نقوس المهدي
كاتب
ملخص
يتناول موضوع هذا البحث آراء الدارسين في "خطبة طارق بن زياد" فقد اختلفوا في نسبة الخطبة إليه، فوقف بعض الباحثين وقفة شك في نسبتها إليه، وأثبتها له باحثون آخرون، وسنتناول آراء هؤلاء وهؤلاء في هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، ثم نبيّن بطلان هذا الشك.
توطئة:
منذ وطئت أقدامُ المسلمين أرض الأندلس، وهم يعيشون في نزاع دائم مع سكان البلاد الأصليين، وقد ظلت السيوفُ مشرعة بين الفريقين طوال مدة حكم الولاة(1)، ويطلق اسم عصر الولاة على الفترة التي أعقبت الفتح الإسلامي للأندلس ودامت ستة وأربعين عاماً (92 ـ 138 هـ). وتبدأ هذه الفترة بطارق بن زياد، ثم بموسى بن نصير، ثم بابنه عبد العزيز، وتنتهي بيوسف الفهري سنة 138 هـ. وقد ولي الأندلس في هذه الفترة اثنان وعشرون والياً(2)، فمنهم من كان يُعيّنهم خلفاء بني أمية في دمشق، ومنهم من كان يعيّنهم والي إفريقية في القيروان، وكانوا يختلفون قوةً وضعفاً، واستقامة وانحرافاً. وفي هذه الفترة توغل المسلمون الفاتحون في بلاد إسبانية وفتحوا بلاداً جديدة كبرشلونة (BERCELONE)، وقشتالة (GASTILLE)، ثم فتحوا جزءاً من فرنسة بقيادة عبد الرحمن الغافقي، فوصلوا إلى مدينة ليون (LYON) وما زالوا يتقدمون في قلب فرنسة حتى بلغوا تور (TOURS) ولكن شارل مارتل اعترضهم بجموع الفرنجة في سهول بواتيه(3)، وقتل في تلك المعركة، التي يسميها العرب بَلاط الشهداء قائدهم عبد الرحمن الغافقي، وكثيرون معه، وكان في ذلك سنة 144 هـ(732م). ولم يقتصر عصر الولاة على الحروب بين المسلمين والنصارى في أوربة بل حدث شقاق عظيمٌ في المسلمين أنفسهم(4)، فقد كانت هناك نزاعات وحروب داخلية على أشدها بين العرب والبربر تارة، وبين العرب أنفسهم تارة أخرى، ولاسيما بين القيسية واليمانية، ثم بين مؤيدي الأمويين والعباسيين. لهذا كله كان عصرُ الولاة عصراً مضطرباً، وكانت السمات السياسية فيه، هي: الحروب والصراع، وعدم الاستقرار، مما جعل القلق يدبُّ في أوصال المجتمع، ويفكّك قوّته ويصدّع تَماسكه(5).
وفي هذا العصر بدأت الخيوطُ الأولى لفجر الأدب الأندلسي، فقد عرف عصر الولاة شذرات من الشعر والنثر قالها أدباء من الطارئين على الأندلس(6)، كانت بمثابة خيوط الفجر الأولى التي تؤذن بصبح مشرق. ويبدو أنَّ أوَّل نص أدبيّ عربيّ تردد في الأندلس هو هذه الخطبة وأبيات شعرية أخرى قالها طارق بن زياد في الفتح، وقد أوردها المقري في النفح(7).
أولاً: معطيات:
1 ـ الشخصية:
هو طارق بن زياد وُلد سنة 50 هـ/640م، وتولّى طنجة سنة 89هـ/707م، ثم فتح الأندلس سنة 92 هـ/710م. أما وفاته فكانت على الأرجح سنة 102 هـ. وقد اختلف في نسبه، ولكن أرجح الأقوال أنَّه بربريُّ قُحٌّ، ولكنه كان على صلةٍ بالعروبة والإسلام منذ زمن ليس بالقصير، فقد ذكر له ابن عذاري أبوين في الإسلام، فاسمه الكامل: طارق بن زياد بن عبد الله، ويبدو أنّه ليس هو الذي أسلم أولاً بل والدُه وجدُّه الذي يكون قد انتقل إلى المشرق، وهناك نشأ طارق في بيئة عربية إسلامية، مع احتفاظه بلهجة أجداده البربرية، ثمَّ جُنّد بعد ذلك في جيش موسى بن نصير، وجاء معه إلى المغرب، وكان من أشد رجاله(8).
2 ـ الظرف:
أمّا الظرف الذي قيلت فيه الخطبة فهو كما ذكر ابن خلكان والمقري، أنَّ طارق بن زياد لمّا استقر بأرض الأندلس، وبلغ دنوّ لذريق منه قام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم حثَّ المسلمين على الجهاد ورغّبهم في الشهادة، ثم قال: "أيها الناس، أين المفر..." (9). أمّا ابن هذيل الأندلسي، وهو من أهل القرن الثامن الهجري، الثالث عشر الميلادي، فأورد لنا رأياً آخر عن الظرف الذي قيلت فيه الخطبة، خالف فيه ابن خلكان والمقري، وغيرهما من المؤرخين، فقال: "... فاقتتلوا ثلاثة أيَّام أشد قتال، فرأى طارق ما الناس فيه من الشدة، فقام يعظهم ويحضهم على الصبر ويرغبهم في الشهادة ثم قال: أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم..." (10).
ومهما يكن من أمر فإنَّ الظرف الذي قيلت فيه الخطبة هو فتح الأندلس، ولا يهم أكان ذلك قبل بدء المعركة الفاصلة أم أثناءها.
3 ـ حياة الخطبة:
لقد عاشت الخطبة في المصادر المغربية والمشرقية التاريخية والأدبية، كتاريخ عبد الملك بن حبيب(11)، المتوفى سنة 238 هـ/ 852م والإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة(12)، المتوفى سنة 276هـ/ 889م، وسراج الملوك للطرطوشي(13)، المتوفى سنة 520هـ/ 1126م، وريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب لأبي محمد عبد الله المواعيني الإشبيلي(14)، عاش في عصر الموحدين، ووفيات الأعيان لابن خلكان(15)، المتوفى سنة 681هـ/1282م، وتحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل(16)، وهو من أهل القرن الثامن الهجري، ونفح الطيب للمقري(17)، المتوفى سنة 1041هـ/1631م.
وقد وردت الخطبة في هذه المصادر بنصوص متشابهة حيناً ومختلفة حيناً آخر، ولكنّها نالت شهرتِها بفضل ابن خلكان الذي نقل حرفيات الخطبة عن مصدر لم يذكره، ثمَّ أخذها عنه المقري، فأورد لنا نصّاً "منقحاً ومشذباً" عما كان يتناقله المؤرخون والكُتّاب في تآليفهم ومصَنّفاتِهم خلال عَصرهِ من أخبار تتعلق بالإطار البنائي والأدبي للخطبة دون مناقشتها وتحليلها(18).
وقد اتخذنا نص "نفح الطيب" أساساً للدراسة باعتباره من أكمل النصوص التي وصلت إلينا، وإنْ كان اختلافُ النصوص في المصادر القديمة يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ الخطبة قد أدخلت عليها تعديلات وإضافات من قبل الأجيال اللاحقة حتى انتهت إلى الشكل الذي هي عليه الآن.
4 ـ نص الخطبة(19):
قال: "أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدقُ والصبر، واعلموا أنّكم في هذه الجزيرة أضيَعُ من الأيتام، في مأدُبَة اللئام، وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُهُ موفورة، وأنتم لا وَزَرَ(20) لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلاَّ ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم، وإن امتَدّت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم(21)، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بِمُناجزة(22) هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينَتُه الحصينة، وإنّ انتهاز الفُرْصَة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإنّي لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنَجْوة(23)، ولا حملتكم على خُطة أرخصُ متاع فيها النفوسُ (إلاَّ وأنا)(24)أبدأ بنفسي، واعلموا أنّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَه الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حَظّكم فيه بأوفى من حظّي، [وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمَرْجان، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان(25)، ا لمقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان]، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أميرُ المؤمنين من الأبطال عُرْبانا(26)، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا(27)، ثقةً منه بارتياحكم للطّعان(28)، واستماحكم بمُجالدة الأبطال والفُرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مَغْنَمُها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى وليُّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين، واعلموا أني أوّل مجيبٍ إلى ما دعوتكم إليه، وأنّي عند مُلْتَقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتِلهُ إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يُعْوزكم بطلٌ عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكتُ قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنِهم بعده يُخْذَلون".
ثانياً: تحليل الخطبة:
1 ـ عنوان الخطبة:
تُعرفُ هذه الخطبة في الكتب المدرسية باسم "خطبة طارق بن زياد" أو "خطبة طارق في الترغيب في القتال"(29)، وليس هذا العنوان جُزْءاً أصيلاً في الخطبة، وإنَّما هو عنوان وضعه لها، اجتهاداً، بعض المنتقين للتمييز بينها وبين خطب الآخرين، وهذا يعني أنَّ هؤلاء المنتقين قد أقرّوا أنَّ لطارق خطبة واحدة، ونحن لا نشاطرهم الرأي في ذلك، لأنّنا نعرف أنَّ ما وصلنا من مصادر قديمة قليل جداً، وأنَّ ما وصلنا فيها من أخبار ونصوص ليس غير جزء ضئيل مِمَّا كنا ننتظر وما زلنا ننتظر أن يأتينا يومٌ يُكشفُ فيه النقابُ عن تراثنا الدَّفين، ولعلّنا نكتشفُ عندئذٍ أنَّ لطارق خُطباً أخرى وأشعاراً أخرى، كما ذكرت بعض المصادر(30).
ومن هنا جاءت بادرتُنا، في التفكير في وضع عنوان لخطبة طارق، هذه، حتى نُميزها من غيرها من الخطب المنتظرة من ناحية، وحتى نبيّن بأنَّ العنوان هو ذاكرة النص ورأسه المفكر من ناحية ثانية، ونرى بأنَّ العنوان المناسب لخطبة طارق، هو: "خطبة الفتح" على غرار "خطبة الوداع" للرسول الأعظم محمد (().
2 ـ نوع الخطبة:
تعدُّ خطبة طارق بن زياد هذه من عيون الأدب العربي، وهي من أروع الخطب الحربية التي عرفها التاريخ، وهي من النوع الحماسي والحض على الجهاد.
3 ـ هدف الخطبة:
هدف الخطبة الأساسي هو تحريض الجُنْد على القتال وبعث الحماس في نفوسهم، وحثهم على الصمود والثبات لمواجهة العدو والانتصار عليه.
4 ـ أقسام الخطبة ومضمونِها:
تخلو هذه الخطبة من أيّ شكل من أشكال المقدمات، إذ يتناول طارق الموضوع مباشرة، ويشتمل على ثلاثة مقاطع متتالية تكوّن فيما بينها وحدة في الموضوع (الحث والتحريض على الجهاد).
المقطع الأول: الترهيب: ويبدأ بـ(أيها الناس، أين المفر؟..) وينتهي بـ(إلاَّ وأنا أبدأ بنفسي).
