د
د.محمد عبدالحليم غنيم
رأيت أخى أمس .
كان يرتدى جوارب وردية ضيقة ، وتنورة إرجوانية ذات نجوم فضية وكشكشات ، وكان يرفع يديه عاليا راسما بها علامة النصر مع ضابط شرطة أشقر . شفتاه معوجتان مع ميل للوقاحة مثلما كان يتعرض لمشكلة ما ونحن صغار ، وكانت قدمه اليسرى متجهة إلى الداخل قليلا كعادته التى لم يستطع أن يتخلى عنها أبدا .
كنت أشاهد على محطة ال ( سى. إن. إن) فيلما وثقائيا عن زواج المثليين فى مدينة سان فرانيسكو وقد مرت فترة من الوقت قبل أن أدرك أننى قد تحكمت فى نفسى ، فمى نصف مفتوح ، لقد كان دانى على أية حال يخطف الكاميرا ، على الرغم من أنه كان قد فقد وسامته تماما ، حتى وهو يرتدى التنورة ، بعينيه الرخاميتين الزرقاوين وشعره الأسمر الثقيل .
لم أكن قد رأيته من خمس سنوات أو ست ، وليس منذ انتقل لأول مرة إلى كالفورنيا " يجب أن تحضرى إلى هنا وتبقين معى " كان يقول لى ذلك عبر الهاتف أو فى رسالة عارضة ، لكنه أبدا لم يصدر فى ذلك عن دعوة قوية أو حتى يثير الموضوع خلال الإجازات القليلة .
لم تنكن أنا ودانى متقاربين بشكل خاص ، كان عمره تسع سنوات عندما ولدت . وسافر إلى الكلية فى الوقت الذى كنت فى حاجة فيه إلى أخ كبير . مازلت أحبه ، ودائماً كنت فخورة جداً به ، حيث أقول للناس أن له نظرة شاب جميل الشكل مع ابتسمة وقحة .
والأن هنا ، عاد لى عبر أعجوبة التلفزيون ولحسن الحظ على شريط الأخبار البطىء على الشاشة اليوم . اتصلت بأمى وقلت لها افتحى محطة ال (سى .إن.إن ) لأننى أتصور أنهم سيعرضون الخبر ببطء لخمس أو ست مرات قبل أن انتهاء اليوم .
قلت لها :
- شاهدى خبر عرس المثليين .
قلت ذلك وأنا أحاول إخفاء الإضراب فى صوتى ، ثم أضفت :
- فى سان فرانسيسكو دانى هناك . لقد رأيته . لقد رأيته وهو جميل يا ماما . جميل حقاً .
سمعت أمى وهى تأخذ نفساً طويلاً :
- ليس دانى الذى رأيته يا عزيزتى
- إنه دانى ، إنه يرتدى تنورة .
- لا تكونى سخيفة يا مولى ، لماذا يرتدى تنورة ؟
- ماما ، دانى مثلى ، أعتقد أنه ربما يكون شاذاً ، ولكننى لم أسأله أبداً عن ذلك ، هل أخبرتينى أن ذلك لا يتفق مع رأيك ؟
- مولى ... أنت تقولين كلاماً فارغاً ... أنا لا أريد ....
- أنا قادمة إليك حالا .
خلال قيادتى القصيرة إلى منزل أمى ، فكرت فى كل الأشياء ، التى قالها لى دانى وأنا فى صحبته ، لم يشر أبداً أن له خليلة ، وعندما سألته عن ذلك قال لى أنه مشغول جداً ، كان يتجنبنا أثناء حفلات أعياد الكريسماس ، ثم انتتقل إلى سان فرانسيسكو دون أن يحصل على وظيفة .
عندما دخلت منزل أمى ، كانت تعد الشاى ، وتصبه فى أكواب صينية رقيقة مطبوع عليها زهور الليلك ورود حمراء ، عيناها نسخة شاحبة من عينى دانى البراقتين ، يبدوان غير مركزتين على شىء ، كما لو كنت تنظر بهما إلى شخص ما يقف خلفى .
- لماذا لم يحدثنا دانى عن حياته ؟
سألتها عندما كنا نجلس سوياً على الأريكة الكبيرة فى غرف المعيشة . قلبت الشاى فى كوبها باهتمام شديد ، متحينة اللحظة االتى تتحدث فيها . عندئذ منحتنى نظرة أخرى خاوية .
- مولى أخوك ليس مثلك ، إنه يحتفظ بأسراره لنفسه ، كان دائماً له أسلوبه الخاص ؛ القراءة أو جمع العملات المعدنية أو الاستماع إلى الموسيقي .
