نقوس المهدي
كاتب
على سبيل التقديم:
لقد وقع اختياري للحديث عن هذا الموضوع بالذات وأنا في مطار محمد الخامس انتظر السائق الذي سيصطحبني إلى فندق الإقامة في إطار مشاركتي في الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، إذ خلال زمن الانتظار و أنا أقوم بإعادة قراءة كتابي المترجم إلى اللغة الفرنسية “la colombe jaune” (تاتبيرت توراخت) والذي يحتوي على 15 عشرة حكاية امازيغية… و ما أثار انتباهي هو دور الإنسان اليهودي والذي نصادفه غالبا في نهاية القصة أو الحكاية أو عندما يجد البطل إشكالية كبيرة تحول دون الوصول إلى الحل المناسب، فيستشير اليهودي في ذلك. وفعلا فان المتصفح والمتمعن لمختلف الحكايات والقصص الامازيغية القديمة، وعند التمعن في مكونات النص الادبي الامازيغي من احداث وشخصيات وزمكان وعقدة وحل القصة، نجد مدى قوة الاستشارة المخصصة لليهودي في ايجاد الحلول الممكنة لجميع الصعوبات والعقبات التي يواجهها البطل او احد الشخصيات… فإلى أي حد يمكن القول بان الأدب الامازيغي ( من خلال الحكايات والقصص وربما حتى الالغاز و الامثال) يعترف بدهاء وذكاء الإنسان اليهودي منذ القدم؟ وهل فعلا ما يقدمه من حلول في النص االادبي له دلالة ادبية و بالتالي البحث عن التفسير الواقعي للأمر؟ أم أن الأمر مرتبط فقط بمدى إعجاب الإنسان الامازيغي بالإنسان اليهودي؟ أم أن اغلب هذه الحكايات فعلا من إنتاج الإنسان اليهودي المغربي؟
هي أسئلة كثيرة خطرت على مخيلتي وانا اقرأ هذه الحكايات، واذا ما حاولنا تحليل المشهد الأخير لكل حكاية نجد فعلا أن البطل يلجأ إلى الرجل اليهودي المتسم بالحكمة وبالرزانة وبالقول الفصيح و المتنبئ بكل التوقعات… ففي جعبة الحكيم اليهودي كل الحلول الممكنة لجل الصعوبات والعقبات التي تواجه الإنسان الامازيغي سواء منها المرتبطة بالحب او المشاكل الاجتماعية او بالسياسة وحتى المشاكل المرتبطة بعالم الغيب وبالحظ و بالمستقبل…. فكيف لنا ان نوضح هذا الاعتراف بالذكاء الخارق للإنسان اليهودي؟ ولماذا يتم اختياره كمصدر للحكمة و كمقصد لكل زعيم؟ ولماذا استشارة الملوك والأسياد وكبار رجالات القبائل والاتحاديات وكذا زعماء التكتلات المجتمعية للرجل اليهودي؟
يان: الاعتراف الضمني والصريح بالذكاء الخارق لليهودي:
و انا ابحث في هذا الموضوع، اطلعت على مجموعة من الكتابات حول اليهود بشكل عام وعلى ما كتب عليهم بشكل نقذي او صريح او في اطار التهجم عليهم كاعداء للفلسطينيين وللعرب مثلا… فوجدت ان الإشادة بما أنجزه اليهود على الأرض ليست فكرة يهودية فحسب. لقد أقر المسلمون والعرب في بعض نصوصهم بجهود اليهود . كان إبراهيم طوقان الشاعر الفلسطيني يهاجم اليهود في أشعاره[1] ، ولكنه ، في الوقت نفسه ، كان يعاير بني قومه بهم لأن اليهود يعملون فيم يقتتل أهل فلسطين على الزعامة، وعلى الرغم من أن طوقان قال: أعداؤنا ، منذ أن كانوا ، صيارفة ونحن ، منذ هبطنا الأرض، زرّاع . و أنه خاطب بني قومه :
اذهبوا في البلاد طولا وعرضا = وانظروا ما لخصمكم من جهود.
و من القصص المعروفة و التى تحكى عن أعماق الذكاء اليهودى نجد ان شابا أراد أن يدخل الديانة اليهودية فذهب الى الحاخام وقال له : أريد أن أصبح يهوديا قال الحاخام: ليس الأمر سهلا يجب أن نعرف أولا هل تملك الذكاء اليهودى أم لا؟ سأسألك سؤالا : “يهوديان يتنزهان فوق سطح منزل يقعان فى مدخنة، الأول يخرج نظيفا و الثانى اسود يغطيه الدخان من منهما يجب ان يذهب ليغتسل؟” قال الشاب : ” اليهودى الذى غطاه الدخان.” قال الحاخام : الإجابة خطأ سينظر الذى غطاه الدخان الى زميله فيراه نظيفا فيتصور انه نظيف مثله وسينظر من لم يلوثه الدخان إلى زميله القذر فيذهب هو يغتسل.
