نقوس المهدي
كاتب
مرحلة التأسيس:
لما كثر العلماء، وتوافر عدد الطلاب بمراكش، فكر أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين في إنشاء جامع يؤدي وظيفتين: الوظيفة الدينية التعبدية، والوظيفة التعليمية، فشرع في تشييد الجامع - الذي ظل يحمل اسمه عبر القرون و الأجيال ـ سنة 514 هـ/1120 م.
وسمي الجامع أحيانا بجامع السقاية، نسبة إلى السقاية التي أحدثها علي بن يوسف إزاءه. ونرى ذلك في بعض الكتب المحبسة على المسجد مثل مصحف المرتضى الموحدي الذي كتبه بيده في عشرة أجزاء، ويعد هذا المصحف أقدم مصحف معروف مكتوب بالمغرب، وقد حبسه على جامع السقاية كما جاء في عبارة التحبيس. ونص التحبيس: (حبسه كاتبها بيمينه عبد الله عمر الموحدي على من يقرأ فيها من المسلمين، وكان استقرارها بالبيت المعد للمصاحف المحبسة قبلها بالقبلة المتصل بالمحراب هناك، وكتب في الثاني من رجب 656 هـ وتحته إمضاءه. والتوقيع هذا صحيح نحن أمرنا به وأن يشهد علينا بمضمنه إن شاء الله عز وجل، وذلك في التاريخ المذكور جعل الله ذلك ذخرا لدينا)[1]. كما سمي بجامع المرتضى في بعض المصادر، لأن هذا الخليفة أعاد بناءه من جديد سنة 654 هـ/1256 م بعد أن خربه الخليفة عبد المومن الموحدي.
ويحدثنا التاريخ أن الأمير علي بن يوسف اعتنى اعتناء فائقا بهذا الجامع، وحشر لتصويب قبلته أربعين فقيها من فقهاء الأندلس من بينهم ابن رشد الكبير، ومالك بن وهيب وغيرهما. يقول أبو علي صالح المصمودي: [ولم يكن في المغرب الأقصى محراب اشتهر أن الفقهاء أجمعوا على تصويب قبلته عند بنيانه فيما بلغ علمنا إلا مسجد واحد هو مسجد علي بن يوسف بمراكش. فجمع علي بن يوسف على تصويب قبلته أربعين فقيها أو أكثر فيهم مالك بن وهيب، وأبو الوليد ابن رشد صاحب البيان].[2] وقد كلف بناء الجامع ستين ألف دينار مرابطية[3].
وعندما دخل عبد المومن الموحدي مدينة مراكش بعد حصار دام سبعة أشهر، قام بتنفيذ وصية المهدي بن تومرت التي يقول فيها: [لا تدخلوها حتى تطهروها]، أي مراكش. وقد فسر الفقهاء الموحدون هذه الوصية بكون المساجد المرابطية منحرفة عن القبلة الصحيحة، فكان لابد من تطهير المدينة من هذه المساجد بهدمها وتعويضها بأخرى ذات الاتجاه الصحيح. يقول الحسن الوزان: [وقد هدمه عبد المومن وأعاد بناءه بغرض واحد هو أن يمحو اسم علي ويجعل اسمه هو مكانه، فذهب عمله سدى، لأنه لا يجري على ألسنة الناس الآن إلا الاسم القديم].[4]
ثم أعاد بناءه الأمير المرتضى الموحدي سنة 654 هـ/1256 م، ثم جدد في العهد المريني يوم بنيت المدرسة إزاءه من طرف يعقوب المريني، ثم أتمها أبو الحسن، ثم أصلحها عبد الله الغالب بالله السعدي سنة 973 هـ/ 1565 م، وفي عهد المولى سليمان العلوي أعيد إصلاحه وبناء صومعته الحالية عام 1235 هـ/1819 م، وترك غربي المسجد أسس الصومعة القديمة. أما بنايته الحالية فهي لا تمثل إلا جزء من المساحة التي كان يشغلها في العصر المرابطي.
ومنذ أسس هذا الجامع وهو مركز من مراكز العلم والثقافة، تشد إليه الرحال، وتعج رحابه بالعلماء وشيوخ العلم، يتنافسون على الإمامة والخطابة والتدريس به. فانقطع إليه من الأندلس من كل علم فحــوله، واجتمع له من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه في عصر من العصور.
وللجامع ذكر حافل من قديم، فقد قيلت فيه كلمات ثناء وتعظيم، منها ما قاله الشيخ سعيد بن عبد المنعم: [عجبت لمن يقول مراكش لغير جامع ابن يوسف]. وجاء رجل من أكابر أهل فاس لزيارة الشيخ سيدي أبي عمرو، فالتقى به في ملأ من الناس، فاستحضر الزائر معه من الأدب ما يستحضر الأكياس، فسأله الشيخ عن البلد وسكانها؟ فقال له هذا الزائر المقيم من أقصى قلبه بالعقد الصميم على جهة التعجب والتعظيم: الله الله إن جامع القرويين يكاد ينبع العلم من حيطانه، فقال له الشيخ: أعد الأخبار كيف أخبرت بها عن هذا المسجد المسرار، بذلك اللفظ المختار، فأعاد عليه اللفظة بمبانيها، فقال له الشيخ القسطلي بعد أن زادت على أنواره أنوار، كلام جاء من بساط حضرة القهار، الله الله إن جامع علي بن يوسف يكاد السر ينبع من حيطانه، فانقطع كلام المتكلم، حين ظهر له ما بين السر والعلم].[5]
خزانة الجامع:
وضعت في مقصورة هذا الجامع النواة الأولى لخزانة الكتب، إذ في هذا العصر توحدت الأندلس والمغرب، وازدهرت الثقافة الإسلامية بالعدوتين، ونزح عدد من علماء الأندلس وكتابها وفقهائها إلى مراكش حاضرة الدولة، لينعموا بالنفوذ والجاه في كنف السلاطين والأمراء. وبوجود هذا الحشد الغفير من العلماء والأدباء والفقهاء تكاثر الطلبة المتعطشين للعلم، وظهرت حركة جمع الكتب واستنساخها للخزائن الملوكية والمسجدية في عصر يوسف بن تاشفين، واستمرت في عهد خليفته علي بن يوسف، يدلنا على ذلك ما تحتفظ به بعض الخزائن من مخطوطات كتبت في عهدهما أو بأمرهما. وتنافس الأمراء اللمتونيون في إغناء هذه الخزانة.
أما في عصر الموحدين فقد أصبح الجامع وخزانته في خبر كان، ومع مجيء الخليفة المرتضى الموحدي، أعاد إلى هذا الجامع شبابه، وعادت الحلقات التعليمية إليه.
