نقوس المهدي
كاتب
حينما بدأ التصوير الفوتوغرافي بشكله التجاري الأول في عام(1839)، هل كان يدور في ذهن أي من صناعه انه سوف يتحول الى فن معترف به، هذا ما اشك به، ضمن ما يتداول من صفات ومميزات واشتغالات العمل الفني الواقعي في ذلك الوقت. نحن نعرف بأن الصورة الفوتوغرافية تبقى قاصرة عن العين في ميزة إدراك الصفات الوجدانية العاطفية التي تتغلغل في تفاصيل العمل الفني الصباغي حتى لو كانت صورمجتزئة من المناظر الخلوية كما في الفن الطبيعي عند (كوربيه) مثلا أو الانطباعيين.
وبقيت الصور الفوتوغرافية قاصرة عن ذلك حتى وقتنا الحالي. فاللمسة الفنية، ليست كما لمسة السطح الفوتوغرافي. وحتى الدجتال الحالي، رغم ريادته مناطق فنتازية صورا وأعمال فيدوية.
إن استعانت الواقعية الفائقة و(السوبريالزم والفوتوريالزم) بالفوتو كمصدر استنساخي لأعمالها مع فروقات في التفاصيل الواسعة أو المختصرة، منها الاشتغال على الرسم الشخصي بالكثير من استعراض المهارة وسعة المساحة، فالأمر لا يتعدى إمكانيات المهارة والإبهار. فهل المهارة أو الإبهار لوحدهما يصنعون فنا. أعمال بالتأكيد تعجب جمهورا معينا واسعا. رغم أن هذا الإعجاب سرعان ما يترك بصمته على الأثر نفسه لا على النفس الإنسانية. لذلك أعتقد أنه سرعان ما يتبخر، كما الكثير من صور فضاءات المدن الصناعية التي نغادرها.
هل للذائقة دخل في الإنتباه للعمل الفني، وهل هناك تصنيع لهذه الذائقة يختلف عما عرفناه في عقود الحداثة السابقة، وهل هي للنخبة، ام للعامة، أم إنها ما بين بين(البرجوازية الصغيرة مثلا). قبل عدة أعوام لاحضت ان عدة قاعات فنية مؤسساتية في البلد الأوربي الذي أقيم فيه قد اقتصرت عروضها على الفوتوغراف، مقصية الأعمال الفنية حتى المعاصرة من اهتماماتها. ربما كان الأمر مجرد ميل من قبل مدرائها، ربما كان هناك غرض آخر. مما استشفته انها تسعي لفرض ذائقة الفوتو كفن معترف به يضاف لبقية فنون ما بعد الحداثة. إذا بعد إن أصبح الفوتو ذي القدرة التواصلية والذوقية العالية فنا. فبالإمكان اعتباره مصدرا لفنون أخرى، الفيديو آرت والواقعية الفائقة(الهيبريالزم). من هنا اعتقده اكتسب بعض من اعتباراته كفن مستقل تطور أكثر، بشكل خاص في الولايات المتحدة منذ بداية عام(2000).
استنساخات أجساد فنان البوب (جورج سيكال) أعمال ثلاثية الأبعاد(منحوتات) جبسية خشنة تستقر في فضاءاتها المدينية المحسوبة بدقة وتشكل معها تضادا محببا، كأعمال مصبوبة(مصنعة) وديكور جاهز. بالنسبة للمشاهد، هو يعرف جيدا، بأن الفنان لم يصنعها من مخيلته، بل كان دوره مجرد حرفي صب الأجساد الحية، لكن بدون تشطيب مخلفات قوالب الصب، يتقبلها ضمن تأويله لمدلولاتها ولفتنازية فضاءاتها التي تجمع التناقض والانسجام في نفس الوقت، وكأعمال فنية واقعية تحمل ندوبا وأثلاما لا تمت للأصل المستنسخ عنه إلا في الشكل الخارجي الذي حوله الفنان بفعل تحويلي من مجرد عملية ميكانيكية، الى مصاف الأعمال الفنية الحديثة(البوب)، وكما في مصورات وارهول ايضا. بما ان النفس البشرية لا تستسيغ النظام الصارم المطلق والذي يحول عملية التأمل الى مضاد ممل يبحث عن مخرج له فيما يناقضه. بالوقت الذي يشتغل فيه الذهن على سد ثغرات تفاصيل العمل الفني المهملة بما يناسب ادراكاته. وبما يضفي على عملية التلقي ديناميكيتها. الرسوم الواقعية الفائقة وحتى منحوتاتها ذات الأبعاد الثلاثية بدقتها المعملية التي تتجاوز حتى تفاصيل واقعية العمل(الفوتو) الأصلي المستنسخ. تفتقر لهذه الميزة المهمة، مما يجعلها في موقف وسط، ما بين أن تكون اعمالا فنية، من عدمها.
