نقوس المهدي
كاتب
استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها الإسلام. وتكوين أسرة ثابتة الأركان متينة الدعائم أساسها المودة ومشاعر المحبة والرحمة والتعاون، مع استبعاد وسائل الخوف والقلق رغبة في دوام العلاقة الحميمية بين الطرفين وتنشئة الأطفال تنشئة صالحة، بعيداً عن الأمراض الاجتماعية الخطيرة إلى أن تنتهي الحياة هدفه الأسمى. وأي إنسان أراد أن يخل بهذه العلاقة ويفسد ما بين طرفيها، فالإسلام بريئ منه.
يقول الرسول (ص) "ليس منا من خيب امرأة على زوجها".
وميثاق النكاح الذي عقد باسم الله وعلى سنة رسول الله (صلعم) لا يستهين بحرمته مؤمن. والله يدعو المتقين من عباده أن يحترموا هذا العقد الذي يستتبع علاقات وتبعات اجتماعية ومدنية واقتصادية. ومن شأن العقود التي تبرم بإرادة الطرفين ألا تنحل إلا برضاهما. ولكون التراضي يتعذر في حل عقد النكاح لما يصطحبه من الخلافات القائمة بين الزوجين من مشاحنات وبغضاء، مشوبة بالحيل والمكر والخداع، ولكون الانفصال لا يجوز أن يكون إلا علاجا نهائياً لعلة لا يجدي فيها سواه. فقد جعلته ـ الشريعة للعازم عليه، بشرط أن يتحمل وحده ما يترتب عليه من تبعات: فهو بيد الرجل مع وجوب تمتيع المرأة بالمعروف. يقول تعالى:
(وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون)
وهو في يد المرأة (الخلع) مع تعويض الرجل على تحطيم عشه بلا سبب متعمد منه، متى أحست أن كراهيتها له ونفورها منه سيقودها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة والعفة والأدب، لقوله تعالى:
(فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)
روى البخاري بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي (ص) فقالت: "يا رسول الله! أما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام". فقال لها الرسول (ص): "اتردين عليه حديقته؟" (وكان شماس قد أمهرها حديقة). "نعم". فقال الرسول (ص) لشماس: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة".
وإذا كان خلع المرأة يتطلب منها أن تقدم كل ما تملك من أموال وتتنازل عن حقوق لها، فطلاق الرجل يجب أن يكون بمثل ذلك تماماً. وعليه أن يمتعها بقدر ما يملك من الثروة التي ساهمت في تنميتها كما كان يفعل السلف الصالح.
فقد متع الحسن سبط رسول الله (ص) إحدى مطلقاته بعشرة آلاف درهم. ويروى أنها قالت: "متاع قليل من حبيب مفارق".
الحقوق الاقتصادية في الإسلام تمنح لكل فرد من أفراد الأسرة نصيبه من المجهود الكسبي الذي يبذله ذكراً كان أم أنثى. يقول تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)
ومن الأعمال الكسبية ما يدخل في إطار الإنتاج، من فلاحة وصناعة وتجارة وأعمال إدارية، وما يدخل في إطار المحافظة على هذا الإنتاج. والمرأة هي التي تقوم بهذا العمل لأنها هي التي تحفظ أرزاق الأسرة، بحسن تدبيرها في المنزل لما يكسبه زوجها، سواء قل ذلك أو كثر. ويعتبر عملها هذا مستحقاً للأجر في الإسلام (عمل ربات البيوت). وجميع الأعمال المشروعة يشترك فيها الذكر والأنثى على السواء. ولكل منهما أجره حسب عمله. يقول الله عز وجل:
(للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)
وقد قضى الرسول (ص) بين علي وفاطمة (رض). فجعل عليها القيام بأعمال الأسرة الداخلية، وعلى زوجها الأعمال الخارجية. كما قضى في واقعة أخرى أن تقوم المرأة بالأعمال الخارجية كما في حديث أسماء بنت أبي بكر (رض) مع زوجها الزبير التي كانت تخدم فرسه وتسقي الماء وتخرز الدلو وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ، زيادة على أعمال البيت الداخلية. وفي بيوتنا نلاحظ اختلافاً كبيراً في توزيع الأعمال بين الأزواج في البوادي عنه في المدن. فالبادية تقوى فيها مشاركة المرأة على مشاركة الرجل، حيث تقوم بعملية الحرث والغرس وتربية المواشي، وجلب الماء والحصاد والغزل والنسيج، بل تقوم مقام الأداة الصالحة لجميع الأعمال الداخلية والخارجية إن اقتضى الأمر ذلك. وفي المدن تقوم بالإضافة إلى كدها وسعيها خارج البيت بجميع أعبائه الداخلية، وتظل المسؤولة الأولى على خدمة الزوج، وتربية الأطفال، ومساعدتهم على أداء واجباتهم الدراسية ولو بحضورها الدائم، بالإضافة إلى ما تتحمله (المرأة في البادية والمدينة) من مشاق الوظيفة التي خصتها بها الطبيعة دون الرجل، وتغنيه عن التفكير في شؤون الغذاء والكساء والفراش والنظافة يوميا.. .. ولا يمكن نكران ما لهذه الأعمال الجليلة التي تقوم بها في محيط الأسرة، من اعتبار في المجتمع، وما تناله من أتعاب في جسمها وفكرها وعقلها، لذا اعتبرها الإسلام من الناحية الاقتصادية كسبا يستحق الأجر والثواب فأوجب سبحانه وتعالى:
