نقوس المهدي
كاتب
هل من محلّل عاقل، حسن النيّة والطويّة، يوضح لنا معنى المفاوضات السرّية بعد عقدين من التفاوض الفاشل؟ أحد الطرفين جيش له دولة وترسانات نووية وغير نوويّة، ومواطنوه مدرّبون على القتال، وفي جيبه دول الغرب، ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأخطر آلة دعائية على ظهر الأرض. وللطرف الآخر بقايا أرض ممزقة، وشجار عائلي، كأنه نبات “ دم الأخوين”، جعل الأمّة شاطراً ومشطوراً .
إذا أردنا أن نكون منصفين، فإن المفاوضات السرّية منطقية تماماً، خصوصاً بعد نفاد كمّية الأغطية العربية من مستودع التضامن العربيّ. ويبدو لي، والله أعلم، أنها بطانيات من صنف المناديل الورقيّة التي لا تستعمل إلاّ مرّة واحدة، فسرّية التفاوض تتناغم مع “ الستر واجب”. ولو كان “ ابن المقفع” بيننا لأضاف إلى “كليلة ودمنة” قصّة ظريفة:
قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: وكيف كان ذلك؟ قال: زعموا أن قطعاناً من العاشبات كانت تعيش في مروج ساحرة زاهية زاهرة، فيها ينابيع وجداول زاخرة جارية، سهول قطوفها دانية، وسماؤها كالمرآة صافية، لا تسمع فيها وحوشاً زائرة أو عاوية، إلى أن هجمت عليها سباع ضارية، أشتاتاً من أصقاع نائية، فنهشت ومزّقت وشرّدت البقية الباقية .
قال الملك: وكيف كانت العاقبة؟ قال: استولت الوحوش الغاصبة، على المروج قاطبة . فما كان من العزلاء من البراثن والنيوب الثاقبة، إلاّ استغاثة بنات جنسها العاشبة، فهبّت لها تنصرها بظاهرة صوتيّة صاخبة، ولكن متى لاحت السباع ولّت جميعاً هاربة . فاجتمعت للتشاور علّها تهتدي إلى حيلة صائبة . فقال كبير الظباء: نستنجد الفيلة فإنها من الأسود غاضبة . فقال حمار الوحش: إن الحقيقة عنكم غائبة، فالفيلة عقدت معها صلحاً وهي لودّها خاطبة . عندها أشاعت بنات آوى أن لبعض فحول القطعان مفاوضات سرّية مع الوحوش فالحيطة واجبة، فاعقدوا الصلح ودعوا المضاربة . فلمّا انتشر الخبر دبّ الشقاق كل فئة تلعن أختها منددة شاجبة .
قال الملك: وكيف نجحت الأسود في اختراق الصفوف ببنات آوى، حتى صارت المفاوضات تجري كل مرّة على حساب قطيع بعينه؟ فقال بيدبا الفيلسوف: يا مولاي إن العاشبات لا تقرأ كلام الحكماء، وإذا قرأته لم تفهمه، وإذا فهمته لم تطبقه . فهاك بعض دررهم:
عندما نصبح أقوياء، سنكون واثقين من القدرة على التفاوض .
علينا ألاّ نفاوض بمخاوفنا، ولكن من دون أن نخاف التفاوض .
ليس من السهل أبداً التفاوض مع أناس يعرفون أنهم على خطأ .
السؤال الآن: ما رأي حافظ إبراهيم اليوم في قوله:
فاوض فخلفك أمّة قد أقسمت
ألاّ تنام وفي البلاد دخيلُ
دخيل الله .
إذا أردنا أن نكون منصفين، فإن المفاوضات السرّية منطقية تماماً، خصوصاً بعد نفاد كمّية الأغطية العربية من مستودع التضامن العربيّ. ويبدو لي، والله أعلم، أنها بطانيات من صنف المناديل الورقيّة التي لا تستعمل إلاّ مرّة واحدة، فسرّية التفاوض تتناغم مع “ الستر واجب”. ولو كان “ ابن المقفع” بيننا لأضاف إلى “كليلة ودمنة” قصّة ظريفة:
قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: وكيف كان ذلك؟ قال: زعموا أن قطعاناً من العاشبات كانت تعيش في مروج ساحرة زاهية زاهرة، فيها ينابيع وجداول زاخرة جارية، سهول قطوفها دانية، وسماؤها كالمرآة صافية، لا تسمع فيها وحوشاً زائرة أو عاوية، إلى أن هجمت عليها سباع ضارية، أشتاتاً من أصقاع نائية، فنهشت ومزّقت وشرّدت البقية الباقية .
قال الملك: وكيف كانت العاقبة؟ قال: استولت الوحوش الغاصبة، على المروج قاطبة . فما كان من العزلاء من البراثن والنيوب الثاقبة، إلاّ استغاثة بنات جنسها العاشبة، فهبّت لها تنصرها بظاهرة صوتيّة صاخبة، ولكن متى لاحت السباع ولّت جميعاً هاربة . فاجتمعت للتشاور علّها تهتدي إلى حيلة صائبة . فقال كبير الظباء: نستنجد الفيلة فإنها من الأسود غاضبة . فقال حمار الوحش: إن الحقيقة عنكم غائبة، فالفيلة عقدت معها صلحاً وهي لودّها خاطبة . عندها أشاعت بنات آوى أن لبعض فحول القطعان مفاوضات سرّية مع الوحوش فالحيطة واجبة، فاعقدوا الصلح ودعوا المضاربة . فلمّا انتشر الخبر دبّ الشقاق كل فئة تلعن أختها منددة شاجبة .
قال الملك: وكيف نجحت الأسود في اختراق الصفوف ببنات آوى، حتى صارت المفاوضات تجري كل مرّة على حساب قطيع بعينه؟ فقال بيدبا الفيلسوف: يا مولاي إن العاشبات لا تقرأ كلام الحكماء، وإذا قرأته لم تفهمه، وإذا فهمته لم تطبقه . فهاك بعض دررهم:
عندما نصبح أقوياء، سنكون واثقين من القدرة على التفاوض .
علينا ألاّ نفاوض بمخاوفنا، ولكن من دون أن نخاف التفاوض .
ليس من السهل أبداً التفاوض مع أناس يعرفون أنهم على خطأ .
السؤال الآن: ما رأي حافظ إبراهيم اليوم في قوله:
فاوض فخلفك أمّة قد أقسمت
ألاّ تنام وفي البلاد دخيلُ
دخيل الله .