نقوس المهدي
كاتب
يحاول البحث أن ينظر في مقامات الزمخشري نظرة تحليلية من حيث الرؤية والتشكي ل تختلف عن تلك التي سادت حولها من قبل، وخلص بعد تلك النظرة إلى أن كتاب " مقامات الزمخشري " يحيل المتلقي -بعد قراءته- إلى إشكالية في التجنيس، ذلك أنه لم يحمل من مقومات فن المقامات أكثر من الاسم، وبعض الملامح الشكلية التي نقدر عدم كفايتها لمنحه هذا التجنيس، ومن هنا وجب علينا أن نخرج هذا الكتاب من الانتماء إلى فن المقامات الذي جاء به البديع ومن سار على خطاه.
وخلص البحث إلى أن كتاب " مقامات الزمخشري" يكاد يكون رسالة في أصل من أصول الاعتزال الخمسة- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر - صيغت على نسق من أنساق مقامات – مفردها مقام - الوعاظ و القصاص التي ذكر جملة منها ابن قتيبة في عيون الأخبار، أو ابن عبد ربه في العقد الفريد، أو أحاديث الزهاد و العباد لابن دريد، أو غيرها، إضافة إلى الإشارة إلى أصول الاعتزال الأخرى من مثل: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، وتعطيل الصفات، وغيرها.
استهلال
يتراءى للدارس أن مقامات الزمخشري تحمل خصوصية لا نقف عليها عند قراءة مقامات الهمذاني أو الحريري أو سواها، بل قد نرى أن الأمر يتخطى الخصوصية إلى الاختلاف، ولعل اللبس الحاصل للمتلقي يتأتى من العتبة النصية التي أسس بها الزمخشري منجزه حين أسماه " مقامات"، ونرجح أن هذا ما جعل القدماء يكتفون بذكر " مقامات الزمخشري" ذكرا عابرا في معرض حديث عام دون إفرادها بدرس مستقل أو شرح أو غيره، مما دفع الزمخشري ذاته إلى أن يضع مصنفا خاصا شرح فيه مقاماته، وحين ننظر في تعريف المقامات عند الزمخشري في معجمه أساس البلاغة نجده يقول: " وقام بين يدي الأمير بمقامة حسنة، وبمقامات: بخطبة أو عظة أو غيرها" [1]، ولا يحتاج هذا التعريف إلى طول تأمل لتلمس أثره في " مقامات الزمخشري" ، أما ابن الأثير فيقول في المثل السائر: ".. المقامات مدارها جميعها على حكاية تخرج إلى مخلص "[2]
ولعل هذا النظر مأخوذ من بنية مقامات الهمذاني و الحريري ، حتى لنجد من القدماء من يكشف كلامه عن وجود " مقامات" لا تنتسب للجنس الذي أبدعه الهمذاني والحريري كذلك الذي نجده عند ابن تغري بردي في معرض ذكره الحسن بن أبي الحسن صافي النحوي قائلا عنه: " ...صنف في فنون العلوم،و من ذلك المقامات التي هي من جنس مقامات الحريري"[3]
و لو لم يكن هناك جنس من "المقامات " يختلف عن جنس مقامات الحريري لما عمد إلى تمييزها هذا التمييز ، أما عند المحدثين فنجد الدكتور شوقي ضيف يقول: " إنه- الزمخشري- استعار منه – الحريري- الاسم ليطلقه على مجموعة من المواعظ"[4]، و هو ما ذهب إليه أيضا الدكتور عبد الملك مرتاض[5]، إلا أننا بعد تلقي هذا الكتاب بالصورة التي يستحقها نستطيع القول إننا نقف على كتاب يمثل ما يشبه أن يكون رسالة تحوي تضمينات لفكر مذهبي حاولها رجل اشتهر بتشدده للفكر المعتزلي[6] القائم على الأصول الخمسة المشتهرة عندهم – التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – على صورة فن أدبي أسماه " مقامات"، مثله في ذلك مثل من ينظم قصيدة يضمنها فكرا مذهبيا ، أو ينهج فيها نهجا تعليميا، ولعله يكون قصد حقيقة من لفظة " المقامات" ذلك المعنى الذي يشير إلى مقام الوعظ والإرشاد لا ذلك الدال على الفن الذي ظهر عند الهمذاني أو الحريري أو سواهما والتبس الأمر على من جاء بعده .
وهذا الرأي نحاول تجليته من مطلبين اثنين، أولهما: بيان نفي صفة المقامات عن الكتاب، وثانيهما: بيان المضامين المعتزلية التي احتواها الكتاب – تصريحا أو تلميحا –ونقدر الانتهاء إلى المطلب الأول من خلال استعراض موجز لمفهوم المقامات، وبيان أظهر مكوناتها الشكلية والمضمونية، وعرض ذلك على كتاب " مقامات الزمخشري" لتجلية مدى مطابقة ما نعرض لما يحويه الكتاب .
أما المطلب الثاني فنقدر تحققه من خلال استقراء تام لكتاب " مقامات الزمخشري " نتلمس فيه مظاهر الاعتزال التي زعمنا نسبتها إلى الكتاب، ونحاول الوقوف على كل ما نرى أنه يعضد هذا التوجه، معتمدين على ترتيب المقامات في الكتاب أولا، ثم القضايا التي تتصل بالاعتزال ثانيا .