- إنك تجعلينه بهذا ليس له أى أصدقاء ، و لكنني أعرف أنه له أصدقاء ، لقد أحببت أصدقاءه .
- بالطبع له أصدقاء ، أنا حقاً أقصد أنه كان أكثر ميل إلى الوحدة منك،لم ينجح أبداً مع الحشد .
- هل تحدث أبى مطلقاً إلى داني ؟
- لا أعرف ماذا يفعل أبوك ؟ لم يتحدث إلى حتى، لم يفعل ذلك حتي عندما كنا مازلنا متزوجين .
نهضت و فتحت التليفزيون على محطة ال: سى .إن .إن . كانت مقدمة الأخبار تتحدث فى رتابة عن التعيينات القضائية و عناوين و بارزة تجري بسرعة مثل شخصيات ميلودراما بيت الدمية ذات الملابس المتوهجة . فى تلك اللحظة كان داني متألقاً على الشاشة وسط ألوان شموع عيد الميلاد و كان محاطاً بمجموعات من الراقصين وسط أقدام الراهبات .
ارتجف جسد أمى و اهتزت يديها لذلك توقعت أن شايها سيقسط على ثوبها الأبيض ذى النسيج المتموج ، فتحت فمها و أخذ وجها يأخذ ملامح شخص يشاهد فعل مدهش للطبيعة ، ولم يعد قادراً على وصفة بأية طريقة .
- إنه جميل !
هذا كل ما أمكننى قوله ، لأنه كان كذلك بالفعل ، فى بعض الأحيان هناك أشياء تحدث فى لحظة ما عندما تري شخصاً ما موجها كل طاقته الداخلية ، جوهره نحو هدف معين . خلال تلك اللحظة يتوهج الشخص تقريباً بقوة هذه الطاقة . ذلك هو ما رأيته عندما رأيت أخي على الشاشة . على الرغم من أنه كان مجرد صورة إلكترونية وصلت إلى منزل أمي عبر تكنولوجيا الاتصال ، فإنه بدا لى معبراً عن نفسه أكثر من السنوات التى عرفته فيها .
على العكس كانت أمى قد شحبت تماما ، استرخي كتفاها ، و صار الوهج فى عينيها كثيفاً ، مثل الصقيع على النوافذ الزرقاء، سألتنى فى صوت شديد الهدوء :
- كيف يمكنك أن تقول أنه جميل ؟
ثم أضافت :
- إنه يجعل من نفسه أغبى شخص فى جميع أنحاء العالم . لقد توسلت إليه ألا يذهب. توسلت إليه .
- هل كنت تعرفين أنه سيظهر على التليفزيون ؟
- بالطبع لا . لقد توسلت إليه ألا يذهب إلى سان فرانسيسكو . كنت أعلم أن ذلك سوف يحدث . كان لديه الفرصة لكي يكون إنساناً طبيعياً ، لكنه ذهب إلى هناك بدلاً من ذلك .
- هل تحدث إليك عن هذا ؟
رفعت كوبها إلى شفتيها المفتوحتين قليلاً، كما لو كانت تشارك فى مراسم شاى شرير .
- كان له صديق ، تعرفين ، شخص ما كان يعيش معه و كان يريد أن يأتى به إلي هنا فى الكريسماس . كان ذلك منذ عدة سنوات ، بالطبع قلت له لا .
- لماذا ؟ لماذا فعلت ذلك ؟
سمعت قسوة فى صوتي غطت على صوت مقدمة البرنامج التى نافس صوتها وقت سقوط الرويل فى أفغانستان ،أخذت نفساً عميقاً و قلت :
- ألا تريدين أن يكون داني سعيداً ؟
- سعيدا ؟ فى تنورة ؟
مرت أمي بأصابعها على زهور الليلك المطبوعة على ثوبها ، و كان عيناها الجامدتان مثل بوابتين شاحبتين تمنعان الأفكار و المشاعر التى لم أستطع الوصول إليها أبداً.
تركت أمي مع شايها وعدت إلى المنزل لكى أحجز تذكرة إلى سان فرانسيسكو .
النهاية
المؤلفة : Diane E. Dess
ديانى إى . ديس : كاتبة وطبيبة نفسية تعيش فى جنوب لوسيانا ، لها مقالات و تحليلات سياسية منشورة فى عدة مطبوعات . لها موقع إلكترونى على شبكة الإنترنت بعنوان princesscafe.com و هو موقع مشترك مع زوجها .
