بما يخدم الأفق الأدبي المميز للأدب المقامي .
أما عن النمط الثاني من أنماط الحوارية بين اللغات كما حددها باختين فيمكن أن نتلمسها بواسطة تحيين الحريري للغة قديمة التي تقبع في التركيب اللغوي ، وغير المصرح بها ، لكنها تظهر في صورة اللغة المشخصة : يتناص الحريري في المقامة الحرامية في قوله:” وهتف أبو المنذر بالنوام لأخطو في خططها ” [23] فأبو المنذركنية الديك ويكنى أيضا أبا سليمان . عن أبي هريرة ، قال النبي (ص) : لاتسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة ” وقال (ص) : ” إذا سمعتهم الديكة فإنها رأت ملكا فاسألوا الله من فضله ” يقول الحريري أيضا ” واتخدتهم كرشي وعيبتي “[24]٬ يتناص مع قوله (ص) : “الأنصار كرشي وعيبتي” . وفي قوله “وأن المستشارمؤتمن[25] ” يتناص وقوله (ص) “ما ندم من استشار٬ولا شقي من استخار”، ومع الشاعر بشار بن برد:
إذا بـلـغ الــرأي المشــورة فاسـتعن = برأي نصيح أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة = فإن الخوافي راقدات الـقـوادم
يقول الحريري في “مقامة البصرية” : “ولكنك رتقت وما فتقت ، فبين لي كيف أقتطف ومن أين تؤكل الكتف”[26] يتحاور في هذا المعنى مع قول أوس بن حجر
أم دلكم بعض من يرتاد مشتمي = بأي أكلة لحم تؤكل الكتف
بهذا التوظيف المعقلن للنصوص الشعرية أو الحديثية- نسبة للأحاديث النبوية- أو غيرهما يعبر المؤلف بواسطة”صوت الآخر” وما ترسب في ذاكرته من استعمالات للغة في إطار وحدة الجنس الأدبي : النص الجديد/ المقامة يمتص ويحول مختلف النصوص ليفجر طاقة التخيل عند الملتقي؛ يعبر عن موقفه ورؤيته للمجتمع العباسي .
يمكننا أن نكشف عن التخلل كشكل من أشكال الحوارية الموظفة في النص المقامي ٬وهو تداخل للأجناس الأدبية ” لكن غالبا ما تعمد تلك الأجناس بدرجات متنوعة إلى كسر نوايا الكاتب وحرفها “[27]. المقامة الحرامية يشغل فيها الشعري 47 بيتا شعريا ، في حين يشغل الشعري في المقامة البصرية 52 بيتا شعريا ٬ وهذا مظهر من مظاهر المقامات ، سواء عند الحريري أو الهمذاني من قبل ، فهل علاقة لغة الشعري بلغة النثري علاقة متكافئة ؟ ” تجسد المقامات الحريرية مظهرا كتابيا مارست فيه بعض الظواهر الإيقاعية حضورها ووعيها بقصدية ملحوظة ، وقد امتدت هذه الظواهرعلى طول النص المقامي بأكمله نمط متوازا تكررعبر مقاطع صوتية”.[28]
على أن هذا التداخل بين المكونين / الجنسين الأدبيين يطرح بدوره إشكالا جديد: هل النثر قاعدة للشعر أم العكس ؟ أي هل الشع هو المعيارأم النثرا ؟ “إن صورة اللغة بوصفها هيمنة قصدية ، هي قبل كل شيء هجنة واعية ، بخلاف الهجنة التاريخية – العضوية الغامضة لسانيا ، إنها بالضبط ذلك الوعي بلغة من جانب لغة أخرى ، إنها النورالذي يلقيه عليها وعي لساني آخر. ويمكن لصورة لغة أن تنبني فقط من وجهة نظر لغة أخرى مقبولة على أنها بمثابة معيار”[29].
ورغم الاختلاف بين الجنسين الأدبين، فإنهما يشتركان في الحقول الدلالية المعبرعنها : حقل السفر، حقل الكدية، حقل التحويل ، ثم حقل التعرف. فالشعري ، إذن ، يتضمن النثري ، والنثري يتضمن الشعري ، ومن خلال عملية التوليف هاته ، يتماس الواقعي ، التاريخي – القرن الخامس الهجري – مع المتخيل الرمزي،على أن المقامة الحرامية يتم الانتقال فيها من النثري ، فالشعري ثم النثري لتختم بالمكون الشعري . في حين تنطلق “المقامة البصرية”، على عادة المقامات بالنثري ثم الشعري، لتختم بالمكون النثري. من خلال ذلك تم المزج بين لغتين في ملفوظ واحد ليشكلا معا هجنة لغوية لها دلالة في سياق العمل المقامي بكامله : انتصار للنثر على الشعر … فهل يمكن أن نقول بهذا الصدد النثرإن ديوان العرب الجديد ؟ إن الهمذاني والحرير، يبحثان عن شكل جديد لكتابة يتزاوج فيه الجنسان، بشكل قصدي ، ليولدا شكلا أدبيا جديدا هو ما اصطلح عليه “المقامة”.
بالنسبة للنمط الثالث : الحوارية الخالصة ، فيتبدى في المقامتين على مستوى حوار الشخصيات المباشر :
” قال أبوزيد : فلما أتممت هذرمتي وأوهم المسؤول صدق كلمتي (…) قال الحارث ابن همام : فقلت له : سبحان من أبدعك ، فما أعظم خدعك .” [30]
وقوله في ” المقامة البصرية : “وقلت : أوصني أيها العبد الناصح ، فقال : اجعل الموت نصب عينك وهذا فراق بيني وبينك ” [31]
إن لغة الشخصيات – حوارها المباشر- لها دلالة تؤشرعلى موقعها وموقفها الفكري الاجتماعي ولم الإيديولوجي …فالشاطر أبو زيد السروجي ، يحلم على امتداد المقامات الخمسين بتغيير حاله من الفقر إلى الغنى ، من حياة اللصوصية إلى التوبة .
III- الرؤية الشطارية على مستوى الموضوعات :
قبل أن نتعرض للرؤية الشطارية على مستوى الموضوعات في المقامتين ، لابد أولا أن نعرف مفهوم ” الشاطر”. فالشاطر لغة من أعيا أهله خبثا ويقال شطرعلى أهله بمعنى نزح عنهم . والشطارة الانفصال والابتعاد.والشاطرأيضا هو الذي عصا أباه أو ولي أمره وعاش في الخلاعة . وشطر فلان شطارة اتصف بالدهاء والخباثة .
إن موضوعات ” المقامة الحرامية ” و المقامة البصرية ” يمكن حصرها في :
1- الرحلة كعنصر أساس وجوهري في كل مقامات الحريري ، وقد يقتصرالحديث عنها عند بداية المقامة ، وقد يمتد إلى وسطها كما قد يحط المؤلف رحال بطله في آخر المقامة. والحديث ها هنا عن الرحلة أو السفر لا يخرج عن ” مملكة الإسلام ” في القرن الخامس الهجري ويختلف باختلاف التعدد المكاني / دمشق ، بغداد ، مكة ، حلب ، عمان ، نجران… ” هذه الخاصية تقرب المقامة من المؤلفات الجغرافيين العرب (…) الاصطخري والمقدسي ، وابن حوقل ، الذين قصروا رؤيتهم عمدا على مملكة الإسلام “.[32]
يقول الحريري في المقامة الحرامية ꞉”روى الحارث بن همام عن أبي زيد السروجي قال : مازلت منذ رحلت عنسي وارتحلت عن عرسي وغرسي ، أحن إلى عيان البصرة حنين المظلوم إلى النصرة “[33]
ويقول في المقامة البصرية: “حكى الحارث بن همام قال: أشعرت في بعض الأيام هما برج بي استعاره ولاح علي شعاره ، وكنت سمعت أن غشيان مجالس الذكر يسرو غواشي الفكر ، فلم أر لإطفاء ما بي من الجمرة إلا قصد الجامع بالبصرة ” [34]
الرحلة إذن واسطة ثلاث مراحل يعيشهما بطل مقامات الحريري : أبوزيد السروحي .
أ- مرحلة ما قبل السفر أو ما قبل سرد الحكاية / المقامة꞉ وفيها يكون بطلنا فقيرا غريبا ممزقا يبحث لنفسه عن مكان آمن ، وعن شخوص يبهرهم بحسن بلاغة كلامه .
ب- مرحلة السفر꞉ وفيها يوظف هذا البطل الرحالة الجوال أساليب احتياله من خلال خطابه – لغته – المدهش ، لتنطلي حيلته / حيله على سامعيه .
ج- المرحلة الثالثة ꞉وفيها تنطلي حيله / حيلته على السامعين ، ويتم له ما أراد من الإيقاع بمتلقيه في الفخ الذي نصبه لهم بامتياز .
إن الملمح الشطاري واضح ، إذن ،من خلال هذا المكون التيمي/ الموضوعاتي٬ فالبطل يستخدم عنصرالحيلة لكسب المال بطرق خسيسة،وملتوية،يتحول فيها من شخص يستجدي إلى لص محترف خبيث قد لا يعير أدنى الاحترام والاهتمام لبعض الأماكن المقدسة / المسجد٬ كما هو الأمر في المقامة الحرامية : ” قال أبوزيد : فلما أتممت هذ رمتي وأوهم المسؤول صدق نيتي ، أغراه القوم إلى الكرم ، بمواساتي ورغبة الكلف بحمل الكلف في مقاساتي ، فرضخ لي على الحافرة ونضخ لي بالعدة الوافرة فانقلبت إلى وكري ، فرحا بنجح مكري وقد حصلت من صوغ المكيدة على سوغ الثريدة ووصلت من حوك القصيدة إلى لوك العصيدة” [35].
2- الكدية : الكدية هي المبررالأساس لسفرأبي زيد السروخي٬وهي التي حكمتعليه بالغربة والاغتراب والحرمان، إنها “تصور حالة الفقر والبطالة التي كانت تعيشها الطبقة الضعيفة والمحرومة نتيجة التصادم الاجتماعي وصراع الطبقات الذي أفرز طبقة جديدة هي طبقة التجار ، وهي طبقة استغلت الأوضاع المتأزمة لتجمع المال بكل الوسائل (…) وكان ظهورها نذير شؤم على العامة التي ابتليت بالفقر والحرمان وعاشت على هامش المجتمع، وليس أبطال المقامات إلا رموزا لهؤلاء المعذبين في الأرض”[36].
من خلال البطل الشاطر، حاول الحريري أن يحاكم المجتمع العباسي وأن يكشف عن التناقض الصارخ بين مكوناته : طبقة غنية # طبقة فقيرة. إن المقامات صورة من صورهذا المجتمع الذي انهارت فيه مجموعة من القيم العليا ، وأصبح الفرد فيه لا تقاس مكانته إلا بما يتوفرعليه من رصيد مالي؛ وكأننا بالحريري يريد أن يعيد الاعتبار للكلمة البليغة التي نفذ سوقها في هذا المجتمع ، لكن كيف ؟ من خلال سرد حكايات بطل شطاري لا يملك إلا سلاح الكلمة والحيلة : ” إن حكاية عجيبة لا يمكن أن يسردها ، بمعنى من المعاني ، إلا شخص عجيب ، غير عادي وهذه صفة أبي زيد تظهر لمن قرأ مجموع مقامات الحريري (…) فهو مكدي (…) وشاعر مغلف (…) وراو مراوغ (…) ثم هو ابن نفسه أو أب نفسه لأنه ينجب في كل لحظة الصورة التي يود أن يظهر بها أمام الغير٬ ثم هو بعد كل هذا أبو العجب” [37].