المطلب الأول
إن البحث في الدلالة الاصطلاحية أو اللغوية لمفهوم المقامة يرتبط بصورة ما بالحديث عن الأصول التي يعتقد أن بديع الزمان الهمذاني تأثر بها قبل أن يستقر لديه هذا الفن " بيد أن الحديث عن أصول المقامات لا بد أن يأتي في إطار تبني مفهوم معين لفن المقامة يحدد خصائصها الاصطلاحية العامة بغية تتبع النصوص التي سبقت وصاحبت نشأة فن المقامة على يد بديع الزمان الهمذاني رائد فن المقامة " ([1]، ويُتلمس هذا المفهوم لغة و اصطلاحا بصورة موجزة - نأيا بالبحث عن التكرار - في ما يأتي:
ورد في لسان العرب: "والمقام والمقامة: المجلس، ومقامات الناس مجالسهم، قال العباس بن مرداس، أنشده ابن بريّ:
فأيِّيَ ما وأيّك كان شرا
فقيد إلى المقامة لا يراها
ويقال للجماعة يجتمعون في مجلس: مقامة، ومنه قول لبيد:
ومقامة غلب الرقاب كأنهم
جنّ لدى باب الحصير قيام
و الحصير: الملك ههنا، والجمع مقامات، أنشد ابن برّي لزهير :
و فيهم مقامات حسان وجوههم
و أندية ينتابها القول والفعل
ومقامات الناس: مجالسهم أيضا. والمقامة والمقام: الموضع الذي تقوم فيه. والمقامة: السادة."[2]
أما الدراسات الحديثة التي عرضت لفن المقامة فإن الدلالات الاصطلاحية التي وردت فيها لهذا الفن – على تباينها – بالكاد لامست المنجز الذي أبدعه الزمخشري في ما أسماه مقامات، فذهب شوقي ضيف إلى أن المقامة " أريد بها التعليم منذ أول الأمر ولعله من أجل ذلك سماها بديع الزمان مقامة، ولم يسمها قصة ولا حكاية، فهي ليست أكثر من حديث قصير، وكل ما في الأمر أن بديع الزمان حاول أن يجعله مشوقا فأجراه في شكل قصصي " ([3]، ومنه نرى أنها – مقامات الزمخشري – قد افتقرت لعنصر التشويق الذي ذكره شوقي ضيف، و افتقرت للنمط القصصي أيضا .
ونجد أن الدكتور زكي مبارك يخالف شوقي ضيف ويذهب إلى أن المقامات " هي القصص القصيرة التي يودعها الكاتب ما يشاء من فكرة أدبية أو فلسفية أو خطرة وجدانية، أو لمحة من لمحات الدعابة والمجون " ([1]، وهذا التجنيس – قصص قصيرة الذي نتحفظ على النقاش فيه – يُخرج هو الآخر مقامات الزمخشري من الدلالات الاصطلاحية لهذا الفن، يصف المصطلح الذي يورده الدكتور عبد الرحمن ياغي للمقامة جنسا أدبيا يختلف كليا – مع استثناء الأداء اللغوي - عن ذا الذي يمثُل في مقامات الزمخشري، فيقول عن المقامة:" إنها مغامرات بطل ميادين الحياة المتعددة، وهذه المغامرات يشتمل عليها إطار أشبه ما يكون بالإطار المسرحي الدرامي الذي يحتاج إلى تفوق في الأداء اللغوي"[2]، ويتوسع الدكتور فكتور الكك في شرح مفهوم المقامة قائلا: إنها " حديث قصير من شطحات الخيال أو دوامة الواقع اليومي في أسلوب مسجّع تدور حول بطل أفّاق، أديب شحّاد، يحدث عنه و ينشر طويّته راوية جوالة قد يلبس جبة البطل، وغرض المقامة البعيد هو إظهار الاقتدار على مذاهب الكلام وموارده و مصادره في عظة بليغة تقلقل الدراهم في أكياسها أو نكتة أدبية طريفة أو نادرة لغوية لطيفة، أو شاردة لفظية طفيفة "[3]، ويقول يوسف نور عوض في حديثه عن مقامات الهمذاني: " إن نظرة سريعة لمقاماته تظهر أنها قصة قصيرة بطلها نموذج إنساني مكدٍ متسول، لها راوٍ وبطل، تقوم على حدث طريف مغزاه مفارقة أدبية، أو مسألة دينية، أو مغامرة مضحكة تحمل في داخلها لونا من ألوان النقد أو الثورة، أو السخرية، وضعت في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية " ([4]، وجلّ هذا الذي أورده يوسف نور عوض و من سبق ذكرهم تفتقده " مقامات الزمخشري"، وحول تلك المفاهيم السابقة للمقامة راوح كثير من دارسيها، و" يتضح إذن أن هناك اختلافا بينا بخصوص تصنيف الأدب بين الدارسين والمنظرين مرجعه من جهة إلى غنى الظاهرة الأدبية وتشعبها، وسعي نماذجها الأصلية إلى كسر الأطر، وخرق المتعارف عليه باعتبارها ظاهرة إنسانية ككل الظواهر، ومن هذا المنطلق تستعصي على التحديد الجامع المانع...، ومن جهة أخرى اختلاف وجهات النظر بين الدارسين "[5]، ومما سبق بسطه نكاد نخرج بمجموعة من الصفات الفنية للمقامة تشكل قواسم مشتركة عند كثير منهم، وأسسا شبه راسخة في بناء المقامة، من أبرزها ما يأتي:
· البناء اللغوي القائم على الإكثار من المحسنات البديعية والزخرف اللفظي.
· شيوع الفكاهة والظرف وعنصر السخرية .
· بروز النزعة القصصية بما تحويه من عناصر وتقنيات .
· ارتباط المضمون العام لها بالكدية إلى جانب غاية تعليمية.
· تصوير كثير من مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونقدها في زمانها.
وعند محاولة البحث عن القواسم المشتركة السابقة أو غيرها في " مقامات الزمخشري " مستثنين البناء اللغوي – إلى حد ما - فإننا لا نكاد نجد على نحو مكتمل أيا منها، وفي الوقت ذاته نجد من يقف موقفا رافضا للفصل بين أيّ من القواسم المشتركة التي تجمع المقامة كذلك الرأي الذي يقول صاحبه: " إن المقامة ضرب من التصوير اللغوي تشكل فيه الكثافة البلاغية، والبنية الحكائية، وموضوع الكدية، والغاية التعليمية مكونات متكاملة فيما بينها، لا تقبل أن ينوب أحدها عن الآخر في المقاربة أو الشرح أو التأويل "[6]
و هذا ما دفع بعض الدارسين إلى التلميح أو التصريح أن مقامات الزمخشري لا تنتسب انتسابا حقيقيا أو تاما إلى فن المقامة بوصفه السابق، فذكر شوقي ضيف كما أشرنا أنها لا تحمل من المقامة سوى الاسم، وأنها تخلو من عناصر المقامة "[7]، لكنه لم يعطها تجنيسا محددا .
بينما نجد الدكتور عبد الملك مرتاض يحاول تفسير هذا التجنيس ، فيقول : "هي أشبه ما تكون بالأحاديث الهادئة، والرسائل المنمقة التي تعالج مجردات من الأمور..، خلت من الحوار الحيّ، وعدمت من الأبطال الذين يتحركون باستمرار ...، فهذه الخطة – أي خطة الزمخشري في كتابه – بقدر ما تبتعد عن الفن القصصي ، بقدر ما تقترب من فن الرسالة " ([8] ، فجعلها أقرب إلى فن الرسائل منها إلى المقامة، ويرى الدكتور يوسف نور عوض أن الموضوع الذي طرقه الزمخشري _ الوعظ و الإرشاد _ هو السبب الذي من أجله " لم ينسج على منوال المقامة البديعية، ولم يستخدم ديباجتها،...، لقد كانت المواعظ تأتي الزمخشري مباشرة وبطريقة تقريرية، وبذلك لم يكن هناك مجال لظهور بطل شبيه بأبي الفتح الإسكندري " ([9] .
