نقوس المهدي
كاتب
سعدت بالإقامة في الرباط خلال عام 1374-54-1955 في أيام كانت عامرة بالاتصالات برجال العلم والأدب الذين لا تخلو منهم هاذه المدينة العظيمة في كل وقت وحين، ومن حسن الحظ أن كان من بين الذين سعدت بلقائهم علامة مغربي كبير، ومحدث إسلامي شهير، المغفور له الشيخ محمد المدني ابن الحسني في مجالس كانت بمثابة ندوات علمية وأدبية: أفادت متناثرة متلاحقة : حديثية وفقهية وتاريخية وأصولية...انشادات يرسلها عند المناسبة كالسحر الحلال، تعابير فنية من الطراز الأول تتخللها ثوريات بديعة، أخلاق عالية ولطف وبشاشة.
وقد كان – من بين ما قيدت عن الراحل الكريم خلال هذه المجالس – معلوميات عن ترجمته، ثم انضاف لها بعد حين معلومات جديدة نثرها المترجم، ثم انضاف لها بعد حين معلومات جديدة نثرها المترجم في الإجازة التي تكرم بها على كاتب السطور،وبعد هذا بقي الموضوع بحاجة إلى التتميم والتكميل، وذلك مأطلعني عليه ابن الفقيد وخلفه: الكريم ابن الكريم بن الكريم، علامة العصر سيدي عبد الكريم، وقد جاء من ذلك كله هذه الترجمة الصغيرة التي تتناول نبذة من حياة الفقيد العظيم، والتي أقدمها تذكارا لتلك المجالس العلمية العامرة، وأداء لبعض حقوق علمائنا الكبار، ومساهمة في إحياء ذاكراه الثانية بعد ما فاتني – لأعذار قاهرة –المشاركة في ذاكرة الأولى، وسأسير في هذه الترجمة حسب التصميم المصدرة به هذه المقدمة.
أولية المترجم:بنو الحسني علميون يرجعون للسيد الشريف المولى عبد السلام بن مشيش، ويعود تاريخ استيطانهم بالرباط إلى القرن الثالث عشر للهجرة، وقد ظهر فيهم بالعلم قبل المترجم:
1.والده الشيخ الغازي الذي تبرز في الحساب والتوقيت والتعديل، وتوفى بالإسكندرية مرجعه من الحج في صفر عام 1357، وقبره بها عند مشهد الشيخ إبراهيم السنوسي المغربي.
2. عم المترجم الشيخ محمد العلامة الواعظ الشهير المتوفى في جرب عام 1341.
مولده ومتعلمه الأولى:ولد بالرباط في ربيع الأول فجر يوم المولد النبوي عام 1307 الذي توفى فيه والده، ثم قرا القرءان الكريم و المتون العلمية بالرباط ومراكش التي سافر إليها عام 1312صحبة جده الوزير السيد الحاج عبد السلام التازي الربا طي المتوفى عام 1325هـ
وقد تلقى هذا المتعلم الأولى على (1) الأستاذ السيد علي السوسي الدمنتي المتوفي بالرباط عام 1323تقريبا.
مأخذه للعلوم: عاد للرباط عام 1318 فاخذ في قراءة العلوم الإسلامية والعربية على مشايخ بلده وهم:
2.القاضي الشيخ عب الرحمن بن بناصر بريطل الرباطي العلامة الكبير المتسع المشاركة الحافظ في كل فن متونا عديدة المتوفى في صفر عام 1363هـ
وهو أول أستاذة المترجم وعمدته الذي اخذ عنه أغلب العلوم المتداولة من النحو والصرف والبيان
والعروض إلى المنطق والأصول والتوحيد إلى الفقه والفرائض والحساب والتوقيت والتعديل، مع الموطأ والشمائل.
1. القاضي الشيخ الجيلاني بن أحمد بن إبراهيم الباطي العلامية الحافظ المفتي المتوفى عام 1336هـ.
قرأ عليه جل المختصر الخليلي من أوله إلى الإجازة مع بعض التحفة والزقاقية والخلاصة.
2. الأستاذ الشيخ احمد بن قاسم جسوس الرباطي العلامة الأديب الكبير المترسل المتوفى عام 1331هـ.
أخد عنه ما ينهاز النصف من المختص الخليلي وجل مختصر السعد على التلخيص وورقات أمام الحرمين و الجزرية في القراءات وهمزية البوصيري من قولها" ليته خصني برؤية وجه" إلى أخرها، والشمائل، والأربعين، والشفا وأوائل الموطأ، والرسالة.
قرأ عليه جل البردة، وبعض الهمزية البوصيرية من قولها "ومسير الصبا بنصرك شهرا..." مع أواخر الموطأ.
3. القاضي الشيخ احمد بن موسى الرباطي العلامة الدراكة الحافظ المتوفي 1328هـ.
أخد عنه بعض المختصر والخلاصة والجمل.
4. عم المترجم الشيخ محمد ابن الحسني العلامية الواعظ الشهير تقدم ذكر وفته قرأ عليه همزية البوصيري من قولها:" واتاها أن الغمامة والسرح..."، وجمع الجوامع لابن السبكي، والحكم العطائية، وادب الدنيا والدين للماوردي، وعيد النعم ومبيد النقم لابن السبكي، والتنوير لابن عطاء الله، وبعض الشفا.
5. الوزير الشيخ أبو شعيب بن عبد الرحمن الصديقي الدكالي الشيخ لأمام المحدث المفسر الحافظ الكبير المتوفيى عام 1356هت.
سمع منه الصحيح الجامع الذي يرويه عن الأشياخ الأربعة الشيخ سليم البشري والشيخ على الصالحي والشيخ الطمومي والشيخ أحمد الرفاعي محشى بحراق جميعهم عن الشيخ منة الله عن الأمير بأسانيده في فهرسته، كما سمع منه بقية الكتب الستة والموطأ بأسانيده المبسوطة في إجازته للمترجم.
بقية أسانيده في الصحيح الجامع:زيادة على الشيخ أبي شعيب فان المترجم قرأ الصحيح الجامع للبخاري بين رواية ودراية على أشياخه ابن موسى سماعا من لفظ الشيخ لجميع الصحيح عدة مرات بالمشهد السائحي، و جسوس سماعا من لفظه لأوائله وأواخره وإجازة لباقية بالمشهد المذكور، وعمه ابن الحسني سماعا من لفظة لأوائله وأواخره بالمسجد السائحي : ثلاثتهم عن الشيخ الشيوخ الإمام الشهير أبي المحاسن العربي بن محمد بن السائح الشرقي العمري الفاروقي المكناسي ثم الرباطي المتوفى عام 1309 عن الشيخ عبد القادر الكوهن الفاسي بأسانيده المذكورة في فهرسته . كما سمع كل الصحيح بقراءة الغير على شيخه أبي حامد البطاوري مرة وبعض مرات أخرى، عن الشيخ أبي الحسن الدمنتي بأسانيده في فهرسته المطبوعة.