3- التعرف : إن تيمة التعرف هي الرابط بين بداية المقامات وخاتمتها من جهة ، وهي نهاية الاحتيال وبلوغ المرام من جهة ثانية . وقد كان الحريري ذكيا حينما نوع في طرائق تعرف الراوي ، الحارث بن همام ، على البطل أبي زيد السروجي . هذا التعرف اتخذ ثلاثة أشكال :
” إما أن يتعرف السارد على البطل في بداية المقامة (…) أو ينفرد السارد بالبطل في آخر المقامة ليكشف هويته ٬ أويتم التعرف في غياب الجماعة” [38] . سؤال يثور:ما علاقة تيمة التعرف بالرؤية الشارطة في المقامتين ؟
4- التحول : تقدم لنا المقامتان ، صورة عن تحول البطل من فقير مذقع حزين إلى إنسان غني فرح بإسقاط ضحاياه في شباك حيله وخديعته . أبوزيد يمتلك سلطة إقتناعية اكتسبها عبر تجواله ورحلاته ، سلطة لغوية يحول بواسطتها الجماعة المنصته إلى جماعة تنثال عليه بالعطايا . “قال أبو زيد : فلما أتممت هذرمتي وأوهم المسؤول صدق كلمتي أعزاه الغرم إلى الكرم بمواساتي ورغبة الكلف بحمل الكلف في مقاساتي ، فرضخ لي على الحافرة ونضخ لي بالعدة الوافرة ” [39]
” إن ظهور الكلمة السلطوية في النص المقامي، لا يعني أنها تفتقر دائما إلى إقناع داخلي، ولكن توظيفها تسري- في غالب الأحيان – نحو إقحام المتلقي بكلمة اكتسبت طابعا سلطويا مترسخا في ذاكرته ، فهي تخاطبه من خلال عقد سلطوي متواضع عليه ضمنيا بين المرسل والمتلقي. وهي في الغالب تكون ” ذات معنى واحد ” سواء جاءت على شكل التحويراللفظي السابق أو احتفظت بكل مكوناتها اللفظية والدلالية ، إنها أحادية الدلالة باعتبارها كلمة ” لا تصور بل تنقل فقط “[40].
لكن هذا التحول يطال راوي المقامات : الحارث ابن همام من جهة وبطلها من جهة ثانية . تقدم لنا المقامة البصرية توبة أبي زيد السروجي من كل الأفعال التي قام بها في مجموع المقامات٬ يقول الحريري ” ثم برز إلى مسجده بوضوء تجهده، فانطلقت ردفه ، وصليت مع من صلى خلفه ، ولما انفض من حضر ، وتفرقوا شغر بغر، أخذ يهينم بدرسه ، ويسبك يومه في قالب أمسه ، وفي ضمن ذلك يرن إرنان الرقوب ، ويبكي ولا بكاء يعقوب حتى اسنبت أنه التحق بالأفراد ، وأشرب قلبه هوى الانفراد ، فأخطرت بقلبي عزمه الارتحال ، وتخليته والتخلي بتلك الحال ، فكأنه تقرس ما فويت ، أو كوشف بما أخفيت ، فزفز زفير الأواه ، ثم قرأ فإذا عزمت فتوكل على الله ، فاسجلت عند ذلك بصدق المحدثين ، وأيقنت أن في الأمة محدثين ، ثم دنوت إليه كما يدنو المصافح ، وقلت : أوصني أيها العبد الناصح ، فقال : اجعل الموت نصب عينك ، وهذا فراق بيني وبينك ، فودعته وعبراتي يتحدرن من المآقي وزفراتي يتصعدن من التراقي ، وكانت هذه خاتمة التلاقي”.[41]
ونعتبر ” المقامة البصرية ” تحولا جذريا في رؤية الشاطر أبي زيد السروجي لذاته وللعالم ، يحاول في هذه المقامة التكفيرعن جميع ذنوبه التي اقترفها في المقامات التسع والأربعين ٬ وهي أيضا تحول في علاقة البطل براوي الحكايات : ” فودعته وعبراتي ينحدرن من المآقي وزفرات يتصعدن من التراقي ، وكانت هذه خاتمة التلاقي”[42]. على أن هذه التوبة سيصرح بها الحريري ذاته في الخاتمة التي ألحقها بالمقامات الخمسين٬ يقول: ” هذا آخرالمقامات التي أنشأتها بالإغتراب وأمليتها بلسان الاضطراب ، وقد ألجئت إلى أن أرصدتها للاستعراض (…) وأنا استغفر الله مما أودعتها من أباطيل اللغو وأضاليلي الهو ، وأسترشده الى ما يعصم من السهو ويحظي بالعفو، إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة وولي الخيرات في الدنيا والآخرة “[43].
IV – الرؤية الشطارية على مستوى الشخوص :
أسماء الأعلام في المقامات ، بصفة عامة ، تقدم لنا تصورا ما عن هذه الرؤية الشطارية، فالمسؤول عن السرد اسم علم ، وبطلها اسم علم . فلما ذا اختار الحريري اسما لراوي المقامات ، وآخر لبطلها ؟
صاغ الحريري اسم راوية مقاماته ، الحارث بن همام ليكون موازيا لراوية مقامات بديع الزمان الهمذاني ، عيسى بن هشام . يقدم لنا هذا الراوي ، كشاهد على مكر ، وخداع البطل أبي زيد السروجي ، وهو الذي يكشف عنه ، وعن حيله للقارئ٬ ولولا تدخله لما تعرف هذا القارئ ، على البطل ” الحرباء ” “أبو العجب ” كما ينعته عبد الفتاح كيليطو في كتاب “الغائب “[44].
يتجلى الملمح الشطاري في بطل الحكايات بامتيازا على مستوى أولا الاسم : أبوزيد السروجي، من هو ؟ ولماذا اختاره الحريري بطلا للمقامات ؟
” روى أبو بكر عبد الله بن محمد أحمد بن النقورالبزار عن الحريري قال : أبو زيد السروجي كان شحاذا بليغا ومكديا فصيحا ورد علينا البصرة ، فوقف يوما في مسجد بني حرام يتكلم ويسأل الناس شيئا،وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاص بالفضلاء فأعجبهم بفصاحته وحسن صناعته وملاحته (…) قال الحريري : فابتدأ في إنشاء المقامة الحرامية تلك الليلة حاذيا حذوه “[45].
يوهمنا الحريري بواقعية شخصية أبي زيد السروجي كعلامة دالة على الغربة ، والأدب ، والفقر ، والرحيل . والواقع أنه قد يكون وراء شخصية بطله شخصية بطل شعبي ، أثار من حوله المجتمع ” وربما خلفها شخصية البطل الشعبي أبو زيد الهلالي ، فإن الأحداث التاريخية التي نبغت خلالها أو نجمت عنها شخصية أبي زيد الهلالي قد ظهرت على مسرح التاريخ خلال القرن الخامس الهجري ” [46]“وهكذا نرى أن أشهر الشطارين (…) في التراث العربي ، لهم واقع تاريخي يتفق مع تنميطهم الفني إلى حد كبير ، واستطاعوا أن يحفروا أسمائهم في ذاكرة التاريخ القومي والشعبي على السواء ، وأن تتحول مع الزمن – من نواة تاريخية – إلى أنماط فنية منذ أكثر من ألف عام “[47].
إن دال تسمية أبي زيد السروجي يمكننا من القول بانتسابه إلى :
أ- انتساب زيد للأب ٬
ب- انتساب زيد لسروج .
لكن هذا الانتساب ، هو انتساب للمطلق ( أبوزيد ) من هو أبوزيد ؟ لقد ورد هذا الاسم كثيرا في كتب اللغة العربية ونحوها ضمن شواهد لغوية. حيث تدل النسبة للأب – أبو – على سمات المجتمع العربي الأبوي٬ فالانتساب للمطلق ” أبوزيد “هو” اجتثاث لشجرة أصبحت فاقدة الجذور،وتحولت لمجال المطابقات المدهشة، تلغي خيط الامتداد البيولوجي أو الثقافي ( …) إن الحديث هنا عن السلالة الصافية غير وارد في قلب مجتمع تحول من هوية فطرية إلى هوية مكتسبة “[48] .البطل الشطاري ، إذن ، كما تدل عليه المقامات يحيل على ترابطات متناقضة ، بين الهوية والواقع : فهويته غير محددة المعالم ، فهو “أبوزيد “،وقد يعني هذا أن هويته هي هوية هذا المجتمع العباسي الهجين ، المتركب من أجناس مختلفة. على أن هذا البطل يخفي أيضا تصدعا على مستوى علاقته بالمكان : “سروج ” ٬والانتساب الى مكان معين معناه فتح أفق ألفة مع جماعة إنسانية معينة . أما بالنسبة لأبي زيد، فإن سروج مكان للألفة واللاألفة في آن واحد ، انتماء للمحدود و اللا محدود “[49] . أو لم نقل من قبل في تحديدنا للمفهوم اللغوي للنص ، إن النص فضيحة !؟ إن البطل يتخذ من “السخرية” وسيلة ليعبر بها عن رفضه لقيم المجتمع وبالتالي تقوم أفعاله على تعرية “سذاجة” من يستمع لأقواه/ بلاغته “ذلك لأن ذلك التفوق يرغم الذات المتأملة والمبدعة ٬ على أن تطبق على نفسها معرفتها الخاصة للعالم ٬وعلى أن تعتبر نفسها … موضوعا حرا لسخرية حرة .”[50]
فالمقامات ، إذن٬ تعري المجتمع العباسي،سلوكيا،وعلاقات إنسانية، وعلاقة الإنسان بالمكان والزمان. يقول الحريري في أبيات ختم بها مقامته ” الحرامية ” :
وأدر قـنــاة المـكــر حــتـــــ = ى تـسـتـديـر رحـى الـمعـيـشـــه
وصــد الـنـســور لأن تـعــذر = صـيـدهـــا فــــاقــنــع بـريــشــه
واجـــن الثمــار فـــإن تـفـتــ = ك فـــرض نـفـســــك بالحشيشه
وأرح فــــــؤادك إن نـــبـــــا = دهــر مــن الفـكـــر الـمـطيــشه
فــتـعـأيــر الأحـــداث يــــــؤ= ذن بـــاســـتـحـالــه كـــل عيشه [51]
هكذا يمنحنا النص المقامي ، بطلا شطاريا صعلوكا ، ماكرا ، متمردا على الواقع ، يواجه محنا ، متشردا ، محتالا ، مهمشا ، مغتربا ، خداعا متسولا ، لصا ، ذكيا ، وواقعيا في نقده لقيم المجتمع.
V – الرؤية الشطارية على مستوى الفضاء الحكائي :
في مقامات الحريري لا يمكننا فصل المكان عن الرحلة، فالبطل من خلال سفره عبر أمكنة متعددة ، ذات امتداد جغرافي متنوع: المشرق العربي والمغرب ، ينقل لنا تجاربه الذاتية في ارتباطها بالأعاجيب . فكل مقامة نستخلص منها حيلة عجيبة ” وبسب الرحلة يحتل المكان عنوان أربعة وأربعين مقامة من مجموع مقاماته الخمسين تمثل أسماء مدن ماعدا مقامتين اختصتا بالصحراء هما : ( البكرية والوبرية ) وتخلو منه عناوين ست مقامات فقط هي : (الدينارية ، والغرضية ، والقهرية ، والشعرية والرقطاء ، والساسانية) “[52].
تحتوي كل مقامة – عادة ـ على مكانين ، أحدهما رئيس والآخر فرعي ثانوي ، تقع فيه أحداث القصة : “المقامة الحرامية” ، مكانها الرئيس: البصرة والمكان الفرعي ، محلة بني حرام ، ثم مسجد بني حرام .
