نقوس المهدي
كاتب
من الشخصيات اللامعة في عالم المعرفة ـ الأستاذ محمد المهدي بن عبد السلام متجينوس الأندلسي الأصل، فعندما تم استيلاء (إسبانيا) على جزيرة الأندلس باحتلال غرناطة سنـــــة 987ه (492م) وهاجر سلطاتها محمد بن الأحمر هو وأعيان دولته ورؤساء جنده ووجهاء غرناطة إلى المغرب الأقصى ـ واستوطنوا مدينة فاس وتطوان ورباط الفتح وأقطارا أخرى ـ بقي بغرناطة والأرياض المجاورة لها من لا قدرة لهم على الهجرة ـ فرضوا بالمقام تحت حكم إسبانيا طمعا في وفائها بما التزمت به من شروط ـ حرية الدين والأمن على النفس والمال بيد أنها لما تمكنت قدمها، أخلفت الوعد، وأخذت ترغم المسلمين على التنصير والدخول في المسيحية.
وعندما لمست عدم إخلاص المسلمين في المسيحية أصدرت أوامرها بالتنكيل والتعذيب والطرد آمرة ربانية السفن بتفريقهم في شتى الجهات، فكان إنزال طائفة منهم ببلاد المغرب حيث وصلوه سنة 1019ه فتقبلتهم الحكومة السعدية بصدر رحب وأنزلتهم برباط الفتح (عاصمة المملكة المغربية اليوم) وكان وقتئذ فراغا ـ فاشتغل المهاجرون إليه ببناء الدور والحمامات والمساجد، والكتاتيب، والفنادق، والأسواق ـ وغرسوا خارجه جنات وبساتين ـ فعادت عمارته وزهت حضارته، واظهروا دينهم الذي كانوا مكرهين على تركه ـ غير أن أسمائهم بقيت إاسبانية) إذ عرفوا بها وتنوسي ما كان قبلها من ألقاب عربية جلها قرشية، وبوجود تلك الألقاب الإسبانية استمرت تلك البيوتات الأندلسية محفوظة لغاية أن من لم يكن يحمل اسما يمت إليها بأرومة وشيجة فليس بأندلسي صميم، لذا فشخصيتنا اليوم تعد في عريق البيوتات الأندلسية ـ فبيت أولاد متجينوس رهط المترجم إسباني اللقب بدل في مدلوله على(مسكين) كما يقول ـ صاحب (رياض الجنة).
كان أبو عيسى عالما بالمعنى الصحيح يشارك في كثير من الفنون مع ضلاعة نادرة في علم القراءات ـ ومعرفة وجهها وأحكامها مع التبريز الخاص في الرياضيات والفلك والميل الطبيعي إلى التصوف والتباعد عن الخلطة في إباء نفس مع إقلال وضعف حال ساعد عليه (حرفة الأدب) كما يقول الأدباء في مثله من نبغاء المعرفة.
كان كثير التلاوة، كثير الوراقة (النساخة) فكم نسخ من مجامع لطلابه وتلاميذه لا تزال مائلة في الخزائن والمكاتب معربة عن جمال ورقة ذوق وبراعة قلم، حلو النكتة والفكاهة كما سنرى نوعا من ذلك بعد. ومن ولوعه الخاص بالعلوم والمعارف انكبابه على التصنيف والتأليف ـ من ذلك كتابه المدعو (شفاء الغليل على فرائض خليل) في مجلد جمع بين الفقه والعمل والحساب برهن فيه عن مقدرة جبارة من الناحية العلمية الفرضية التي تعد بحق ـ نصف العلم ـ ولا من الناحية العلمية المبرهنة في ذات الظرف عن ذهنية صافية وعقل رياضي وقاد يتعمق مسائل الفن لحد إبرازها في حلة السهولة والوضوح بما يجعلنا في متناول الطلبة على اختلاف مداركهم، ومنهاـ مؤلفه التبصرة والتذكرة) في علم الحساب احتوى مجلدات أربعة يوجد بالمكتبة الصبيحية بسلا ومنهاـ (نتيجة الاطواد في الأبعاد) عبارة عن منظومة حلاها بشرح كشف ما كان يحيط بها من غموض في فن الإبعاد على عادته في تقريب المسائل وتوضيح القضايا رغبة في تيسير البعيد على الإفهام والأذهان ـ أو منها منظومة في التوقيت ـ بالحساب) طبعت طبعة فاسية ضمن عدة متون وفنون ـ يقول في بعض أشطارها ـ وهي ألطف ـ ملمحا بذلك إلى علمية الربع المجيب الذي يعتمد في طريقته على الخيط والمرى في استخراج الارتفاع والوقوف بشتى الوسائل العلمية على الأوقات التي هي الأس الوحيد في الفن، وزاد المنظومة رونقا وضعه شرحا عليها دعاه (الالوك) إبان ما كان يعلو بعض مسائلها من غموض ومنها منظومة في كيفية استخراج جذر الكعب، وكعب الجذر، وأخرى في الضرب والقسيم، وأخذ الجذر بالربع المجيب وأخرى في أخذ الامتدادات الثلاثة: السمك، والعمق ، والسعة، بالريع المجيب كذلك، ومن مؤلفاته القيمة كتابه المسمى: (رعاية الأداء في كيفية الجمع بين السبعة القراء) دل على ضلاعته في فن القراءات واتساعه في أحكامها وتوجيهاتها.
