نقوس المهدي
كاتب
تمهيــد:
تنطلق الثقافة المعاصـرة، لتأكيد مشروعيـة تأسيسها وممارستها وإجرائيتها ـ من موقع التجـاذب مع الماضي، ما دام ذلك الماضي خيطا يصـل بينها وبين الحاضر، وضوءا يرسم ملامح الآتي دون الضيـاع في متاهات السفر، ودون السقوط في شرك الانفصام المركب، ودون التشيؤ والتماهـي وفقدان الأصـالة وعراقة الذات.
ومن هنـا تبرز أهمية التراث، ليس فـي تقديسنـا له والتبرك به، واعتباره نقطـة البدء والانتهاء، ولكنه مـن حيث أنه القاعـدة الأساس التي تمكن من استمراريـة الحضارة من غير احترام لعقد مقوماتها ومكوناتها وخصائصها.
والحديث عن التراث ليس من الأمور المستحدثة في الأدب، لأنه حديـث استثـرى منذ بدايـة الصراع بين القديم والمحدث في الأدب العربـي، وهـو حديث يلم ضروبـا من الآراء وأشكالا من الدعـوات تتوحـد رمتها حول محـور واحد يتعلق بضرورة قـراءة التراث، وتتشعب حول طريقـة القراءة.
ولسنا بصدد رصد آفاق تلك القـراءة وفاعليتهـا وغائيتهـا، وتحليل أدواتها المعرفية والمنهجيـة ما دام الفعل، التشديـد على قراءة التراث، هو مـا يهمنا لتأكيد حتميـة تعامل الحاضر مع الماضي لاستشراف المستقبل.
وتأسيسا على ما سبق، فإننا نـرى ـ كما يرى غيرنا من الدارسين ـ أن من واجب المثقف المسؤول أن يتوجـه إلى هـذا التراث بحثا واستخراجـا من الخزائن ـ وتحقيقـا ودراسة ونشرا باعتباره قاعـدة علمية صميمية تخول لنا انبعاثا معرفيا وحضاريـا في آن واحد.
إن المثقف المسؤول هاجـس التراث، ويحوطـه قلق مياوم يحرض على مجالسة ذلك التراث قراءة وفهما، تمثلا، واستيعابا، دراسة ونبشا توثيقـا وتحقيقا، وتعريفا ونشرا.
ووعيـا بتلك المسؤوليـة التاريخية انصرف الدارسون إلى أدبهم، واهتم الباحثـون المغاربة بتراثهم رغبـة التعريف به، ووبـ (النبوغ المغربي في الأدب العربي) كما يرى كنون، وتلهبهم حميـة إبراز(الخصائص الحقيقية للذات المغربية). كما يقول الدكتور الجراري(1).
نقطتان جوهريتان عملتا على إغناء البحث في التـراث المغربي، تنضاف إليهما ثالثة تتمثـل في مقاومة الاستلاب الاستعماري، ومحاولتـه التغريبية لاحتـواء المغرب عقيدة وحضـارة ولغة وفكرا.
وإذا كـان الباحثون يرون في تصديهم للبحث في التراث المغربـي واجبا مقدسـا، فإن التعريف بثمرات التصدي، وما تقدمـه مـن عطاءات وإضافات أمـر لا يقل قداسة، وشـرط من شروط اكتمال الواجب.
بناء على مـا تقدم، نقدم اليـوم عرضنا حـول (الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصـى) للأستاذ محمد بنتاويت، وهـو عرض نتمنى ألا يقف عنـد حدود الاستعراض والوصف وسرد المحتويات، لأننا نطمـح إلى تقديم كفايـة تفسيرية للكتاب مادة، ونستهدف مقاربة دراسـة منهجية فاعلة له تتوسـل بالنظرة الموضوعيـة، تتسربـل بالروح العلمية المحض.
2) الكتــاب ومحتواه:
يتألف كتاب (الوافي) الصادر عن دار الثقافـة بالدار البيضاء (المغرب) سنة 1402هـ/1982م في طبعته الأولـى من ثمان وخمسين وثلاثمائة صفحـة موزعـة بين توطئـة ومنهـاج ومقدمـة وثلاثـة أبواب يحتوي آخرها على فصلين.
فأما« التوطئـة» فقد أبرز فيها الكاتب ـ بالخصوص ـ أسباب القول بأدب عربي في المغرب الأقصى، وعـدم تسميته ب« أدب مغربي »، وهي وجهة نظـر سنناقشهـا لاحقا.
وخصص« منهاج الكتاب » لطرح مبررات التوسل بالمنهج التاريخـي في دراسة ذلك الأدب، وهي الأخرى عرضة للمناقشة.
وكانت المقدمة بسطـا لنشأة (الأدب العربي في المغرب الأقصى)، وحصـر لبعض مراكزه الثقافية المدينية، وهي: طنجة وفـاس، وسجلماسـة، ومليليـة، والنكـور، وسبتة وأصيلا والبصرة.
ثم تـلا ذلك عرض للأدب العربي في المغرب الأقصى من فتح الأندلس إلى أواخـر العصر الموحدي من خلال ثلاثة أبواب:
الباب الأول: حديث عن الأدب الناشئ قبل المرابطين أورد فيه أبياتا للمولـى إدريس الثاني وسعيد بن هشام المصمودي ، وإبراهيم بن أيوب النكوري، وإبراهيم الأصيلي، وابن غازي الخطيب، وابن القابلة السبتي، وبكر بن حمادة التاهرتي.
الباب الثاني: عرض لأدب القاضي عياض وابن زنبـاع أو ابن بياع.
الباب الثالث: وينقسم إلى فصلين:
1 ـ ابن حبوس والجراري وأبو حفص الأغماتي وأبو الربيع سليمان الموحدي والشريف الإدريسي مؤلف كتاب الاستبصار والمراكشي ويوسف بن الزيات التادلي.
2 ـ ميمون الخطابي وابن عبدون الفاسي ومالك بن المرحـل...الخ.
تلك هي الشخصيـات التي احتواها كتاب «الوافـي» عرضنا لها دون إثارة ما تطرحـه من قضايا و« أحكـام نقدية».
3) زمــن تأليـفه:
يعد الأستاذ محمد بنتاويت من الرعيـل الأول الذي كـاد يتخصص في الدراسات المغربية بواسطـة تحقيقاته، وعبـر مقالاته المتناثـرة في المجلات الأدبية وعن طريـق أحاديثه الإذاعيـة، ومحاضراته الأكاديميـة(2)، مما خول له جمـع المادة ودراستها وفق منهج تاريخي سنقف عنده.
ويهمنا الآن ـ بعد ما وضحنـا علاقة الكاتب بالمادة المدروسة، وهي علاقـة تربو على عشرين سنة ـ أن نستكشف الفترة الزمنيـة الحقيقية التي ألف فيهـا الكتاب الصادر سنة1982م.
ويبدو لنـا أن الأستاذ بن تاويت فرغ منه في أواخـر الستينات (أي بعد سنة 1965 على الأقل وقبل سنة 1974)، وسندنـا في ذلك شاهدان:
1 ـ ورد الكاتب في الهامش رقم 1 من الصفحة 184 إشارة إلى ماجستير الدكتور الجراري حول أبي الربيـع سليمان الموحدي محيلا القارئ على مقـال الدكتور المنشور بدعـوة الحق : أبريل ـ ماي 1965، مما يؤكـد قطعا ـ أنه لم يطلع على المؤلـف المشار إليه.
