نقوس المهدي
كاتب
(1-4)
الكاماسوترا نصّ هنديّ، كُتِب بين القرنين الأول والسادس الميلاديين، يتناول الحياة الجنسية ومعنى الحب وفلسفته ووضعيات الممارسة الجنسية. وضعه الفيلسوف الهندي فاتسيايانا. وجرى تمثيله، تصويريا ونحتياً، بمشاهد ورسومات كثيرة طيلة العصور، لعلّ أشهرها المنحونات البارزة التي تشكل واجهات معبد خاجوراهو الهندوسيّ بين الأعوام 900 - 1130م كلما توغل المرء في مقاربة نص الكاماستورا الهنديّ وقاربه بالنص الأيروتيكيّ العربيّ، صار عنده اليقين بالتالي:
أولا: أن مقتطفات من نصّ الكاماستورا قد وصلتْ، متشظّية أو مُختصرَة، إلى العالم العربيّ والإسلاميّ، في زمن الجاحظ المولود عام 776م المتوفى عام 867م، أي بين القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، وهي فترة ازدهار معرفيّ وترجمي، كانت الهند إحدى وجهاته. كان الجاحظ قارئاً نهماً حتى أنه كان يكتري دكاكين الورَّاقين للقراءة والنَّظر. ويورد ياقوت الحموي قولاً لأبي هفَّان ـ وهو من معاصريه: «لم أر قطُ ولا سمعت من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنَّه لم يقع بيده كتاب قَطُ إلا استوفى قراءته كائناً ما كان". معرفة الجاحظ بالهند لا يرقى إليها الشك، وكان يعرف أن الهند: "اشتهر بالحساب وعلم النجوم وأسرار الطب" وللهنود " شِعْر كثير وخُطب طِوال". ويعرف الكثير عن نساء الهند سوى ما وثّقه كتابةً في كتابه الحيوان "وزعم جناب بن الخشخاش القاضي أنه أحصى في قرية واحدة النساء المختونات والمعبرات، فوجد أكثر العفائف مستوعبات [أي مختونات] وأكثر الفواجر معبرات [أي غير مختونات]، وأن نساء الهند والروم وفارس إنّما صار الزنى وطلب الرجال فيهن أعمّ لأن شهوتهن للرجال أكثر. ولذلك اتّخذ الهند دوراً للزواني. قالوا: وليس لذلك عِلّة إلاّ وفرة البظر والغلفة، فإن البظراء تجد من اللذة ما لا تجده المختونة وأصل ختان النساء لم يحاول به الحسن دون التماس نقصان الشهوة ليكون العفاف مقصورا عليهن...". ومن بين هذه المعارف معرفته بعلومها الجنسية "والهند توافق العرب في كل شيء إلا في ختان النساء والرجال. ودعاهم إلى ذلك تعمقهم في توفير حظ الباه. قالوا: ولذلك اتخذوا الأدوية، وكتبوا في صناعة الباه كتباً ودرسوها الأولاد".