أما “المقامة البصرية “، فمكانها الرئيس هوالبصرة ، ومكانها الثانوي هو جامع البصرة. ويمكن أن نقول أيضا إن الفضاء في المقامات يمكن تصنيفه إلى أمكنة مفتوحة : البصرة – فضاء وحد بين المقامة الحرامية والمقامة البصرية ٬وهو أيضا مسقط رأس الكاتب الحريري. أما الأماكن المغلقة ، فنجد : الجامع وهو قاسم مشترك بين المقامتين٬يمثل في المقامة الأولى – الحرامية – مكان للكدية والتلصص ، وفي المقامة الأخيرة – البصرية: فضاء التوبة والبحث عن الكفارة٬ يقول :” ثم برزإلى مسجده بوضوء تهجده ، فانطلقت ردفه وصليت مع من صلى خلفه ، ولما انفض من حضروتفوقوا شغر بغر ، أخذ يهينم بدرسه ، ويسبك يومه في قالب أمسه…” [53]
المكان هو المسرح الذي ينصب فيه أبوزيد السروجي على ضحاياه ، فلا يستثني هاهنا الأماكن المقدسة : المسجد ، وغير المقدسة : البصرة . تصبح الجماعة مشدودة إلى خطاب المضلل المحكوك ، المنسوج بدقة متناهية ، المخلب ” الكلام إذن لا يجوز ائتمانه والثقة به قد يخلب ويخدع (…) والكلام قد يكون مطابقا للحقيقة ، وقد يكون كذبا ، قد يكشف سريرة المتكلم وقد يخفيها …”[54] تتناسى هذه الجماعة الفضاء ، وتنشد إلى لعبة الحاكي – البطل – وما بها من أعاجيب وغرائب . تبدأ مثلا المقامة الحرامية في تحديدها للمكان بالحنين إلى البصرة : ” مازلت مند رحلت عنسي …. أحن إلى عيان البصرة ، حنين المظلوم إلى النصرة …” فرضخ لي على الحاضرة ونضخ لي بالعدة الوافرة فانقلبت إلى وكري فرحا ينجح مكري”[55].
VI – الخـــاتــمـــــة :
إذا استعرنا مفاهيم ميشيل فوكو في كتابة : “جينالوجيا المعرفة “[56] فإن العصر العباسي في القرن الخامس والسادس الهجريين٬ عصر اضطراب سياسي وخوف وترقب لما ساده من صراعات وتطاحنات حول السلطة٬ وبالتالي فإن المقامة كفن من فنون الخطابة لا يمكن أن تنفلت من روح العصر. فرغم جماليتها وإحكامها ، وبلاغتها ، فإنها تبقى نموذجا للاختباء والتستر خلف رموز اللغة ، وإضمار المعنى وطي الدلالة . وهي بذلك تمارس نوعا من “الرفض والنبذ ” المنعكس للخطاب الرسمي للدولة في عصر الأزمات والانحطاط.
إن المقامة وإن كانت لا تعبر عن هموم عصرها وقضاياه صراحة فإنها تضمر”النبذ” و”إرادة الحقيقة” من خلال توظيفها لفن النكتة والسخرية،والطرافة٬والشطارية مخترقة بذلك نظام الخطاب الذي تكرسه سلطة هشة يسودها عدم الاستقرار والثبات .
* مولاي حفيظ العلوي
باحث في الآداب ٬ مسلك الدكتوراه ٬ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ٬ الرباط ٬ المغرب .
المصادر :
شرح مقامات الحريري البصري ، لأبي العباس أحمد بن المؤمن القيسي الشريشي ، دار الرشاد الحديثة٬ ط 1 /2002 .
المراجع :
أسلوبية الرواية ، مدخل نظري . حميد الحميداني . مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ط 1 /1989 .
أزمة الذات في مقامات الهمذاني ، منصف شعرانة ، دار المعارف سوسة / تونس 1996.
تدريسية الأدب، إستراتيجية القراءة والإقراء. محمد حمود ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ٬ ط1994.
جنيالوجيا المعرفة ٬ ميشيل فوكو ٬ ترجمة ꞉أحمد السطاتي ٬ وعبد السلام بنعبد العالي ٬ دار توبقال للنشر الدار البيضاء ٬ط 2 ٬ 2008.
الخطاب الروائي ، ميخائيل باختين ، ترجمة وتقديم محمد برادة ، دار الامان الرباط ، ط 2 /1987.
درس السيمولوجيا ، ترجمة ع . بنعبد العالي ، دار توبقال الدار البيضاء ٬ط 2 /1986 .
رومان ياكبسن ، أو البنيوية الظاهرتية، إلمارهولنشتاين٬ ترجمة ع.الجليل الازدي ، مطبعة النجاح الجديدة٬ ط 1 / 1999 .
الرؤية والفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب ٬ د. أحمد الطريسي أعراب ، مطبعة الدار العالمية بيروت ٬ و المؤسسة الحديثة للنشر ٬ الدار البيضاء ٬ دون تاريخ النشر.
الغائب ، دراسة في مقامة للحريري عبد الفتاح كيليطو ، دار توبقال ط 1 1987.
سيمياء التأويل ٬ الحريري بين العبارة والإشارة ٬ رشيد الإدريسي ٬ المدارس٬ الدار البيضاء- المغرب ٬ ط1 ٬ 2000.
ت. شعرية السرد : تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري ٬عمر عبد الواحد ،دار الهدى ط 1 /2003.
شعرية السرد : تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري ٬عمر عبد الواحد ،دار الهدى ط 1 /2003
شعرية النص الروائي . بشير القمري ، مطبعة البيادر ٬ط 1 /1991.
شعرية النص النثري ، مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري٬ أبلاغ محمد عبد الجليل ، منشورات المدارس ، الدار البيضاء٬ ط 1 /2002 .
المقامات، السرد وأنساق الثقافية،عبد الفتاح كيليطو، ترجمة عبد الكبيرالشرقاوي، دار توبقال ط 1 /1993.
نظرية الرواية٬ جورج لوكاتش ٬ ترجمة الحسين سحبان ٬منشورات التل ٬ المغرب ٬ ط1 ٬ 1988.
المجلات :
فصول٬ عدد 2 / 1985 .
علامات ٬عدد فبراير 2008 .
عالم الفكر٬ عدد 2 / 2003 .
عالم الفكر٬ سبتمبر 1981 .
الكرمل ٬عدد 11 / 1984 .
[1] – م. عالم الفكر، م.32، ع. 2/2003 ٬ سعيد يقطين، “من النص إلى النص المترابط”، ص 72
[2] لسان العرب ابن منظور الإفريقي المصري، م. 7، دار الفكر، بيروت ٬ص 97-98.
[3] Dictionnaire universel Larousse, Tome 15 « Texte »
[4] – رومان ياكبسن أو البنيوية الظاهراتية إلمارهولنشتاين٬ ت.ع الجليل الأزدي ط1 ٬ 1999. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 120.
[5] -”تدريس الأدب، إستراتيجية القراءة والإقراء”٬ محمود حمود ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،ط 1994 ٬ ص20.
[6] – نفس المرجع السابق، ص 28.
[7] – درس السيميولوجيا، ترجمة ع. بنعبد العالي ٬ دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1986، ص.83.
[8] – النقد والحقيقة، رولان بارت، ترجمة إبراهيم الخطيب، ط 1984، ص 26.
[9] – م. علامات٬ فبراير 2008 ٬إبراهيم نمر موسى، ص. 67.
[10] – شعرية النص الروائي٬ بشير القمري مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الأولى 1991، ص 15-16.
[11] – les sémiotiques textuelles. Dr . El Mustafa Chadli ‚1er edition 2008 p42 .
[12] شعرية النص الروائي ٬ص 70 .
[13] – الرؤية الفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب ٬أحمد الطريسي أعراب٬ مطبعة الدار العالمية٬ دون تاريخ النشر٬ ص 34 .
[14] – شعرية النص النثري، مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري، أبلاغ محمد عبد الجليل: مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء٬ ط1 ٬ 2002 ٬ص 67.
[15] – شرح مقامات الحريري البصري ، أبو العباس أحمد بن المؤمن القيسي الشريشي٬ ، دار الرشاد الحديثة٬ ط 1 /2002 ٬ص 620 .
[16] - نفسه٬ ص 654 .
[17] – شعرية النص النثري، مقاربات نقدية تحليلية لمقامات الحريري٬ص 28.
[18] – نفسه ٬ص 66 .
[19] – سيمياء التأويل ٬ الحريري بين العبارة والإشارة ٬ رشيد الإدريسي ٬ المدارس٬ الدار البيضاء- المغرب ٬ ط1 ٬ ٬2000 ص138.
[20] – الخطاب الروائي، ميخائيل باختين، ترجمة وتقديم محمد برادة، دار الأمان، الرباط ، ط. 2 ص 108.
[21] - نفسه٬ ص 110.
[22] – أسلوبية الرواية، مدخل نظري، حميد الحميداني ٬مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1 ٬ 1989 ص 90.
[23] – شرح مقامات الحريري البصري . ابو العباس أحمد بن المؤمن القيسي الشريشي ص 620
[24] – نفسه ص 623 .
[25] – نفسه ص 668.
[26] – نفسه ص 665.
[27] – الخطاب الروائي ، ميخائيل باختين ٬ص 79
[28] – شعرية النص النثري . ص 115
[29] – م. فصول٬ع. 2 / 1985 المتكلم في الرواية ٬ ميخائيل باختين . ترجمة محمد برادة ٬ ص 114
[30] – نفسه ٬ص 638.
[31] – شرح مقامات الحريري البصري . ابو العباس أحمد بن المؤمن القيسي الشريشي ٬ص 638 .
نفسه ص 676.
[32] – المقامات : السرد والأنساق الثقافية ، عبد الفتاح كيليطو : ترجمة عبد الكبير الشرقاوي ، دار توبقال للنشر ، ط 1 / 1993 ص 11 .
[33] - شرح مقامات البصري٬ ص 620 .
[34] – نفسه٬ ص 654 .
[35] – نفسه ٬ص 654.
[36] – أزمة الذات في مقامات الهمذاني ، منصف شعرانة ٬دار المعارف سوسة ، تونس 1996 ٬ص 80 .
[37] – الغائب ، دراسة في مقامة للحريري ٬عبد الفقاح كيليطو ، دار توبقال٬ ط 1 1987 ٬ص 54
[38] – شعرية النص النثري ٬ص 82
[39] – شرح مقامات الحريري٬ 655.
[40] – شعرية النص النثري ٬ص 69 .
[41] – شرح مقامات الحريري ٬ص 676 .
[42] – نفسه ٬ص 677 .
[43] – نفسه٬ ص 678 .
[44] – الغائب ٬ ص53 .
[45] – شرح مقامات الحريري البصري ٬ص 7
[46] – شعرية السرد ، تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري٬ عمر عبد الواحد ٬ص 127 – 128.
[47] – م.عالم الفكر ،ع.1981 ٬ حكايات الشطار والعيارين في التراث العربي ٬محمد رجب النجار ٬ص 15 .
[48] – شعرية النص النثري٬ ص76 .
[49] – نفسه٬ ص 76
[50] – نظرية الرواية٬ جورج لوكاتش ٬ ترجمة الحسين سحبان ٬منشورات التل ٬ المغرب ٬ ط1 ٬ 1988 ٬ ص70 .
[51] – شرح ماقامات الحريري ٬ص 536 .
[52] – شعرية السرد ، تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري ٬ص 85
[53] – شرح مقامات الحريري البصري٬ ص 674
[54] – الغائب ، دراسة في مقامة الحريري ، عبد الفتاح كيليطو٬ص 37
[55] – شرح مقمات الحريري البصري ٬ص 620
[56] – جنيالوجيا المعرفة ٬ ميشيل فوكو ٬ ترجمة ꞉أحمد السطاتي ٬ وعبد السلام بنعبد العالي ٬ دار توبقال للنشر الدار البيضاء ٬ط 2 ٬ 2008 ٬ ص105-109.