2 ـ يزكي الكاتب ذلك القطـع في الهامش 2 من الصفحة 195، حيث ينص ـ في معرض حديثه عن خمريـات أبي الربيع نفسه ـ على ما يلي: (سابقين، وأخبرنا بعد ذلك بتأليف الدكتور الجراري فيها، ولم نطـلع على هذا التأليف).
والتأليف المذكور هو كتاب (الأمير الشاعر أبو الربيع سليمـان الموحدي: عصره، حياته، شعـــــره)، وهـو صادر عن دار الثقافـة بالبيضاء في جمادي الثاني 1394هـ/ 1974م (طبعة أولى).
أننا نستخلص ما يلي:
أ ـ ما بين 1965 ـ 1974 تسع سنوات، وهي سنوات عرف فيها الأدب المغربي اهتمامـا واسعا من لدن الدارسين، ولا سيما من قبل الدكتـور الجراري منذ نشره للقصيدة سنة 1970.
ب ـ القول إلى السماع والأخبار هما اللذان نبها الأستاذ بن تاويت إلى تأليف الدكتور الجراري في موضوع أبي الربيع سليمـان الموحدي يحيلنا على أخبار بصري ثم عبـر مجلة (دعوة الحق) والمقال المشار إليه فيها.
ج ـ أن وجود الملاحظتين في هامـش يوضح أن المسودات كانت جاهـزة للطبع، والا لأشير إلى المرجع المذكور في متن الكتاب على غرار ما ورد بالنسبة لمراجع أخرى.
* وتأسيسا على المعطيـات الوارد الذكـر نرى أن الزمن الحقيقي لتأليف «الوافي» يرتبط بالستينـات، ولو أنه طبع سنـة 1982، وعلى الرغـم من عدم تصحيح المؤلف بتاريخ التأليـف لوضع الكتاب في مداره الحضاري ـ المعرفي.
4) إشكاليـة العنوان:
يتفجـر السؤال من الغـور : الوافي؟
ـ ما هي دلالـة هـذا الجزء الأول من العنوان؟
ـ هـل توحـي بالسعة والشمولية والامتداد؟
ـ هل ترمز إلـى كون المؤلفات السابقـة التي درست الأدب المغربي تشكو من النقص والهزال؟.
ـ هل تعني أن الوافي بالأدب العربي في المغـرب الأقصى مكتمـل ومستوفي من جميع المناحي؟
ـ إذا كـان الأمر كذلك، فما مقدار تلك المسؤوليـة في حقل أدبي مشهود له بالتحـول وعدم الثبات؟
ـ وبالتالي، ما هـو المجال الذي يمـده هذا الوافي؟.
* انه (الأدب العربي في المغرب الأقصى) الذي يرفض الكاتب منذ البدايـة أن يسميه (أدبا مغربيا) انطلاقـا من حتمية دراسـة ذلك الأدب وفق نظرة قومية للأدب: (وكذلك لا تقول «الأدب المغربي»، كما قلنا بذلك ، وكتبنـا فيه بإحدى المجلات تحت عنوان: ظهـور (الأدب القومي العربي)، لأن هـذا الأدب الفصيح ليس لـه من مميزات خاصة به (الوافي) ص 6.
يمكن للقارئ، انطلاقـا من هـذه القولة استخلاص ما يلي:
1) يتحدث الكاتب عن أدب فصيح، ومؤدي ذلك أنه يؤطـره داخل حقل أدبي معيـن لغته الفصحى، ونتساءل عن موقع الأدب الشعبي من كل ذلك.
2) يحـدد مجال ذلك الأدب في المغرب الأقصى، ويطرح هـذا التحدي عدة تساؤلات:
أ ـ ما هـو موقف الأستاذ بن تاويت من « الأدب الوافد» كمـا يسميه الدكتور الجراري؟.
ب ـ أين يوضع « الأدب» الذي قيـل خارج المغرب الأقصى إبان الامتداد المغربي شرقا وشمـالا وجنوبا؟.
ج ـ ما هـي مقاييس تصنيف ذلك الأدب؟
1) هناك القائـل ومقياسه الانتساب.
2) هناك المقول ومقياسه صدوره عن القائل.
3) هناك مكان القـول ومقياسه الإطـار الجغرافي الذي أنجز داخله.
* يبدو لنا أن تحديد جغرافية سكان القول الأدبي في عهود اتسمت بالامتداد يكسب«الأدب المغربي»، غموضا، ويخفي غايـة من الأسئلـة حوله، ويمهـد لإعطاء تأويلات عميقـة حول هويته الحقيقية، ويستدعـي القيام بأبحاث علمية ـ انتربولوجية ثقافيـة لحصر ذلك الأدب.
5) المنهج التاريخي .. لمـاذا؟:
ليس من دراسة أنجزت حول الأدب العربي عموما، والمغربي منه خصوصا إلا وتمثلت المنهج التاريخي، ووظيفتـه ان رهوا أو اشتدادا متوسلة بمعطياتـه لفهم الأدب ودراسة طبيعته ومكونـاته، وتلك الدراسات توزعت بين ما كـان المنهج التاريخي هو المعول عليه، وما كان ذلك المنهـج طرفا من منهج تكاملي استعين به لتحقيـق نظرة عامـة ودراسة شمولية.
وما دام كتاب « الوافي» يدرس « الأدب العربي في المغـرب الأقصى »، وما دام تاريخ المغرب قـد شهد فجوات أجمع معظم دارسيـه على أنها أثرت في أدبه، فإن المنهج الأليق لدراستـه ـ حسب دعواهم ـ هو المنهـج التاريخي.
ولن نقف عنـد ظاهـرة امتزاج الأدب بالتاريخ جمعـا ونهجا، ولكن الذي يشغلنـا هو سر احتفال الأستاذ بن تاويت به، وانصرافه إيه دون سواءه.
في الصفحـة السابعة من « الوافي» يأتينـا الرد صريحا: (أن المنهج التاريخي، في جـل الدراسات، خصوصا النظريـة منها، سليم قويم دعا إليه جمهرة من الفلاسفـة، فأتى بالنتيجـة المطلوبـة الصحيحـة التي لا تحتمل الجدال والتشكـك، لأنها مبنية علـى مقدسات).
والمستفاد من ذلك أن الكاتب يدعـو إلى « منطقة» الدراسة الأدبية : (فهي دراسة مساعـدة في النشـوء والارتقاء لهذا الأدب الـذي تعتبر مراحلـه الأولى مقدمـات له، صغرى، فكبرى، تتطلـع كلتاهما إلى النتيجـة التي نعمل لها، ويعمـل الجيل الصـاعد كذلك في غير فتـور، وفي غيـر لغوب منه) ص: 7-8.
من خـلال التوضيحيـن الآنفي الذكر نستقـي ما يلي:
1) إن الأستاذ بن تاويت يتوسل بالمنهـج التاريخي، لأنه معتمـد في جل الدراسات، وكان التوظيف المعتمد في حقول معرفيـة أخرى كاف لكي يوظف في دراسة الأدب المغربي.