إجازاته:إجازة من أشياخه المذكورين: البطاوري مرتين الأولى عامة والثانية خاصة بفهرسة أبي الحسن الدمنتي حسب اقتراح المستجي، وجسوس بتاريخ أواخر ربيع الثاني عام 1330هـ، والشيخ ابو شعيب بتاريخ 7رجب عام 1338.
كما إجازة العلامة الإمام المحدث المسند المهاجر الشيخ(9) محمد بن جعفر الكتاني المتوفى عام 1345 مرتين 1328-1344هـ وكاتبه مرارا من فاس والمدينة المنورة، ومن طريقه يسند حديث الرحمة المسلسل بالأولية : عن الشيخ حبيب الرحمان بن أمداد احمد الهندي الحسيني، عن الشيخ عبد الغني الدمشقي الميداني، عن محدث الشام عبد الرحمان الكزبري... وممن أجازه بالمغرب أيضا(10) العلامة النوازلي المفتي الكبير الشيخ المهدي العمراني الشهير بالوزاني الفاسي المتوفى عام 1342و(11) العلامة المشارك الحيسوبي الميقاتي الشيخ المهدي متجينوس الرباطي المتوفى عام 1344.
ومن المشرق إجازة عام 1352هـأربعة من اعلامه: (12) الشيخ عبد الباقي بن ملاعلى الأنصاري الأيوبي الهندي اللكنويو (13) الشيخ إبراهيم بن عبد القادر البري المدني و(14) الشيخ محمد بدر الدين بن يوسف المغربي الدمشقي مدرس دار الحديث بها و (15) الشيخ عمر بن أبي بكر باجنيد الراوي عن الشيخ أحمد بن زيني دحلان المكي.
نبوغ مبكر:أخد يبدو نبوغ المترجم المبكر من عام 1323هـ حين كان عمره لا يتجاوز 17 سنة، وبعد ست سنوات أو أقل من اشتغاله بالتعلم،ففي هذا لأبان إخراج أول مؤلف له: (الفتح القدسي، والمنح الأوسي، في شرح قافية ابن عمرو الأوسي) وهو اسم شرح كتبه إذ ذاك على قافيته ابن عمرو الأوسي الرباطي التي وضعها في المديح النبوي، وعارض بها قصيدة الشمقمقية.
وقد أثارت هذه الباكورة الأولى من المترجم موجة من الاستحسان والإعجاب في أوساط أشياخه الثلاثة: بريطل والبطاوي وجسوس، وذهب الإعجاب بالأخيرين منهم إلى حد أن كتب كل منهم تقريظا على حدة، للتنويه بهذا الموضوع البكر المبكر، وهذا ما أملاه علي المترجم من التقريظين: كتب أبو حامد البطاوري:
"لله ما أفادنا
عنوان هذا الدفتر
من همة سرية
دون علاها المشترى
أعيده من كل سو
بالبارئ المصور
إلى أن قال :
تبارك من أبدي غرائب صنعه
وابدي من الإحسان ما جل عن عد
وعنوان أشرق البداية موذن
بان نهاية العلي طالع السعد"
وكتب أبو العباس جسوس عقبة:
" الحمد لله على كماله، و الصلاة والسلام على يدنا محمد وءاله، قد عن لي أن أكون بعدا هذا السيد الحلاحل، القاضي الفاضل، مصليا، إذ كان – حرسه الله تعالى – مجليا، فأقول حامدا مصليا:
قد جئت على أصلك أيها الشاب الظريف، وأنسيت أيها المولى الشريف، و الاخضري وابن العفيف، وبرزت على الأقران، وصار دون ما ارتقيت إليه القمران.
امن لعبت به شمول
ما أحسن هذه الشمائل
ولم يزل الأدب معشوق شريف الطبع ورقيقه من كل مدني، فكيف لا تهواه وقد سماك قطب الزمان مولانا السائحي- قدس سره- سيدي محمد المدني
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب
ألا ومعناه أن فكرت في لقبه
والله يبقيك ويقيك ويرقيك ويزيد في معناك، و يسني سناءك وسناك، ثم قال:
حفظت يا نجل الكرام السبق
ودمت تبدي كل حسن موثق
لله ما صرت إليه طامحا
من أدب غض وعلم مغدق
أبنت عن فضل غزير وززنه
وهمة على الدراري ترتق
والمرء ينبى عن حجاه قوله
وقد نرى صنعا كثيرا الرونق
بقيت محروس الجناب طالعا
كوكب سعد بمحيا مشرق"
هذا وإذا كان التأليف المتحدث عنه يتناول – إلى جانب السيرة النبوية_ اللغة والأدب، فان المترجم قد شفعه في طور الطلب أيضا أعوام 25-26-1327 بموضوعات حديثيه ليبرهن على تمكنه من التأليف في هذا الإبان، وليلوح لما سيكون له من مستقبل في علم الحديث بعد علم اللغة والأدب وسترد أسماء هذه الموضوعات الحديثة أثناء تعداد مؤلفات المترجم.
انتصابه للتدريس:
ابتدأ من عام 1332، وكان كلما ختم كتابا افتتح ءاخر، ولم يزل مواظبا على التدريس إلى أواخر عمه حيث اعترته الأمراض التي حالت بينه وبين أعز شيء عليه في الحياة .
وقد قرأ تفسير القرءان الكريم، وصحيح البخاري، والشفا، والمختصر الخليلي، وجمع الجوامع وتلخيص القزويني، والورقات الإمام الحرمين، والمرشد ولامية الأفعال، وغير ذلك من الكتب المتداولة.
كما درس كتبا لم تجر العادة بقراءتها أو تدرس بقلة: فقد اقرأ قوانين بن جزي، وعمدة ابن دقيق العيد، والبيان والتبيين للجاحظ، وزاد المعاد لابن القيم، وتنقيح القرافي، ومرتقي الأصول لابن عاصم، وألفية السيرة للعراقي، والمعلقات، ومقصورة ابن دريد، وقصيدة بانت سعاد، وذخر المعاد للبوصيري، ونصيحة ابن جعفر الكتاني.
وكان غالب تدريسه ببلده الرباط، ودرس قليلا بغيره: فقد درس افتتاح صحيح البخاري بالمسجد الأعظم من طنجة عصر يوم 28 جمادى الآخرة عام 1354 وانشد هناك قوله على منوال الصحابي السيد بلال:
الاليت شعري هل ابيتن ليلة
بطنجة حيث ماؤها وجنان
وهل اردن ماء الحديد بمنهل
وهل يبدون منها مجاز ومرشان
كما اقرأ نفس الموضوع بجامع المواسين من مراكش الحمراء، ذات الموقف المشرفة البيضاء والحمراء على حد تعبير المترجم، وذل بين العشائين عام 1365، وأنشد هناك قول القائل:
بالله أن وطئت مراكشا قدمك
وجزت يوما على تلك البساتين
أن لا تقدم أمرا قد هممت به
حتى تحيي سكان المواسين
مؤلفاته :تبلغ موضوعات المترجم نحو الستين بعضها تام، وبعضها كالتام، والباقي غير تام، وهذه أسماء القسم الأول منها مرتبة- في الغالب- على تاريخ تأليفها.