وبعد أن تبين لنا خلو "مقامات الزمخشري" من عناصر القص التي شاعت في فن المقامات وأبرزها الشخصيات و الحوار والسرد والوصف وغيرها، يتبين لنا كذلك فقدها لمضمون المقامات العام – الكدية، وإن احتوت غاية تعليمية– واقتصارها على الوعظ والإرشاد الذي لا نراه كافيا لعدها من المقامات التي أصبحت فنا مستقلا استقلالا تاما عن أحاديث الوعظ والإرشاد التي شاعت قبلها، بل إننا كثيرا ما نجد الوعظ والإرشاد في الشعر أو النثر بصوره المتنوعة.
وكذلك الأمر في ما يتصل بعنصر السخرية الذي شاع بصورة عامة في جل المقامات فإنه هو الآخر قد غاب تماما عن " مقامات الزمخشري" ليحل مكانه الجدّ والحزم، والترغيب والترهيب وما إلى ذلك مما يتناسب مع مضمونها.
أما فيما يتصل بالبناء اللغوي الذي اشتهرت به المقامات فلا نرى أنه يكفي لإعطاء العمل الأدبي الذي يقوم على الإكثار من المحسنات البديعية و الزخرف اللفظي و فنون الصنعة اسم مقامة ، بل إن الذين ذهبوا إلى تأثر الهمذاني بأصول سابقة لم يصرحوا أو يلمحوا إلى أن البناء اللغوي وحده هو الذي تقوم به المقامة، ويعلق الدكتور أحمد الحوفي على "مقامات الزمخشري " بأنها " و إن خالفت مقامات الحريري في الموضوعات و الغاية، فإنها محاكاة لها في الأسلوب المسجع الحافل بالمحسنات "[1]، كما نجد زكي مبارك يعود بنشأة فن المقامة إلى ابن دريد ، و كذلك " ذهب عدد من الدارسين من بعد إلى فكرة الأصول مستلهمين ما نقله زكي مبارك عن الحصري من اقتفاء البديع أثر ابن دريد في أحاديثه، ولم يقف الباحثون عند ابن دريد فحسب، فأشاروا إلى آثار الجاحظ، والبيهقي، والأحنف العكبري، وأبي دلف الخزرجي، وأبي الفرج الأصبهاني، وعدد من قصص النساك والعباد والزهاد، والعيارين والشطار و اللصوص إلى غير ذلك من مصادر يرجح أن تكون أثرت في صورة المقامات الأساسية " ([2] ، و منه نتبين أن تلك الإشارات كانت تهدف في الأساس إلى الكشف عن أصول قد يكون البديع تأثر بها في مقاماته لا الإشارة إلى أن البناء اللغوي هو الذي يجيز تسمية تلك الآثار "مقامات"، وهو ما دفع الدكتور زكي مبارك إلى القول: " مع أن ابن دريد هو مبتكر لفن المقامات فإن عمل بديع الزمان في هذا الفن أقوى وأظهر، وطريقته في القص تختلف عن طريقة ابن دريد " ([3] .
وأيا ما كان موقفنا مما ذهب إليه زكي مبارك أو سواه فإن الذي يعنينا التباين القائم بين أحاديث ابن دريد ومقامات الهمذاني مع أن " القالب القصصي واحد من النقاط المشتركة كذلك بين الأحاديث و المقامات على اختلاف الدرجة والأحكام والاطراد، ولا شك أنه في كل منها توجد طرائق قصصية في التعبير أحيانا وطرائق أخرى مباشرة في الحكم أو الموعظة أو التعليم " ([4]
وبالاستدلال المنطقي يكون التباين حاصلا أيضا بين مقامات الهمذاني ومقامات الزمخشري، وأكثر الحديث عن الأصول ومقامات البديع كان يتمحور حول القص وما اتصل به واللغة جزء من ذلك لا أصل، " فلغة المقامة –في الأغلب الأعم – تحمل طاقة حركية درامية لا تقف عند حدود إظهار القدرة اللغوية أو البلاغية (الصنعة اللفظية أو المعنوية) وإنما تتعانق مع الحدث والشخصية توحّد بينهما وربما تقف " بطلا" دراميا إلى جوار بطل المقامة المكدي نفسه" ([5] .
و هذا الرأي ينسحب على جلّ تلك الأصول التي حاول الباحثون أن يردوا نشأة المقامة إلى التأثر بها، مع ضرورة الالتفات إلى أن الإغراق في الصنعة وفنونها، والمبالغة في التنميق كاد أن يكون في تلك العصور مظهرا عاما من مظاهر الأدب لم يقتصر على المقامات، بل ظهر في الشعر والرسائل والخطب والتوقيعات وغيرها من الفنون الكتابية .
المطلب الثاني
بعد الوقوف على حقيقة دلالة مفهوم " المقامات" وبيان افتراقه عن " مقامات الزمخشري"، يتبادر للذهن السؤال الآتي : إن لم يكن ما سطر الزمخشري مقامات فماذا يكون؟ لقد أشرنا فيما تقدم إلى أن الدكتور عبد الملك مرتاض رأى أنها " نوع من الرسائل المنمقة" ؟ لكننا إن كنا نوافقه في أنها ليست مقامات فإننا لا نسلم بصحة القول بأنها ضرب من الرسائل المنمقة ، و لن نقف كثيرا على أن الزمخشري كان يخاطب في " مقاماته" نفسه و يعظها و يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر، ولن نناقش مفهوم الرسائل أو أنواعها لنقف على التباين بينها و بين ما كتب الزمخشري ، و لا نسلم بصحة ما ذهب إليه أحد الباحثين الذي يقول: " تعددت المضامين في مقامات الزمخشري، ومع ذلك فقد برزت جميعها في صورة واحدة وهي صورة الوعظ و الحكمة "[1] بل نرى أن ما تحويه مقامات الزمخشري مضمون واحد ظهر في صور متعددة هي بعض الأصول المعتزلية .
