نقوس المهدي
كاتب
عندما يشعر المتلقي لأي نص قصصي بأنه قد نقله الى عالم خيالي مختلف عن عالمه الواقعي، ثم أعاده مرة أخرى الى عالم الواقع، فان النص القصصي هذا مكتمل البناء، وقد تضافرت عناصره في تقديم موضوعه، والانتقال هذا من الواقع الحقيقي الى الخيالي، أو ما في الخيالي من واقع متخيل، هو الحقيق بأن يولد اسئلة في ذهن المتلقي، وهذا الأمر يعود الى قدرة القاص نفسه على التعامل مع عناصر نصه الذي يكتبه.
وقد استعمل أجدادنا القدامى الرسم على الجدران لتوصيل أفكارهم ورؤاهم الى الاخرين من ابناء جلدتهم قبل ان يتوصلوا الى اللغة التي يتفاهمون بها، ان كانت تلك اللغة قد اتفق عليها بالتواضع، أو كانت وحيا منزلا كما يعتقد الكثير من رجال الدين في الديانات المسماة الابراهيمية، وقد ذهب ابن جني الى ان اللغة قد تكونت بالتواضع والقبول من المجتمع، لهذا فاللغة ظاهرة اجتماعية تحمل في طياتها تأثيرات وانعكاسات الناطقين بها.
بالتأكيد تفتقد القصة القصيرة جداً جماليات القص عندما تفقد اهم عناصرها مثل: الحوار والسرد وتفتقد الزمان والمكان تحت وطأة الوصول الى الاقتصاد و التكثيف اللغوي، غير ان القاص يستعيض عن هذا كله باللغة الشعرية، ورشاقة العبارة، فتغدو القصة القصيرة جداً كالقصيدة، او انها لوحة تشكيلية، او قطعة موسيقية بلا لغة.
إذ تلعب اللغة -اية لغة- دورا رئيسا في نقل ما يجيش في نفس الشخص من امور عامة او خاصة، وقد لعبت دورا رئيسا وبارزا في القصة، إذ كانت هي الهيكل العظمي اذا صح التشبيه للقصة بكل انواعها، كما كانت لبقية انواع الادب.
والاقتصاد الذي نعنيه في هذه الدراسة هو الوصول بالأفكار الكثيرة بقليل الكلمات، وقد عرفه الجاحظ بقوله "هو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة، ونزه عن التكلف" او وضع فكرة مراد توصيلها الى المتلقي في كلمات قليلة، وهذه العملية هي عملية ابداعية بامتياز فيما لو نجح الكاتب في ذلك.
ان الاقتصاد عملية ذهنية، والسؤال الذي يطرح هو: هل الاقتصاد مرهق للقصة القصيرة جداً؟
ان ما يجعل الاقتصاد في اللغة مرهقا لها هو ان يكون ذلك الاقتصاد قائما على اساس خاطئ، أي ان يكون مفتعلاً وقسرياً، هذا ما لا نراه عند فحص وتحليل القصة القصيرة جداً عند القاص علي السباعي في مجموعته "مدونة ارملة جندي مجهول" التي تضم "مدوَّنةُ الحرب"، و"مدوَّنةُ الحصار"، و"مدوَّنةُ الحب"، و"مدوَّنةُ التيه".
ومن الامور المهمة في هذا الجانب ولكي لا يكون الامر مفتعلا وقسريا، فأن لغة القصة القصيرة لا تستخدم في انشاء لغة القصة القصيرة جداً، أي بمعنى ان اللغتين غير متشابهتين.
فبينما نجد لغة القصة القصيرة تسرف في اغلب مستلزماتها، مثل الحوار والوصف، انظر على سبيل المثال قصص مجموعة زليخات يوسف في قصة "مريم البلقاء" وقصة "مومياء البهلول" ومجموعة "بنات الخائبات" التي تضم قصتين قصيرتين فقط، ومجموعة "ايقاعات الزمن الراقص"، حتى تكاد عنده القصة ان تكون رواية قصيرة ليس في مستلزماتها الرئيسة وانما في الاسراف اللغوي والحوار، نجد لغة القصة القصيرة جدا تبتعد عن هذا الاسراف اذا لم تكن قد اقتربت منهما، من الحوار او الوصف، وهذا يعني ان القصة القصيرة جدا تخلو منهما الا نادرا جدا، مثل قصة "ارملة" وقصة " جندي " و" دهاء " وغيرها في مجموعة " ارملة جندي. .."،إذ يأتي الحوار " قول بطل القصة " في نهاية القصة على شكل قول للبطل فقط، أي انه حوار مقطوع من الاخر، وهو يشكل الضربة النهاية لها.
