منقول - ابن الصيقل الجزري: المقامات الزينية .. أندر كتب المقامات وأجدرها بالدراسة والتمحيص،

أندر كتب المقامات وأجدرها بالدراسة والتمحيص، للفترة التي ألف فيها، والجهات العلمية التي يمثلها، فقد ألف في فترة الحكم المغولي لبغداد، وأهداه مؤلفه لعامل المغول على بغداد علاء الدين عطا ملك الجويني، وفرغ من تأليفه سنة 672هـ وقرأه في المدرسة المستنصرية سنة 676 على من محا الدهر أخباره من أعيان بغداد، وسمى منهم 160 عالماً وأديباً وعلماً في إجازة السماع التي أمضاها يوم الثلاثاء 17/ جمادى الآخرة / 676هـ وقد أفردت هذه الإجازة لندرتها وطبعت قديماً بعنوان (طبقة من أعلام بغداد في القرن السابع للهجرة).

ويعتبر الكتاب من الوثائق النادرة في تصوير جيل القرن السابع الهجري وثقافته، كالمقامة 6 التي صور فيها مجالس الأمراء الأدبية، والمقامة 25 التي نقل لنا فيها مراسم الخطبة والزواج على المذهب النسطوري، والمقامة 35 التي سجل فيها آداب سباق الخيل، والمقامة 3 و44 اللتين صور فيهما مجالس العزاء، والمقامة 5 التي قدم فيها مجالس السمر والغناء، والمقامة 12 التي أماط اللثام فيها عن ليالي المخنثين، والمقامة 43 التي انتخب فيها مشاهد من حياة الصوفية.

وتجدر الإشارة إلى عنايته بالمسائل الطبية، وتناوله لمصطلحاتها تناول مطلع خبير. وقد وسم ابن الصيقل مقاماته باسم ابنه زين الدين طلباً لتخليد ذكره على حد تعبيره. ونسب روايتها للقاسم بن جريال الدمشقي وحوادثها إلى أبي نصر المصري. قال الفيروزآبادي في كتابه (البلغة): (وله مقامات أخرى أحسن من الخمسين، وعدتها ثلاثون مقامة) ويبدو أنها من الآثار المفقودة. وفي مكتبات العالم تسع نسخ من المقامات، وصفها د. عباس الصالحي في مقدمة تحقيقه للكتاب مشروع نيله درجة الدكتوراه، سنة 1973 ونشره عام 1980م. وهو مرجعنا في هذه الترجمة.



