نقوس المهدي
كاتب
في الحياة اليومية للمجتمعات المسلمة يلاحظ الإنسان بعض السلوكات الطافية إلى السطح فيستنكرها، بوازع أخلاقي ديني أو غير ديني، ومن ثم يعبر عن عدم رضا مؤقت قد لا يتوافق مع نهجه السلوكي !، ولكن لا يهمه أن يجد حلا ولا أن يكون طرفا في الحل للأزمة التي يتخبط فيها من تلقاء وعيه القاصر وتناقضاته الذاتية، من تلك السلوكات، ما يحمل طابعا جنسانيا أو يمكن تأطيره ضمن الجنسي، أزمة الجنس في المجتمع المسلم أزمة متشابكة تشكل دائرة متداخلة الخيوط، كومة متشابكة تنتج عنها مجموعة من القيم والسلوكات التي لا فكاك لبعضها عن بعض: التحرش الجنسي ، الاعتداء على الأطفال والاغتصاب ، الإساءة إلى الأنثى، تشويه السمعة، ظواهر الانحراف الجنسي، شيوع المثلية والممارسات الجانبية، التنفيس في اللغة العامية التي تحمل تأويلات جنسية للمفردات العادية..إلخ
إن مقاربة سوسيو نصية للسلوكات النابعة عن القسر الجنسي والكبت، يمكن أن تشرح هدا الكم الهائل من الانحرافات والظواهر غير السليمة مطلقا، يشكل الحصر الجنسي حالة تراكم مستمر، البناء البيولوجي للجسد يؤثر في البناء السيكولوجي بشكل كبير جدا، فما أن ينضج الشخص جسديا في مجتمعاتنا حتى تبدأ رحلة الاختلال النفسي، الوازع التقليداوي المتمثل في فهم مشروخ للدين وفي متاهات الفهوم الشعبوية المعاقة يساهم أو بالأحرى يشكل مرجعية الممارسة الكهنوتية الكبتية، فينتج عن ذلك تجويع جنسي ، أو بلغة إحدى الصديقات « مجاعة جنسية »، وهذه المجاعة الجنسية عند الشباب الذين يشكلون القاعدة الهرمية الواسعة في المجتمع، هي التي تفسر تلك السلوكات، كالتحرش الجنسي في الشوارع وفضاء الأنترنت والمقرون بألفاظ تحقيرية للأنثى…إلخ.
هذا الرصد ينطوي على استنكار مبدئي للتناقض الواضح في شخصية المجتمع الأبوي: نرفض الجنس قبل الزواج (نظريا وعقائديا) في الآن ذاته نريده ونبحث عنه ونتحرش بالأنثى لنبلغه منها (ممارسة )؟
أي شخص مسلم عن توارث قد تضع أمامه هدا التناقض لن ينتبه إليه فإما يعتبره ليس تناقضا أو تعارضا أو سيرفض تقبله ويبرئ نفسه من الرغبة أصلا، ذلك أنه من جهة يؤمن إيمانا قاطعا بأن الجنس بدون عقد نكاحْ وأوراق ملكية هو شر مطلق ومن جهة أخرى يناديه جسده ورغبته و تكوينه البيولوجي للممارسة الإنسانية البشرية في ظل صعوبة الزواج في سن معينة أو في ظل ظروف اجتماعية محددة، وسلوكه ذلك موجه بحديث للرسول (ص) :
« : » يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء »| رواه البخاري| : والوجاء هو الحماية و الوقاية.
لكن الصبر هنا بأي مفهوم؟
في المجتمع الإسلامي إبان حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن الزواج يكلف أعباء اقتصادية ومالية كما الآن، كما أن إشكالية المعيش اليومي والبطالة والوظيفة وإكراهات اجتماعية كثيرة لم تكن مطروحة كما في هذا الطور المدني المتقدم، بالإضافة إلى ما تكشف عنه إحصاءات الجنسين والتفاوت الذي يؤدي إلى ظواهر حتمية كالعنوسة، ليس من باب الاستظراف نقول هذا و إنما من باب واقع اجتماعي حاصل لابد له من حل غير تلك الحلول الفقهية النفعية التي تختزل المرأة في رقم 4 !! مركزة على نص له أسيقته التاريخية و متجاهلة روح الإسلام الكلية ومتطلبات العصر، ثم إن النص الحديثي السالف لم يتضمن من وجهة نظر فقهية ألفاظا من ألفاظ الأحكام :حرام، حلال، مكروه، جائز..إلخ ولو أنه في المعهود القرآني ما يفوق فعالية نص الحديث، في مقام الحديث عن الزنا، أي كل علاقة خارج إطار الزواج محرمة بشكل واضح لا يترك مجالا لتأويل مختلف عن ظاهر النص، وهذا هو المشكل الحقيقي الذي يواجه قيم الفردانية وحرية الجسد والذي يتطلب وعيا متجردا وليس تخريجات فقهية هزيلة.
هده واحدة من المفارقات التي تسم المجتمع البيوريتاني ظاهرا و اللذائذي باطنا بميسم التشظي والفصامية، لا أحد يستطيع الاعتراض على سنة الرسول (ص) إن صح ما نقله البخاري [1] ، و لكن بالرغم من ذلك يبقى باب السؤال مفتوحا، والمسلم القوي هو من يطرح الأسئلة ويقارب روح العصر مستعينا بالنصوص والشريعة، وليس من يقارب الشريعة مستبينا بروح العصر، فإن وافقت هده الروح قياس الشريعة نلبسها وإن اختلفت ننبذها أو نعمي أعيننا كأننا لا نراها !.
إن هذه المفارقة التي يتداخل في سديمها، الديني بالقيمي بالسلوكي بالإكراه الاجتماعي والحاجة البيولوجية الإنسانية، لهي المفارقة التي يمكن أن تشكل نواة لما نسميه « أزمة الجنس » وسبب » المجاعة الجنسية »، ولنا أن نناقش هده المفارقة ونسجل بعض الملاحظات التي يمكن أن توجه الباحث عن مخرج من عنق الزجاجة، أو ما جعلنا فقهاء الظلام نتهيأ أنه تناقض وتعارض بين منطوق الشريعة والحاجة الإنسانية العاطفية الفيزيولوجية. ولنطرح بعض الأسئلة التي تؤطر المفارقة:
هل الجنس شر مطلق في عرف الدين ؟ وما موقف التراث ؟ وما الرؤية الممكنة لتجاوز المفارقة في واقعنا المعيشي؟ لماذا نجد في « الدارجة » واللهجات الشفاهية والعربية المكتوبة أيضا مدونة هائلة من الرموز الجنسية والتسميات اللامحصورة لأعضاء الجسد الجنسية وللمارسة الجنسية ولا نجد اعترافا اجتماعيا وثقافيا بشرعيتها أو نجد تعتيما عليها؟، لماذا استعمالية الجنسي في اللغة العربية محصورة وقليلة ومحاطة بأسوار من المحظور والممنوع في حين في لغات أخرى تواجه المجتمعات طبيعتها البشرية الجنسية بتعقل ووضوح على مستويات الخطاب ( آنيا وفي هدا العصر) ؟ لماذا تمتاز تسميات العملية الجنسية بهذا التمويه والرسمية واللغة التقنية المحضة في المعهود الفقهي لعلم الباه ( فقه الجنس الإسلامي ) : النكاح (الدال على الزواج والجنس معا ) ، الجماع، الوطء، الحرث ، المضاجعة، الرفث…؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك حرب ناشبة حول تحديد ما تعنيه كلمة دين، بالتحديد « إسلام » وكلمة « تراث » أيضا، وهي حرب يتضافر فيها السياسي بالديني بالثقافي ضمن بوثقة السلطة، السلطة الفقهية كفرع من السلطة السياسية وخادمتها هي التي تصبغ التصورات بطابع خاص اعتبارا لتلك المكونات التي تحدد هوية الدين في لحظة معينة، وبما أن تصور المسلم للتاريخ تصور دائري، تكون فيه الحقيقة نقطة بدء وجب العودة إليها، فإن تأثير التراث الديني خصوصا في الحياة المعاصرة باد ولا ضرورة لتبيينه، إذ تنحو كل مظاهر الممارسة الحياتية اليومية إلى استلهام موقف الشرع والفقه من كل مستدقة وصغيرة وجزئية في الحياة، من الوضوء إلى الرجل التي يدخل بها المرء إلى بيته أيمنى أم يسرى !! في محاولة للعودة إلى النموذج السني النبوي بكل تفاصيله..
