نقوس المهدي
كاتب
لا أحد يماري في اختلاف التحقيب السياسي عن التحقيب الأدبي في كل الحضارات، كما لا تخفى أهمية التحقيب في دراسة الأدب العربي عامة، والمغربي خاصة. ولهذا نجد الكثير من الدراسات اهتمت بقرن معين أو عهد أو حقبة، مع الإقرار باختلاف هذه المصطلحات الثلاث في الكم الزمني، فالحقبة أطول من العهد وهذا الأخير أطول من القرن[1]، "والحقبة هي بمثابة المقولة التي تكون جامعة لأجناس وأنواع عديدة لوجود خصائص مشتركة بينها؛ وهي، بهذا الجمع، تنظم الوقائع النصية والتاريخية في الذاكرة حتى لا تبقى تلك الوقائع مجرد ذرات متناثرة لا يجمع بينها جامع ولا ينظمها ناظم. وهذا التنظيم يتم ضمن كل حقبة على حدة ثم ينال الحقب جميعها لاستخلاص نواة جامعة للثقافة المغربية أو روح موجه لها"[2]، وهي بهذا الفهم لا ترتبط بكم زمني محدد، وإنما تخضع لاشتراك خصائص معينة لعدة وقائع نصية وتاريخية. وقد يتداخل مصطلح "الحقبة" مع مصطلح "العصر"، فتنحو –الحقبة- نحو الاصطباغ بصبغة سياسية، يقول سعيد علوش: "الحقبة عصر يتميز بسمات خاصة، وتغلب مذهب ما، وغالبا ما تنسب إلى وقائع سياسية، غير أدبية. وهي دائرة مغلقة على الشخصيات الأدبية والفضاءات الجغرافية وهي تتسم بفهم مدرسي سطحي للأدب. ولا يمكن تحديد حقبة بتاريخ معين، لنزوع الأحداث إلى الامتداد إلى السابق، أو اللاحق"[3]، فعدم انضباط الحقبة للزمن راجع بالأساس إلى حقيقة مفادها أن الأحداث يكون لها امتداد زمني سابق ولاحق لها، كما هو الحال بالنسبة للفكر بصفة عامة إذ يصعب تحجيمه في زمن معين.
كان هاجس التحقيب للحضارة العربية حاضرا لدى بعض الدارسين القدماء والمحدثين؛ فهذا عبد الرحمان بن خلدون(تـ808هـ) يحقب الحضارة العربية بعد انتقالها من الفرس إلى:
1.حضارة بني أمية وبني العباس.
2.حضارة الأندلس.
3.حضارة المغرب.
وبوعيه التام بتسلسل هذه الحقب، والانتقال بينها يقول:" تنتقل الحضارة من الدول السالفة إلى الدولة الخالفة، فانتقلت حضارة الفرس للعرب بني أمية وبني العباس وانتقلت حضارة بني أمية بالأندلس إلى ملوك المغرب من الموحدين وزناتة لهذا العهد"[4]. وأما جهود المحدثين فكثيرة، نشير فقط لجهود الدكتور شوقي ضيف في مصنفاته[5]، وحسن توفيق العدل في كتابه:"تاريخ الأدب"، حيث يقول:" رأينا أن نقسم الكلام على تاريخ أدب اللغة العربية إلى خمسة عصور:
1.عصر الجاهلية.
2.عصر ابتداء الإسلام.
3.عصر الدولة الأمية.
4.عصر الدولة العباسية والأندلس.
5.عصر الدول المتتابعة إلى هذا العهد"[6]
وأما عن جهود الدراسات التي تناولت تحقيب الأدب والثقافة بالغرب الإسلامي، نجد أن بعض دراسات المحدثين قد اقترح تحقيبا للحضارة المغربية، ومن ضمنهم: عبد الله كنون(تـ1989م)، فقد قسم كتابه: "النبوغ المغربي في الأدب العربي"[7] إلى حقب :
1.عصر الفتوح،
2.عصر المرابطين والموحدين،
3.عصر المرينيين وعصر السعديين وعصر العلويين.