ومنها: رجز في تربية الأطفال في الكتاب ضمت 69 بيتا منها قوله:
(فهذه هدية الولـــــــدان = والفتح بعد بيد الرحمان)
بعدما تحدث فيها عن أداء التلميذ في المسيد دخولا وخروجا وطيفية معاملته مع العلم وبقية التلاميذ وطريقة الكتابة والحفظ والعرض تقسيم أيام الأسبوع،
وجعل التلاميذ طبقات كما هو اليوم من بنود المدرسة الحديثة ونظامها الأساسي تقع في 800 بيت مطلعها:
(الحمد لله الذي هدانا = لخدمة القرآن واصطفانا)
ومنها: (نظم في إمالة الراء وترقيقها وتفخيمها) النوع الذي هو من قضايا فن تجويد الكتاب ومعرفة أدائه وكيفية ترديد كلمة المقدسة في إحسان يبعد بالقارئ عن الوقوع في الإثم من أجل الاستخفاف بالتلاوة والحق المتوافرة عن الرسول صلوات الله عليه إلى حد اليوم، ولكن في قلة يكاد الفن يندثر معها بين القراء، فقيام المترجم يوضع هذا النظم في حرف الراء وما لها من صفات دليل على صدقه في الفن، وتخليد له في صلب الحرف المذكور حتى لا يعبث بقداسته المقصرون ومن ألفوا الهدرمة في القرآن وتلاوته ومن آثاره التوجيهية الأخلاقية منظومة طويلة النفس هيأها لابنه احتوت 1600 بيت توجد عند بعض الأدباء (1) وله منظومات غير ما ذكر تناولت شتى الموضوعات ـ كنظمه في التشكي من الزمان وأهله، وحق له ذلك فقد عاش بائسا فقيرا مضاعا بين ظهراني قومه منشدا في نفسه الشطر الأول من بيت ـ العرجي (2).
(أضاعوني وأي فتى أضاعوا) وتلكم سنة الله في الخلق، فكم لأبي عيسى من قرون في هذه الظاهرة الخانقة التي لم تخطأ سهامها نبغاء الأمم وأقطاب المعرفة منهم على الأخص وكنظم في الهندسة ومبادئها كان نتيجة حديث له مع بعض الإخوان الذي ظن فقدان هذا النوع من الفنون الرياضية بالمغرب وكم يعلونا الأسف والألم ويجز في نفوسنا ضياع ما كتبه هذا العالم البائس الذي يكون سرى لأثاره واعتراها من الإهمال ما عاش هو عليه في وسط العالم فيه أضيع من الأيتام، في مادية اللئام وهذا ما يجعلنا نستحضر حالة الابيوردي الفقيه الشاعر الذي قال: ( بي علة تمنعني لبس المحشو، يريد بالعلة ـ على الفقر مكث سنتين لا يقدر على شراء جبة يلبسها في الشتاء قبح الله الفلكة (3).
