نقوس المهدي
كاتب
" ما أبدع أن يكون لديك نقود كثيرة ! "
كانت السيدة شو تفكر فى ذلك و هى تجلس وراء عربة الشاى الفضية الجميلة و العريقة ، إن كل ما حولها يوحى بالذوق الرفيع الذى يدعمه مال وفير فى البنك ، من الظلم طبعا أن نصفها بالسوقية ، و لكنها لم تكن تخشى إظهار سرورها بممتلكاتها العظيمة.
قالت للشاب الأرستقراطى الذى يجلس متحفظا على كرسيه أمامها :
- كم يسعدنى يا عزيزى أنك أحببت اللوحة ، إن زوجى اشتراها من أجلى فى الأسبوع الماضى ، لقد كنت دوما أتوق لامتلاك لوحة للفنان بروجيل.
قال الشاب :
- إنها رائعة .. أنت محظوظة يا سيدتى !
ابتسمت السيدة شو و رفعت حاجبيها الرقيقيين بحركة فاتنة ، و ظلت يداها ممتدتين كما لو كانت نموذجين من الشمع تعرضان خواتم جميلة .. إنها لا تحب التحرك القلق الشائع بين الناس العاديين ، فهى لا تسوى شعرها أو ترتب فستانها أو تلعب بالكلب الصغير أو تعبث بأقداح الشاى ، إنها تعرف قيمة الهدوء..
قالت : - تقول محظوظة ؟ أنا لا أؤمن بالحظ .. إنها مسألة اختيار !
لم يتحدث الشاب بشيىء و إن بدا عليه عدم الاقتناع ، غير أنه أطرق برأسه فى تشجيع صامت.
و واصلت السيدة شو :
- حسنا كان ذا فيما يتعلق بحالتى على الأقل ..
قال الشاب و هو لا يكاد يخفى حسده :
- هل تقصدين أنك اخترت أن تكونى غنية ؟
- يمكنك أن تقول عنى ذلك ، فمنذ خمسة عشر عاما ، كنت تلميذة غريرة فى المدرسة ..
و تقفت برهة ربما كى تعطيه فرصة للتعبير عن عدم اقتناعه ، و لكنه كان مشغولا بعدّ السنين ، و توصل فى صمت إلى أنها لابد أنها رسبت فى المدرسة سنوات طويلة ...
واصلت السيدة شو حديثها :
- أنت تفهم بالطبع .. كنت أفكر دائما فى الألعاب و مثل هذه الأشياء ، و فجأة لا أدرى لماذا ، ربما نتيجة لسحر صحى طبيعى ، وقع فى حبى شابان صغيران .. !
ظل المستمع صامتا كأنه آلى على نفسه ألا يقول سيئا إذا أعطته الفرصة ، و تذرع بالصبر رغم أنه كان يود لو استطاع تغيير الحديث إلى مجرى أفضل ، و لكنه لم يقل أيضا شيئا مما تود هى أن تسمعه ، و مضت السيدة شو قائلة :
- كان أحدهما طالب فن فقير لا يملك بنسا واحدا ، و لكنه شاب عاطفى ، حبوب ، ليست له مقدرة على الاحتفاظ بقرش .. ليست لديه أدنى فكرة عن عالم المصالح و ليس لديه أمل أن يتلقى مالا من أقاربه ، و لكنه أحبنى و أعتقد أننى أحببته .. و كان الآخر ابن رجل أعمال ناجح و لديه موهبة عظيمة فى تقدير قيمة الأشياء ، كانت أمامه حياة ناجحة ثرية و يمكن أن يقال أيضا أنه حسن الطلعة ، و أخشى أن أقول أنه أحبنى نفس حب طالب الفن.
قال الشاب يسايرها فى الحديث :
- يا له من اختيار صعب حقا !
- لقد كان كذلك بالفعل .. من ناحية هناك الحب الرومنتيكى فى شارع فقير و أوانى شاى رخيصة فى كل مكان و زائرون مبهدلون و لكنه حب حقيقى و من ناحية أخرى هناك البيت الأنيق و الحياة السهلة و الأصدقاء اللطفاء و السفريات و الملابس و كل الأشياء التى يحتاجها المرء .. إذا كان ما يحتاجه المرء هو هذه الأشياء.