ـ أجراً للمطلقة الحامل حتى تضع حملها
(وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)
ـ وأجراً للرضاعة
(فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف)
إذ على الوالدة واجب تجاه طفلها الرضيع والله يفرض للمولود على أمه أن ترضعه، ولها مقابل ما فرضه عليها الله، حق على والد الطفل، أن يرزقها ويكسوها بالمعروف والمحاسنة. فكلاهما شريك في التبعة وكلاهما مسؤول تجاه هذا الصغير في حدود طاقته.
(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)
ولا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سبب مضارة الآخر، فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها ليهددها فيه أو تقبل رضاعه بلا مقابل. ولا تستغل هي عطف الأب على ابنه وحبه له لتثقل كاهله بمطالبها. كما أن لها الحق في أن تمتنع كلما تراءى لها أن الأجر غير ملائم.
يقول تعالى:
(وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى، لينفق كل ذي سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما أتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا)
ـ وأجرا للحضانة في قوله تعالى:
(فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)
ـ وأجرا للتربية بما يدخل في إطار التكافل الإسلامي في قوله تعالى:
(وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)
وفي قوله عز وجل:
(فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون)
وإذا كانت أجرة الحضانة والرضاعة والتربية واجبة للمرأة على زوجها، فمن باب العدل أن تمنح ثمرة أعمالها البيتية الأخرى التي منحها إياها الإسلام.
د. خديجة صبار
-----------------------
عن ( الإسلام والمرأة واقع وآفاق )
يقول الرسول (ص) "ليس منا من خيب امرأة على زوجها".
وميثاق النكاح الذي عقد باسم الله وعلى سنة رسول الله (صلعم) لا يستهين بحرمته مؤمن. والله يدعو المتقين من عباده أن يحترموا هذا العقد الذي يستتبع علاقات وتبعات اجتماعية ومدنية واقتصادية. ومن شأن العقود التي تبرم بإرادة الطرفين ألا تنحل إلا برضاهما. ولكون التراضي يتعذر في حل عقد النكاح لما يصطحبه من الخلافات القائمة بين الزوجين من مشاحنات وبغضاء، مشوبة بالحيل والمكر والخداع، ولكون الانفصال لا يجوز أن يكون إلا علاجا نهائياً لعلة لا يجدي فيها سواه. فقد جعلته ـ الشريعة للعازم عليه، بشرط أن يتحمل وحده ما يترتب عليه من تبعات: فهو بيد الرجل مع وجوب تمتيع المرأة بالمعروف. يقول تعالى:
(وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون)
وهو في يد المرأة (الخلع) مع تعويض الرجل على تحطيم عشه بلا سبب متعمد منه، متى أحست أن كراهيتها له ونفورها منه سيقودها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة والعفة والأدب، لقوله تعالى:
(فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)
روى البخاري بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي (ص) فقالت: "يا رسول الله! أما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام". فقال لها الرسول (ص): "اتردين عليه حديقته؟" (وكان شماس قد أمهرها حديقة). "نعم". فقال الرسول (ص) لشماس: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة".
وإذا كان خلع المرأة يتطلب منها أن تقدم كل ما تملك من أموال وتتنازل عن حقوق لها، فطلاق الرجل يجب أن يكون بمثل ذلك تماماً. وعليه أن يمتعها بقدر ما يملك من الثروة التي ساهمت في تنميتها كما كان يفعل السلف الصالح.