دون أن ننسى كذلك أن المشهور عن اليهود (أعني هنا الإسرائيليين) عبر التاريخ وعبر ممر الديانات السماوية، بأن لهم ذكاء، وتفكير أعمق عن بقية البشر… فنجد مثلا ما يسمى اليوم بالذكاء التجاري و المنتسب لكبار التجار في العالم و لعمالقة الشركات المتعددة الجنسيات والتي غالبا نجدها ملكا لليهود… وهنا نتذكر أيضا قصة يوسف عليه السلام الذي ارشد عزيز مصر الفرعون لتفسير الرؤيا و لقد إستطاع النبي يوسف بما أوتي من العلم و الحكمة ان ينقذ شعب مصر من الهلاك المحتوم يقول الله عز و جل (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) فلو تأملنا كذلك كلام (يوسف عليه السلام ) لعزيز مصر أي الفرعون، “وما حصدتم فذروه في سنبله” كان عمقاً في التفكير ، لأن البذور إذا تركت في ثمارها لايصيبها التلف. ثم أنه عندما كان الإسرائيليون في مصر قبل العبور إلى الأرض المقدسة (فلسطين)، كانوا أفطن من المصريين، إذ كان فيهم : (قارون) أغنى أغنياء العالم في ذاك الزمان، وكان فيهم (هامان) أذكى من كل إنسان عاصره…
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن اغلب الاختراعات التي عرفتها البشرية وحسب علمي، كان وراءها اليهود وبالتالي نجد على سبيل الذكر: الجاذبية : إسحاق نيوتن، التلسكوب : جاليلو، الماكينة البخارية : جورج استيفن سن، الراديو والتلفون : ماركوني، الطباعة : يوحنا جوتنبرج الألماني، الفلك والنسبية : البرت إنشتاين، مخترع المفاعل النووي ليو زيلاند، مخترع الألياف الضوئية بيتر شولتز، مخترع إشارات المرور الضوئية تشارلز أدلر، مخترع حبوب منع الحمل جريجوري بيكوس… ومن ألمع أسماء التاريخ الحديث نجد: سيجموند فرويد، كارل ماركس، بول سامويلسون، و ميلتون فرايدمان…الخ
لكن الأمر قد يكون فيه اختلاف كبير جدا حول مدى صحة ان اليهود اذكياء جدا والبحث عن السبب قد يجعل الامر اكثر تعقيدا…. وليس العيب أن نختلف في مناقشة مثل هذا الموضوع والذي فعلا اثار انتباهي من خلال تحليل جل الحكايات الامازيغية والتي اعرفها، وكذا الاطلاع على المكانة التي يحتلها اليهودي في الثقافة الاجتماعية والاقتصادية في العصر الحاضر … وهذا ما جعلني ايضا أشير الى ان السبب في ذلك كله يعود ربما وفي اعتقادي الى ما يسمى بالذكاء الجماعي وبالتضامن الجمعي بتعبير دوركهايم، الذي يتمتع به اليهود من خلال اولا تعاونهم و تضامنهم فيما بينهم وبشكل مستمر. ثم أيضا كثرة خوفهم على حياتهم وعلى مصالحهم وايمانهم بقوة الاقتصاد. وفعلا يمكن القول بان الشخص الذي يتسم بالخوف على نفسه وعلى حياته وكذا الذي يؤمن بضرورة الجماعة و تحقيق القيادة تجعله يتسابق نحو الظفر بالمراكز الأولى وبالتالي العمل جاهدا على تحقيق ذلك. وهذا ما يفسر ايضا ان الرجل اليهودي ومن خلال الرويات الشفوية نجده يشكل مصدر الحكمة و المصدر المادي (القروض) عند القبائل عبر التاريخ الامازيغي…
سين : حكاية “سيدي حمو د وداي” Sidi Hmmu d Wuday“ و رمز الذكاء الخارق:
شعور الإنسان اليهودي بالتفوق والذكاء ينعكس، بدوره، على نظرتهم إلى الشعوب الأخرى، اذ يحتقر اليهودي الذكي الآخرين ويرى فيهم أغبياء غالباً. فغباء الآخرين هو ما يبرز ذكاء اليهودي وتميزه، وحين يلاقي اليهود الذكي ذكياً من غير اليهود فإنه لا يستطيع إنجاز ما يطمح إليه. وهذا ما تحكيه هذه القصة التي تشكل بمثابة صراع بين الرجل المسلم الامازيغي “سيدي حمو” والرجل اليهودي. حيث يظهر من خلال أحداث الحكاية أن سيدي حمو (المسلم) وأداي (اليهودي) في تحد حقيقي بينهما من اجل ابراز القدرات العقلية ومهارات الذكاء… وذلك بشكل مباشر ومقابل الظفر بكنز ثمين “تزواط”، اذ خلال جميع الأحداث الكثيرة التي تصب كلها في مدى دهاء و ذكاء كل من احدهما، فقد ظهر في نهاية المطاف وحسب الحكاية بان المسلم الامازيغي سيدي حمو قد تمكن من الفوز على اليهودي بفضل مناوراته وحيله، لكنه قد عان كثيرا من مكائد الرجل اليهودي… لكن الى أي حد فعلا تمكن سيدي حمو التغلب على اليهودي؟ اليس الأمر فقط مرتبط باديولوجية الاخراج؟ أي اننا قد نجد هذه الحكاية بنهاية أخرى؟ (احداث الزربية والبغلة…)
لكن الذي يهمنا ونحن بصدد الإشارة إلى الذكاء اليهودي من خلال الحكايات الامازيغية هو ذلك الاعتراف القوي والمهم لمدى ذكاء وشطارة الإنسان اليهودي، اذ ضمنيا وكيفما كانت نهاية هذه الحكاية الامازيغية ولو بفوز سيدي حمو فعلا على اليهودي فإننا نلمس قوة التفكير عند اليهود وبالتالي إمكانية استخدام العقل والحيل قصد تحقيق الهدف المنشود، اذ بفضل ذلك يستطيع اليهودي فرض نفسه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا… كمصدر للمعرفة و لسلطة الكلمة. كما أن اليهودي دائما وحسب هذه الحكايات فهو تجده المصدر الكبير للرأسمال المادي وبالتالي كما نعرف أيضا من خلال الذاكرة الشفوية في مختلف الدواوير و في المراكز الاجتماعية الخاصة بهم أي “الملاح” والتي ظهرت إبان حكم الدولة المرينية، وبالضبط مع السلطان أبي يوسف المريني في القرن الثالث عشر، باعتباره كان أول من أمر بإنشاء حي خاص باليهود بطلب من يهود فاس(الاجتماع في المكان الواحد دلالة كبيرة وعميقة للتكتل و التعاون التي اعتبرناها مصدرا مهما لإنماء الذكاء عند اليهود). وهنا نشير عرضا إلى أن اليهود كانوا مكلفين من طرف المخزن المغربي بتمليح رؤوس المجرمين وقادة القلاقل والقيام بتعليقها على الأبواب الرئيسة للمدن، وهي إحدى الروايات الشفوية المفسرة لإطلاق اسم «ملاح» على أحيائهم[2].