و اكتسب صوت السيدة شو رنّة من الحزن و هى تقول :
- عشت سنة كاملة فى عذاب عدم المقدرة على اتخاذ قرار ، لا أستطيع أن أفاضل بينهما و كان علىّ أن أختار أحدهما ، و أيا ما يكون قرارى سيكون هناك أسف ،
و أخيرا ..
أجالت السيدة شو ناظريها فى الغرفة الأنيقة بما فيها من رياش و تحف و لوحات فنية و قالت :
- أخيرا .. قررت !
فى هذه اللحظة الدرامية من الحديث انفتح الباب و دخل رجل أنيق رمادى الشعر يرتدى حلة أنيقة كأنها إعلان ممتاز عن الترزى الذى أبدعها .. كم كان يناسب المكان كأنه نفسه تحفة بديعة ، و تقدم و قبل السيدة شو التى قدمته إلى الشاب بأنه زوجها ..
تلت ذلك محادثة جيدة طبيعية لمدة خمس عشرة دقيقة قال خلالها السيد شو أنه قابل اليوم "ديك روجرز القديم المسكين" و أقرضه بعض النقود.
قالت السيدة شو بدون اكتراث:
- هذا حسن منك ، يا عزيزى !
و انصرف السيد شو ..
تنهدت السيدة شو و قالت :
- ديك روجرز القديم المسكين .. لابد أنك خمنت من يكون ، إنه الرجل الآخر ، إن زوجى كان دائما يعامله بلطف !!
تمتم الشاب باختصار :
- هذا حسن !
و مضت السيدة تقول :
- لا أدرى كيف يأتى زوجى بالوقت لكى يهتم بكل أحد ، مع أنه مشغول جدا ، إن اللوحة التى يرسمها للأدميرال ..
- لوحة يرسمها ؟!
صاح بذلك الشاب الأنيق و هو يقفز معتدلا فى مقعده و قالت السيدة شو :
- نعم اللوحة التى يرسمها ، أوه ألم أخبرك لقد تزوجت الفنان بالطبع ، و الآن أعتقد أنه آن الأوان لتناول كأس من الشراب .. كيف حالك ؟
أومأ الشاب صامتا ، و بدا غير قادر إطلاقا على التعبير عن مشاعره.
مراجعة مختار السويفى
كانت السيدة شو تفكر فى ذلك و هى تجلس وراء عربة الشاى الفضية الجميلة و العريقة ، إن كل ما حولها يوحى بالذوق الرفيع الذى يدعمه مال وفير فى البنك ، من الظلم طبعا أن نصفها بالسوقية ، و لكنها لم تكن تخشى إظهار سرورها بممتلكاتها العظيمة.
قالت للشاب الأرستقراطى الذى يجلس متحفظا على كرسيه أمامها :
- كم يسعدنى يا عزيزى أنك أحببت اللوحة ، إن زوجى اشتراها من أجلى فى الأسبوع الماضى ، لقد كنت دوما أتوق لامتلاك لوحة للفنان بروجيل.
قال الشاب :
- إنها رائعة .. أنت محظوظة يا سيدتى !
ابتسمت السيدة شو و رفعت حاجبيها الرقيقيين بحركة فاتنة ، و ظلت يداها ممتدتين كما لو كانت نموذجين من الشمع تعرضان خواتم جميلة .. إنها لا تحب التحرك القلق الشائع بين الناس العاديين ، فهى لا تسوى شعرها أو ترتب فستانها أو تلعب بالكلب الصغير أو تعبث بأقداح الشاى ، إنها تعرف قيمة الهدوء..
قالت : - تقول محظوظة ؟ أنا لا أؤمن بالحظ .. إنها مسألة اختيار !
لم يتحدث الشاب بشيىء و إن بدا عليه عدم الاقتناع ، غير أنه أطرق برأسه فى تشجيع صامت.
و واصلت السيدة شو :
- حسنا كان ذا فيما يتعلق بحالتى على الأقل ..
قال الشاب و هو لا يكاد يخفى حسده :
- هل تقصدين أنك اخترت أن تكونى غنية ؟
- يمكنك أن تقول عنى ذلك ، فمنذ خمسة عشر عاما ، كنت تلميذة غريرة فى المدرسة ..
و تقفت برهة ربما كى تعطيه فرصة للتعبير عن عدم اقتناعه ، و لكنه كان مشغولا بعدّ السنين ، و توصل فى صمت إلى أنها لابد أنها رسبت فى المدرسة سنوات طويلة ...