وقد وجّه فيه طارق الخطاب إلى أصحابه، ورسم لهم صورة عامة للظروف التي هم فيها، مما يفرض عليهم الصمود والثبات لمجابَهة العدو، وقد اعتمد في ذلك على المقابلة بين وضعيتهم ووضعية أعدائهم، فالمسلمون محاطون بالبحر الذي خلفوه وراءهم، وبالعدو الذي يزحف نحوهم، وقد شبّههم في وضعهم هذا بالأيتام الضائعين في مأدبَة اللئام، لا سند لهم ولا معين إلا سيوفهم، ولا قوت إلاَّ ما يستخلصونه بأنفسهم من أعدائهم الذين يتوافرون على جيشٍ جرّارٍ، وأسلحةٍ كثيرةٍ، وأقواتٍ موفورةٍ، ثم حذّرهم من خطورة النتائج، إنْ طالت بهم الأيام وهم على هذا الوضع، ولم ينفّذوا ماهم بصدده من القضاء على عدوهم، الذي يمكن أن ينقلب خوفُه منهم جرأة عليهم(31)، أي: أنَّه جعل جنوده في موقفٍ حرج لا مجال فيه إلاّ للموت أو الاستماتة في القتال، وجعل نفسه مثالاً حيّاً يتقدم صفوف المجاهدين(32).
ولقد لجأ في خطبته إلى العقل أوّلاً دون العاطفة عندما وضع جنوده في الإطار الحقيقي بعد إحراق سفنه(33)، وحين يسيطر العقل على العاطفة في الخطبة تغيبُ الصور عن الساحة، ويتوقف الخيال عن التّدخل... فحديث العقل هامسٌ هادئ، أمَّا حديث العاطفة فحديث قارعٌ ضاجٌّ يستثيرُ النّوازع البدائية في النفوس كما تستثيرها الطبول بأصواتِها القوية المدوية(34).
المقطع الثاني: التّرغيب: ويبدأ بـ(واعلموا أنّكم إن صبرتم على الأشق قليلاً)، وينتهي بـ(والله تعالى ولي إنْجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين).
وبعد أنْ فصّل في جانب الترهيب، عمد إلى الترغيب، ليبث في نفوس جنُودِه مزيداً من الحماس، فحثهم على الصمود والجهاد، وأوصاهم بالصبر على مشاق الحرب مدة قصيرة ليستمتعوا بثمار النصر زمناً طويلاً، ولينالوا رضى الخليفة (الوليد بن عبد الملك) الذي اختارهم من أبطال العرب والمسلمين لفتح تلك الجزيرة، رغبة منه في أنْ يكون حظه منهم ثواب الله عزّ وجلّ على إعلاء كلمته وإظهار دينه في هذه الأرض، وهو يعدهم بأنَّ ما يُحْرِزُونَهُ من غنائم في الحرب حق خالص لهم لا يشاركهم فيه أحدٌ، لا الخليفة، ولا غيرُه ممّن لم يحارب معهم، ثم ذكرّهم بأنّ الله سبحانه وتعالى سيكون في عونِهم على هذا العمل الصالح الذي سيكسبهم ذكراً حسناً في الدارين.
أمّا الفقرة التي وضعناها بين حاضنتين (في نص الخطبة)، فإنَّنا نرتاب في نسبتها إلى طارق، ونعتقد أنّها من وضع بعض المستعربين (المستشرقين) الحاقدين على الإسلام والمسلمين وتدبيجهم، لأن ما ورد فيها لا يتلاءم والروح الإسلامية العالية التي يتميز بها الفاتحون الأوائل من أمثال طارق بن زياد، فالفارق واضح بين لغة الخطبة كلها، ولغة هذه الفقرة التي يُغري طارق فيها جنوده بفتيات الأندلس وبالحور من بنات اليونان (ولسنا ندري لماذا اليونان؟) اللائي يرْفلن باللآلئ والمرجان، وهن بنات الملوك والأمراء (كما زعموا). فهي فقرة شاذة طغى عليها السجع طغياناً لم نَجِدْه في سائر الخطبة من ناحية وانحَطّت لُغتُها في الوقت نفسه إلى دركٍ لا يمكن أنْ نظنَّ معه أبداً أنّها وبقية أجزاء الخطبة من عمل واحدٍ. إلى جانب ما جاء فيها من التناقض في المعاني، وفي الأسلوب، ومن مخالفتها لحقائق تاريخية، كإقحام كلمة "اليونان" في الفقرة، في حين أنَّ المؤرخين الأندلسيين قد اعتادوا على استعمال كلمة "الروم" أو "القوط" وكذلك اصطلاح "العلوج والعجم أو المشركين والكفار"(35).
وفضلاً عن ذلك فإنَّ المؤرخين العرب القدماء الذي ينتمون إلى أزمنة مختلفة، وأمكنة متباعدة تجاهلوها، وكأنَّها شيء لا أصل له في الخطبة، فلم يثبتها أحد من المؤرخين الأوائل، أمثال: عبد الملك بن حبيب (ت 238هـ/852م). صاحب كتاب "مبدأ خلق الدنيا"، المعروف بتاريخ ابن حبيب، وابن قتيبة (ت 276 هـ/889م) صاحب كتاب "الإمامة والسياسة"، والطرطوشي (ت 520 هـ/ 1126م) صاحب كتاب "سراج الملوك"، وغيرهم. وأوّل من أورد هذه الفقرة في الخطبة هو ابن خلكان (ت 681هـ/ 1282م). صاحب كتاب "وفيات الأعيان". ويبدو أنَّ الفقرة قد أضيفت إلى الخطبة بعد عصر ابن خلكان عندما استولى الصليبيون على بلاد المسلمين وعبثوا بتراثهم...
وإذن، فلابد من الوقوف وقفة شكّ كبير أمام هذه الفقرة "ومما يزيد هذا الشك رسوخاً تلك الحقيقة التاريخية التي عُرفت عن الجيوش الإسلامية عامة ـ ولاسيما في تلك القرون الأولى من حملات الإسلام ـ وهي أنَّ هذه الجيوش لم تكن تغزو للغزو وللغنائم التي ينالها الغزاة عادة، بل كانت تغزو في سبيل فكرة وعقيدة"(36).
وهذه الحقائق التّاريخية، لا تُعجبُ الصليبيين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، فعملوا ما في وسعهم على تشويه التاريخ الإسلامي المجيد بجوانبه المتعددة، تارة بالزيادة، وطوراً بالحذف، ولكن (يُريدُونَ ليُطفِئوا نُورَ الله بأفواهِهم والله مُتِمُّ نُورِهِ ولو كَرِهَ الكَافِرُونَ((37).
المقطع الثالث: إبراز خطته الحربية في المعركة، ويبتدئ بـ(واعلموا أني أوّلُ مجيب إلى ما دعوتكم إليه)، وينتهي بـ(فإنّهم بعده يخذلون).
وبعد أنْ تناول جانب الترغيب مركزاً على الجانبين المادي والمعنوي معاً، انتقل إلى إبراز خُطَّته الحربية في المعركة التي يقبل عليها، واضعاً كل الاحتمالات الممكنة أمام أعينهم تجنّباً للاضطراب أو تصدّع الصفوف في حالة استشهاد القائد، وقد أعلن عن خطته في اللحظات الحاسمة قبل نشوب المعركة، مما يدلُّ على حنكته وبعد نظره(38)، ثم أخبرهم بأنّ قتل لذريق ملك الأعداء سيسهل مهمة فتح الأندلس، لأن قومه سيخذلون بعد قتله، وقد اتخذ نفسه قدوة لجنده عندما تكفل هو بنفسه بقتل لذريق، وقال لهم: فإنْ متُّ بعد قتل الطاغية فقد كفيتكم شره، عندئذٍ تستطيعون إسناد أموركم إلى بطل عاقل يخلفني في قيادتكم.
5 ـ الأسلوب:
الأسلوب في هذه الخطبة، هو أسلوب الخطابة بشكل عام، يمتاز بالقوة والجزالة، وبالإيجاز والفصاحة، وبتماسك الجمل، والبعد عن الحشو والمبالغة وتكلف ما لا طائل تحته، وهو أسلوبٌ عربيّ النّسج، خالٍ من أية عجمة تشينه، أو غرابة وتعقيد يزريان به، ويحطان من قدره، وهو فوق هذا بعيد عن المحسنات البديعية المتكلفة الممقوتة (باستثناء الفقرة الشاذة المضافة المشار إليها سلفاً)، والسجع الموجود في الخطبة من السجع القصير الفقرات الذي لا ينبو عنه الذوق، ولا تَمجُّه الأسماع، لأنَّه خال من كلّ مظاهر الصنعة والتكلف والخطبة في الجملة، تجري على طبيعتها، وعلى هدى معانيها فجملها قصيرة وقوية، متينة السبك، جميلة الصياغة، فلا نجد لفظة مقحمة في غير مكانِها.
6 ـ العاطفة:
تزخر الخطبة بالعواطف الدينية الصادقة، وتظهر عاطفته الدينية واضحة في هذه الخطبة وتتجلى في اهتمامه بالجانبين الروحي والمادي معاً، وفي سعيه إلى الاستشهاد بإيمان كبير وروح عالية، وحث قومه على الجهاد، كما تتجلى العاطفة الطينية في الجمل الدعائية التي تتخلل الخطبة، وفي بعض المعاني التي يستمدها من القرآن الكريم(39).
وعاطفة طارق تتدفق بحب الجهاد والتوق إلى النصر، ولا ريب أنّها عاطفة صادقة قوية، ولولا ذلك ما أحدثت انفعالاً وأثراً قويين في نفوس الجند.
7 ـ المعاني:
ومعانيه واضحة سهلة، بعيدة عن العمق والتكلف خالية من الصور الفلسفية، ولكن الروح الدينية، تعمُّ معاني الخطبة، فنلحظ تأثر طارق بأفكار القرآن الكريم والحديث الشريف، ولاسيما حين يتحدث عن الأثر النفسي للتقاعس واحتمال تجرؤ العدو عليهم بعد جبنه أمامهم، ثم حين يغريهم بالألذ والأرفه بعد الأشق القليل، وكأنَّه يقيس تلك المكافأة الدنيوية على العمل الطيب بمكافأة الآخرة على الدنيا(40).
8 ـ خلاصة:
في ختام حديثنا عن تحليل الخطبة، يجدر بنا أنْ نسجل الملاحظات الآتية:
أ ـ إنَّ مجمل الروايات العربية والإسلامية، قد أشادت بهذه الخطبة، ونوَّهت بما كان لها من أثر في إذكاء شجاعة الجند، وتَمتين الثقة في نفوسهم لتحقيق الانتصار والظفر بِهذه الجزيرة(41).
ب ـ تفكير طارق من خلال هذه الخطبة تفكير سليم، فهو يجيد التعليل والتدليل، ويحسن تقديم الحجج والبراهين.
ج ـ له ذكاء متوقدٌ، يسبرُ أغوار النفس البشرية، ويعرفُ ما يدور في أذهان المستمعين، فيخاطبهم حسب عقولهم.
د ـ لـه مخيلةٌ نشيطةٌ، وإحساسٌ مرهفٌ، فمخيلته تُجسّمُ الأفكار، وتصنع الخطط، وتصوّر المواقف، وإحساسُه يتلقى التأثيرات ويعكسُها لجنُودهِ، وما فعله مع جنوده حين جعل نفسه مثالاً حياً يتقدم صفوف المجاهدين يذكرنا بالقول المأثور: "إذا أردت أن تبكيني فابدأ أنت بالبكاء".
هـ ـ وكانت ثقتهُ في نفسه وفي جيشه كبيرةً، وكان جريئاً في آرائه، رابط الجأش في موقفه.