وليس في هذه المقالة القصيرة متسع لأبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه دعا إلى أن تجديد في الدين سيكون على رأس كل مائة عام، كما أنه لم يدع إلى الأخذ بأشياء دقيقة جدا عن سلوكه، أولا وعيا منه (ص) بطابع التاريخ وتغير طبيعة المجتمعات وسلطة الشفاهية على الخبر نفسه، حيث تحوره وتغير فيه بفعل تواتر الرواة والمحدثين، عكس القرآن الكريم الذي حفظه الله من التحريف، ثانيا لأنه دعا المسلمين إلى تولي « أمور دنياهم » لأنهم » أعلم » بها، فالأحق أن يتشبثوا بروح الدين وكلياته وجانب العقائد ويتطرقوا بحرية إلى الاجتهاد في تسيير حيواتهم ومجتمعاتهم لأنهم » أعلم بأمور دنياهم ».
الحرب الناشبة حول مساحة المصطلحات وطبيعتها خرجت من إطار الصراع السياسي الذي يتحكم في تقنين فعالية الجسد لأهداف معينة تتداخل فيها الإيديولوجيا بالاقتصاد بالسياسة بالطبيعة البشرية لتسم الوعي الجمعي بطابعها المتناقض، القمعي، النفعي والغائي، المقصود هنا هو أن التصور الشائع عن شر الجنس، و كونه شرا لابد منه تصور غير منطقي، لأنه ينظر إلى سبب وجود الإنسان واستمراره نظرة تحتوي تناقضا صارخا، نحن لا نكون إلا بالجنس وفي الآن ذاته نحتقره كسلوك بشري، إن اعتبار الجنس شرا راجع في البنية العميقة للوعي إلى اعتباره الفعل الذي طرد حواء وآدم من الجنة، خطيئة قطف الثمرة أدت إلى عقاب تعرية الجسد وكشف » السوأة »، كشف السوأة أدى إلى الاشتهاء و من ثم ممارسة الجنس و السقوط إلى الأرض عقابا، إنه تصور ميثولوجي لا نسائل حقيقته ، لأنه منصوص عليه في القرآن الكريم أيضا، ولكن نناقش رمزيته وأثره في الوعي الجمعي وفي الفُهوم الفقهية واللاوعي الشعبي، والحقيقة أن الجنس ليس شرا وليست المرأة موضوعا جنسيا مشيّئا، يقول ابن منظور في تعريف مادة جنس:
« والجنس أعم من النوع ، ومنه المجانسة والتجنيس . ويقال : هذا يجانس هذا ؛ أي يشاكله » والجدير بالتدقيق أنه بهدا اللفظ لم يعرج على الممارسة الجسدية لأنه كان لها تسميات أخرى في التراث : الوطء، النكح، المعاشرة..إلخ، لكنه أشار في تعريف لمادة جنس إلى معنى المجانسة، الاختلاط الطبيعي، والمشاكلة، أي المساواة في ظل الاندماج، الأنثى و الدكر هنا لا يمارسان شرا وإنما يتشاكلان، ويندمجان ويتقاربان تقاربا مطلوبا وأنطولوجيا، لعلهما يبحثان عن عودة إلى منبع واحد كانا فيه جسدا واحدا، كما يقول أفلاطون في محاورة » المأدبة » ففي محاورة » المأدبة » يتصور أفلاطون وجود كائن قوي جدا له أرجل أربعة و ينظر في كل الاتجاهات، ووجود هدا الكائن أخاف آلهة الأولمب وأقلق سطوتها فسارعت إلى شطره نصفين لإضعافه، فوجدت الأنثى والدكر بعض شطر الكائن ، ولعل التفسير النابع من هدا التصور هو أن الجنس عملية ومحاولة لعودة ذلك الكائن لقوته، حين يلتحم الجسد الأنثوي بالجسد الدكوري تكون تلك محاولة للبحث عن القوة فأي معنى للخطيئة في أفق هدا التصور؟ هل القوة خطيئة؟ البحث عن الكمال والقوة خطيئة؟ أم أنه شر؟ إنه بلغة ابن منظور تشاكل ومشاكلة للعودة إلى الأصل.
بيولوجيا ،الجنس توتر وتنبيه من عضو جسدي من خلال فاعلية الهرمونات المسماة هرمونات الحب، كلما تعطلت وتأخرت تلبية هدا التنبيه اتسعت قاعدة التأثير، وأصيب الدماغ البشري باختلالات أفدح، تؤدي إلى سلوكات مثل التي نراها في حياتنا اليومية، أي أن الكبت يشكل قاعدة أولية لكثير من السلوكات غير السوية والتصورات التقديسية التبجيلية للجسد والتي تعود برد فعل عكسي يؤدي إلى كبت الجسد، إننا نقدس الجسد البشري لذلك نراقبه ونعاقبه بشدة ونحصر فاعليته ولا نكف عن قمع أجسدنا وحشر أنوفنا في فعالية أجساد الآخرين من أقربائنا إلى أبعد شخص نعرفه أو لا نعرفه، وهذا التقديس هو سبب هوسنا به، أما القرآن الكريم والدين فلم يدعوا إلى هذا التقديس، وإنما حصر الممارسة الجسدية في أفق تصور اجتماعي معين، الآن لا يمكن أن تتوافر شروط تحقيقه للجميع ولكل شرائح المجتمع ( الزواج)، أو لا تتوافر شروط تحقيقه إلا في تاريخ معين من حياة الفرد في حين يبلغ يناعته ونضجه الجسدي قبل ذلك التاريخ بكثير ، وآن البلوغ تبرز حاجته إلى ممارسة جنسية متزنة، كي لا يختل بناؤه النفسي، إننا نضع نصب أعيينا إنسانا سويا فقط بغض النظر عن أي نية سيئة اتجاه الدين أو أي تصور آخر، ولا نرى في ذلك النموذج الأوروبي مثلا يقتدى به، ففي الإسلام روحنة للجسد يمكن أن نستغلها كمعطى خاص بنا لنمارس حبا بالمعنى الروحي والجسدي معا بعيدا عن تشيء الإنسان وتسليعه أو السقوط في ميوعة تؤدي إلى ظهور انحرافات عكسية من نوع مختلف.