وفي العصر المريني تعززت الدراسة بالجامع وخاصة عندما بنيت المدرسة بجوار الجامع. ومع مجيء الدولة السعدية استعادت مراكش هيبتها وسلطتها كمركز للقرار، وأعاد لها ملوكها اعتبارها وإشعاعها الثقافي، واتسعت دائرة عملها، وتضخم عدد الكتب بها لكثرة ما أوقفه الملوك السعديون عليها.
وفي العصر العلوي انبعثت في شكل جديد، وتميز انبعاثها بطابع آخر هو وضع فهرس لها يمدنا بمعلومات طريفة عن حالها في عصر المولى إسماعيل. كما وضع في عهد المولى عبد الحفيظ فهرس جديد للخزانة [6].
الدراسة بالجامع اليوسفي:
العصر الموحدي: منهاج الموحدين في التعليم كان يقوم على اختصار مراحل الدراسة، وهذا ما يفيده ظهور نوابغ مبكرين على عهدهم، وكانت العادة أن لا ينتصب للتدريس في الجوامع الكبرى إلا من انتهت إليه المهارة في العلم والدين في وقته.[7]
أسلوب وطريقة التدريس:
كان أسلوب التدريس عندهم ممتازا، وكان يقوم على التدرج بالمتعلمين في مدارج التعليم.
أما طريقة التدريس: فيجلس الأستاذ ويحلق عليه الطلبة، ويأخذ في إملاء درسه الذي يكون في الغالب تفسيرا [للمتن] وتقريرا لأقوال شراحه، والنظر فيما بينهما من الاختلاف، وقد ينجر به الحديث إلى الخروج عن الموضوع. كان الأستاذ إذا جلس للدرس جعل مجلسه إلى أحد أعمدة المسجد، يستند إليه ويستقبل القبلة، وكان بعض العلماء يختص بأسطوانة [عمود] معينة يجلس إليها طيلة حياته التعليمية.
العصر المريني:
من المعلوم أن أهل هذا العصر كانوا يعتمدون في تعلمهم وفي تعليمهم على الذاكرة، وعلى الاستظهار قبل كل شيء، وكثيرا ما كانوا يحفظون ويستظهرون، ولقد كانت هذه الطريقة متبعة في جميع مراحل التعليم الأول والمتوسط والعالي، فكان الطفل يبدأ بحفظ القرآن حفظا عن ظهر قلب، ثم يعمد إلى حفظ الأمهات في اللغة والفقه والنحو والأدب، وكان يقضي السنوات الطوال في ذلك إلى أن يبلغ من العمر أشده، فيقعد به ذلك الحفظ عن متابعة دروسه لكبر سنه، واشتغاله بأمور حياته المعيشة التي لم يكن له مناص من مواجهتها لكسب قوته.
أما فيما يرجع للشرح الذي يقوم به الأستاذ لتوضيح النصوص، فإن الطريقة كانت لفظية شكلية أكثر منها موضوعية جوهرية. فكثيرا ما كان الطالب نتيجة لذلك يكتفي بالعروض التي تلقى عليه فيتقبلها بدون مناقشة ولا إعمال فكر إلا إذا كان يتوفر على استعداد فطري، وذكاء ثاقب يؤهله لمحاولة فهم ما يلقى عليه.
العصر السعدي:
[أدركت مراكش أوج عزها العلمي مع أحمد المنصور السعدي فغدت المركز الثقافي الأول في الغرب الإسلامي، إن لم نقل في العالم الإسلامي كله. كاد يكون جميع رجال البلاد وذوي المناصب السامية المدنية والعسكرية فيها من رجال الفكر، إلى تكاثر العلماء والطلبة في المساجد والمدارس، وتعدد المناظرات العلمية، والمساجلات الأدبية، واتساع حركة تأليف الكتب وانتساخها، أو حملها مع القوافل التي لا تنقطع من الشرق والجنوب].[8]
أما طريقة التدريس:
فكانت تنطلق في جميع الدروس من [نص الكتاب] يقرأه أنجب الطلبة - وأحسنهم صوتا- بين يدي الشيخ، وفي بداية الدرس، ويتخذ هذا الذي تسميه الفهارس ساردا، مجلسه وسط الحلقة الأولى، ويجلس إلى يمينه وشماله باقي الطلبة على شكل نصف دائرة، تحيط بالأستاذ الجالس على الكرسي أو المستند إلى سارية، ولا ينتهي دور السارد عند القراءة الأولى، وإنما يظل طول الدرس حاملا الكراسة، مستعدا لقراءة الفقرات أو التعليقات التي قد يطلب منه الأستاذ أن يقرأها.
العصر العلوي:
سار التعليم في هذا العصر على نفس الوتيرة التي كان عليها في العصر السعدي، إذ تأثر هو الآخر بمشكل الاختصار والنظم الذي تفاقم خطره مع مرور الزمن، وكثرة الشروح والحواشي.
أوقات الدراسة:
ليس لأوقات الدراسة ضابط معين، بل النهار كله من طلوع الفجر إلى المغرب، وقت صالح للتدريس، وتزاد عليه الحصة الواقعة بين العشاءين أيضا، والدرس قد يمتد إلى الساعتين والثلاث بحسب قوة الأستاذ، واستعداد التلاميذ، والمادة المدروسة. وتدرس العلوم العقلية والنقلية في الصباح والمساء على السواء، إلا أن الغالب تخصيص الحصة التي بين العشاءين للدروس الدينية والوعظية، من تفسير وحديث وفقه لحضور العامة لها، إذ يكون الوقت وقت فراغ وانصراف عن العمل.
الختم:
عندما تنتهي دراسة كتاب من الكتب المهمة في التفسير، أو الحديث، أو الفقه، أوغيرها، يلقي الشيخ الدرس الأخير في حفل مشهود يحضره علماء المدينة والقاضي والعدول وجمهور الناس. يتكون درس الختم غالبا من ثلاثة عناصر: ترجمة وافية لمؤلف الكتاب الذي يحتفل بختمه، تشتمل بخاصة دراسته ومؤلفاته وأسانيده المتصلة بالرسول [صَ]، أو بإمام المذهب، أو بغيرهما.
- استعراض ما للشيخ من روايات وإجازات في الموضوع، وقراءة أسانيده المختلفة - من حفظ - المتسلسلة إلى مؤلف الكتاب.
- تحليل مفصل للموضوع، وكثيرا ما يركز على نص صغير كسورة الناس، أو حديث نبوي: [[كلمتان حبيبتان إلى الرحمان....] يستفرغ الشيخ جهده في الشرح والتأويل والتخريج والتعليل. [9]
التعليم قبل النظام:
تبتدئ الدراسة بعد صلاة الصبح والانتهاء من قراءة الحزب الراتب قبل شروق الشمس. بدرس الفقه [بالشيخ خليل] ويسمى هذا الدرس بالدرس الأول، يليه الدرس الثاني من [الشيخ خليل] والذي يسمى الثاني.