1." الفتح القدسي، والمنح الأوسي، في شرح قافية ابن عمرو الأوسي"جمعة عام 1323، وتقدم انه التأليف البكر للمترجم.
2." نفائس لدرر، على باب الخصائص من المختصر" ألفه عام 1325 عند قراءته للمختصر على شيوخه، وجرى في تقرير كلام المتن على الوجه الحديثي مع إبداء ما على شارحيه من البحوث، وقد قرظ عليه بعض أصدقائه.
3. " حسن المرافقة، بتقرير باب المسابقة" ألفه زمن الطلب أيضا عام 1326 وسلك فيه مسلكه في سابقه.
4. "منح المنيحة، بشرح النصيحة" اسم شرحه الحافل على النصيحة الإسلامية العظيمة التي ألفها الإمام الغيور محمد بن جعفر الكتاني، ابتدأه في 15 محرم عام 1327، واتمة في صفر عام 1328 وتم تخريجه وتحريره عام 1330، يقع في مجلدات أربعة وكراريس 110 معتادة، وقد أطلع عليه كثيرا من أصدقائه وأشياخه الذين قرظه منهم أبو حامد البطاوري بقصيدة من أبيات 25مصدره بكلمة 15 محرم عام 1327، وأتمة في صفر عام 1328 وتم تخريجه وتحريره عام 1330، يقع في مجلدات أربعة وكراريس 110 معتادة، وقد أطلع عليه كثيرا من أصدقائه وأشياخه الذين قرظه منهم أبو حامد البطاوري بقصيدة من أبيات 25 مصدرة بكلمة.
5. "المرقاة في نظم الورقات" نظم فيها الورقات لإمام الحرمين عام 1335، وقد شرحها بعض أصدقائه، وقرظ عليها شيخه أبو حامد.
6." زبدة لامية الافعال" تلخيص لها بحدف الشواذ في أبيات 90نظمها عام 1338.
7." التخصيص، لاحاديث التلخيص" أملاه عند ختمه لتلخيص القزويني للمرة الثانية عام 1340.
8. "مقدمة الرعيل، لجحفل محمد بن اسماعيل" أي البخاري،ه وضعه في التحريض على السنة المطهرة واقتفائها.
9."مفتاح الصحيح" تناول فيه أسانيده إلى صحيح البخاري وتفصيل تراجم رجال سنده إليه المسلسل بالمغاربة والأندلسيين والفقهاء المالكية.
10 "الميزا الفسيح لبسملة الصحيح" حرر فيه تخرج حديث لأمر ذي البال المتعلق بالبسملة، وانفصل على ما للحفاظ ابن حجر وغيره من شدة ضعفه.
11. "إخبار البخاري" عقد فيه ترجمة للبخاري على وجه لطيف، و منزع طريف، لا على سنن المؤرخين وأرباب التراجم والمعاجم.
12 "رباعيات البخاري" وهو" الفوائد الإبداعية، من فرائد وصية البخاري الرباعية" تكلم فيه على وصية البخاري التي يقول فيها :"أعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعا مع أربع" إلى أخر الوصية التي نقلها القاضي عياض في فهرسته و القسطلاني والسيوطي والمقري في النفح.
وهذه الموضوعات الخمسة كلها أملاها المترجم تباعا عند افتتاحه للصحيح أولا عام 1341.
13."أريج الزهر، وتفريج البصر، بتخريج أحاديث المختصر" أملاهç عام 1343 عند ختمه للمختصر الخليلي بحضور بعض مشايخه، وخرج فيه الاحاديث الواردة بالمختصر الخليلي تصريحا أو تلويحا وعددها 23 حديثا وأثر واحد.
14."أهلة المسترشد، لادلة المرشد" يحتج فيه لمسائل " المرشد المعين "- في الفنون الثلاثة- بالكتاب والسنة .
15."زبدة المرشد" رجز ملخص له ثلثه مع حذف أدلة العقائد الكلامية على سنن السلف.
16.-"الإشراف، على أسباب الخلاف بين الايمة المجتهدين" ألفه بمناسبة ختمه لرجزية ابن عاصم" مرتقي الأصول" وأطال فيه النفس، ويسمى أيضا "ارتشاف السلاف، من أسباب الخلاف" أو "القول المنتقى، في ختم المرتقى"، وقد قرظه العلماء السادة: المهدي الوزاني، والمكي البطاوري، وأحمد البغيثي، وبوشعيب الدكالي، والرافعي، أبو العباس سكيرج، والزموري قاضي لبيضاء، ودنية المؤرخ.
17.نظم رسالة محمد بن جعفر الكتاني في كتب السنة، المسماة:"الرسالة المستظرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة".
18."دليل الجنة من الكتاب والسنة"
19. "لبانة الإسعاد لبانت سعاد"
20." ردع المنكر، لنجاسة المسكر"
21."النفور، من عواقب وغوائل السفور"
ومما لا يزال غير تام من مؤلفات المترجم :
22. "إقامة الدليل، لمختصر خليل" شح على المختصر الخليلي يستدل لصوره بالكتاب والسنة أو القواعد الأصلية ليعلم المنصوص من المستنبط، مع بيان المرجع خلافه والاحتجاج له، شرع في تأليفه عند تدريسه له أول مرة عام 1339، ووصل فيه باب الحج واكثرة لا يزال في المبيضة والذي خرج منه سبعة كراريس تبتدئ من الأول إلى قول المتن "كشكه في يوم عرفة هل هو العيد "آخر باب الوضوء، ولهذا الشرح اسم ثان وهو "منار السبيل، لمختصر خليل" فهذه اثنان وعشرون من موضوعات المترجم، وفوق هذا توج له رسائل عديدة في املاءاته على ختمات المتون العلمية الأخرى، كما أن له قصائد شعرية في موضوع النصح و الإرشاد لأبناء وطنه، وواحدة من هذه القصائد توجد بتمامها في مفتتح الجزء الثاني من "الاتحاف" ومطلعها:
بني قومي أفيقوا من منام
وجوا في المعالي باهتمام
وقد كانت هذه القصيدة كلها ضمن المحفوظات التي يستظهرها الفوج الأول من تلاميذ معهد مكناس عقب تأسيسه.
هذا ولا ادع الحديث عن هذه المؤلفات ون أن أشير إلى الروعة التي تتسم بها كثير من عناوينها التي جاءت من النوع المطرب المرقص.