واصلت السيدة شو حديثها :
- أنت تفهم بالطبع .. كنت أفكر دائما فى الألعاب و مثل هذه الأشياء ، و فجأة لا أدرى لماذا ، ربما نتيجة لسحر صحى طبيعى ، وقع فى حبى شابان صغيران .. !
ظل المستمع صامتا كأنه آلى على نفسه ألا يقول سيئا إذا أعطته الفرصة ، و تذرع بالصبر رغم أنه كان يود لو استطاع تغيير الحديث إلى مجرى أفضل ، و لكنه لم يقل أيضا شيئا مما تود هى أن تسمعه ، و مضت السيدة شو قائلة :
- كان أحدهما طالب فن فقير لا يملك بنسا واحدا ، و لكنه شاب عاطفى ، حبوب ، ليست له مقدرة على الاحتفاظ بقرش .. ليست لديه أدنى فكرة عن عالم المصالح و ليس لديه أمل أن يتلقى مالا من أقاربه ، و لكنه أحبنى و أعتقد أننى أحببته .. و كان الآخر ابن رجل أعمال ناجح و لديه موهبة عظيمة فى تقدير قيمة الأشياء ، كانت أمامه حياة ناجحة ثرية و يمكن أن يقال أيضا أنه حسن الطلعة ، و أخشى أن أقول أنه أحبنى نفس حب طالب الفن.
قال الشاب يسايرها فى الحديث :
- يا له من اختيار صعب حقا !
- لقد كان كذلك بالفعل .. من ناحية هناك الحب الرومنتيكى فى شارع فقير و أوانى شاى رخيصة فى كل مكان و زائرون مبهدلون و لكنه حب حقيقى و من ناحية أخرى هناك البيت الأنيق و الحياة السهلة و الأصدقاء اللطفاء و السفريات و الملابس و كل الأشياء التى يحتاجها المرء .. إذا كان ما يحتاجه المرء هو هذه الأشياء.
و اكتسب صوت السيدة شو رنّة من الحزن و هى تقول :
- عشت سنة كاملة فى عذاب عدم المقدرة على اتخاذ قرار ، لا أستطيع أن أفاضل بينهما و كان علىّ أن أختار أحدهما ، و أيا ما يكون قرارى سيكون هناك أسف ،
و أخيرا ..
أجالت السيدة شو ناظريها فى الغرفة الأنيقة بما فيها من رياش و تحف و لوحات فنية و قالت :
- أخيرا .. قررت !
فى هذه اللحظة الدرامية من الحديث انفتح الباب و دخل رجل أنيق رمادى الشعر يرتدى حلة أنيقة كأنها إعلان ممتاز عن الترزى الذى أبدعها .. كم كان يناسب المكان كأنه نفسه تحفة بديعة ، و تقدم و قبل السيدة شو التى قدمته إلى الشاب بأنه زوجها ..
تلت ذلك محادثة جيدة طبيعية لمدة خمس عشرة دقيقة قال خلالها السيد شو أنه قابل اليوم "ديك روجرز القديم المسكين" و أقرضه بعض النقود.
قالت السيدة شو بدون اكتراث:
- هذا حسن منك ، يا عزيزى !
و انصرف السيد شو ..
تنهدت السيدة شو و قالت :
- ديك روجرز القديم المسكين .. لابد أنك خمنت من يكون ، إنه الرجل الآخر ، إن زوجى كان دائما يعامله بلطف !!
تمتم الشاب باختصار :
- هذا حسن !
و مضت السيدة تقول :
- لا أدرى كيف يأتى زوجى بالوقت لكى يهتم بكل أحد ، مع أنه مشغول جدا ، إن اللوحة التى يرسمها للأدميرال ..
- لوحة يرسمها ؟!
صاح بذلك الشاب الأنيق و هو يقفز معتدلا فى مقعده و قالت السيدة شو :
- نعم اللوحة التى يرسمها ، أوه ألم أخبرك لقد تزوجت الفنان بالطبع ، و الآن أعتقد أنه آن الأوان لتناول كأس من الشراب .. كيف حالك ؟
أومأ الشاب صامتا ، و بدا غير قادر إطلاقا على التعبير عن مشاعره.
مراجعة مختار السويفى