أما النحو فيدرس بألفية ابن مالك التي كانت تحفظ عن ظهر قلب، فيشرع فيه بعد الزوال إلى العصر، وفيه الدرس الأول، والدرس الثاني. إلى جانب هذين المادتين تدرس المواد التالية:
المواد المدرسة
الأصول: تنقيح العراقي، الورقات لإمام الحرمين. الجويني،
البلاغة: كتاب التلخيص: للخطيب القزويني، تلخيص المفتاح بمختصر السعد، منظومة الشيخ الطيب بن كيران في الاستعارة والمجاز بشرح البوري.
التفسير: تفسير الجلالين.
التوحيد: توحيد ابن عاشر، ابن عقيل، أم البراهين في العقائد، البجوري على أم البراهين. جوهرة التوحيد، حاشية على متن السنوسي في التوحيد. رسالة في علم التوحيد لإبراهيم الباجوري. ميارة على ابن عاشر، العقائد النسفية، المرشد المعين على الضروري من علوم الدين.
الحديث: بلوغ المرام: ابن أبي جمرة، سنن المطالب، شرح القسطلاني على صحيح البخاري. الشمائل المحمدية، والخصائل المصطفوية، في مصطلح الحديث، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، الطرفة: في مصطلح الحديث. متن الأربعين النووية بشرح القشني، وشرح الشبرختي. الجامع الصغير،ـ مصطلح الحديث بالنخبة: ابن حجر.
السيرة النبوية: الشفا للقاضي عياض، لوامع أنوار الكوكب الدري في شرح همزية الإمام البوصيري، نور اليقين. الشمائل المحمدية، همزية البوصيري بشرح بنيس.
الفقه والفرائض: الوثائق الفرعونـية شرح على مختصر خليل: محمد بن عبد الله ابن علي الخرشي، شرح ابن عقيل، العشماوية، مقدمة في الفقه المالكي، لامية الزقاق، أو الزقاقية.
المنطق: إيساغوجي: لأثير الدين المفضل بن عمر الأبهري، رسالة الوضع، شرح رسالة الوضع للسمرقندي، السلم المنورق.
النحو والصرف: أرجوزة في النحو: لأبي جميل الزواوي، عدد أبياتها 161 بيتا، إرشاد السالك إلى لامية ابن مالك، أو تنوير الحوالك من أرجاء لامية ابن مالك، ألفية ابن عقيل وشروحها، الأشموني، والصبان. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، أو أيسر المسالك إلى ألفية ابن مالك: جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف ابن هشام الشافعي، عبارة عن مختصر لمنظومة الألفية الموجزة المكثفة، تصريف العزي، الجمل الكبرى، شرح المكودي على ألفية ابن مالك، الفريدة: وتدعى أيضا الزبدة: لجلال الدين السيوطي. لامية المجرادي السلاوي في الجمل، مقدمة ابن آجروم، ملحة الإعراب، منظومة الزواوي، منظومة المجرادي السلاوي في الجمل.
التعليم بعد النظام:
قبل أن نتحدث عن هذه النقطة، لابد من الحديث عن الأحداث التي واكبت المطالبة بالنظام.
فبعد عيد الأضحى من سنة 1355 هـ/1936 م، قدم طلبة جامعة ابن يوسف طلبا لإحداث النظام إقتداء بزميلتها جامعة القرويين، لكن وضعت عراقيل ومثبطات في سبيل تحقيق هذه الأمنية التي كان يتمناها كل طالب يوسفي، ليخفف عنه عبء السفر من مراكش إلى فاس لإتمام دراسته.
ومما حكاه لي العلامة السيد محمد بلهاشمي المسفيوي رابع رؤساء الجامعة اليوسفية، أنه قال: [عقد اجتماع وزاري بالرباط تحت رئاسة جلالة الملك محمد الخامس، وحضور كل من محمد الفاسي رئيس القرويين، ومحمد بن عثمان رئيس ابن يوسف، وقد دار نقاش حاد حول إحداث نهائي ابن يوسف، وهنا ظهر تعصب ضد هذه الفكرة من جانب محمد الفاسي والحجوي، وأيد الفكرة محمد بن العربي العلوي والمعمري وزير القصور الملكية، وفي نهاية الأمر تقرر أن يكون النهائي بفاس. لكن صمود السيد محمد بن عثمان، وشدة شكيمته استمر يطالب بإحداث النهائي بمراكش، إلى أن حقق هذه الرغبة التي يتمناها كل طلبة الجنوب، وبذلك صدر ظهير شريف مؤرخ في 8 شوال 1357 هـ موافق فاتح دجنبر 1938 م[10]، أصبحت بموجبه جامعة ابن يوسف تسير سيرا جديدا في ظل نظام جديد يشتمل على ثلاثة مستويات:
الابتـــدائـــــــي
الأولى ابتدائي: ويدرس فيها المواد التالية:
التوحيد: رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
الفقه: ابن عاشر.
النحو : الآجرومية بالأزهري.
التصريف: الزنجاني.
الأدب: المعلقات السبع.
الحساب: منظومة الجمع والطرح والضرب والقسمة.
دروس التاريخ المغربي: للأستاذ عبد الله الجراري.
الثانية ابتدائي:
التوحيد: الخريدة للدردير.
الفقه: الجزء الأول من الرسالة، العبادات.
النحو: قواعد اللغة العربية.
التصريف: لامية الأفعال.
دروس التاريخ المغربي: لعبد الله الجراري.
الجغرافية: جغرافية المغرب.
الأدب: لامية العجم للطغرائي.
الحساب: القلصادي.
الثالثة إبتدائي:
التوحيد: صغرى السنوسي.
الفقة: الرسالة، الجزء الثاني المعاملات.
النحو: قطر الندى لابن هشام.
التصريف: لامية الأفعال ببحرق الصغير.
الأدب: شرح بانت سعاد
التاريخ: المرينيين والوطاسيين بكتاب عبد الله الجراري
الجغرافية: المغرب
الحساب.
الـــثــانــــــــوي
الأولى ثانوي: يدرس فيها المواد التالية:
الفقه: العبادة من الشيخ خليل بالدردير، وأحيانا بالخرشي، أو الرهوني، أو بناني، أو الزرقاني.
التوحيد: صغرى السنوسي.
النحو: ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل، أو الموضح لابن هشام، أو المكودي، أو لامية الزقاق، أو التحفة.
الأدب: أدبيات اللغة العربية.