2) إن انبناء الدراسة على المنطـق والمقدمات كاف لسوق نيتجـة«حتميـة»، ولا يخفى أن هاته الأطروحة لا يمكن ـ في اعتقادنـا ـ أن تنسحب على حقل هـو عرضة التغييرات والتأويلات كالحقل الأدبي.
3) ان تاريخ المغرب لم يدون فيما سبق لعـدة أسباب(3)، لذا فالترتيب المنطقـي غير ممكن، لأن البداية تقتضـي أولا إيجاد أرضية، ثـم بعد ذلك توظيف المنطق في تحديـد معالمها، والدراسات التي سلكت هـذا المنحى لم تحدد بعـد ـ بصفة قطعية ـ تلك الأرضية وسعاتها، وإن كانت جادة في ذلك.
4) المنهج التاريخي طريقتان: سكونية وتطورية، فما هـي الطريقة التي اتبعها الأستاذ ابن تازويت؟.
إننا نرى أنه يتابـع الأدب المغربي من خـلال تعاقب الدول بصفة تطورية تتم عبر محورين:
1 ـ مساوقـة الأحـداث التاريخية في تنـاول الشخصيات وفي وقفته عنـد الجراري إيضــــاح لذلك(4).
2 ـ ملاحقة الأغراض الشعرية عنـد شخصيات أخرى كالأميـر أبي الربيع سليمان الموحدي.(5)
وتبقى الإشـارة إلى إثراء ذلك المنهج التاريخي مـن قبـل الأستاذ بن تاويت عندمـا يتدخل كمحقق ليضيف لفظة، أو يقـوم صدرا شعريا، أو يـرد عجزا إلى مساره الصحيح، وفي الكتاب أمثلة عن ذلك، ولا بـأس من لفت النظـر إلى بيت شعري أورده المؤلـف للجراري على هذا النحو:
زاد الشقـي على الخفـاش شبيهـه * ضعف البصيـرة إذ سـاواه البصر(6)
وصوابه كما ورد في النبـوغ عند كنون ج3، ص: 193.
زاد الشقـي على الخفـاش مشبهــه * ضعف البصيرة إذ سـاواه في البصر
والقصيدة من البحر الوسيط، وغير مستبعـد أن يكون في الأمر خطأ مطبعي ليس إلا.
* لكن هناك فرقا بين خطأ مطبعـي محتمل وبين تجاوز عملية التحقيق عنـد الاستعانـة بالذكر، لإتمام قصيدة محمد بن حسن بن عمر الفهري السبتي، والتنصيص على ذلك في الهامـش الأول بأسفل الصفحة 350 (وما بين هلالين في هـذه، وفيما بعدها فهـو منا استظهارا)، لان إيراد بيت أو أبيات، كمـا يبدو لنا ـ كناشئين لتعلم الضبط العلمي ـ يحتم إيراد المصدر، فمهمـا تكن الذاكرة قوية، ومهمـا تكن استرجاعاتها سليمة، فإن التوثيق يبقى المؤشر الحقيقي الدال على تناول علمي.
وما دمنا نتحدث عن الذاكـرة، فإن ما يستوقف الباحث في «الوافي» هو اعتمـاد الذاكرة كأساس معرفي لتناول الأدب المغربي من خـلال استدعاء «نصوص غالبية» والإلحاح على تشبـع الشعر المغربي بهـا، وإذا كان النص الغائب يعرف كشيكـة من التراكمات المعرفية التي رسخـت في ذاكرة الأديب، وتراءت عبر نتاجاتـه الإبداعية، فمن حقنـا أن نستاءل عن الصفة التي تمت بها عمليـة الترائي والبروز، لا سيمـا أنها تتخذ قنوات ثلاثا تتمثـل في الاجترار والامتصاص والحوار(7)، ومن حقنا أن نسأل المؤلف كيف تعامـل شعراؤنا مع الموروث المعرفي الذي يحملونـه، ومن حقنا ـ أخيرا ـ أن نستنطق تعامـل مؤلف «الوافي» مع كيفية استغلال ذلك التراث.
ويبدو أنـه اقتصر على الربط بين المعانـي التي طرقها الشعراء المغاربة ومقارنتها بالمعانـي التي يحيل بها ديوان الشعر العربي دونمـا تنصيص على طابع الإضافة وجودا أو عدمـا.
إذن، هل يحق لنا أن نقـول أن ذلك يعني رجـوعا إلى السرقة الشعرية؟ وعن طابـع الإضافة أليس من واجبنا أن نشير إلى الأثر الفقهـي الذي يفوح من ثنايـا قصائد المغاربة لا سيمـا في العصر المرابطي عند القاضي عياض والقاضي ابن زنباع مثلا؟ ونتسـاءل عن سبب إغفال الإشـارة إليه رغـم كونـه مثبتـا للخصوصية.
ونعود مرة أخـرى إلى مقارنة المعاني لنضيف إليهـا نثر الأبيات نثرا بلاغيـا، وتقديم أحكـام من نفس القيمـة (8)، لنخلص إلى أننا أمام دراسـة وصفية بلاغية تقف عنـد عتبـة الذوق دونمـا إثارة لاستفهام أو محـاولة مقاربة تفسيرية لجوهر الأدب المغربي.
إننا لـن نغالي إذا وسعنا الدراسة بالوصفية المعتمدة على ثلاثـة مرتكزات:
1) استجلاب الذاكرة،
2) توظيف القيم البلاغية في فهم النص
3) الاحتكام إلى التراث لتحديد التعامل الأدبي.
إن الدراسة الوصفية تعرف بالأدب، ونظـن أننا تجاوزنـا تلك المرحلة، وبدأنا نتوقف إلى فهم ذلك الأدب، ومحاولة تفسيره لنتوصـل إلى فاعيلتـه في المجتمـع، ولنصل إلى تأثيره في الذات المغربية عموما.
6) حول الضبـط العلمي:
يرشح كتاب «الوافي» بسيولـة معرفية نومـئ إلى ثقافـة الكتاب الموسوعية، ورصيده الغزير من المعارف، مما جعـل المؤلف يئن من افتقـار إلى الضبط العلمي، وتعني بذلك الاواليات المنهجية التي يصعب تجاوزها في أي عمـل علمي أكاديميـا كان ام غير أكاديمي، وهاته الأواليات تتجلى عبر المنهج الذي يرسمه الكاتب لنفسه، ويتقيـد به ، وكتاب «الوافي» يفتقـد بعضها منها، وسنسوق الأمثلـة للتدليل على ذلك:
عدم تحديد المصادر أو المراجـع المنتزع منها الاستشهاد.
أ ـ إغفال الإشـارة إلى ذخيرة ابن بسام عند الحديث عن ابن دراج القسطلي ونظره في رائيـة المتنبي الشهير (الوافي ص 104 /الذخيرة، ص: 73-75)، ج1، ق1.
ب ـ عدم رد الحديث الشريف (أن العين لتدمع) إلى موطنه من مدونات الحديث سواء في الكتب الستة أو غيرها.