في القرآن الكريم هناك نص قاطع بضرورة الزواج لممارسة علاقة جنسية « حلال » بالمعيار الفقهي، ولكن النص القرآني يلزم المسلم فقط، ومن ثمة فأحكامه تلزم المسلم والمسلمة، ولا تخول للمسلم أن يتدخل في سلوك غير المسلم الجنسي، والأحرى به أن يقوم بتعديل سلوكه، ويعيد التفكير في الممارسة الجسدانية آنيا لأنها ضرورة وليست مهربا أو جريمة، مادام القرآن صالحا لكل زمان ومكان، ومادام الإنسان ومصلحته هي أساس ومنطلق الوحي.
إن ربط الشرف بالجسد وبغشاء البكارة وتعليقه بالأنثى خصوصا ليس أمرا قرآنيا، وإنما هو نمو سوسيوثقافي لمنطوق النص و فهم آبائنا له لا لجوهره هو كنص، وهو فهم إنساني في نهاية المطاف، قابل للتخطيء والتجاوز، و العفة ذاتها تصور مسيحي صرف، وإن حكى عنها القرآن ففي سياق الحديث عن ولادة المسيح (عيسى) عليه السلام، فهدا التصور الطهراني للجنسانية البشرية، أي الاستعفاف، خلق أولا في الذاكرة الجماعية المسيحية ، الشعور المسيحي، وليس حضوره في القرآن سوى على سبيل الحكي والقصص، لأن القرآن يستدعيه في سياق الحديث عن مريم العذراء، ولم يتسرب مفهوم الطهارة الجسدية إلا مؤخرا إلى المجتمع الإسلامي ( كممارسة اجتماعية وليس كنص)، دليلنا هو أن مسلمي العصر الأموي والعباسي والأندلسي لم يجدوا تحرجا في نكح الجواري اللواتي تشتغلن بالفنون والصناعات وخدمة القصور، ولم يكن أحد لينعت تلك الجواري بالفسوق ولا بالعهر كما يحصل مع فقهاء البترودولار اليوم، لسنا نبرر الإماء وامتلاكهن، فذلك أمر غير إنساني و لم يعد ممكنا على كل حال نظرا للتطور الذي لحق المجتمع البشري، وإنما استشهدنا به فقط لنبين أن فعل الجسد لم يصر مقرونا بالخطيئة والإثم في ذهن الرجل والأنثى إلا في مجتمعات بعيدة عن فترة الرسول(ص) ويا للمفارقة ! فهؤلاء يعتبرون القرب من فترة الرسول (ص) معيارا للحق و في الآن ذاته نجد أن فترة العباسيين والأمويين لم تكن أكثر تشددا من فقهاء 2013؟ ! الآن صارت » المتعة الأنثويّة مرغوبة، ولكنّها، في الوقت ذاته، ملغزة بل مخيفة » [2]
لقد اتهم الفقهاء الأنثى بأنها سبب فشل المجتمع الإسلامي فآمنت هي بالتهمة، و في المنطوق الإسلامي والمكتوب الأدبي التراثي مثل ألف ليلة و ليلة هناك تصور جدري عن إثم الأنثى، خطورة الأنوثة، خيانتها، حيوانيتها الغرائزية، وهدا تصور متساوق مع الواقع الفقهي الأصولي الذي يغذي هدا الخوف من الأنثى ، فصرنا أمام نوع من التنويم المعرفي للمرأة حتى صارت هي ذاتها تحاصر جنسانيتها أو تمارسها في الخفاء مع إحساس دائم بالإثم والخطيئة، ما يخلق حالات فصامية مرضية وسلوكات لا تحتكم إلى أي معيار أخلاقي كما يتمثل مثلا في تغطية الجسد، النقاب والحجاب… و كغشاء البكارة الصناعي ، الكذب ..إلخ ، إن الفقه الدكوري مسؤول هو الآخر، بل هو المسؤول الأول عن شيوع مثل هده التصورات و الممارسات الزائفة في قلب المجتمع. مادام هدا الفقه هو القناة التي تربط بين عامة الناس والتصور الديني الإسلامي للحياة الجنسية، فكيف تراجعنا من تصور قديم منفتح نسبيا إلى تصور جديد مغلق وتهويلي تقديسي للجسد، يكفي أن نطلع على بعض فتاويه لنتلمس عدائية خطابه وانغلاقية نسقه؟
اعتبر ميشال فوكو أن المجتمعات الأكثر تحريما للجنس هي المجتمعات الأكثر هوسا به، هي التي تتحدث عنه دون انقطاع لأنه يشكل بؤرة نقص ومنطقة ظل موجعة في جسد المجتمع، وأزمة الجنس كانت ولا زالت جرحا مفتوحا في المجتمع الإسلامي، لأن القدماء من فقهاء الإسلام الجهابذة لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة في الجنس إلا وألفوا فيها وكتبوا عنها، وكانوا أقل راديكالية من فقهاء الوهابية والسلفية المعاصرين على الأقل، إننا نلفي مواقف فقهية وعت ضرورة الجنس وفعالية الجسد كضرورة بشرية لا مهرب منها، وقد نبعت هده المواقف عن فقهاء لهم وزنهم في الثقافة الإسلامية، ارتأوا أن تحرير الجسد ضرورة قصوى في ظل التصور الإسلامي، الذي أوضحنا في مقالات سابقة أنه ليس بالضرورة التصور الرسمي للإسلام الذي قرن دائما ولا زال يقرن بالسياسة والسلطة، يقول الإمام ابن قتيبة الدينوري :
» وإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج أو وصف فاحشة فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع، على أن تصعر خدك وتعرض بوجهك فإن أسماء الأعضاء، لا تؤثم وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب » [3]
إن هاهنا دعوة لتحرير الخطاب و اللغة من « التخاشع » والمسكنة الدينية التي لا تمت للمنطق الإسلامي الثقافي بصلة، ولعلنا نلفي في مؤلفات أخرى هدا النزوع نحو تحرير اللغة من الحقل الملغوم الذي حصرت فيه المعاني الجنسية كما في كتاب الشيخ النفزاوي الذي يذكر مسميات الأعضاء الجنسية بكل صراحة ولا يجد من تحرج في ذلك ما دام القرآن لم يمنعها في سياق الدلالة على الجسد البشري:
» « الحمد لله الذي جعل اللّذّة الكبرى للرّجل في فُروج النساء، وجعلها للنّساء في أيور الرّجال. فلا يرتاح الفرْج ولا يهدأ ولا يقرّ له قرار إلاّ إذا دخله الأير، والأير إلاّ إذا دخل بالفرج. فإذا اتّصل هذا بهذا وقع بينهما النكاح والنطاح وشديد القتال، وقربت الشهوتان بالتقاء العانتين وأخذ الرجل في الدكّ والمرأة في الهزّ، بذلك يقع الإنزال.. » [4]
إننا نجد في مدونات فقه الجنس الإسلامي كما هائلا من التسميات والمحكيات عن الأعضاء الجنسية، وفي المقابل نجد تطويقا لفعل الجسد وتجريمه خارج الأطر الاجتماعية المغلقة، هنا مفارقة واضحة، إننا مهووسون بالجنس، نحن نتكلم عن الجنس كثيرا ولكننا نحرمه ممارسة وهذا هو مكمن الهوس، ولعل الناظر في مدونة علم الباه ( فقه الجنس الإسلامي) يتعجب من هذا الكم الكبير من المؤلفات التي لا تضاهيها إلا مؤلفات الثقافة الهندية الجنسية و لنذكر بعضها على سبيل التبيين:
كتب تراثية ناولت الجنس بدون مركب نقص:
« روضة المحبين ونزهة المشتاقين » لابن القيم الجوزية
« الروض العاطر في نزهة الخاطر » للشيخ النفزاوي
» طوق الحمامة » لابن حزم الأندلسي
« مصارع العشاق » للسراج
» القيان » للجاحظ
» مفاخرة الجواري والغلمان » للجاحظ
« أشعار النساء » للمرزباني
» روضة التعريف بالحب الشريف » لابن الخطيب
« مشارف أنوار القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب » للأنصاري
» نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب » للتيفاشي
» تحفة العروس ومتعة النفوس » محمد بن أحمد التيجاني
« رجوع الشيخ إلى صباه » ابن كمال باشا
ولجلال الدين السيوطي مؤلفات كثيرة في هدا الباب:
» نواضر الأيك في معرفة النيك »
« شقائق الأترج في فن الغنج »
« الإيضاح في أحكام النكاح »
« الوشاح في فوائد النكاح »
« نزهة الجلساء في أشعار النساء »
وفي كتب أخرى لا تتطرق إلى موضوعة الجنس كموضوعة رئيسية ، نجد مقاطع وأبواب خاصة بأمور الجسد وتقنينها و تطبيقاتها وأخبار العشاق والمحبين والأحكام الفقهية، مثل » العقد الفريد » لابن عبد ربه أو » الفهرست » لابن النديم » ..إلخ ، وبعض هده الكتب صار اليوم يعتبر فاجرا و فاسقا ولا يجب تداوله، مع العلم أن مؤلفيه من أكبر الفقهاء والمحدثين ، فلماذا كتب هؤلاء هده الكتب، هل للهرب من القرآن وأحكامه؟ لا بل لحث المسلم على الممارسة الجسدانية السليمة ولكن كل ذلك في أفق صدمه بالشريعة، أي جعله يقف وجها لوجه أمام الشريعة، هناك سوء فهم جمعي حين يتعلق الأمر بكلمة ثقافة إسلامية، الثقافة الإسلامية ليست هي التصور الجمعي الرسمي فقط، هي أيضا مناطق الظل واختراق الرسمي، مؤطرة في تاريخ مضاد، مخفي …وتاريخ علم الباه في الإسلام تاريخ مضاد للواقع الذي نعيشه اليوم وجب إحياؤه وتدريسه لرفع العتمة عن زوايا التصور الإسلامي للجسد وللجنس، بالرغم من كل المؤاخذات التي يمكن أن نؤاخذها على متون هذا العلم، من قبيل اعتبار الأنثى موضوعا جنسيا للرجل…إلخ
إن التراث الفقهي الإسلامي تراث حسي، ذلك أن التصور الإسلامي في عمومه تصور لا ينافي ماهو جسدي ولكن يقننه، وقد ناقشنا التقنين باختصار لأننا لا نرى في مواجهة النص القرآني فائدة ترجى، فإما أن نعي النص ونعطل حكمه كما حصل مع نصوص في مجالات أخرى ونبحث في المقابل عن اجتهاد بروح إسلامية لمواءمة العصر وإما نتخذ موقف النعامة التي تغرس رأسها في الرمل كي لا ترى الصياد، لقد أوقف عمر رضي الله عنه حكم قطع اليد، الذي هو حكم قرآني صريح يلحق السارق، لظروف اجتماعية قاهرة تمثلت في انتشار المجاعة البطنية، ونحن نرى أنه وجب توقيف حد الرجم وتدقيق وإعادة بناء مصطلح الزنا لأن ظروفا اجتماعية طارئة أيضا حاصلة، إنها مجاعة، ولكنها ليست مجاعة بطنية هذه المرة، إنها مجاعة جسدية عاطفية، لا تتوقف فقط على قضية ممارسة جسدية وحسب، وإنما تخص الكثير من التشوهات القيمية والفكرية والثقافية التي لحقت المجتمع، إن الأخلاقي الآن هو تحرير الجسد بجبر الحكم ونسخه، توطين الجسد ضمن خارطة جديدة من القيم الكونية، بحيث لا يتهم الإسلام بضعفه وهروبه من العصر أو فرضه لقيود تعجيزية على أبنائه، إننا و بكل صراحة لا نرى تناقضا بين نسخ حكم قرآني باجتهاد وبين ثبات العقيدة، وإلا فعمر بن الخطاب مهزوز العقيدة ؟؟ !!
لقد كان من الممكن أن أرتكن في هده المقالة القصيرة إلى حل نفعي استغلالي مريض لأزمة الجنس يلجأ إليه فقهاء البترودولار وهو الإقرار بزواج المتعة، مادامت له تخريجة شرعية محبوكة بخبث طبعا، لكن ذلك تبعا لروح الإسلام الكلية والإنسانية الكونية أمر غير أخلاقي، فنكاح المتعة كان قبل الإسلام واستمر لأن الإسلام لم لكن ليمنع الأشياء إلا بالتدريج، وروح الإسلام العامة تفيد أنه بعد انقطاع الوحي لنا أن نتجاوز ذلك السلوك، أولا لأن الزواج المتعي غير ممكن بالنظر إلى روح العصر الذي نعيش فيه، فتدبير الشأن الجنسي أصبح أكثر تطورا، عوض أن نلد أطفالا لا آباء لهم و ينسبوا إلى أمهاتهم، هناك أساليب منع الحمل المتطورة.
إن مجاعة الجسد الآن تحتاج إلى جرأة كبيرة وثورة جيل جديد يقلب القيم المتوارثة والمتآكلة، حيث يصير الأخلاقي منفصلا عن الممارسة الجسدية الطبيعية، فالأخلاق كما أسلف الإمام بن قتيبة في حفظ اللسان من قول السوء وعدم اغتياب الناس والأمر بالحق و ليست في إعمال الفعالية الجسدانية بوعي بعيدا عن بكت الضمير النابع عن سوء فهم للدين وللطبيعة البشرية .
إن الجنس تواصل مع الآخر بغض النظر عن طبقته أو مستواه أو فكره أو طبيعته العقلية، إن الجسد هنا إلغاء للفوارق الطبقية ولاختلافات اللون والعقيدة والانتماء، وتدبيره بشكل يحترم حريات الأفراد الخاصة ويقر بتحكمهم في أجسادهم لا يعارض روح هدا الدين، بقدر ما يمكن أن يفتح بابا لجبر كسر من كسور المجتمعات الإسلامية وتقويما للشخصية الإسلامية التي فقدت أبعادها الكونية مند زمن بعيد، إن إحياء التراث التعليمي الجنسي الإسلامي والانفتاح على الثقافات الجنسية المعاصرة مع تعطيل لحكم من أحكام القرآن الكريم اضطرارا في هذه المسألة ، كما فعل الفاروق، يمكن أن يخلق لنا شخصية مسلمة متزنة ، تمارس جسدانيتها بدون مركب نقص، فيختفي التحرش الجنسي من الشوارع وكل مظاهر التستر والرعب والفوبيا التي نلحقها بأنفسنا وبالمحيطين بنا من جراء الكبت.