ومن الجدير بالذكر ان القاص السباعي وهو يكتب قصصه القصيرة جدا يتخذ له اسلوب صاحب النكات "الطرائف"، وهو كأسلوب " اكو فد واحد " وهذا الاسلوب يوصله الى هدفه اللغوي وهو اقتصاد في اللغة، فقصصة تبدأ بعبارات تشبه عبارة " اكو فد واحد" التي يقولها صاحب النكات. ففي قصة "محارب. .! يبدأ القصة بهذه العبارة "جنديٌ بزيِ القتالِ..."، وفي قصة "سكران" يقول "جنديٌ عراقيٌ مخمورٌ..."، وفي قصة "عرس" يقول "قبيل زفافِهما..."، وفي قصة " كتوم" يقول "رجل كتوم"، وفي قصة "لماذا..؟" يقول "عجوزٌ أمريكيةٌ..."، او في قصة " ضحية" يقول "سمراءٌ مُتشِّحَةٌ بالسواد..."، وفي قصة "صوت صباغ الأحذية" يقول "صباغُ أحذيةٍ نافَ على الخمسين... " وفي قصة "غارس"
يقول "رجلٌ في عقدهِ السادس" وهكذا.
يتعدد ويتنوع الاقتصاد اللغوي عند القاص علي السباعي بين ان يكون:
- اقتصاد في اللغة بصورة عامة :
ومثال على الاقتصاد في اللغة، قصة "ثأر" خير مثال على ذلك، إذ يفعل الزمن وطيه مفعولا كبيرا في جعل هذه القصة مثال حي على اقتصاد اللغة وذلك بوجود فراغات عما حذف منها، وقصة "عازف نسي عوده"، إذ يقول: "وإذا بقذيفةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعه وهو يعزُف... تقتلٌه". وكذلك قصة "حظ عاثر"، التي تم تقليل الالفاظ "عدد الحروف" فيها مع كثرة المعاني والدلالات التي تظهرها هذه القصة، وقصة "سكران"، وقصة "معركة"، وقصة "دهاء"، وقصة "مملكة الناصرية"، وقصة "قنلص".
ووجود الفراغات، او مساحات بيضاء مثل الشعر يدفع المتلقي الى ان يفعل مخيلته لتنشط لفهم القصة هذه.
- وبين ان يكون الاقتصاد في عناصر الجملة:
كما في قصة "ارملة"، إذ يقول "زمن الحرب"، والصحيح هو "في زمن الحرب" فحذف حرف "في". وكذلك في قصة "زائر"، وقصة "تجلة ميزوبوتاميا"، إذ يقول "تستجدي" والصحيح ان يقول "وهي تستجدي"
- أو يضع القصة في سطر أو سطرين قصيرين جدا مكثفين بلا زوائد لغوية:
مثل قصة "جندي"، وقصة "كتوم "، وقصة "مشاجرة"، وقصة "انسان"، وقصة "حياء"، وقصة "القمر"، وقصة "طب جدتي" وقصة "امنية".
***
اما الضربة النهائية للقصة خاصة، اذ نجد هذه الضربة تلخص ما آلت اليه الاحداث في القصة، أي ما آلت اليه افعال الشخصية.
من هذه المعاني هجاء مر للحرب، الحرب التي بسببها تهدم المنزل، وقصف الفندق المرسوم في ارضية مدخله صورة للمجرم بوش الاب، حتى ان شخصية " بطل " القصة لم تسلم منها، فنرى قحف رأسه قد "طار" بسبب شظية " أي بسبب تلك الحرب"، ثم تأتي الضربة القاضية لمعاني القصة هذه في نهايتها إذ يقول القاص "هو الان يشحذ في الشوارع".
وكذلك قصة "عازف نسي عوده"، إذ يقول :"وإذا بقذيفةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعه وهو يعزُف... تقتلٌه". وقصة "رأي" التي يقول فيها: "كلُ النساءِ تحتَ قدمي ما عدا امي"، وغيرها من القصص القصيرة جداً، وقصة "ليزا"، وقصة "مشاجرة" وغير ذلك من القصص القصيرة جداً.
***
الاقتصاد في اللغة، اختزالا وتكثيفا، وهو ضرورة حضارية، وكذلك تقنية لأجل خدمة موضوع النص، يبقى متروكاً لخبرة القاص وباعه في كتابة قصة قصيرة جداً، وكذلك لوعيه فيما يكتب، وكل هذا يعود الى ظروف كتابة النص، فيأتي هذا النص متخلصاً عن كل ما هو زائد عن الحاجة الابداعية، قادرا على ايصال الفكرة الى المتلقي بصورة ابداعية حاملة لشروط النوع، وكان القاص علي السباعي في هذا المجال قاصا قديرا ًمتمكناً من اداته القصصية، عارفاً بشروط النص.