وصفوة القول: إن الزمخشري المعتزلي المتشدد[2] كان في مقاماته متأثرا بأصول الاعتزال التي ملكت عليه منافذ حسه وعقله، فجاءت مقاماته بيانا توضيحيا للأصل الخامس من تلك الأصول – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وغيرها من الأصول والمبادئ التي يعتقدها ، ونجد أن هناك من فطن إلى ما يعضد رأينا بصورة غير مباشرة كتلك التي نراها عند الدكتور عبد الكريم المحمد في بحثه الموسوم ب " مقامات الزمخشري و فن السيرة الذاتية"، فعنوان البحث يشي بالمحاولة التي تصدى لها الباحث الذي لمح صورة الزمخشري في الكتاب فوقع في نفسه صلة ذاك بالسيرة الذاتية [3]، و نحن وإن كنا نتفق معه في هذا الملمح إلا أننا نرى الأمر أكثر تخصيصا من عموم الحديث عن شخصية الزمخشري و سيرته، ونقدر انتهاء الغاية في الكتاب إلى ما يتصل باعتقاده الذي هو جزء من سيرته وهو مضمون الكتاب ، و قد أشار بعض من سبق ذكرهم إلى أن المضمون العام لتلك المقامات هو الوعظ و الإرشاد دون التأمل في حقيقة هذا المضمون، ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا الأصل حاضر في كل مقامة من مقاماته الخمسين تقريبا، فنجده يقول في مقدمة الكتاب: " و أنا أقدمُ قبل الخوض في ذلك تنبيهك على أن لا تطالعَ هذه النصائح ملقيا فكرك إلى معانيها، محضرا ذهنك لأوامرها و نواهيها، حتى يكون اقتباسك منها في أخلاقك، رافعا لك أوفر من استفادتك لبلاغتها وبراعتها "[4] كاشفا لنا عن اهتمامه بما يتصل بالأمر والنهي نصحا و إرشادا، دون أن يحفل بالبلاغة والبراعة اللغوية. وجاء في خطبة الكتاب: " حتى تممها خمسين مقامة يعظُ فيها نفسه ينهاها أن تركن إلى ديدنها الأول... ، و يأمرها أن تلج في الاستقامة على الطريقة المثلى "[5] .
ونحاول في ما يأتي أن نتلمس بعض أصول المعتزلة الخمسة أو مبادئها في مقامات الزمخشري من خلال مجموعة من النماذج المناسبة، نبدؤها من المقامة الأولى التي نجد فيها ما يدل على أصل (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما في قوله: " فعليك بالخير إن أردت الرفول في مطارف العز الأقعس، وإياك والشرّ فإن صاحبة ملتف في أطمار الأذل الأتعس "[1]، ونلمس أصل (الوعد والوعيد) في قوله: " أقبل على نفسك فسمها النظر في العواقب، وبصرها عاقبة الحذر المراقب،و حاسبها قبل أن تحاسب وعاتبها قبل أن تعاتب "[2]، ونلمح ما يشير إلى أصل(التوحيد) في قوله: " وأخلص اليقين ، وخالص المتقين " [3] .
و لا يقف الأمر عند تلمس ما يشير إلى الأصول المعتزلية التي تأثر بها الزمخشري، بل إننا نجد مجموعة من الألفاظ والمفردات المرتبطة دلالتها بالتفكير الديني كتلك التي تزخر بها مقامة التقوى فنجده يقول: "...، ولا ركن أقوى من ركن التقوى، الطرق شتى فاختر منها منهجا يهديك، ولا تخط قدماك في مضلة ترديك، الجادة بينة، والمحجة نيرة، و الحجة متضحة، والشبهة مفتضحة، ووجه الدلالة وضاء، والحنيفية نقية بيضاء، والحق قد رفعت ستوره، وتبلج فسطع نوره ..." ([4] .
و تتوالى ظلال أصول الاعتزال و أصداؤه في مقامات الزمخشري وفي مقدمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونبصر منها (الوعد والوعيد ) في قوله: " أنت بين أمرين لذة ساعة بعدها قرع السن والسقوط في اليد، ومشقة ساعة يتلوها الرضوان وغبطة الأبد...، وأن تغذ كل هذا الإغذاذ إلى النار وغضب الرحمن "، ونرى (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما في قوله: " اكفف قليلا عن بعض شطارتك ، وانته عن بعض شرارتك،... ، ثم إياك أن تنزل على طاعة هواك في الاستنامة إلى الشيطان وخطراته ، و الركون إلى اتباع خطواته فإن من تسويلاته لك و تخييلاته إليك أن لات حين ارعواء " ([6] وقوله: " فالبدار البدار قبل إشخاصك عنها " ([7]. ونرى أثر علم الكلام والجدال العقلي في قوله: " أما يكفي تيقن المسرور بزوال ما هو فيه منغصا لسرورها، و زاجرا للعاقل أن يلوي على غرورها، بلى إن نزل اللبيب على قضية لبه. إن دعاه داعي الشهوة لم يلبه، وهيهات إن مدعو الهوى لمجيب وإن سهم دعوة الداعي لمصيب، اللهم عبدا بحبل الله يعتصم، ويتمسك بعروته التي لا تنفصم " ([8] .
ثم يتحدث في مسائل تدخل في صلب الاعتقاد كتلك التي نجدها في قوله : " فنار الله التي حسبك ما سمعت من فظاعة وصفها و هوله ، و كفاك فيها ما قاله الصادق المصدق في قوله و أفضع ذلك كله أن عذابها أبد سرمد ، ليس له منته و لا أمد ، هلاّ جعلتها ممثلة قدام ناظريك ، كأنك تشاهد عينها ، و كأن لا برزخ بينك و بينها ، و إن كنت كما تزعم بما نطق به الوحي مؤمنا ، وكما تدعي بصحته موقنا " ([1]، و نراه يفصل في توضيح أصول عقيدة الاعتزال في مسالة الذنوب و الحساب و العدل و الوعد و الوعيد على صورة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، يقول: " يا أبا القاسم : لا تقولن لشيء من سيئاتك حقير ، فلعله عند الله نخلة و عندك نقير ، و روّ في جلالة قدر الناهي و كبره ، ولا تنظر إلى دقة شأن المنهي عنه و صغره ، فإن الأشياء تتفاضل بتفاضل عناصرها ، و عن الأوامر والنواهي تجل و تدق بحسب مصادرها ، لا تسم الهنة من الخطيئة هنة، فإن ذمتك باجتنائها مرتهنة ،و تذكر حساب الله و موازينه المعدلة ، والنقاش في مثقال الذرة ،ووزن الخردلة "([2]
و نقدر أن المقامة السابقة تحتاج إلى وقفة متبصرة تكشف عن كل تلك الملامح الاعتقادية التي تختفي وراء ما ظاهره الوعظ و الإرشاد ، و حسبنا أن نشير إلى ما نلمح في هذا السياق.