ج ـ التجاوز عن إلحاق الآيات القرآنيـة بسورها من القرءان الكريم وذكر أرقامهـا (ص33 وغيرها كثير).
د ـ ذكر المؤلف دون المؤلف وإهمال ذكر الصفحة الهامش رقم 1 من الصفحة 84 من الوافي).
هـ ـ عدم إرجـاع الأبيات الشعرية إلى دواوينها وتحديـد صفحاتها (مثلا ابن دراج والمتنبي في الصفحة 104 وغيرها كثير...).
و ـ عدم تقديم عناوين فرعيـة لإعطاء القارئ استراحـة بصرية، فالمؤلف ينتقل من شخصية لأخرى، دون أي فاصل بينهمـا (مثلا : عند انتهائه من ابن زنباع ينقلنـا مباشرة في السطر الموالي إلى القاضي عياض، ص 52).
ز ـ السقوط في المعاظلـة عند ما يتداخل كلامه بكلام الأدباء المتحدث عنهم (مثلا: حديثه عن القاضي عياض ص 68).
ن ـ طول الاستشهادات: كإيراد القصائـد الطوال (ص 160-163)، والمقتطفات النثرية بكاملهـا: مثلا إيراده لمقدمـة كتاب: «نزهـة المشتاق» للإدريسي برمتها ( ص: 272-278).
ح ـ عدم إرفاق الكتاب بثبت للمصادر والمراجـع المعقدة توخيـا للإفادة وتجنبا ودفعـا لكل حيرة والتباس يقع فيهـا القارئ.
إنها ملاحظات منهجيـة تتعلق بقدسية الضبط العلمي، ولـو روعيـت لكان الكتاب أكثر إفـادة، ولا ننقل من كونه موجها إلى نخبة من ذوي الاختصاص إلى جمهور المتعلمين والمثقفين حتى يتعرف الجميع على الأدب المغربي جملـة وتفصيلا، وهي ليست غامضـة حـق المؤلف من الإيجابيات ، ولا المؤلف نصيبه من التجلـة والاحترام، ولكنهـا ملاحظات فرضها رقيب يدعى : النقد العلمي.
7) مصادر ومراجـع «الوافي»:
سبق أن أشرنـا في الملاحظة«ج » أن الأستاذ ابن تاويت لم يخصص فهرسـا للمصادر والمراجـع، ولكن برجوعنا إلى متن الكتاب وهوامشه حاولنـا أن نستخلص أهمها، وهـي مراجـع ومصادر لا يقتصر فيهـا على المطبوع، بل يشفـع بالمخطوط على نحـو ما نلاحـظ في الهامش رقم 1 من صفحة 52 (...كما في النسخة المطبوعة ، أما الخطبة ففيهـا ابن بياع)، وجدير بالتنبيـه على أن الكاتب لا يحيلنـا على رقم المخطوط والخزانـة التي يوجد بهـا، وهو أمر يتكرر في الصفحة 166 عند حديثـه عن أبي العباس الجراري وكتابه: «صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب » ، وقد ذكر عبد الله كنـون أن محمد بن تاويت الطنجي أتى بالمخطوط مصورة على ميكروفيلم من اسطمبول(9).
أمــا المصادر والمراجع التي انتزعناها من متن «الوافي» فهي كالتالي:
1) فيمـا قبل العصر المرابطي:
ـ المسالك والممالك الكبرى
ـ البيان المغرب لابن عذاري
ـ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام
2) العهـد المرابطي:
ـ أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض للمقري
ـ السعادة الأبدية لابن المـوقت
ـ قلائد العقيان للفتح بن خاقان.
3) العهد الموحدي:
ـ البيان المغرب لابن عذاري
ـ ديوان أبي الربيع سليمان الموحدي الذي حققه ونشره المؤلف دونما ذكر لسنة الطبع ولا للمطبعة الصادرة عنها.
ـ نزهة المشتاق للشريف الإدريسي
ـ جدوة الاقتباس لابن القاضـي.
وحري بنا أن نلفت النظر إلى أن تعامـل الكاتب مع المصادر في هـذا الفصل كان تعامـلا يخصص مصدرا لكل شخصية مدروسة : مثلا.
ـ زاد المسافر لابن حبوس
ـ جذوة الاقتباس لميمون الخطابي .. إلخ.
أما مالك بن المرحل فلم يشر إلى أي مصدر أو مرجع عند تناوله.
ونشير في خاتمـة هذا العرض إلى المراجع الحديثة التي وردت في «الوافي» وهي لا تخـرج عن كتاب «الأدب الجغرافي عند العرب» لكرافشكو فسكي (ص 244)، ولا تتجـاوز إشارات إلى محمد الفاسي دون ذكر المرجع (ص117 وغيرها)، وإلى عبد الله كنون دون تسميتـه، والاكتفاء بـ «صاحب المشاهير»، ( ص 150 في الهامش وغيرها) ، وعلاوة على ذلك، فإن إيرادهما لا يتم إلا لتغليطهما فيمـا يذهبان إليه نحو قوله: (وفات هـذا المصدر الأستاذ الفاسـي ص 156)، وقوله (انظر مشاهير رجـال المغرب حيث نجد « وله أيضا من قصيـدة الصابوني»، فهذا «الاستظهار» ما كان إلا لذلك الانطلاق، ص 150.
ثم هناك إشارة إلى مقالة للدكتور الجراري ( هـ1، ص 184)، وإحالات على مقالات للمؤلف (ص17 وغيرها).
خلاصـة:
هـذه قراءة، وإن كانت عرضا، لكتاب «الوافي» حاولنـا فيها أن نحلل الكتاب شكلا ومحتوى، لنقارب تفسيرا «نقديـا» له، عن طريق تعرضنـا للمنهج المستغل، ووقوفنـا عند تعامـل الكاتب مع «الأدب المغربي»، وهـو تعامل وصفي يتوسل بالشروحات البلاغية والتعليلات المستخرجة من موروث الكاتب وذاكرته المعرفية، ورصدنـا «الدقيق» لبعض الأواليـات المنهجية التي اختفت من الكتاب كان يهدف تعميـق القراءة وتجديرهـا، وليس لرمي الكتاب بالنقصان، لأنه كتاب أصيف إلى الخزانة الأدبية المغربية، وقدم إضافات نحن في مسيس الحاجـة إليها وإلى الكثير منها لإخراج تراثنا من العتمة إلى نور الحقيقـة والتجلي.
______________
(1) الأدب المغربي ، ص 7.
(2) أنظر توطئـة الكتاب، ص 5 بكاملها.
(3) أنظر: الأدب المغربي للدكتور الجراري ، ص: 13.
(4) « الوافي »، ص: 116-168
(5) « الوافي » ص: 184-252
(6) نفس المصدر ص: 138.
(7) أنظر ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب: لمحمد بنيس ص 253.
(8) الوافي ص 34 و 258 وغيرهما.
(9) كان ذلك سنة 1948ـ أنظر «أبو العباس الجراري» ذكريات مشاهير المغرب، دار الكتاب اللبناني، ص11.