وقد استعمل أجدادنا القدامى الرسم على الجدران لتوصيل أفكارهم ورؤاهم الى الاخرين من ابناء جلدتهم قبل ان يتوصلوا الى اللغة التي يتفاهمون بها، ان كانت تلك اللغة قد اتفق عليها بالتواضع، أو كانت وحيا منزلا كما يعتقد الكثير من رجال الدين في الديانات المسماة الابراهيمية، وقد ذهب ابن جني الى ان اللغة قد تكونت بالتواضع والقبول من المجتمع، لهذا فاللغة ظاهرة اجتماعية تحمل في طياتها تأثيرات وانعكاسات الناطقين بها.
بالتأكيد تفتقد القصة القصيرة جداً جماليات القص عندما تفقد اهم عناصرها مثل: الحوار والسرد وتفتقد الزمان والمكان تحت وطأة الوصول الى الاقتصاد و التكثيف اللغوي، غير ان القاص يستعيض عن هذا كله باللغة الشعرية، ورشاقة العبارة، فتغدو القصة القصيرة جداً كالقصيدة، او انها لوحة تشكيلية، او قطعة موسيقية بلا لغة.
إذ تلعب اللغة -اية لغة- دورا رئيسا في نقل ما يجيش في نفس الشخص من امور عامة او خاصة، وقد لعبت دورا رئيسا وبارزا في القصة، إذ كانت هي الهيكل العظمي اذا صح التشبيه للقصة بكل انواعها، كما كانت لبقية انواع الادب.
والاقتصاد الذي نعنيه في هذه الدراسة هو الوصول بالأفكار الكثيرة بقليل الكلمات، وقد عرفه الجاحظ بقوله "هو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة، ونزه عن التكلف" او وضع فكرة مراد توصيلها الى المتلقي في كلمات قليلة، وهذه العملية هي عملية ابداعية بامتياز فيما لو نجح الكاتب في ذلك.
ان الاقتصاد عملية ذهنية، والسؤال الذي يطرح هو: هل الاقتصاد مرهق للقصة القصيرة جداً؟
ان ما يجعل الاقتصاد في اللغة مرهقا لها هو ان يكون ذلك الاقتصاد قائما على اساس خاطئ، أي ان يكون مفتعلاً وقسرياً، هذا ما لا نراه عند فحص وتحليل القصة القصيرة جداً عند القاص علي السباعي في مجموعته "مدونة ارملة جندي مجهول" التي تضم "مدوَّنةُ الحرب"، و"مدوَّنةُ الحصار"، و"مدوَّنةُ الحب"، و"مدوَّنةُ التيه".
ومن الامور المهمة في هذا الجانب ولكي لا يكون الامر مفتعلا وقسريا، فأن لغة القصة القصيرة لا تستخدم في انشاء لغة القصة القصيرة جداً، أي بمعنى ان اللغتين غير متشابهتين.
فبينما نجد لغة القصة القصيرة تسرف في اغلب مستلزماتها، مثل الحوار والوصف، انظر على سبيل المثال قصص مجموعة زليخات يوسف في قصة "مريم البلقاء" وقصة "مومياء البهلول" ومجموعة "بنات الخائبات" التي تضم قصتين قصيرتين فقط، ومجموعة "ايقاعات الزمن الراقص"، حتى تكاد عنده القصة ان تكون رواية قصيرة ليس في مستلزماتها الرئيسة وانما في الاسراف اللغوي والحوار، نجد لغة القصة القصيرة جدا تبتعد عن هذا الاسراف اذا لم تكن قد اقتربت منهما، من الحوار او الوصف، وهذا يعني ان القصة القصيرة جدا تخلو منهما الا نادرا جدا، مثل قصة "ارملة" وقصة " جندي " و" دهاء " وغيرها في مجموعة " ارملة جندي. .."،إذ يأتي الحوار " قول بطل القصة " في نهاية القصة على شكل قول للبطل فقط، أي انه حوار مقطوع من الاخر، وهو يشكل الضربة النهاية لها.