يبدو لي أن ثمة ميزة لأرشفة زمنية واضحة في صور الفوتو الأولى بسبب من ضبابية توناتها التي تتوازى وضبابية مرجعيتها التقنية والزمنية. ما فعله الديجتال في زمننا هو مزيد من الوضوح المدهش والفنتازيا. مع ذلك فأعتقد هو الآخر له وثائقيته الزمنية التقنية. إذا هو أيضا من اعمال التقنية، لكنها منتجة بروحية شبحية مراوغة رغم دقتها. هو أيضا تحول الى مرجعية للواقعية الفائقة، وبذلك فإنها تشاركه ميزته. والوثيقة لوحدها تبقى عملا فنيا يحمل بذرة عدم اكتماله. فهل تحول الفنان الى مجرد آلة تصوير بمجسات دقيقة، صور مكنية باردة خالية من أية مشاعر إنسانية. وكأن صانعها لا يتجاوز دور أدائه لوظيفته الاستنساخية. فهل تحول (الفنان) هنا الى مجرد آلة صماء. مع ذلك فأحيانا ما تنتج(الآلية) جمالياتها.
بالتأكيد كان للفوتوغراف دور ما في بداية القرن العشرين، كتفصيل ذا قيمة فنية(كولاج) مضاف للعمل الفني، كما في (دادا والمستقبلية الروسية) يصعد من القيمة التعبيرية. لكنه لم يصبح معادلا كاملا للعمل الفني، إلا في اعمال (الفوتريالزم والهيبريالزم) كمقارب لخلق واقع كاذب أو مموه يؤدي بالنتيجة الى تغريب عوامل مهمة كالفعل السياسي والاجتماعي والثقافي، لا على ابرازه كدلالة من دالات العمل الفني، سواء كان رسمة أو مجسد. إنه واقع لصورة ضوئية محسنة ومنضبطة لواقع سردي ليس الا.
هل بإمكاننا ان ننسب الهيبريالزم الى فن البوب، بما ان هناك مشتركات لبعض رسوم فناني البوب. أو لكونه انحدر من منطقة أداءاتهم الواقعية الاستعراضية في بداية سبعينات القرن الماضي. ولما له من شعبية كبيرة، فهو وكما اعتقد فن استعراضي بضخامة أحجامه التي تتعدى حجومها مساحة صورة الفوتوغراف الأصلي أضعاف مضاعفة. لكن ان كان البوب توسعت مساحته وتوالدت ما بين التشخيص والتجريد. فالهيبريالزم محكوم بمنطقة ادائاته الضيقة مهما جرب الفنان من الاشتغال على مشهدية كادر عمله المسندي او المجسم، وكما في مجسدات الفنان الاسترالي(رون ميوك) الذي يعترف بأنه (أيضا لا يشتغل على النماذج الحية) ويقول(أنا استخدم صورا أو مراجع من الكتب، أو التقط الصور الخاصة بي أو النظر في المرأة) أما المقياس الكبير والمبالغ به، فمن أجل(رفع الأثر العاطفي والنفسي) بمعنى اللعب على إثارة المتلقي. هنا لا يهمني استخدامه للمواد المستعملة لخلق وهم واقعية اعماله الفائقة. فللصورة المرسومة أيضا موادها وأدوات تنفيذها المناسبة. المهم في الأمر هو خلق الوهم الفائق. لكن هل يدوم أثر هذا الوهم، أم يزول بزوال مؤثراته الآنية. هنا علينا التمييز ما بين الأثر الفني الذي يصاحب ذهننا والأثر الزائل وكأنه من معالم المدينة لعين السائح، كما
تمثال النجمة السينمائية الأمريكية الراحلة مارلين مونرو(مارلين للأبد) في فضاء شيكاغو للفنان(سوارد جونسون) المصنوع من مواد صلبة مموهة بخفة سطوحها والوانها الواقعية. أثر لا بد للسائح من المرور عليه، ولقطة فوتوغرافية تذكارية ووداع.