السيرة النبوية: نور اليقين
التاريخ
الجغرافيـة
الحساب
الثانية ثانوي:
الفقه : الحج والنكاح والطلاق من الشيخ خليل بشرح الدردير.
النحو: الألفية النصف الأول من الموضح لابن هشام.
الأدب: الوسيط في الأدب العربي
المنطق: القويسيني
السيرة النبوية: إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء للخضري
الجغرافية:
العروض: الكافي.
الحساب:
الثالثة ثانوي:
مصطلح الحديث: البيقونية
الفقه: البيوع بالشيخ خليل بشرح الدردير، الجزء الثالث.
النحو: النصف الثاني من الموضح لابن هشام
التاريخ: الجزء الأول من محاضرة الخضري (ملوك بني أمية).
العروض: الخزرجية
المنطق: السلم بشرح بناني، وشرح القويسيني.
الميراث: الوثائق الفرعونية
الحساب: الجذر التربيعي وأنواع الكسور.
الأدب: المفصل في الأدب العربي.
الرابعة ثانوي:
الحديث: مصطلح الحديث، البيقونية
الفقه: الإجارة والكراء والفرائض من الشيخ خليل بشرح الدردير.
البلاغة: الجوهر المكنون
التاريخ: الجزء الثاني من محاضرة الخضري، ملوك بني العباس. أو الاستقصا: الدولة العلوية.
الأدب: المنتخب في الأدب العربي أو الحماسة ومقامات الحريري.
الجغرافية: الإصطلاحات
الفرائض: الشيخ خليل.
التوقيت: المقنع في شرح المقنع.
الخامسة ثانوي:
الحديث: مختصر ابن أبي جمرة.
مصطلح الحديث: نخبة الفكر لابن حجر.
الفقه: تحفة ابن عاصم بشرح التاودي.
البلاغة: السعد.
التوقيت: رسالة المارديني.
الأدب: الجزء الأول من ديوان الحماسة لأبي تمام، مع مقامات الحريري.
التاريخ: القرطاس لابن أبي زرع. التاريخ المغربي منذ تأسيس دولة الأدارسة.
الجغرافية.
السادسة ثانوي:
البلاغة: الجزء الثاني من السعد.
الأدب: الجزء الثاني من ديوان الحماسة ومقامات الحريري.
الحديث: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
الفقه: تحفة ابن عاصم بشرح التاودي.
التاريخ: الاستقصا.
التوقيت: اللوغاريتم.
النهــــــائــــــــي
ويدرس فيها:
الأولى من النهائي: القسم الشرعي
التفسير: أبو السعود - البيضاوي
الحديث: الموطأ بالزرقاني
الفقه: شرح الشيخ خليل بالزرقاني ـ
الأصول: مرتقى الأصول في علم الأصول، منظومة ابن عاصم بشرح الشنقيطي.
الثانية من النهائي: القسم الشرعي
التفسير: أبو السعود
الحديث: العيني على البخاري
الفقه: الخلاف العالي، بداية المجتهد
الأصول: جمع الجوامع لابن السبكي بشرح المحلى.
الثالثة من النهائي: القسم الشرعي
التفسير: أبو السعود
الحديث: العيني على البخاري
الفقــه: الخلاف العالي، بداية المجتهد
الأصول: جمع الجوامع لابن السبكي
النهائي أدبي لم أقف على المواد التي تدرس فيه.
أما الطلبة الذين يدرسون في غير أقسام الشهادات فيجرى لهم في آخر كل سنة دراسية امتحان للانتقال من طبقة إلى أخرى.
يمنح الطالب الناجح في امتحان السنة الثالثة من الطور الأول شهادة ابتدائية تخول له الحق في مباشرة إمامة جامع من الجوامع للصلوات الخمس. والناجحون في السنة الرابعة من الطور الثانوي ينالون شهادة تمكنهم من مباشرة خطة العدالة. وهناك شهادة يحرز عليها الناجحون في السنة السادسة من الطور الثانوي تخول لهم القيام بدروس وعظية.
وتلاميذ السنة الثالثة من الطور الثالث والنهائي الشرعي يحرزون على شهادة العالمية، وهي تخول لهم خطة القضاء والخطابة بالجوامع. أما الحاصلون على شهادة العالمية في الأدب فهي تخول لهم الكتابة بالأعتاب الشريفة، وحتى تولي الوزارة والصدارة.
أول فوج نال شهادة العالمية بعد تأسيس النظام كان سنة 1365 هـ/ 1946 م وآخر فوج تخرج من هذه الكلية كان سنة 1378 هـ/ 1958 م، وبعد هذا التاريخ أصبح طلبة الكلية اليوسفية يذهبون إلى الرباط لاجراء امتحان العالمية بحضور علماء من كليتي ابن يوسف والقرويين. ومع حلول سنة 1380 هـ/ 1960 م انتهت الدراسة بالكلية اليوسفية، وانتقلت إلى دار البارود قرب جامع الكتبيين وأطلق على المؤسسة اسم معهد ابن يوسف. جاء في خطاب لجلالة الملك محمد الخامس: (... يسرنا بمناسبة مرورنا بمراكش في طريق عودتنا من رحلتنا السوسية أن نسلم هذه الثكنة إلى وزارة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة لتحويلها إلى حي يقيم به طلبة الكلية اليوسفية)،[11] وولى تسييرها العلامة الرحالي الفاروق، وبعد سنوات بدأ هذا الاسم ينمحي إلى أن أصبح ثانوية ابن يوسف للتعليم الأصيل.
العطل:
تعطل الدراسة أيام الخميس والجمعة والأعياد الدينية، والعطل الصيفية التي تشتد فيها الحرارة، لكن رغم الحرارة نجد بعض المتطوعين من العلماء من يقوم ببعض الدروس للطلبة الراغبين في الدرس. على أن منهم من يغتنم فرصة هذه الأيام فيقرأ فيها فنونا متنوعة في كتب صغيرة، مما يتهيأ ختمه في مدة قريبة.
_____________________
[1] - فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش ص 29.
[2] ـ كتاب القبلة 29.
[3] ـ نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزمان: 166 ابن القطان.
[4] ـ وصف افريقيا1/127.
[5] ـ أعلام عباس بن إبراهيم السملالي 1/65.
[6] ـ للمزيد من المعلومات عن تاريخ خزانة ابن يوسف، يرجع إلى مقدمة فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف للأستاذ الصديق بلعربي.
[7] ـ العلوم والآداب والفنون في عهد الموحدين 25. محمد المنوني.
[8] ـ الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين 2/378. محمد حجي.
[9] ـ الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين1/114.
[10] ـ النظام الإداري بالمغرب 225. عبد الحميد بنشنهو.
[11] ـ خطب محمد الخامس: إعداد وزارة الإعلام، الرباط.