وقسم محمد ابن تاويت التطواني (تـ1993م) كتابه:" الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى"[8] إلى حقب تختلف عن حقب كنون في اعتماد الوحدة السياسية والأيديولوجية:
1.ما قبل العصر المرابطين،
2.العهد المرابطي،
3.العهد الموحدي،
4.العهد المريني،
5.الدولة الوطاسية،
6.العهد السعدي إلى وفاة المنصور،
7.العصر العلوي قبل فرض الحماية،
8.عهد الحماية.
وهذا التحقيب الذي يرى أن كل دولة تشكل حقبة حضارية وفكرية وأدبية تبناه العديد من الدارسين العرب عامة، والمغاربة خاصة، فقد جعل محمد حجي من العصر السعدي حقبة في كتابه:"الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين"[9].
وبالمقابل، لم يكن هاجس الانضباط للتحقيب وفق النظرة السابقة حاضرا لدى علال الغازي في أطروحته لنيل الدكتوراه: "مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال القرن الثامن للهجرة"[10]، بل كان شغله الشاغل هو خدمة التراث المغربي، يقول: "إن ما وقفنا عليه من مصادر نقدية وبلاغية خاصة وعامة، يحقق مشروعية اختيار: مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال ق 8 بين النظرية والتطبيق" موضوعا لهذه الأطروحة"[11]، ويضيف مؤكدا ذلك: "دراسة ما نشأ وتطور من تراث فكري ولغوي وأدبي داخل كل إقليم محكوم بظروف لا دخل فيها لمفهومي الوحدة والإقليمية. إن الهدف هو خدمة الثوابت التي وحدتنا وتمثل قوتنا ووحدتنا العربية الإسلامية، وهو روح وهدف هذه الأطروحة"[12].
وأما محمد مفتاح فقد خصص بعض الفصول في كتابه: "التشابه والاختلاف"[13] لقضية التحقيب في الأدب المغربي مقترحا تحقيبا يعتبره جديدا، ومخالفا لما سبق، وذلك بالاستناد إلى نواة تعد الروح الناظمة له وهي:" الدعوة إلى الاتحاد للقيام بالجهاد"، ويخضع هذا التحقيب في نظره للأحداث التاريخية التي مر بها المغرب منذ الفتح الإسلامي، وخصوصا دخول الإسلام عام 62هـ وفتح طارق بن زياد الأندلس عام 92هـ، ليتلو ذلك الاستقلال السياسي للأندلس عن العدوة الدنيا، فهذه الأحداث شكلت أربع حقب:
حقبة الهيمنة: وتمتد من فتح الأندلس عام 92هـ إلى سقوطها سنة 892هـ.
حقبة التحصين: وتمتد من سقوط الأندلس إلى الانتصار في وقعة وادي المخازن (986هـ/1578م).
حقبة البعث: وتمتد من وقعة وادي المخازن إلى فرض الحماية (1330هـ/191م)
حقبة استكمال التحرير وبناء الدولة العصرية، وتمتد من فرض الحماية إلى يومنا هذا.
هكذا يبدو أن قضية التحقيب –من خلال هذه النماذج- كانت مثار جدل ومماحكة بين الدارسين، وأسالت مدادا كثير منذ القديم وإلى يومنا هذا، وقد كان المنهج التاريخي في تناول الظاهرة الأدبية من أهم عوامل الإحتفال بربط التحقيب السياسي بنظيره الأدبي.
[1]- المفاهيم معالم: نحو تأويل واقعي، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط1، البيضاء، 1999م، ص:121.
[2]- المفاهيم معالم، محمد مفتاح، ص:120-121.
[3]- معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، سعيد علوش، المكتبة الجامعية، الدار البيضاء، ص:41.
[4]- مقدمة ابن خلدون، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس خليل شحادة، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر، ط2، بيروت، 1408هـ/1988م.ص:218.
[5]- نذكر منها: في تاريخ الأدب العربي:
العصر الجاهلي، دار المعارف بمصر، ط6.