ولمدرسته القرآنية يد بيضاء على جم غفير من أبناء المغرب، كما كان لدروسه الرياضية الحسابية والهندسية المقام البارز بين الطلبة لا سيما الذين لهم ميول خاصة بالرياضيات إنما يلاحظ عليه أثناء تلقين الفن ضيق صدر، وقلة اتساع في التفهيم خصوصا مع الذين لا تساعدهم أذهانهم من كتب على تصور المشاكل والعمل على حلها.
ومن نكته الفكاهية وقد حكاها عن نفسه ـ أن رجلا سأله يوما عن الإمام المهدي المنتظر ؟ فقال له:
(أنت في غروب هذا اليوم إلى الزاوية الرحمانية سأحدثك عنه؛ فما كان من الرجل عدا أن تشوق لذلك، وأخذ ينتظر الغروب بتلهف، وما كادت الشمس تغرب حتى حضر السائل بالزاوية، وبعد الصلاة وقراءة الحزب ـ تقدم إلى أبي عيسى وأعاد السؤال عليه ـ فأجابه قائلا:( أن المهدي المنتظر هو أنا ـ ذلك أنني محمد المهدي الإمام المنتظر وليس بعد العيان بيان، وهي من نوادره اللطيفة، وفكاهاته الحلوة التي كان ينطوي على أمثالها وأمثالها كثير مترجمنا برد الله ثراه.
درس على عدة شيوخ ـ بالرباط ـ وفاس ـ والشرق العربي ـ فاخذ عن شيخ الشيخ حسن العطار بضريح سيدنا الحسين السيط بمصر، وهو الذي زاد على اسمه المهدي محمدا آمرا إياه بتركيب الاسمين (محمد المهدي). وكان يتعاطى مهنة العدالة غير أنه زهد فيها وفتح لنفسه كتابا قرآنيا رجوعا إلى ما كان عليه قبل ـ إلى أن وافاه الأجل المحتوم ليلة الأحد 15 ربيع الأول عام 1344ه ودفن بمقبرة سيدي الحسن افران بدار (القصار الكبرات) المتصلة به رباط الفتح. وفقد المغرب العربي فيه شخصية لامعة من رجال الثقافة الواسعة خاصة منها الرياضيات...
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ توجد نسخة منه ضمن كتب أخينا الأستاذ المرحوم الحاج محمد بنعبد الله ـ وقد انضمت بعد وفاته إلى خزانة دار الحديث الحسنية بالشراء.
(2) ـ عجز البيت: » ليوم كريهة وسداد ثغر « والعرجى من أحفاد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(3) ـ ومن أراد أن يتوسع في الموضوع فليراجع كتاب » الفلكة والمفلوكون « لابن علي الالجي.
دعوة الحق - العدد 100
وعندما لمست عدم إخلاص المسلمين في المسيحية أصدرت أوامرها بالتنكيل والتعذيب والطرد آمرة ربانية السفن بتفريقهم في شتى الجهات، فكان إنزال طائفة منهم ببلاد المغرب حيث وصلوه سنة 1019ه فتقبلتهم الحكومة السعدية بصدر رحب وأنزلتهم برباط الفتح (عاصمة المملكة المغربية اليوم) وكان وقتئذ فراغا ـ فاشتغل المهاجرون إليه ببناء الدور والحمامات والمساجد، والكتاتيب، والفنادق، والأسواق ـ وغرسوا خارجه جنات وبساتين ـ فعادت عمارته وزهت حضارته، واظهروا دينهم الذي كانوا مكرهين على تركه ـ غير أن أسمائهم بقيت إاسبانية) إذ عرفوا بها وتنوسي ما كان قبلها من ألقاب عربية جلها قرشية، وبوجود تلك الألقاب الإسبانية استمرت تلك البيوتات الأندلسية محفوظة لغاية أن من لم يكن يحمل اسما يمت إليها بأرومة وشيجة فليس بأندلسي صميم، لذا فشخصيتنا اليوم تعد في عريق البيوتات الأندلسية ـ فبيت أولاد متجينوس رهط المترجم إسباني اللقب بدل في مدلوله على(مسكين) كما يقول ـ صاحب (رياض الجنة).