سين : حكايات “تاتبيرت توراخت Tatbirt Tawraxt ” وحضور الذكاء اليهودي:
من المعروف جدا أن الحكاية الشعبية الامازيغية عبارة عن جنس أدبي نثري قد يكون قصير الحجم أو طويلا. وقد عرفت كذلك الانتقال من المرحلة الشفوية إلى مرحلة الكتابة والتدوين والتقعيد جمعا ودراسة لكن ليس بالشكل الكبير. وتعد أيضا بمثابة مغامرات خيالية تقوم بها كائنات بشرية أو حيوانية او خيالية أو في عوالم واقعية وخارقة وغيبية، والغرض منها الإمتاع والتسلية والترفيه، دون أن ننسى وظائفها التعليمية والتربوية والفكرية والفلسفية؛ لأنها عبارة عن دروس في الحياة والأخلاق وغرس القيم. وتتميز الحكاية عامة بشكل من الأشكال عن الأسطورة والخرافة، وتسمى كل حكاية شفوية عند المؤرخين والإثنوغرافيين بالحكاية الشعبية، لأنها ترتبط بمخيال الشعب إبداعا وخلقا وسردا… و تشير اغلب الحكايات الامازيغية التي اطلعت عليها الى تلك الاستشارة التي يقوم بها البطل او بعض الشخصيات، اذ نجد مثلا من خلال كتابي “تاتبيرت توراخت” أن الشخص اليهودي له دور كبير في تغيير مجرى الأحداث وبالتالي فهو يمثل ذلك الحل الذي يلجأ اليه البطل او الرجل الحاكم او الرجل السياسي وكبار القبائل خلال مواجهتهم لصعوبات ترتبط اساسا بعجز العقل عن التفكير امام عراقيل تحول دون الوصول الى الهدف المرغوب…
ففي حكاية “تاتبيرت توراخت” التي انتشرت في منطقة الجنوب الشرقي للمغرب ، وهي التي تشبه كذلك حكاية ” حمو انامير ” في منطقة سوس… نجد ان رجل “الحمامة الصفراء وعاشقها” عندما عاد بمحبوبته(تاتبيرت) من سبع سموات بفضل اييدر”العقاب او النسر” وقع في فخ اذ لم يستطيع اهله بفكه الا باستشارة الرجل اليهودي الذي اقترح عليهم اعداد فخ بفضل العسل المختلط بصوف المعز في المكان الذي ينزل فيه الطائر وهنا يقول النص: [3]
(…yaliy ugdiäé ikk igenna, manik anwas isella-yas yan g ayt vurs, aven lpil allig ssen didda g ittrus , ddun s vur wuday [4] seqsan-t nnan-as : “mayd neskar I yan ugdiäé yusyav argaz, ar d ittrus afella n tgemmi?” inna-yasen wuday : « ddu amsat tamimt d yinzaän i dinnav g ittrus qenna at-t-tamzem . »)
أما في حكاية فاطمة التي فقدت اخوتها السبعة”Faäma mjel ayt mas ” فقد طلبت من الرجل اليهودي مساعدتها خلال الرحيل لانها بقيت بوحدها بعدما رحل اهل القرية عليها و خوفا من السبع الذي قدم اليهم…هذا اليهودي الذي لجأت اليه لمساعدتها ، لم يكم بالفعل اليهودي لكن هو الاسد الذي تقمص صورة الرجل اليهودي التاجر والذي يجوب مختلف الدواوير بدابته. اذ يقول النص :
Lligh g kullu rpln wadjaren , tasiy at-trepl awd nettat ; ur vurs illi xs yat tfunast tenna-yas I wuday : “oawni ad rplv .” da tsektar ard oalayn iqs-as tafunast tger-as s rpil ; aynnagh allig tupl , tenna-yas : “sber ad annaygh mayd rapn wadjaren?”inna-yas : “qan ad –I- trult .”tenna-yas : “gi taccert .” Teddu ar äart yat turirt teg taccert I yat tmirit ar treggwel allig ten-I-tessukel …
وفي حكاية الجوهرة الصغيرة “Juhra Mzziyn ” شكل الرجل اليهودي مصدر اغاثة الجوهرة الصغيرة اذ قام باخفائها فوق دابته في الوقت الذي بدأ اهل قرية زوجها يبحثون عنها لاحراقها ومعاقبتها جراء ذنب ارتكبته …لكنها بعد نجاتها من هذه المشكلة والتحاقها ببيت ابيها، تذكرت انها نسيت دملجا المفضل… فعادات الى القرية ذاتها لتأخذا دملجها الذي نسيته ، لكنها جاءت في صورة رجل مما جعل زوجها يشك فيها وبالتالي يلجأ الى الرجل اليهودي ليستفسره عن تصرفات ضيفه الرجل والذي يشك في نيته وافعاله المتسمة بنكهة الانوثة… اذ يقول النص:
Sbapé tffev d Juhra taf d itsen leqqum tenna-yasen : “leqqum inu mayd akw kkan medden?” nnan-as : “ddan ad zdemn ikccuän afad ssekmän Juhra mezzin.” Safi trul , ar teddu allig tufa uday ipriy avyul nnes, toawd-as kullu mayd as-ijËan , iger-tt wuday s acwari ; lliv g d irapn ayt teqbilt nnan-as :” uday ur tannayt yat temÏÏut at-tezriy da?” inna-yasen : “ur zriv amya xs kra annayxt ikka afella n tizi inn rrek!rrek!”
lliv g nn trapé vur bbans tektiy d is nn tettu azbey nnes . safi tenna-yas I bbans : “azbey inu ttuxt inn , ixssa ad I-teskert yat tagmart isawaln adduv at-t id awiv .” isev-as bbans tagmart isawaln teddu tessiwy iyverman , ar teddu allig nn tensa vur walliv, teg nn zund argaz , tenna-yas : “hat tuzn id Juhra mezzin s azbey nnes.” Safi iddu s vur wuday inna-yas : “uday , idda d yan lxelq s vuri tuzent id Juhra mezzin walaynni ckkav id tamÏÏut ayt-tga.”