العصر الإسلامي، دار المعارف بمصر، ط5.
العصر العباسي الأول، دار المعارف بمصر، ط4.
العصر العباسي الثاني، دار المعارف يمصر، ط1.
[6]- مناهج الدراسات الأدبية في الأدب العربي: عرض ونقد واقتراح، شكري فيصل، دار العلم للملايين، ط3، بيروت، 1392هـ/1973م، ص:18.
[7]- صدر عن دار الكتاب اللبناني، ط2، بيروت، 1961م.
[8]- صدر عن دار الثقافة، الدار البيضاء، 1983م.
[9]- دار المغرب للنشر، ط1، 1386هـ.
[10]- مطبعة النجاح الجديدة، ط1، البيضاء، 1999م.
[11]- مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال القرن الثامن للهجرة، علال الغازي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة، ط1، الدار البيضاء، 1420هـ/1999م، ص:9.
[12]- مناهج النقد الأدبي، علال الغازي، ص:10.
[13]- التشابه والاختلاف: نحو منهجية شمولية، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط1، البيضاء، 1996م، ص:163-186.
د. عبد الجليل شوقي
كان هاجس التحقيب للحضارة العربية حاضرا لدى بعض الدارسين القدماء والمحدثين؛ فهذا عبد الرحمان بن خلدون(تـ808هـ) يحقب الحضارة العربية بعد انتقالها من الفرس إلى:
1.حضارة بني أمية وبني العباس.
2.حضارة الأندلس.
3.حضارة المغرب.
وبوعيه التام بتسلسل هذه الحقب، والانتقال بينها يقول:" تنتقل الحضارة من الدول السالفة إلى الدولة الخالفة، فانتقلت حضارة الفرس للعرب بني أمية وبني العباس وانتقلت حضارة بني أمية بالأندلس إلى ملوك المغرب من الموحدين وزناتة لهذا العهد"[4]. وأما جهود المحدثين فكثيرة، نشير فقط لجهود الدكتور شوقي ضيف في مصنفاته[5]، وحسن توفيق العدل في كتابه:"تاريخ الأدب"، حيث يقول:" رأينا أن نقسم الكلام على تاريخ أدب اللغة العربية إلى خمسة عصور:
1.عصر الجاهلية.
2.عصر ابتداء الإسلام.
3.عصر الدولة الأمية.
4.عصر الدولة العباسية والأندلس.
5.عصر الدول المتتابعة إلى هذا العهد"[6]
وأما عن جهود الدراسات التي تناولت تحقيب الأدب والثقافة بالغرب الإسلامي، نجد أن بعض دراسات المحدثين قد اقترح تحقيبا للحضارة المغربية، ومن ضمنهم: عبد الله كنون(تـ1989م)، فقد قسم كتابه: "النبوغ المغربي في الأدب العربي"[7] إلى حقب :
1.عصر الفتوح،
2.عصر المرابطين والموحدين،
3.عصر المرينيين وعصر السعديين وعصر العلويين.
وقسم محمد ابن تاويت التطواني (تـ1993م) كتابه:" الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى"[8] إلى حقب تختلف عن حقب كنون في اعتماد الوحدة السياسية والأيديولوجية:
1.ما قبل العصر المرابطين،
2.العهد المرابطي،
3.العهد الموحدي،
4.العهد المريني،
5.الدولة الوطاسية،
6.العهد السعدي إلى وفاة المنصور،
7.العصر العلوي قبل فرض الحماية،
8.عهد الحماية.
وهذا التحقيب الذي يرى أن كل دولة تشكل حقبة حضارية وفكرية وأدبية تبناه العديد من الدارسين العرب عامة، والمغاربة خاصة، فقد جعل محمد حجي من العصر السعدي حقبة في كتابه:"الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين"[9].