***

المقامات.jpg
 
التعديل الأخير:
ابن الصيقل الجزري
المقامات الزينية


بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله الذي أيدنا بمنائح اللالاء، وأوردنا موارد الآلاء، ودرأ بعز عزه كتائب الضراء، وفقاً بوطف لطفه عيون مقانب الضراء، وحسم بحسام معدلته شواهق الشقاء، وجزم بجسام مقدرته شقاشق للشقاوة والشقاء وقمع بمقامع المقانع نواصي الأعداء، وقدع مطالع المطامع مع رداء الاعتداء، حمداً يعلو على نشر نشر الكباء، ويجلو صدأ مرآة زعزع التزعزع والنكباء، وصلى الله على سيدنا محمد الراقي إلى السماء، الواقي غوائل الغماء، المخصوص بليلة الاسراء، الموصوف بإنقاذ الأسراء، الذي فتحت به بصائر الأغبياء، ورفعت رفعته إلى الذروة العلياء، وتقلقلت لاقدامه قلل أعناق المراء، وتسلسلت بسلاسل اسلامه أعناق أعناق الاجتراء، وعلى أهله أهل العباء لا الأعباء، وعلى آله آل الابتلاء لا البلاء، وعلى صحبه أولى الصفاء في الوفاء، ورهطه ذوي الانكفاء إلى الرفاء، وله المنة بما فاض وغاض من بحور العطاء، ودرور الخطاء، وبه نعوذ من إرخاء السفه المرخاء وارخاء خيل المرح في لا حب الرخاء، وبه نعتصم من مصاحبة الجهلاء، ومجانبة الحلاحل الفضلاء، وإليه أفزع من معاقرة العناء، وحمى حمى حمة هذه الأعناء، ونجعله عدةً لرسوب الأعضاء في الغبراء، وجنةً لوثوب الحوباء في الخضراء، ونستجير به من أخلاف العماء واتلاف المحنة الصماء، ونستعين به لدحض معاتب اللقاء، ورحض معايب الارتقاء، مستشفين بشافع الأشقياء ورافع حجج أنبياء الأنبياء، والأربعة الخلفاء، والستة الحلفاء، إنه مبيد الادعاء، والقادر على اجابة الدعاء، وبعد: فإنني دخلت ذات يوم خيسى، وأويت وآويت أنيسى فوجدت بيد شبلي الألمعي، المبرأ من لبس لباس الدنس والعي، ذي الدراية والتدقيق، والحذاقة والتحقيق، المشبه بصنوى الشفيق، المميز بين عقيان البراعة والعقيق، الذي به أباهي بهاء الدول أبي الفتح نصر الله كتاب المقامات التي أنشأها أوحد زمانه، وأرشد أوانه، التي بزغ ببزوغها شموس الأدب، ونبغ ببلوغها غروس الأرب، وأمليت عن لسان أبي زيد السروجي، وأسندت روايتها إلى الحارث بن همام البصري فقال لي: هل لك في أن تنشئ لي من زبد عباب تيارك، ولبد سحاب مدرارك، مقامات تكون مدداً لجيوش اشتغالي، وعدداً لردع ربائث أشغالي، وعداءً لميدان آمالي وغذاءً لنفوس أشبالي، فإن ذلك أشبى لي كي لا أروم غير انتجاع تهتان آدابك، ولا أعوم بغير آذي فواضل انتدابك قلت له: أعلم أسعدك الله بقبض عروض علمك، ونزه عن القبض عروض بيت حسك وفهمك، أن ذو أشرت إليه وعولت في سؤالك عليه، مقام يخيم عنه الألسن الأريب ومقام يهيم فيه الأفطن اللبيب، ورحي حرب تمحق أفهام الباهرين، وسمي وسمي يسرب تغرق به أذهان الماهرين، فلست ممن يطمع في ولوج هذي المغاني وصلادم السدم تصادم صدور المعاني، أو يؤمل بلوغ هذه الأمال، ويرجى ما يورث بني الأحمال، حرارة الاحتمال، مع علمك بما أكابد من سخافة المال، وكثافة الإرمال، وتتابع الأعمال، وتتايع الإعمال، فإن ذلك يفتقر إلى رفاهية الخواطر، وطواعية الضمائر، افتقار الأبدان إلى النفس ولحوذان، إلى الشمس، ومع تيقنك أن الحريري ممن خلب ندي النباهة، بسنان لسانه، وحلب ثدي البداهة ببنان تبيانه، وجذب غرر البلاغة بنواصيها، وجدب غرر مفاصل الفصاحة ومقاصيها، فأنى يطير مع الجدل الجراد، أم كيف يجلي المصلي وقد بزه المجلي الجواد، فما أنا ممن ينازل شجعان أسجاعه، ويطاول ما زان أوزان اختراعه، ويعتلي بكاره ويقاوم، ويجتلى إبكاره وينادم: الطويل.