هوامش:
[1] لنا إنشاء الله قول مختصر في بعض ما يؤاخذ عليه البخاري.
[2] من حوار للمحلل النفسي د.فتحي بن سلامة على موقع الأوان.
[3] ابن قتيبة الدينوري، عيون الأخبار، المقدمة.
[4] من خطبة كتاب " الروض العاطر في نزهة الخاطر " للشيخ النفزاوي.
إن مقاربة سوسيو نصية للسلوكات النابعة عن القسر الجنسي والكبت، يمكن أن تشرح هدا الكم الهائل من الانحرافات والظواهر غير السليمة مطلقا، يشكل الحصر الجنسي حالة تراكم مستمر، البناء البيولوجي للجسد يؤثر في البناء السيكولوجي بشكل كبير جدا، فما أن ينضج الشخص جسديا في مجتمعاتنا حتى تبدأ رحلة الاختلال النفسي، الوازع التقليداوي المتمثل في فهم مشروخ للدين وفي متاهات الفهوم الشعبوية المعاقة يساهم أو بالأحرى يشكل مرجعية الممارسة الكهنوتية الكبتية، فينتج عن ذلك تجويع جنسي ، أو بلغة إحدى الصديقات « مجاعة جنسية »، وهذه المجاعة الجنسية عند الشباب الذين يشكلون القاعدة الهرمية الواسعة في المجتمع، هي التي تفسر تلك السلوكات، كالتحرش الجنسي في الشوارع وفضاء الأنترنت والمقرون بألفاظ تحقيرية للأنثى…إلخ.
هذا الرصد ينطوي على استنكار مبدئي للتناقض الواضح في شخصية المجتمع الأبوي: نرفض الجنس قبل الزواج (نظريا وعقائديا) في الآن ذاته نريده ونبحث عنه ونتحرش بالأنثى لنبلغه منها (ممارسة )؟
أي شخص مسلم عن توارث قد تضع أمامه هدا التناقض لن ينتبه إليه فإما يعتبره ليس تناقضا أو تعارضا أو سيرفض تقبله ويبرئ نفسه من الرغبة أصلا، ذلك أنه من جهة يؤمن إيمانا قاطعا بأن الجنس بدون عقد نكاحْ وأوراق ملكية هو شر مطلق ومن جهة أخرى يناديه جسده ورغبته و تكوينه البيولوجي للممارسة الإنسانية البشرية في ظل صعوبة الزواج في سن معينة أو في ظل ظروف اجتماعية محددة، وسلوكه ذلك موجه بحديث للرسول (ص) :
« : » يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء »| رواه البخاري| : والوجاء هو الحماية و الوقاية.
لكن الصبر هنا بأي مفهوم؟
في المجتمع الإسلامي إبان حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن الزواج يكلف أعباء اقتصادية ومالية كما الآن، كما أن إشكالية المعيش اليومي والبطالة والوظيفة وإكراهات اجتماعية كثيرة لم تكن مطروحة كما في هذا الطور المدني المتقدم، بالإضافة إلى ما تكشف عنه إحصاءات الجنسين والتفاوت الذي يؤدي إلى ظواهر حتمية كالعنوسة، ليس من باب الاستظراف نقول هذا و إنما من باب واقع اجتماعي حاصل لابد له من حل غير تلك الحلول الفقهية النفعية التي تختزل المرأة في رقم 4 !! مركزة على نص له أسيقته التاريخية و متجاهلة روح الإسلام الكلية ومتطلبات العصر، ثم إن النص الحديثي السالف لم يتضمن من وجهة نظر فقهية ألفاظا من ألفاظ الأحكام :حرام، حلال، مكروه، جائز..إلخ ولو أنه في المعهود القرآني ما يفوق فعالية نص الحديث، في مقام الحديث عن الزنا، أي كل علاقة خارج إطار الزواج محرمة بشكل واضح لا يترك مجالا لتأويل مختلف عن ظاهر النص، وهذا هو المشكل الحقيقي الذي يواجه قيم الفردانية وحرية الجسد والذي يتطلب وعيا متجردا وليس تخريجات فقهية هزيلة.
هده واحدة من المفارقات التي تسم المجتمع البيوريتاني ظاهرا و اللذائذي باطنا بميسم التشظي والفصامية، لا أحد يستطيع الاعتراض على سنة الرسول (ص) إن صح ما نقله البخاري [1] ، و لكن بالرغم من ذلك يبقى باب السؤال مفتوحا، والمسلم القوي هو من يطرح الأسئلة ويقارب روح العصر مستعينا بالنصوص والشريعة، وليس من يقارب الشريعة مستبينا بروح العصر، فإن وافقت هده الروح قياس الشريعة نلبسها وإن اختلفت ننبذها أو نعمي أعيننا كأننا لا نراها !.
إن هذه المفارقة التي يتداخل في سديمها، الديني بالقيمي بالسلوكي بالإكراه الاجتماعي والحاجة البيولوجية الإنسانية، لهي المفارقة التي يمكن أن تشكل نواة لما نسميه « أزمة الجنس » وسبب » المجاعة الجنسية »، ولنا أن نناقش هده المفارقة ونسجل بعض الملاحظات التي يمكن أن توجه الباحث عن مخرج من عنق الزجاجة، أو ما جعلنا فقهاء الظلام نتهيأ أنه تناقض وتعارض بين منطوق الشريعة والحاجة الإنسانية العاطفية الفيزيولوجية. ولنطرح بعض الأسئلة التي تؤطر المفارقة:
هل الجنس شر مطلق في عرف الدين ؟ وما موقف التراث ؟ وما الرؤية الممكنة لتجاوز المفارقة في واقعنا المعيشي؟ لماذا نجد في « الدارجة » واللهجات الشفاهية والعربية المكتوبة أيضا مدونة هائلة من الرموز الجنسية والتسميات اللامحصورة لأعضاء الجسد الجنسية وللمارسة الجنسية ولا نجد اعترافا اجتماعيا وثقافيا بشرعيتها أو نجد تعتيما عليها؟، لماذا استعمالية الجنسي في اللغة العربية محصورة وقليلة ومحاطة بأسوار من المحظور والممنوع في حين في لغات أخرى تواجه المجتمعات طبيعتها البشرية الجنسية بتعقل ووضوح على مستويات الخطاب ( آنيا وفي هدا العصر) ؟ لماذا تمتاز تسميات العملية الجنسية بهذا التمويه والرسمية واللغة التقنية المحضة في المعهود الفقهي لعلم الباه ( فقه الجنس الإسلامي ) : النكاح (الدال على الزواج والجنس معا ) ، الجماع، الوطء، الحرث ، المضاجعة، الرفث…؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك حرب ناشبة حول تحديد ما تعنيه كلمة دين، بالتحديد « إسلام » وكلمة « تراث » أيضا، وهي حرب يتضافر فيها السياسي بالديني بالثقافي ضمن بوثقة السلطة، السلطة الفقهية كفرع من السلطة السياسية وخادمتها هي التي تصبغ التصورات بطابع خاص اعتبارا لتلك المكونات التي تحدد هوية الدين في لحظة معينة، وبما أن تصور المسلم للتاريخ تصور دائري، تكون فيه الحقيقة نقطة بدء وجب العودة إليها، فإن تأثير التراث الديني خصوصا في الحياة المعاصرة باد ولا ضرورة لتبيينه، إذ تنحو كل مظاهر الممارسة الحياتية اليومية إلى استلهام موقف الشرع والفقه من كل مستدقة وصغيرة وجزئية في الحياة، من الوضوء إلى الرجل التي يدخل بها المرء إلى بيته أيمنى أم يسرى !! في محاولة للعودة إلى النموذج السني النبوي بكل تفاصيله..