لما كثر العلماء، وتوافر عدد الطلاب بمراكش، فكر أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين في إنشاء جامع يؤدي وظيفتين: الوظيفة الدينية التعبدية، والوظيفة التعليمية، فشرع في تشييد الجامع - الذي ظل يحمل اسمه عبر القرون و الأجيال ـ سنة 514 هـ/1120 م.
وسمي الجامع أحيانا بجامع السقاية، نسبة إلى السقاية التي أحدثها علي بن يوسف إزاءه. ونرى ذلك في بعض الكتب المحبسة على المسجد مثل مصحف المرتضى الموحدي الذي كتبه بيده في عشرة أجزاء، ويعد هذا المصحف أقدم مصحف معروف مكتوب بالمغرب، وقد حبسه على جامع السقاية كما جاء في عبارة التحبيس. ونص التحبيس: (حبسه كاتبها بيمينه عبد الله عمر الموحدي على من يقرأ فيها من المسلمين، وكان استقرارها بالبيت المعد للمصاحف المحبسة قبلها بالقبلة المتصل بالمحراب هناك، وكتب في الثاني من رجب 656 هـ وتحته إمضاءه. والتوقيع هذا صحيح نحن أمرنا به وأن يشهد علينا بمضمنه إن شاء الله عز وجل، وذلك في التاريخ المذكور جعل الله ذلك ذخرا لدينا)[1]. كما سمي بجامع المرتضى في بعض المصادر، لأن هذا الخليفة أعاد بناءه من جديد سنة 654 هـ/1256 م بعد أن خربه الخليفة عبد المومن الموحدي.
ويحدثنا التاريخ أن الأمير علي بن يوسف اعتنى اعتناء فائقا بهذا الجامع، وحشر لتصويب قبلته أربعين فقيها من فقهاء الأندلس من بينهم ابن رشد الكبير، ومالك بن وهيب وغيرهما. يقول أبو علي صالح المصمودي: [ولم يكن في المغرب الأقصى محراب اشتهر أن الفقهاء أجمعوا على تصويب قبلته عند بنيانه فيما بلغ علمنا إلا مسجد واحد هو مسجد علي بن يوسف بمراكش. فجمع علي بن يوسف على تصويب قبلته أربعين فقيها أو أكثر فيهم مالك بن وهيب، وأبو الوليد ابن رشد صاحب البيان].[2] وقد كلف بناء الجامع ستين ألف دينار مرابطية[3].
وعندما دخل عبد المومن الموحدي مدينة مراكش بعد حصار دام سبعة أشهر، قام بتنفيذ وصية المهدي بن تومرت التي يقول فيها: [لا تدخلوها حتى تطهروها]، أي مراكش. وقد فسر الفقهاء الموحدون هذه الوصية بكون المساجد المرابطية منحرفة عن القبلة الصحيحة، فكان لابد من تطهير المدينة من هذه المساجد بهدمها وتعويضها بأخرى ذات الاتجاه الصحيح. يقول الحسن الوزان: [وقد هدمه عبد المومن وأعاد بناءه بغرض واحد هو أن يمحو اسم علي ويجعل اسمه هو مكانه، فذهب عمله سدى، لأنه لا يجري على ألسنة الناس الآن إلا الاسم القديم].[4]
ثم أعاد بناءه الأمير المرتضى الموحدي سنة 654 هـ/1256 م، ثم جدد في العهد المريني يوم بنيت المدرسة إزاءه من طرف يعقوب المريني، ثم أتمها أبو الحسن، ثم أصلحها عبد الله الغالب بالله السعدي سنة 973 هـ/ 1565 م، وفي عهد المولى سليمان العلوي أعيد إصلاحه وبناء صومعته الحالية عام 1235 هـ/1819 م، وترك غربي المسجد أسس الصومعة القديمة. أما بنايته الحالية فهي لا تمثل إلا جزء من المساحة التي كان يشغلها في العصر المرابطي.
ومنذ أسس هذا الجامع وهو مركز من مراكز العلم والثقافة، تشد إليه الرحال، وتعج رحابه بالعلماء وشيوخ العلم، يتنافسون على الإمامة والخطابة والتدريس به. فانقطع إليه من الأندلس من كل علم فحــوله، واجتمع له من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه في عصر من العصور.
وللجامع ذكر حافل من قديم، فقد قيلت فيه كلمات ثناء وتعظيم، منها ما قاله الشيخ سعيد بن عبد المنعم: [عجبت لمن يقول مراكش لغير جامع ابن يوسف]. وجاء رجل من أكابر أهل فاس لزيارة الشيخ سيدي أبي عمرو، فالتقى به في ملأ من الناس، فاستحضر الزائر معه من الأدب ما يستحضر الأكياس، فسأله الشيخ عن البلد وسكانها؟ فقال له هذا الزائر المقيم من أقصى قلبه بالعقد الصميم على جهة التعجب والتعظيم: الله الله إن جامع القرويين يكاد ينبع العلم من حيطانه، فقال له الشيخ: أعد الأخبار كيف أخبرت بها عن هذا المسجد المسرار، بذلك اللفظ المختار، فأعاد عليه اللفظة بمبانيها، فقال له الشيخ القسطلي بعد أن زادت على أنواره أنوار، كلام جاء من بساط حضرة القهار، الله الله إن جامع علي بن يوسف يكاد السر ينبع من حيطانه، فانقطع كلام المتكلم، حين ظهر له ما بين السر والعلم].[5]
خزانة الجامع:
وضعت في مقصورة هذا الجامع النواة الأولى لخزانة الكتب، إذ في هذا العصر توحدت الأندلس والمغرب، وازدهرت الثقافة الإسلامية بالعدوتين، ونزح عدد من علماء الأندلس وكتابها وفقهائها إلى مراكش حاضرة الدولة، لينعموا بالنفوذ والجاه في كنف السلاطين والأمراء. وبوجود هذا الحشد الغفير من العلماء والأدباء والفقهاء تكاثر الطلبة المتعطشين للعلم، وظهرت حركة جمع الكتب واستنساخها للخزائن الملوكية والمسجدية في عصر يوسف بن تاشفين، واستمرت في عهد خليفته علي بن يوسف، يدلنا على ذلك ما تحتفظ به بعض الخزائن من مخطوطات كتبت في عهدهما أو بأمرهما. وتنافس الأمراء اللمتونيون في إغناء هذه الخزانة.
أما في عصر الموحدين فقد أصبح الجامع وخزانته في خبر كان، ومع مجيء الخليفة المرتضى الموحدي، أعاد إلى هذا الجامع شبابه، وعادت الحلقات التعليمية إليه.