وبقيت الصور الفوتوغرافية قاصرة عن ذلك حتى وقتنا الحالي. فاللمسة الفنية، ليست كما لمسة السطح الفوتوغرافي. وحتى الدجتال الحالي، رغم ريادته مناطق فنتازية صورا وأعمال فيدوية.
إن استعانت الواقعية الفائقة و(السوبريالزم والفوتوريالزم) بالفوتو كمصدر استنساخي لأعمالها مع فروقات في التفاصيل الواسعة أو المختصرة، منها الاشتغال على الرسم الشخصي بالكثير من استعراض المهارة وسعة المساحة، فالأمر لا يتعدى إمكانيات المهارة والإبهار. فهل المهارة أو الإبهار لوحدهما يصنعون فنا. أعمال بالتأكيد تعجب جمهورا معينا واسعا. رغم أن هذا الإعجاب سرعان ما يترك بصمته على الأثر نفسه لا على النفس الإنسانية. لذلك أعتقد أنه سرعان ما يتبخر، كما الكثير من صور فضاءات المدن الصناعية التي نغادرها.
هل للذائقة دخل في الإنتباه للعمل الفني، وهل هناك تصنيع لهذه الذائقة يختلف عما عرفناه في عقود الحداثة السابقة، وهل هي للنخبة، ام للعامة، أم إنها ما بين بين(البرجوازية الصغيرة مثلا). قبل عدة أعوام لاحضت ان عدة قاعات فنية مؤسساتية في البلد الأوربي الذي أقيم فيه قد اقتصرت عروضها على الفوتوغراف، مقصية الأعمال الفنية حتى المعاصرة من اهتماماتها. ربما كان الأمر مجرد ميل من قبل مدرائها، ربما كان هناك غرض آخر. مما استشفته انها تسعي لفرض ذائقة الفوتو كفن معترف به يضاف لبقية فنون ما بعد الحداثة. إذا بعد إن أصبح الفوتو ذي القدرة التواصلية والذوقية العالية فنا. فبالإمكان اعتباره مصدرا لفنون أخرى، الفيديو آرت والواقعية الفائقة(الهيبريالزم). من هنا اعتقده اكتسب بعض من اعتباراته كفن مستقل تطور أكثر، بشكل خاص في الولايات المتحدة منذ بداية عام(2000).
استنساخات أجساد فنان البوب (جورج سيكال) أعمال ثلاثية الأبعاد(منحوتات) جبسية خشنة تستقر في فضاءاتها المدينية المحسوبة بدقة وتشكل معها تضادا محببا، كأعمال مصبوبة(مصنعة) وديكور جاهز. بالنسبة للمشاهد، هو يعرف جيدا، بأن الفنان لم يصنعها من مخيلته، بل كان دوره مجرد حرفي صب الأجساد الحية، لكن بدون تشطيب مخلفات قوالب الصب، يتقبلها ضمن تأويله لمدلولاتها ولفتنازية فضاءاتها التي تجمع التناقض والانسجام في نفس الوقت، وكأعمال فنية واقعية تحمل ندوبا وأثلاما لا تمت للأصل المستنسخ عنه إلا في الشكل الخارجي الذي حوله الفنان بفعل تحويلي من مجرد عملية ميكانيكية، الى مصاف الأعمال الفنية الحديثة(البوب)، وكما في مصورات وارهول ايضا. بما ان النفس البشرية لا تستسيغ النظام الصارم المطلق والذي يحول عملية التأمل الى مضاد ممل يبحث عن مخرج له فيما يناقضه. بالوقت الذي يشتغل فيه الذهن على سد ثغرات تفاصيل العمل الفني المهملة بما يناسب ادراكاته. وبما يضفي على عملية التلقي ديناميكيتها. الرسوم الواقعية الفائقة وحتى منحوتاتها ذات الأبعاد الثلاثية بدقتها المعملية التي تتجاوز حتى تفاصيل واقعية العمل(الفوتو) الأصلي المستنسخ. تفتقر لهذه الميزة المهمة، مما يجعلها في موقف وسط، ما بين أن تكون اعمالا فنية، من عدمها.