و يناقش أصلا من أصول الاعتزال المهمة هو (التوحيد ) و ما ينبني عليه في مقامة اسماها الولاية ،يقول فيها : " ثم انظر في أي منزلة من الله يراك ، و بأي صفة يصفك من ذراك إن واليت من ليس لربك بولي ، أو صافيت من ليس للأولياء بصفي ، إن صح أنك عبد محب لربه فلا تشعر قلبك إلا محبةً مُحبة، من لم يوال الله و مواليه فلا تطرِ حراه ، ولا تنخ راحتك في ذراه ، و إياك أن تتناظر داراكما،...، واستحي من الله و قلبك قلبه ، و كلك فهو فاطره و ربه " ([3] .
و يتجلى بيان معتقد المعتزلة في قضايا التوحيد في مقامة خاصة حملت اسم الأصل الأول من أصول المعتزلة (التوحيد) ندرك بعد النظر المتكامل فيها مناقشة الزمخشري لمسألة وحدانية الخالق ، وقدرته الكونية و دلائل ربوبيته و ألوهيته ، و يعرج إلى الحديث عن توحيد الصفات و على وجه التحديد صفة الأولية و القِدم ، و في ظل موقف المعتزلة من الصفات و تعطيلها ، و هذه جلها من المسائل الاعتقادية التي دار حولها خلاف كبير بين أصحاب المذاهب و الملل و كان للمعتزلة فيها آراء مخصوصة يضيق المقام عن بسطها ، يقول الزمخشري في مقامة التوحيد :
" يا أبا القاسم ، أفلاك مسخرة ، و كواكب مسيرة ، تطلع حينا و حينا تغرب ، و ينأى بعضها عن بعض و يقرب ،و قمر في منازله يعوم ، وشمس في دورانها تدوم فما تقوم ، وسحاب تنشئها القبول ، ... ، ما هذه إلا دلائل على أن وراءها حكيما قديرا عليما خبيرا ، تنصرف هذه الأشياء على قضائه و مشيئته ، و يتمشى أمرها على حسب إمضائه و تمشيته، و هي منقادة مذعنة لتقديره و تكوينه ، كائنة أنواعا و ألوانا بتنويعه و تلوينه ، قد استأثر هو بالأولوية و القِدم ، و هذه كلها محدثات عن عدم ، فليملأ اليقين صدرك بلا مخالجة ريب، و لا تزلّ عن الإيمان بالغيب و عالم الغيب ، و لا يستهوينك الشيطان عن الاستدلال بخلقه فهو الحجة ، و لا يستغوينك عن سبيل معرفته فإنه محجة " ([4] . و لعله لم يعد خافيا ملامح الغرض التعليمي الذي يمكن أن نستنبطه من هذه المقامة .
و يتجلى بيان أصل ( الوعد و الوعيد ) في مقامة التصبر التي جاء فيها : " فلا تفتر أن تعرض عليها ما وعد الله الأتقياء ، و ما أوعد به الأشقياء ، و أن تكرر على مسامعها السور التي تروع و تردع ، و الآيات التي تقرع و تقدع ، و أن تقذف عليها كل عبء من العبادة باهظ ، و ترميها بما يحك في قلبها و يحيك من المواعظ " ([1] ، و لعله لو ذكر لنا آيات الوعد و الوعيد و سوره لتبينّا أنها الآيات والسور ذاتها التي احتجت بها المعتزلة في مسألة الوعد و الوعيد .و يتجلى ذلك الأصل في قوله : " و أدار فعلها و تركها بين الثواب و العقاب ، و الثواب ما لا ثواب و أبهى منه و أسر ، و العقاب ما لا عقاب أدهى منه وأمر " ([2] .
ونلمح معتقدا آخر من معتقدات الاعتزال ذلك الذي يرى مرتكب الكبيرة خالدا مخلدا في النار لا يغفر الله ذنبه و يظهر في قوله : " ذقتَ طعم الإتراف فاستطبته ، و دعاك داعي الإسراف فاستجبته ، هذه براهين السامدين اللاهين ، والله الصمد لا يقبل هذه البراهين وهذه علل المبطلين و معاذرهم ، و بمثلها لا تؤمن أفزاعهم و محاذرهم " ([3]، وهنا نلحظ ما يمكن أن يكون التأله على الله ، و الجزم بعدم قبوله أعذار المسلم المخطئ ، و هذا أيضا حديث طويل و بسطه مما لا يتسع له المقام .
أما مسألة خلق القرآن فقد كانت من المسائل التي أكثرت المعتزلة من الخوض فيها و الدعوة إليها و خبرها مشهور ، و الزمخشري أحد رموز الاعتزال الذين تعصبوا لمسألة خلق القرآن كما ذكرنا في الخبر الذي أوردناه من ابن خلكان في الحاشية المتقدمة أعلاه .
و هذا ما جعل الزمخشري يفرد للقرآن الكريم في مقاماته مقامة أسماها " مقامة الفرقان " تحدث فيها عن القرآن الكريم و بلاغته ، ووعده و وعيده ، و بعض أخباره،وقصصه، وعرّض لآداب تلاوته و سننها، و نتلمس أثر الاعتزال في هذه المقامة من خلال عدم تصريح الزمخشري بالإعجاز البلاغي للقرآن و إن لم ينف وقوع البلاغة فيه بل اكتفي بتعداد و جوهها و صورها ،و بيان أهمية تعلم تجويد القرآن و إتقان مخارج الحروف و اجتناب اللحن ، و لم يذكر إطلاقا أن القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله وحيا على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، و نجده يختتم هذه المقامة بقوله :" و احفظ فيه حق من إليه انتماؤه ،و إلى اسمه إضافته تباركت أسماؤه " ([4] و الإضافة التي يعنيها هنا هي إضافة خلق ، وكذلك انتماء القرآن إلى الله تلميح إلى أن القرآن مخلوق من مخلوقات الله التي تنتمي إلى قدرته كسائر مخلوقاته .