وفي العصر المريني تعززت الدراسة بالجامع وخاصة عندما بنيت المدرسة بجوار الجامع. ومع مجيء الدولة السعدية استعادت مراكش هيبتها وسلطتها كمركز للقرار، وأعاد لها ملوكها اعتبارها وإشعاعها الثقافي، واتسعت دائرة عملها، وتضخم عدد الكتب بها لكثرة ما أوقفه الملوك السعديون عليها.
وفي العصر العلوي انبعثت في شكل جديد، وتميز انبعاثها بطابع آخر هو وضع فهرس لها يمدنا بمعلومات طريفة عن حالها في عصر المولى إسماعيل. كما وضع في عهد المولى عبد الحفيظ فهرس جديد للخزانة [6].
الدراسة بالجامع اليوسفي:
العصر الموحدي: منهاج الموحدين في التعليم كان يقوم على اختصار مراحل الدراسة، وهذا ما يفيده ظهور نوابغ مبكرين على عهدهم، وكانت العادة أن لا ينتصب للتدريس في الجوامع الكبرى إلا من انتهت إليه المهارة في العلم والدين في وقته.[7]
أسلوب وطريقة التدريس:
كان أسلوب التدريس عندهم ممتازا، وكان يقوم على التدرج بالمتعلمين في مدارج التعليم.
أما طريقة التدريس: فيجلس الأستاذ ويحلق عليه الطلبة، ويأخذ في إملاء درسه الذي يكون في الغالب تفسيرا [للمتن] وتقريرا لأقوال شراحه، والنظر فيما بينهما من الاختلاف، وقد ينجر به الحديث إلى الخروج عن الموضوع. كان الأستاذ إذا جلس للدرس جعل مجلسه إلى أحد أعمدة المسجد، يستند إليه ويستقبل القبلة، وكان بعض العلماء يختص بأسطوانة [عمود] معينة يجلس إليها طيلة حياته التعليمية.
العصر المريني:
من المعلوم أن أهل هذا العصر كانوا يعتمدون في تعلمهم وفي تعليمهم على الذاكرة، وعلى الاستظهار قبل كل شيء، وكثيرا ما كانوا يحفظون ويستظهرون، ولقد كانت هذه الطريقة متبعة في جميع مراحل التعليم الأول والمتوسط والعالي، فكان الطفل يبدأ بحفظ القرآن حفظا عن ظهر قلب، ثم يعمد إلى حفظ الأمهات في اللغة والفقه والنحو والأدب، وكان يقضي السنوات الطوال في ذلك إلى أن يبلغ من العمر أشده، فيقعد به ذلك الحفظ عن متابعة دروسه لكبر سنه، واشتغاله بأمور حياته المعيشة التي لم يكن له مناص من مواجهتها لكسب قوته.
أما فيما يرجع للشرح الذي يقوم به الأستاذ لتوضيح النصوص، فإن الطريقة كانت لفظية شكلية أكثر منها موضوعية جوهرية. فكثيرا ما كان الطالب نتيجة لذلك يكتفي بالعروض التي تلقى عليه فيتقبلها بدون مناقشة ولا إعمال فكر إلا إذا كان يتوفر على استعداد فطري، وذكاء ثاقب يؤهله لمحاولة فهم ما يلقى عليه.
العصر السعدي:
[أدركت مراكش أوج عزها العلمي مع أحمد المنصور السعدي فغدت المركز الثقافي الأول في الغرب الإسلامي، إن لم نقل في العالم الإسلامي كله. كاد يكون جميع رجال البلاد وذوي المناصب السامية المدنية والعسكرية فيها من رجال الفكر، إلى تكاثر العلماء والطلبة في المساجد والمدارس، وتعدد المناظرات العلمية، والمساجلات الأدبية، واتساع حركة تأليف الكتب وانتساخها، أو حملها مع القوافل التي لا تنقطع من الشرق والجنوب].[8]
أما طريقة التدريس:
فكانت تنطلق في جميع الدروس من [نص الكتاب] يقرأه أنجب الطلبة - وأحسنهم صوتا- بين يدي الشيخ، وفي بداية الدرس، ويتخذ هذا الذي تسميه الفهارس ساردا، مجلسه وسط الحلقة الأولى، ويجلس إلى يمينه وشماله باقي الطلبة على شكل نصف دائرة، تحيط بالأستاذ الجالس على الكرسي أو المستند إلى سارية، ولا ينتهي دور السارد عند القراءة الأولى، وإنما يظل طول الدرس حاملا الكراسة، مستعدا لقراءة الفقرات أو التعليقات التي قد يطلب منه الأستاذ أن يقرأها.
العصر العلوي:
سار التعليم في هذا العصر على نفس الوتيرة التي كان عليها في العصر السعدي، إذ تأثر هو الآخر بمشكل الاختصار والنظم الذي تفاقم خطره مع مرور الزمن، وكثرة الشروح والحواشي.
أوقات الدراسة:
ليس لأوقات الدراسة ضابط معين، بل النهار كله من طلوع الفجر إلى المغرب، وقت صالح للتدريس، وتزاد عليه الحصة الواقعة بين العشاءين أيضا، والدرس قد يمتد إلى الساعتين والثلاث بحسب قوة الأستاذ، واستعداد التلاميذ، والمادة المدروسة. وتدرس العلوم العقلية والنقلية في الصباح والمساء على السواء، إلا أن الغالب تخصيص الحصة التي بين العشاءين للدروس الدينية والوعظية، من تفسير وحديث وفقه لحضور العامة لها، إذ يكون الوقت وقت فراغ وانصراف عن العمل.
الختم:
عندما تنتهي دراسة كتاب من الكتب المهمة في التفسير، أو الحديث، أو الفقه، أوغيرها، يلقي الشيخ الدرس الأخير في حفل مشهود يحضره علماء المدينة والقاضي والعدول وجمهور الناس. يتكون درس الختم غالبا من ثلاثة عناصر: ترجمة وافية لمؤلف الكتاب الذي يحتفل بختمه، تشتمل بخاصة دراسته ومؤلفاته وأسانيده المتصلة بالرسول [صَ]، أو بإمام المذهب، أو بغيرهما.
- استعراض ما للشيخ من روايات وإجازات في الموضوع، وقراءة أسانيده المختلفة - من حفظ - المتسلسلة إلى مؤلف الكتاب.
- تحليل مفصل للموضوع، وكثيرا ما يركز على نص صغير كسورة الناس، أو حديث نبوي: [[كلمتان حبيبتان إلى الرحمان....] يستفرغ الشيخ جهده في الشرح والتأويل والتخريج والتعليل. [9]
التعليم قبل النظام:
تبتدئ الدراسة بعد صلاة الصبح والانتهاء من قراءة الحزب الراتب قبل شروق الشمس. بدرس الفقه [بالشيخ خليل] ويسمى هذا الدرس بالدرس الأول، يليه الدرس الثاني من [الشيخ خليل] والذي يسمى الثاني.