كما أذكر أن لائحة هذه المؤلفات تفيد أن المترجم كان يساوق بكثير منها دروسه في إبان الطلب ثم في مرحلة التدريس، وإذا دل هذا على شيء فإنما يدل لى المثالية التي كان يلتقي بها دروسه في طور التعلم كما يدل على مدى الجهد الذي كان يبذله في إعداد دروسه
أيام التدريس مما يجعلها دروسا جامعية من الطراز الممتاز، وبهذا يكون كثير من مؤلفات المترجم تقدم حلقات متسلسلة من بعض دروسه العظيمة.
نباهته:انتدبه المولى يوسف للحضور في مجلس درسه الحديثي، ثم انتدبه بعد ذلك ابنه جلالة الملك محمد الخامس للحضور في مجلسه الحديثي ثم للتدريس في صحيح مسلم اعوام1357 وما بعدها، وأعطى دروسا للأمراء في المدرسة الملكية بالرباط، وترأس امتحانات جامعة القرويين مرارا.
أما المناصب الإدارية التي شغلها فقد عين عام 1348 عضوا بمجلس الاستيناف الشرعي الأعلى ثم ترقى إلى رتبة مستشار ثم صار نائبا لرئيس هذا المجلس ثم رئيسا له، ومن 19 شعبان عام 1371 أضاف له جلالة محمد الخامس قضاء القصر الملكي، ثم تخلى عن ذلك كله إبان الأزمة المغربية.
وفاته:توفي عصر يوم الاتنين 25 شوال عام 1378 الموافق 4 مايو سنة 1959 طيب الله ثراه وروح روحه في أعالي الجنان .
تعليق ختامي:يستخلص من عرض حياة المترجم: أنه أحد علماء المغرب الأفذاذ، بما له من المشاركة التامة في كثير من فروع المعارف الإسلامية، وبما له من التبرز في عدد من هذه الفنون، وبما له من التخصص الكامل في علوم الحديث، حسبما يستنتج هذا من العلوم التي درسها المترجم في طور التعلم، ومن نبوغه المبكر، ومن الفنون التي أقرأها في مرحلة التدريس، ومن الموضوعات التي كتبها.
وبقي بعد هذا أن نحاول استخلاص مكانة المترجم العلمية من خلال دروسه التي كانت ابرز عنصر في حياته الثقافية، وهذا ما يحدثنا به أحد الملازمين للأخذ عنه وهو الأستاذ الكبير الشيخ محمد المكي الناصري في الخطاب الذي ألقاه في تابين الفقيد بمناسبة ذكرى وفاته لأربعينية، والذي سجل فيه ارتساماته عن معارف المترجم ودروسه في القولة التالية:
".... فقد أحاط – رحمه الله – علما وفها بفروع عديدة من الثقافة الإسلامية الواسعة النطاق، وبرز فيها حتى أصبح العلم الفرد الذي يشار إليه بالبنان، وكان تبريزه بشكل خاص في علوم الشريعة وعلوم الحديث واللغة، والأدب والتاريخ، ولن يبالغ أحد من معاصريه أذا وصفه بأنه كان على رأس الحفاظ والمحدثين في العالم الإسلامي خلال هذا القرن، فقد أحيا بمجالسه العلمية، واملاءته الحديثة، سنة الحفاظ السابقين، وتقاليد الإملاء العريضة في عصور الإسلام الفكرية الزاهرة.
لقد امتاز شيخنا أبو عبد الله بوفرة الاطلاع وسعة الأفق. و المشاركة الدقيقة في عدد لا يحصى من فروع العلم والثقافة، وكان من شيوخنا القلائل الذين أخذوا من كل فن نصيب، وجمعوا بين القديم والحديث جمعا متناسبا لا تنافر فيه ولا اضطراب، وكانت روح الاعتدال والتوازن غالبة عليه لا تدع للتطرف والتعصب إليه سبيلا.
أما صناعة التدريس، فقد كان فيها الرائد والخريت الذي لا يضاهي بين الأقران، وكانت دروسه بمثابة محاضرات جامعية من الطراز الجامعي الممتاز، يسودها التسلسل والمنطق، وتطبعها السلاسة وحسن البيان، لا تشويش فيها ولا غموض، ولا خلط فيها ولا فضول، وكان يساعده على ذلك ذهن وقاد، وعقل متزن، وبديهة حاضرة، وذاكرة قوية، ولسان طلق بليغ، وفن خاص في حسن الاستطراد وحسن الاستشهاد.
وكان – رحمه الله – مثلا عاليا في ضبط النفس وقوة الأعصاب، يجلس الساعات الطوال- ولا سيما في "ختماته الشهيرة" – على حال واحدة، لا يتحرك ولا يهتز ولا يعبث بشيء من أعضائه أو أطرافه، ولا يغير الهيئة التي جلس عليها من بداية المجلس إلى نهايته، على غرار ما نقله التاريخ عن بعض كبار المحدثين الأولين، وكان – بالرغم من ذلك- لا تمل العين مرءاه، ولا يمل السمع صداه؟، فكان نبرسا لتلاميذ ته بعلمه وحاله وسمته رحمة الله عليه .
ولعل أستاذنا – رحمة الله – هو أول العلماء المغاربة المعاصرين الذي كان يلقح دروسه العامة بمعلومات قيمة عن النهضة الإسلامية القائمة في الشرق، وعن رجالاتها البارزين في ميدان الإصلاح والوطنية والسياسية والأدب، كلما وجد لذلك مناسبة، فقد كان من دأبه التنويه بهذه النهضة، وتعليق الآمال الكبيرة عليها في إنهاض المسلمين وتحرير ديارهم، ولفت أنظار طلابه إليها، وإحاطتهم علما بتطوراتها، مما أثار في نفوسهم النخوة الإسلامية، وأحيي في قلوبهم روح الاعتزاز بالعروبة والرق، وبعث فيهم روح الطموح والتحرر، وحب الإصلاح والتجديد، وجعل معركة التحرير القائمة في المشرق حاضرة أمام أذهانهم دائما.
لقد كان – رحمه الله_ على صلة وثيقة بعصره، وعارفا بالشخصيات، ملما_ على الخصوص_ بحياة المشرق الثقافية والأدبية والسياسية الماما بالغا لم يكن عند كثير من المشارقة أنفسهم، يعرف رجالات المشرق، ويعرف اتجاهاتهم في مختلف الميادين معرفة كافية، ويطلع على آثارهم أولا باول: لا يترك صحيفة ولا مجلة ولا كتابا ورد من الشرق إلا ويلم به الإلمام الشامل الكامل، ولا يبخل باراك تلاميذ ته في ذلك، بفضل الإشارات والتلميحات والاستطرادات التي كان يتحين لها الفرص مابين الدرس والأخر، الأمر الذي جعله_بحق _لا احد الرواد الأولين لقافلة الشباب الوطني، وللحركة الوطنية في هذه البلاد"..