و لم يفت الزمخشري أن يشير إلى العقل و اتخاذه أداة للتعبد و الحكم على الأمور من وجهة نظر المعتزلة التي اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية متأثرة ببعض الفلسفات ، و هو أمر يتعارض مع إجماع السنة عموما التي اتفق علماؤها أن العقل وحده لا يكفي لتحقيق العبادة و التعرف إلى الخالق ، بل إن هناك أمورا أخرى إلى جانب العقل تقع خارج حدود إدراك العقل البشري المحدود لا بد منها للهداية كالوحي الإلهي الذي لا يخضع لمقاييس العقل مثلا ،لكننا نجد الزمخشري يجعل من العقل وحده دليلا للرشد والغي، يقول:" يا أبا القاسم ، إن الذي خلقك فسواك ركب فيك عقلك و هواك و هما في سبل الخير و الشر دليلاك ، و في مراحل الرشد و الغي نزيلاك " ([1] إلى أن يقول عن العقل : " بصير عالم يسلك بك في البردين المحجة البيضاء، و يرِد بك رزق المناهل، ... ، تعلم أنه ليس من العدل أن تستحب الهوى على العقل ، إن جانب العقل أبيض كطرّة الفلق ، وجهة الهوى سوداء كجدة الغسق ، إن اتجه لك أمر فعرضته على نفسك فانظر أيهما إليه المائل و له القابل ، فإن كان العقل فأحرِبِهِ أن تلتزمه التزام الصب وتعتلقه " ([2]
و تحليل المقامة بصورة متكاملة يكشف لنا عن الفكر الذي يكمن بين سطورها والدعوة المنمقة القائمة على الجدل لتقديم العقل واتّباعه في الحكم والتقدير ، ونجده في موضع آخر يمجد العقل تمجيدا كبيرا فيقول : " سبحان الله ..أي جوهرة كريمة أوليت وبأي لؤلؤة يتيمة حليت ، و هي عقلك ليعقلك ، و حجرك ليحجرك ، ونهيتك لتنهاك " ([3] ، و هذا التصريح و إشارات التلميح أوسع .
و من المعتقدات المعتزلية الأخرى التي نلمحها في مقامات الزمخشري القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل ، فهو يخلق أفعاله بنفسه ، ولذلك كان التكليف،في تقارب مع القدرية، و من أبرز من كان يقول بذلك غيلان الدمشقي و خبره مشهور أورده الذهبي في ميزان الاعتدال و قال عنه :" (ضال مسكين) ناظره الأوزاعي، وأفتى بقتله، فقتل بعد (105)هـ زمن هشام بن عبد الملك " ([4] .
و في كثير من المقامات يصرح الزمخشري أو يلمح إلى أن الإنسان هو الذي يختار مصيره و يحدد طريقه ، و هو المسؤول عن تحديد مصيره أفي الجنة أم في النار ، وظاهر الأمر أنه وعظ و إرشاد في صورة أمر بالمعروف و نهي عن المنكر ، كما في قوله: " الطرق شتى فاختر منها منهجا يهديك " ([1] والذي يهدي هو الله ، و المنهج الحق الذي يسير فيه الإنسان وسيلة يقدرها الله في علم الغيب عنده و مصير قدّره قبل أن يخلق الخلق مثبت في اللوح المحفوظ ، و الظاهر في جل المقامات أن الإنسان يعرف الحق و الباطل ، والخير و الشر ، وطريق الجنة وطريق النار و هو الذي يختار .
و نلمح كذلك مظهرا من مظاهر الفكر الاعتزالي يتمثل في تعطيل الصفات الإلهية، فالدارس للمقامات لا يكاد يقف على شيء من الصفات التي يثبتها أهل السنة و غيرهم مِمَن خالف المعتزلة في التعطيل ، فلم يثبتوا لله سمعا أو بصرا أو مكانا أو عرضا أو جوهرا أو غيرها ، بل ذهبوا إلى استحالة رؤيته جل و علا في الدنيا و في الآخرة ، وعندهم أن الصفات ليست شيئاً غير الذات ، لذا نلمح كثيرا الإشارة إلى الذات الإلهية بوصفها الصفة الوحيدة المثبتة عندهم و المتصلة بالقدم و الأزلية ، ومنه قوله في مقامة التهجد:" فليكن عملك نقيا ناصعا ، و جيبك في ذات الله تعالى ناصحا " ([2] ، و قوله : " لله عباد رهنوا بحق الله ذممهم، ...، شدّةُ مراسهم في ذات الله تقضب الأمراس " ([3]، و هذا أمر تفصيله يطول ، والجدال فيه مبسوط في مواضعه المناسبة ، و يعدّ من مسائل التوحيد التي تدين بها المعتزلة.
سيميائية العنوان
تبوأ العنوان في الدراسات الحديثة مكانة مهمة، ونرى أن هذا التراث العظيم مازال مادة صالحة لأنواع الدراسات كافة حتى تلك الحديثة منها، وعليه يمكن أن ندرس دلالات العناوين للكشف عن العلاقات التي تربطها بالمضامين التي تعالجها الموضوعات المدروسة، وفي هذا السياق نقف وقفة عجلى عند العتبات النصية التي أسس بها الزمخشري للولوج في مقاماته في محاولة لتبين القيمة التي تحملها، والإضافة التي تقدمها.
فقد ارتبطت عناوين مقامات الزمخشري ارتباطا وثيقا بالمضامين التي عرضت لها باستثناء المقامات الخمس الأخيرة (مقامة النحو، ومقامة العروض، ومقامة القوافي، ومقامة الديوان، ومقامة أيام العرب ) وإن كان عرضُ مضمونها الذي يتفق مع عناوينها إلى حدٍ كبير قد تم بأسلوب الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي غلب على مقامات الزمخشري على الرغم من التكلف الظاهر فيها.
و المتأمل في عناوين المقامات يجد أن الغالبية العظمى منها قد ارتبطت دلالاتها بالأصل الخامس من أصول الاعتزال – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – فنجد منها على سبيل المثال ما اسماه: (مقامة المراشد، ومقامة الزاد، ومقامة الزهد، ومقامة الاعتبار، ومقامة العبادة، ومقامة اجتناب الظلمة، ومقامة التهجد، ومقامة التصدق، ومقامة النصح، ومقامة النهي عن الهوى، ومقامة الصدق، وغيرها ) .