كان يرتدى جوارب وردية ضيقة ، وتنورة إرجوانية ذات نجوم فضية وكشكشات ، وكان يرفع يديه عاليا راسما بها علامة النصر مع ضابط شرطة أشقر . شفتاه معوجتان مع ميل للوقاحة مثلما كان يتعرض لمشكلة ما ونحن صغار ، وكانت قدمه اليسرى متجهة إلى الداخل قليلا كعادته التى لم يستطع أن يتخلى عنها أبدا .
كنت أشاهد على محطة ال ( سى. إن. إن) فيلما وثقائيا عن زواج المثليين فى مدينة سان فرانيسكو وقد مرت فترة من الوقت قبل أن أدرك أننى قد تحكمت فى نفسى ، فمى نصف مفتوح ، لقد كان دانى على أية حال يخطف الكاميرا ، على الرغم من أنه كان قد فقد وسامته تماما ، حتى وهو يرتدى التنورة ، بعينيه الرخاميتين الزرقاوين وشعره الأسمر الثقيل .
لم أكن قد رأيته من خمس سنوات أو ست ، وليس منذ انتقل لأول مرة إلى كالفورنيا " يجب أن تحضرى إلى هنا وتبقين معى " كان يقول لى ذلك عبر الهاتف أو فى رسالة عارضة ، لكنه أبدا لم يصدر فى ذلك عن دعوة قوية أو حتى يثير الموضوع خلال الإجازات القليلة .
لم تنكن أنا ودانى متقاربين بشكل خاص ، كان عمره تسع سنوات عندما ولدت . وسافر إلى الكلية فى الوقت الذى كنت فى حاجة فيه إلى أخ كبير . مازلت أحبه ، ودائماً كنت فخورة جداً به ، حيث أقول للناس أن له نظرة شاب جميل الشكل مع ابتسمة وقحة .
والأن هنا ، عاد لى عبر أعجوبة التلفزيون ولحسن الحظ على شريط الأخبار البطىء على الشاشة اليوم . اتصلت بأمى وقلت لها افتحى محطة ال (سى .إن.إن ) لأننى أتصور أنهم سيعرضون الخبر ببطء لخمس أو ست مرات قبل أن انتهاء اليوم .
قلت لها :
- شاهدى خبر عرس المثليين .
قلت ذلك وأنا أحاول إخفاء الإضراب فى صوتى ، ثم أضفت :
- فى سان فرانسيسكو دانى هناك . لقد رأيته . لقد رأيته وهو جميل يا ماما . جميل حقاً .
سمعت أمى وهى تأخذ نفساً طويلاً :
- ليس دانى الذى رأيته يا عزيزتى
- إنه دانى ، إنه يرتدى تنورة .
- لا تكونى سخيفة يا مولى ، لماذا يرتدى تنورة ؟
- ماما ، دانى مثلى ، أعتقد أنه ربما يكون شاذاً ، ولكننى لم أسأله أبداً عن ذلك ، هل أخبرتينى أن ذلك لا يتفق مع رأيك ؟
- مولى ... أنت تقولين كلاماً فارغاً ... أنا لا أريد ....
- أنا قادمة إليك حالا .
خلال قيادتى القصيرة إلى منزل أمى ، فكرت فى كل الأشياء ، التى قالها لى دانى وأنا فى صحبته ، لم يشر أبداً أن له خليلة ، وعندما سألته عن ذلك قال لى أنه مشغول جداً ، كان يتجنبنا أثناء حفلات أعياد الكريسماس ، ثم انتتقل إلى سان فرانسيسكو دون أن يحصل على وظيفة .
عندما دخلت منزل أمى ، كانت تعد الشاى ، وتصبه فى أكواب صينية رقيقة مطبوع عليها زهور الليلك ورود حمراء ، عيناها نسخة شاحبة من عينى دانى البراقتين ، يبدوان غير مركزتين على شىء ، كما لو كنت تنظر بهما إلى شخص ما يقف خلفى .
- لماذا لم يحدثنا دانى عن حياته ؟
سألتها عندما كنا نجلس سوياً على الأريكة الكبيرة فى غرف المعيشة . قلبت الشاى فى كوبها باهتمام شديد ، متحينة اللحظة االتى تتحدث فيها . عندئذ منحتنى نظرة أخرى خاوية .
- مولى أخوك ليس مثلك ، إنه يحتفظ بأسراره لنفسه ، كان دائماً له أسلوبه الخاص ؛ القراءة أو جمع العملات المعدنية أو الاستماع إلى الموسيقي .