* دعوة الحق، العدد 231 ذو الحجة-محرم 1403-1404/ شتنبر-أكتوبر 1983
تنطلق الثقافة المعاصـرة، لتأكيد مشروعيـة تأسيسها وممارستها وإجرائيتها ـ من موقع التجـاذب مع الماضي، ما دام ذلك الماضي خيطا يصـل بينها وبين الحاضر، وضوءا يرسم ملامح الآتي دون الضيـاع في متاهات السفر، ودون السقوط في شرك الانفصام المركب، ودون التشيؤ والتماهـي وفقدان الأصـالة وعراقة الذات.
ومن هنـا تبرز أهمية التراث، ليس فـي تقديسنـا له والتبرك به، واعتباره نقطـة البدء والانتهاء، ولكنه مـن حيث أنه القاعـدة الأساس التي تمكن من استمراريـة الحضارة من غير احترام لعقد مقوماتها ومكوناتها وخصائصها.
والحديث عن التراث ليس من الأمور المستحدثة في الأدب، لأنه حديـث استثـرى منذ بدايـة الصراع بين القديم والمحدث في الأدب العربـي، وهـو حديث يلم ضروبـا من الآراء وأشكالا من الدعـوات تتوحـد رمتها حول محـور واحد يتعلق بضرورة قـراءة التراث، وتتشعب حول طريقـة القراءة.
ولسنا بصدد رصد آفاق تلك القـراءة وفاعليتهـا وغائيتهـا، وتحليل أدواتها المعرفية والمنهجيـة ما دام الفعل، التشديـد على قراءة التراث، هو مـا يهمنا لتأكيد حتميـة تعامل الحاضر مع الماضي لاستشراف المستقبل.
وتأسيسا على ما سبق، فإننا نـرى ـ كما يرى غيرنا من الدارسين ـ أن من واجب المثقف المسؤول أن يتوجـه إلى هـذا التراث بحثا واستخراجـا من الخزائن ـ وتحقيقـا ودراسة ونشرا باعتباره قاعـدة علمية صميمية تخول لنا انبعاثا معرفيا وحضاريـا في آن واحد.
إن المثقف المسؤول هاجـس التراث، ويحوطـه قلق مياوم يحرض على مجالسة ذلك التراث قراءة وفهما، تمثلا، واستيعابا، دراسة ونبشا توثيقـا وتحقيقا، وتعريفا ونشرا.
ووعيـا بتلك المسؤوليـة التاريخية انصرف الدارسون إلى أدبهم، واهتم الباحثـون المغاربة بتراثهم رغبـة التعريف به، ووبـ (النبوغ المغربي في الأدب العربي) كما يرى كنون، وتلهبهم حميـة إبراز(الخصائص الحقيقية للذات المغربية). كما يقول الدكتور الجراري(1).
نقطتان جوهريتان عملتا على إغناء البحث في التـراث المغربي، تنضاف إليهما ثالثة تتمثـل في مقاومة الاستلاب الاستعماري، ومحاولتـه التغريبية لاحتـواء المغرب عقيدة وحضـارة ولغة وفكرا.
وإذا كـان الباحثون يرون في تصديهم للبحث في التراث المغربـي واجبا مقدسـا، فإن التعريف بثمرات التصدي، وما تقدمـه مـن عطاءات وإضافات أمـر لا يقل قداسة، وشـرط من شروط اكتمال الواجب.
بناء على مـا تقدم، نقدم اليـوم عرضنا حـول (الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصـى) للأستاذ محمد بنتاويت، وهـو عرض نتمنى ألا يقف عنـد حدود الاستعراض والوصف وسرد المحتويات، لأننا نطمـح إلى تقديم كفايـة تفسيرية للكتاب مادة، ونستهدف مقاربة دراسـة منهجية فاعلة له تتوسـل بالنظرة الموضوعيـة، تتسربـل بالروح العلمية المحض.
2) الكتــاب ومحتواه:
يتألف كتاب (الوافي) الصادر عن دار الثقافـة بالدار البيضاء (المغرب) سنة 1402هـ/1982م في طبعته الأولـى من ثمان وخمسين وثلاثمائة صفحـة موزعـة بين توطئـة ومنهـاج ومقدمـة وثلاثـة أبواب يحتوي آخرها على فصلين.
فأما« التوطئـة» فقد أبرز فيها الكاتب ـ بالخصوص ـ أسباب القول بأدب عربي في المغرب الأقصى، وعـدم تسميته ب« أدب مغربي »، وهي وجهة نظـر سنناقشهـا لاحقا.
وخصص« منهاج الكتاب » لطرح مبررات التوسل بالمنهج التاريخـي في دراسة ذلك الأدب، وهي الأخرى عرضة للمناقشة.
وكانت المقدمة بسطـا لنشأة (الأدب العربي في المغرب الأقصى)، وحصـر لبعض مراكزه الثقافية المدينية، وهي: طنجة وفـاس، وسجلماسـة، ومليليـة، والنكـور، وسبتة وأصيلا والبصرة.
ثم تـلا ذلك عرض للأدب العربي في المغرب الأقصى من فتح الأندلس إلى أواخـر العصر الموحدي من خلال ثلاثة أبواب:
الباب الأول: حديث عن الأدب الناشئ قبل المرابطين أورد فيه أبياتا للمولـى إدريس الثاني وسعيد بن هشام المصمودي ، وإبراهيم بن أيوب النكوري، وإبراهيم الأصيلي، وابن غازي الخطيب، وابن القابلة السبتي، وبكر بن حمادة التاهرتي.
الباب الثاني: عرض لأدب القاضي عياض وابن زنبـاع أو ابن بياع.
الباب الثالث: وينقسم إلى فصلين:
1 ـ ابن حبوس والجراري وأبو حفص الأغماتي وأبو الربيع سليمان الموحدي والشريف الإدريسي مؤلف كتاب الاستبصار والمراكشي ويوسف بن الزيات التادلي.
2 ـ ميمون الخطابي وابن عبدون الفاسي ومالك بن المرحـل...الخ.
تلك هي الشخصيـات التي احتواها كتاب «الوافـي» عرضنا لها دون إثارة ما تطرحـه من قضايا و« أحكـام نقدية».
3) زمــن تأليـفه:
يعد الأستاذ محمد بنتاويت من الرعيـل الأول الذي كـاد يتخصص في الدراسات المغربية بواسطـة تحقيقاته، وعبـر مقالاته المتناثـرة في المجلات الأدبية وعن طريـق أحاديثه الإذاعيـة، ومحاضراته الأكاديميـة(2)، مما خول له جمـع المادة ودراستها وفق منهج تاريخي سنقف عنده.
ويهمنا الآن ـ بعد ما وضحنـا علاقة الكاتب بالمادة المدروسة، وهي علاقـة تربو على عشرين سنة ـ أن نستكشف الفترة الزمنيـة الحقيقية التي ألف فيهـا الكتاب الصادر سنة1982م.
ويبدو لنـا أن الأستاذ بن تاويت فرغ منه في أواخـر الستينات (أي بعد سنة 1965 على الأقل وقبل سنة 1974)، وسندنـا في ذلك شاهدان:
1 ـ ورد الكاتب في الهامش رقم 1 من الصفحة 184 إشارة إلى ماجستير الدكتور الجراري حول أبي الربيـع سليمان الموحدي محيلا القارئ على مقـال الدكتور المنشور بدعـوة الحق : أبريل ـ ماي 1965، مما يؤكـد قطعا ـ أنه لم يطلع على المؤلـف المشار إليه.