وليس في هذه المقالة القصيرة متسع لأبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه دعا إلى أن تجديد في الدين سيكون على رأس كل مائة عام، كما أنه لم يدع إلى الأخذ بأشياء دقيقة جدا عن سلوكه، أولا وعيا منه (ص) بطابع التاريخ وتغير طبيعة المجتمعات وسلطة الشفاهية على الخبر نفسه، حيث تحوره وتغير فيه بفعل تواتر الرواة والمحدثين، عكس القرآن الكريم الذي حفظه الله من التحريف، ثانيا لأنه دعا المسلمين إلى تولي « أمور دنياهم » لأنهم » أعلم » بها، فالأحق أن يتشبثوا بروح الدين وكلياته وجانب العقائد ويتطرقوا بحرية إلى الاجتهاد في تسيير حيواتهم ومجتمعاتهم لأنهم » أعلم بأمور دنياهم ».
الحرب الناشبة حول مساحة المصطلحات وطبيعتها خرجت من إطار الصراع السياسي الذي يتحكم في تقنين فعالية الجسد لأهداف معينة تتداخل فيها الإيديولوجيا بالاقتصاد بالسياسة بالطبيعة البشرية لتسم الوعي الجمعي بطابعها المتناقض، القمعي، النفعي والغائي، المقصود هنا هو أن التصور الشائع عن شر الجنس، و كونه شرا لابد منه تصور غير منطقي، لأنه ينظر إلى سبب وجود الإنسان واستمراره نظرة تحتوي تناقضا صارخا، نحن لا نكون إلا بالجنس وفي الآن ذاته نحتقره كسلوك بشري، إن اعتبار الجنس شرا راجع في البنية العميقة للوعي إلى اعتباره الفعل الذي طرد حواء وآدم من الجنة، خطيئة قطف الثمرة أدت إلى عقاب تعرية الجسد وكشف » السوأة »، كشف السوأة أدى إلى الاشتهاء و من ثم ممارسة الجنس و السقوط إلى الأرض عقابا، إنه تصور ميثولوجي لا نسائل حقيقته ، لأنه منصوص عليه في القرآن الكريم أيضا، ولكن نناقش رمزيته وأثره في الوعي الجمعي وفي الفُهوم الفقهية واللاوعي الشعبي، والحقيقة أن الجنس ليس شرا وليست المرأة موضوعا جنسيا مشيّئا، يقول ابن منظور في تعريف مادة جنس:
« والجنس أعم من النوع ، ومنه المجانسة والتجنيس . ويقال : هذا يجانس هذا ؛ أي يشاكله » والجدير بالتدقيق أنه بهدا اللفظ لم يعرج على الممارسة الجسدية لأنه كان لها تسميات أخرى في التراث : الوطء، النكح، المعاشرة..إلخ، لكنه أشار في تعريف لمادة جنس إلى معنى المجانسة، الاختلاط الطبيعي، والمشاكلة، أي المساواة في ظل الاندماج، الأنثى و الدكر هنا لا يمارسان شرا وإنما يتشاكلان، ويندمجان ويتقاربان تقاربا مطلوبا وأنطولوجيا، لعلهما يبحثان عن عودة إلى منبع واحد كانا فيه جسدا واحدا، كما يقول أفلاطون في محاورة » المأدبة » ففي محاورة » المأدبة » يتصور أفلاطون وجود كائن قوي جدا له أرجل أربعة و ينظر في كل الاتجاهات، ووجود هدا الكائن أخاف آلهة الأولمب وأقلق سطوتها فسارعت إلى شطره نصفين لإضعافه، فوجدت الأنثى والدكر بعض شطر الكائن ، ولعل التفسير النابع من هدا التصور هو أن الجنس عملية ومحاولة لعودة ذلك الكائن لقوته، حين يلتحم الجسد الأنثوي بالجسد الدكوري تكون تلك محاولة للبحث عن القوة فأي معنى للخطيئة في أفق هدا التصور؟ هل القوة خطيئة؟ البحث عن الكمال والقوة خطيئة؟ أم أنه شر؟ إنه بلغة ابن منظور تشاكل ومشاكلة للعودة إلى الأصل.
بيولوجيا ،الجنس توتر وتنبيه من عضو جسدي من خلال فاعلية الهرمونات المسماة هرمونات الحب، كلما تعطلت وتأخرت تلبية هدا التنبيه اتسعت قاعدة التأثير، وأصيب الدماغ البشري باختلالات أفدح، تؤدي إلى سلوكات مثل التي نراها في حياتنا اليومية، أي أن الكبت يشكل قاعدة أولية لكثير من السلوكات غير السوية والتصورات التقديسية التبجيلية للجسد والتي تعود برد فعل عكسي يؤدي إلى كبت الجسد، إننا نقدس الجسد البشري لذلك نراقبه ونعاقبه بشدة ونحصر فاعليته ولا نكف عن قمع أجسدنا وحشر أنوفنا في فعالية أجساد الآخرين من أقربائنا إلى أبعد شخص نعرفه أو لا نعرفه، وهذا التقديس هو سبب هوسنا به، أما القرآن الكريم والدين فلم يدعوا إلى هذا التقديس، وإنما حصر الممارسة الجسدية في أفق تصور اجتماعي معين، الآن لا يمكن أن تتوافر شروط تحقيقه للجميع ولكل شرائح المجتمع ( الزواج)، أو لا تتوافر شروط تحقيقه إلا في تاريخ معين من حياة الفرد في حين يبلغ يناعته ونضجه الجسدي قبل ذلك التاريخ بكثير ، وآن البلوغ تبرز حاجته إلى ممارسة جنسية متزنة، كي لا يختل بناؤه النفسي، إننا نضع نصب أعيينا إنسانا سويا فقط بغض النظر عن أي نية سيئة اتجاه الدين أو أي تصور آخر، ولا نرى في ذلك النموذج الأوروبي مثلا يقتدى به، ففي الإسلام روحنة للجسد يمكن أن نستغلها كمعطى خاص بنا لنمارس حبا بالمعنى الروحي والجسدي معا بعيدا عن تشيء الإنسان وتسليعه أو السقوط في ميوعة تؤدي إلى ظهور انحرافات عكسية من نوع مختلف.
في القرآن الكريم هناك نص قاطع بضرورة الزواج لممارسة علاقة جنسية « حلال » بالمعيار الفقهي، ولكن النص القرآني يلزم المسلم فقط، ومن ثمة فأحكامه تلزم المسلم والمسلمة، ولا تخول للمسلم أن يتدخل في سلوك غير المسلم الجنسي، والأحرى به أن يقوم بتعديل سلوكه، ويعيد التفكير في الممارسة الجسدانية آنيا لأنها ضرورة وليست مهربا أو جريمة، مادام القرآن صالحا لكل زمان ومكان، ومادام الإنسان ومصلحته هي أساس ومنطلق الوحي.