و ـ كما كان صادقاً مع جنوده لا يراوغ ولا يخاذل.
ز ـ وتعدّ هذه الخطبة، أوّل ريح معطرة بالبلاغة تَهبُّ على أرض الأندلس(42).
ح ـ وقد التزم فيها بلازمة الخطبة (أيها الناس)، كما التزم بالإيجاز، إذ لا إطناب، لأنَّ الظرف غير مناسب لذلك والإيجاز يطلب في ثلاث حالات (الحروب، والتهنئة، والتوصية).
ط ـ وجملة القول: إنَّ خطبة طارق بن زياد، في مجملها جيدة من حيث قيمتها الفنية، وهي تدل على رسوخ ملكة البيان في القواد وخبرتِهم بالقيادة ونفوس الجند(43).
ثالثاً: خطبة طارق بين الشك واليقين
تمهيد:
لقد اختلف الدارسون بشأن هذه الخطبة وبشأن الأبيات التي قالها طارق بن زياد في الفتح، وأوردها المقري في النفح نقلاً عن الحجاري في "المسهب" وابن اليسع في "المغرب"(44)، فاختلفوا في نسبة هذين النصين إليه، فوقف بعض الباحثين وقفة شك في نسبة الشعر والخطبة إليه وأثبتهما له باحثون آخرون، وسنتناول آراء هؤلاء وهؤلاء في هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، ثم نبين بطلان هذا الشك.
1 ـ الشاكون في الخطبة:
لقد شك بعض المؤرخين في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، ويبدو أنَّ هذا الشك جاء أولاً من بعض المستشرقين الذين يشك في نياتِهم(45) (لأن "الاستشراق" و"الاستعمار" و"التبشير" ثلاثة أسماء لشيء واحد)، ثم حذا حذوهم بعض مؤرخي العرب، فشكوا هم بدورهم في نسبة الخطبة، ومن هؤلاء الدارسين الشاكين: الدكتور أحمد هيكل(46) والدكتور عمر الدقاق(47)، والأستاذ محمد بن تاويت والدكتور محمد الصادق العفيفي(48) والأستاذ محمد عبد الله عنان(49)، والأستاذ محمد حسن كجة(50)، والدكتور عمر فروخ(51)، والدكتور أحمد بسام الساعي(52) والدكتور سوادي عبد محمد(53)، والدكتور عبد الرحمن الحجي(54)، وغيرهم. غير أنه يكاد يكون الدكتور أحمد هيكل في كتابه (الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة) هو الأصل لمعظم الدراسات التي ظهرت بعده في هذا الموضوع، وعليه اعتمد الدارسون الآخرون حيث نقلوا كلامه بتصرف، ولهذا سنورد رأيه دون الالتفات إلى آراء الآخرين.
2 ـ أسباب الشك.
يرتاب الدكتور أحمد هيكل ومن حذا حذوه في نسبة الخطبة إلى فاتح الأندلس، ويرون أن نسبتها إليه يحف بها كثير من الشك، وذلك لعدة أسباب منها:
أ ـ أن طارق بن زياد كان بربرياً مولى لموسى بن نصير، وكان أول عهده بالإسلام والعربية عام تسعة وثمانين للهجرة (89هـ/ 707م)، وهو العام الذي استولى فيه موسى بن نصير على بلاد المغرب، فلا يعقل أن يكون طارق قد اكتسب في هذه السنوات الثلاث اللسان العربي الفصيح والملكة البلاغية الرفيعة التي تؤهله لإلقاء مثل هذه الخطبة.
ب ـ ومن أسباب هذا الشك أنَّ المصادر الأولى التي سجلت حوادث الفتح، قد خلت تَماماً من أيّ حديث عن هذه الخطبة، ولم يرد ذكرها إلاّ في بعض المصادر المتأخرة كثيراً عن فترة الفتح، كنفح الطيب للمقري.
ج ـ ومن أسباب الشك أيضاً أسلوب الخطبة الذي لم يكن معروفاً في تلك الفترة، فالسجع والمحسنات البديعية، قد عاشت في عصر متأخر كثيراً عن أواخر القرن الأول الهجري..
د ـ أمّا "العربان" الذين ذكرهم طارق في خطبته "وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عرباناً"، فلم يكونوا في حقيقة الأمر، وحسب المصادر التاريخية الموثوقة "عُرباناً"، بل كان معظم أفراد جيش طارق من برابرة المغرب(55).
4 ـ المثبتون للخطبة:
وإذا كان بعضُ الدّارسين قد شكّوا في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق ـ كما رأينا ـ انطلاقاً من حجج نراها واهية، وفندناها، فإنَّ هناك باحثين آخرين رَدوا على من شك في صحتها، وتصدُّوا لإثبات صحتها ونسبتها، ومن هؤلاء الدارسين أستاذنا الدكتور عبد السلام الهراس الذي "أورد نصوص خطبة طارق من المصادر المختلفة التي أحصاها، وهي: نص ابن خلكان ـ نص الإمامة والسياسة ـ نص تحفة الأنفس لابن هذيل ـ نص ريحانة الألباب للمواعيني ـ نص عبد الملك بن حبيب ـ نص الطرطوشي ـ نص نفح الطيب وهو المعروف المتداول، وقارن بينها، واستخلص منها ثلاث صور للنص مختلفة بعض الاختلاف ولا سيما في الصياغة هي:
أ ـ نص الإمامة والسياسة.
ب ـ نص ابن خلكان ونفح الطيب.
ج ـ نص ابن هذيل، وهو يجمع بين النصين السابقين.
وتوصل من خلال دراسته لهذه النصوص إلى إثبات صحتها"(67). كما أثبتها الأستاذ عبد الله كنون(68)، والعلامة شكيب أرسلان(69)، والأستاذان: محمد الطيب وإبراهيم يوسف(70)، والدكتور علي لغزيوي(71) والدكتور عباس الجراري الذي تناول نص الخطبة على أساس أنَها من الأدب المغربي "وأورد نصوصها من المصادر السابقة، وانتهى إلى إثباتِها مع الإشارة إلى بعض الشك حولها بسبب اختلاف النصوص، ولكنّه يرجّح أنَّها ليست من إنشاء طارق، وإنما كتبت له ليلقيها في الجيش"(72) وقد تناول السمات الفنية للخطابة في هذا العصر، فوازن بين خطب الأمويين بالمشرق وخطبة طارق من الناحية الفنية، وتوصل إلى النتائج نفسها المشار إليها آنفاً(73).
5 ـ فذلكة:
وعلى الرغم من إشادة بعض الروايات العربية الإسلامية بهذه الخطبة، وتنويهها بما كان لها من أثر في إذكاء شجاعة الجند، وتَمتين الثقة بأنفسهم لِتحقيق الانتصار والظفر بفتح هذه البلاد ونشر الإسلام في ربوعها، فإنّ بعض الدارسين ارتابوا في نسبتها إلى فاتح الأندلس، وقدّموا حججاً واهية. وقد تبين من خلال هذا العرض بطلان تلك الحجج والآراء التي تشكك في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، وتبين أيضاً أنّ هذا الشك جاء أوّلاً من بعض المستشرقين الذين يشك في نياتِهم، وقد كشفتُ عن بعض ما يرمي إليه الشك، والهدف الذي يسعى إليه "الاستشراق" و"التبشير" و"الاستعمار" من بث مثل هذه الأفكار السامة. وأخوَفُ ما يُخَافُ أن يأتي يومٌ يشك فيه في الفتح، وفي الوجود العربي الإسلامي الذي دام ثمانية قرون بالأندلس، وأنْ تُصبحَ شخصيةُ طارق أسطورة، وعبورُهُ العظيم للبحر، وانتصاره على ملوك الأندلس وفتحه الطريق للمسلمين نحو قلب أوربة أسطورة... لهذا كله، نحن لا نشكُّ في صحة الخطبة ونسبتها إلى طارق، ولا في حادثة إحراق السفن، وإن شك فيهما كثير من الناس، ونرى أنَّ نسبة الخطبة إليه ثابتة، وإن كان اختلاف النصوص في المصادر القديمة يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ الخطبة قد أدخلت عليها تعديلات وإضافات من قبل الأجيال اللاحقة حتى انتهت إلى الشكل الذي هي عليه الآن، بل الراجح أنَّ طارقاً لابد أنْ يكون قد خطب في جنوده خطبة أثارت حماسهم، هي من أروع ما سجّله الرواة، خطبة تنبع من قلب قائد عظيم يقاتل في سبيل الله.
ولكننا نظنّ أنّه ألقاها بأسلوب مبسط، مع ترجمة إلى اللهجة القبائلية (كما يفعل بعض الخطباء اليوم)، لأنّها وجهت إلى جنود معظمهم من البربر، لم تكن لغتهم العربية قد وصلت إلى مستوى عال مما عليه الخطبة فهم حديثو العهد بالإسلام والعربية، ولاسيما أنَّ العربية هي أبطأ في الانتشار من الإسلام(74).
المصادر والمراجع:
ـ الأدب العربي وتاريخه: د. محمد محمد خليفة وزكي سويلم ـ القاهرة 1987م.
ـ تاريخ افتتاح الأندلس: ابن القوطيه.
ـ أبناء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث: بطرس البستاني. بيروت، دار مارون عبود.
ـ البيان المغربي: في أخبار الأندلس والمغرب. ابن عذارى المردكش ـ ليدن 1948م.
ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: حمد بن محمد المقري التلمساني: تحقيق: إحسان عباس ـ بيروت ـ دار صادر 1988. ونسخه المطبعة الأزهرية ـ القاهرة 1302هـ.
ـ طارق بن زياد: د. سوادي عبد محمد ـ بغداد 1988م.
ـ الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه: د. عباس الجراري ـ الرباط 1979م ـ مكتبة المعارف.
ـ أدب السياسة والحرب في الأندلس: علي الغزيوي ـ الرباط ـ مكتبة المعارف 1987م.
ـ تاريخ الأدب والنصوص: محمد الطيب عبد النافع وإبراهيم يوسف.
ـ ملامح الشعر الأندلسي: محمد الطيب عبد النافع وإبراهيم يوسف.
ـ الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الأندلس: محمد الطيب عبد الناظم.
ـ الموجز في الأدب العربي وتاريخه: وضع لجنة من الأساتذة في الأقطار العربية. دار المعارف ـ القاهرة.
ـ تاريخ المسلمين: د. عبد العزيز سالم.
ـ خطبة طارق بن زياد وهل قالها حقاً: مجلة العربي (عدد إبريل رقم 293 ـ عام 1983م.
ـ مائة من أوائل تراثنا: د. سهيل زكار.
ـ وفيات الأعيان ـ ابن خلكان ـ دار الثقافة ـ بيروت.
* كلية الآداب، جامعة عنابة (الجزائر).
(1) د.محمد خليفة وزكي سويلم: الأدب العربي وتاريخه، ص : 107.
(2) ابن القوطية: تاريخ افتتاح الأندلس، ص: 19 وما بعدها.
(3) وقعت معركة بلاط الشهداء في سهول بواتيه وعلى بعد نحو 250 كيلو متراً من باريس جنوباً.
(4) انظر: بطرس البستاني: أدباء العرب في الأندلس و عصر الانبعاث، ص : 16.