وبعد :فرجائي الذي أختم بعه هذه العجالة، هو نشر موضوعات المترجم الصغار_ تباعا_ في هذه المجلة وأمثالها، مع التفكير في وسائل نشر المؤلفات الكبار، ولاسيما شرح النصيحة الجعفرية، والمخرج من شرح المختصر الحديثي، والله _ سبحانه_ ولي التوفيق.
- الفقيه محمد المنوني
دعوة الحق العدد 32
وقد كان – من بين ما قيدت عن الراحل الكريم خلال هذه المجالس – معلوميات عن ترجمته، ثم انضاف لها بعد حين معلومات جديدة نثرها المترجم، ثم انضاف لها بعد حين معلومات جديدة نثرها المترجم في الإجازة التي تكرم بها على كاتب السطور،وبعد هذا بقي الموضوع بحاجة إلى التتميم والتكميل، وذلك مأطلعني عليه ابن الفقيد وخلفه: الكريم ابن الكريم بن الكريم، علامة العصر سيدي عبد الكريم، وقد جاء من ذلك كله هذه الترجمة الصغيرة التي تتناول نبذة من حياة الفقيد العظيم، والتي أقدمها تذكارا لتلك المجالس العلمية العامرة، وأداء لبعض حقوق علمائنا الكبار، ومساهمة في إحياء ذاكراه الثانية بعد ما فاتني – لأعذار قاهرة –المشاركة في ذاكرة الأولى، وسأسير في هذه الترجمة حسب التصميم المصدرة به هذه المقدمة.
أولية المترجم:بنو الحسني علميون يرجعون للسيد الشريف المولى عبد السلام بن مشيش، ويعود تاريخ استيطانهم بالرباط إلى القرن الثالث عشر للهجرة، وقد ظهر فيهم بالعلم قبل المترجم:
1.والده الشيخ الغازي الذي تبرز في الحساب والتوقيت والتعديل، وتوفى بالإسكندرية مرجعه من الحج في صفر عام 1357، وقبره بها عند مشهد الشيخ إبراهيم السنوسي المغربي.
2. عم المترجم الشيخ محمد العلامة الواعظ الشهير المتوفى في جرب عام 1341.
مولده ومتعلمه الأولى:ولد بالرباط في ربيع الأول فجر يوم المولد النبوي عام 1307 الذي توفى فيه والده، ثم قرا القرءان الكريم و المتون العلمية بالرباط ومراكش التي سافر إليها عام 1312صحبة جده الوزير السيد الحاج عبد السلام التازي الربا طي المتوفى عام 1325هـ
وقد تلقى هذا المتعلم الأولى على (1) الأستاذ السيد علي السوسي الدمنتي المتوفي بالرباط عام 1323تقريبا.
مأخذه للعلوم: عاد للرباط عام 1318 فاخذ في قراءة العلوم الإسلامية والعربية على مشايخ بلده وهم:
2.القاضي الشيخ عب الرحمن بن بناصر بريطل الرباطي العلامة الكبير المتسع المشاركة الحافظ في كل فن متونا عديدة المتوفى في صفر عام 1363هـ
وهو أول أستاذة المترجم وعمدته الذي اخذ عنه أغلب العلوم المتداولة من النحو والصرف والبيان
والعروض إلى المنطق والأصول والتوحيد إلى الفقه والفرائض والحساب والتوقيت والتعديل، مع الموطأ والشمائل.
1. القاضي الشيخ الجيلاني بن أحمد بن إبراهيم الباطي العلامية الحافظ المفتي المتوفى عام 1336هـ.
قرأ عليه جل المختصر الخليلي من أوله إلى الإجازة مع بعض التحفة والزقاقية والخلاصة.
2. الأستاذ الشيخ احمد بن قاسم جسوس الرباطي العلامة الأديب الكبير المترسل المتوفى عام 1331هـ.
أخد عنه ما ينهاز النصف من المختص الخليلي وجل مختصر السعد على التلخيص وورقات أمام الحرمين و الجزرية في القراءات وهمزية البوصيري من قولها" ليته خصني برؤية وجه" إلى أخرها، والشمائل، والأربعين، والشفا وأوائل الموطأ، والرسالة.
قرأ عليه جل البردة، وبعض الهمزية البوصيرية من قولها "ومسير الصبا بنصرك شهرا..." مع أواخر الموطأ.
3. القاضي الشيخ احمد بن موسى الرباطي العلامة الدراكة الحافظ المتوفي 1328هـ.
أخد عنه بعض المختصر والخلاصة والجمل.
4. عم المترجم الشيخ محمد ابن الحسني العلامية الواعظ الشهير تقدم ذكر وفته قرأ عليه همزية البوصيري من قولها:" واتاها أن الغمامة والسرح..."، وجمع الجوامع لابن السبكي، والحكم العطائية، وادب الدنيا والدين للماوردي، وعيد النعم ومبيد النقم لابن السبكي، والتنوير لابن عطاء الله، وبعض الشفا.
5. الوزير الشيخ أبو شعيب بن عبد الرحمن الصديقي الدكالي الشيخ لأمام المحدث المفسر الحافظ الكبير المتوفيى عام 1356هت.
سمع منه الصحيح الجامع الذي يرويه عن الأشياخ الأربعة الشيخ سليم البشري والشيخ على الصالحي والشيخ الطمومي والشيخ أحمد الرفاعي محشى بحراق جميعهم عن الشيخ منة الله عن الأمير بأسانيده في فهرسته، كما سمع منه بقية الكتب الستة والموطأ بأسانيده المبسوطة في إجازته للمترجم.
بقية أسانيده في الصحيح الجامع:زيادة على الشيخ أبي شعيب فان المترجم قرأ الصحيح الجامع للبخاري بين رواية ودراية على أشياخه ابن موسى سماعا من لفظ الشيخ لجميع الصحيح عدة مرات بالمشهد السائحي، و جسوس سماعا من لفظه لأوائله وأواخره وإجازة لباقية بالمشهد المذكور، وعمه ابن الحسني سماعا من لفظة لأوائله وأواخره بالمسجد السائحي : ثلاثتهم عن الشيخ الشيوخ الإمام الشهير أبي المحاسن العربي بن محمد بن السائح الشرقي العمري الفاروقي المكناسي ثم الرباطي المتوفى عام 1309 عن الشيخ عبد القادر الكوهن الفاسي بأسانيده المذكورة في فهرسته . كما سمع كل الصحيح بقراءة الغير على شيخه أبي حامد البطاوري مرة وبعض مرات أخرى، عن الشيخ أبي الحسن الدمنتي بأسانيده في فهرسته المطبوعة.
إجازاته:إجازة من أشياخه المذكورين: البطاوري مرتين الأولى عامة والثانية خاصة بفهرسة أبي الحسن الدمنتي حسب اقتراح المستجي، وجسوس بتاريخ أواخر ربيع الثاني عام 1330هـ، والشيخ ابو شعيب بتاريخ 7رجب عام 1338.