أما النحو فيدرس بألفية ابن مالك التي كانت تحفظ عن ظهر قلب، فيشرع فيه بعد الزوال إلى العصر، وفيه الدرس الأول، والدرس الثاني. إلى جانب هذين المادتين تدرس المواد التالية:
المواد المدرسة
الأصول: تنقيح العراقي، الورقات لإمام الحرمين. الجويني،
البلاغة: كتاب التلخيص: للخطيب القزويني، تلخيص المفتاح بمختصر السعد، منظومة الشيخ الطيب بن كيران في الاستعارة والمجاز بشرح البوري.
التفسير: تفسير الجلالين.
التوحيد: توحيد ابن عاشر، ابن عقيل، أم البراهين في العقائد، البجوري على أم البراهين. جوهرة التوحيد، حاشية على متن السنوسي في التوحيد. رسالة في علم التوحيد لإبراهيم الباجوري. ميارة على ابن عاشر، العقائد النسفية، المرشد المعين على الضروري من علوم الدين.
الحديث: بلوغ المرام: ابن أبي جمرة، سنن المطالب، شرح القسطلاني على صحيح البخاري. الشمائل المحمدية، والخصائل المصطفوية، في مصطلح الحديث، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، الطرفة: في مصطلح الحديث. متن الأربعين النووية بشرح القشني، وشرح الشبرختي. الجامع الصغير،ـ مصطلح الحديث بالنخبة: ابن حجر.
السيرة النبوية: الشفا للقاضي عياض، لوامع أنوار الكوكب الدري في شرح همزية الإمام البوصيري، نور اليقين. الشمائل المحمدية، همزية البوصيري بشرح بنيس.
الفقه والفرائض: الوثائق الفرعونـية شرح على مختصر خليل: محمد بن عبد الله ابن علي الخرشي، شرح ابن عقيل، العشماوية، مقدمة في الفقه المالكي، لامية الزقاق، أو الزقاقية.
المنطق: إيساغوجي: لأثير الدين المفضل بن عمر الأبهري، رسالة الوضع، شرح رسالة الوضع للسمرقندي، السلم المنورق.
النحو والصرف: أرجوزة في النحو: لأبي جميل الزواوي، عدد أبياتها 161 بيتا، إرشاد السالك إلى لامية ابن مالك، أو تنوير الحوالك من أرجاء لامية ابن مالك، ألفية ابن عقيل وشروحها، الأشموني، والصبان. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، أو أيسر المسالك إلى ألفية ابن مالك: جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف ابن هشام الشافعي، عبارة عن مختصر لمنظومة الألفية الموجزة المكثفة، تصريف العزي، الجمل الكبرى، شرح المكودي على ألفية ابن مالك، الفريدة: وتدعى أيضا الزبدة: لجلال الدين السيوطي. لامية المجرادي السلاوي في الجمل، مقدمة ابن آجروم، ملحة الإعراب، منظومة الزواوي، منظومة المجرادي السلاوي في الجمل.
التعليم بعد النظام:
قبل أن نتحدث عن هذه النقطة، لابد من الحديث عن الأحداث التي واكبت المطالبة بالنظام.
فبعد عيد الأضحى من سنة 1355 هـ/1936 م، قدم طلبة جامعة ابن يوسف طلبا لإحداث النظام إقتداء بزميلتها جامعة القرويين، لكن وضعت عراقيل ومثبطات في سبيل تحقيق هذه الأمنية التي كان يتمناها كل طالب يوسفي، ليخفف عنه عبء السفر من مراكش إلى فاس لإتمام دراسته.
ومما حكاه لي العلامة السيد محمد بلهاشمي المسفيوي رابع رؤساء الجامعة اليوسفية، أنه قال: [عقد اجتماع وزاري بالرباط تحت رئاسة جلالة الملك محمد الخامس، وحضور كل من محمد الفاسي رئيس القرويين، ومحمد بن عثمان رئيس ابن يوسف، وقد دار نقاش حاد حول إحداث نهائي ابن يوسف، وهنا ظهر تعصب ضد هذه الفكرة من جانب محمد الفاسي والحجوي، وأيد الفكرة محمد بن العربي العلوي والمعمري وزير القصور الملكية، وفي نهاية الأمر تقرر أن يكون النهائي بفاس. لكن صمود السيد محمد بن عثمان، وشدة شكيمته استمر يطالب بإحداث النهائي بمراكش، إلى أن حقق هذه الرغبة التي يتمناها كل طلبة الجنوب، وبذلك صدر ظهير شريف مؤرخ في 8 شوال 1357 هـ موافق فاتح دجنبر 1938 م[10]، أصبحت بموجبه جامعة ابن يوسف تسير سيرا جديدا في ظل نظام جديد يشتمل على ثلاثة مستويات:
الابتـــدائـــــــي
الأولى ابتدائي: ويدرس فيها المواد التالية:
التوحيد: رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
الفقه: ابن عاشر.
النحو : الآجرومية بالأزهري.
التصريف: الزنجاني.
الأدب: المعلقات السبع.
الحساب: منظومة الجمع والطرح والضرب والقسمة.
دروس التاريخ المغربي: للأستاذ عبد الله الجراري.
الثانية ابتدائي:
التوحيد: الخريدة للدردير.
الفقه: الجزء الأول من الرسالة، العبادات.
النحو: قواعد اللغة العربية.
التصريف: لامية الأفعال.
دروس التاريخ المغربي: لعبد الله الجراري.
الجغرافية: جغرافية المغرب.
الأدب: لامية العجم للطغرائي.
الحساب: القلصادي.
الثالثة إبتدائي:
التوحيد: صغرى السنوسي.
الفقة: الرسالة، الجزء الثاني المعاملات.
النحو: قطر الندى لابن هشام.
التصريف: لامية الأفعال ببحرق الصغير.
الأدب: شرح بانت سعاد
التاريخ: المرينيين والوطاسيين بكتاب عبد الله الجراري
الجغرافية: المغرب
الحساب.
الـــثــانــــــــوي
الأولى ثانوي: يدرس فيها المواد التالية:
الفقه: العبادة من الشيخ خليل بالدردير، وأحيانا بالخرشي، أو الرهوني، أو بناني، أو الزرقاني.
التوحيد: صغرى السنوسي.
النحو: ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل، أو الموضح لابن هشام، أو المكودي، أو لامية الزقاق، أو التحفة.
الأدب: أدبيات اللغة العربية.