(5) انظر: أخبار مجموعة، ص: 19 وما بعدها. وابن القوطية تاريخ افتتاح الأندلس، ص: 19. وما بعدها. وابن عذاري: البيان المغربي، ج2، ص: 4 وما بعدها.
(6) هؤلاء الأدباء هم: أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي، وجعونة بن الصمة الكلابي، وطارق بن زياد وغيرهم.
(7) انظر المقري: نَفح الطيب، مج1، ص : 265.
(8) ابن عذاري: المصدر السابق، ج2، ص: 4 وما بعدها. وابن القوطية: المصدر السابق، ص: 28 وما بعدها.
(9) انظر المقري: المرجع السابق، مج1، ص: 240.
(10) انظر تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس (النسخة المخطوطة التي نشرها مصورة لويس مرسييه في باريس، سنة 1932، ص : 70 ـ 71، نقلاً عن د.سوادي عبد محمد: طارق بن زياد، ص: 84، بغداد 1988).
(11) نشر جزءاً من الكتاب الدكتور محمود مكي في صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، العدد 5، ص : 222 نقلاً عن الدكتور عبد الرحمن علي الحجي في كتابه: التاريخ الأندلسي، ص : 59.
(12) انظر: ج2، ص : 106 ـ 107، طبعه موفم للنشر، الجزائر، 1989.
(13) انظر: ص: 154، نقلاً عن الدكتور عباس الجراري في كتابه: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، ص: 66 ـ 67.
(14) مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 2647. نقلاً عن د.عباس الجراري: المرجع السابق، ص: 61.
(15) انظر: مج5، ص: 321 ـ 332، ط.دار الثقافة، بيروت.
(16) انظر: ابن هذيل، المرجع السابق، ص: 70 ـ 71.
(17) المقري: نفح الطيب، مج1، ص: 240 ـ 241.
(18) د.سوادي عبد محمد: المرجع السابق، ص: 85 ـ 86.
(19) انظر المقري: نفح الطيب (تحقيق إحسان عباس)، مج1، ص: 240 ـ 241.
(20) الوزر: الملجأ والمعتصم والمراد به هنا السلاح.
(21) ذهبت ريحكم: ذهبت قوتكم من قوله تعالى: (وَلاَتَنَازَعُوا فتفشَلُوا وتَذهَبَ ريحُكُم واصبُروا( سورة الأنفال، الآية: 46.
(22) المناجزة: المقاتلة والقضاء على الخصم.
(23) بنجوة: بمنجاة، بخلاص والأصل في النَّجوة: المكان المرتفع.
(24) زيادة من ابن خلكان.
(25) العقيان: الذهب.
(26) عُرباناً: وردت في بعض النّسخ بالزاي المعجمة (عزبان: جمع أعزب كأعمى وعميان، أو جمع عازب: كصاحب وصحبان، أو جمع عَزِيب: كشجيع وشجعان: وهو الذي لم يتزوج، ويبدو أنَّ هذه الرواية هي الصحيحة بدليل قوله بعد ذلك "ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا وأختانا".
(27) أختانا: جمع مفرده ختن بالتحريك: وهي الصهر وكل مّنْ كان مِنْ قِبَل المرأة كالأب والأخ والعم وكزوج البنت أو زوج الأخت ومن كان من قبل المرأة جميعهم أختان، ومن قبل الزوج أحماء.
(28) ارتياحكم للطعان: رضاكم بالقتال، ارتاح إلى الشيء: رضى به وقبله.
(29) انظر الدكتور محمد خليفة وزكي سويلم: الأدب العربي وتاريخه، ص: 104.
(30) انظر: المقري: المرجع السابق، مج1، ص: 265، ذكر أنَّ الأبيات الثلاثة من قصيدة، وهذا يعني أن أصلها أطول من ذلك.
(31) علي لغزيوي: أدب السياسة والحرب في الأندلس، ص: 412.
(32) الموجز في الأدب العربي وتاريخه، وضع لجنة من الأساتذة بالأقطار العربية، ص: 157.
(33) واقعة إحراق السفن المنسوبة إلى طارق بن زياد لم تحظ بالتحقيق والعناية، وقد اختلف المؤرخون حولها بين الظن واليقين، وأوّل من ذكر هذه القصة هو أبو عبد الله محمد الإدريسي (560هـ) صاحب كتاب "نزهة المشتاق"، إذ يقول: "لمّا جاز طارق بِمن معه من البرابر، وتحصنوا بِهذا الجبل أحسَّ في نفسه أنَّ العرب لا تثق به فأراد أن يزيح ذلك عنه، فأمر بإحراق المراكب التي جاز عليها..."(انظر: نزهة المشتاق، ص: 178). ولئن شكَّ بعض المؤرخين في الحادثة، فإنَّ هذا الشك جاء أولاً من بعض المستشرقين الذين يشك في نواياهم، ونحن لا نشك في الحادثة، وإن شك فيها بعض الناس، لأنّ حرق السفن عمل جيد من الناحية الاستراتيجية، فهو بهذا العمل يكون قد قطع على الجيش كلّ أمل في العودة إلى المغرب، وليدفع جنوده إلى الاستبسال في القتال والاستماتة في الاندفاع، إلى الأمام. كما أنَّ الخطبة تؤيد صحة هذه الواقعة فهو يستهلها بقوله: "أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر..." والدليل على صحة الرواية أنَّ مثل هذه الواقعة كانت شائعة ليس فقط في التاريخ العربي الإسلامي، وإنّما في التاريخ الإنساني عموماً، ومنذ أقدم العصور فقد ذكر جرجي زيدان أنَّ الأحباش عندما غزوا اليمن وبعد عبورهم البحر تصدّت لهم جيوش الدولة الحميرية الكثيفة، فخطب أرباط قائد الجيش الحبشي في جنده قائلاً: "يا معشر الحبشة قد علمتم أنّكم لن ترجعوا إلى بلادكم أبداً، هذا البحر بين أيديكم إن دخلتموه غرقتم وإن سلكتم البر هلكتم واتخذتكم العرب عبيداً وليس لكم إلا الصبر حتى تموتوا أو تقتلوا عدوكم"(انظر: العرب قبل الإسلام، ص: 148). وكذلك أورد الطبري أنَّ سيف بن ذي يزن خطب في عسكره الذي ذهب لتحرير اليمن من الأحباش بعد أن أحرق سفنه قائلاً: "ليس أمامكم إلا إحدى" اثنتين إمّا القتال بشجاعة حتى الظفر وإما الاستكانة والتخاذل، وحينذاك يلحقكم العار والخزي العظيم" (تاريخ الطبري، ج2، ص 119). وقد أثرت قصة إحراق طارق بن زياد للسفن في المكتشف الإسباني "هرنا ندوكورتيث" الذي فتح المكسيك سنة 926 هـ/ 1519م فقد فعل فِعْلَ طارق عندما أحرق سفنه الذي قدم عليها جيشه من إسبانية حالما اشرف على شواطئ المكسيك لكي يقطع على جنده كل تفكير في الرجعة والارتداد (محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، ص: 49 هامش رقم 1، نقلاً عن د.سوادي عبد محمد: طارق بن زياد، ص: 95). وانظر عن الحادثة مجلة الفيصل، السنة 24، العدد 279، رمضان 1420هـ.
(34) الدكتور أحمد بسام الساعي: خطبة طارق بن زياد هل قالها حقاً؟ مجلة العربي، العدد 293، أفريل 1983.
(35) د.سوادي عبد محمد: المرجع السابق، ص: 86.
(36) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(37) سورة الصف، الآية : 8 (يريدون ليطفئوا نورَ الله بأفواهِهم والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون(.
(38) علي لغزيوي: المرجع السابق، ص : 413.
(39) علي لغزيوي: المرجع السابق، ص : 414.
(40) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(41) د.سوادي: المرجع السابق، ص : 88.
(42) د.محمد خليفة وزكي سويلم: المرجع السابق، ص: 109.
(43) د.محمد خليفة وزكي سويلم: المرجع السابق، ص : 106.
(44) انظر: المقري: نفح الطيب، مج1، ص: 265.
(45) محمد الطيب عبد النافع وإبراهيم يوسف: تاريخ الأدب والنصوص. ص: 172.
(46) انظر كتابه: الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، ص: 67 وما بعدها.
(47) انظر كتابه: ملامح الشعر الأندلسي، ص: 48 ـ 59.
(48) انظر كتابهما: الأدب المغربي، ص: 103 ـ 104.
(49) انظر كتابه: دولة الإسلام في الأندلس، العصر الأول، القسم الأول، ص: 47.
(50) انظر كتابه: محطات أندلسية، ص: 32.
(51) انظر كتابه: تاريخ الأدب العربي، ج4، ص: 40 (هامش 1).
(52) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(53) انظر: سوادي عبد محمد: المرجع السابق، ص: 83 وما بعدها.
(54) انظر كتابه: التاريخ الأندلسي، ص: 59 وما بعدها.
(55) انظر: أحمد هيكل: المرجع السابق، ص: 69 وما بعدها.
(56) ابن عذاري: البيان المغربي، ج2، ص: 5.
(57) الدكتور سهيل زكار: مائة أوائل من تراثنا، ص: 170. وانظر كتابه: تاريخ العرب والإسلام، ص: 423.
(58) الدكتور عباس ا لجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، ص: 58 ـ 59.
(59) نشر قسماً من الكتاب الدكتور محمود مكي في صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد تحت عنوان: مصر وأصول كتابة التاريخ العربي الإسباني، سنة 1957، العدد: 5، ص: 221 وما بعدها. وانظر الدكتور عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي، ص: 95.
(60) انظر: الإمامة والسياسة، ج2، ص: 106 ـ 107، طبعة موفم للنشر، الجزائر، 1998.
(61) انظر: سراج الملوك، ص: 154، نقلاً عن الدكتور عباس الجراري: المرجع السابق، ص: 61.
(62) مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط، رقم: 2647 نقلاً عن الدكتور عباس الجراري: المرجع السابق، ص: 61.
(63) انظر: وفيات الأعيان، مج5، ص: 321 ـ 322، دار الثقافة، بيروت.
(64) انظر: تحفة الأنفس (لوحة 48 مخطوط رقم 1652 الأسكوريال) اقتبسه محمد عبد الله عنان في كتابه دولة الإسلام في الأندلس، ج1، ص: 46 ـ 47.
(65) انظر: نفح الطيب، مج1، ص: 240 ـ 241.
(66) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(67) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(68) د.علي لغزيوي: المرجع السابق، ص: 414 ـ 415.
(69) انظر النبوغ المغربي، ج1، ص : 29، وانظر مقالته: حول خطبة طارق في مجلة دعوة الحق، العدد: 6 ـ 7 السنة 11.
(70) انظر كتابهما: تاريخ الأدب والنصوص الأدبية ص: 172.
(71) انظر كتابه: أدب السياسة والحرب، ص: 414.
(72) انظر بحث الدكتور عباس الجراري عن: نشأة الأدب العربي في المغرب، ظروفها ومظاهرها، مجلة المناهل المغربية، العدد: 2، ص: 111 ـ 119، اقتبسه الدكتور علي لغزيوي في كتابه : أدب السياسة والحرب، ص: 415.
(73) انظر كتابه: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، ص: 53 وما بعدها.
(74) انظر الدكتور السيد عبد العزيز سالم: تاريخ المسلمين، ص: 78. ود. سوادي عبد محمد: المرجع السابق، ص: 86.