و كذلك نجد منها ما ارتبط بالأصل الأول من أصول الاعتزال – التوحيد – عنوانا و مضمونا كما في: (مقامة التقوى، ومقامة التسليم، ومقامة الولاية، ومقامة التوحيد، ومقامة الإخلاص، ومقامة المراقبة، وغيرها ) .
ومن عناوينها ما ارتبط بأصل آخر هو الوعد والوعيد كما في: (مقامة الرضوان، ومقامة الارعواء، ومقامة الإنابة، ومقامة الحذر، ومقامة الندم، ومقامة الخشية، وغيرها ). ومنها ما دل على أصل آخر هو العدل كمقامة الطيب، ومقامة التوقي، وغيرها .
وتجعلنا سيميائية العنوان في " مقامات الزمخشري" نستدعي إلى الذهن دلالات مصطلح " المقامات" المرتبط بالمقامات والأحوال عند المتصوفة، وتفتح لدى المتلقي أفقا آخر يتمثل في استحضار التقارب ونقاط التوافق التي تمثُل في التصوف والاعتزال ذلك أن من المقامات عند المتصوفة: الانتباه، ثم التوبة، ثم الورع، ثم محاسبة النفس، ثم الإرادة، ثم الزهد، ثم الفقر، ثم الصدق، ثم الصبر، ثم الرضا، ثم الإخلاص ثم التوكل.
أما الأحوال فمن ذلك المراقبة، ثم القرب، ثم الرجا، ثم الخوف، ثم الحياء و هو حصر القلب عن الانبساط، ثم الشوق، ثم الأنس، ثم الطمأنينة، ثم اليقين، ثم المشاهدة وهي آخر الأحوال، وعند استعراض عناوين المقامات عند الزمخشري نجد تطابقا كبيرا بينها وبين مقامات المتصوفة و أحوالهم كما في مقامة الزهد، ومقامة الصدق، ومقامة الإخلاص، ومقامة المراقبة، وغيرها، بل إننا لا نبالغ إن قلنا إن جل مقامات وأحوال المتصوفة حاضرة في مضمون مقامات الزمخشري .
الخلاصة
نخلص مما سبق إلى أن الزمخشري كان في مقاماته بعيدا كل البعد عن تمثل فن المقامة بمفهومه المتواضع عليه ، و نرى أنه كان قريبا من مفهوم "المقامات" بدلالته المرتبطة بمقامات الزهاد و العباد و الوعاظ و القصاص – التي مفردها مقام – كتلك التي أوردها ابن قتيبة في عيون الأخبار ، جاعلا من ذاته واعظا لها ، ونقدر أن دراسة مقارنة بين تلك المقامات ومقامات الزمخشري ستظهر لنا تأثرا كبيرا و تقاربا واسعا من حيث الشكلُ و المضمون .
و نرى أن مضمون مقامات الزمخشري قد تأثر بمذهبه الاعتزالي تأثرا واضحا يصلح معه أن نقول إنها خطاب مذهبي صيغ على نسق مخصوص تأتت إشكالية تلقيه الكبرى من عتبته النصية التي جعلته ينفتح على إشكالات تجنيسية عدة ، يحتاج تخطيها إلى تجاوز أفق التوقع الذي يؤسس له العنوان عند المتلقي .
المصادر
- الزمخشري،أبو القاسم.( ت 583 ﻫ ).أساس البلاغة ، ط1، مادة (ق و م )، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت ،1996،ص 378.
- ابن الأثير ،ضياء الدين (ت 637 ﻫ ) . المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر ، تحقيق:كامل محمد عويضة ، ط 1، ج 1، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1998 ، ص 22 .
- ابن تغري بردي ، أبو المحاسن.(ت784 ﻫ).النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة ،علق عليه:محمد حسين شمس الدين،
ط1، ج 6 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1992 ، ص 62 .
- ضيف ، شوقي.(1980). المقامة ، ط 5، دار المعارف ، مصر ، ص 77 .
- مرتاض ، عبد الملك .(1982).فن المقامات في الأدب العربي ، الشركة الوطنية ، الجزائر .
- لا بد بدءا من الاطلاع على مجموعة من المصادر والمراجع التي تبين أبرز ملامح الفكر الاعتزالي و نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
· القاضي عبد الجبار ، بن أحمد .(ت 415 ﻫ ).
الأصول الخمسة ، تحقيق : فيصل بدير عون ، منشورات جامعة الكويت، الكويت ، 1998 .
· القاضي عبد الجبار، بن أحمد.(ت 415 ﻫ ). شرح الأصول الخمسة ، تحقيق:عبد الكريم عثمان ، مكتبة وهبة، مصر، 1965 .
· البغدادي ، عبد القادر. (ت 429 ﻫ ). الفرق بين الفرق ، تحقيق : محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا ، القاهرة ، 1988 .
· الشهرستاني،أبو الفتح. (ت 548 ﻫ ). الملل و النحل ، ط2 ، منشورات دار الفكر العربي ،القاهرة ، 2002
- السعافين، إبراهيم.(1987).أصول المقامات ، ط1، دار المناهل للطباعة و النشر ، بيروت ، ص 13 .
- ابن منظور،محمد بن مكرم .(ت 711 )، لسان العرب ،ج 12،مادة "قوم"،دار الفكر ، دار صادر،(د.ت) ،ص 506-507.
- ضيف ، المقامة ، مصدر سابق ، ص 9-10
- مبارك ، زكي ( 1975) . النثر الفني في القرن الرابع ، ج1 ، دار الجيل ، بيروت ، ص 242 .
- ياغي ، عبد الرحمن. ( 1969) . رأي في المقامات ، ط1، منشورات المكتب التجاري ، بيروت ، ص 57
- الكك ، فكتور . (1971) .بديعات الزمان ، ط2 ، دار المشرق ، بيروت ، ص 48 .
- عوض، يوسف نور.(1979) ، فن المقامة بين المشرق و المغرب ، ط1 ،دار القلم ، بيروت ، ص 8 .
- عبدا لله،فتحية.عالم الفكر،إشكالية تصنيف الأجناس الأدبية في النقد الأدبي،العدد1،المجلد33،يوليو2004،الكويت،ص175.
- أنقار ، محمد . مجلة فصول ، تجنيس المقامة، مجلد 13 ، عدد 3 ، خريف 1994، ص 12 .
- المقامة ، مرجع سابق ، ص 77 .
- مرتاض ، فن المقامة في الأدب العربي ، مصدر سابق ، ص 248 -249 .