كما إجازة العلامة الإمام المحدث المسند المهاجر الشيخ(9) محمد بن جعفر الكتاني المتوفى عام 1345 مرتين 1328-1344هـ وكاتبه مرارا من فاس والمدينة المنورة، ومن طريقه يسند حديث الرحمة المسلسل بالأولية : عن الشيخ حبيب الرحمان بن أمداد احمد الهندي الحسيني، عن الشيخ عبد الغني الدمشقي الميداني، عن محدث الشام عبد الرحمان الكزبري... وممن أجازه بالمغرب أيضا(10) العلامة النوازلي المفتي الكبير الشيخ المهدي العمراني الشهير بالوزاني الفاسي المتوفى عام 1342و(11) العلامة المشارك الحيسوبي الميقاتي الشيخ المهدي متجينوس الرباطي المتوفى عام 1344.
ومن المشرق إجازة عام 1352هـأربعة من اعلامه: (12) الشيخ عبد الباقي بن ملاعلى الأنصاري الأيوبي الهندي اللكنويو (13) الشيخ إبراهيم بن عبد القادر البري المدني و(14) الشيخ محمد بدر الدين بن يوسف المغربي الدمشقي مدرس دار الحديث بها و (15) الشيخ عمر بن أبي بكر باجنيد الراوي عن الشيخ أحمد بن زيني دحلان المكي.
نبوغ مبكر:أخد يبدو نبوغ المترجم المبكر من عام 1323هـ حين كان عمره لا يتجاوز 17 سنة، وبعد ست سنوات أو أقل من اشتغاله بالتعلم،ففي هذا لأبان إخراج أول مؤلف له: (الفتح القدسي، والمنح الأوسي، في شرح قافية ابن عمرو الأوسي) وهو اسم شرح كتبه إذ ذاك على قافيته ابن عمرو الأوسي الرباطي التي وضعها في المديح النبوي، وعارض بها قصيدة الشمقمقية.
وقد أثارت هذه الباكورة الأولى من المترجم موجة من الاستحسان والإعجاب في أوساط أشياخه الثلاثة: بريطل والبطاوي وجسوس، وذهب الإعجاب بالأخيرين منهم إلى حد أن كتب كل منهم تقريظا على حدة، للتنويه بهذا الموضوع البكر المبكر، وهذا ما أملاه علي المترجم من التقريظين: كتب أبو حامد البطاوري:
"لله ما أفادنا
عنوان هذا الدفتر
من همة سرية
دون علاها المشترى
أعيده من كل سو
بالبارئ المصور
إلى أن قال :
تبارك من أبدي غرائب صنعه
وابدي من الإحسان ما جل عن عد
وعنوان أشرق البداية موذن
بان نهاية العلي طالع السعد"
وكتب أبو العباس جسوس عقبة:
" الحمد لله على كماله، و الصلاة والسلام على يدنا محمد وءاله، قد عن لي أن أكون بعدا هذا السيد الحلاحل، القاضي الفاضل، مصليا، إذ كان – حرسه الله تعالى – مجليا، فأقول حامدا مصليا:
قد جئت على أصلك أيها الشاب الظريف، وأنسيت أيها المولى الشريف، و الاخضري وابن العفيف، وبرزت على الأقران، وصار دون ما ارتقيت إليه القمران.
امن لعبت به شمول
ما أحسن هذه الشمائل
ولم يزل الأدب معشوق شريف الطبع ورقيقه من كل مدني، فكيف لا تهواه وقد سماك قطب الزمان مولانا السائحي- قدس سره- سيدي محمد المدني
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب
ألا ومعناه أن فكرت في لقبه
والله يبقيك ويقيك ويرقيك ويزيد في معناك، و يسني سناءك وسناك، ثم قال:
حفظت يا نجل الكرام السبق
ودمت تبدي كل حسن موثق
لله ما صرت إليه طامحا
من أدب غض وعلم مغدق
أبنت عن فضل غزير وززنه
وهمة على الدراري ترتق
والمرء ينبى عن حجاه قوله
وقد نرى صنعا كثيرا الرونق
بقيت محروس الجناب طالعا
كوكب سعد بمحيا مشرق"
هذا وإذا كان التأليف المتحدث عنه يتناول – إلى جانب السيرة النبوية_ اللغة والأدب، فان المترجم قد شفعه في طور الطلب أيضا أعوام 25-26-1327 بموضوعات حديثيه ليبرهن على تمكنه من التأليف في هذا الإبان، وليلوح لما سيكون له من مستقبل في علم الحديث بعد علم اللغة والأدب وسترد أسماء هذه الموضوعات الحديثة أثناء تعداد مؤلفات المترجم.
انتصابه للتدريس:
ابتدأ من عام 1332، وكان كلما ختم كتابا افتتح ءاخر، ولم يزل مواظبا على التدريس إلى أواخر عمه حيث اعترته الأمراض التي حالت بينه وبين أعز شيء عليه في الحياة .
وقد قرأ تفسير القرءان الكريم، وصحيح البخاري، والشفا، والمختصر الخليلي، وجمع الجوامع وتلخيص القزويني، والورقات الإمام الحرمين، والمرشد ولامية الأفعال، وغير ذلك من الكتب المتداولة.
كما درس كتبا لم تجر العادة بقراءتها أو تدرس بقلة: فقد اقرأ قوانين بن جزي، وعمدة ابن دقيق العيد، والبيان والتبيين للجاحظ، وزاد المعاد لابن القيم، وتنقيح القرافي، ومرتقي الأصول لابن عاصم، وألفية السيرة للعراقي، والمعلقات، ومقصورة ابن دريد، وقصيدة بانت سعاد، وذخر المعاد للبوصيري، ونصيحة ابن جعفر الكتاني.
وكان غالب تدريسه ببلده الرباط، ودرس قليلا بغيره: فقد درس افتتاح صحيح البخاري بالمسجد الأعظم من طنجة عصر يوم 28 جمادى الآخرة عام 1354 وانشد هناك قوله على منوال الصحابي السيد بلال:
الاليت شعري هل ابيتن ليلة
بطنجة حيث ماؤها وجنان
وهل اردن ماء الحديد بمنهل
وهل يبدون منها مجاز ومرشان
كما اقرأ نفس الموضوع بجامع المواسين من مراكش الحمراء، ذات الموقف المشرفة البيضاء والحمراء على حد تعبير المترجم، وذل بين العشائين عام 1365، وأنشد هناك قول القائل:
بالله أن وطئت مراكشا قدمك
وجزت يوما على تلك البساتين
أن لا تقدم أمرا قد هممت به
حتى تحيي سكان المواسين
مؤلفاته :تبلغ موضوعات المترجم نحو الستين بعضها تام، وبعضها كالتام، والباقي غير تام، وهذه أسماء القسم الأول منها مرتبة- في الغالب- على تاريخ تأليفها.