د. سعد بو فلاقة
يتناول موضوع هذا البحث آراء الدارسين في "خطبة طارق بن زياد" فقد اختلفوا في نسبة الخطبة إليه، فوقف بعض الباحثين وقفة شك في نسبتها إليه، وأثبتها له باحثون آخرون، وسنتناول آراء هؤلاء وهؤلاء في هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، ثم نبيّن بطلان هذا الشك.
توطئة:
منذ وطئت أقدامُ المسلمين أرض الأندلس، وهم يعيشون في نزاع دائم مع سكان البلاد الأصليين، وقد ظلت السيوفُ مشرعة بين الفريقين طوال مدة حكم الولاة(1)، ويطلق اسم عصر الولاة على الفترة التي أعقبت الفتح الإسلامي للأندلس ودامت ستة وأربعين عاماً (92 ـ 138 هـ). وتبدأ هذه الفترة بطارق بن زياد، ثم بموسى بن نصير، ثم بابنه عبد العزيز، وتنتهي بيوسف الفهري سنة 138 هـ. وقد ولي الأندلس في هذه الفترة اثنان وعشرون والياً(2)، فمنهم من كان يُعيّنهم خلفاء بني أمية في دمشق، ومنهم من كان يعيّنهم والي إفريقية في القيروان، وكانوا يختلفون قوةً وضعفاً، واستقامة وانحرافاً. وفي هذه الفترة توغل المسلمون الفاتحون في بلاد إسبانية وفتحوا بلاداً جديدة كبرشلونة (BERCELONE)، وقشتالة (GASTILLE)، ثم فتحوا جزءاً من فرنسة بقيادة عبد الرحمن الغافقي، فوصلوا إلى مدينة ليون (LYON) وما زالوا يتقدمون في قلب فرنسة حتى بلغوا تور (TOURS) ولكن شارل مارتل اعترضهم بجموع الفرنجة في سهول بواتيه(3)، وقتل في تلك المعركة، التي يسميها العرب بَلاط الشهداء قائدهم عبد الرحمن الغافقي، وكثيرون معه، وكان في ذلك سنة 144 هـ(732م). ولم يقتصر عصر الولاة على الحروب بين المسلمين والنصارى في أوربة بل حدث شقاق عظيمٌ في المسلمين أنفسهم(4)، فقد كانت هناك نزاعات وحروب داخلية على أشدها بين العرب والبربر تارة، وبين العرب أنفسهم تارة أخرى، ولاسيما بين القيسية واليمانية، ثم بين مؤيدي الأمويين والعباسيين. لهذا كله كان عصرُ الولاة عصراً مضطرباً، وكانت السمات السياسية فيه، هي: الحروب والصراع، وعدم الاستقرار، مما جعل القلق يدبُّ في أوصال المجتمع، ويفكّك قوّته ويصدّع تَماسكه(5).
وفي هذا العصر بدأت الخيوطُ الأولى لفجر الأدب الأندلسي، فقد عرف عصر الولاة شذرات من الشعر والنثر قالها أدباء من الطارئين على الأندلس(6)، كانت بمثابة خيوط الفجر الأولى التي تؤذن بصبح مشرق. ويبدو أنَّ أوَّل نص أدبيّ عربيّ تردد في الأندلس هو هذه الخطبة وأبيات شعرية أخرى قالها طارق بن زياد في الفتح، وقد أوردها المقري في النفح(7).
أولاً: معطيات:
1 ـ الشخصية:
هو طارق بن زياد وُلد سنة 50 هـ/640م، وتولّى طنجة سنة 89هـ/707م، ثم فتح الأندلس سنة 92 هـ/710م. أما وفاته فكانت على الأرجح سنة 102 هـ. وقد اختلف في نسبه، ولكن أرجح الأقوال أنَّه بربريُّ قُحٌّ، ولكنه كان على صلةٍ بالعروبة والإسلام منذ زمن ليس بالقصير، فقد ذكر له ابن عذاري أبوين في الإسلام، فاسمه الكامل: طارق بن زياد بن عبد الله، ويبدو أنّه ليس هو الذي أسلم أولاً بل والدُه وجدُّه الذي يكون قد انتقل إلى المشرق، وهناك نشأ طارق في بيئة عربية إسلامية، مع احتفاظه بلهجة أجداده البربرية، ثمَّ جُنّد بعد ذلك في جيش موسى بن نصير، وجاء معه إلى المغرب، وكان من أشد رجاله(8).
2 ـ الظرف:
أمّا الظرف الذي قيلت فيه الخطبة فهو كما ذكر ابن خلكان والمقري، أنَّ طارق بن زياد لمّا استقر بأرض الأندلس، وبلغ دنوّ لذريق منه قام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم حثَّ المسلمين على الجهاد ورغّبهم في الشهادة، ثم قال: "أيها الناس، أين المفر..." (9). أمّا ابن هذيل الأندلسي، وهو من أهل القرن الثامن الهجري، الثالث عشر الميلادي، فأورد لنا رأياً آخر عن الظرف الذي قيلت فيه الخطبة، خالف فيه ابن خلكان والمقري، وغيرهما من المؤرخين، فقال: "... فاقتتلوا ثلاثة أيَّام أشد قتال، فرأى طارق ما الناس فيه من الشدة، فقام يعظهم ويحضهم على الصبر ويرغبهم في الشهادة ثم قال: أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم..." (10).
ومهما يكن من أمر فإنَّ الظرف الذي قيلت فيه الخطبة هو فتح الأندلس، ولا يهم أكان ذلك قبل بدء المعركة الفاصلة أم أثناءها.
3 ـ حياة الخطبة:
لقد عاشت الخطبة في المصادر المغربية والمشرقية التاريخية والأدبية، كتاريخ عبد الملك بن حبيب(11)، المتوفى سنة 238 هـ/ 852م والإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة(12)، المتوفى سنة 276هـ/ 889م، وسراج الملوك للطرطوشي(13)، المتوفى سنة 520هـ/ 1126م، وريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب لأبي محمد عبد الله المواعيني الإشبيلي(14)، عاش في عصر الموحدين، ووفيات الأعيان لابن خلكان(15)، المتوفى سنة 681هـ/1282م، وتحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل(16)، وهو من أهل القرن الثامن الهجري، ونفح الطيب للمقري(17)، المتوفى سنة 1041هـ/1631م.
وقد وردت الخطبة في هذه المصادر بنصوص متشابهة حيناً ومختلفة حيناً آخر، ولكنّها نالت شهرتِها بفضل ابن خلكان الذي نقل حرفيات الخطبة عن مصدر لم يذكره، ثمَّ أخذها عنه المقري، فأورد لنا نصّاً "منقحاً ومشذباً" عما كان يتناقله المؤرخون والكُتّاب في تآليفهم ومصَنّفاتِهم خلال عَصرهِ من أخبار تتعلق بالإطار البنائي والأدبي للخطبة دون مناقشتها وتحليلها(18).
وقد اتخذنا نص "نفح الطيب" أساساً للدراسة باعتباره من أكمل النصوص التي وصلت إلينا، وإنْ كان اختلافُ النصوص في المصادر القديمة يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ الخطبة قد أدخلت عليها تعديلات وإضافات من قبل الأجيال اللاحقة حتى انتهت إلى الشكل الذي هي عليه الآن.
4 ـ نص الخطبة(19):
قال: "أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدقُ والصبر، واعلموا أنّكم في هذه الجزيرة أضيَعُ من الأيتام، في مأدُبَة اللئام، وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُهُ موفورة، وأنتم لا وَزَرَ(20) لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلاَّ ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم، وإن امتَدّت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم(21)، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بِمُناجزة(22) هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينَتُه الحصينة، وإنّ انتهاز الفُرْصَة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإنّي لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنَجْوة(23)، ولا حملتكم على خُطة أرخصُ متاع فيها النفوسُ (إلاَّ وأنا)(24)أبدأ بنفسي، واعلموا أنّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَه الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حَظّكم فيه بأوفى من حظّي، [وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمَرْجان، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان(25)، ا لمقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان]، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أميرُ المؤمنين من الأبطال عُرْبانا(26)، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا(27)، ثقةً منه بارتياحكم للطّعان(28)، واستماحكم بمُجالدة الأبطال والفُرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مَغْنَمُها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى وليُّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين، واعلموا أني أوّل مجيبٍ إلى ما دعوتكم إليه، وأنّي عند مُلْتَقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتِلهُ إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يُعْوزكم بطلٌ عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكتُ قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنِهم بعده يُخْذَلون".
ثانياً: تحليل الخطبة:
1 ـ عنوان الخطبة:
تُعرفُ هذه الخطبة في الكتب المدرسية باسم "خطبة طارق بن زياد" أو "خطبة طارق في الترغيب في القتال"(29)، وليس هذا العنوان جُزْءاً أصيلاً في الخطبة، وإنَّما هو عنوان وضعه لها، اجتهاداً، بعض المنتقين للتمييز بينها وبين خطب الآخرين، وهذا يعني أنَّ هؤلاء المنتقين قد أقرّوا أنَّ لطارق خطبة واحدة، ونحن لا نشاطرهم الرأي في ذلك، لأنّنا نعرف أنَّ ما وصلنا من مصادر قديمة قليل جداً، وأنَّ ما وصلنا فيها من أخبار ونصوص ليس غير جزء ضئيل مِمَّا كنا ننتظر وما زلنا ننتظر أن يأتينا يومٌ يُكشفُ فيه النقابُ عن تراثنا الدَّفين، ولعلّنا نكتشفُ عندئذٍ أنَّ لطارق خُطباً أخرى وأشعاراً أخرى، كما ذكرت بعض المصادر(30).
ومن هنا جاءت بادرتُنا، في التفكير في وضع عنوان لخطبة طارق، هذه، حتى نُميزها من غيرها من الخطب المنتظرة من ناحية، وحتى نبيّن بأنَّ العنوان هو ذاكرة النص ورأسه المفكر من ناحية ثانية، ونرى بأنَّ العنوان المناسب لخطبة طارق، هو: "خطبة الفتح" على غرار "خطبة الوداع" للرسول الأعظم محمد (().
2 ـ نوع الخطبة:
تعدُّ خطبة طارق بن زياد هذه من عيون الأدب العربي، وهي من أروع الخطب الحربية التي عرفها التاريخ، وهي من النوع الحماسي والحض على الجهاد.
3 ـ هدف الخطبة:
هدف الخطبة الأساسي هو تحريض الجُنْد على القتال وبعث الحماس في نفوسهم، وحثهم على الصمود والثبات لمواجهة العدو والانتصار عليه.
4 ـ أقسام الخطبة ومضمونِها:
تخلو هذه الخطبة من أيّ شكل من أشكال المقدمات، إذ يتناول طارق الموضوع مباشرة، ويشتمل على ثلاثة مقاطع متتالية تكوّن فيما بينها وحدة في الموضوع (الحث والتحريض على الجهاد).
المقطع الأول: الترهيب: ويبدأ بـ(أيها الناس، أين المفر؟..) وينتهي بـ(إلاَّ وأنا أبدأ بنفسي).