والدليل القاطع على معرفته بالكاماسوترا بعد قوله "كتبوا في صناعة الباه كتباً"، هو قوله في الحيوان: و"زعم الهنديّ صاحب كتاب الباه أن أعظم ….الخ". هذا يعني أنه كان يعرف كتاب الباه أي الكاماسوترا، ولعله يعني فاتسيايانا مؤلِّفه. في كتاب الحيوان العشرات من الأمثلة التي تدلّ على اطلاعه على كتب أدوية الباه الهندوسية: "قالوا: والسقنقور إنما ينفَعُ أكلَه إذا اصطادوه في أيام هَيْجه وسِفاده؛ لأنَّ العاجز عن النِّساء يتعالج بأكل لحمه، فصار لحمُ الهائج أهْيَج له"، وأيضاً "وقد زعم صاحبُ المنطق أنَّ الكلاب السلوقيَّة كلما دخلتْ في السنِّ كان أقوى لها على المعاظلة. وهذا غريبٌ جداً، وقد علمنا أنّ الغلام أحدُّ ما يكون وأشبقُ وأنكحُ وأحرصُ، عند أوّل بلوغه، ثم لا يزالُ كذلك حتى يقطعه الكبر أو إصفاء أو تعرض له آفة. ولا تزال الجاريةُ من لدُنْ إدراكها وبلوغِها وحركة شهوتها على شبيه بمقدارٍ واحد من ضعف الإرادة، وكذلك عامَّتهنَّ، فإذا اكتهلن وبلغت المرأة حدّ النَّصَف فعند ذلك يقوى عليها سلطانُ الشَّهوةِ والحرص على الباهِ، فإنما تهيج الكهلة عند سُكون هيج الكهل وعند إدبار شهوته، وكلال حدِّه". علينا أن نعرف أن علوم الباه كانت تعتبر يومها من العلوم الطبية، وليس من كتب الطرائف الجنسية المثيرة. المتقطفات أو الملخّص الواصل يقيناً للجاحظ من الكاماسوترا يفسّر اهتمامه بالجنس، ويُفسّر لماذا نَسَبَ إليه ابن كمال باشا وغيره فصولاً كاملة عن تفاصيل الحياة الجنسية. لا نشكّ كثيراً، بعد إعادة قراءة تعبيره "زعم الهندي صاحب كتاب الباه"، بإمكانية ضياع مُصَنّفٍ كتبه الجاحظ عن الوضعيات الجنسية وغيرها من التفاصيل الأيروتيكية الكاماستوروية، رغم أننا نرى أنها خضعت للتشويش والحذف والإضافة، نظراً لطريقة كتابتها التي تُنازِعُها الأساليب الأدبية والمفردات المُستحدَثة.
في مرة سابقة حاولنا إقامة مقارنة بين نصٍ أيروتيكي للجاحظ ومقتطفات من الكاماسوترا. النتيجة لا تبعد عما نستنتج هنا. أما كتب الباه الضائعة التي يذكرها ابن النديم (القرن العاشرم) في الفهرست، فلعلها ترجمات مباشرة من العمل الهنديّ.
الكاماسوترا نصّ هنديّ، كُتِب بين القرنين الأول والسادس الميلاديين، يتناول الحياة الجنسية ومعنى الحب وفلسفته ووضعيات الممارسة الجنسية. وضعه الفيلسوف الهندي فاتسيايانا. وجرى تمثيله، تصويريا ونحتياً، بمشاهد ورسومات كثيرة طيلة العصور، لعلّ أشهرها المنحونات البارزة التي تشكل واجهات معبد خاجوراهو الهندوسيّ بين الأعوام 900 - 1130م كلما توغل المرء في مقاربة نص الكاماستورا الهنديّ وقاربه بالنص الأيروتيكيّ العربيّ، صار عنده اليقين بالتالي:
أولا: أن مقتطفات من نصّ الكاماستورا قد وصلتْ، متشظّية أو مُختصرَة، إلى العالم العربيّ والإسلاميّ، في زمن الجاحظ المولود عام 776م المتوفى عام 867م، أي بين القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، وهي فترة ازدهار معرفيّ وترجمي، كانت الهند إحدى وجهاته. كان الجاحظ قارئاً نهماً حتى أنه كان يكتري دكاكين الورَّاقين للقراءة والنَّظر. ويورد ياقوت الحموي قولاً لأبي هفَّان ـ وهو من معاصريه: «لم أر قطُ ولا سمعت من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنَّه لم يقع بيده كتاب قَطُ إلا استوفى قراءته كائناً ما كان". معرفة الجاحظ بالهند لا يرقى إليها الشك، وكان يعرف أن الهند: "اشتهر بالحساب وعلم النجوم وأسرار الطب" وللهنود " شِعْر كثير وخُطب طِوال". ويعرف الكثير عن نساء الهند سوى ما وثّقه كتابةً في كتابه الحيوان "وزعم جناب بن الخشخاش القاضي أنه أحصى في قرية واحدة النساء المختونات والمعبرات، فوجد أكثر العفائف مستوعبات [أي مختونات] وأكثر الفواجر معبرات [أي غير مختونات]، وأن نساء الهند والروم وفارس إنّما صار الزنى وطلب الرجال فيهن أعمّ لأن شهوتهن للرجال أكثر. ولذلك اتّخذ الهند دوراً للزواني. قالوا: وليس لذلك عِلّة إلاّ وفرة البظر والغلفة، فإن البظراء تجد من اللذة ما لا تجده المختونة وأصل ختان النساء لم يحاول به الحسن دون التماس نقصان الشهوة ليكون العفاف مقصورا عليهن...". ومن بين هذه المعارف معرفته بعلومها الجنسية "والهند توافق العرب في كل شيء إلا في ختان النساء والرجال. ودعاهم إلى ذلك تعمقهم في توفير حظ الباه. قالوا: ولذلك اتخذوا الأدوية، وكتبوا في صناعة الباه كتباً ودرسوها الأولاد".