Inna-yas wuday : “awi-t s urti, teddut ar imi tinit-as hat ttuv nn tasarut, adduv at-ts d awiv , luqnna di tavult mkid tamÏÏut hat qa ts ddi taft g imi n teflut, mkid argaz hat qa d ivley ur inni ad zark iqqel taft-t inn hat qenna ad ikks tarmmant t-tezrurt n waäil; mkid tamÏÏut qa d tcehermumc : kan lfeããa, kan lkurneb…” toawd-as tegmart kullu mayd illan, safi tesker ayddav, lliv g d yaghul urgaz inna-as : “ sidi flan tevlit mi? ”inna-as : “ mav nga tiwtmin! ”inna-yas : “awey aflan han tazart han lxir.” inna-yas : “ baraka aäil d remman, is nga tiwtmin.” …
وفي حكاية “رضل و نص رضل” Räl d nã Räl”، الاخوة الذين اتخذوا السرقة كحرفة عن ابيهم وقرروا سرقة خزين الملك عن طريق احداث نفق تحت الارض، وفعلا تمكنوا من هدفهم. هذا ما جعل الملك يستغيث بالمستشار اليهودي لفك لغز سرقته… ومن خلال جميع احداث هذه الحكاية التي حاولت ابراز ذلك الصراع بين ذكاء الاخوة اللصوص و ذكاء الرجل اليهودي، يظهر انه كلما حاول الملك التقرب من معرفة اللصوص، حاولوا ابداع خطة تمكنهم من عدم كشفهم من طرف الملك، رغم حيل المستشار اليهودي…وهكذا نجد في النص كمقتتطف:
Agllid, ar ittroab, han aydda nns idda, han tisura ur llint vur awd yan, tkcm as aglf ur issin mayd ijran… iddu s vur wuday at t icawr xf lmjriyt, inna yas: “ addu d a yuday hat idda yi uyddanw, ur ssinv mayd i yukrn ? » ; inäu d wuday inna yas : « dduk tqqnt kullu mayd akk igan talkiwt g tvrmtt, tssivt afa n ilammn agnsu ard yili wagÅu, trart lban, han agÅu qa dd ibayn dinna g d ikcm umyikr. »
أما في حكاية “فاطمة الغزالة” Faäma Tamlalt والتي كانت ضحية اكدوبة لفقيه الدوار الذي تحرش عليها، وقت سفر الأب وابنه الى الحج ، اذ وضع الاب ابنته فاطمة الجميلة (الغزالة) كامانة في عنق الفقيه حتى يعود من مناسكه. لكن نوايا الخيانة جعلت فاطمة تقاوم حتى عاد الأب والذي استقبل بقصة كاذبة عن ابنته من تأليف الفقيه والتي تخبره بانها قد وقعت في الفساد مع غرباء… وهذا ما جعل الأب يأمر ابنه لكي يأخذ أخته الى الغابة ودبحها تفاديا للعار وجعل نهاية لقصة ابنته الفاسدة في نظره. لكن رأفة الاخوة وبطلب من فاطمة لم يتمكن اخوها من قتلها بل تركها في الغابة وامرها بعدم الرجوع الى القبيلة. هذا ما جعلها تعيش وسط الغابة الى ان انسجمت مع قطيع من الغزلان…وذات يوم والملك يقوم برحلة صيد واذ يفاجئ بذلك الحيوان الغريب وسط قطيع الغزلان، فاستشار اليهودي لكي يمكنه من الحصول عليه والتمكن منه… واستمرت احداث الحكاية حول فك لغز فاطمة التي اصبحت مثل الغزال لا تتحدث و تأقلمت مع الوضع الجديد، حيث يلجأ الملك الى المستشار اليهودي لكي يفسر له كل خطوة تمكنه من حل الغاز اكتشفها مع فاطمة وخصوصا عندما وقع الملك في حبها وتزوج بها وانجبت له طفلا…ويقول النص :
Iddu d Anir, inna yas: “ iwa a utma, han bba yuzn id adam vrsv.” Tnna yas: “ mapdd inna yakt bba, waxxa, walaynni ttrv ak ad I tatjt ad ççalv zwar.” Yasid tajnwiyt, da ittddu ard yiri walaynni ur iviy, allig iwpll, imun its s lxla, yav lpill allig ivrs I yat tmlalt, irçm as I utmas inna yas : “ ddu a utma irçm am rbbi…” yawy as d I bbans idammn n tmlalt, isutn urgaz, iddu s tgmmi nns, isrs lhmm…
Tddu faäma ar tmun t tmlalin g lxla allig tt nmyarnt… yan wass annayn tt ingmarn n ugllid ar ttroabn g lmxluqt nnav itmun t tmlalin, zund bnadm, walaynni urs a sidi.”
Iddu ugllid s vur wuday ioawd as lmjriyt ittr as ad as yini tanurçimt nns; inna yas wuday : “ skrat snat tzlafin n uxdmi, yat imssusn d yat mi tlla tisnt, mkidd bnadm hat qad itc g tnna mi tlla tisnt yiçiy tamçm t, ig idd kra aänin hat qad itc g tnna imssusn.”
على سبيل الختم:
وختاما سيبقى هذا الموضوع مثيرا للجدل والنقاش، لكونه في نظرنا امرا فرض نفسه وخصوصا في الادب الشفوي الامازيغي. و اتمنى ان ينال حظا من البحث والنبش وذلك في اطار التعدد الثقافي الذي يتمتع به الشعب المغربي وان يتم النظر اليه من زاوية ثقافية محضة… ولأن الثقافة والحضارة المغربية بشكل عام والامازيغية بشكل خاص تعترف بالمكون اليهودي من خلال ذكائه الخارق للعادة في مختلف المجالات وكذلك من خلال الرأسمال المادي الذي يتمتع به وسط المجتمع مما جعله أيضا يتمتع بالذكاء التجاري. دون ان ننسى بان الإنسان الامازيغي المغربي يعترف من خلال ادبه الشفوي ان لليهود مكانة مهمة في المجتمع وبالتالي يبقى مصدرا للثقة ومصدرا للاستشارة بل مصدرا مهما للمعرفة و ما مختلف الحرف المهنية التي مازالت في مختلف المداشير والدواوير يعود الفضل فيها للرجل اليهودي من حدادة و صناعة الفضة والنحاس وتجارة … فإلى أي حد يمكن القول بان ما تجسده النصوص الأدبية الامازيغية من حكايات وقصص وكذا الروايات والامثال والألغاز ، من مكانة للشخصية اليهودية ولدورها في ابراز و تغيير الأحداث… هو بمثابة اعتراف و تقدير للدور الاجتماعي والاقتصادي الذي تشكله هذه الشريحة الاجتماعية في الحياة اليومية للإنسان الامازيغي بشمال افريقيا ؟ و كيف يمكن لنا القيام بإعادة قراءة هذه الانتاجات الشفوية والتي عرفت انتشارا واسعا في أوساط المجتمعات الامازيغية من اجل التوصل الى تفسيرات فكرية قد تشكل اجوبة عديدة لمختلف الإشكالات المطروحة حول علاقة الإنسان الامازيغي بالإنسان اليهودي بغض النظر عن الانتماء الديني والاديولوجي واستحضار للمشترك الثقافي والإنساني والقيمي؟
[1] غسان كنفاني ، الآثار الكاملة : القصص القصيرة ، بيروت ، 1987 . ط3 ، ص641 .