وقد وجّه فيه طارق الخطاب إلى أصحابه، ورسم لهم صورة عامة للظروف التي هم فيها، مما يفرض عليهم الصمود والثبات لمجابَهة العدو، وقد اعتمد في ذلك على المقابلة بين وضعيتهم ووضعية أعدائهم، فالمسلمون محاطون بالبحر الذي خلفوه وراءهم، وبالعدو الذي يزحف نحوهم، وقد شبّههم في وضعهم هذا بالأيتام الضائعين في مأدبَة اللئام، لا سند لهم ولا معين إلا سيوفهم، ولا قوت إلاَّ ما يستخلصونه بأنفسهم من أعدائهم الذين يتوافرون على جيشٍ جرّارٍ، وأسلحةٍ كثيرةٍ، وأقواتٍ موفورةٍ، ثم حذّرهم من خطورة النتائج، إنْ طالت بهم الأيام وهم على هذا الوضع، ولم ينفّذوا ماهم بصدده من القضاء على عدوهم، الذي يمكن أن ينقلب خوفُه منهم جرأة عليهم(31)، أي: أنَّه جعل جنوده في موقفٍ حرج لا مجال فيه إلاّ للموت أو الاستماتة في القتال، وجعل نفسه مثالاً حيّاً يتقدم صفوف المجاهدين(32).
ولقد لجأ في خطبته إلى العقل أوّلاً دون العاطفة عندما وضع جنوده في الإطار الحقيقي بعد إحراق سفنه(33)، وحين يسيطر العقل على العاطفة في الخطبة تغيبُ الصور عن الساحة، ويتوقف الخيال عن التّدخل... فحديث العقل هامسٌ هادئ، أمَّا حديث العاطفة فحديث قارعٌ ضاجٌّ يستثيرُ النّوازع البدائية في النفوس كما تستثيرها الطبول بأصواتِها القوية المدوية(34).
المقطع الثاني: التّرغيب: ويبدأ بـ(واعلموا أنّكم إن صبرتم على الأشق قليلاً)، وينتهي بـ(والله تعالى ولي إنْجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين).
وبعد أنْ فصّل في جانب الترهيب، عمد إلى الترغيب، ليبث في نفوس جنُودِه مزيداً من الحماس، فحثهم على الصمود والجهاد، وأوصاهم بالصبر على مشاق الحرب مدة قصيرة ليستمتعوا بثمار النصر زمناً طويلاً، ولينالوا رضى الخليفة (الوليد بن عبد الملك) الذي اختارهم من أبطال العرب والمسلمين لفتح تلك الجزيرة، رغبة منه في أنْ يكون حظه منهم ثواب الله عزّ وجلّ على إعلاء كلمته وإظهار دينه في هذه الأرض، وهو يعدهم بأنَّ ما يُحْرِزُونَهُ من غنائم في الحرب حق خالص لهم لا يشاركهم فيه أحدٌ، لا الخليفة، ولا غيرُه ممّن لم يحارب معهم، ثم ذكرّهم بأنّ الله سبحانه وتعالى سيكون في عونِهم على هذا العمل الصالح الذي سيكسبهم ذكراً حسناً في الدارين.
أمّا الفقرة التي وضعناها بين حاضنتين (في نص الخطبة)، فإنَّنا نرتاب في نسبتها إلى طارق، ونعتقد أنّها من وضع بعض المستعربين (المستشرقين) الحاقدين على الإسلام والمسلمين وتدبيجهم، لأن ما ورد فيها لا يتلاءم والروح الإسلامية العالية التي يتميز بها الفاتحون الأوائل من أمثال طارق بن زياد، فالفارق واضح بين لغة الخطبة كلها، ولغة هذه الفقرة التي يُغري طارق فيها جنوده بفتيات الأندلس وبالحور من بنات اليونان (ولسنا ندري لماذا اليونان؟) اللائي يرْفلن باللآلئ والمرجان، وهن بنات الملوك والأمراء (كما زعموا). فهي فقرة شاذة طغى عليها السجع طغياناً لم نَجِدْه في سائر الخطبة من ناحية وانحَطّت لُغتُها في الوقت نفسه إلى دركٍ لا يمكن أنْ نظنَّ معه أبداً أنّها وبقية أجزاء الخطبة من عمل واحدٍ. إلى جانب ما جاء فيها من التناقض في المعاني، وفي الأسلوب، ومن مخالفتها لحقائق تاريخية، كإقحام كلمة "اليونان" في الفقرة، في حين أنَّ المؤرخين الأندلسيين قد اعتادوا على استعمال كلمة "الروم" أو "القوط" وكذلك اصطلاح "العلوج والعجم أو المشركين والكفار"(35).
وفضلاً عن ذلك فإنَّ المؤرخين العرب القدماء الذي ينتمون إلى أزمنة مختلفة، وأمكنة متباعدة تجاهلوها، وكأنَّها شيء لا أصل له في الخطبة، فلم يثبتها أحد من المؤرخين الأوائل، أمثال: عبد الملك بن حبيب (ت 238هـ/852م). صاحب كتاب "مبدأ خلق الدنيا"، المعروف بتاريخ ابن حبيب، وابن قتيبة (ت 276 هـ/889م) صاحب كتاب "الإمامة والسياسة"، والطرطوشي (ت 520 هـ/ 1126م) صاحب كتاب "سراج الملوك"، وغيرهم. وأوّل من أورد هذه الفقرة في الخطبة هو ابن خلكان (ت 681هـ/ 1282م). صاحب كتاب "وفيات الأعيان". ويبدو أنَّ الفقرة قد أضيفت إلى الخطبة بعد عصر ابن خلكان عندما استولى الصليبيون على بلاد المسلمين وعبثوا بتراثهم...
وإذن، فلابد من الوقوف وقفة شكّ كبير أمام هذه الفقرة "ومما يزيد هذا الشك رسوخاً تلك الحقيقة التاريخية التي عُرفت عن الجيوش الإسلامية عامة ـ ولاسيما في تلك القرون الأولى من حملات الإسلام ـ وهي أنَّ هذه الجيوش لم تكن تغزو للغزو وللغنائم التي ينالها الغزاة عادة، بل كانت تغزو في سبيل فكرة وعقيدة"(36).
وهذه الحقائق التّاريخية، لا تُعجبُ الصليبيين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، فعملوا ما في وسعهم على تشويه التاريخ الإسلامي المجيد بجوانبه المتعددة، تارة بالزيادة، وطوراً بالحذف، ولكن (يُريدُونَ ليُطفِئوا نُورَ الله بأفواهِهم والله مُتِمُّ نُورِهِ ولو كَرِهَ الكَافِرُونَ((37).
المقطع الثالث: إبراز خطته الحربية في المعركة، ويبتدئ بـ(واعلموا أني أوّلُ مجيب إلى ما دعوتكم إليه)، وينتهي بـ(فإنّهم بعده يخذلون).
وبعد أنْ تناول جانب الترغيب مركزاً على الجانبين المادي والمعنوي معاً، انتقل إلى إبراز خُطَّته الحربية في المعركة التي يقبل عليها، واضعاً كل الاحتمالات الممكنة أمام أعينهم تجنّباً للاضطراب أو تصدّع الصفوف في حالة استشهاد القائد، وقد أعلن عن خطته في اللحظات الحاسمة قبل نشوب المعركة، مما يدلُّ على حنكته وبعد نظره(38)، ثم أخبرهم بأنّ قتل لذريق ملك الأعداء سيسهل مهمة فتح الأندلس، لأن قومه سيخذلون بعد قتله، وقد اتخذ نفسه قدوة لجنده عندما تكفل هو بنفسه بقتل لذريق، وقال لهم: فإنْ متُّ بعد قتل الطاغية فقد كفيتكم شره، عندئذٍ تستطيعون إسناد أموركم إلى بطل عاقل يخلفني في قيادتكم.
5 ـ الأسلوب:
الأسلوب في هذه الخطبة، هو أسلوب الخطابة بشكل عام، يمتاز بالقوة والجزالة، وبالإيجاز والفصاحة، وبتماسك الجمل، والبعد عن الحشو والمبالغة وتكلف ما لا طائل تحته، وهو أسلوبٌ عربيّ النّسج، خالٍ من أية عجمة تشينه، أو غرابة وتعقيد يزريان به، ويحطان من قدره، وهو فوق هذا بعيد عن المحسنات البديعية المتكلفة الممقوتة (باستثناء الفقرة الشاذة المضافة المشار إليها سلفاً)، والسجع الموجود في الخطبة من السجع القصير الفقرات الذي لا ينبو عنه الذوق، ولا تَمجُّه الأسماع، لأنَّه خال من كلّ مظاهر الصنعة والتكلف والخطبة في الجملة، تجري على طبيعتها، وعلى هدى معانيها فجملها قصيرة وقوية، متينة السبك، جميلة الصياغة، فلا نجد لفظة مقحمة في غير مكانِها.
6 ـ العاطفة:
تزخر الخطبة بالعواطف الدينية الصادقة، وتظهر عاطفته الدينية واضحة في هذه الخطبة وتتجلى في اهتمامه بالجانبين الروحي والمادي معاً، وفي سعيه إلى الاستشهاد بإيمان كبير وروح عالية، وحث قومه على الجهاد، كما تتجلى العاطفة الطينية في الجمل الدعائية التي تتخلل الخطبة، وفي بعض المعاني التي يستمدها من القرآن الكريم(39).
وعاطفة طارق تتدفق بحب الجهاد والتوق إلى النصر، ولا ريب أنّها عاطفة صادقة قوية، ولولا ذلك ما أحدثت انفعالاً وأثراً قويين في نفوس الجند.
7 ـ المعاني:
ومعانيه واضحة سهلة، بعيدة عن العمق والتكلف خالية من الصور الفلسفية، ولكن الروح الدينية، تعمُّ معاني الخطبة، فنلحظ تأثر طارق بأفكار القرآن الكريم والحديث الشريف، ولاسيما حين يتحدث عن الأثر النفسي للتقاعس واحتمال تجرؤ العدو عليهم بعد جبنه أمامهم، ثم حين يغريهم بالألذ والأرفه بعد الأشق القليل، وكأنَّه يقيس تلك المكافأة الدنيوية على العمل الطيب بمكافأة الآخرة على الدنيا(40).
8 ـ خلاصة:
في ختام حديثنا عن تحليل الخطبة، يجدر بنا أنْ نسجل الملاحظات الآتية:
أ ـ إنَّ مجمل الروايات العربية والإسلامية، قد أشادت بهذه الخطبة، ونوَّهت بما كان لها من أثر في إذكاء شجاعة الجند، وتَمتين الثقة في نفوسهم لتحقيق الانتصار والظفر بِهذه الجزيرة(41).
ب ـ تفكير طارق من خلال هذه الخطبة تفكير سليم، فهو يجيد التعليل والتدليل، ويحسن تقديم الحجج والبراهين.
ج ـ له ذكاء متوقدٌ، يسبرُ أغوار النفس البشرية، ويعرفُ ما يدور في أذهان المستمعين، فيخاطبهم حسب عقولهم.
د ـ لـه مخيلةٌ نشيطةٌ، وإحساسٌ مرهفٌ، فمخيلته تُجسّمُ الأفكار، وتصنع الخطط، وتصوّر المواقف، وإحساسُه يتلقى التأثيرات ويعكسُها لجنُودهِ، وما فعله مع جنوده حين جعل نفسه مثالاً حياً يتقدم صفوف المجاهدين يذكرنا بالقول المأثور: "إذا أردت أن تبكيني فابدأ أنت بالبكاء".
هـ ـ وكانت ثقتهُ في نفسه وفي جيشه كبيرةً، وكان جريئاً في آرائه، رابط الجأش في موقفه.