تحديد المفاهيم:
أ- مفهوم النص:
أضحى مصطلح النص من أهم المصطلحات الأكثر تداولا في الساحة الثقافية اليوم لما يطرحه من سجال على مستوى التنظير، والممارسة/ القراءة، ولتداخله مع مصطلحات أخرى كالخطاب، الجملة…”الإنسان يوظف المفاهيم باعتبارها أدوات للتواصل وباعتبارها أيضا مكتسبات معرفية جاءت وليدة البحث في مختلف الظواهر التي اهتم بها (…) وكلما تطورت المفاهيم (…) أمكن التقدم في معرفة الأشياء (…) إن للمفاهيم تاريخها الذي هو تاريخ المعرفة لأن المفاهيم تولد وتتطور وتتغير وتنتقل من مجال معرفي إلى آخر[1].
إن الدلالة اللغوية لمفهوم النص تتحدد من خلال ما طرحه ابن منظور الإفريقي المصري في لسان العرب، مادة (ن،ص،ص) بالقول:”نصص النص: رفعك الشيئ نص الحديث ينصه نصا: رفعه. وكل ما أظهر فقد نص. وقال عمر بن دينار: ما رأيت رجلا أنص للحديث من الزهري أي أرفعه له وأسند. يقال: نص الحديث إلى فلان أي رفعه، وكذلك نصصته إليه. ونصت الظبية جيدها: رفعته. ووضع على المنصة أي على غاية الفضيحة والشهرة والظهور (…) ونص المتاع نصا: جعل بعضها على بعض . ونص الدابة ينصها نصا رفعها في السير، وكذلك الناقة (…) قال أبو عبيدة: النص التحريك حتى تستخرج من الناقة أقصى سيرها (…) والنص والنصيص: السير الشديد والحث، ولهذا قيل نصصت الشيء رفعته ومنه منصة العروس. وأصل النص أقصى الشيء وغايته، ثم سمي به ضرب من السير سريع. ابن الأعرابي: النص الإسناد إلى الرئيس الأكبر، والنص التوقيف، والنص التعيين على شيء ما، ونص الأمر شدته. ونص كل شيء منتهاه.
(…) ويقال نصصت الشيء حركته (…) وروي عن كعب أنه قال: يقول الجبار: احذروني فإني لا أناص عبدا إلا عذبته، أي لا استقصي عليه في السؤال والحساب، وهي مفاعلة منه، إلا عذبته[2].
وجاء في المعجم العالمي لاروس، المجلد 15، ما يلي:”تنحدر كلمة النص Textus من فعل Texére، نسج، والنص تبعا لذلك يعني الثوب، ويعني بعد ذلك تسلسل الأفكار وتوالي الكلمات. إنه الكلام الخاص بكاتب معين في مقابل التعليقات”[3]
يلتقي التحديد اللغوي في اللغة العربية، والتحديد اللغوي في اللغة الفرنسية لمصطلح “النص” في: النسج/الإسناد٬ إذ نقول نسجت الناقة في سيرها إذا أسرعت في نقل قوائمها، من هنا يلتقي التحديدان، وقد يشتركان في أن النسيج هو جعل الشيء بعضه على بعض، وهذا عين المعنى المراد لغة في اللغة العربية أليس النص نسيجا متجانسا من الدوال تحيل على مداليل؟ لكن الاختلافات جوهرية بين اللغتين تكمن في أن اللغة العربية تجعل النص: الفضيحة، والشهرة، والظهور،و الرفع،و السير الشديد، والحث،و التحريك، والعذاب.
ويضيف المعجم الفرنسي: التسلسل،و الكلام الفردي الذي يقابل التعليق. ولو ربطنا بين مثلا لا يحصر التسلسل والسير الشديد والإسناد للامسنا أن المعاني اللغوية المشتركة كثيرة بين اللغتين.
إننا سنركز في مقاربتنا للنص المقامي عند الحريري، بالإضافة لما سبق على معاني: الفضيحة، الشهرة والظهور، الكلام الخاص، وهي مفاهيم/معاني نرى أن النص المقامي يجسدها بامتياز، ولها علاقة بمفهوم الأدب الشطاري. لكن قبل ذلك سنقف في عجالة على الدلالة الاصطلاحية للنص.
إن الدلالة الاصطلاحية لمفهوم “النص”، تبقى وفية لمرجعياتها الحديثة، إذ يعتبر فرديناردي سوسيرFerdinand de Saussure أول من حول التفكير في النص من الوجهة البلاغية إلى الوجهة اللسانية، أي أن سوسيرعد النص ظاهرة لغوية، تتميز بنيتها Structure باستقلاليتها عن باقي البنى (الاجتماعية السيكولوجية)… هي – الظاهرة اللغوية- ذات مدار مغلق، لا تحيل على شيء خارجها، تحيل على نفسها فقط.
استطاع رومان جاكبسون أن يكيف المصطلحات اللسانية مع المفاهيم التحليلية النقدية إذ وضع معايير موضوعية تسمح بدراسة النصوص الأدبية، كنصوص منغلقة على ذاتها.
إن ما يهم جاكبسون في أول ونهاية المطاف هو أدبية النص الأدبي. لقد وضع ستة عناصر للغة اعتبرها، خطة لتحليل الخطاب اللغوي وفهمه: المرسل، والمرسل إليه، و الإرسالية،و قناة التواصل،و السياق، والسنن/القانون.
ولكل عنصر من هذه العناصر الستة، وظيفة: الإرجاعية، الانفعالية، التأثيرية الميتا لغوية، اللغوية، الشعرية.
“وتعطي مختلف هذه العناصر ووظائفها الترسيمية الآتية:
سياق
(مرجعية )
رسالة
(شعرية)
مرسل ______________________ مرسل إليه
(انفعالية) اتصال (إفهامية)
(انتباهية)
شفرة
(لسانية واضحة)[4]
تحدد كريستينا النص بالقول:” نحدد النص كجهاز عبر لغوي يقوم، بإعادة توزيع نظام اللغة، وذلك بأن تعالقا بين الكلام التواصلي الهادف إلى الإخبار المباشر، وبين مختلف الملفوظات القديمة أو الآنية[5] .تحاول الناقدة البلغارية ج. كريستينا، وضمن مشروعها السيميائي العام،” أن تتجاوز اعتبار النص نظاما من الدوال مغلقا على ذاته، بل توسع مفهومه باعتبار مرجعياته المحيلة على الإنسان والمجتمع والتاريخ. فلكل نص مرجع أو مرجعيات يدخل معها في علاقة تعلق وحوار أو ما سمته علاقة تناص Intertextualité .
إن من أهم المفاهيم الدالة التي تميز نظرية كريستينا السينمائية ثنائية النص الظاهر phéno-texte، والنص التوليد Géno-texte “فالنص الظاهر، هو الظاهرة اللفظية، كما تبدو في نظرية الملفوظ المشخص أي مستوى السطح الفونولوجي والتركيبي والدلالي، وهو الجانب الذي اهتمت به الدراسات البنيوية الوصفية. أما النص التوليد، فهو النص الذي يتم تكوينه من خلال عمليات الهدم/البناء/التحويل التي تلحق البنيات العميقة للملفوظات Enoncés بشكل يظهر إنتاجية الأثر وقابليته على الانفتاح القرائي مادام النص ملكا للجميع وما دام البحث عن المعنى مغامرة أنيقة تنتهي بتعذيب النص”[6].
مع رولان بارت، سيصبح الأدب نظاما Système من العلامات Signes . إن حقيقة النص الأدبي لا تكمن في الرسالة message التي يبعثها المرسل، وإنما تكمن في هذا النظام اللغوي. وقد دعا رولان بارت إلى “موت المؤلف” وخلخلة مملكته وسلطته “لصالح حياة النص عنده”. النص”لا يولد من كلمات تولد معنى وحيدا، معنى لاهوتيا إذا صح التعبير (وهو “رسالة” المؤلف الإله)، وإنما هو فضاء متعدد الأبعاد تتمازج فيه كتابات متعددة، وتتعارض من غير أن يكون فيها ما هو أكثر من غيره أصالة[7]“
تطرح سجالات بارت ثلاثة قضايا جوهرية:
أ. نفي أي قدسية أو سلطة للمؤلف
ب. كل نص يعقد، بالقوة – صلة تفاعل مع غيره من النصوص – يتناص مع غيره من النصوص.
ج. ليس هناك أفضلية لنص على آخر، فلا يجب أن نفهم بعملية تفاعل النصوص، حواريتها، أفضلية السابق على اللاحق أو أن الأول أصل والثانية فرع منه/عنه.
إن النص عند بارت عبارة عن جملة لغوية كبرى ينطبق عليها/عليه، ما ينطبق على الجملة اللغوية العادية، مادامت تشكل نسقا من العلامات المتمصلة صوتيا ومعجميا وتركيبيا ودلاليا.
إن الأثر الأدبي عند تودوروف صياغة لغوية تعبيرية مقصودة لذاتها تربط بين مختلف عناصرها علاقات انسجام وتناغم تكسبها هوية جديدة إذ يصبح النص حينها في مستوى خلق قوانينه الرمزية والإشارية الداخلية الخاصة به، بطريقة تؤدي إلى اعتقادنا بأنه مستقل كل الاستقلال عن قوانين اللغة الطبيعية ٬يقول تودورف ”إن مفهوم النص لا يموضع في نفس مستوى الجملة (أو العبارة أو المركب) ، وبهذا وجب تمييز النص عن الفقرة التي هي وحدة مطبعية لمجموعة من الجمل (…) يتحدد النص باستقلاله وانغلاقه وهو يشكل نسقا لا يجب مماثلته مع النسق اللغوي، بل يجب وضعه معه في علاقة تجاور وتشابه معا”[8].
ب- مفهوم التناص :
كل نص ليس بريئا، بمعنى آخر أن كل نص يحبل بنصوص ثاوية، حاضرة غائبة فيه، ويستحيل أن نجد نصا أدبيا لا يتفاعل مع نصوص سابقة عليه أو معاصرة له. هذا يقودنا إلى الحديث عن مفهوم التناص Intertextualité . فما التناص إذن؟
لقد استفادت كرستيفا من أبحات ميخائيل باختين فيما يتعلق بالحوارية – حوارية النصوص – تقول꞉” كل نص يتشكل من تركيبة فسيفساء من الاستشهادات وكل نص هو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى(…)أي أن النص ينشئ علاقة مع الماضي في سياقاته الثقافية والتاريخية والاجتماعية…الخ، لكنها علاقة محملة بدلات معاصرة ومستحضرة لصور تعبر عن الواقع[9]“
هكذا فالنص Texte يستثمر نصوصا أخرى، يتحاور معها، ويدخل معها في علاقات متشابكة: تكرار، اشتراك، نحت، محاكاة، استنساخ، خرق، نفي، صدى، تشرب، تحوير، اقتطاع، تحويل، الامتصاص… هو توظيف نصوص سابقة أو آتية، توسيع، مخالفة، تمثل استيعاب، سرقة أدبية٬ محاكاة ساخرة (الباروديا) لتوليد دلالات جديدة. النص إذن جيولوجيا نصوص، و “مزيج كيميائي” “التناص باعتباره فعلا مضاعفا يسهم فيه المؤلف والمتلقى على حد سواء: الأول عندما يلجأ إلى استعارة أنظمة التشخيص وممارسات دالة تقوم على التكرار، والثاني عندما يتدخل كذات مساندة أو معارضة وغير ذلك من حالات المتلقي، ويتحكم مثل هذا في إقامة حد المفاضلة والموازنة بين النصوص. وليس التناص الضيق وحده هو الذي يتحكم في توجيه القراءة، التلقي، وإنما تنهض داخل النصوص فوق ذلك أواليات أخرى لا تقل عن التناص تأثيرا، ومنها حالات “الحوارية” و”التحوير” التي تقود رأسا إلى افتراض هوية متعددة للمتكلم داخل النص”[10].