وبالمقابل، لم يكن هاجس الانضباط للتحقيب وفق النظرة السابقة حاضرا لدى علال الغازي في أطروحته لنيل الدكتوراه: "مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال القرن الثامن للهجرة"[10]، بل كان شغله الشاغل هو خدمة التراث المغربي، يقول: "إن ما وقفنا عليه من مصادر نقدية وبلاغية خاصة وعامة، يحقق مشروعية اختيار: مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال ق 8 بين النظرية والتطبيق" موضوعا لهذه الأطروحة"[11]، ويضيف مؤكدا ذلك: "دراسة ما نشأ وتطور من تراث فكري ولغوي وأدبي داخل كل إقليم محكوم بظروف لا دخل فيها لمفهومي الوحدة والإقليمية. إن الهدف هو خدمة الثوابت التي وحدتنا وتمثل قوتنا ووحدتنا العربية الإسلامية، وهو روح وهدف هذه الأطروحة"[12].
وأما محمد مفتاح فقد خصص بعض الفصول في كتابه: "التشابه والاختلاف"[13] لقضية التحقيب في الأدب المغربي مقترحا تحقيبا يعتبره جديدا، ومخالفا لما سبق، وذلك بالاستناد إلى نواة تعد الروح الناظمة له وهي:" الدعوة إلى الاتحاد للقيام بالجهاد"، ويخضع هذا التحقيب في نظره للأحداث التاريخية التي مر بها المغرب منذ الفتح الإسلامي، وخصوصا دخول الإسلام عام 62هـ وفتح طارق بن زياد الأندلس عام 92هـ، ليتلو ذلك الاستقلال السياسي للأندلس عن العدوة الدنيا، فهذه الأحداث شكلت أربع حقب:
حقبة الهيمنة: وتمتد من فتح الأندلس عام 92هـ إلى سقوطها سنة 892هـ.
حقبة التحصين: وتمتد من سقوط الأندلس إلى الانتصار في وقعة وادي المخازن (986هـ/1578م).
حقبة البعث: وتمتد من وقعة وادي المخازن إلى فرض الحماية (1330هـ/191م)
حقبة استكمال التحرير وبناء الدولة العصرية، وتمتد من فرض الحماية إلى يومنا هذا.
هكذا يبدو أن قضية التحقيب –من خلال هذه النماذج- كانت مثار جدل ومماحكة بين الدارسين، وأسالت مدادا كثير منذ القديم وإلى يومنا هذا، وقد كان المنهج التاريخي في تناول الظاهرة الأدبية من أهم عوامل الإحتفال بربط التحقيب السياسي بنظيره الأدبي.
[1]- المفاهيم معالم: نحو تأويل واقعي، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط1، البيضاء، 1999م، ص:121.
[2]- المفاهيم معالم، محمد مفتاح، ص:120-121.
[3]- معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، سعيد علوش، المكتبة الجامعية، الدار البيضاء، ص:41.
[4]- مقدمة ابن خلدون، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس خليل شحادة، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر، ط2، بيروت، 1408هـ/1988م.ص:218.
[5]- نذكر منها: في تاريخ الأدب العربي:
العصر الجاهلي، دار المعارف بمصر، ط6.
العصر الإسلامي، دار المعارف بمصر، ط5.
العصر العباسي الأول، دار المعارف بمصر، ط4.
العصر العباسي الثاني، دار المعارف يمصر، ط1.
[6]- مناهج الدراسات الأدبية في الأدب العربي: عرض ونقد واقتراح، شكري فيصل، دار العلم للملايين، ط3، بيروت، 1392هـ/1973م، ص:18.
[7]- صدر عن دار الكتاب اللبناني، ط2، بيروت، 1961م.
[8]- صدر عن دار الثقافة، الدار البيضاء، 1983م.
[9]- دار المغرب للنشر، ط1، 1386هـ.
[10]- مطبعة النجاح الجديدة، ط1، البيضاء، 1999م.
[11]- مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال القرن الثامن للهجرة، علال الغازي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة، ط1، الدار البيضاء، 1420هـ/1999م، ص:9.
[12]- مناهج النقد الأدبي، علال الغازي، ص:10.
[13]- التشابه والاختلاف: نحو منهجية شمولية، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، ط1، البيضاء، 1996م، ص:163-186.
د. عبد الجليل شوقي