كما أنني لو طرت في العلم إثره... بألف جناحٍ كلّهنّ قوادم لما نلت من إنشاي إلا صبابةً ... أُصادم فيها خيبتي وتصادمفحين ما أقلع عن مقاله، ولا أطلع طليعة الفكر لسد مسائل سؤاله، بادرت إلى ما أحب، ونحا عنق إرب أربه واشراب وأطلقت عنان الاجتهاد، لا عنان الجياد، واستمطرت عنان الرشاد، لا عنان العهاد، وانتجعت من لب محشو بسحوح المحن، وقلب مقلو من قروح الإحن، وهمم قصيرات من الهم، وحكم بكيات من الغم، خمسين مقامةً وسمتها باسمه، وأنشأتها برسمه، طلباً لتجويد ذكره، وأرباً في تخليد ذكره، واستخرجت سحائبها العينية وسميتها المقامات الزينية، فحين اعشوشب براحها، واغلولب إفصاحها، جاءت بعون الله معذوذبة اللعاب، مصعوعبة الشعاب، غير منثولة الجعاب، نصفين بصعاب الصعاب، ظاهرة التمكين، باهرة التكوين، ناطقةً بلسان التنوين، غير مضطرة إلى التسكين، تشتمل على كل رجب من الجد الطريف، وكل ضرب من الهزل الظريف، وكل مرصع من النثر المنيف، وكل مصرع من الشعر اللطيف، وكل زهو من المحض المليح المليح، وكل حلو من الحمض الصريح الفصيح وأودعتها من لطائف الأجناس، ونفائس الجوهر المنزه عن ثقب الماس، والجمان الناشر رمام الأرماس، والمرجان المطهر عن طمث مجاورة الأمراس ما يفوق غوارب البحور، ويروق درر نحور الحور، وضمنتها من الآيات المحكمات، والأخبار المسندات، وعرائس المذاكرات، وغرائس المناظرات، ومن العظات ما يسيل الدموع، ومن الزاجرات ما يحيل الهجوع، ومن المضحكات ما يضحك الموتور ومن الملهيات ما يهتك المستور، ومن المفاكهات ما يشرح الصدور، ومن المنافثات ما يبرئ المصدور، ومن الرسائل ما يستهل السول، ومن المسائل ما يفحم المسؤول، ومن البدائع ما يسلب العقول ومن الغرائب ما يطرب العقول، ومن الخطب اللطيفة، والنخب الوريفة، ومن محاسن الأمثال، ومعادن السحر الحلال الجلي المنثال، الخلي عن المثال والتمثال، ومن العبارات الحسنة، والحكايات المستحسنة، والمقاصد البالغة الرضية، والقواعد السائغة الفرضية، والأفانين الصادحة الأدبية، والقوانين الواضحة الطبية، ومن النكت الفقهية، والأصول المتداولة النحوية، وحليتها باللؤلؤ المنثور، وأخليتها من شطر المعمى للحديث المأثور، ونسبت مجموع ذلك إلى أبي نصر المصري، وعزوت روايته إلى القاسم بن جريال الدمشقي، ولم أرصع بها شعراً من غير نظم بديهتي، ولا نثراً من غير رقم قريحتي، سوى مصراع لامرئ القيس، وأبيات للصمة أخي الكيس في الكيس، وما خلاه فأنا فتاح مدن جله وقله وسفاح مزن وبله وطله، فقلت حين طاء طوفانها وطمى، وناء نوء تهتانها وهمىً، وانهم يم يمنها ونمى، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.

وأنا راج منه حصول ثمرة هذه الأمنية قبل المنية، وقبول هته الجنية، بحسن محامد النية، وأسأله الدراية لرفع الوجل والهداية لدفع خجل العجل، وترادف النصر والصبر في المجال والأوجال، وتضاعف الصدق والصدق في المقال والاقبال، وأن يجعلني ممن قلت هفواته، واقيلت عثراته، لأن عثرات الأعوجيات معدودات، ونبوات المشرفيات محصورات، اللهم قد بسطت إلى كرمك يد الانابة، فلا تردها صفراً من الاجابة، واجعلني فيما شحنتها به من المتشرفين لا من المستشرفين، ومن المستهدفين لا من المستقذفين واستر بحلمك ما وشيت ضمنها من الزلل، وأفشيت خلالها من الخلل، لعلمك أن سلامة المسهب نادرة، وندامة منادمة الطمع في ما لا تسمح به القرائح بادرة، فما نفحتها برند الفصاحة والشيح، إلا على سبيل الترشيح، وما نقحتها للفطن العليم، إلا على مهيع التعليم، ومع ذلك فلست أخلو من مسود لا يعانيها، أو حسود يستر وجوه معانيها، فيكرع عذب عهاد صافيها، ويقع في شائع شهاد شافيها، ولم يدر لقصر قوادم قريحته وخوافيها، أنه لا يضر اللجج وقوع الجيف فيه، فالله أسأل أن يبيح جلوتها لمعترف نابه، وإلا يتيح خلوتها لمغترف تائه، يتناول يانع ثمارها، ويحاول جحد بدائع استثمارها، ويظنها موضونة بضروب الاضطراب، ولم يشعر بأنها مشحونة بانصباب الصواب، وما أخاله يزيل عارض اعتراضه، لعراض أغراضه وإغراضه، ولا ينزل عن صهوة إعصافه، ولا يستنزل صيب صفوة انصافه، ولو صيرته نديمي، وألبسته أديمي، وجعلته قسيمي: الوافر:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
 