و ـ كما كان صادقاً مع جنوده لا يراوغ ولا يخاذل.
ز ـ وتعدّ هذه الخطبة، أوّل ريح معطرة بالبلاغة تَهبُّ على أرض الأندلس(42).
ح ـ وقد التزم فيها بلازمة الخطبة (أيها الناس)، كما التزم بالإيجاز، إذ لا إطناب، لأنَّ الظرف غير مناسب لذلك والإيجاز يطلب في ثلاث حالات (الحروب، والتهنئة، والتوصية).
ط ـ وجملة القول: إنَّ خطبة طارق بن زياد، في مجملها جيدة من حيث قيمتها الفنية، وهي تدل على رسوخ ملكة البيان في القواد وخبرتِهم بالقيادة ونفوس الجند(43).
ثالثاً: خطبة طارق بين الشك واليقين
تمهيد:
لقد اختلف الدارسون بشأن هذه الخطبة وبشأن الأبيات التي قالها طارق بن زياد في الفتح، وأوردها المقري في النفح نقلاً عن الحجاري في "المسهب" وابن اليسع في "المغرب"(44)، فاختلفوا في نسبة هذين النصين إليه، فوقف بعض الباحثين وقفة شك في نسبة الشعر والخطبة إليه وأثبتهما له باحثون آخرون، وسنتناول آراء هؤلاء وهؤلاء في هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، ثم نبين بطلان هذا الشك.
1 ـ الشاكون في الخطبة:
لقد شك بعض المؤرخين في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، ويبدو أنَّ هذا الشك جاء أولاً من بعض المستشرقين الذين يشك في نياتِهم(45) (لأن "الاستشراق" و"الاستعمار" و"التبشير" ثلاثة أسماء لشيء واحد)، ثم حذا حذوهم بعض مؤرخي العرب، فشكوا هم بدورهم في نسبة الخطبة، ومن هؤلاء الدارسين الشاكين: الدكتور أحمد هيكل(46) والدكتور عمر الدقاق(47)، والأستاذ محمد بن تاويت والدكتور محمد الصادق العفيفي(48) والأستاذ محمد عبد الله عنان(49)، والأستاذ محمد حسن كجة(50)، والدكتور عمر فروخ(51)، والدكتور أحمد بسام الساعي(52) والدكتور سوادي عبد محمد(53)، والدكتور عبد الرحمن الحجي(54)، وغيرهم. غير أنه يكاد يكون الدكتور أحمد هيكل في كتابه (الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة) هو الأصل لمعظم الدراسات التي ظهرت بعده في هذا الموضوع، وعليه اعتمد الدارسون الآخرون حيث نقلوا كلامه بتصرف، ولهذا سنورد رأيه دون الالتفات إلى آراء الآخرين.
2 ـ أسباب الشك.
يرتاب الدكتور أحمد هيكل ومن حذا حذوه في نسبة الخطبة إلى فاتح الأندلس، ويرون أن نسبتها إليه يحف بها كثير من الشك، وذلك لعدة أسباب منها:
أ ـ أن طارق بن زياد كان بربرياً مولى لموسى بن نصير، وكان أول عهده بالإسلام والعربية عام تسعة وثمانين للهجرة (89هـ/ 707م)، وهو العام الذي استولى فيه موسى بن نصير على بلاد المغرب، فلا يعقل أن يكون طارق قد اكتسب في هذه السنوات الثلاث اللسان العربي الفصيح والملكة البلاغية الرفيعة التي تؤهله لإلقاء مثل هذه الخطبة.
ب ـ ومن أسباب هذا الشك أنَّ المصادر الأولى التي سجلت حوادث الفتح، قد خلت تَماماً من أيّ حديث عن هذه الخطبة، ولم يرد ذكرها إلاّ في بعض المصادر المتأخرة كثيراً عن فترة الفتح، كنفح الطيب للمقري.
ج ـ ومن أسباب الشك أيضاً أسلوب الخطبة الذي لم يكن معروفاً في تلك الفترة، فالسجع والمحسنات البديعية، قد عاشت في عصر متأخر كثيراً عن أواخر القرن الأول الهجري..
د ـ أمّا "العربان" الذين ذكرهم طارق في خطبته "وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عرباناً"، فلم يكونوا في حقيقة الأمر، وحسب المصادر التاريخية الموثوقة "عُرباناً"، بل كان معظم أفراد جيش طارق من برابرة المغرب(55).
4 ـ المثبتون للخطبة:
وإذا كان بعضُ الدّارسين قد شكّوا في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق ـ كما رأينا ـ انطلاقاً من حجج نراها واهية، وفندناها، فإنَّ هناك باحثين آخرين رَدوا على من شك في صحتها، وتصدُّوا لإثبات صحتها ونسبتها، ومن هؤلاء الدارسين أستاذنا الدكتور عبد السلام الهراس الذي "أورد نصوص خطبة طارق من المصادر المختلفة التي أحصاها، وهي: نص ابن خلكان ـ نص الإمامة والسياسة ـ نص تحفة الأنفس لابن هذيل ـ نص ريحانة الألباب للمواعيني ـ نص عبد الملك بن حبيب ـ نص الطرطوشي ـ نص نفح الطيب وهو المعروف المتداول، وقارن بينها، واستخلص منها ثلاث صور للنص مختلفة بعض الاختلاف ولا سيما في الصياغة هي:
أ ـ نص الإمامة والسياسة.
ب ـ نص ابن خلكان ونفح الطيب.
ج ـ نص ابن هذيل، وهو يجمع بين النصين السابقين.
وتوصل من خلال دراسته لهذه النصوص إلى إثبات صحتها"(67). كما أثبتها الأستاذ عبد الله كنون(68)، والعلامة شكيب أرسلان(69)، والأستاذان: محمد الطيب وإبراهيم يوسف(70)، والدكتور علي لغزيوي(71) والدكتور عباس الجراري الذي تناول نص الخطبة على أساس أنَها من الأدب المغربي "وأورد نصوصها من المصادر السابقة، وانتهى إلى إثباتِها مع الإشارة إلى بعض الشك حولها بسبب اختلاف النصوص، ولكنّه يرجّح أنَّها ليست من إنشاء طارق، وإنما كتبت له ليلقيها في الجيش"(72) وقد تناول السمات الفنية للخطابة في هذا العصر، فوازن بين خطب الأمويين بالمشرق وخطبة طارق من الناحية الفنية، وتوصل إلى النتائج نفسها المشار إليها آنفاً(73).
5 ـ فذلكة:
وعلى الرغم من إشادة بعض الروايات العربية الإسلامية بهذه الخطبة، وتنويهها بما كان لها من أثر في إذكاء شجاعة الجند، وتَمتين الثقة بأنفسهم لِتحقيق الانتصار والظفر بفتح هذه البلاد ونشر الإسلام في ربوعها، فإنّ بعض الدارسين ارتابوا في نسبتها إلى فاتح الأندلس، وقدّموا حججاً واهية. وقد تبين من خلال هذا العرض بطلان تلك الحجج والآراء التي تشكك في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، وتبين أيضاً أنّ هذا الشك جاء أوّلاً من بعض المستشرقين الذين يشك في نياتِهم، وقد كشفتُ عن بعض ما يرمي إليه الشك، والهدف الذي يسعى إليه "الاستشراق" و"التبشير" و"الاستعمار" من بث مثل هذه الأفكار السامة. وأخوَفُ ما يُخَافُ أن يأتي يومٌ يشك فيه في الفتح، وفي الوجود العربي الإسلامي الذي دام ثمانية قرون بالأندلس، وأنْ تُصبحَ شخصيةُ طارق أسطورة، وعبورُهُ العظيم للبحر، وانتصاره على ملوك الأندلس وفتحه الطريق للمسلمين نحو قلب أوربة أسطورة... لهذا كله، نحن لا نشكُّ في صحة الخطبة ونسبتها إلى طارق، ولا في حادثة إحراق السفن، وإن شك فيهما كثير من الناس، ونرى أنَّ نسبة الخطبة إليه ثابتة، وإن كان اختلاف النصوص في المصادر القديمة يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ الخطبة قد أدخلت عليها تعديلات وإضافات من قبل الأجيال اللاحقة حتى انتهت إلى الشكل الذي هي عليه الآن، بل الراجح أنَّ طارقاً لابد أنْ يكون قد خطب في جنوده خطبة أثارت حماسهم، هي من أروع ما سجّله الرواة، خطبة تنبع من قلب قائد عظيم يقاتل في سبيل الله.
ولكننا نظنّ أنّه ألقاها بأسلوب مبسط، مع ترجمة إلى اللهجة القبائلية (كما يفعل بعض الخطباء اليوم)، لأنّها وجهت إلى جنود معظمهم من البربر، لم تكن لغتهم العربية قد وصلت إلى مستوى عال مما عليه الخطبة فهم حديثو العهد بالإسلام والعربية، ولاسيما أنَّ العربية هي أبطأ في الانتشار من الإسلام(74).
المصادر والمراجع:
ـ الأدب العربي وتاريخه: د. محمد محمد خليفة وزكي سويلم ـ القاهرة 1987م.
ـ تاريخ افتتاح الأندلس: ابن القوطيه.
ـ أبناء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث: بطرس البستاني. بيروت، دار مارون عبود.
ـ البيان المغربي: في أخبار الأندلس والمغرب. ابن عذارى المردكش ـ ليدن 1948م.
ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: حمد بن محمد المقري التلمساني: تحقيق: إحسان عباس ـ بيروت ـ دار صادر 1988. ونسخه المطبعة الأزهرية ـ القاهرة 1302هـ.
ـ طارق بن زياد: د. سوادي عبد محمد ـ بغداد 1988م.
ـ الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه: د. عباس الجراري ـ الرباط 1979م ـ مكتبة المعارف.
ـ أدب السياسة والحرب في الأندلس: علي الغزيوي ـ الرباط ـ مكتبة المعارف 1987م.
ـ تاريخ الأدب والنصوص: محمد الطيب عبد النافع وإبراهيم يوسف.
ـ ملامح الشعر الأندلسي: محمد الطيب عبد النافع وإبراهيم يوسف.
ـ الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الأندلس: محمد الطيب عبد الناظم.
ـ الموجز في الأدب العربي وتاريخه: وضع لجنة من الأساتذة في الأقطار العربية. دار المعارف ـ القاهرة.
ـ تاريخ المسلمين: د. عبد العزيز سالم.
ـ خطبة طارق بن زياد وهل قالها حقاً: مجلة العربي (عدد إبريل رقم 293 ـ عام 1983م.
ـ مائة من أوائل تراثنا: د. سهيل زكار.
ـ وفيات الأعيان ـ ابن خلكان ـ دار الثقافة ـ بيروت.
* كلية الآداب، جامعة عنابة (الجزائر).
(1) د.محمد خليفة وزكي سويلم: الأدب العربي وتاريخه، ص : 107.
(2) ابن القوطية: تاريخ افتتاح الأندلس، ص: 19 وما بعدها.
(3) وقعت معركة بلاط الشهداء في سهول بواتيه وعلى بعد نحو 250 كيلو متراً من باريس جنوباً.
(4) انظر: بطرس البستاني: أدباء العرب في الأندلس و عصر الانبعاث، ص : 16.
(5) انظر: أخبار مجموعة، ص: 19 وما بعدها. وابن القوطية تاريخ افتتاح الأندلس، ص: 19. وما بعدها. وابن عذاري: البيان المغربي، ج2، ص: 4 وما بعدها.
