نقوس المهدي
كاتب
من مشاهير كتب المقامات. وهي ليست مقامات بالمعنى العام لهذا الأدب، إذ لا تعدو أن تكون مواعظ، يعظ بها نفسه وينهاها أن تركن إلى الدنيا. لا راوية لها ولا أحداث فيها، وافتتحها كلها بقوله يا أبا القاسم. ولها شرح مطبوع، من تأليف الزمخشري، يرجح أنه ألفه بعدما فرغ من تأليف (الكشاف) سنة 528هـ. والذي ندبه إلى إنشائها كما يقول، أنه سمع من يقول له في بعض إغفاءات الفجر: (يا أبا القاسم أجلٌ مكتوب وأملٌ مكذوب) قال: ( فهب من إغفاءته تلك مشخوصاً... وضم إلى هذه الكلمات ما ارتفعت به مقامة....فلما أصيب في مستهل شهر الله الحرام سنة 512هـ بالمرضة الناهكة..أخذ على نفسه الميثاق لله إن منَّ عليه بالعافية أن لا يطأ بأخمصه عتبة السلطان.. إلخ). ويريد من هذا التاريخ أنه ألفها في حياة الحريري صاحب المقامات المشهورة، التي كان تقريظ الزمخشري لها أشهر تقاريظها. وقد بنى الزمخشري مقاماته على معاني الأخلاق، وسماها بها، كالعفة والشهامة والصدق والحزم، وجعل الخمس الأخيرة منها في النحو والعروض والقوافي والديوان وأيام العرب. واشتملت مقامة الديوان على فوائد نادرة، في مصطلحات دواوين القصور، وهي أهم هذه المقامات، وتليها مقامة أيام العرب، وهي أطول مقامات الكتاب. ويفهم من مقدمة الكتاب أنه أهداه إلى أمير مكة أثناء مجاورته للحرم. فهو يسأل له الله أن يفعم له سجال النعم، ويعينه على إفادة أهل الحرم. وأمير مكة في ذلك التاريخ هو: أبو فليتة، القاسم بن محمد بن أبي هاشم، الذي حرر مكة من المتغلب عليها: الأصبهبذ بن سارتكين، وهزمه في معركة عسفان، في شوال 487هـ ثم كان بينه وبين وزير مصر في سنة تأليف الكتاب، ما ذكره ابن فهد في (إتحاف الورى:2 / 497) من شحن السفن والحراقات استعداداً للحرب، ما سبَّبَ منعَ الحج في مصر سنة 514هـ. وفارق الزمخشري مكة على إثر ذلك إلى خوارزم، سنة 516هـ حتى استقدمه إليها الشريف ابن وهاس السليماني (ت556هـ): إمام الزيدية في مكة، وذلك سنة 526هـ فألف له تفسيره (الكشاف) ومجَّده بقصائد طنانة. ثم ترك مكة إلى خوارزم وتوفي فيها سنة (538هـ). وكان والد أبي فليتة أول من ولي مكة من الهواشم، وهو الذي نصَّبه الصليحي: صاحبُ اليمن، لما تغلب على مكة سنة 455هـ واستأصل دولة السليمانيين، الذين كان آخرهم: شكر بن أبي الفتح، الذي يزعم بنو هلال أنه تزوج الجازية بنت سرحان. وكان والد أبي فليتة صهره.