إن ربط الشرف بالجسد وبغشاء البكارة وتعليقه بالأنثى خصوصا ليس أمرا قرآنيا، وإنما هو نمو سوسيوثقافي لمنطوق النص و فهم آبائنا له لا لجوهره هو كنص، وهو فهم إنساني في نهاية المطاف، قابل للتخطيء والتجاوز، و العفة ذاتها تصور مسيحي صرف، وإن حكى عنها القرآن ففي سياق الحديث عن ولادة المسيح (عيسى) عليه السلام، فهدا التصور الطهراني للجنسانية البشرية، أي الاستعفاف، خلق أولا في الذاكرة الجماعية المسيحية ، الشعور المسيحي، وليس حضوره في القرآن سوى على سبيل الحكي والقصص، لأن القرآن يستدعيه في سياق الحديث عن مريم العذراء، ولم يتسرب مفهوم الطهارة الجسدية إلا مؤخرا إلى المجتمع الإسلامي ( كممارسة اجتماعية وليس كنص)، دليلنا هو أن مسلمي العصر الأموي والعباسي والأندلسي لم يجدوا تحرجا في نكح الجواري اللواتي تشتغلن بالفنون والصناعات وخدمة القصور، ولم يكن أحد لينعت تلك الجواري بالفسوق ولا بالعهر كما يحصل مع فقهاء البترودولار اليوم، لسنا نبرر الإماء وامتلاكهن، فذلك أمر غير إنساني و لم يعد ممكنا على كل حال نظرا للتطور الذي لحق المجتمع البشري، وإنما استشهدنا به فقط لنبين أن فعل الجسد لم يصر مقرونا بالخطيئة والإثم في ذهن الرجل والأنثى إلا في مجتمعات بعيدة عن فترة الرسول(ص) ويا للمفارقة ! فهؤلاء يعتبرون القرب من فترة الرسول (ص) معيارا للحق و في الآن ذاته نجد أن فترة العباسيين والأمويين لم تكن أكثر تشددا من فقهاء 2013؟ ! الآن صارت » المتعة الأنثويّة مرغوبة، ولكنّها، في الوقت ذاته، ملغزة بل مخيفة » [2]
لقد اتهم الفقهاء الأنثى بأنها سبب فشل المجتمع الإسلامي فآمنت هي بالتهمة، و في المنطوق الإسلامي والمكتوب الأدبي التراثي مثل ألف ليلة و ليلة هناك تصور جدري عن إثم الأنثى، خطورة الأنوثة، خيانتها، حيوانيتها الغرائزية، وهدا تصور متساوق مع الواقع الفقهي الأصولي الذي يغذي هدا الخوف من الأنثى ، فصرنا أمام نوع من التنويم المعرفي للمرأة حتى صارت هي ذاتها تحاصر جنسانيتها أو تمارسها في الخفاء مع إحساس دائم بالإثم والخطيئة، ما يخلق حالات فصامية مرضية وسلوكات لا تحتكم إلى أي معيار أخلاقي كما يتمثل مثلا في تغطية الجسد، النقاب والحجاب… و كغشاء البكارة الصناعي ، الكذب ..إلخ ، إن الفقه الدكوري مسؤول هو الآخر، بل هو المسؤول الأول عن شيوع مثل هده التصورات و الممارسات الزائفة في قلب المجتمع. مادام هدا الفقه هو القناة التي تربط بين عامة الناس والتصور الديني الإسلامي للحياة الجنسية، فكيف تراجعنا من تصور قديم منفتح نسبيا إلى تصور جديد مغلق وتهويلي تقديسي للجسد، يكفي أن نطلع على بعض فتاويه لنتلمس عدائية خطابه وانغلاقية نسقه؟
اعتبر ميشال فوكو أن المجتمعات الأكثر تحريما للجنس هي المجتمعات الأكثر هوسا به، هي التي تتحدث عنه دون انقطاع لأنه يشكل بؤرة نقص ومنطقة ظل موجعة في جسد المجتمع، وأزمة الجنس كانت ولا زالت جرحا مفتوحا في المجتمع الإسلامي، لأن القدماء من فقهاء الإسلام الجهابذة لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة في الجنس إلا وألفوا فيها وكتبوا عنها، وكانوا أقل راديكالية من فقهاء الوهابية والسلفية المعاصرين على الأقل، إننا نلفي مواقف فقهية وعت ضرورة الجنس وفعالية الجسد كضرورة بشرية لا مهرب منها، وقد نبعت هده المواقف عن فقهاء لهم وزنهم في الثقافة الإسلامية، ارتأوا أن تحرير الجسد ضرورة قصوى في ظل التصور الإسلامي، الذي أوضحنا في مقالات سابقة أنه ليس بالضرورة التصور الرسمي للإسلام الذي قرن دائما ولا زال يقرن بالسياسة والسلطة، يقول الإمام ابن قتيبة الدينوري :
» وإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج أو وصف فاحشة فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع، على أن تصعر خدك وتعرض بوجهك فإن أسماء الأعضاء، لا تؤثم وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب » [3]
إن هاهنا دعوة لتحرير الخطاب و اللغة من « التخاشع » والمسكنة الدينية التي لا تمت للمنطق الإسلامي الثقافي بصلة، ولعلنا نلفي في مؤلفات أخرى هدا النزوع نحو تحرير اللغة من الحقل الملغوم الذي حصرت فيه المعاني الجنسية كما في كتاب الشيخ النفزاوي الذي يذكر مسميات الأعضاء الجنسية بكل صراحة ولا يجد من تحرج في ذلك ما دام القرآن لم يمنعها في سياق الدلالة على الجسد البشري:
» « الحمد لله الذي جعل اللّذّة الكبرى للرّجل في فُروج النساء، وجعلها للنّساء في أيور الرّجال. فلا يرتاح الفرْج ولا يهدأ ولا يقرّ له قرار إلاّ إذا دخله الأير، والأير إلاّ إذا دخل بالفرج. فإذا اتّصل هذا بهذا وقع بينهما النكاح والنطاح وشديد القتال، وقربت الشهوتان بالتقاء العانتين وأخذ الرجل في الدكّ والمرأة في الهزّ، بذلك يقع الإنزال.. » [4]
إننا نجد في مدونات فقه الجنس الإسلامي كما هائلا من التسميات والمحكيات عن الأعضاء الجنسية، وفي المقابل نجد تطويقا لفعل الجسد وتجريمه خارج الأطر الاجتماعية المغلقة، هنا مفارقة واضحة، إننا مهووسون بالجنس، نحن نتكلم عن الجنس كثيرا ولكننا نحرمه ممارسة وهذا هو مكمن الهوس، ولعل الناظر في مدونة علم الباه ( فقه الجنس الإسلامي) يتعجب من هذا الكم الكبير من المؤلفات التي لا تضاهيها إلا مؤلفات الثقافة الهندية الجنسية و لنذكر بعضها على سبيل التبيين:
كتب تراثية ناولت الجنس بدون مركب نقص:
« روضة المحبين ونزهة المشتاقين » لابن القيم الجوزية
« الروض العاطر في نزهة الخاطر » للشيخ النفزاوي