والدليل القاطع على معرفته بالكاماسوترا بعد قوله "كتبوا في صناعة الباه كتباً"، هو قوله في الحيوان: و"زعم الهنديّ صاحب كتاب الباه أن أعظم ….الخ". هذا يعني أنه كان يعرف كتاب الباه أي الكاماسوترا، ولعله يعني فاتسيايانا مؤلِّفه. في كتاب الحيوان العشرات من الأمثلة التي تدلّ على اطلاعه على كتب أدوية الباه الهندوسية: "قالوا: والسقنقور إنما ينفَعُ أكلَه إذا اصطادوه في أيام هَيْجه وسِفاده؛ لأنَّ العاجز عن النِّساء يتعالج بأكل لحمه، فصار لحمُ الهائج أهْيَج له"، وأيضاً "وقد زعم صاحبُ المنطق أنَّ الكلاب السلوقيَّة كلما دخلتْ في السنِّ كان أقوى لها على المعاظلة. وهذا غريبٌ جداً، وقد علمنا أنّ الغلام أحدُّ ما يكون وأشبقُ وأنكحُ وأحرصُ، عند أوّل بلوغه، ثم لا يزالُ كذلك حتى يقطعه الكبر أو إصفاء أو تعرض له آفة. ولا تزال الجاريةُ من لدُنْ إدراكها وبلوغِها وحركة شهوتها على شبيه بمقدارٍ واحد من ضعف الإرادة، وكذلك عامَّتهنَّ، فإذا اكتهلن وبلغت المرأة حدّ النَّصَف فعند ذلك يقوى عليها سلطانُ الشَّهوةِ والحرص على الباهِ، فإنما تهيج الكهلة عند سُكون هيج الكهل وعند إدبار شهوته، وكلال حدِّه". علينا أن نعرف أن علوم الباه كانت تعتبر يومها من العلوم الطبية، وليس من كتب الطرائف الجنسية المثيرة. المتقطفات أو الملخّص الواصل يقيناً للجاحظ من الكاماسوترا يفسّر اهتمامه بالجنس، ويُفسّر لماذا نَسَبَ إليه ابن كمال باشا وغيره فصولاً كاملة عن تفاصيل الحياة الجنسية. لا نشكّ كثيراً، بعد إعادة قراءة تعبيره "زعم الهندي صاحب كتاب الباه"، بإمكانية ضياع مُصَنّفٍ كتبه الجاحظ عن الوضعيات الجنسية وغيرها من التفاصيل الأيروتيكية الكاماستوروية، رغم أننا نرى أنها خضعت للتشويش والحذف والإضافة، نظراً لطريقة كتابتها التي تُنازِعُها الأساليب الأدبية والمفردات المُستحدَثة.
في مرة سابقة حاولنا إقامة مقارنة بين نصٍ أيروتيكي للجاحظ ومقتطفات من الكاماسوترا. النتيجة لا تبعد عما نستنتج هنا. أما كتب الباه الضائعة التي يذكرها ابن النديم (القرن العاشرم) في الفهرست، فلعلها ترجمات مباشرة من العمل الهنديّ.