لا ترتبط إذن التناص بالكاتب ضرورة، بل يمتد للقارئ من خلال إسقاط هذا الأخير لبينات نصية يعرفها سابقا على بنية نصية يكتشفها آنيا. إن التناص مرتبة من مراتب التأويل Interprétation “” إذن، يعمل البناء/الهدم هذا داخل المشهد المتميز الذي هو مشهد الكتابة والتناص، حيث تتم ممارسة سيميوطيقا هادفة إلى جعل أنواع إنتاج المعنى آنية وجعل الكلام المنطقي داخل النص ملموسا”[11].
لكن هناك سؤال يثيره جيرار جنيت، بصدد حديثه عن التناص هو “انطلاقا من أية لحظة يمكن الحديث عن وجود نص داخل آخر وفق مصطلح التناص؟” [12]
ج- مفهوم الرؤية :
نعني بمفهوم الرؤية ، الرؤية للعالم ، وهي عند غولدمان ليست نسخا أو انعكاسا آليات للأشياء يقول :”هي تفاعل وثيق بين البنى الذهبية لمجتمع ما ، وبين البنى التي تشكل عالم العمل الفني. فالعلاقة ليست بين العمل الفني والمجتمع، ولا حتى بينه وبين الوعي الجماعي وإنما العلاقة تؤخذ على مستوى التماثل البنياني”[13].
في مقاربتنا لمقامات الحريري سنحاول أن أربط بين مستويين اثنين : مستوى فهم النص المقامي، من خلال الكشف عن العناصر المكونة لبنيته، ومستوى تفسيره، أي الربط بين النص وواقعي الخارجي )تاريخي وغير تاريخي). وانطلاقا مما سبق، سنشتغل على نصين مقاميين: “المقامةالحرامية”، و” المقامة البصرية” باعتبارهما توليفة لنصوص سابقة عليهما. إنهما بنيات شكلية مضمونية نتيجة لتكون نصوص جزئية – فرع – شكلت نواة حية لنصين” افتراضيين” قام فيهما الحريري٬ بقصدية٬ استثمار صنعه تناصية ولدت معان جديدة .
فما هي المسوغات الموضوعية التي أدت بنا إلى اختيار هاتين المقامتين دون سواهما من مقامات الحريري الخمسين؟ ولماذا أيضا، مقامات الحريري، وليس الهمذاني كمؤسس لهذا النوع الأدبي؟
المقامات الحريرية المسماة بالمقامات الأدبية، جاءت بعد نضوج واختمار التجربة النثرية العربية القديمة – القرن الخامس الهجري- وهي من النصوص التي تتحرك داخلها الذاكرة الشعرية والنثرية العربية، ومن جهة أخرى، هي أرقى ما بلغه هذا الجنس genre الأدبي من حيث: الاكتمال والتأصيل لدرجة أن العديد من النصوص المقامية التي جاءت بعد الحريري حاكت مقاماته “ونبذت مقامات الهمذاني”[14].
هناك أربعة أسباب رئيسة دفعتنا لاختيار “المقامة الحرامية” و”المقامة البصرية”
أولآ: المقامة الحرامية أول مقامة أنشأها أبو محمد بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري بالرغم من أننا لا نجدها تحتل المرتبة الأولى في المقامات الخمسين، بل موقعها هو المرتبة الثامنة والأربعين.
ثانيا: تحتل المقامة البصرية المرتبة الخمسين، أي أنها آخر المقامات التي بلغتنا للحريري. وبين أول مقامة وآخر مقامة رحلة متعددة الجوانب: الأمكنة، والكدية،والسفر٬ والحيل…
ثالثا: تجري أحداث المقامتين في فضاء مكاني واحد هو البصرة كمكان عام مفتوح، والمسجد كمكان مغلق. يقول الحريري في المقامة الحرامية “꞉روى الحارث بن همام، عن أبي زيد السروجي قال: مازلت مذ رحلت عنسي وارتحلت عن عرسي وغرسي، أحن إلى عيان البصرة (…) فأداني الاختراق في مسالكها والاتصالات في سككها إلى محلة موسومة بالاحترام، منسوبة إلى بني حرام، ذات مساجد مشهودة “[15]. ويروي في المقامة البصرية: “حكى الحارث بن همام، قال꞉أشعرت في بعض الأيام هما، برح بي استعاره ولاح علي شعاره. وكنت سمعت أن غشيان مجالس الذكر، يسرو وغواشي الفكر. فلم أر لإطفاء ما بي من الجمرة إلا قصد الجامع بالبصرة”[16].
رابعا: الحريري في المقامة البصرية غير الحريري في المقامات التسع والأربعين، ذلك أنه في المقامة الخمسين يخرق أفق انتظارالقارئ الذي تعود من بطله أبي زيد السروجي توظيفه لكل أنواع المكر، والخداع، حتى في الأماكن الدينية ꞉المسجد، لكن هنا، المسجد أضحى مكانا للتقوى والعبادة والتزهد. فهل بهذا التوظيف الجديد للفضاء الديني، يتبرأ الحريري مما قام به بطله في بقية القامات؟
II- مظاهر ومستويات التناص في المقامتين ٬نماذج تحليلية وأمثلة تطبيقية꞉
إن أبرز ما يثيرنا في مقاربة المقامتين هو انفتاحهما، ضمنيا على جملة من” التجليات الأجناسية” التي تتفاعل بطريقة مباشرة وغير مباشرة مع النص المولد، كقصدية تناصية مفكر فيها بقوة، خاصة وأن مقامات الحريري تشكلت في جب جنسين متمايزين، لأولهما – الشعر- الريادة في الذاكرة الأدبية العربية، ولثانيهما – النثر – حق امتصاص وتذويب الأول؛ وكأننا بالنثر يريد أن يؤسس لنفسه ديوانه العربي الخاص به”إن الذي يهمنا من هذاهو أن الأنواع الأدبية القديمة، سواء كانت شعرا أو نثرا تستمد قوتها واستمراريتها من مقتضيات التلقي بالدرجة الأولى، وهذا يعني أن لا فضل لنوع على آخر في ذاته، وإنما التفاضل بين الأنواع في مدى استجابتها لرغبات جماعية في اختزال ثلاثية الزمن: (الماضي، الحاضر، المستقبل) قصد فتح أفق جديد لنشوة الذات وبهر الآخر”[17].
وأول ما يلفت نظرنا هو أن “القامة الحرامية” ابتدأت بالمكون الحكائي “روى الحارث ابن همام، عن أبي زيد السروجي” ٬ وتنتهي بالمكون الشعري. في حين أن المقامة البصرية تبتدئ بفعل حكى بدل روى : (حكى الحارث بن همام، قال…) دون ذكر البطل السروجي، وتنتهي بالنثر أيضا ꞉ “إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة، وولي الخيرات في الدنيا والآخرة”.
يستوقفنا توظيف سبعة وأربعين بيتا شعريا في “المقامة الحرامية” واثنين وخمسين بيتا في “المقامة البصرية. فهل هذا التوظيف المعقلن للشعري بالمقامتين حافز لإثارة القارئ المتوهم الذي استساغت أذنه وذائقية الشعر، واستدراجه للمزاوجة بين المألوف- استقلالية الشعر- عن النثر ٬ والغريب꞉ المزج بين النثر والشعر؟.
يفتتح الحريري المقامتين بالقول “روى الحارث بن همام” و “حكى الحارث بن همام” وهو استهلال/ لازمة، يذكر باستهلالات أستاذ الحريري بديع الزمان الهمذاني (358هـ/398هـ) ”حدثنا عيسى بن هشام قال…” فالاستهلالات تلتقي في:
أولا: محاكاة الحريري التامة للهمذاني على مستوى:
أ- زمن الفعل: الماضي٬
ب- الاسم، الضمير، المسند لهذا الفعل، وهو ضمير المتكلم الجمعي (نا)٬
ج- المسرود له / لهم وهو/ هم هنا المستعمون للمقامة في مقام ما، وزمان متعدد.
ثانيا: عملية الإسناد الاسمي أو ماهية الذات الساردة، فهي عند الهمذاني: (عيسى + هشام) وعند الحريري (الحارث + همام). “ويمكن أن نعتبر هذا النوع من الانفتاح، ممارسة “جلية وواعية” مادام النص يعلن عن قصدية الاختيار والتوظيف”.[18] فالحريري وهو يحيل على أستاذه “البديع ٬ يستجيب لأحد المرتكزات الأساسية التي قامت عليها الثقافة العربية الإسلامية في أغلب مجالاتها؛ فإحالة اللاحق على السابق٬ وتطابق رأييهما حول قضية ما ٬ يضفي مصداقية على القضية ويجعلها تحظى بالقبول لدى المتلقي المرتاب منها”[19]
ثالثا: لا يجب أن ننسى أن هذه المحاكاة تبتدئ أول ما تبتدئ به عناوين المقامات، فكل مقامة تبدأ بلفظ” المقامة” ٬ ومعنى ذلك أن العنوان يقدم لنا معونة كبرى على التداخل الممكن والمحتمل بين نصوص المبدعين الهمذاني والحريري.
تناص اللغة / تناص الأجناس
إذا انطلقنا من المسلمة التي مفادها أن الكلام البشري صور شتى للاستعمالات السابقة، أمكننا أن نتأكد تأكدا جازما بأن لا الهمذاني ولا الحريري، بالرغم من إبداعهما غير المجادل فيه، إنما تفاعلوا، قصدا، أو بغير قصد، سلبا أو إيجابا، مع نصوص أدبية وغير أدبية سابقة على تواجدهم أو معاصرة لهم.
ليس هدفنا طرح نقاش جديد حول التنظير لمفهوم التناص الأدبي، ولكن نؤمن بأن كل نص أدبي عبارة عن تعالق نصوص متنوعة، متعددة الأشكال، والنوايا٬ والقارئ الحذق هو من يستطيع أن يلامس الحوارية Le dialogisme المتحكمة في نسيج النص، ومن ثمة أن “يفضح” هذه النصوص ويعيدها إلى أصلها / صورتها. من هنا سنتبنى ثلاثة أنماط للحوارية كما حددها ميخائيل باختين:
1- التهجين L’hybridation٬
2- العلاقات المتداخلة ذات الطابع الحواري بين اللغات٬
3- الحوارية الخالصة.
إن التهجين عند باختين هو:”مزج لغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، والتقاء وعيين لغويين مفصولين بحقبة زمنية، وبفارق اجتماعي، أو بهما معا، داخل ساحة ذلك الملفوظ”[20].
أما العلاقات المتداخلة ذات الطابع الحواري بين اللغات، وهي ما يسميها باختين أيضا الأسلبة La stylasation، إنها بمثابة إضاءة متبادلة بين اللغات”إن الإضاءة المتبادلة المصاغة في حوار داخليا، التي تنجزها الأنساق اللسانية في مجملها تتميزعين التهجين بمعناه الخاص. ففي الإضاءة المتبادلة لا يكون توحيد مباشر للغتين داخل ملفوظ واحد، وإنما هي لغة معينة وملفوظة، إلا أنها مقدمة على ضوء اللغة الأخرى”[21].
ومفهوم الحوارالخالص عند باختين “ما سماه أفلاطون منذ زمن بالمحاكاة المباشرة (mimésis) أي حوار الشخصيات فيما بينها داخل الحكي”[22].
كيف وظف الحريري هذه الأنماط الحوارية الثلاثة في المقامتين “الحرامية” و”البصرية”؟
إن صوت / ملفوظ الراوي يختلف عن صوت البطل أبي زيد السروجي . فكل منهما يصدر عن منظورمغاير للآخر،على الأقل على المستوى الاجتماعي. تقدم لنا المقامتان الراوي ، كناقل أمين لأحداث الحكاية /الحكايات، في حين يصدر ملفوظ البطل عن وعي هذا الأخير بموقع الكلمة وأثرها وتأثيرها الأخاذ على”مجتمع”المستهلكين لخطابه. وتنشأ الهجنة من تداخل ملفوظ الراوي ، وملفوظ البطل الشطاري، وتكشف الملفوظات عن نواياهما؛ فإذا كانت لغة الراوي، شبه تلقائية ، لأن دور الرواية يتوقف عند حدود نقل الكلام فإن ملفوظات أبي زيد مفكر فيها بقوة لاستلاب لب السامع .. ودور الكاتب – الحريري- هو تنظيم هذا التعدد اللساني في المقامة وتوجيهه بما يخدم الأفق الأدبي المميز للأدب المقامي .