[2] صفحات سرية من تاريخ يهود آسفي، المهدِي الكراوِي جريدة المساء بتاريخ 14/11/ 2011
لقد وقع اختياري للحديث عن هذا الموضوع بالذات وأنا في مطار محمد الخامس انتظر السائق الذي سيصطحبني إلى فندق الإقامة في إطار مشاركتي في الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، إذ خلال زمن الانتظار و أنا أقوم بإعادة قراءة كتابي المترجم إلى اللغة الفرنسية “la colombe jaune” (تاتبيرت توراخت) والذي يحتوي على 15 عشرة حكاية امازيغية… و ما أثار انتباهي هو دور الإنسان اليهودي والذي نصادفه غالبا في نهاية القصة أو الحكاية أو عندما يجد البطل إشكالية كبيرة تحول دون الوصول إلى الحل المناسب، فيستشير اليهودي في ذلك. وفعلا فان المتصفح والمتمعن لمختلف الحكايات والقصص الامازيغية القديمة، وعند التمعن في مكونات النص الادبي الامازيغي من احداث وشخصيات وزمكان وعقدة وحل القصة، نجد مدى قوة الاستشارة المخصصة لليهودي في ايجاد الحلول الممكنة لجميع الصعوبات والعقبات التي يواجهها البطل او احد الشخصيات… فإلى أي حد يمكن القول بان الأدب الامازيغي ( من خلال الحكايات والقصص وربما حتى الالغاز و الامثال) يعترف بدهاء وذكاء الإنسان اليهودي منذ القدم؟ وهل فعلا ما يقدمه من حلول في النص االادبي له دلالة ادبية و بالتالي البحث عن التفسير الواقعي للأمر؟ أم أن الأمر مرتبط فقط بمدى إعجاب الإنسان الامازيغي بالإنسان اليهودي؟ أم أن اغلب هذه الحكايات فعلا من إنتاج الإنسان اليهودي المغربي؟
هي أسئلة كثيرة خطرت على مخيلتي وانا اقرأ هذه الحكايات، واذا ما حاولنا تحليل المشهد الأخير لكل حكاية نجد فعلا أن البطل يلجأ إلى الرجل اليهودي المتسم بالحكمة وبالرزانة وبالقول الفصيح و المتنبئ بكل التوقعات… ففي جعبة الحكيم اليهودي كل الحلول الممكنة لجل الصعوبات والعقبات التي تواجه الإنسان الامازيغي سواء منها المرتبطة بالحب او المشاكل الاجتماعية او بالسياسة وحتى المشاكل المرتبطة بعالم الغيب وبالحظ و بالمستقبل…. فكيف لنا ان نوضح هذا الاعتراف بالذكاء الخارق للإنسان اليهودي؟ ولماذا يتم اختياره كمصدر للحكمة و كمقصد لكل زعيم؟ ولماذا استشارة الملوك والأسياد وكبار رجالات القبائل والاتحاديات وكذا زعماء التكتلات المجتمعية للرجل اليهودي؟
يان: الاعتراف الضمني والصريح بالذكاء الخارق لليهودي:
و انا ابحث في هذا الموضوع، اطلعت على مجموعة من الكتابات حول اليهود بشكل عام وعلى ما كتب عليهم بشكل نقذي او صريح او في اطار التهجم عليهم كاعداء للفلسطينيين وللعرب مثلا… فوجدت ان الإشادة بما أنجزه اليهود على الأرض ليست فكرة يهودية فحسب. لقد أقر المسلمون والعرب في بعض نصوصهم بجهود اليهود . كان إبراهيم طوقان الشاعر الفلسطيني يهاجم اليهود في أشعاره[1] ، ولكنه ، في الوقت نفسه ، كان يعاير بني قومه بهم لأن اليهود يعملون فيم يقتتل أهل فلسطين على الزعامة، وعلى الرغم من أن طوقان قال: أعداؤنا ، منذ أن كانوا ، صيارفة ونحن ، منذ هبطنا الأرض، زرّاع . و أنه خاطب بني قومه :
اذهبوا في البلاد طولا وعرضا = وانظروا ما لخصمكم من جهود.
و من القصص المعروفة و التى تحكى عن أعماق الذكاء اليهودى نجد ان شابا أراد أن يدخل الديانة اليهودية فذهب الى الحاخام وقال له : أريد أن أصبح يهوديا قال الحاخام: ليس الأمر سهلا يجب أن نعرف أولا هل تملك الذكاء اليهودى أم لا؟ سأسألك سؤالا : “يهوديان يتنزهان فوق سطح منزل يقعان فى مدخنة، الأول يخرج نظيفا و الثانى اسود يغطيه الدخان من منهما يجب ان يذهب ليغتسل؟” قال الشاب : ” اليهودى الذى غطاه الدخان.” قال الحاخام : الإجابة خطأ سينظر الذى غطاه الدخان الى زميله فيراه نظيفا فيتصور انه نظيف مثله وسينظر من لم يلوثه الدخان إلى زميله القذر فيذهب هو يغتسل.