كان أبو عيسى عالما بالمعنى الصحيح يشارك في كثير من الفنون مع ضلاعة نادرة في علم القراءات ـ ومعرفة وجهها وأحكامها مع التبريز الخاص في الرياضيات والفلك والميل الطبيعي إلى التصوف والتباعد عن الخلطة في إباء نفس مع إقلال وضعف حال ساعد عليه (حرفة الأدب) كما يقول الأدباء في مثله من نبغاء المعرفة.
كان كثير التلاوة، كثير الوراقة (النساخة) فكم نسخ من مجامع لطلابه وتلاميذه لا تزال مائلة في الخزائن والمكاتب معربة عن جمال ورقة ذوق وبراعة قلم، حلو النكتة والفكاهة كما سنرى نوعا من ذلك بعد. ومن ولوعه الخاص بالعلوم والمعارف انكبابه على التصنيف والتأليف ـ من ذلك كتابه المدعو (شفاء الغليل على فرائض خليل) في مجلد جمع بين الفقه والعمل والحساب برهن فيه عن مقدرة جبارة من الناحية العلمية الفرضية التي تعد بحق ـ نصف العلم ـ ولا من الناحية العلمية المبرهنة في ذات الظرف عن ذهنية صافية وعقل رياضي وقاد يتعمق مسائل الفن لحد إبرازها في حلة السهولة والوضوح بما يجعلنا في متناول الطلبة على اختلاف مداركهم، ومنهاـ مؤلفه التبصرة والتذكرة) في علم الحساب احتوى مجلدات أربعة يوجد بالمكتبة الصبيحية بسلا ومنهاـ (نتيجة الاطواد في الأبعاد) عبارة عن منظومة حلاها بشرح كشف ما كان يحيط بها من غموض في فن الإبعاد على عادته في تقريب المسائل وتوضيح القضايا رغبة في تيسير البعيد على الإفهام والأذهان ـ أو منها منظومة في التوقيت ـ بالحساب) طبعت طبعة فاسية ضمن عدة متون وفنون ـ يقول في بعض أشطارها ـ وهي ألطف ـ ملمحا بذلك إلى علمية الربع المجيب الذي يعتمد في طريقته على الخيط والمرى في استخراج الارتفاع والوقوف بشتى الوسائل العلمية على الأوقات التي هي الأس الوحيد في الفن، وزاد المنظومة رونقا وضعه شرحا عليها دعاه (الالوك) إبان ما كان يعلو بعض مسائلها من غموض ومنها منظومة في كيفية استخراج جذر الكعب، وكعب الجذر، وأخرى في الضرب والقسيم، وأخذ الجذر بالربع المجيب وأخرى في أخذ الامتدادات الثلاثة: السمك، والعمق ، والسعة، بالريع المجيب كذلك، ومن مؤلفاته القيمة كتابه المسمى: (رعاية الأداء في كيفية الجمع بين السبعة القراء) دل على ضلاعته في فن القراءات واتساعه في أحكامها وتوجيهاتها.
ومنها: رجز في تربية الأطفال في الكتاب ضمت 69 بيتا منها قوله:
(فهذه هدية الولـــــــدان = والفتح بعد بيد الرحمان)
بعدما تحدث فيها عن أداء التلميذ في المسيد دخولا وخروجا وطيفية معاملته مع العلم وبقية التلاميذ وطريقة الكتابة والحفظ والعرض تقسيم أيام الأسبوع،
وجعل التلاميذ طبقات كما هو اليوم من بنود المدرسة الحديثة ونظامها الأساسي تقع في 800 بيت مطلعها:
(الحمد لله الذي هدانا = لخدمة القرآن واصطفانا)
ومنها: (نظم في إمالة الراء وترقيقها وتفخيمها) النوع الذي هو من قضايا فن تجويد الكتاب ومعرفة أدائه وكيفية ترديد كلمة المقدسة في إحسان يبعد بالقارئ عن الوقوع في الإثم من أجل الاستخفاف بالتلاوة والحق المتوافرة عن الرسول صلوات الله عليه إلى حد اليوم، ولكن في قلة يكاد الفن يندثر معها بين القراء، فقيام المترجم يوضع هذا النظم في حرف الراء وما لها من صفات دليل على صدقه في الفن، وتخليد له في صلب الحرف المذكور حتى لا يعبث بقداسته المقصرون ومن ألفوا الهدرمة في القرآن وتلاوته ومن آثاره التوجيهية الأخلاقية منظومة طويلة النفس هيأها لابنه احتوت 1600 بيت توجد عند بعض الأدباء (1) وله منظومات غير ما ذكر تناولت شتى الموضوعات ـ كنظمه في التشكي من الزمان وأهله، وحق له ذلك فقد عاش بائسا فقيرا مضاعا بين ظهراني قومه منشدا في نفسه الشطر الأول من بيت ـ العرجي (2).