فقد متع الحسن سبط رسول الله (ص) إحدى مطلقاته بعشرة آلاف درهم. ويروى أنها قالت: "متاع قليل من حبيب مفارق".
الحقوق الاقتصادية في الإسلام تمنح لكل فرد من أفراد الأسرة نصيبه من المجهود الكسبي الذي يبذله ذكراً كان أم أنثى. يقول تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)
ومن الأعمال الكسبية ما يدخل في إطار الإنتاج، من فلاحة وصناعة وتجارة وأعمال إدارية، وما يدخل في إطار المحافظة على هذا الإنتاج. والمرأة هي التي تقوم بهذا العمل لأنها هي التي تحفظ أرزاق الأسرة، بحسن تدبيرها في المنزل لما يكسبه زوجها، سواء قل ذلك أو كثر. ويعتبر عملها هذا مستحقاً للأجر في الإسلام (عمل ربات البيوت). وجميع الأعمال المشروعة يشترك فيها الذكر والأنثى على السواء. ولكل منهما أجره حسب عمله. يقول الله عز وجل:
(للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)
وقد قضى الرسول (ص) بين علي وفاطمة (رض). فجعل عليها القيام بأعمال الأسرة الداخلية، وعلى زوجها الأعمال الخارجية. كما قضى في واقعة أخرى أن تقوم المرأة بالأعمال الخارجية كما في حديث أسماء بنت أبي بكر (رض) مع زوجها الزبير التي كانت تخدم فرسه وتسقي الماء وتخرز الدلو وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ، زيادة على أعمال البيت الداخلية. وفي بيوتنا نلاحظ اختلافاً كبيراً في توزيع الأعمال بين الأزواج في البوادي عنه في المدن. فالبادية تقوى فيها مشاركة المرأة على مشاركة الرجل، حيث تقوم بعملية الحرث والغرس وتربية المواشي، وجلب الماء والحصاد والغزل والنسيج، بل تقوم مقام الأداة الصالحة لجميع الأعمال الداخلية والخارجية إن اقتضى الأمر ذلك. وفي المدن تقوم بالإضافة إلى كدها وسعيها خارج البيت بجميع أعبائه الداخلية، وتظل المسؤولة الأولى على خدمة الزوج، وتربية الأطفال، ومساعدتهم على أداء واجباتهم الدراسية ولو بحضورها الدائم، بالإضافة إلى ما تتحمله (المرأة في البادية والمدينة) من مشاق الوظيفة التي خصتها بها الطبيعة دون الرجل، وتغنيه عن التفكير في شؤون الغذاء والكساء والفراش والنظافة يوميا.. .. ولا يمكن نكران ما لهذه الأعمال الجليلة التي تقوم بها في محيط الأسرة، من اعتبار في المجتمع، وما تناله من أتعاب في جسمها وفكرها وعقلها، لذا اعتبرها الإسلام من الناحية الاقتصادية كسبا يستحق الأجر والثواب فأوجب سبحانه وتعالى:
ـ أجراً للمطلقة الحامل حتى تضع حملها
(وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)
ـ وأجراً للرضاعة
(فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف)
إذ على الوالدة واجب تجاه طفلها الرضيع والله يفرض للمولود على أمه أن ترضعه، ولها مقابل ما فرضه عليها الله، حق على والد الطفل، أن يرزقها ويكسوها بالمعروف والمحاسنة. فكلاهما شريك في التبعة وكلاهما مسؤول تجاه هذا الصغير في حدود طاقته.
(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)
ولا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سبب مضارة الآخر، فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها ليهددها فيه أو تقبل رضاعه بلا مقابل. ولا تستغل هي عطف الأب على ابنه وحبه له لتثقل كاهله بمطالبها. كما أن لها الحق في أن تمتنع كلما تراءى لها أن الأجر غير ملائم.
يقول تعالى:
(وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى، لينفق كل ذي سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما أتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا)
ـ وأجرا للحضانة في قوله تعالى:
(فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)
ـ وأجرا للتربية بما يدخل في إطار التكافل الإسلامي في قوله تعالى:
(وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)
وفي قوله عز وجل:
(فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون)
وإذا كانت أجرة الحضانة والرضاعة والتربية واجبة للمرأة على زوجها، فمن باب العدل أن تمنح ثمرة أعمالها البيتية الأخرى التي منحها إياها الإسلام.
د. خديجة صبار
-----------------------
عن ( الإسلام والمرأة واقع وآفاق )