ومن الجدير بالذكر ان القاص السباعي وهو يكتب قصصه القصيرة جدا يتخذ له اسلوب صاحب النكات "الطرائف"، وهو كأسلوب " اكو فد واحد " وهذا الاسلوب يوصله الى هدفه اللغوي وهو اقتصاد في اللغة، فقصصة تبدأ بعبارات تشبه عبارة " اكو فد واحد" التي يقولها صاحب النكات. ففي قصة "محارب. .! يبدأ القصة بهذه العبارة "جنديٌ بزيِ القتالِ..."، وفي قصة "سكران" يقول "جنديٌ عراقيٌ مخمورٌ..."، وفي قصة "عرس" يقول "قبيل زفافِهما..."، وفي قصة " كتوم" يقول "رجل كتوم"، وفي قصة "لماذا..؟" يقول "عجوزٌ أمريكيةٌ..."، او في قصة " ضحية" يقول "سمراءٌ مُتشِّحَةٌ بالسواد..."، وفي قصة "صوت صباغ الأحذية" يقول "صباغُ أحذيةٍ نافَ على الخمسين... " وفي قصة "غارس"
يقول "رجلٌ في عقدهِ السادس" وهكذا.
يتعدد ويتنوع الاقتصاد اللغوي عند القاص علي السباعي بين ان يكون:
- اقتصاد في اللغة بصورة عامة :
ومثال على الاقتصاد في اللغة، قصة "ثأر" خير مثال على ذلك، إذ يفعل الزمن وطيه مفعولا كبيرا في جعل هذه القصة مثال حي على اقتصاد اللغة وذلك بوجود فراغات عما حذف منها، وقصة "عازف نسي عوده"، إذ يقول: "وإذا بقذيفةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعه وهو يعزُف... تقتلٌه". وكذلك قصة "حظ عاثر"، التي تم تقليل الالفاظ "عدد الحروف" فيها مع كثرة المعاني والدلالات التي تظهرها هذه القصة، وقصة "سكران"، وقصة "معركة"، وقصة "دهاء"، وقصة "مملكة الناصرية"، وقصة "قنلص".
ووجود الفراغات، او مساحات بيضاء مثل الشعر يدفع المتلقي الى ان يفعل مخيلته لتنشط لفهم القصة هذه.
- وبين ان يكون الاقتصاد في عناصر الجملة:
كما في قصة "ارملة"، إذ يقول "زمن الحرب"، والصحيح هو "في زمن الحرب" فحذف حرف "في". وكذلك في قصة "زائر"، وقصة "تجلة ميزوبوتاميا"، إذ يقول "تستجدي" والصحيح ان يقول "وهي تستجدي"
- أو يضع القصة في سطر أو سطرين قصيرين جدا مكثفين بلا زوائد لغوية:
مثل قصة "جندي"، وقصة "كتوم "، وقصة "مشاجرة"، وقصة "انسان"، وقصة "حياء"، وقصة "القمر"، وقصة "طب جدتي" وقصة "امنية".
***
اما الضربة النهائية للقصة خاصة، اذ نجد هذه الضربة تلخص ما آلت اليه الاحداث في القصة، أي ما آلت اليه افعال الشخصية.
من هذه المعاني هجاء مر للحرب، الحرب التي بسببها تهدم المنزل، وقصف الفندق المرسوم في ارضية مدخله صورة للمجرم بوش الاب، حتى ان شخصية " بطل " القصة لم تسلم منها، فنرى قحف رأسه قد "طار" بسبب شظية " أي بسبب تلك الحرب"، ثم تأتي الضربة القاضية لمعاني القصة هذه في نهايتها إذ يقول القاص "هو الان يشحذ في الشوارع".
وكذلك قصة "عازف نسي عوده"، إذ يقول :"وإذا بقذيفةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعه وهو يعزُف... تقتلٌه". وقصة "رأي" التي يقول فيها: "كلُ النساءِ تحتَ قدمي ما عدا امي"، وغيرها من القصص القصيرة جداً، وقصة "ليزا"، وقصة "مشاجرة" وغير ذلك من القصص القصيرة جداً.
***
الاقتصاد في اللغة، اختزالا وتكثيفا، وهو ضرورة حضارية، وكذلك تقنية لأجل خدمة موضوع النص، يبقى متروكاً لخبرة القاص وباعه في كتابة قصة قصيرة جداً، وكذلك لوعيه فيما يكتب، وكل هذا يعود الى ظروف كتابة النص، فيأتي هذا النص متخلصاً عن كل ما هو زائد عن الحاجة الابداعية، قادرا على ايصال الفكرة الى المتلقي بصورة ابداعية حاملة لشروط النوع، وكان القاص علي السباعي في هذا المجال قاصا قديرا ًمتمكناً من اداته القصصية، عارفاً بشروط النص.