ابن الصيقل الجزري
المقامة الأولى البغدادية

حكى القاسم بن جريال، قال: شدهت مدةً من الشهور، في حدثان الشبيبة المشهور، بقفول قحط، وشمول شحط، ومخالعة اتفاق، ومراجعة انفاق، تعجز عن كفاح حربه الأذمار وتقصر لطول قدم قدم حديثه الأسمار، فحين حدقت حدق الغلل وغالت، وأحدقت حدائق العلل وعالت، واحقوقفت ظهور الملل ومالت، وظهرت ظهيرة الملل وأمالت، وتغلبت غلب المتربة وطالت وتلببت سباع المسغبة واستطالت، وشمل مزود الجلل وعم، وسمل مرود الخلل وغم، وانكدر كدر الضرر واصعوعب، وانسدر سدر البصر واعصوصب، ورفضت أحامس الفحول الذحول، واحتقرت لخوض بحور القحول الوحول، جعلت أطفو بفلك الفكر وأرسب، وأرفو فؤادي القلق وأندب، وأطرب لخمر خمر ذلك الضر الوخيم، وأعجب لا مالة ألف إلف الوطن بعد التفخيم، إلى أن زهدت في وطاء القعود، ورغبت في امتطاء القعود، فخرجت أخر في خلال المنازل، وأجر رداء الداء النازل يثقلني مقود القوداء، خروج المرة السوداء، لأرافق رفيقاً لا يفارقه نفاق، ولا يرافقه يوم أرافقه نفاق، فقدر لي القدر المحدود، والصدر الموفق المجدود، قوماً معروقين، بالزاد المستزاد معنقين، يعدل عددهم أبنية الأفعال، سوى سدس ضعفي أحرف الاعتلال، فتوكلت توكل الأبدال، وزاملت عدد الزوائد من حروف الابدال، وحين حنت الأباعر، واستوت على جودي أكوارها العراعر، أقبلنا نكلف أخفاف العجاف، مالا تطيق من الايجاف، حتى واصلت لفراق المعاهد الزوراء، وفاصلت لوصال المعاهد الضراء فقال باتك إمحالنا، والراتك برواتك ارتحالنا، هذه دار سلام المؤمنين، فادخلوها بسلام آمنين، ثم انه انحدر عن راحلته، مرحاً باتشاح حلته، فرحاً بمراح حلته، خشباً بنشيط حمولته، طرباً باطيط حمولته، فنهضنا نودعه بعقد دفع قد انهل، وعقد صبر قد انحل، وبينما أنا أفض دنان المبادرة وأختفيها، وأنض عروض المناظرة وأصطفيها، إذا صرت إلى رباط، محشود الرواتب، محسود المراتب، قد تخير صدق نيته الواقف، وتحير في حذق بنيته الواقف، فسمعت مطارحةً أعذب من الأري المذاب، وأطيب من لثم ثنايا الثغور العذاب، فتأملت شيمه وملت، وحاولت رشف شموله وثملت، فإذا به شيخ قد رثت بزته، واجتثت عزته، وأنأطرت ألته، واشتهرت آلته، وبين يديه غلام حسن الطلاوة، كالشمس في الطفاوة، يرشحه تارةً ويؤدبه، ويورحه مرةً ويهذبه، فحجبت بشحذ تلك الرقاق، عن مرافقة الارتفاق، واحتجنت بمحجن الاستراق، ما قبلني في قالب الاسترقاق ولما تمم طرف أطرابه البهيج، ونمنم نثر ثناء إطرائه الأريج، واحتنكت من حبب محادثته، ما انشبني في حبالة مناوحته واختلبت من ملح ملاحفته ما حملني على استهداء محالفته، قلت له، بعد ركود هوائه، ورقود قرود أهوائه، وصفة تمييز فضيلته، وعرفة حقيقة اسمه وفصيلته: إني لأحب أن تتخذني لحضرة محاضرتك خدينا، ولخضرة مقارضتك قرينا، ولبحار إعسارك ميناً، ولتقصار عنق اعصارك جوهراً ثمينا، فقال لي: تالله لقد سألت ما لم أك أرشح بمثله، وأملت من وفضة المفاوضة ما لم أكن أسمح بنثله، وإني لأرى وجهك مليحاً، لا يليق به الحرمان، وجيهك قبيحاً، لا يستملحه الانسان، فأين شعب رزاحك مع انتزاحك، وأين شعب مراحك مع اقتراحك، فمن صوب صدقك أس كوبا، أسقك بكأس المكاسرة أسكوبا، فقلت مستمطراً سحاً سكوبا: البسيط
دمشق واري فمذ فارقت ربوتها
لم يبرح الدمع من عينيّ سكوبا
كأنّها يوسف في الحسن إذ خلقت
لفظاً ومعنىً وعندي حزن يعقوبا

وجعل يروح بالحسن الملامح، على تمثال السماك الرامح، إلى أن حضرت معهما الوجار، وشكرت الجدب الذي هجم وجار، ثم لم تمض مدة من الأحقاب، ولا امتطينا مطا أكمة المحادثة والحقاب، حتى قال لي: قد عزمت على أن أشاورك في أمر وشر البشر من إذا شاورته غر، وإن عاشرته عر فقلت له: أنا ذو طوية صادقة، وروية مصادقة، فخير رهطك من سرت برياحه، وشرت بنجاحه، ونصرت بصلاحه، وبصرت باصلاحه، فقال: اعلم أن اللبيب من أهل وليده بعينيه، قبل أن يهال صعيده عليه، ورفل عديده حوليه، قبل وصول نصول المنية إليه، واني لأشتار من شهد رأيك فيه مشورةً، تبقى صحف أسجالها على مر الشهور منشورةً، فقلت له: تالله إن هذا لرأي ارادة مخضل الخمائل، وصارم عاتق سعادة مغدودن الخمائل، وأنا لك أطول ساعد، وأفضل مساعد، وأطوع باد وبالد، وأنفع من طارف وتالد، ثم إني وثبت لما أراده، وأطلعت في سماء المساعدة أرآده، وحضرنا الليل لنصف سبع، وعقدنا العقدة على تسعة أجذار سبعة وتسع، مشفوعةً من الأطباق، بعدد حروف الأطباق، ولما زفت العروس، وزفت أزاهير المزاهر والغروس، وخلت الدار من النظار، خلو المفضال من النضار، وربط ريط الدويرة، وانخرط بفرخه الفويرة، فأقبلت بعدما كمل وطره، وحمل حق الحيل وقطره أقوف أثره، وأذم مخبره، إلى أن ألفيته خادراً بحديقة، متدفقة الجداول وريقة، فقلت له: أف لفعلتك الذميمة، وتف لألفتك المليمة، فكهر وجهه وكر، وعقد ناصيته وازبأر، وقال لي: أراك تسرع اسراع السحابة المطلة، وتحنق حنق الحية المغلة، وتنغض رأس غيك الخصر، وتعرض عن تدبر قصة موسى مع الخضر، فلسنا بك من السارقين، ولا لسبابك من الوادقين، ولا لك بالمرافقين المنافقين، ولئن تجنيت وسللت ظبى ظلمك وتظنيت أن ابني ربق السرق وسرق، وترمق المرق ومرق، فأعرفه لا يعرف الافساد، ولا يتسنم الفساد، ومن أراد الفساد فساد، وأما الآن فأنا أنبئك بسبب سرقه، وتضرجه بنجيع الأشر وشرقه، ثم قال: اعلم أنها منذ حلت بداري، ورأيتها لا تدري ولا تداري، لاح من تغطرسها مخائل الخيلاء، فضربت زمام تعززها للزلة الزلاء، ثم دار ابني على خضاضها دوران المنجنون، لعلمك أن الشباب شعبة من الجنون، رغبةً أن يحج عرفة معرفة عقلها ويعود، ويعج برمى جمار جهازها ويجود، ولما وردت هذا القليب، وأردت في متجر الندامة التقليب، بادرت لأبل غلتي، وأبل من مرض هاتيك علتي، فشغلت لوجود الالتياح، وعدم الارتياح، بالماء القراح، عن حلي الأحراح، فهبط فيه مذ هبطت، وسقط في يدي ريثما سقطت، فكنت كمن حفظ الفرث وأفسد الحرث، واعتاض عن السمين الغث، والملاب الشت، وأنا أيد الله قواعد قدرك، ولا دخلت الجوازم فعل أمرك ضعيف الجلد، ولا أطيق النزول في المسد، وطفلي في الطمطام، كالسيف الكهام، ومتى نازل شوازب حبابه، نزلت زلازل النوازل بأحبابه، وأما أنت فقد زادك الله في الخلق بسطةً، فلا تبالي ان غططت في الماء غطةً، قال: فرفضت إيابي، ولظت ثيابي، وخلعت نعلي، وقذعت فعله اللي ثم انخرطت في الأشطان، وقلت: هذا من عمل الشيطان، وعند مجاوزة الظلماء ومجاورة يهماء الماء، طأطأ رأسه إلي، ثم سلم علي، وقال: احمد الله إذ ألقاك في هذا المضيق، أسوةً بيوسف الصديق، فعمم هامتك بهذا الرشا، فما أنت بأول من ارتشى، وهذا ما رمته من الرشى، على تزويج ذلك الرشا، فصرخت صرخةً حللها البكاء، وانحل لها شناق المشقة والوكاء، فسمع انسان صراخي، بعد طول التراخي، فأنقذني بيديه، ورمقني بأسوديه وأنا كآدم ذو بأس بلا لباس، كأنني ممسوس من الجنة، فطفقت أخصف علي من ورق الجنة، ثم التفت غب اليسار، وكسر يمين الميمنة واليسار، فألقيت قد كتب على التراب، وضربني بقواضب الإضراب، بعد أن كدر عيشاً صافياً، وضيع خلاً مصافيا، واستصحب قلباً جافيا، وأظهر ما كان خافيا: الطويل
تفنّن بحمد الله عريان حافيا
وعدّعن التزويج ما دمت باقيا
فإن ساءني ما ساء خيمك خيّمت
لدىًّ مدى الأيام قمصى حذائيا
وإني لأجني سوء ظنّي وأنضوي
إلى خالق مخلولق لاحتذائيا
وأجعل إن صلّيت لله قانتاً
مقيماً إمام الخمس مني حذائيا
وأُمسي واسمي بعد بزّك بزّتي
إلى جبهة الجوزاء خوف ابتزازيا
فلا تركنن يوماً إلى ودّ صاحبٍ
فكم صاحبٍ أصلى الصديق المصاليا
وكم مبعدٍ أضحى من العرّ عارياً
وكم من أخٍ أمسى من المكر كاسيا

قال: فوقفت على الأبيات، وانصرفت إلى الأبيات، وأنا ذو وبال ذميم وبال دميم، أتهافت تهافت سقيم غير مستقيم، كأنني غلام فارق اللبان، وحسام طلق الجربان، ولم أزل منذ بانً، وأبان ما أربى على أبان، بعدما بعد وآن، واصلولب ولان، ألعنه إلى الآن.
 
أعلى