2 ـ يزكي الكاتب ذلك القطـع في الهامش 2 من الصفحة 195، حيث ينص ـ في معرض حديثه عن خمريـات أبي الربيع نفسه ـ على ما يلي: (سابقين، وأخبرنا بعد ذلك بتأليف الدكتور الجراري فيها، ولم نطـلع على هذا التأليف).
والتأليف المذكور هو كتاب (الأمير الشاعر أبو الربيع سليمـان الموحدي: عصره، حياته، شعـــــره)، وهـو صادر عن دار الثقافـة بالبيضاء في جمادي الثاني 1394هـ/ 1974م (طبعة أولى).
أننا نستخلص ما يلي:
أ ـ ما بين 1965 ـ 1974 تسع سنوات، وهي سنوات عرف فيها الأدب المغربي اهتمامـا واسعا من لدن الدارسين، ولا سيما من قبل الدكتـور الجراري منذ نشره للقصيدة سنة 1970.
ب ـ القول إلى السماع والأخبار هما اللذان نبها الأستاذ بن تاويت إلى تأليف الدكتور الجراري في موضوع أبي الربيع سليمـان الموحدي يحيلنا على أخبار بصري ثم عبـر مجلة (دعوة الحق) والمقال المشار إليه فيها.
ج ـ أن وجود الملاحظتين في هامـش يوضح أن المسودات كانت جاهـزة للطبع، والا لأشير إلى المرجع المذكور في متن الكتاب على غرار ما ورد بالنسبة لمراجع أخرى.
* وتأسيسا على المعطيـات الوارد الذكـر نرى أن الزمن الحقيقي لتأليف «الوافي» يرتبط بالستينـات، ولو أنه طبع سنـة 1982، وعلى الرغـم من عدم تصحيح المؤلف بتاريخ التأليـف لوضع الكتاب في مداره الحضاري ـ المعرفي.
4) إشكاليـة العنوان:
يتفجـر السؤال من الغـور : الوافي؟
ـ ما هي دلالـة هـذا الجزء الأول من العنوان؟
ـ هـل توحـي بالسعة والشمولية والامتداد؟
ـ هل ترمز إلـى كون المؤلفات السابقـة التي درست الأدب المغربي تشكو من النقص والهزال؟.
ـ هل تعني أن الوافي بالأدب العربي في المغـرب الأقصى مكتمـل ومستوفي من جميع المناحي؟
ـ إذا كـان الأمر كذلك، فما مقدار تلك المسؤوليـة في حقل أدبي مشهود له بالتحـول وعدم الثبات؟
ـ وبالتالي، ما هـو المجال الذي يمـده هذا الوافي؟.
* انه (الأدب العربي في المغرب الأقصى) الذي يرفض الكاتب منذ البدايـة أن يسميه (أدبا مغربيا) انطلاقـا من حتمية دراسـة ذلك الأدب وفق نظرة قومية للأدب: (وكذلك لا تقول «الأدب المغربي»، كما قلنا بذلك ، وكتبنـا فيه بإحدى المجلات تحت عنوان: ظهـور (الأدب القومي العربي)، لأن هـذا الأدب الفصيح ليس لـه من مميزات خاصة به (الوافي) ص 6.
يمكن للقارئ، انطلاقـا من هـذه القولة استخلاص ما يلي:
1) يتحدث الكاتب عن أدب فصيح، ومؤدي ذلك أنه يؤطـره داخل حقل أدبي معيـن لغته الفصحى، ونتساءل عن موقع الأدب الشعبي من كل ذلك.
2) يحـدد مجال ذلك الأدب في المغرب الأقصى، ويطرح هـذا التحدي عدة تساؤلات:
أ ـ ما هـو موقف الأستاذ بن تاويت من « الأدب الوافد» كمـا يسميه الدكتور الجراري؟.
ب ـ أين يوضع « الأدب» الذي قيـل خارج المغرب الأقصى إبان الامتداد المغربي شرقا وشمـالا وجنوبا؟.
ج ـ ما هـي مقاييس تصنيف ذلك الأدب؟
1) هناك القائـل ومقياسه الانتساب.
2) هناك المقول ومقياسه صدوره عن القائل.
3) هناك مكان القـول ومقياسه الإطـار الجغرافي الذي أنجز داخله.
* يبدو لنا أن تحديد جغرافية سكان القول الأدبي في عهود اتسمت بالامتداد يكسب«الأدب المغربي»، غموضا، ويخفي غايـة من الأسئلـة حوله، ويمهـد لإعطاء تأويلات عميقـة حول هويته الحقيقية، ويستدعـي القيام بأبحاث علمية ـ انتربولوجية ثقافيـة لحصر ذلك الأدب.
5) المنهج التاريخي .. لمـاذا؟:
ليس من دراسة أنجزت حول الأدب العربي عموما، والمغربي منه خصوصا إلا وتمثلت المنهج التاريخي، ووظيفتـه ان رهوا أو اشتدادا متوسلة بمعطياتـه لفهم الأدب ودراسة طبيعته ومكونـاته، وتلك الدراسات توزعت بين ما كـان المنهج التاريخي هو المعول عليه، وما كان ذلك المنهـج طرفا من منهج تكاملي استعين به لتحقيـق نظرة عامـة ودراسة شمولية.
وما دام كتاب « الوافي» يدرس « الأدب العربي في المغـرب الأقصى »، وما دام تاريخ المغرب قـد شهد فجوات أجمع معظم دارسيـه على أنها أثرت في أدبه، فإن المنهج الأليق لدراستـه ـ حسب دعواهم ـ هو المنهـج التاريخي.
ولن نقف عنـد ظاهـرة امتزاج الأدب بالتاريخ جمعـا ونهجا، ولكن الذي يشغلنـا هو سر احتفال الأستاذ بن تاويت به، وانصرافه إيه دون سواءه.
في الصفحـة السابعة من « الوافي» يأتينـا الرد صريحا: (أن المنهج التاريخي، في جـل الدراسات، خصوصا النظريـة منها، سليم قويم دعا إليه جمهرة من الفلاسفـة، فأتى بالنتيجـة المطلوبـة الصحيحـة التي لا تحتمل الجدال والتشكـك، لأنها مبنية علـى مقدسات).
والمستفاد من ذلك أن الكاتب يدعـو إلى « منطقة» الدراسة الأدبية : (فهي دراسة مساعـدة في النشـوء والارتقاء لهذا الأدب الـذي تعتبر مراحلـه الأولى مقدمـات له، صغرى، فكبرى، تتطلـع كلتاهما إلى النتيجـة التي نعمل لها، ويعمـل الجيل الصـاعد كذلك في غير فتـور، وفي غيـر لغوب منه) ص: 7-8.
من خـلال التوضيحيـن الآنفي الذكر نستقـي ما يلي:
1) إن الأستاذ بن تاويت يتوسل بالمنهـج التاريخي، لأنه معتمـد في جل الدراسات، وكان التوظيف المعتمد في حقول معرفيـة أخرى كاف لكي يوظف في دراسة الأدب المغربي.