» طوق الحمامة » لابن حزم الأندلسي
« مصارع العشاق » للسراج
» القيان » للجاحظ
» مفاخرة الجواري والغلمان » للجاحظ
« أشعار النساء » للمرزباني
» روضة التعريف بالحب الشريف » لابن الخطيب
« مشارف أنوار القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب » للأنصاري
» نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب » للتيفاشي
» تحفة العروس ومتعة النفوس » محمد بن أحمد التيجاني
« رجوع الشيخ إلى صباه » ابن كمال باشا
ولجلال الدين السيوطي مؤلفات كثيرة في هدا الباب:
» نواضر الأيك في معرفة النيك »
« شقائق الأترج في فن الغنج »
« الإيضاح في أحكام النكاح »
« الوشاح في فوائد النكاح »
« نزهة الجلساء في أشعار النساء »
وفي كتب أخرى لا تتطرق إلى موضوعة الجنس كموضوعة رئيسية ، نجد مقاطع وأبواب خاصة بأمور الجسد وتقنينها و تطبيقاتها وأخبار العشاق والمحبين والأحكام الفقهية، مثل » العقد الفريد » لابن عبد ربه أو » الفهرست » لابن النديم » ..إلخ ، وبعض هده الكتب صار اليوم يعتبر فاجرا و فاسقا ولا يجب تداوله، مع العلم أن مؤلفيه من أكبر الفقهاء والمحدثين ، فلماذا كتب هؤلاء هده الكتب، هل للهرب من القرآن وأحكامه؟ لا بل لحث المسلم على الممارسة الجسدانية السليمة ولكن كل ذلك في أفق صدمه بالشريعة، أي جعله يقف وجها لوجه أمام الشريعة، هناك سوء فهم جمعي حين يتعلق الأمر بكلمة ثقافة إسلامية، الثقافة الإسلامية ليست هي التصور الجمعي الرسمي فقط، هي أيضا مناطق الظل واختراق الرسمي، مؤطرة في تاريخ مضاد، مخفي …وتاريخ علم الباه في الإسلام تاريخ مضاد للواقع الذي نعيشه اليوم وجب إحياؤه وتدريسه لرفع العتمة عن زوايا التصور الإسلامي للجسد وللجنس، بالرغم من كل المؤاخذات التي يمكن أن نؤاخذها على متون هذا العلم، من قبيل اعتبار الأنثى موضوعا جنسيا للرجل…إلخ
إن التراث الفقهي الإسلامي تراث حسي، ذلك أن التصور الإسلامي في عمومه تصور لا ينافي ماهو جسدي ولكن يقننه، وقد ناقشنا التقنين باختصار لأننا لا نرى في مواجهة النص القرآني فائدة ترجى، فإما أن نعي النص ونعطل حكمه كما حصل مع نصوص في مجالات أخرى ونبحث في المقابل عن اجتهاد بروح إسلامية لمواءمة العصر وإما نتخذ موقف النعامة التي تغرس رأسها في الرمل كي لا ترى الصياد، لقد أوقف عمر رضي الله عنه حكم قطع اليد، الذي هو حكم قرآني صريح يلحق السارق، لظروف اجتماعية قاهرة تمثلت في انتشار المجاعة البطنية، ونحن نرى أنه وجب توقيف حد الرجم وتدقيق وإعادة بناء مصطلح الزنا لأن ظروفا اجتماعية طارئة أيضا حاصلة، إنها مجاعة، ولكنها ليست مجاعة بطنية هذه المرة، إنها مجاعة جسدية عاطفية، لا تتوقف فقط على قضية ممارسة جسدية وحسب، وإنما تخص الكثير من التشوهات القيمية والفكرية والثقافية التي لحقت المجتمع، إن الأخلاقي الآن هو تحرير الجسد بجبر الحكم ونسخه، توطين الجسد ضمن خارطة جديدة من القيم الكونية، بحيث لا يتهم الإسلام بضعفه وهروبه من العصر أو فرضه لقيود تعجيزية على أبنائه، إننا و بكل صراحة لا نرى تناقضا بين نسخ حكم قرآني باجتهاد وبين ثبات العقيدة، وإلا فعمر بن الخطاب مهزوز العقيدة ؟؟ !!
لقد كان من الممكن أن أرتكن في هده المقالة القصيرة إلى حل نفعي استغلالي مريض لأزمة الجنس يلجأ إليه فقهاء البترودولار وهو الإقرار بزواج المتعة، مادامت له تخريجة شرعية محبوكة بخبث طبعا، لكن ذلك تبعا لروح الإسلام الكلية والإنسانية الكونية أمر غير أخلاقي، فنكاح المتعة كان قبل الإسلام واستمر لأن الإسلام لم لكن ليمنع الأشياء إلا بالتدريج، وروح الإسلام العامة تفيد أنه بعد انقطاع الوحي لنا أن نتجاوز ذلك السلوك، أولا لأن الزواج المتعي غير ممكن بالنظر إلى روح العصر الذي نعيش فيه، فتدبير الشأن الجنسي أصبح أكثر تطورا، عوض أن نلد أطفالا لا آباء لهم و ينسبوا إلى أمهاتهم، هناك أساليب منع الحمل المتطورة.
إن مجاعة الجسد الآن تحتاج إلى جرأة كبيرة وثورة جيل جديد يقلب القيم المتوارثة والمتآكلة، حيث يصير الأخلاقي منفصلا عن الممارسة الجسدية الطبيعية، فالأخلاق كما أسلف الإمام بن قتيبة في حفظ اللسان من قول السوء وعدم اغتياب الناس والأمر بالحق و ليست في إعمال الفعالية الجسدانية بوعي بعيدا عن بكت الضمير النابع عن سوء فهم للدين وللطبيعة البشرية .
إن الجنس تواصل مع الآخر بغض النظر عن طبقته أو مستواه أو فكره أو طبيعته العقلية، إن الجسد هنا إلغاء للفوارق الطبقية ولاختلافات اللون والعقيدة والانتماء، وتدبيره بشكل يحترم حريات الأفراد الخاصة ويقر بتحكمهم في أجسادهم لا يعارض روح هدا الدين، بقدر ما يمكن أن يفتح بابا لجبر كسر من كسور المجتمعات الإسلامية وتقويما للشخصية الإسلامية التي فقدت أبعادها الكونية مند زمن بعيد، إن إحياء التراث التعليمي الجنسي الإسلامي والانفتاح على الثقافات الجنسية المعاصرة مع تعطيل لحكم من أحكام القرآن الكريم اضطرارا في هذه المسألة ، كما فعل الفاروق، يمكن أن يخلق لنا شخصية مسلمة متزنة ، تمارس جسدانيتها بدون مركب نقص، فيختفي التحرش الجنسي من الشوارع وكل مظاهر التستر والرعب والفوبيا التي نلحقها بأنفسنا وبالمحيطين بنا من جراء الكبت.
هوامش:
[1] لنا إنشاء الله قول مختصر في بعض ما يؤاخذ عليه البخاري.
[2] من حوار للمحلل النفسي د.فتحي بن سلامة على موقع الأوان.
[3] ابن قتيبة الدينوري، عيون الأخبار، المقدمة.
[4] من خطبة كتاب " الروض العاطر في نزهة الخاطر " للشيخ النفزاوي.