1." الفتح القدسي، والمنح الأوسي، في شرح قافية ابن عمرو الأوسي"جمعة عام 1323، وتقدم انه التأليف البكر للمترجم.
2." نفائس لدرر، على باب الخصائص من المختصر" ألفه عام 1325 عند قراءته للمختصر على شيوخه، وجرى في تقرير كلام المتن على الوجه الحديثي مع إبداء ما على شارحيه من البحوث، وقد قرظ عليه بعض أصدقائه.
3. " حسن المرافقة، بتقرير باب المسابقة" ألفه زمن الطلب أيضا عام 1326 وسلك فيه مسلكه في سابقه.
4. "منح المنيحة، بشرح النصيحة" اسم شرحه الحافل على النصيحة الإسلامية العظيمة التي ألفها الإمام الغيور محمد بن جعفر الكتاني، ابتدأه في 15 محرم عام 1327، واتمة في صفر عام 1328 وتم تخريجه وتحريره عام 1330، يقع في مجلدات أربعة وكراريس 110 معتادة، وقد أطلع عليه كثيرا من أصدقائه وأشياخه الذين قرظه منهم أبو حامد البطاوري بقصيدة من أبيات 25مصدره بكلمة 15 محرم عام 1327، وأتمة في صفر عام 1328 وتم تخريجه وتحريره عام 1330، يقع في مجلدات أربعة وكراريس 110 معتادة، وقد أطلع عليه كثيرا من أصدقائه وأشياخه الذين قرظه منهم أبو حامد البطاوري بقصيدة من أبيات 25 مصدرة بكلمة.
5. "المرقاة في نظم الورقات" نظم فيها الورقات لإمام الحرمين عام 1335، وقد شرحها بعض أصدقائه، وقرظ عليها شيخه أبو حامد.
6." زبدة لامية الافعال" تلخيص لها بحدف الشواذ في أبيات 90نظمها عام 1338.
7." التخصيص، لاحاديث التلخيص" أملاه عند ختمه لتلخيص القزويني للمرة الثانية عام 1340.
8. "مقدمة الرعيل، لجحفل محمد بن اسماعيل" أي البخاري،ه وضعه في التحريض على السنة المطهرة واقتفائها.
9."مفتاح الصحيح" تناول فيه أسانيده إلى صحيح البخاري وتفصيل تراجم رجال سنده إليه المسلسل بالمغاربة والأندلسيين والفقهاء المالكية.
10 "الميزا الفسيح لبسملة الصحيح" حرر فيه تخرج حديث لأمر ذي البال المتعلق بالبسملة، وانفصل على ما للحفاظ ابن حجر وغيره من شدة ضعفه.
11. "إخبار البخاري" عقد فيه ترجمة للبخاري على وجه لطيف، و منزع طريف، لا على سنن المؤرخين وأرباب التراجم والمعاجم.
12 "رباعيات البخاري" وهو" الفوائد الإبداعية، من فرائد وصية البخاري الرباعية" تكلم فيه على وصية البخاري التي يقول فيها :"أعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعا مع أربع" إلى أخر الوصية التي نقلها القاضي عياض في فهرسته و القسطلاني والسيوطي والمقري في النفح.
وهذه الموضوعات الخمسة كلها أملاها المترجم تباعا عند افتتاحه للصحيح أولا عام 1341.
13."أريج الزهر، وتفريج البصر، بتخريج أحاديث المختصر" أملاهç عام 1343 عند ختمه للمختصر الخليلي بحضور بعض مشايخه، وخرج فيه الاحاديث الواردة بالمختصر الخليلي تصريحا أو تلويحا وعددها 23 حديثا وأثر واحد.
14."أهلة المسترشد، لادلة المرشد" يحتج فيه لمسائل " المرشد المعين "- في الفنون الثلاثة- بالكتاب والسنة .
15."زبدة المرشد" رجز ملخص له ثلثه مع حذف أدلة العقائد الكلامية على سنن السلف.
16.-"الإشراف، على أسباب الخلاف بين الايمة المجتهدين" ألفه بمناسبة ختمه لرجزية ابن عاصم" مرتقي الأصول" وأطال فيه النفس، ويسمى أيضا "ارتشاف السلاف، من أسباب الخلاف" أو "القول المنتقى، في ختم المرتقى"، وقد قرظه العلماء السادة: المهدي الوزاني، والمكي البطاوري، وأحمد البغيثي، وبوشعيب الدكالي، والرافعي، أبو العباس سكيرج، والزموري قاضي لبيضاء، ودنية المؤرخ.
17.نظم رسالة محمد بن جعفر الكتاني في كتب السنة، المسماة:"الرسالة المستظرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة".
18."دليل الجنة من الكتاب والسنة"
19. "لبانة الإسعاد لبانت سعاد"
20." ردع المنكر، لنجاسة المسكر"
21."النفور، من عواقب وغوائل السفور"
ومما لا يزال غير تام من مؤلفات المترجم :
22. "إقامة الدليل، لمختصر خليل" شح على المختصر الخليلي يستدل لصوره بالكتاب والسنة أو القواعد الأصلية ليعلم المنصوص من المستنبط، مع بيان المرجع خلافه والاحتجاج له، شرع في تأليفه عند تدريسه له أول مرة عام 1339، ووصل فيه باب الحج واكثرة لا يزال في المبيضة والذي خرج منه سبعة كراريس تبتدئ من الأول إلى قول المتن "كشكه في يوم عرفة هل هو العيد "آخر باب الوضوء، ولهذا الشرح اسم ثان وهو "منار السبيل، لمختصر خليل" فهذه اثنان وعشرون من موضوعات المترجم، وفوق هذا توج له رسائل عديدة في املاءاته على ختمات المتون العلمية الأخرى، كما أن له قصائد شعرية في موضوع النصح و الإرشاد لأبناء وطنه، وواحدة من هذه القصائد توجد بتمامها في مفتتح الجزء الثاني من "الاتحاف" ومطلعها:
بني قومي أفيقوا من منام
وجوا في المعالي باهتمام
وقد كانت هذه القصيدة كلها ضمن المحفوظات التي يستظهرها الفوج الأول من تلاميذ معهد مكناس عقب تأسيسه.
هذا ولا ادع الحديث عن هذه المؤلفات ون أن أشير إلى الروعة التي تتسم بها كثير من عناوينها التي جاءت من النوع المطرب المرقص.
كما أذكر أن لائحة هذه المؤلفات تفيد أن المترجم كان يساوق بكثير منها دروسه في إبان الطلب ثم في مرحلة التدريس، وإذا دل هذا على شيء فإنما يدل لى المثالية التي كان يلتقي بها دروسه في طور التعلم كما يدل على مدى الجهد الذي كان يبذله في إعداد دروسه
أيام التدريس مما يجعلها دروسا جامعية من الطراز الممتاز، وبهذا يكون كثير من مؤلفات المترجم تقدم حلقات متسلسلة من بعض دروسه العظيمة.