دون أن ننسى كذلك أن المشهور عن اليهود (أعني هنا الإسرائيليين) عبر التاريخ وعبر ممر الديانات السماوية، بأن لهم ذكاء، وتفكير أعمق عن بقية البشر… فنجد مثلا ما يسمى اليوم بالذكاء التجاري و المنتسب لكبار التجار في العالم و لعمالقة الشركات المتعددة الجنسيات والتي غالبا نجدها ملكا لليهود… وهنا نتذكر أيضا قصة يوسف عليه السلام الذي ارشد عزيز مصر الفرعون لتفسير الرؤيا و لقد إستطاع النبي يوسف بما أوتي من العلم و الحكمة ان ينقذ شعب مصر من الهلاك المحتوم يقول الله عز و جل (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) فلو تأملنا كذلك كلام (يوسف عليه السلام ) لعزيز مصر أي الفرعون، “وما حصدتم فذروه في سنبله” كان عمقاً في التفكير ، لأن البذور إذا تركت في ثمارها لايصيبها التلف. ثم أنه عندما كان الإسرائيليون في مصر قبل العبور إلى الأرض المقدسة (فلسطين)، كانوا أفطن من المصريين، إذ كان فيهم : (قارون) أغنى أغنياء العالم في ذاك الزمان، وكان فيهم (هامان) أذكى من كل إنسان عاصره…
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن اغلب الاختراعات التي عرفتها البشرية وحسب علمي، كان وراءها اليهود وبالتالي نجد على سبيل الذكر: الجاذبية : إسحاق نيوتن، التلسكوب : جاليلو، الماكينة البخارية : جورج استيفن سن، الراديو والتلفون : ماركوني، الطباعة : يوحنا جوتنبرج الألماني، الفلك والنسبية : البرت إنشتاين، مخترع المفاعل النووي ليو زيلاند، مخترع الألياف الضوئية بيتر شولتز، مخترع إشارات المرور الضوئية تشارلز أدلر، مخترع حبوب منع الحمل جريجوري بيكوس… ومن ألمع أسماء التاريخ الحديث نجد: سيجموند فرويد، كارل ماركس، بول سامويلسون، و ميلتون فرايدمان…الخ
لكن الأمر قد يكون فيه اختلاف كبير جدا حول مدى صحة ان اليهود اذكياء جدا والبحث عن السبب قد يجعل الامر اكثر تعقيدا…. وليس العيب أن نختلف في مناقشة مثل هذا الموضوع والذي فعلا اثار انتباهي من خلال تحليل جل الحكايات الامازيغية والتي اعرفها، وكذا الاطلاع على المكانة التي يحتلها اليهودي في الثقافة الاجتماعية والاقتصادية في العصر الحاضر … وهذا ما جعلني ايضا أشير الى ان السبب في ذلك كله يعود ربما وفي اعتقادي الى ما يسمى بالذكاء الجماعي وبالتضامن الجمعي بتعبير دوركهايم، الذي يتمتع به اليهود من خلال اولا تعاونهم و تضامنهم فيما بينهم وبشكل مستمر. ثم أيضا كثرة خوفهم على حياتهم وعلى مصالحهم وايمانهم بقوة الاقتصاد. وفعلا يمكن القول بان الشخص الذي يتسم بالخوف على نفسه وعلى حياته وكذا الذي يؤمن بضرورة الجماعة و تحقيق القيادة تجعله يتسابق نحو الظفر بالمراكز الأولى وبالتالي العمل جاهدا على تحقيق ذلك. وهذا ما يفسر ايضا ان الرجل اليهودي ومن خلال الرويات الشفوية نجده يشكل مصدر الحكمة و المصدر المادي (القروض) عند القبائل عبر التاريخ الامازيغي…
سين : حكاية “سيدي حمو د وداي” Sidi Hmmu d Wuday“ و رمز الذكاء الخارق:
شعور الإنسان اليهودي بالتفوق والذكاء ينعكس، بدوره، على نظرتهم إلى الشعوب الأخرى، اذ يحتقر اليهودي الذكي الآخرين ويرى فيهم أغبياء غالباً. فغباء الآخرين هو ما يبرز ذكاء اليهودي وتميزه، وحين يلاقي اليهود الذكي ذكياً من غير اليهود فإنه لا يستطيع إنجاز ما يطمح إليه. وهذا ما تحكيه هذه القصة التي تشكل بمثابة صراع بين الرجل المسلم الامازيغي “سيدي حمو” والرجل اليهودي. حيث يظهر من خلال أحداث الحكاية أن سيدي حمو (المسلم) وأداي (اليهودي) في تحد حقيقي بينهما من اجل ابراز القدرات العقلية ومهارات الذكاء… وذلك بشكل مباشر ومقابل الظفر بكنز ثمين “تزواط”، اذ خلال جميع الأحداث الكثيرة التي تصب كلها في مدى دهاء و ذكاء كل من احدهما، فقد ظهر في نهاية المطاف وحسب الحكاية بان المسلم الامازيغي سيدي حمو قد تمكن من الفوز على اليهودي بفضل مناوراته وحيله، لكنه قد عان كثيرا من مكائد الرجل اليهودي… لكن الى أي حد فعلا تمكن سيدي حمو التغلب على اليهودي؟ اليس الأمر فقط مرتبط باديولوجية الاخراج؟ أي اننا قد نجد هذه الحكاية بنهاية أخرى؟ (احداث الزربية والبغلة…)
لكن الذي يهمنا ونحن بصدد الإشارة إلى الذكاء اليهودي من خلال الحكايات الامازيغية هو ذلك الاعتراف القوي والمهم لمدى ذكاء وشطارة الإنسان اليهودي، اذ ضمنيا وكيفما كانت نهاية هذه الحكاية الامازيغية ولو بفوز سيدي حمو فعلا على اليهودي فإننا نلمس قوة التفكير عند اليهود وبالتالي إمكانية استخدام العقل والحيل قصد تحقيق الهدف المنشود، اذ بفضل ذلك يستطيع اليهودي فرض نفسه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا… كمصدر للمعرفة و لسلطة الكلمة. كما أن اليهودي دائما وحسب هذه الحكايات فهو تجده المصدر الكبير للرأسمال المادي وبالتالي كما نعرف أيضا من خلال الذاكرة الشفوية في مختلف الدواوير و في المراكز الاجتماعية الخاصة بهم أي “الملاح” والتي ظهرت إبان حكم الدولة المرينية، وبالضبط مع السلطان أبي يوسف المريني في القرن الثالث عشر، باعتباره كان أول من أمر بإنشاء حي خاص باليهود بطلب من يهود فاس(الاجتماع في المكان الواحد دلالة كبيرة وعميقة للتكتل و التعاون التي اعتبرناها مصدرا مهما لإنماء الذكاء عند اليهود). وهنا نشير عرضا إلى أن اليهود كانوا مكلفين من طرف المخزن المغربي بتمليح رؤوس المجرمين وقادة القلاقل والقيام بتعليقها على الأبواب الرئيسة للمدن، وهي إحدى الروايات الشفوية المفسرة لإطلاق اسم «ملاح» على أحيائهم[2].