2) إن انبناء الدراسة على المنطـق والمقدمات كاف لسوق نيتجـة«حتميـة»، ولا يخفى أن هاته الأطروحة لا يمكن ـ في اعتقادنـا ـ أن تنسحب على حقل هـو عرضة التغييرات والتأويلات كالحقل الأدبي.
3) ان تاريخ المغرب لم يدون فيما سبق لعـدة أسباب(3)، لذا فالترتيب المنطقـي غير ممكن، لأن البداية تقتضـي أولا إيجاد أرضية، ثـم بعد ذلك توظيف المنطق في تحديـد معالمها، والدراسات التي سلكت هـذا المنحى لم تحدد بعـد ـ بصفة قطعية ـ تلك الأرضية وسعاتها، وإن كانت جادة في ذلك.
4) المنهج التاريخي طريقتان: سكونية وتطورية، فما هـي الطريقة التي اتبعها الأستاذ ابن تازويت؟.
إننا نرى أنه يتابـع الأدب المغربي من خـلال تعاقب الدول بصفة تطورية تتم عبر محورين:
1 ـ مساوقـة الأحـداث التاريخية في تنـاول الشخصيات وفي وقفته عنـد الجراري إيضــــاح لذلك(4).
2 ـ ملاحقة الأغراض الشعرية عنـد شخصيات أخرى كالأميـر أبي الربيع سليمان الموحدي.(5)
وتبقى الإشـارة إلى إثراء ذلك المنهج التاريخي مـن قبـل الأستاذ بن تاويت عندمـا يتدخل كمحقق ليضيف لفظة، أو يقـوم صدرا شعريا، أو يـرد عجزا إلى مساره الصحيح، وفي الكتاب أمثلة عن ذلك، ولا بـأس من لفت النظـر إلى بيت شعري أورده المؤلـف للجراري على هذا النحو:
زاد الشقـي على الخفـاش شبيهـه * ضعف البصيـرة إذ سـاواه البصر(6)
وصوابه كما ورد في النبـوغ عند كنون ج3، ص: 193.
زاد الشقـي على الخفـاش مشبهــه * ضعف البصيرة إذ سـاواه في البصر
والقصيدة من البحر الوسيط، وغير مستبعـد أن يكون في الأمر خطأ مطبعي ليس إلا.
* لكن هناك فرقا بين خطأ مطبعـي محتمل وبين تجاوز عملية التحقيق عنـد الاستعانـة بالذكر، لإتمام قصيدة محمد بن حسن بن عمر الفهري السبتي، والتنصيص على ذلك في الهامـش الأول بأسفل الصفحة 350 (وما بين هلالين في هـذه، وفيما بعدها فهـو منا استظهارا)، لان إيراد بيت أو أبيات، كمـا يبدو لنا ـ كناشئين لتعلم الضبط العلمي ـ يحتم إيراد المصدر، فمهمـا تكن الذاكرة قوية، ومهمـا تكن استرجاعاتها سليمة، فإن التوثيق يبقى المؤشر الحقيقي الدال على تناول علمي.
وما دمنا نتحدث عن الذاكـرة، فإن ما يستوقف الباحث في «الوافي» هو اعتمـاد الذاكرة كأساس معرفي لتناول الأدب المغربي من خـلال استدعاء «نصوص غالبية» والإلحاح على تشبـع الشعر المغربي بهـا، وإذا كان النص الغائب يعرف كشيكـة من التراكمات المعرفية التي رسخـت في ذاكرة الأديب، وتراءت عبر نتاجاتـه الإبداعية، فمن حقنـا أن نستاءل عن الصفة التي تمت بها عمليـة الترائي والبروز، لا سيمـا أنها تتخذ قنوات ثلاثا تتمثـل في الاجترار والامتصاص والحوار(7)، ومن حقنا أن نسأل المؤلف كيف تعامـل شعراؤنا مع الموروث المعرفي الذي يحملونـه، ومن حقنا ـ أخيرا ـ أن نستنطق تعامـل مؤلف «الوافي» مع كيفية استغلال ذلك التراث.
ويبدو أنـه اقتصر على الربط بين المعانـي التي طرقها الشعراء المغاربة ومقارنتها بالمعانـي التي يحيل بها ديوان الشعر العربي دونمـا تنصيص على طابع الإضافة وجودا أو عدمـا.
إذن، هل يحق لنا أن نقـول أن ذلك يعني رجـوعا إلى السرقة الشعرية؟ وعن طابـع الإضافة أليس من واجبنا أن نشير إلى الأثر الفقهـي الذي يفوح من ثنايـا قصائد المغاربة لا سيمـا في العصر المرابطي عند القاضي عياض والقاضي ابن زنباع مثلا؟ ونتسـاءل عن سبب إغفال الإشـارة إليه رغـم كونـه مثبتـا للخصوصية.
ونعود مرة أخـرى إلى مقارنة المعاني لنضيف إليهـا نثر الأبيات نثرا بلاغيـا، وتقديم أحكـام من نفس القيمـة (8)، لنخلص إلى أننا أمام دراسـة وصفية بلاغية تقف عنـد عتبـة الذوق دونمـا إثارة لاستفهام أو محـاولة مقاربة تفسيرية لجوهر الأدب المغربي.
إننا لـن نغالي إذا وسعنا الدراسة بالوصفية المعتمدة على ثلاثـة مرتكزات:
1) استجلاب الذاكرة،
2) توظيف القيم البلاغية في فهم النص
3) الاحتكام إلى التراث لتحديد التعامل الأدبي.
إن الدراسة الوصفية تعرف بالأدب، ونظـن أننا تجاوزنـا تلك المرحلة، وبدأنا نتوقف إلى فهم ذلك الأدب، ومحاولة تفسيره لنتوصـل إلى فاعيلتـه في المجتمـع، ولنصل إلى تأثيره في الذات المغربية عموما.
6) حول الضبـط العلمي:
يرشح كتاب «الوافي» بسيولـة معرفية نومـئ إلى ثقافـة الكتاب الموسوعية، ورصيده الغزير من المعارف، مما جعـل المؤلف يئن من افتقـار إلى الضبط العلمي، وتعني بذلك الاواليات المنهجية التي يصعب تجاوزها في أي عمـل علمي أكاديميـا كان ام غير أكاديمي، وهاته الأواليات تتجلى عبر المنهج الذي يرسمه الكاتب لنفسه، ويتقيـد به ، وكتاب «الوافي» يفتقـد بعضها منها، وسنسوق الأمثلـة للتدليل على ذلك:
عدم تحديد المصادر أو المراجـع المنتزع منها الاستشهاد.
أ ـ إغفال الإشـارة إلى ذخيرة ابن بسام عند الحديث عن ابن دراج القسطلي ونظره في رائيـة المتنبي الشهير (الوافي ص 104 /الذخيرة، ص: 73-75)، ج1، ق1.
ب ـ عدم رد الحديث الشريف (أن العين لتدمع) إلى موطنه من مدونات الحديث سواء في الكتب الستة أو غيرها.