أما عن النمط الثاني من أنماط الحوارية بين اللغات كما حددها باختين فيمكن أن نتلمسها بواسطة تحيين الحريري للغة قديمة التي تقبع في التركيب اللغوي ، وغير المصرح بها ، لكنها تظهر في صورة اللغة المشخصة : يتناص الحريري في المقامة الحرامية في قوله:” وهتف أبو المنذر بالنوام لأخطو في خططها ” [23] فأبو المنذركنية الديك ويكنى أيضا أبا سليمان . عن أبي هريرة ، قال النبي (ص) : لاتسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة ” وقال (ص) : ” إذا سمعتهم الديكة فإنها رأت ملكا فاسألوا الله من فضله ” يقول الحريري أيضا ” واتخدتهم كرشي وعيبتي “[24]٬ يتناص مع قوله (ص) : “الأنصار كرشي وعيبتي” . وفي قوله “وأن المستشارمؤتمن[25] ” يتناص وقوله (ص) “ما ندم من استشار٬ولا شقي من استخار”، ومع الشاعر بشار بن برد:
إذا بـلـغ الــرأي المشــورة فاسـتعن = برأي نصيح أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة = فإن الخوافي راقدات الـقـوادم
يقول الحريري في “مقامة البصرية” : “ولكنك رتقت وما فتقت ، فبين لي كيف أقتطف ومن أين تؤكل الكتف”[26] يتحاور في هذا المعنى مع قول أوس بن حجر
أم دلكم بعض من يرتاد مشتمي = بأي أكلة لحم تؤكل الكتف
بهذا التوظيف المعقلن للنصوص الشعرية أو الحديثية- نسبة للأحاديث النبوية- أو غيرهما يعبر المؤلف بواسطة”صوت الآخر” وما ترسب في ذاكرته من استعمالات للغة في إطار وحدة الجنس الأدبي : النص الجديد/ المقامة يمتص ويحول مختلف النصوص ليفجر طاقة التخيل عند الملتقي؛ يعبر عن موقفه ورؤيته للمجتمع العباسي .
يمكننا أن نكشف عن التخلل كشكل من أشكال الحوارية الموظفة في النص المقامي ٬وهو تداخل للأجناس الأدبية ” لكن غالبا ما تعمد تلك الأجناس بدرجات متنوعة إلى كسر نوايا الكاتب وحرفها “[27]. المقامة الحرامية يشغل فيها الشعري 47 بيتا شعريا ، في حين يشغل الشعري في المقامة البصرية 52 بيتا شعريا ٬ وهذا مظهر من مظاهر المقامات ، سواء عند الحريري أو الهمذاني من قبل ، فهل علاقة لغة الشعري بلغة النثري علاقة متكافئة ؟ ” تجسد المقامات الحريرية مظهرا كتابيا مارست فيه بعض الظواهر الإيقاعية حضورها ووعيها بقصدية ملحوظة ، وقد امتدت هذه الظواهرعلى طول النص المقامي بأكمله نمط متوازا تكررعبر مقاطع صوتية”.[28]
على أن هذا التداخل بين المكونين / الجنسين الأدبيين يطرح بدوره إشكالا جديد: هل النثر قاعدة للشعر أم العكس ؟ أي هل الشع هو المعيارأم النثرا ؟ “إن صورة اللغة بوصفها هيمنة قصدية ، هي قبل كل شيء هجنة واعية ، بخلاف الهجنة التاريخية – العضوية الغامضة لسانيا ، إنها بالضبط ذلك الوعي بلغة من جانب لغة أخرى ، إنها النورالذي يلقيه عليها وعي لساني آخر. ويمكن لصورة لغة أن تنبني فقط من وجهة نظر لغة أخرى مقبولة على أنها بمثابة معيار”[29].
ورغم الاختلاف بين الجنسين الأدبين، فإنهما يشتركان في الحقول الدلالية المعبرعنها : حقل السفر، حقل الكدية، حقل التحويل ، ثم حقل التعرف. فالشعري ، إذن ، يتضمن النثري ، والنثري يتضمن الشعري ، ومن خلال عملية التوليف هاته ، يتماس الواقعي ، التاريخي – القرن الخامس الهجري – مع المتخيل الرمزي،على أن المقامة الحرامية يتم الانتقال فيها من النثري ، فالشعري ثم النثري لتختم بالمكون الشعري . في حين تنطلق “المقامة البصرية”، على عادة المقامات بالنثري ثم الشعري، لتختم بالمكون النثري. من خلال ذلك تم المزج بين لغتين في ملفوظ واحد ليشكلا معا هجنة لغوية لها دلالة في سياق العمل المقامي بكامله : انتصار للنثر على الشعر … فهل يمكن أن نقول بهذا الصدد النثرإن ديوان العرب الجديد ؟ إن الهمذاني والحرير، يبحثان عن شكل جديد لكتابة يتزاوج فيه الجنسان، بشكل قصدي ، ليولدا شكلا أدبيا جديدا هو ما اصطلح عليه “المقامة”.
بالنسبة للنمط الثالث : الحوارية الخالصة ، فيتبدى في المقامتين على مستوى حوار الشخصيات المباشر :
” قال أبوزيد : فلما أتممت هذرمتي وأوهم المسؤول صدق كلمتي (…) قال الحارث ابن همام : فقلت له : سبحان من أبدعك ، فما أعظم خدعك .” [30]
وقوله في ” المقامة البصرية : “وقلت : أوصني أيها العبد الناصح ، فقال : اجعل الموت نصب عينك وهذا فراق بيني وبينك ” [31]
إن لغة الشخصيات – حوارها المباشر- لها دلالة تؤشرعلى موقعها وموقفها الفكري الاجتماعي ولم الإيديولوجي …فالشاطر أبو زيد السروجي ، يحلم على امتداد المقامات الخمسين بتغيير حاله من الفقر إلى الغنى ، من حياة اللصوصية إلى التوبة .
III- الرؤية الشطارية على مستوى الموضوعات :
قبل أن نتعرض للرؤية الشطارية على مستوى الموضوعات في المقامتين ، لابد أولا أن نعرف مفهوم ” الشاطر”. فالشاطر لغة من أعيا أهله خبثا ويقال شطرعلى أهله بمعنى نزح عنهم . والشطارة الانفصال والابتعاد.والشاطرأيضا هو الذي عصا أباه أو ولي أمره وعاش في الخلاعة . وشطر فلان شطارة اتصف بالدهاء والخباثة .
إن موضوعات ” المقامة الحرامية ” و المقامة البصرية ” يمكن حصرها في :
1- الرحلة كعنصر أساس وجوهري في كل مقامات الحريري ، وقد يقتصرالحديث عنها عند بداية المقامة ، وقد يمتد إلى وسطها كما قد يحط المؤلف رحال بطله في آخر المقامة. والحديث ها هنا عن الرحلة أو السفر لا يخرج عن ” مملكة الإسلام ” في القرن الخامس الهجري ويختلف باختلاف التعدد المكاني / دمشق ، بغداد ، مكة ، حلب ، عمان ، نجران… ” هذه الخاصية تقرب المقامة من المؤلفات الجغرافيين العرب (…) الاصطخري والمقدسي ، وابن حوقل ، الذين قصروا رؤيتهم عمدا على مملكة الإسلام “.[32]
يقول الحريري في المقامة الحرامية ꞉”روى الحارث بن همام عن أبي زيد السروجي قال : مازلت منذ رحلت عنسي وارتحلت عن عرسي وغرسي ، أحن إلى عيان البصرة حنين المظلوم إلى النصرة “[33]
ويقول في المقامة البصرية: “حكى الحارث بن همام قال: أشعرت في بعض الأيام هما برج بي استعاره ولاح علي شعاره ، وكنت سمعت أن غشيان مجالس الذكر يسرو غواشي الفكر ، فلم أر لإطفاء ما بي من الجمرة إلا قصد الجامع بالبصرة ” [34]
الرحلة إذن واسطة ثلاث مراحل يعيشهما بطل مقامات الحريري : أبوزيد السروحي .
أ- مرحلة ما قبل السفر أو ما قبل سرد الحكاية / المقامة꞉ وفيها يكون بطلنا فقيرا غريبا ممزقا يبحث لنفسه عن مكان آمن ، وعن شخوص يبهرهم بحسن بلاغة كلامه .
ب- مرحلة السفر꞉ وفيها يوظف هذا البطل الرحالة الجوال أساليب احتياله من خلال خطابه – لغته – المدهش ، لتنطلي حيلته / حيله على سامعيه .
ج- المرحلة الثالثة ꞉وفيها تنطلي حيله / حيلته على السامعين ، ويتم له ما أراد من الإيقاع بمتلقيه في الفخ الذي نصبه لهم بامتياز .
إن الملمح الشطاري واضح ، إذن ،من خلال هذا المكون التيمي/ الموضوعاتي٬ فالبطل يستخدم عنصرالحيلة لكسب المال بطرق خسيسة،وملتوية،يتحول فيها من شخص يستجدي إلى لص محترف خبيث قد لا يعير أدنى الاحترام والاهتمام لبعض الأماكن المقدسة / المسجد٬ كما هو الأمر في المقامة الحرامية : ” قال أبوزيد : فلما أتممت هذ رمتي وأوهم المسؤول صدق نيتي ، أغراه القوم إلى الكرم ، بمواساتي ورغبة الكلف بحمل الكلف في مقاساتي ، فرضخ لي على الحافرة ونضخ لي بالعدة الوافرة فانقلبت إلى وكري ، فرحا بنجح مكري وقد حصلت من صوغ المكيدة على سوغ الثريدة ووصلت من حوك القصيدة إلى لوك العصيدة” [35].
2- الكدية : الكدية هي المبررالأساس لسفرأبي زيد السروخي٬وهي التي حكمتعليه بالغربة والاغتراب والحرمان، إنها “تصور حالة الفقر والبطالة التي كانت تعيشها الطبقة الضعيفة والمحرومة نتيجة التصادم الاجتماعي وصراع الطبقات الذي أفرز طبقة جديدة هي طبقة التجار ، وهي طبقة استغلت الأوضاع المتأزمة لتجمع المال بكل الوسائل (…) وكان ظهورها نذير شؤم على العامة التي ابتليت بالفقر والحرمان وعاشت على هامش المجتمع، وليس أبطال المقامات إلا رموزا لهؤلاء المعذبين في الأرض”[36].
من خلال البطل الشاطر، حاول الحريري أن يحاكم المجتمع العباسي وأن يكشف عن التناقض الصارخ بين مكوناته : طبقة غنية # طبقة فقيرة. إن المقامات صورة من صورهذا المجتمع الذي انهارت فيه مجموعة من القيم العليا ، وأصبح الفرد فيه لا تقاس مكانته إلا بما يتوفرعليه من رصيد مالي؛ وكأننا بالحريري يريد أن يعيد الاعتبار للكلمة البليغة التي نفذ سوقها في هذا المجتمع ، لكن كيف ؟ من خلال سرد حكايات بطل شطاري لا يملك إلا سلاح الكلمة والحيلة : ” إن حكاية عجيبة لا يمكن أن يسردها ، بمعنى من المعاني ، إلا شخص عجيب ، غير عادي وهذه صفة أبي زيد تظهر لمن قرأ مجموع مقامات الحريري (…) فهو مكدي (…) وشاعر مغلف (…) وراو مراوغ (…) ثم هو ابن نفسه أو أب نفسه لأنه ينجب في كل لحظة الصورة التي يود أن يظهر بها أمام الغير٬ ثم هو بعد كل هذا أبو العجب” [37].