نباهته:انتدبه المولى يوسف للحضور في مجلس درسه الحديثي، ثم انتدبه بعد ذلك ابنه جلالة الملك محمد الخامس للحضور في مجلسه الحديثي ثم للتدريس في صحيح مسلم اعوام1357 وما بعدها، وأعطى دروسا للأمراء في المدرسة الملكية بالرباط، وترأس امتحانات جامعة القرويين مرارا.
أما المناصب الإدارية التي شغلها فقد عين عام 1348 عضوا بمجلس الاستيناف الشرعي الأعلى ثم ترقى إلى رتبة مستشار ثم صار نائبا لرئيس هذا المجلس ثم رئيسا له، ومن 19 شعبان عام 1371 أضاف له جلالة محمد الخامس قضاء القصر الملكي، ثم تخلى عن ذلك كله إبان الأزمة المغربية.
وفاته:توفي عصر يوم الاتنين 25 شوال عام 1378 الموافق 4 مايو سنة 1959 طيب الله ثراه وروح روحه في أعالي الجنان .
تعليق ختامي:يستخلص من عرض حياة المترجم: أنه أحد علماء المغرب الأفذاذ، بما له من المشاركة التامة في كثير من فروع المعارف الإسلامية، وبما له من التبرز في عدد من هذه الفنون، وبما له من التخصص الكامل في علوم الحديث، حسبما يستنتج هذا من العلوم التي درسها المترجم في طور التعلم، ومن نبوغه المبكر، ومن الفنون التي أقرأها في مرحلة التدريس، ومن الموضوعات التي كتبها.
وبقي بعد هذا أن نحاول استخلاص مكانة المترجم العلمية من خلال دروسه التي كانت ابرز عنصر في حياته الثقافية، وهذا ما يحدثنا به أحد الملازمين للأخذ عنه وهو الأستاذ الكبير الشيخ محمد المكي الناصري في الخطاب الذي ألقاه في تابين الفقيد بمناسبة ذكرى وفاته لأربعينية، والذي سجل فيه ارتساماته عن معارف المترجم ودروسه في القولة التالية:
".... فقد أحاط – رحمه الله – علما وفها بفروع عديدة من الثقافة الإسلامية الواسعة النطاق، وبرز فيها حتى أصبح العلم الفرد الذي يشار إليه بالبنان، وكان تبريزه بشكل خاص في علوم الشريعة وعلوم الحديث واللغة، والأدب والتاريخ، ولن يبالغ أحد من معاصريه أذا وصفه بأنه كان على رأس الحفاظ والمحدثين في العالم الإسلامي خلال هذا القرن، فقد أحيا بمجالسه العلمية، واملاءته الحديثة، سنة الحفاظ السابقين، وتقاليد الإملاء العريضة في عصور الإسلام الفكرية الزاهرة.
لقد امتاز شيخنا أبو عبد الله بوفرة الاطلاع وسعة الأفق. و المشاركة الدقيقة في عدد لا يحصى من فروع العلم والثقافة، وكان من شيوخنا القلائل الذين أخذوا من كل فن نصيب، وجمعوا بين القديم والحديث جمعا متناسبا لا تنافر فيه ولا اضطراب، وكانت روح الاعتدال والتوازن غالبة عليه لا تدع للتطرف والتعصب إليه سبيلا.
أما صناعة التدريس، فقد كان فيها الرائد والخريت الذي لا يضاهي بين الأقران، وكانت دروسه بمثابة محاضرات جامعية من الطراز الجامعي الممتاز، يسودها التسلسل والمنطق، وتطبعها السلاسة وحسن البيان، لا تشويش فيها ولا غموض، ولا خلط فيها ولا فضول، وكان يساعده على ذلك ذهن وقاد، وعقل متزن، وبديهة حاضرة، وذاكرة قوية، ولسان طلق بليغ، وفن خاص في حسن الاستطراد وحسن الاستشهاد.
وكان – رحمه الله – مثلا عاليا في ضبط النفس وقوة الأعصاب، يجلس الساعات الطوال- ولا سيما في "ختماته الشهيرة" – على حال واحدة، لا يتحرك ولا يهتز ولا يعبث بشيء من أعضائه أو أطرافه، ولا يغير الهيئة التي جلس عليها من بداية المجلس إلى نهايته، على غرار ما نقله التاريخ عن بعض كبار المحدثين الأولين، وكان – بالرغم من ذلك- لا تمل العين مرءاه، ولا يمل السمع صداه؟، فكان نبرسا لتلاميذ ته بعلمه وحاله وسمته رحمة الله عليه .
ولعل أستاذنا – رحمة الله – هو أول العلماء المغاربة المعاصرين الذي كان يلقح دروسه العامة بمعلومات قيمة عن النهضة الإسلامية القائمة في الشرق، وعن رجالاتها البارزين في ميدان الإصلاح والوطنية والسياسية والأدب، كلما وجد لذلك مناسبة، فقد كان من دأبه التنويه بهذه النهضة، وتعليق الآمال الكبيرة عليها في إنهاض المسلمين وتحرير ديارهم، ولفت أنظار طلابه إليها، وإحاطتهم علما بتطوراتها، مما أثار في نفوسهم النخوة الإسلامية، وأحيي في قلوبهم روح الاعتزاز بالعروبة والرق، وبعث فيهم روح الطموح والتحرر، وحب الإصلاح والتجديد، وجعل معركة التحرير القائمة في المشرق حاضرة أمام أذهانهم دائما.
لقد كان – رحمه الله_ على صلة وثيقة بعصره، وعارفا بالشخصيات، ملما_ على الخصوص_ بحياة المشرق الثقافية والأدبية والسياسية الماما بالغا لم يكن عند كثير من المشارقة أنفسهم، يعرف رجالات المشرق، ويعرف اتجاهاتهم في مختلف الميادين معرفة كافية، ويطلع على آثارهم أولا باول: لا يترك صحيفة ولا مجلة ولا كتابا ورد من الشرق إلا ويلم به الإلمام الشامل الكامل، ولا يبخل باراك تلاميذ ته في ذلك، بفضل الإشارات والتلميحات والاستطرادات التي كان يتحين لها الفرص مابين الدرس والأخر، الأمر الذي جعله_بحق _لا احد الرواد الأولين لقافلة الشباب الوطني، وللحركة الوطنية في هذه البلاد"..
وبعد :فرجائي الذي أختم بعه هذه العجالة، هو نشر موضوعات المترجم الصغار_ تباعا_ في هذه المجلة وأمثالها، مع التفكير في وسائل نشر المؤلفات الكبار، ولاسيما شرح النصيحة الجعفرية، والمخرج من شرح المختصر الحديثي، والله _ سبحانه_ ولي التوفيق.
- الفقيه محمد المنوني
دعوة الحق العدد 32