- إنك تجعلينه بهذا ليس له أى أصدقاء ، و لكنني أعرف أنه له أصدقاء ، لقد أحببت أصدقاءه .
- بالطبع له أصدقاء ، أنا حقاً أقصد أنه كان أكثر ميل إلى الوحدة منك،لم ينجح أبداً مع الحشد .
- هل تحدث أبى مطلقاً إلى داني ؟
- لا أعرف ماذا يفعل أبوك ؟ لم يتحدث إلى حتى، لم يفعل ذلك حتي عندما كنا مازلنا متزوجين .
نهضت و فتحت التليفزيون على محطة ال: سى .إن .إن . كانت مقدمة الأخبار تتحدث فى رتابة عن التعيينات القضائية و عناوين و بارزة تجري بسرعة مثل شخصيات ميلودراما بيت الدمية ذات الملابس المتوهجة . فى تلك اللحظة كان داني متألقاً على الشاشة وسط ألوان شموع عيد الميلاد و كان محاطاً بمجموعات من الراقصين وسط أقدام الراهبات .
ارتجف جسد أمى و اهتزت يديها لذلك توقعت أن شايها سيقسط على ثوبها الأبيض ذى النسيج المتموج ، فتحت فمها و أخذ وجها يأخذ ملامح شخص يشاهد فعل مدهش للطبيعة ، ولم يعد قادراً على وصفة بأية طريقة .
- إنه جميل !
هذا كل ما أمكننى قوله ، لأنه كان كذلك بالفعل ، فى بعض الأحيان هناك أشياء تحدث فى لحظة ما عندما تري شخصاً ما موجها كل طاقته الداخلية ، جوهره نحو هدف معين . خلال تلك اللحظة يتوهج الشخص تقريباً بقوة هذه الطاقة . ذلك هو ما رأيته عندما رأيت أخي على الشاشة . على الرغم من أنه كان مجرد صورة إلكترونية وصلت إلى منزل أمي عبر تكنولوجيا الاتصال ، فإنه بدا لى معبراً عن نفسه أكثر من السنوات التى عرفته فيها .
على العكس كانت أمى قد شحبت تماما ، استرخي كتفاها ، و صار الوهج فى عينيها كثيفاً ، مثل الصقيع على النوافذ الزرقاء، سألتنى فى صوت شديد الهدوء :
- كيف يمكنك أن تقول أنه جميل ؟
ثم أضافت :
- إنه يجعل من نفسه أغبى شخص فى جميع أنحاء العالم . لقد توسلت إليه ألا يذهب. توسلت إليه .
- هل كنت تعرفين أنه سيظهر على التليفزيون ؟
- بالطبع لا . لقد توسلت إليه ألا يذهب إلى سان فرانسيسكو . كنت أعلم أن ذلك سوف يحدث . كان لديه الفرصة لكي يكون إنساناً طبيعياً ، لكنه ذهب إلى هناك بدلاً من ذلك .
- هل تحدث إليك عن هذا ؟
رفعت كوبها إلى شفتيها المفتوحتين قليلاً، كما لو كانت تشارك فى مراسم شاى شرير .
- كان له صديق ، تعرفين ، شخص ما كان يعيش معه و كان يريد أن يأتى به إلي هنا فى الكريسماس . كان ذلك منذ عدة سنوات ، بالطبع قلت له لا .
- لماذا ؟ لماذا فعلت ذلك ؟
سمعت قسوة فى صوتي غطت على صوت مقدمة البرنامج التى نافس صوتها وقت سقوط الرويل فى أفغانستان ،أخذت نفساً عميقاً و قلت :
- ألا تريدين أن يكون داني سعيداً ؟
- سعيدا ؟ فى تنورة ؟
مرت أمي بأصابعها على زهور الليلك المطبوعة على ثوبها ، و كان عيناها الجامدتان مثل بوابتين شاحبتين تمنعان الأفكار و المشاعر التى لم أستطع الوصول إليها أبداً.
تركت أمي مع شايها وعدت إلى المنزل لكى أحجز تذكرة إلى سان فرانسيسكو .
النهاية
المؤلفة : Diane E. Dess
ديانى إى . ديس : كاتبة وطبيبة نفسية تعيش فى جنوب لوسيانا ، لها مقالات و تحليلات سياسية منشورة فى عدة مطبوعات . لها موقع إلكترونى على شبكة الإنترنت بعنوان princesscafe.com و هو موقع مشترك مع زوجها .
التعديل الأخير بواسطة المشرف: