نقوس المهدي
كاتب
يكون البربر عنصرا هاما وحيويا من المجتمع الأندلسي، فمنذ الفتح والأندلس تشهد موجات متعددة من العنصر البربري تتقاطر عليها رغبة في الجهاد أو في الحياة الرغدة. ومن الملاحظ أن البربر الفاتحين والقريبين منهم قد اندمجوا في العنصر العربي ليكونوا معا المجتمع الأندلسي بالإضافة لبعض العناصر الأخرى ومن مظاهر هذا الاندماج نبوغ كثير من البربر في مجال الفكر والأدب. ومن أوائل المندمجين صاحبنا سليمان ابن وانسوس.
كان صاحبنا هذا سليل أسرة مجيدة في المغرب والأندلس معا، حظيت بكثير من التكريم والتقدير من جانب الأمويين، وتولى أفرادها مناصب هامة في الدولة الأموية الفتية وذلك بما أسدى وانسوس – جد الأسرة – لعبد الرحمن بن معاوية من خدمات جليلة. فهو الذي أواه عند وصوله للمغرب مشردا ومطاردا من بني العباس وعمالهم وعيونهم. ولم يجد مأمنه إلا في مغيلة حيث مكث حينا في دار وانسوس الشيخ الوقور الذي يتمتع باحترام قومه وكان وانسوس من مكناسة كما ينص على ذلك ابن حزم. وفي بيت هذا المكناسي كان عبد الرحمن الداخل يدير أمر تنقله لأقرب نقطة يشرف منها على الأندلس ليحدث فيها انقلابه العجيب. وفي ذلك البيت كانت تجتمع الأنصار وتحبك المؤامرات وتنتهز الفرص. ويبدو أن وانسوس لم يفارق صقر قريش ولم يكن دوره إيواءه فقط بل لعله ساعده في تقوية حزبه وتكثير أنصاره والدعوة إلى شرعية حكمه. الأمر الذي أهله لمكانة محترمة وجعل الأمويين يكافئونه وخلفه على إخلاصهم ووفائهم. فأصبح بذلك بيت وانسوس في الأندلس من البيوتات التي توصف بالرياسة والشرف، وهكذا يتولى أصبع – جد سليمان – رئاسة ماردة ولعله ورث رئاستها عن والده وانسوس. ولكنه مع ولائه وولاء أسرته للأمويين فقد عكر صفو ذلك الولاء حادث أيام حكم الحكم الربضي الذي اشتهر بقساوته وشجاعته في إخماد الثورات وتشتيت المتمردين، إذ ثار عليه بماردة أصغ بن وانسوس واستعصى عليه وذلك سنة 190 هـ(1). وعجز الربضي عن القضاء على ثورته، ولا ندري شيئا عن دوافع هذا التمرد وإن كنا لا نستعبد أن يكون تدعيما لثورة الفقهاء واستجابة لندائهم ومشايعة لأهل الربض، وقد أشار ابن حيان لهذا التمرد بقوله(2) .
وكان جده – أي جد سليمان – رئيسا مطاعا، وكان قد ثار فيها على الأمير الحكم بن هشام، وجرت له خطوب كثار في حالي المعصية والطاعة.
ولعل هذا التمرد أفسد على هذه الأسرة جاهها لدى بني أمية وزعزع تلك المكانة التي اقتعدها أبناء وانسوس في ظل الأمويين منذ انقلاب صقر قريش، فلا نسمع عن والد سليمان شيئا وربما كان يعيش على هامش الحياة بعيدا عن السياسة والطموح إلى الحكم والقيادة مكتفيا بما تدره عليه ضياعه وأملاكه قانعا من الغنيمة بالسلامة. مما أفقده عصبية كان يعتمد عليها أبوه وجده وجعل أولاده من بعده عرضة للإهمال والضياع وهدفا للانتقام والإذلال من غير أن يجدوا في بني أمية ملاذهم أو يظفروا بحمايتهم. وقد يكون عصيان أصبع سببا لتلك الحالة التي لاحقت سليمان الذي توفى والده وهو ما يزال غرا حدثا فتنكر له زمنه، وزهد فيه إخوان أبيه، وتعرض لإذلال الرعية، حيث اعتدوا على ضياعه، واهتضموا حقوقه، وأحيط به من كل جانب، فشعر سليمان بضيق شديد، وهجم عليه عم واصب، وقلق مزعج إلى درجة أنه تمنى الخلاص من الحياة واللحاق بوالده المرحوم.. وكانت هذه الإهانة شديدة الوقع على نفسه لم يستطع احتمالها، ولكن أين وانسوس الذي تمنى الموت في لحظة ضيق حرجة، ما يزال يحس بدماء أجداده تجري في عروقه، وهي دماء مجيدة تستعصي على الموت إلا في ميدان القتال، وهي تراث مقدس لا تستسلم ليأس. أو يمتصها هم أو تحرمها نكبة، ولذلك، يصمم صاحبنا على وضع خطة لاسترداد مكانة أسرية، رغم الصعاب المتعددة، والظروف المتمنعة، ولكن دون الوصول إلى البلاط القرطبي أبواب موصدة، وحجاب حسده، ووزراء يحولون بين الأمير محمد وبين أمثاله ممن طحنتهم السياسة، وبددت شملهم حمى الرياسة، مخلفين وراءهم تراث واحنا، تتوارثها الأجيال فتصبح عنصرا حيا من عناصر السلوك والعلاقات!! غير أن الخطة كانت شديدة الإحكام ألهمته أملا شاحبا خلال غيوم من اليأس قائمة, قوى إرادته وألهب همته على اقتحام كل صعب، وتحطيم كل حاجز، لإعادة مجد آبائه. ومحو كل أثر من تلك المهانة، وتبديد الجفوة التي حدثت بين أسرته والأسرة الحاكمة.. فهذا هاشم بن عبد العزيز وزير الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط كان بين أسرته وأسرة سليمان صداقة متينة، فلماذا لا يمت إليه بوشائج تلك العلاقة؟ ويعرفه بحقوق ذاك الود؟ ولم يشك سليمان في أن هذا الوزير سيرق لحاله، ويرفع من شأنه ويخفف من نكبته، ويقدر مواهبه، ويدنيه من الأمير نفسه، خصوصا وهاشم هذا ألمع شخصية وزارية في قرطبة وعميد الناس في وقته، وأثير الأمير وأقرب الوزراء إليه لا بعدله عنه أحد (3)، يتحكم في مصير الآخرين دون أن يناله منهم سوء على كثرة دسائسهم وتنوع شكاويهم وإلحاح تحذيراتهم للأمير من سوء طويته واستقلاله، ويقول ابن الابار عنه: .(4)
"بأنه اجتمعت فيه خصال لم تجتمع في سواه من أهل زمانه إلى ما كان عليه من اليأس والجود والفروسية والكتابة والبيان والبلاغة وقرض الأشعار البديعة إلى ما له من القديم والبيت والسابقة.."
وابتدأت محاولات سليمان للاتصال بهذا الوزير وظل سنة كاملة يتردد على بيته دون أن يستطيع الانفراد به لكثرة ما يزدحم الناس حواليه ولما كان يشعر من هيبة ورهبة منه وأخيرا هيأت له الصدفة فرصة بسانحة، إذ ركب الوزير مطينه منفردا في ليلة من الليالي قاصدا منيته فافترضه صاحبنا كما يحكي ذلك بنفسه:
"فعرفته بنفسي ومنت له بما كان بين أسلافنا فاعترف به وبثثته استحالة حالي وخراب ضياعي وتقلب الزمان بي وشدة ضيقتي إلى أن رهنت مهامزي وسوطي.." وعرض عليه أن يصطنعه لنفسه ويعرضه لخدمة أميره محمد ليقوي به شوكته وسيكون إذ ذاك من المخلصين الأوفياء. فما كان من الوزير إلا أن تقبله بكل سرور وبعده بذلك لما رأى فيه من ذكاء ونجابة وقال له:
"إني لمتفرس في نجابتك حريص على إسداء اليد فيك والاستعداد بك لنفسي ولولدي من بعدي، فالزمني وتكرر علي فأمرك معقود بضميري".
وقد أنجز الوزير وعده ففي فترة وجيزة تحدث إلى أميره عن سليمان ونجابته وأهليته لخدمة البلاط لما يتحلى به من خصال محمودة، فأدناه الأمير من نفسه وسلكه في حاشيته فارتقى بشرعة في مدارج خدمته إلى
إن ولاه الأمير خطة السوق, وتلك منزلة لم يكن يحلم بها، ولكن سليمان لم يكن بعد قد أتقن آداب البلاط وقواعد السلوك مع الملوك الذين يتأثرون أحيانا لأمور لا يلتفت هو لأهميتها وخطورتها، وهذا ذهول ما ينبغي أن يتصف به الندماء وأعضاء الحاشية ولكم انتهى بأصحابه إلى المقصلة أو أوقع بهم في المتربة أو جلب لهم غضبه أخرتهم عن المنزلة والمكانة ولات حين مندم.. هذا الذهول هو الذي جعل صاحبنا مطمئنا لأميره قليل الاحتياط في الحديث معه أو عنه، ولعل بقية من بداوة كانت ما تزال تسم سلوكه بالبساطة، فقد حدث ذات يوم أن كان الأمير محمد مقبلا فقال سليمان: "اللهم سلم هذا الشخص الكريم فاعتبرها الأمير سوء أدب في حقه واستهجن أن يذكره"بالشخص" ولم يغفرها له وسرعان ما أخره عن ولاية السوق(5) .
وتوفي الأمير محمد وتولى الإمارة المنذر الذي كان يضمر عداوة شديدة للوزير هشام في عهد والده المرحوم ومما أرث حقده عليه تلعثم الوزير في قراءة: كتاب البيعة للأمير الجديد وشدة بكائه على سيده الراحل يقول ابن الابار (6) ولما وضع نعش الإمام محمد على قبره التي هاشم رداءه وقلنسوته ودخل القبر وبكى بكاء شديدا، ثم قال متمثلا وهو يقبر:
أعزي يا محمد نفسـي
معاذ الله والمنـن الجسـام
فهلا مات قوم لم يموتوا
ودوفع عنك لي كأس الحمام
فكان ذاك مما أوقد عليه موجدة المنذر..."
وليلة الأحد لأربع بقين من شوال سنة 273هـ انقض الأمير على حاجبه وفتك به وامتدت يده إلى أولاده فسجنهم على أن يفتك بهم ويلحقهم بوالدهم لولا أن الموت عاجله وفتك به قبل أن ينفذ عزمه.
وتختفي عنا أخبار سليمان ولعل عزله عن خطة السوق كان خيرا له إذ لولا ذلك لما سلم من إجراءات المنذر الانتقامية، ولكن عند ما يتولى عبد الله الإمارة يتألق نجم سليمان الذي أسندت إليه الوزارة كما أطلق سراح أولاد هاشم بن عبد العزيز ويتولى عمر بن هاشم كورة جيان ويتولى أخوه أحمد الوزارة والقيادة. ولسنا ندري من أنقذ الآخر أولاد هاشم أم سليمان بن وانسوس. ومهما يكن من شيء فإن سليمان أصبح ذا حظوة كبيرة وشخصية فذة في حضرة قرطبة لفت إليه التاريخ واهتم به أصحاب الأخبار فوصفوه بأنه كان أديبا مفتنا شاعرا مطبوعا، حسن البيان، حصيفا، داهيا، مذكورا بالعلم والعقل وعزة النفس (7)، وينتشر أمن سعيد في نثره ويرى أنه متأخر الطبقة فيه، ويعود له هذه الأبيات(8) :
كيف لي أن أعيش دونك يا بد
ر الدباجي وأنت منـي بعيـد
إن يومـا أراك فيـه اليـوم
في حسابي مدى الزمان سعيد
ومـرادي إلا أراك تدانـي
غير وصلي وذاك ما لا تريد
وقال:
الحب علم مقلتي أن تسهـرا
وقضى على بسنن أذل وصبرا
يا مشبه القمرين مالك معرضا
عني وإنـي لا أزال محيـرا
وكان سليمان إلى جانب ذلك خفيف الروح مع أنقة وكبرياء إذا مست كرامته. أما خفة روجه فتتجلى في أبيات أنشأها عندما طلب منه الأمير عبد الله أن يدلي برأيه في أمر جهور ابن عبد الملك البختي الذي عزل عن عمله بكورة البيرة، لما اتهم به من ظلم للرعية واستقلال لها، ومن اغتناء بمال كثير من وجه غير مشروع، وقد دافع عنه الوزراء وحاولوا تبرأته وكادوا أن يثنوا الأمير عن الإيقاع به وتغريمه لولا سكوت سليمان ابن وانسوس، الذي قال له الأمير: "مالك لا تقول يا سليمان؟" فقال: "إن قلت خالفتهم ولكني سوف أكتب بما عندي والرأي بعد الأمير!" وكتب هذه الأبيات:
جاء الحمار – حمار المرج – محتشيا
مما أفاد من الأموال والطرف
خلي لبيرة قـد أودت مساكنهـا
بقبح سيرته والعنف والسرف
فاحمل على العير حملا يستقل به
واترك له سببا للتبن والعلف
فلما قرأ الأمير أبياته أمر بإدخاله إليه فضحك منه وقال له:
"يا سليمان لو زدتنا في الأبيات لزدنا الحمار في الغرم" وأمر بإغرامه ثلاثة آلاف دينار (9)، ولم يكن يدري سليمان أن الأمير عبد الله سيغرم جهورا ألفا لكل بيت من شعره إذ لو كان يدري ذلك لزاد في عدد الأبيات لينتقم من ألد خصوم ولي نعمته هاشم بن عبد العزيز، ولنال أشد النيل من هذا العامل المثري الذي كان يتحف بعض الوزراء مما كان يغله ويغفل سليمان فما يفضحه بشيء من ذلك مما أفقده عطفه وجعله يشير في أمر بما تمليه مرارة الحرمان. وإن استجابة الأمير "لفتوى" سليمان دون أراء الآخرين من الوزراء والشخصيات التي حاولت الدفاع عن جهور لدليل على علو المكانة التي بلغها عنده. وهذه الذروة التي سما إليها صاحبنا كانت جديرة بأن يتشبت بها ويحرص على الحفاظ عليها بأي ثمن، ولكن سليمان المغيلي الذي كان من قبل يعاني من أدبار الزمان وتنكر الإخوان وشماتة الأعداء واهتضام الحقوق وضيق ذات اليد حتى أنه رهن مهامزه وسوطه – لم ينس، وهو في القمة. أصابته فيتنكر لعزته ويستهين بكرامته، وعندما امتحن التنازل عنها حفاظا على المنصب وحرصا على الجاه آثر كرامته وتحرر من كل قيد يشده إلى عبودية كما يفعل الآخرون. وقرر اختبارا حاسما، ولكنه في نفس الوقت عظيم، ينسون به كرامته وذلك عندما يعرض لاستهزاء من الأمير الذي أنعم عليه بالوزارة. وإنه لموقف تاريخي جدير بالتسجيل:
كان سليمان عظيم اللحية دون أن يكون شيء من الشعر على عارضيه (10)، وذات يوم دخل على الأمير عبد الله، فلما رآه مقبلا جعل الأمير ينشد في تهكم واصفا لحية وزيره:
هلوفة كأنها جوالـق
نكراء لا بارك فيها الخالق
للقمل في حافاتها نفائق
فيها لباغي المتكا مرافـق
وفي احتدام الصيف ظل رائق
إن الـذي يحملـه لمائـق
ثم قال له: "اجلس يا بريبري" فجلس الوزير وقد اشتط غضبا إذ لم يحتمل من سيده هذا العبث بلحيته وبشخصيته وقال له:
"أيها الأمير إنما كان الناس يرغبون في هذه المنزلة ليدفعوا عن أنفسهم الضيم وأما إذا صارت جالبة للذل فلنا دور تسعنا وتغنينا عنكم، فإن حلتم بيننا وبينها فلنا قبور تسعنا لا تقدرون على أن تحولوا بيننا وبينها" ثم وضع يديه في الأرض وقام من غير أن يسلم ونهض إلى منزله. فغضب الأمير لذلك أشد الغضب وأمر بعزله ورفع دسته الذي كان يجلس عليه وبقي لذلك مدة غير أن الأمير عبد الله شعر بفراغ مكانه وضرورة حضوره لأمانته ونصيحته، ورجاحة عقله فقال للوزراء:
"لقد وجدت لفقد سليمان تأثيرا، وإن أردت استرجاعه ابتداء منا كان ذلك غضاضة علينا ولوددت أن يبتدئنا بالرغبة" فقال له الوزير محمد بن الوليد بن غانم:
"إن أذنت لي في المصير إليه استنهضته إلى هذا" فأذن له: فنهض ابن غانم إلى دار سليمان بن وانسوس فاستأذن، لكن الخادم أبطأ في العودة بالإذن بالدخول حينا ثم أذن له. ولما دخل الوزير وجد زميله المعزول قاعدا، دون أن يتزحزح له – وكان بروتوكولات الوزارة بالأندلس أيام بني أمية تقتضي ألا يقوم الوزير إلا لوزير مثله فإن زاره تلقاه بنفسه وأنزله معه على مرتبته ولا يحجبه ولا لحظة – ولكن سليمان لم يراع تلك القواعد، وكيف يراعيها وهو لم يعد وزيرا دون أن يشعر بأنه دون مكانة وزير بل بالضد من ذلك أصبح يرى نفسه أنه أعلى من الوزير والوزارة. ولم يسكت رسول الأمير ابن غانم على هذه الإهانة فقال له:
"ما هذا الكبر؟ عهدي بك وأنت وزير السلطان وفي أبهة تتلقاني على قدم وتتزحزح لي عن صدر مجلسك، وأنت الآن في موجدته بضد ذلك".
فرد عليه سليمان بضمير مطمئن وشعور بالعزة كريم قائلا: "نعم لأنني كنت حينئذ عبدا مثلك وأنا اليوم حر" (11) وأمام هذه اللهجة القاسية والموقف الصارم لم يستطع ابن غانم أن يفاتحه في أمر مهمته فاضطر للعودة من حيث أتى مكلوم الكرامة، إن كان له بقية من الإحساس بها!! يائسا من زميله السابق الذي أصبح حرا طليقا، وللأحرار منطق يعده المستعبدون غلظة وفظاظة وكبرياء!! ورجع إلى أميره يخبره بما جرى..
وحينئذ لم يجد الأمير بدا من استرضاء وزيره الحر وهذا أحوج ما يكون إلى إخلاصه وبعد نظره فبادره بالتراجع والاعتذار إليه وحينئذ فقط رجع سليمان بن وانسوس البربري الحر إلى وزارته عزيزا كريما مرفوع الرأس وازدادت مكانته سموا وعاد إلى أفضل مما كان فيه. وتلك عاقبة الأحرار الذين يحترمون إنسانيتهم ويرون أن كرامتهم فوق كل اعتبار(12) .
1) البيان المغرب 2/74 – دولة الإسلام بالأندلس 1/234.
2) المقتبس مخطوطة القرويين ورقة 47 – الحلة السبراء 1/160، تحقيق د. مؤنس
3) المقتبس ورقة 48.
4) الحلة السبراء 1/137.
5) المقتبس ورقة 48.
6) الحلة 1/138.
7) الحلة 1/160 – جذوة المقتبس ترجمة 458.
8) المغرب 1/362.
9) المغرب 1/94، 95، 133 – الحلة السبراء 375، المقتبس ورقة 49.
10) ويطلق على مثل هذا الكوسج.
11) انظر جذوة الاقتباس ترجمة 459، وبقية الملتمس ترجمة 775 والحلة السيراء 1/123 – 124.
12) لم يتعرض أحد فيما اطلعت عليه إلى تاريخ وفاته أو ميلاده وكل ما نعرفه أنه كان يعيش وهو رجل يستحق أن يتولى السوق والوزارة، أثناء حكم محمد والمنذر وعبدا الله أي بين سنة 273 – 300هـ ولن ندري هل توفي قبل عبد الله أم بعده؟
* دعوة الحق - ع/113
كان صاحبنا هذا سليل أسرة مجيدة في المغرب والأندلس معا، حظيت بكثير من التكريم والتقدير من جانب الأمويين، وتولى أفرادها مناصب هامة في الدولة الأموية الفتية وذلك بما أسدى وانسوس – جد الأسرة – لعبد الرحمن بن معاوية من خدمات جليلة. فهو الذي أواه عند وصوله للمغرب مشردا ومطاردا من بني العباس وعمالهم وعيونهم. ولم يجد مأمنه إلا في مغيلة حيث مكث حينا في دار وانسوس الشيخ الوقور الذي يتمتع باحترام قومه وكان وانسوس من مكناسة كما ينص على ذلك ابن حزم. وفي بيت هذا المكناسي كان عبد الرحمن الداخل يدير أمر تنقله لأقرب نقطة يشرف منها على الأندلس ليحدث فيها انقلابه العجيب. وفي ذلك البيت كانت تجتمع الأنصار وتحبك المؤامرات وتنتهز الفرص. ويبدو أن وانسوس لم يفارق صقر قريش ولم يكن دوره إيواءه فقط بل لعله ساعده في تقوية حزبه وتكثير أنصاره والدعوة إلى شرعية حكمه. الأمر الذي أهله لمكانة محترمة وجعل الأمويين يكافئونه وخلفه على إخلاصهم ووفائهم. فأصبح بذلك بيت وانسوس في الأندلس من البيوتات التي توصف بالرياسة والشرف، وهكذا يتولى أصبع – جد سليمان – رئاسة ماردة ولعله ورث رئاستها عن والده وانسوس. ولكنه مع ولائه وولاء أسرته للأمويين فقد عكر صفو ذلك الولاء حادث أيام حكم الحكم الربضي الذي اشتهر بقساوته وشجاعته في إخماد الثورات وتشتيت المتمردين، إذ ثار عليه بماردة أصغ بن وانسوس واستعصى عليه وذلك سنة 190 هـ(1). وعجز الربضي عن القضاء على ثورته، ولا ندري شيئا عن دوافع هذا التمرد وإن كنا لا نستعبد أن يكون تدعيما لثورة الفقهاء واستجابة لندائهم ومشايعة لأهل الربض، وقد أشار ابن حيان لهذا التمرد بقوله(2) .
وكان جده – أي جد سليمان – رئيسا مطاعا، وكان قد ثار فيها على الأمير الحكم بن هشام، وجرت له خطوب كثار في حالي المعصية والطاعة.
ولعل هذا التمرد أفسد على هذه الأسرة جاهها لدى بني أمية وزعزع تلك المكانة التي اقتعدها أبناء وانسوس في ظل الأمويين منذ انقلاب صقر قريش، فلا نسمع عن والد سليمان شيئا وربما كان يعيش على هامش الحياة بعيدا عن السياسة والطموح إلى الحكم والقيادة مكتفيا بما تدره عليه ضياعه وأملاكه قانعا من الغنيمة بالسلامة. مما أفقده عصبية كان يعتمد عليها أبوه وجده وجعل أولاده من بعده عرضة للإهمال والضياع وهدفا للانتقام والإذلال من غير أن يجدوا في بني أمية ملاذهم أو يظفروا بحمايتهم. وقد يكون عصيان أصبع سببا لتلك الحالة التي لاحقت سليمان الذي توفى والده وهو ما يزال غرا حدثا فتنكر له زمنه، وزهد فيه إخوان أبيه، وتعرض لإذلال الرعية، حيث اعتدوا على ضياعه، واهتضموا حقوقه، وأحيط به من كل جانب، فشعر سليمان بضيق شديد، وهجم عليه عم واصب، وقلق مزعج إلى درجة أنه تمنى الخلاص من الحياة واللحاق بوالده المرحوم.. وكانت هذه الإهانة شديدة الوقع على نفسه لم يستطع احتمالها، ولكن أين وانسوس الذي تمنى الموت في لحظة ضيق حرجة، ما يزال يحس بدماء أجداده تجري في عروقه، وهي دماء مجيدة تستعصي على الموت إلا في ميدان القتال، وهي تراث مقدس لا تستسلم ليأس. أو يمتصها هم أو تحرمها نكبة، ولذلك، يصمم صاحبنا على وضع خطة لاسترداد مكانة أسرية، رغم الصعاب المتعددة، والظروف المتمنعة، ولكن دون الوصول إلى البلاط القرطبي أبواب موصدة، وحجاب حسده، ووزراء يحولون بين الأمير محمد وبين أمثاله ممن طحنتهم السياسة، وبددت شملهم حمى الرياسة، مخلفين وراءهم تراث واحنا، تتوارثها الأجيال فتصبح عنصرا حيا من عناصر السلوك والعلاقات!! غير أن الخطة كانت شديدة الإحكام ألهمته أملا شاحبا خلال غيوم من اليأس قائمة, قوى إرادته وألهب همته على اقتحام كل صعب، وتحطيم كل حاجز، لإعادة مجد آبائه. ومحو كل أثر من تلك المهانة، وتبديد الجفوة التي حدثت بين أسرته والأسرة الحاكمة.. فهذا هاشم بن عبد العزيز وزير الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط كان بين أسرته وأسرة سليمان صداقة متينة، فلماذا لا يمت إليه بوشائج تلك العلاقة؟ ويعرفه بحقوق ذاك الود؟ ولم يشك سليمان في أن هذا الوزير سيرق لحاله، ويرفع من شأنه ويخفف من نكبته، ويقدر مواهبه، ويدنيه من الأمير نفسه، خصوصا وهاشم هذا ألمع شخصية وزارية في قرطبة وعميد الناس في وقته، وأثير الأمير وأقرب الوزراء إليه لا بعدله عنه أحد (3)، يتحكم في مصير الآخرين دون أن يناله منهم سوء على كثرة دسائسهم وتنوع شكاويهم وإلحاح تحذيراتهم للأمير من سوء طويته واستقلاله، ويقول ابن الابار عنه: .(4)
"بأنه اجتمعت فيه خصال لم تجتمع في سواه من أهل زمانه إلى ما كان عليه من اليأس والجود والفروسية والكتابة والبيان والبلاغة وقرض الأشعار البديعة إلى ما له من القديم والبيت والسابقة.."
وابتدأت محاولات سليمان للاتصال بهذا الوزير وظل سنة كاملة يتردد على بيته دون أن يستطيع الانفراد به لكثرة ما يزدحم الناس حواليه ولما كان يشعر من هيبة ورهبة منه وأخيرا هيأت له الصدفة فرصة بسانحة، إذ ركب الوزير مطينه منفردا في ليلة من الليالي قاصدا منيته فافترضه صاحبنا كما يحكي ذلك بنفسه:
"فعرفته بنفسي ومنت له بما كان بين أسلافنا فاعترف به وبثثته استحالة حالي وخراب ضياعي وتقلب الزمان بي وشدة ضيقتي إلى أن رهنت مهامزي وسوطي.." وعرض عليه أن يصطنعه لنفسه ويعرضه لخدمة أميره محمد ليقوي به شوكته وسيكون إذ ذاك من المخلصين الأوفياء. فما كان من الوزير إلا أن تقبله بكل سرور وبعده بذلك لما رأى فيه من ذكاء ونجابة وقال له:
"إني لمتفرس في نجابتك حريص على إسداء اليد فيك والاستعداد بك لنفسي ولولدي من بعدي، فالزمني وتكرر علي فأمرك معقود بضميري".
وقد أنجز الوزير وعده ففي فترة وجيزة تحدث إلى أميره عن سليمان ونجابته وأهليته لخدمة البلاط لما يتحلى به من خصال محمودة، فأدناه الأمير من نفسه وسلكه في حاشيته فارتقى بشرعة في مدارج خدمته إلى
إن ولاه الأمير خطة السوق, وتلك منزلة لم يكن يحلم بها، ولكن سليمان لم يكن بعد قد أتقن آداب البلاط وقواعد السلوك مع الملوك الذين يتأثرون أحيانا لأمور لا يلتفت هو لأهميتها وخطورتها، وهذا ذهول ما ينبغي أن يتصف به الندماء وأعضاء الحاشية ولكم انتهى بأصحابه إلى المقصلة أو أوقع بهم في المتربة أو جلب لهم غضبه أخرتهم عن المنزلة والمكانة ولات حين مندم.. هذا الذهول هو الذي جعل صاحبنا مطمئنا لأميره قليل الاحتياط في الحديث معه أو عنه، ولعل بقية من بداوة كانت ما تزال تسم سلوكه بالبساطة، فقد حدث ذات يوم أن كان الأمير محمد مقبلا فقال سليمان: "اللهم سلم هذا الشخص الكريم فاعتبرها الأمير سوء أدب في حقه واستهجن أن يذكره"بالشخص" ولم يغفرها له وسرعان ما أخره عن ولاية السوق(5) .
وتوفي الأمير محمد وتولى الإمارة المنذر الذي كان يضمر عداوة شديدة للوزير هشام في عهد والده المرحوم ومما أرث حقده عليه تلعثم الوزير في قراءة: كتاب البيعة للأمير الجديد وشدة بكائه على سيده الراحل يقول ابن الابار (6) ولما وضع نعش الإمام محمد على قبره التي هاشم رداءه وقلنسوته ودخل القبر وبكى بكاء شديدا، ثم قال متمثلا وهو يقبر:
أعزي يا محمد نفسـي
معاذ الله والمنـن الجسـام
فهلا مات قوم لم يموتوا
ودوفع عنك لي كأس الحمام
فكان ذاك مما أوقد عليه موجدة المنذر..."
وليلة الأحد لأربع بقين من شوال سنة 273هـ انقض الأمير على حاجبه وفتك به وامتدت يده إلى أولاده فسجنهم على أن يفتك بهم ويلحقهم بوالدهم لولا أن الموت عاجله وفتك به قبل أن ينفذ عزمه.
وتختفي عنا أخبار سليمان ولعل عزله عن خطة السوق كان خيرا له إذ لولا ذلك لما سلم من إجراءات المنذر الانتقامية، ولكن عند ما يتولى عبد الله الإمارة يتألق نجم سليمان الذي أسندت إليه الوزارة كما أطلق سراح أولاد هاشم بن عبد العزيز ويتولى عمر بن هاشم كورة جيان ويتولى أخوه أحمد الوزارة والقيادة. ولسنا ندري من أنقذ الآخر أولاد هاشم أم سليمان بن وانسوس. ومهما يكن من شيء فإن سليمان أصبح ذا حظوة كبيرة وشخصية فذة في حضرة قرطبة لفت إليه التاريخ واهتم به أصحاب الأخبار فوصفوه بأنه كان أديبا مفتنا شاعرا مطبوعا، حسن البيان، حصيفا، داهيا، مذكورا بالعلم والعقل وعزة النفس (7)، وينتشر أمن سعيد في نثره ويرى أنه متأخر الطبقة فيه، ويعود له هذه الأبيات(8) :
كيف لي أن أعيش دونك يا بد
ر الدباجي وأنت منـي بعيـد
إن يومـا أراك فيـه اليـوم
في حسابي مدى الزمان سعيد
ومـرادي إلا أراك تدانـي
غير وصلي وذاك ما لا تريد
وقال:
الحب علم مقلتي أن تسهـرا
وقضى على بسنن أذل وصبرا
يا مشبه القمرين مالك معرضا
عني وإنـي لا أزال محيـرا
وكان سليمان إلى جانب ذلك خفيف الروح مع أنقة وكبرياء إذا مست كرامته. أما خفة روجه فتتجلى في أبيات أنشأها عندما طلب منه الأمير عبد الله أن يدلي برأيه في أمر جهور ابن عبد الملك البختي الذي عزل عن عمله بكورة البيرة، لما اتهم به من ظلم للرعية واستقلال لها، ومن اغتناء بمال كثير من وجه غير مشروع، وقد دافع عنه الوزراء وحاولوا تبرأته وكادوا أن يثنوا الأمير عن الإيقاع به وتغريمه لولا سكوت سليمان ابن وانسوس، الذي قال له الأمير: "مالك لا تقول يا سليمان؟" فقال: "إن قلت خالفتهم ولكني سوف أكتب بما عندي والرأي بعد الأمير!" وكتب هذه الأبيات:
جاء الحمار – حمار المرج – محتشيا
مما أفاد من الأموال والطرف
خلي لبيرة قـد أودت مساكنهـا
بقبح سيرته والعنف والسرف
فاحمل على العير حملا يستقل به
واترك له سببا للتبن والعلف
فلما قرأ الأمير أبياته أمر بإدخاله إليه فضحك منه وقال له:
"يا سليمان لو زدتنا في الأبيات لزدنا الحمار في الغرم" وأمر بإغرامه ثلاثة آلاف دينار (9)، ولم يكن يدري سليمان أن الأمير عبد الله سيغرم جهورا ألفا لكل بيت من شعره إذ لو كان يدري ذلك لزاد في عدد الأبيات لينتقم من ألد خصوم ولي نعمته هاشم بن عبد العزيز، ولنال أشد النيل من هذا العامل المثري الذي كان يتحف بعض الوزراء مما كان يغله ويغفل سليمان فما يفضحه بشيء من ذلك مما أفقده عطفه وجعله يشير في أمر بما تمليه مرارة الحرمان. وإن استجابة الأمير "لفتوى" سليمان دون أراء الآخرين من الوزراء والشخصيات التي حاولت الدفاع عن جهور لدليل على علو المكانة التي بلغها عنده. وهذه الذروة التي سما إليها صاحبنا كانت جديرة بأن يتشبت بها ويحرص على الحفاظ عليها بأي ثمن، ولكن سليمان المغيلي الذي كان من قبل يعاني من أدبار الزمان وتنكر الإخوان وشماتة الأعداء واهتضام الحقوق وضيق ذات اليد حتى أنه رهن مهامزه وسوطه – لم ينس، وهو في القمة. أصابته فيتنكر لعزته ويستهين بكرامته، وعندما امتحن التنازل عنها حفاظا على المنصب وحرصا على الجاه آثر كرامته وتحرر من كل قيد يشده إلى عبودية كما يفعل الآخرون. وقرر اختبارا حاسما، ولكنه في نفس الوقت عظيم، ينسون به كرامته وذلك عندما يعرض لاستهزاء من الأمير الذي أنعم عليه بالوزارة. وإنه لموقف تاريخي جدير بالتسجيل:
كان سليمان عظيم اللحية دون أن يكون شيء من الشعر على عارضيه (10)، وذات يوم دخل على الأمير عبد الله، فلما رآه مقبلا جعل الأمير ينشد في تهكم واصفا لحية وزيره:
هلوفة كأنها جوالـق
نكراء لا بارك فيها الخالق
للقمل في حافاتها نفائق
فيها لباغي المتكا مرافـق
وفي احتدام الصيف ظل رائق
إن الـذي يحملـه لمائـق
ثم قال له: "اجلس يا بريبري" فجلس الوزير وقد اشتط غضبا إذ لم يحتمل من سيده هذا العبث بلحيته وبشخصيته وقال له:
"أيها الأمير إنما كان الناس يرغبون في هذه المنزلة ليدفعوا عن أنفسهم الضيم وأما إذا صارت جالبة للذل فلنا دور تسعنا وتغنينا عنكم، فإن حلتم بيننا وبينها فلنا قبور تسعنا لا تقدرون على أن تحولوا بيننا وبينها" ثم وضع يديه في الأرض وقام من غير أن يسلم ونهض إلى منزله. فغضب الأمير لذلك أشد الغضب وأمر بعزله ورفع دسته الذي كان يجلس عليه وبقي لذلك مدة غير أن الأمير عبد الله شعر بفراغ مكانه وضرورة حضوره لأمانته ونصيحته، ورجاحة عقله فقال للوزراء:
"لقد وجدت لفقد سليمان تأثيرا، وإن أردت استرجاعه ابتداء منا كان ذلك غضاضة علينا ولوددت أن يبتدئنا بالرغبة" فقال له الوزير محمد بن الوليد بن غانم:
"إن أذنت لي في المصير إليه استنهضته إلى هذا" فأذن له: فنهض ابن غانم إلى دار سليمان بن وانسوس فاستأذن، لكن الخادم أبطأ في العودة بالإذن بالدخول حينا ثم أذن له. ولما دخل الوزير وجد زميله المعزول قاعدا، دون أن يتزحزح له – وكان بروتوكولات الوزارة بالأندلس أيام بني أمية تقتضي ألا يقوم الوزير إلا لوزير مثله فإن زاره تلقاه بنفسه وأنزله معه على مرتبته ولا يحجبه ولا لحظة – ولكن سليمان لم يراع تلك القواعد، وكيف يراعيها وهو لم يعد وزيرا دون أن يشعر بأنه دون مكانة وزير بل بالضد من ذلك أصبح يرى نفسه أنه أعلى من الوزير والوزارة. ولم يسكت رسول الأمير ابن غانم على هذه الإهانة فقال له:
"ما هذا الكبر؟ عهدي بك وأنت وزير السلطان وفي أبهة تتلقاني على قدم وتتزحزح لي عن صدر مجلسك، وأنت الآن في موجدته بضد ذلك".
فرد عليه سليمان بضمير مطمئن وشعور بالعزة كريم قائلا: "نعم لأنني كنت حينئذ عبدا مثلك وأنا اليوم حر" (11) وأمام هذه اللهجة القاسية والموقف الصارم لم يستطع ابن غانم أن يفاتحه في أمر مهمته فاضطر للعودة من حيث أتى مكلوم الكرامة، إن كان له بقية من الإحساس بها!! يائسا من زميله السابق الذي أصبح حرا طليقا، وللأحرار منطق يعده المستعبدون غلظة وفظاظة وكبرياء!! ورجع إلى أميره يخبره بما جرى..
وحينئذ لم يجد الأمير بدا من استرضاء وزيره الحر وهذا أحوج ما يكون إلى إخلاصه وبعد نظره فبادره بالتراجع والاعتذار إليه وحينئذ فقط رجع سليمان بن وانسوس البربري الحر إلى وزارته عزيزا كريما مرفوع الرأس وازدادت مكانته سموا وعاد إلى أفضل مما كان فيه. وتلك عاقبة الأحرار الذين يحترمون إنسانيتهم ويرون أن كرامتهم فوق كل اعتبار(12) .
1) البيان المغرب 2/74 – دولة الإسلام بالأندلس 1/234.
2) المقتبس مخطوطة القرويين ورقة 47 – الحلة السبراء 1/160، تحقيق د. مؤنس
3) المقتبس ورقة 48.
4) الحلة السبراء 1/137.
5) المقتبس ورقة 48.
6) الحلة 1/138.
7) الحلة 1/160 – جذوة المقتبس ترجمة 458.
8) المغرب 1/362.
9) المغرب 1/94، 95، 133 – الحلة السبراء 375، المقتبس ورقة 49.
10) ويطلق على مثل هذا الكوسج.
11) انظر جذوة الاقتباس ترجمة 459، وبقية الملتمس ترجمة 775 والحلة السيراء 1/123 – 124.
12) لم يتعرض أحد فيما اطلعت عليه إلى تاريخ وفاته أو ميلاده وكل ما نعرفه أنه كان يعيش وهو رجل يستحق أن يتولى السوق والوزارة، أثناء حكم محمد والمنذر وعبدا الله أي بين سنة 273 – 300هـ ولن ندري هل توفي قبل عبد الله أم بعده؟
* دعوة الحق - ع/113