سين : حكايات “تاتبيرت توراخت Tatbirt Tawraxt ” وحضور الذكاء اليهودي:
من المعروف جدا أن الحكاية الشعبية الامازيغية عبارة عن جنس أدبي نثري قد يكون قصير الحجم أو طويلا. وقد عرفت كذلك الانتقال من المرحلة الشفوية إلى مرحلة الكتابة والتدوين والتقعيد جمعا ودراسة لكن ليس بالشكل الكبير. وتعد أيضا بمثابة مغامرات خيالية تقوم بها كائنات بشرية أو حيوانية او خيالية أو في عوالم واقعية وخارقة وغيبية، والغرض منها الإمتاع والتسلية والترفيه، دون أن ننسى وظائفها التعليمية والتربوية والفكرية والفلسفية؛ لأنها عبارة عن دروس في الحياة والأخلاق وغرس القيم. وتتميز الحكاية عامة بشكل من الأشكال عن الأسطورة والخرافة، وتسمى كل حكاية شفوية عند المؤرخين والإثنوغرافيين بالحكاية الشعبية، لأنها ترتبط بمخيال الشعب إبداعا وخلقا وسردا… و تشير اغلب الحكايات الامازيغية التي اطلعت عليها الى تلك الاستشارة التي يقوم بها البطل او بعض الشخصيات، اذ نجد مثلا من خلال كتابي “تاتبيرت توراخت” أن الشخص اليهودي له دور كبير في تغيير مجرى الأحداث وبالتالي فهو يمثل ذلك الحل الذي يلجأ اليه البطل او الرجل الحاكم او الرجل السياسي وكبار القبائل خلال مواجهتهم لصعوبات ترتبط اساسا بعجز العقل عن التفكير امام عراقيل تحول دون الوصول الى الهدف المرغوب…
ففي حكاية “تاتبيرت توراخت” التي انتشرت في منطقة الجنوب الشرقي للمغرب ، وهي التي تشبه كذلك حكاية ” حمو انامير ” في منطقة سوس… نجد ان رجل “الحمامة الصفراء وعاشقها” عندما عاد بمحبوبته(تاتبيرت) من سبع سموات بفضل اييدر”العقاب او النسر” وقع في فخ اذ لم يستطيع اهله بفكه الا باستشارة الرجل اليهودي الذي اقترح عليهم اعداد فخ بفضل العسل المختلط بصوف المعز في المكان الذي ينزل فيه الطائر وهنا يقول النص: [3]
(…yaliy ugdiäé ikk igenna, manik anwas isella-yas yan g ayt vurs, aven lpil allig ssen didda g ittrus , ddun s vur wuday [4] seqsan-t nnan-as : “mayd neskar I yan ugdiäé yusyav argaz, ar d ittrus afella n tgemmi?” inna-yasen wuday : « ddu amsat tamimt d yinzaän i dinnav g ittrus qenna at-t-tamzem . »)
أما في حكاية فاطمة التي فقدت اخوتها السبعة”Faäma mjel ayt mas ” فقد طلبت من الرجل اليهودي مساعدتها خلال الرحيل لانها بقيت بوحدها بعدما رحل اهل القرية عليها و خوفا من السبع الذي قدم اليهم…هذا اليهودي الذي لجأت اليه لمساعدتها ، لم يكم بالفعل اليهودي لكن هو الاسد الذي تقمص صورة الرجل اليهودي التاجر والذي يجوب مختلف الدواوير بدابته. اذ يقول النص :
Lligh g kullu rpln wadjaren , tasiy at-trepl awd nettat ; ur vurs illi xs yat tfunast tenna-yas I wuday : “oawni ad rplv .” da tsektar ard oalayn iqs-as tafunast tger-as s rpil ; aynnagh allig tupl , tenna-yas : “sber ad annaygh mayd rapn wadjaren?”inna-yas : “qan ad –I- trult .”tenna-yas : “gi taccert .” Teddu ar äart yat turirt teg taccert I yat tmirit ar treggwel allig ten-I-tessukel …
وفي حكاية الجوهرة الصغيرة “Juhra Mzziyn ” شكل الرجل اليهودي مصدر اغاثة الجوهرة الصغيرة اذ قام باخفائها فوق دابته في الوقت الذي بدأ اهل قرية زوجها يبحثون عنها لاحراقها ومعاقبتها جراء ذنب ارتكبته …لكنها بعد نجاتها من هذه المشكلة والتحاقها ببيت ابيها، تذكرت انها نسيت دملجا المفضل… فعادات الى القرية ذاتها لتأخذا دملجها الذي نسيته ، لكنها جاءت في صورة رجل مما جعل زوجها يشك فيها وبالتالي يلجأ الى الرجل اليهودي ليستفسره عن تصرفات ضيفه الرجل والذي يشك في نيته وافعاله المتسمة بنكهة الانوثة… اذ يقول النص:
Sbapé tffev d Juhra taf d itsen leqqum tenna-yasen : “leqqum inu mayd akw kkan medden?” nnan-as : “ddan ad zdemn ikccuän afad ssekmän Juhra mezzin.” Safi trul , ar teddu allig tufa uday ipriy avyul nnes, toawd-as kullu mayd as-ijËan , iger-tt wuday s acwari ; lliv g d irapn ayt teqbilt nnan-as :” uday ur tannayt yat temÏÏut at-tezriy da?” inna-yasen : “ur zriv amya xs kra annayxt ikka afella n tizi inn rrek!rrek!”
lliv g nn trapé vur bbans tektiy d is nn tettu azbey nnes . safi tenna-yas I bbans : “azbey inu ttuxt inn , ixssa ad I-teskert yat tagmart isawaln adduv at-t id awiv .” isev-as bbans tagmart isawaln teddu tessiwy iyverman , ar teddu allig nn tensa vur walliv, teg nn zund argaz , tenna-yas : “hat tuzn id Juhra mezzin s azbey nnes.” Safi iddu s vur wuday inna-yas : “uday , idda d yan lxelq s vuri tuzent id Juhra mezzin walaynni ckkav id tamÏÏut ayt-tga.”