يبدو لي أن ثمة ميزة لأرشفة زمنية واضحة في صور الفوتو الأولى بسبب من ضبابية توناتها التي تتوازى وضبابية مرجعيتها التقنية والزمنية. ما فعله الديجتال في زمننا هو مزيد من الوضوح المدهش والفنتازيا. مع ذلك فأعتقد هو الآخر له وثائقيته الزمنية التقنية. إذا هو أيضا من اعمال التقنية، لكنها منتجة بروحية شبحية مراوغة رغم دقتها. هو أيضا تحول الى مرجعية للواقعية الفائقة، وبذلك فإنها تشاركه ميزته. والوثيقة لوحدها تبقى عملا فنيا يحمل بذرة عدم اكتماله. فهل تحول الفنان الى مجرد آلة تصوير بمجسات دقيقة، صور مكنية باردة خالية من أية مشاعر إنسانية. وكأن صانعها لا يتجاوز دور أدائه لوظيفته الاستنساخية. فهل تحول (الفنان) هنا الى مجرد آلة صماء. مع ذلك فأحيانا ما تنتج(الآلية) جمالياتها.
بالتأكيد كان للفوتوغراف دور ما في بداية القرن العشرين، كتفصيل ذا قيمة فنية(كولاج) مضاف للعمل الفني، كما في (دادا والمستقبلية الروسية) يصعد من القيمة التعبيرية. لكنه لم يصبح معادلا كاملا للعمل الفني، إلا في اعمال (الفوتريالزم والهيبريالزم) كمقارب لخلق واقع كاذب أو مموه يؤدي بالنتيجة الى تغريب عوامل مهمة كالفعل السياسي والاجتماعي والثقافي، لا على ابرازه كدلالة من دالات العمل الفني، سواء كان رسمة أو مجسد. إنه واقع لصورة ضوئية محسنة ومنضبطة لواقع سردي ليس الا.
هل بإمكاننا ان ننسب الهيبريالزم الى فن البوب، بما ان هناك مشتركات لبعض رسوم فناني البوب. أو لكونه انحدر من منطقة أداءاتهم الواقعية الاستعراضية في بداية سبعينات القرن الماضي. ولما له من شعبية كبيرة، فهو وكما اعتقد فن استعراضي بضخامة أحجامه التي تتعدى حجومها مساحة صورة الفوتوغراف الأصلي أضعاف مضاعفة. لكن ان كان البوب توسعت مساحته وتوالدت ما بين التشخيص والتجريد. فالهيبريالزم محكوم بمنطقة ادائاته الضيقة مهما جرب الفنان من الاشتغال على مشهدية كادر عمله المسندي او المجسم، وكما في مجسدات الفنان الاسترالي(رون ميوك) الذي يعترف بأنه (أيضا لا يشتغل على النماذج الحية) ويقول(أنا استخدم صورا أو مراجع من الكتب، أو التقط الصور الخاصة بي أو النظر في المرأة) أما المقياس الكبير والمبالغ به، فمن أجل(رفع الأثر العاطفي والنفسي) بمعنى اللعب على إثارة المتلقي. هنا لا يهمني استخدامه للمواد المستعملة لخلق وهم واقعية اعماله الفائقة. فللصورة المرسومة أيضا موادها وأدوات تنفيذها المناسبة. المهم في الأمر هو خلق الوهم الفائق. لكن هل يدوم أثر هذا الوهم، أم يزول بزوال مؤثراته الآنية. هنا علينا التمييز ما بين الأثر الفني الذي يصاحب ذهننا والأثر الزائل وكأنه من معالم المدينة لعين السائح، كما
تمثال النجمة السينمائية الأمريكية الراحلة مارلين مونرو(مارلين للأبد) في فضاء شيكاغو للفنان(سوارد جونسون) المصنوع من مواد صلبة مموهة بخفة سطوحها والوانها الواقعية. أثر لا بد للسائح من المرور عليه، ولقطة فوتوغرافية تذكارية ووداع.