(6) هؤلاء الأدباء هم: أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي، وجعونة بن الصمة الكلابي، وطارق بن زياد وغيرهم.
(7) انظر المقري: نَفح الطيب، مج1، ص : 265.
(8) ابن عذاري: المصدر السابق، ج2، ص: 4 وما بعدها. وابن القوطية: المصدر السابق، ص: 28 وما بعدها.
(9) انظر المقري: المرجع السابق، مج1، ص: 240.
(10) انظر تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس (النسخة المخطوطة التي نشرها مصورة لويس مرسييه في باريس، سنة 1932، ص : 70 ـ 71، نقلاً عن د.سوادي عبد محمد: طارق بن زياد، ص: 84، بغداد 1988).
(11) نشر جزءاً من الكتاب الدكتور محمود مكي في صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، العدد 5، ص : 222 نقلاً عن الدكتور عبد الرحمن علي الحجي في كتابه: التاريخ الأندلسي، ص : 59.
(12) انظر: ج2، ص : 106 ـ 107، طبعه موفم للنشر، الجزائر، 1989.
(13) انظر: ص: 154، نقلاً عن الدكتور عباس الجراري في كتابه: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، ص: 66 ـ 67.
(14) مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 2647. نقلاً عن د.عباس الجراري: المرجع السابق، ص: 61.
(15) انظر: مج5، ص: 321 ـ 332، ط.دار الثقافة، بيروت.
(16) انظر: ابن هذيل، المرجع السابق، ص: 70 ـ 71.
(17) المقري: نفح الطيب، مج1، ص: 240 ـ 241.
(18) د.سوادي عبد محمد: المرجع السابق، ص: 85 ـ 86.
(19) انظر المقري: نفح الطيب (تحقيق إحسان عباس)، مج1، ص: 240 ـ 241.
(20) الوزر: الملجأ والمعتصم والمراد به هنا السلاح.
(21) ذهبت ريحكم: ذهبت قوتكم من قوله تعالى: (وَلاَتَنَازَعُوا فتفشَلُوا وتَذهَبَ ريحُكُم واصبُروا( سورة الأنفال، الآية: 46.
(22) المناجزة: المقاتلة والقضاء على الخصم.
(23) بنجوة: بمنجاة، بخلاص والأصل في النَّجوة: المكان المرتفع.
(24) زيادة من ابن خلكان.
(25) العقيان: الذهب.
(26) عُرباناً: وردت في بعض النّسخ بالزاي المعجمة (عزبان: جمع أعزب كأعمى وعميان، أو جمع عازب: كصاحب وصحبان، أو جمع عَزِيب: كشجيع وشجعان: وهو الذي لم يتزوج، ويبدو أنَّ هذه الرواية هي الصحيحة بدليل قوله بعد ذلك "ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا وأختانا".
(27) أختانا: جمع مفرده ختن بالتحريك: وهي الصهر وكل مّنْ كان مِنْ قِبَل المرأة كالأب والأخ والعم وكزوج البنت أو زوج الأخت ومن كان من قبل المرأة جميعهم أختان، ومن قبل الزوج أحماء.
(28) ارتياحكم للطعان: رضاكم بالقتال، ارتاح إلى الشيء: رضى به وقبله.
(29) انظر الدكتور محمد خليفة وزكي سويلم: الأدب العربي وتاريخه، ص: 104.
(30) انظر: المقري: المرجع السابق، مج1، ص: 265، ذكر أنَّ الأبيات الثلاثة من قصيدة، وهذا يعني أن أصلها أطول من ذلك.
(31) علي لغزيوي: أدب السياسة والحرب في الأندلس، ص: 412.
(32) الموجز في الأدب العربي وتاريخه، وضع لجنة من الأساتذة بالأقطار العربية، ص: 157.
(33) واقعة إحراق السفن المنسوبة إلى طارق بن زياد لم تحظ بالتحقيق والعناية، وقد اختلف المؤرخون حولها بين الظن واليقين، وأوّل من ذكر هذه القصة هو أبو عبد الله محمد الإدريسي (560هـ) صاحب كتاب "نزهة المشتاق"، إذ يقول: "لمّا جاز طارق بِمن معه من البرابر، وتحصنوا بِهذا الجبل أحسَّ في نفسه أنَّ العرب لا تثق به فأراد أن يزيح ذلك عنه، فأمر بإحراق المراكب التي جاز عليها..."(انظر: نزهة المشتاق، ص: 178). ولئن شكَّ بعض المؤرخين في الحادثة، فإنَّ هذا الشك جاء أولاً من بعض المستشرقين الذين يشك في نواياهم، ونحن لا نشك في الحادثة، وإن شك فيها بعض الناس، لأنّ حرق السفن عمل جيد من الناحية الاستراتيجية، فهو بهذا العمل يكون قد قطع على الجيش كلّ أمل في العودة إلى المغرب، وليدفع جنوده إلى الاستبسال في القتال والاستماتة في الاندفاع، إلى الأمام. كما أنَّ الخطبة تؤيد صحة هذه الواقعة فهو يستهلها بقوله: "أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر..." والدليل على صحة الرواية أنَّ مثل هذه الواقعة كانت شائعة ليس فقط في التاريخ العربي الإسلامي، وإنّما في التاريخ الإنساني عموماً، ومنذ أقدم العصور فقد ذكر جرجي زيدان أنَّ الأحباش عندما غزوا اليمن وبعد عبورهم البحر تصدّت لهم جيوش الدولة الحميرية الكثيفة، فخطب أرباط قائد الجيش الحبشي في جنده قائلاً: "يا معشر الحبشة قد علمتم أنّكم لن ترجعوا إلى بلادكم أبداً، هذا البحر بين أيديكم إن دخلتموه غرقتم وإن سلكتم البر هلكتم واتخذتكم العرب عبيداً وليس لكم إلا الصبر حتى تموتوا أو تقتلوا عدوكم"(انظر: العرب قبل الإسلام، ص: 148). وكذلك أورد الطبري أنَّ سيف بن ذي يزن خطب في عسكره الذي ذهب لتحرير اليمن من الأحباش بعد أن أحرق سفنه قائلاً: "ليس أمامكم إلا إحدى" اثنتين إمّا القتال بشجاعة حتى الظفر وإما الاستكانة والتخاذل، وحينذاك يلحقكم العار والخزي العظيم" (تاريخ الطبري، ج2، ص 119). وقد أثرت قصة إحراق طارق بن زياد للسفن في المكتشف الإسباني "هرنا ندوكورتيث" الذي فتح المكسيك سنة 926 هـ/ 1519م فقد فعل فِعْلَ طارق عندما أحرق سفنه الذي قدم عليها جيشه من إسبانية حالما اشرف على شواطئ المكسيك لكي يقطع على جنده كل تفكير في الرجعة والارتداد (محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، ص: 49 هامش رقم 1، نقلاً عن د.سوادي عبد محمد: طارق بن زياد، ص: 95). وانظر عن الحادثة مجلة الفيصل، السنة 24، العدد 279، رمضان 1420هـ.
(34) الدكتور أحمد بسام الساعي: خطبة طارق بن زياد هل قالها حقاً؟ مجلة العربي، العدد 293، أفريل 1983.
(35) د.سوادي عبد محمد: المرجع السابق، ص: 86.
(36) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(37) سورة الصف، الآية : 8 (يريدون ليطفئوا نورَ الله بأفواهِهم والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون(.
(38) علي لغزيوي: المرجع السابق، ص : 413.
(39) علي لغزيوي: المرجع السابق، ص : 414.
(40) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(41) د.سوادي: المرجع السابق، ص : 88.
(42) د.محمد خليفة وزكي سويلم: المرجع السابق، ص: 109.
(43) د.محمد خليفة وزكي سويلم: المرجع السابق، ص : 106.
(44) انظر: المقري: نفح الطيب، مج1، ص: 265.
(45) محمد الطيب عبد النافع وإبراهيم يوسف: تاريخ الأدب والنصوص. ص: 172.
(46) انظر كتابه: الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، ص: 67 وما بعدها.
(47) انظر كتابه: ملامح الشعر الأندلسي، ص: 48 ـ 59.
(48) انظر كتابهما: الأدب المغربي، ص: 103 ـ 104.
(49) انظر كتابه: دولة الإسلام في الأندلس، العصر الأول، القسم الأول، ص: 47.
(50) انظر كتابه: محطات أندلسية، ص: 32.
(51) انظر كتابه: تاريخ الأدب العربي، ج4، ص: 40 (هامش 1).
(52) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(53) انظر: سوادي عبد محمد: المرجع السابق، ص: 83 وما بعدها.
(54) انظر كتابه: التاريخ الأندلسي، ص: 59 وما بعدها.
(55) انظر: أحمد هيكل: المرجع السابق، ص: 69 وما بعدها.
(56) ابن عذاري: البيان المغربي، ج2، ص: 5.
(57) الدكتور سهيل زكار: مائة أوائل من تراثنا، ص: 170. وانظر كتابه: تاريخ العرب والإسلام، ص: 423.
(58) الدكتور عباس ا لجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، ص: 58 ـ 59.
(59) نشر قسماً من الكتاب الدكتور محمود مكي في صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد تحت عنوان: مصر وأصول كتابة التاريخ العربي الإسباني، سنة 1957، العدد: 5، ص: 221 وما بعدها. وانظر الدكتور عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي، ص: 95.
(60) انظر: الإمامة والسياسة، ج2، ص: 106 ـ 107، طبعة موفم للنشر، الجزائر، 1998.
(61) انظر: سراج الملوك، ص: 154، نقلاً عن الدكتور عباس الجراري: المرجع السابق، ص: 61.
(62) مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط، رقم: 2647 نقلاً عن الدكتور عباس الجراري: المرجع السابق، ص: 61.
(63) انظر: وفيات الأعيان، مج5، ص: 321 ـ 322، دار الثقافة، بيروت.
(64) انظر: تحفة الأنفس (لوحة 48 مخطوط رقم 1652 الأسكوريال) اقتبسه محمد عبد الله عنان في كتابه دولة الإسلام في الأندلس، ج1، ص: 46 ـ 47.
(65) انظر: نفح الطيب، مج1، ص: 240 ـ 241.
(66) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(67) د.أحمد بسام الساعي: المرجع السابق.
(68) د.علي لغزيوي: المرجع السابق، ص: 414 ـ 415.
(69) انظر النبوغ المغربي، ج1، ص : 29، وانظر مقالته: حول خطبة طارق في مجلة دعوة الحق، العدد: 6 ـ 7 السنة 11.
(70) انظر كتابهما: تاريخ الأدب والنصوص الأدبية ص: 172.
(71) انظر كتابه: أدب السياسة والحرب، ص: 414.
(72) انظر بحث الدكتور عباس الجراري عن: نشأة الأدب العربي في المغرب، ظروفها ومظاهرها، مجلة المناهل المغربية، العدد: 2، ص: 111 ـ 119، اقتبسه الدكتور علي لغزيوي في كتابه : أدب السياسة والحرب، ص: 415.
(73) انظر كتابه: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، ص: 53 وما بعدها.
(74) انظر الدكتور السيد عبد العزيز سالم: تاريخ المسلمين، ص: 78. ود. سوادي عبد محمد: المرجع السابق، ص: 86.
د. سعد بو فلاقة