السيرة النبوية: نور اليقين
التاريخ
الجغرافيـة
الحساب
الثانية ثانوي:
الفقه : الحج والنكاح والطلاق من الشيخ خليل بشرح الدردير.
النحو: الألفية النصف الأول من الموضح لابن هشام.
الأدب: الوسيط في الأدب العربي
المنطق: القويسيني
السيرة النبوية: إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء للخضري
الجغرافية:
العروض: الكافي.
الحساب:
الثالثة ثانوي:
مصطلح الحديث: البيقونية
الفقه: البيوع بالشيخ خليل بشرح الدردير، الجزء الثالث.
النحو: النصف الثاني من الموضح لابن هشام
التاريخ: الجزء الأول من محاضرة الخضري (ملوك بني أمية).
العروض: الخزرجية
المنطق: السلم بشرح بناني، وشرح القويسيني.
الميراث: الوثائق الفرعونية
الحساب: الجذر التربيعي وأنواع الكسور.
الأدب: المفصل في الأدب العربي.
الرابعة ثانوي:
الحديث: مصطلح الحديث، البيقونية
الفقه: الإجارة والكراء والفرائض من الشيخ خليل بشرح الدردير.
البلاغة: الجوهر المكنون
التاريخ: الجزء الثاني من محاضرة الخضري، ملوك بني العباس. أو الاستقصا: الدولة العلوية.
الأدب: المنتخب في الأدب العربي أو الحماسة ومقامات الحريري.
الجغرافية: الإصطلاحات
الفرائض: الشيخ خليل.
التوقيت: المقنع في شرح المقنع.
الخامسة ثانوي:
الحديث: مختصر ابن أبي جمرة.
مصطلح الحديث: نخبة الفكر لابن حجر.
الفقه: تحفة ابن عاصم بشرح التاودي.
البلاغة: السعد.
التوقيت: رسالة المارديني.
الأدب: الجزء الأول من ديوان الحماسة لأبي تمام، مع مقامات الحريري.
التاريخ: القرطاس لابن أبي زرع. التاريخ المغربي منذ تأسيس دولة الأدارسة.
الجغرافية.
السادسة ثانوي:
البلاغة: الجزء الثاني من السعد.
الأدب: الجزء الثاني من ديوان الحماسة ومقامات الحريري.
الحديث: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
الفقه: تحفة ابن عاصم بشرح التاودي.
التاريخ: الاستقصا.
التوقيت: اللوغاريتم.
النهــــــائــــــــي
ويدرس فيها:
الأولى من النهائي: القسم الشرعي
التفسير: أبو السعود - البيضاوي
الحديث: الموطأ بالزرقاني
الفقه: شرح الشيخ خليل بالزرقاني ـ
الأصول: مرتقى الأصول في علم الأصول، منظومة ابن عاصم بشرح الشنقيطي.
الثانية من النهائي: القسم الشرعي
التفسير: أبو السعود
الحديث: العيني على البخاري
الفقه: الخلاف العالي، بداية المجتهد
الأصول: جمع الجوامع لابن السبكي بشرح المحلى.
الثالثة من النهائي: القسم الشرعي
التفسير: أبو السعود
الحديث: العيني على البخاري
الفقــه: الخلاف العالي، بداية المجتهد
الأصول: جمع الجوامع لابن السبكي
النهائي أدبي لم أقف على المواد التي تدرس فيه.
أما الطلبة الذين يدرسون في غير أقسام الشهادات فيجرى لهم في آخر كل سنة دراسية امتحان للانتقال من طبقة إلى أخرى.
يمنح الطالب الناجح في امتحان السنة الثالثة من الطور الأول شهادة ابتدائية تخول له الحق في مباشرة إمامة جامع من الجوامع للصلوات الخمس. والناجحون في السنة الرابعة من الطور الثانوي ينالون شهادة تمكنهم من مباشرة خطة العدالة. وهناك شهادة يحرز عليها الناجحون في السنة السادسة من الطور الثانوي تخول لهم القيام بدروس وعظية.
وتلاميذ السنة الثالثة من الطور الثالث والنهائي الشرعي يحرزون على شهادة العالمية، وهي تخول لهم خطة القضاء والخطابة بالجوامع. أما الحاصلون على شهادة العالمية في الأدب فهي تخول لهم الكتابة بالأعتاب الشريفة، وحتى تولي الوزارة والصدارة.
أول فوج نال شهادة العالمية بعد تأسيس النظام كان سنة 1365 هـ/ 1946 م وآخر فوج تخرج من هذه الكلية كان سنة 1378 هـ/ 1958 م، وبعد هذا التاريخ أصبح طلبة الكلية اليوسفية يذهبون إلى الرباط لاجراء امتحان العالمية بحضور علماء من كليتي ابن يوسف والقرويين. ومع حلول سنة 1380 هـ/ 1960 م انتهت الدراسة بالكلية اليوسفية، وانتقلت إلى دار البارود قرب جامع الكتبيين وأطلق على المؤسسة اسم معهد ابن يوسف. جاء في خطاب لجلالة الملك محمد الخامس: (... يسرنا بمناسبة مرورنا بمراكش في طريق عودتنا من رحلتنا السوسية أن نسلم هذه الثكنة إلى وزارة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة لتحويلها إلى حي يقيم به طلبة الكلية اليوسفية)،[11] وولى تسييرها العلامة الرحالي الفاروق، وبعد سنوات بدأ هذا الاسم ينمحي إلى أن أصبح ثانوية ابن يوسف للتعليم الأصيل.
العطل:
تعطل الدراسة أيام الخميس والجمعة والأعياد الدينية، والعطل الصيفية التي تشتد فيها الحرارة، لكن رغم الحرارة نجد بعض المتطوعين من العلماء من يقوم ببعض الدروس للطلبة الراغبين في الدرس. على أن منهم من يغتنم فرصة هذه الأيام فيقرأ فيها فنونا متنوعة في كتب صغيرة، مما يتهيأ ختمه في مدة قريبة.
_____________________
[1] - فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش ص 29.
[2] ـ كتاب القبلة 29.
[3] ـ نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزمان: 166 ابن القطان.
[4] ـ وصف افريقيا1/127.
[5] ـ أعلام عباس بن إبراهيم السملالي 1/65.
[6] ـ للمزيد من المعلومات عن تاريخ خزانة ابن يوسف، يرجع إلى مقدمة فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف للأستاذ الصديق بلعربي.
[7] ـ العلوم والآداب والفنون في عهد الموحدين 25. محمد المنوني.
[8] ـ الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين 2/378. محمد حجي.
[9] ـ الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين1/114.
[10] ـ النظام الإداري بالمغرب 225. عبد الحميد بنشنهو.
[11] ـ خطب محمد الخامس: إعداد وزارة الإعلام، الرباط.