(أضاعوني وأي فتى أضاعوا) وتلكم سنة الله في الخلق، فكم لأبي عيسى من قرون في هذه الظاهرة الخانقة التي لم تخطأ سهامها نبغاء الأمم وأقطاب المعرفة منهم على الأخص وكنظم في الهندسة ومبادئها كان نتيجة حديث له مع بعض الإخوان الذي ظن فقدان هذا النوع من الفنون الرياضية بالمغرب وكم يعلونا الأسف والألم ويجز في نفوسنا ضياع ما كتبه هذا العالم البائس الذي يكون سرى لأثاره واعتراها من الإهمال ما عاش هو عليه في وسط العالم فيه أضيع من الأيتام، في مادية اللئام وهذا ما يجعلنا نستحضر حالة الابيوردي الفقيه الشاعر الذي قال: ( بي علة تمنعني لبس المحشو، يريد بالعلة ـ على الفقر مكث سنتين لا يقدر على شراء جبة يلبسها في الشتاء قبح الله الفلكة (3).
ولمدرسته القرآنية يد بيضاء على جم غفير من أبناء المغرب، كما كان لدروسه الرياضية الحسابية والهندسية المقام البارز بين الطلبة لا سيما الذين لهم ميول خاصة بالرياضيات إنما يلاحظ عليه أثناء تلقين الفن ضيق صدر، وقلة اتساع في التفهيم خصوصا مع الذين لا تساعدهم أذهانهم من كتب على تصور المشاكل والعمل على حلها.
ومن نكته الفكاهية وقد حكاها عن نفسه ـ أن رجلا سأله يوما عن الإمام المهدي المنتظر ؟ فقال له:
(أنت في غروب هذا اليوم إلى الزاوية الرحمانية سأحدثك عنه؛ فما كان من الرجل عدا أن تشوق لذلك، وأخذ ينتظر الغروب بتلهف، وما كادت الشمس تغرب حتى حضر السائل بالزاوية، وبعد الصلاة وقراءة الحزب ـ تقدم إلى أبي عيسى وأعاد السؤال عليه ـ فأجابه قائلا:( أن المهدي المنتظر هو أنا ـ ذلك أنني محمد المهدي الإمام المنتظر وليس بعد العيان بيان، وهي من نوادره اللطيفة، وفكاهاته الحلوة التي كان ينطوي على أمثالها وأمثالها كثير مترجمنا برد الله ثراه.
درس على عدة شيوخ ـ بالرباط ـ وفاس ـ والشرق العربي ـ فاخذ عن شيخ الشيخ حسن العطار بضريح سيدنا الحسين السيط بمصر، وهو الذي زاد على اسمه المهدي محمدا آمرا إياه بتركيب الاسمين (محمد المهدي). وكان يتعاطى مهنة العدالة غير أنه زهد فيها وفتح لنفسه كتابا قرآنيا رجوعا إلى ما كان عليه قبل ـ إلى أن وافاه الأجل المحتوم ليلة الأحد 15 ربيع الأول عام 1344ه ودفن بمقبرة سيدي الحسن افران بدار (القصار الكبرات) المتصلة به رباط الفتح. وفقد المغرب العربي فيه شخصية لامعة من رجال الثقافة الواسعة خاصة منها الرياضيات...
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ توجد نسخة منه ضمن كتب أخينا الأستاذ المرحوم الحاج محمد بنعبد الله ـ وقد انضمت بعد وفاته إلى خزانة دار الحديث الحسنية بالشراء.
(2) ـ عجز البيت: » ليوم كريهة وسداد ثغر « والعرجى من أحفاد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(3) ـ ومن أراد أن يتوسع في الموضوع فليراجع كتاب » الفلكة والمفلوكون « لابن علي الالجي.
دعوة الحق - العدد 100