ج ـ التجاوز عن إلحاق الآيات القرآنيـة بسورها من القرءان الكريم وذكر أرقامهـا (ص33 وغيرها كثير).
د ـ ذكر المؤلف دون المؤلف وإهمال ذكر الصفحة الهامش رقم 1 من الصفحة 84 من الوافي).
هـ ـ عدم إرجـاع الأبيات الشعرية إلى دواوينها وتحديـد صفحاتها (مثلا ابن دراج والمتنبي في الصفحة 104 وغيرها كثير...).
و ـ عدم تقديم عناوين فرعيـة لإعطاء القارئ استراحـة بصرية، فالمؤلف ينتقل من شخصية لأخرى، دون أي فاصل بينهمـا (مثلا : عند انتهائه من ابن زنباع ينقلنـا مباشرة في السطر الموالي إلى القاضي عياض، ص 52).
ز ـ السقوط في المعاظلـة عند ما يتداخل كلامه بكلام الأدباء المتحدث عنهم (مثلا: حديثه عن القاضي عياض ص 68).
ن ـ طول الاستشهادات: كإيراد القصائـد الطوال (ص 160-163)، والمقتطفات النثرية بكاملهـا: مثلا إيراده لمقدمـة كتاب: «نزهـة المشتاق» للإدريسي برمتها ( ص: 272-278).
ح ـ عدم إرفاق الكتاب بثبت للمصادر والمراجـع المعقدة توخيـا للإفادة وتجنبا ودفعـا لكل حيرة والتباس يقع فيهـا القارئ.
إنها ملاحظات منهجيـة تتعلق بقدسية الضبط العلمي، ولـو روعيـت لكان الكتاب أكثر إفـادة، ولا ننقل من كونه موجها إلى نخبة من ذوي الاختصاص إلى جمهور المتعلمين والمثقفين حتى يتعرف الجميع على الأدب المغربي جملـة وتفصيلا، وهي ليست غامضـة حـق المؤلف من الإيجابيات ، ولا المؤلف نصيبه من التجلـة والاحترام، ولكنهـا ملاحظات فرضها رقيب يدعى : النقد العلمي.
7) مصادر ومراجـع «الوافي»:
سبق أن أشرنـا في الملاحظة«ج » أن الأستاذ ابن تاويت لم يخصص فهرسـا للمصادر والمراجـع، ولكن برجوعنا إلى متن الكتاب وهوامشه حاولنـا أن نستخلص أهمها، وهـي مراجـع ومصادر لا يقتصر فيهـا على المطبوع، بل يشفـع بالمخطوط على نحـو ما نلاحـظ في الهامش رقم 1 من صفحة 52 (...كما في النسخة المطبوعة ، أما الخطبة ففيهـا ابن بياع)، وجدير بالتنبيـه على أن الكاتب لا يحيلنـا على رقم المخطوط والخزانـة التي يوجد بهـا، وهو أمر يتكرر في الصفحة 166 عند حديثـه عن أبي العباس الجراري وكتابه: «صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب » ، وقد ذكر عبد الله كنـون أن محمد بن تاويت الطنجي أتى بالمخطوط مصورة على ميكروفيلم من اسطمبول(9).
أمــا المصادر والمراجع التي انتزعناها من متن «الوافي» فهي كالتالي:
1) فيمـا قبل العصر المرابطي:
ـ المسالك والممالك الكبرى
ـ البيان المغرب لابن عذاري
ـ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام
2) العهـد المرابطي:
ـ أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض للمقري
ـ السعادة الأبدية لابن المـوقت
ـ قلائد العقيان للفتح بن خاقان.
3) العهد الموحدي:
ـ البيان المغرب لابن عذاري
ـ ديوان أبي الربيع سليمان الموحدي الذي حققه ونشره المؤلف دونما ذكر لسنة الطبع ولا للمطبعة الصادرة عنها.
ـ نزهة المشتاق للشريف الإدريسي
ـ جدوة الاقتباس لابن القاضـي.
وحري بنا أن نلفت النظر إلى أن تعامـل الكاتب مع المصادر في هـذا الفصل كان تعامـلا يخصص مصدرا لكل شخصية مدروسة : مثلا.
ـ زاد المسافر لابن حبوس
ـ جذوة الاقتباس لميمون الخطابي .. إلخ.
أما مالك بن المرحل فلم يشر إلى أي مصدر أو مرجع عند تناوله.
ونشير في خاتمـة هذا العرض إلى المراجع الحديثة التي وردت في «الوافي» وهي لا تخـرج عن كتاب «الأدب الجغرافي عند العرب» لكرافشكو فسكي (ص 244)، ولا تتجـاوز إشارات إلى محمد الفاسي دون ذكر المرجع (ص117 وغيرها)، وإلى عبد الله كنون دون تسميتـه، والاكتفاء بـ «صاحب المشاهير»، ( ص 150 في الهامش وغيرها) ، وعلاوة على ذلك، فإن إيرادهما لا يتم إلا لتغليطهما فيمـا يذهبان إليه نحو قوله: (وفات هـذا المصدر الأستاذ الفاسـي ص 156)، وقوله (انظر مشاهير رجـال المغرب حيث نجد « وله أيضا من قصيـدة الصابوني»، فهذا «الاستظهار» ما كان إلا لذلك الانطلاق، ص 150.
ثم هناك إشارة إلى مقالة للدكتور الجراري ( هـ1، ص 184)، وإحالات على مقالات للمؤلف (ص17 وغيرها).
خلاصـة:
هـذه قراءة، وإن كانت عرضا، لكتاب «الوافي» حاولنـا فيها أن نحلل الكتاب شكلا ومحتوى، لنقارب تفسيرا «نقديـا» له، عن طريق تعرضنـا للمنهج المستغل، ووقوفنـا عند تعامـل الكاتب مع «الأدب المغربي»، وهـو تعامل وصفي يتوسل بالشروحات البلاغية والتعليلات المستخرجة من موروث الكاتب وذاكرته المعرفية، ورصدنـا «الدقيق» لبعض الأواليـات المنهجية التي اختفت من الكتاب كان يهدف تعميـق القراءة وتجديرهـا، وليس لرمي الكتاب بالنقصان، لأنه كتاب أصيف إلى الخزانة الأدبية المغربية، وقدم إضافات نحن في مسيس الحاجـة إليها وإلى الكثير منها لإخراج تراثنا من العتمة إلى نور الحقيقـة والتجلي.
______________
(1) الأدب المغربي ، ص 7.
(2) أنظر توطئـة الكتاب، ص 5 بكاملها.
(3) أنظر: الأدب المغربي للدكتور الجراري ، ص: 13.
(4) « الوافي »، ص: 116-168
(5) « الوافي » ص: 184-252
(6) نفس المصدر ص: 138.
(7) أنظر ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب: لمحمد بنيس ص 253.
(8) الوافي ص 34 و 258 وغيرهما.
(9) كان ذلك سنة 1948ـ أنظر «أبو العباس الجراري» ذكريات مشاهير المغرب، دار الكتاب اللبناني، ص11.
* دعوة الحق، العدد 231 ذو الحجة-محرم 1403-1404/ شتنبر-أكتوبر 1983