Inna-yas wuday : “awi-t s urti, teddut ar imi tinit-as hat ttuv nn tasarut, adduv at-ts d awiv , luqnna di tavult mkid tamÏÏut hat qa ts ddi taft g imi n teflut, mkid argaz hat qa d ivley ur inni ad zark iqqel taft-t inn hat qenna ad ikks tarmmant t-tezrurt n waäil; mkid tamÏÏut qa d tcehermumc : kan lfeããa, kan lkurneb…” toawd-as tegmart kullu mayd illan, safi tesker ayddav, lliv g d yaghul urgaz inna-as : “ sidi flan tevlit mi? ”inna-as : “ mav nga tiwtmin! ”inna-yas : “awey aflan han tazart han lxir.” inna-yas : “ baraka aäil d remman, is nga tiwtmin.” …
وفي حكاية “رضل و نص رضل” Räl d nã Räl”، الاخوة الذين اتخذوا السرقة كحرفة عن ابيهم وقرروا سرقة خزين الملك عن طريق احداث نفق تحت الارض، وفعلا تمكنوا من هدفهم. هذا ما جعل الملك يستغيث بالمستشار اليهودي لفك لغز سرقته… ومن خلال جميع احداث هذه الحكاية التي حاولت ابراز ذلك الصراع بين ذكاء الاخوة اللصوص و ذكاء الرجل اليهودي، يظهر انه كلما حاول الملك التقرب من معرفة اللصوص، حاولوا ابداع خطة تمكنهم من عدم كشفهم من طرف الملك، رغم حيل المستشار اليهودي…وهكذا نجد في النص كمقتتطف:
Agllid, ar ittroab, han aydda nns idda, han tisura ur llint vur awd yan, tkcm as aglf ur issin mayd ijran… iddu s vur wuday at t icawr xf lmjriyt, inna yas: “ addu d a yuday hat idda yi uyddanw, ur ssinv mayd i yukrn ? » ; inäu d wuday inna yas : « dduk tqqnt kullu mayd akk igan talkiwt g tvrmtt, tssivt afa n ilammn agnsu ard yili wagÅu, trart lban, han agÅu qa dd ibayn dinna g d ikcm umyikr. »
أما في حكاية “فاطمة الغزالة” Faäma Tamlalt والتي كانت ضحية اكدوبة لفقيه الدوار الذي تحرش عليها، وقت سفر الأب وابنه الى الحج ، اذ وضع الاب ابنته فاطمة الجميلة (الغزالة) كامانة في عنق الفقيه حتى يعود من مناسكه. لكن نوايا الخيانة جعلت فاطمة تقاوم حتى عاد الأب والذي استقبل بقصة كاذبة عن ابنته من تأليف الفقيه والتي تخبره بانها قد وقعت في الفساد مع غرباء… وهذا ما جعل الأب يأمر ابنه لكي يأخذ أخته الى الغابة ودبحها تفاديا للعار وجعل نهاية لقصة ابنته الفاسدة في نظره. لكن رأفة الاخوة وبطلب من فاطمة لم يتمكن اخوها من قتلها بل تركها في الغابة وامرها بعدم الرجوع الى القبيلة. هذا ما جعلها تعيش وسط الغابة الى ان انسجمت مع قطيع من الغزلان…وذات يوم والملك يقوم برحلة صيد واذ يفاجئ بذلك الحيوان الغريب وسط قطيع الغزلان، فاستشار اليهودي لكي يمكنه من الحصول عليه والتمكن منه… واستمرت احداث الحكاية حول فك لغز فاطمة التي اصبحت مثل الغزال لا تتحدث و تأقلمت مع الوضع الجديد، حيث يلجأ الملك الى المستشار اليهودي لكي يفسر له كل خطوة تمكنه من حل الغاز اكتشفها مع فاطمة وخصوصا عندما وقع الملك في حبها وتزوج بها وانجبت له طفلا…ويقول النص :
Iddu d Anir, inna yas: “ iwa a utma, han bba yuzn id adam vrsv.” Tnna yas: “ mapdd inna yakt bba, waxxa, walaynni ttrv ak ad I tatjt ad ççalv zwar.” Yasid tajnwiyt, da ittddu ard yiri walaynni ur iviy, allig iwpll, imun its s lxla, yav lpill allig ivrs I yat tmlalt, irçm as I utmas inna yas : “ ddu a utma irçm am rbbi…” yawy as d I bbans idammn n tmlalt, isutn urgaz, iddu s tgmmi nns, isrs lhmm…
Tddu faäma ar tmun t tmlalin g lxla allig tt nmyarnt… yan wass annayn tt ingmarn n ugllid ar ttroabn g lmxluqt nnav itmun t tmlalin, zund bnadm, walaynni urs a sidi.”
Iddu ugllid s vur wuday ioawd as lmjriyt ittr as ad as yini tanurçimt nns; inna yas wuday : “ skrat snat tzlafin n uxdmi, yat imssusn d yat mi tlla tisnt, mkidd bnadm hat qad itc g tnna mi tlla tisnt yiçiy tamçm t, ig idd kra aänin hat qad itc g tnna imssusn.”
على سبيل الختم:
وختاما سيبقى هذا الموضوع مثيرا للجدل والنقاش، لكونه في نظرنا امرا فرض نفسه وخصوصا في الادب الشفوي الامازيغي. و اتمنى ان ينال حظا من البحث والنبش وذلك في اطار التعدد الثقافي الذي يتمتع به الشعب المغربي وان يتم النظر اليه من زاوية ثقافية محضة… ولأن الثقافة والحضارة المغربية بشكل عام والامازيغية بشكل خاص تعترف بالمكون اليهودي من خلال ذكائه الخارق للعادة في مختلف المجالات وكذلك من خلال الرأسمال المادي الذي يتمتع به وسط المجتمع مما جعله أيضا يتمتع بالذكاء التجاري. دون ان ننسى بان الإنسان الامازيغي المغربي يعترف من خلال ادبه الشفوي ان لليهود مكانة مهمة في المجتمع وبالتالي يبقى مصدرا للثقة ومصدرا للاستشارة بل مصدرا مهما للمعرفة و ما مختلف الحرف المهنية التي مازالت في مختلف المداشير والدواوير يعود الفضل فيها للرجل اليهودي من حدادة و صناعة الفضة والنحاس وتجارة … فإلى أي حد يمكن القول بان ما تجسده النصوص الأدبية الامازيغية من حكايات وقصص وكذا الروايات والامثال والألغاز ، من مكانة للشخصية اليهودية ولدورها في ابراز و تغيير الأحداث… هو بمثابة اعتراف و تقدير للدور الاجتماعي والاقتصادي الذي تشكله هذه الشريحة الاجتماعية في الحياة اليومية للإنسان الامازيغي بشمال افريقيا ؟ و كيف يمكن لنا القيام بإعادة قراءة هذه الانتاجات الشفوية والتي عرفت انتشارا واسعا في أوساط المجتمعات الامازيغية من اجل التوصل الى تفسيرات فكرية قد تشكل اجوبة عديدة لمختلف الإشكالات المطروحة حول علاقة الإنسان الامازيغي بالإنسان اليهودي بغض النظر عن الانتماء الديني والاديولوجي واستحضار للمشترك الثقافي والإنساني والقيمي؟
[1] غسان كنفاني ، الآثار الكاملة : القصص القصيرة ، بيروت ، 1987 . ط3 ، ص641 .
[2] صفحات سرية من تاريخ يهود آسفي، المهدِي الكراوِي جريدة المساء بتاريخ 14/11/ 2011