3- التعرف : إن تيمة التعرف هي الرابط بين بداية المقامات وخاتمتها من جهة ، وهي نهاية الاحتيال وبلوغ المرام من جهة ثانية . وقد كان الحريري ذكيا حينما نوع في طرائق تعرف الراوي ، الحارث بن همام ، على البطل أبي زيد السروجي . هذا التعرف اتخذ ثلاثة أشكال :
” إما أن يتعرف السارد على البطل في بداية المقامة (…) أو ينفرد السارد بالبطل في آخر المقامة ليكشف هويته ٬ أويتم التعرف في غياب الجماعة” [38] . سؤال يثور:ما علاقة تيمة التعرف بالرؤية الشارطة في المقامتين ؟
4- التحول : تقدم لنا المقامتان ، صورة عن تحول البطل من فقير مذقع حزين إلى إنسان غني فرح بإسقاط ضحاياه في شباك حيله وخديعته . أبوزيد يمتلك سلطة إقتناعية اكتسبها عبر تجواله ورحلاته ، سلطة لغوية يحول بواسطتها الجماعة المنصته إلى جماعة تنثال عليه بالعطايا . “قال أبو زيد : فلما أتممت هذرمتي وأوهم المسؤول صدق كلمتي أعزاه الغرم إلى الكرم بمواساتي ورغبة الكلف بحمل الكلف في مقاساتي ، فرضخ لي على الحافرة ونضخ لي بالعدة الوافرة ” [39]
” إن ظهور الكلمة السلطوية في النص المقامي، لا يعني أنها تفتقر دائما إلى إقناع داخلي، ولكن توظيفها تسري- في غالب الأحيان – نحو إقحام المتلقي بكلمة اكتسبت طابعا سلطويا مترسخا في ذاكرته ، فهي تخاطبه من خلال عقد سلطوي متواضع عليه ضمنيا بين المرسل والمتلقي. وهي في الغالب تكون ” ذات معنى واحد ” سواء جاءت على شكل التحويراللفظي السابق أو احتفظت بكل مكوناتها اللفظية والدلالية ، إنها أحادية الدلالة باعتبارها كلمة ” لا تصور بل تنقل فقط “[40].
لكن هذا التحول يطال راوي المقامات : الحارث ابن همام من جهة وبطلها من جهة ثانية . تقدم لنا المقامة البصرية توبة أبي زيد السروجي من كل الأفعال التي قام بها في مجموع المقامات٬ يقول الحريري ” ثم برز إلى مسجده بوضوء تجهده، فانطلقت ردفه ، وصليت مع من صلى خلفه ، ولما انفض من حضر ، وتفرقوا شغر بغر، أخذ يهينم بدرسه ، ويسبك يومه في قالب أمسه ، وفي ضمن ذلك يرن إرنان الرقوب ، ويبكي ولا بكاء يعقوب حتى اسنبت أنه التحق بالأفراد ، وأشرب قلبه هوى الانفراد ، فأخطرت بقلبي عزمه الارتحال ، وتخليته والتخلي بتلك الحال ، فكأنه تقرس ما فويت ، أو كوشف بما أخفيت ، فزفز زفير الأواه ، ثم قرأ فإذا عزمت فتوكل على الله ، فاسجلت عند ذلك بصدق المحدثين ، وأيقنت أن في الأمة محدثين ، ثم دنوت إليه كما يدنو المصافح ، وقلت : أوصني أيها العبد الناصح ، فقال : اجعل الموت نصب عينك ، وهذا فراق بيني وبينك ، فودعته وعبراتي يتحدرن من المآقي وزفراتي يتصعدن من التراقي ، وكانت هذه خاتمة التلاقي”.[41]
ونعتبر ” المقامة البصرية ” تحولا جذريا في رؤية الشاطر أبي زيد السروجي لذاته وللعالم ، يحاول في هذه المقامة التكفيرعن جميع ذنوبه التي اقترفها في المقامات التسع والأربعين ٬ وهي أيضا تحول في علاقة البطل براوي الحكايات : ” فودعته وعبراتي ينحدرن من المآقي وزفرات يتصعدن من التراقي ، وكانت هذه خاتمة التلاقي”[42]. على أن هذه التوبة سيصرح بها الحريري ذاته في الخاتمة التي ألحقها بالمقامات الخمسين٬ يقول: ” هذا آخرالمقامات التي أنشأتها بالإغتراب وأمليتها بلسان الاضطراب ، وقد ألجئت إلى أن أرصدتها للاستعراض (…) وأنا استغفر الله مما أودعتها من أباطيل اللغو وأضاليلي الهو ، وأسترشده الى ما يعصم من السهو ويحظي بالعفو، إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة وولي الخيرات في الدنيا والآخرة “[43].
IV – الرؤية الشطارية على مستوى الشخوص :
أسماء الأعلام في المقامات ، بصفة عامة ، تقدم لنا تصورا ما عن هذه الرؤية الشطارية، فالمسؤول عن السرد اسم علم ، وبطلها اسم علم . فلما ذا اختار الحريري اسما لراوي المقامات ، وآخر لبطلها ؟
صاغ الحريري اسم راوية مقاماته ، الحارث بن همام ليكون موازيا لراوية مقامات بديع الزمان الهمذاني ، عيسى بن هشام . يقدم لنا هذا الراوي ، كشاهد على مكر ، وخداع البطل أبي زيد السروجي ، وهو الذي يكشف عنه ، وعن حيله للقارئ٬ ولولا تدخله لما تعرف هذا القارئ ، على البطل ” الحرباء ” “أبو العجب ” كما ينعته عبد الفتاح كيليطو في كتاب “الغائب “[44].
يتجلى الملمح الشطاري في بطل الحكايات بامتيازا على مستوى أولا الاسم : أبوزيد السروجي، من هو ؟ ولماذا اختاره الحريري بطلا للمقامات ؟
” روى أبو بكر عبد الله بن محمد أحمد بن النقورالبزار عن الحريري قال : أبو زيد السروجي كان شحاذا بليغا ومكديا فصيحا ورد علينا البصرة ، فوقف يوما في مسجد بني حرام يتكلم ويسأل الناس شيئا،وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاص بالفضلاء فأعجبهم بفصاحته وحسن صناعته وملاحته (…) قال الحريري : فابتدأ في إنشاء المقامة الحرامية تلك الليلة حاذيا حذوه “[45].
يوهمنا الحريري بواقعية شخصية أبي زيد السروجي كعلامة دالة على الغربة ، والأدب ، والفقر ، والرحيل . والواقع أنه قد يكون وراء شخصية بطله شخصية بطل شعبي ، أثار من حوله المجتمع ” وربما خلفها شخصية البطل الشعبي أبو زيد الهلالي ، فإن الأحداث التاريخية التي نبغت خلالها أو نجمت عنها شخصية أبي زيد الهلالي قد ظهرت على مسرح التاريخ خلال القرن الخامس الهجري ” [46]“وهكذا نرى أن أشهر الشطارين (…) في التراث العربي ، لهم واقع تاريخي يتفق مع تنميطهم الفني إلى حد كبير ، واستطاعوا أن يحفروا أسمائهم في ذاكرة التاريخ القومي والشعبي على السواء ، وأن تتحول مع الزمن – من نواة تاريخية – إلى أنماط فنية منذ أكثر من ألف عام “[47].
إن دال تسمية أبي زيد السروجي يمكننا من القول بانتسابه إلى :
أ- انتساب زيد للأب ٬
ب- انتساب زيد لسروج .
لكن هذا الانتساب ، هو انتساب للمطلق ( أبوزيد ) من هو أبوزيد ؟ لقد ورد هذا الاسم كثيرا في كتب اللغة العربية ونحوها ضمن شواهد لغوية. حيث تدل النسبة للأب – أبو – على سمات المجتمع العربي الأبوي٬ فالانتساب للمطلق ” أبوزيد “هو” اجتثاث لشجرة أصبحت فاقدة الجذور،وتحولت لمجال المطابقات المدهشة، تلغي خيط الامتداد البيولوجي أو الثقافي ( …) إن الحديث هنا عن السلالة الصافية غير وارد في قلب مجتمع تحول من هوية فطرية إلى هوية مكتسبة “[48] .البطل الشطاري ، إذن ، كما تدل عليه المقامات يحيل على ترابطات متناقضة ، بين الهوية والواقع : فهويته غير محددة المعالم ، فهو “أبوزيد “،وقد يعني هذا أن هويته هي هوية هذا المجتمع العباسي الهجين ، المتركب من أجناس مختلفة. على أن هذا البطل يخفي أيضا تصدعا على مستوى علاقته بالمكان : “سروج ” ٬والانتساب الى مكان معين معناه فتح أفق ألفة مع جماعة إنسانية معينة . أما بالنسبة لأبي زيد، فإن سروج مكان للألفة واللاألفة في آن واحد ، انتماء للمحدود و اللا محدود “[49] . أو لم نقل من قبل في تحديدنا للمفهوم اللغوي للنص ، إن النص فضيحة !؟ إن البطل يتخذ من “السخرية” وسيلة ليعبر بها عن رفضه لقيم المجتمع وبالتالي تقوم أفعاله على تعرية “سذاجة” من يستمع لأقواه/ بلاغته “ذلك لأن ذلك التفوق يرغم الذات المتأملة والمبدعة ٬ على أن تطبق على نفسها معرفتها الخاصة للعالم ٬وعلى أن تعتبر نفسها … موضوعا حرا لسخرية حرة .”[50]
فالمقامات ، إذن٬ تعري المجتمع العباسي،سلوكيا،وعلاقات إنسانية، وعلاقة الإنسان بالمكان والزمان. يقول الحريري في أبيات ختم بها مقامته ” الحرامية ” :
وأدر قـنــاة المـكــر حــتـــــ = ى تـسـتـديـر رحـى الـمعـيـشـــه
وصــد الـنـســور لأن تـعــذر = صـيـدهـــا فــــاقــنــع بـريــشــه
واجـــن الثمــار فـــإن تـفـتــ = ك فـــرض نـفـســــك بالحشيشه
وأرح فــــــؤادك إن نـــبـــــا = دهــر مــن الفـكـــر الـمـطيــشه
فــتـعـأيــر الأحـــداث يــــــؤ= ذن بـــاســـتـحـالــه كـــل عيشه [51]
هكذا يمنحنا النص المقامي ، بطلا شطاريا صعلوكا ، ماكرا ، متمردا على الواقع ، يواجه محنا ، متشردا ، محتالا ، مهمشا ، مغتربا ، خداعا متسولا ، لصا ، ذكيا ، وواقعيا في نقده لقيم المجتمع.
V – الرؤية الشطارية على مستوى الفضاء الحكائي :
في مقامات الحريري لا يمكننا فصل المكان عن الرحلة، فالبطل من خلال سفره عبر أمكنة متعددة ، ذات امتداد جغرافي متنوع: المشرق العربي والمغرب ، ينقل لنا تجاربه الذاتية في ارتباطها بالأعاجيب . فكل مقامة نستخلص منها حيلة عجيبة ” وبسب الرحلة يحتل المكان عنوان أربعة وأربعين مقامة من مجموع مقاماته الخمسين تمثل أسماء مدن ماعدا مقامتين اختصتا بالصحراء هما : ( البكرية والوبرية ) وتخلو منه عناوين ست مقامات فقط هي : (الدينارية ، والغرضية ، والقهرية ، والشعرية والرقطاء ، والساسانية) “[52].
تحتوي كل مقامة – عادة ـ على مكانين ، أحدهما رئيس والآخر فرعي ثانوي ، تقع فيه أحداث القصة : “المقامة الحرامية” ، مكانها الرئيس: البصرة والمكان الفرعي ، محلة بني حرام ، ثم مسجد بني حرام .
أما “المقامة البصرية “، فمكانها الرئيس هوالبصرة ، ومكانها الثانوي هو جامع البصرة. ويمكن أن نقول أيضا إن الفضاء في المقامات يمكن تصنيفه إلى أمكنة مفتوحة : البصرة – فضاء وحد بين المقامة الحرامية والمقامة البصرية ٬وهو أيضا مسقط رأس الكاتب الحريري. أما الأماكن المغلقة ، فنجد : الجامع وهو قاسم مشترك بين المقامتين٬يمثل في المقامة الأولى – الحرامية – مكان للكدية والتلصص ، وفي المقامة الأخيرة – البصرية: فضاء التوبة والبحث عن الكفارة٬ يقول :” ثم برزإلى مسجده بوضوء تهجده ، فانطلقت ردفه وصليت مع من صلى خلفه ، ولما انفض من حضروتفوقوا شغر بغر ، أخذ يهينم بدرسه ، ويسبك يومه في قالب أمسه…” [53]
المكان هو المسرح الذي ينصب فيه أبوزيد السروجي على ضحاياه ، فلا يستثني هاهنا الأماكن المقدسة : المسجد ، وغير المقدسة : البصرة . تصبح الجماعة مشدودة إلى خطاب المضلل المحكوك ، المنسوج بدقة متناهية ، المخلب ” الكلام إذن لا يجوز ائتمانه والثقة به قد يخلب ويخدع (…) والكلام قد يكون مطابقا للحقيقة ، وقد يكون كذبا ، قد يكشف سريرة المتكلم وقد يخفيها …”[54] تتناسى هذه الجماعة الفضاء ، وتنشد إلى لعبة الحاكي – البطل – وما بها من أعاجيب وغرائب . تبدأ مثلا المقامة الحرامية في تحديدها للمكان بالحنين إلى البصرة : ” مازلت مند رحلت عنسي …. أحن إلى عيان البصرة ، حنين المظلوم إلى النصرة …” فرضخ لي على الحاضرة ونضخ لي بالعدة الوافرة فانقلبت إلى وكري فرحا ينجح مكري”[55].
VI – الخـــاتــمـــــة :
إذا استعرنا مفاهيم ميشيل فوكو في كتابة : “جينالوجيا المعرفة “[56] فإن العصر العباسي في القرن الخامس والسادس الهجريين٬ عصر اضطراب سياسي وخوف وترقب لما ساده من صراعات وتطاحنات حول السلطة٬ وبالتالي فإن المقامة كفن من فنون الخطابة لا يمكن أن تنفلت من روح العصر. فرغم جماليتها وإحكامها ، وبلاغتها ، فإنها تبقى نموذجا للاختباء والتستر خلف رموز اللغة ، وإضمار المعنى وطي الدلالة . وهي بذلك تمارس نوعا من “الرفض والنبذ ” المنعكس للخطاب الرسمي للدولة في عصر الأزمات والانحطاط.
إن المقامة وإن كانت لا تعبر عن هموم عصرها وقضاياه صراحة فإنها تضمر”النبذ” و”إرادة الحقيقة” من خلال توظيفها لفن النكتة والسخرية،والطرافة٬والشطارية مخترقة بذلك نظام الخطاب الذي تكرسه سلطة هشة يسودها عدم الاستقرار والثبات .
* مولاي حفيظ العلوي
باحث في الآداب ٬ مسلك الدكتوراه ٬ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ٬ الرباط ٬ المغرب .
المصادر :
شرح مقامات الحريري البصري ، لأبي العباس أحمد بن المؤمن القيسي الشريشي ، دار الرشاد الحديثة٬ ط 1 /2002 .
المراجع :
أسلوبية الرواية ، مدخل نظري . حميد الحميداني . مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ط 1 /1989 .
أزمة الذات في مقامات الهمذاني ، منصف شعرانة ، دار المعارف سوسة / تونس 1996.
تدريسية الأدب، إستراتيجية القراءة والإقراء. محمد حمود ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ٬ ط1994.
جنيالوجيا المعرفة ٬ ميشيل فوكو ٬ ترجمة ꞉أحمد السطاتي ٬ وعبد السلام بنعبد العالي ٬ دار توبقال للنشر الدار البيضاء ٬ط 2 ٬ 2008.
الخطاب الروائي ، ميخائيل باختين ، ترجمة وتقديم محمد برادة ، دار الامان الرباط ، ط 2 /1987.
درس السيمولوجيا ، ترجمة ع . بنعبد العالي ، دار توبقال الدار البيضاء ٬ط 2 /1986 .
رومان ياكبسن ، أو البنيوية الظاهرتية، إلمارهولنشتاين٬ ترجمة ع.الجليل الازدي ، مطبعة النجاح الجديدة٬ ط 1 / 1999 .
الرؤية والفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب ٬ د. أحمد الطريسي أعراب ، مطبعة الدار العالمية بيروت ٬ و المؤسسة الحديثة للنشر ٬ الدار البيضاء ٬ دون تاريخ النشر.
الغائب ، دراسة في مقامة للحريري عبد الفتاح كيليطو ، دار توبقال ط 1 1987.
سيمياء التأويل ٬ الحريري بين العبارة والإشارة ٬ رشيد الإدريسي ٬ المدارس٬ الدار البيضاء- المغرب ٬ ط1 ٬ 2000.
ت. شعرية السرد : تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري ٬عمر عبد الواحد ،دار الهدى ط 1 /2003.
شعرية السرد : تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري ٬عمر عبد الواحد ،دار الهدى ط 1 /2003
شعرية النص الروائي . بشير القمري ، مطبعة البيادر ٬ط 1 /1991.
شعرية النص النثري ، مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري٬ أبلاغ محمد عبد الجليل ، منشورات المدارس ، الدار البيضاء٬ ط 1 /2002 .
المقامات، السرد وأنساق الثقافية،عبد الفتاح كيليطو، ترجمة عبد الكبيرالشرقاوي، دار توبقال ط 1 /1993.
نظرية الرواية٬ جورج لوكاتش ٬ ترجمة الحسين سحبان ٬منشورات التل ٬ المغرب ٬ ط1 ٬ 1988.
المجلات :
فصول٬ عدد 2 / 1985 .
علامات ٬عدد فبراير 2008 .
عالم الفكر٬ عدد 2 / 2003 .
عالم الفكر٬ سبتمبر 1981 .
الكرمل ٬عدد 11 / 1984 .
[1] – م. عالم الفكر، م.32، ع. 2/2003 ٬ سعيد يقطين، “من النص إلى النص المترابط”، ص 72
[2] لسان العرب ابن منظور الإفريقي المصري، م. 7، دار الفكر، بيروت ٬ص 97-98.
[3] Dictionnaire universel Larousse, Tome 15 « Texte »
[4] – رومان ياكبسن أو البنيوية الظاهراتية إلمارهولنشتاين٬ ت.ع الجليل الأزدي ط1 ٬ 1999. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 120.
[5] -”تدريس الأدب، إستراتيجية القراءة والإقراء”٬ محمود حمود ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،ط 1994 ٬ ص20.
[6] – نفس المرجع السابق، ص 28.
[7] – درس السيميولوجيا، ترجمة ع. بنعبد العالي ٬ دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1986، ص.83.
[8] – النقد والحقيقة، رولان بارت، ترجمة إبراهيم الخطيب، ط 1984، ص 26.
[9] – م. علامات٬ فبراير 2008 ٬إبراهيم نمر موسى، ص. 67.
[10] – شعرية النص الروائي٬ بشير القمري مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الأولى 1991، ص 15-16.
[11] – les sémiotiques textuelles. Dr . El Mustafa Chadli ‚1er edition 2008 p42 .
[12] شعرية النص الروائي ٬ص 70 .
[13] – الرؤية الفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب ٬أحمد الطريسي أعراب٬ مطبعة الدار العالمية٬ دون تاريخ النشر٬ ص 34 .
[14] – شعرية النص النثري، مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري، أبلاغ محمد عبد الجليل: مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء٬ ط1 ٬ 2002 ٬ص 67.
[15] – شرح مقامات الحريري البصري ، أبو العباس أحمد بن المؤمن القيسي الشريشي٬ ، دار الرشاد الحديثة٬ ط 1 /2002 ٬ص 620 .
[16] - نفسه٬ ص 654 .
[17] – شعرية النص النثري، مقاربات نقدية تحليلية لمقامات الحريري٬ص 28.
[18] – نفسه ٬ص 66 .
[19] – سيمياء التأويل ٬ الحريري بين العبارة والإشارة ٬ رشيد الإدريسي ٬ المدارس٬ الدار البيضاء- المغرب ٬ ط1 ٬ ٬2000 ص138.
[20] – الخطاب الروائي، ميخائيل باختين، ترجمة وتقديم محمد برادة، دار الأمان، الرباط ، ط. 2 ص 108.
[21] - نفسه٬ ص 110.
[22] – أسلوبية الرواية، مدخل نظري، حميد الحميداني ٬مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1 ٬ 1989 ص 90.
[23] – شرح مقامات الحريري البصري . ابو العباس أحمد بن المؤمن القيسي الشريشي ص 620
[24] – نفسه ص 623 .
[25] – نفسه ص 668.
[26] – نفسه ص 665.
[27] – الخطاب الروائي ، ميخائيل باختين ٬ص 79
[28] – شعرية النص النثري . ص 115
[29] – م. فصول٬ع. 2 / 1985 المتكلم في الرواية ٬ ميخائيل باختين . ترجمة محمد برادة ٬ ص 114
[30] – نفسه ٬ص 638.
[31] – شرح مقامات الحريري البصري . ابو العباس أحمد بن المؤمن القيسي الشريشي ٬ص 638 .
نفسه ص 676.
[32] – المقامات : السرد والأنساق الثقافية ، عبد الفتاح كيليطو : ترجمة عبد الكبير الشرقاوي ، دار توبقال للنشر ، ط 1 / 1993 ص 11 .
[33] - شرح مقامات البصري٬ ص 620 .
[34] – نفسه٬ ص 654 .
[35] – نفسه ٬ص 654.
[36] – أزمة الذات في مقامات الهمذاني ، منصف شعرانة ٬دار المعارف سوسة ، تونس 1996 ٬ص 80 .
[37] – الغائب ، دراسة في مقامة للحريري ٬عبد الفقاح كيليطو ، دار توبقال٬ ط 1 1987 ٬ص 54
[38] – شعرية النص النثري ٬ص 82
[39] – شرح مقامات الحريري٬ 655.
[40] – شعرية النص النثري ٬ص 69 .
[41] – شرح مقامات الحريري ٬ص 676 .
[42] – نفسه ٬ص 677 .
[43] – نفسه٬ ص 678 .
[44] – الغائب ٬ ص53 .
[45] – شرح مقامات الحريري البصري ٬ص 7
[46] – شعرية السرد ، تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري٬ عمر عبد الواحد ٬ص 127 – 128.
[47] – م.عالم الفكر ،ع.1981 ٬ حكايات الشطار والعيارين في التراث العربي ٬محمد رجب النجار ٬ص 15 .
[48] – شعرية النص النثري٬ ص76 .
[49] – نفسه٬ ص 76
[50] – نظرية الرواية٬ جورج لوكاتش ٬ ترجمة الحسين سحبان ٬منشورات التل ٬ المغرب ٬ ط1 ٬ 1988 ٬ ص70 .
[51] – شرح ماقامات الحريري ٬ص 536 .
[52] – شعرية السرد ، تحليل الخطاب السردي في مقامات الحريري ٬ص 85
[53] – شرح مقامات الحريري البصري٬ ص 674
[54] – الغائب ، دراسة في مقامة الحريري ، عبد الفتاح كيليطو٬ص 37
[55] – شرح مقمات الحريري البصري ٬ص 620
[56] – جنيالوجيا المعرفة ٬ ميشيل فوكو ٬ ترجمة ꞉أحمد السطاتي ٬ وعبد السلام بنعبد العالي ٬ دار توبقال للنشر الدار البيضاء ٬ط 2 ٬ 2008 ٬ ص105-109.