- يوسف نور ، فن المقامة بين المشرق و المغرب ، ص 176
- الحوفي ، أحمد .(1966) ، الزمخشري ، ط1 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ص 277 .
- السعافين ، أصول المقامات ، ص 13.
- مبارك. النثر الفني في القرن الرابع مصدر سابق ، ص 242 .
- درويش، أحمد، مجلة فصول، البناء الفني لأحاديث ابن دريد و أصداؤه في مقامات بديع الزمان ، مج 13 ،عدد 3،خريف 1994 ، ص 26 .
- أصول المقامات ، مرجع سابق ، ص 21
- وي ، باي هونغ .(1997)، مقامات الزمخشري :دراسة تحليلية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، الجامعة الأردنية ،عمان
- ذكر ابن خلكان: " كان الزمخشري المذكور معتزلي الاعتقاد متظاهراً به، حتى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحباً له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب. وأول ما صنف كتاب " الكشاف " كتب استفتاح الخطبة " الحمد لله الذي خلق القرآن " فيقال إنه قيل له: متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه، فغيره بقوله " الحمد لله الذي جعل القرآن " وجعل عندهم بمعنى خلق، والبحث في ذلك يطول "
انظر : ابن خلكان ، شمس الدين.(ت 681 ﻫ). وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، تح: إحسان عباس ،دار صادر بيروت ، ج 5 ، ص 170 ، 1972 .
- انظر: المحمد: عبد الكريم ، مجلة الثقافة الإسلامية ، مقامات الزمخشري وفن السيرة الذاتية ، مجلد 44 ، 1992 ،دمشق .
- الزمخشري، أبو القاسم .(ت 583) . مقامات الزمخشري، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1982، ص 7 .
- مقامات الزمخشري، خطبة الكتاب ، ص 14 .
- المصدر نفسه، مقامة المراشد ، ص 17-18.
- المصدر نفسه ، مقامة المراشد ، ص 18-19 .
- المصدر نفسه ، مقامة المراشد ، ص 19 .
- مقامات الزمخشري، مقامة التقوى ، ص 21-22 .
- المصدر نفسه ، مقامة الرضوان ، ص 23
- المصدر نفسه ، مقامة الارعواء ، ص 26-27 .
- المصدر نفسه ، مقامة الزاد ، ص 31
- المصدر نفسه ، مقامة الزهد ، ص 35
- مقامات الزمخشري، مقامة الحذر ، ص 44 .
- المصدر نفسه ، مقامة التوقي ، ص 78-79 .
- المصدر نفسه ، مقامة الولاية ، ص 112-113
- مقامات الزمخشري، مقامة التوحيد ، ص 128-130 .
- المصدر نفسه ، مقامة التصبر ، ص 139 .
- المصدر نفسه ، مقامة الخشية ، ص 144 .
- مقامات الزمخشري، مقامة الدعاء ، ص 158 .
- المصدر نفسه ، مقامة الفرقان ، ص 193
- مقامات الزمخشري، مقامة النهي عن الهوى ، ص 194 .
- المصدر نفسه ، مقامة النهي عن الهوى ، ص 195 .
- المصدر نفسه ، مقامة الرضوان ، ص 25 .
- الذهبي ، شمس الدين ،(748 هـ ) .ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، تصحيح : محمد بدر الدين النعساني، ج 3 ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1907 ، ص 338
- مقامات الزمخشري، مقامة التقوى ، ص 21 .
- المصدر نفسه ، مقامة التهجد ، ص 152 .
- المصدر نفسه ، مقامة الأسوة ، ص 171 .
عالم الفكر / الكويت
وخلص البحث إلى أن كتاب " مقامات الزمخشري" يكاد يكون رسالة في أصل من أصول الاعتزال الخمسة- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر - صيغت على نسق من أنساق مقامات – مفردها مقام - الوعاظ و القصاص التي ذكر جملة منها ابن قتيبة في عيون الأخبار، أو ابن عبد ربه في العقد الفريد، أو أحاديث الزهاد و العباد لابن دريد، أو غيرها، إضافة إلى الإشارة إلى أصول الاعتزال الأخرى من مثل: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، وتعطيل الصفات، وغيرها.
استهلال
يتراءى للدارس أن مقامات الزمخشري تحمل خصوصية لا نقف عليها عند قراءة مقامات الهمذاني أو الحريري أو سواها، بل قد نرى أن الأمر يتخطى الخصوصية إلى الاختلاف، ولعل اللبس الحاصل للمتلقي يتأتى من العتبة النصية التي أسس بها الزمخشري منجزه حين أسماه " مقامات"، ونرجح أن هذا ما جعل القدماء يكتفون بذكر " مقامات الزمخشري" ذكرا عابرا في معرض حديث عام دون إفرادها بدرس مستقل أو شرح أو غيره، مما دفع الزمخشري ذاته إلى أن يضع مصنفا خاصا شرح فيه مقاماته، وحين ننظر في تعريف المقامات عند الزمخشري في معجمه أساس البلاغة نجده يقول: " وقام بين يدي الأمير بمقامة حسنة، وبمقامات: بخطبة أو عظة أو غيرها" [1]، ولا يحتاج هذا التعريف إلى طول تأمل لتلمس أثره في " مقامات الزمخشري" ، أما ابن الأثير فيقول في المثل السائر: ".. المقامات مدارها جميعها على حكاية تخرج إلى مخلص "[2]
ولعل هذا النظر مأخوذ من بنية مقامات الهمذاني و الحريري ، حتى لنجد من القدماء من يكشف كلامه عن وجود " مقامات" لا تنتسب للجنس الذي أبدعه الهمذاني والحريري كذلك الذي نجده عند ابن تغري بردي في معرض ذكره الحسن بن أبي الحسن صافي النحوي قائلا عنه: " ...صنف في فنون العلوم،و من ذلك المقامات التي هي من جنس مقامات الحريري"[3]
و لو لم يكن هناك جنس من "المقامات " يختلف عن جنس مقامات الحريري لما عمد إلى تمييزها هذا التمييز ، أما عند المحدثين فنجد الدكتور شوقي ضيف يقول: " إنه- الزمخشري- استعار منه – الحريري- الاسم ليطلقه على مجموعة من المواعظ"[4]، و هو ما ذهب إليه أيضا الدكتور عبد الملك مرتاض[5]، إلا أننا بعد تلقي هذا الكتاب بالصورة التي يستحقها نستطيع القول إننا نقف على كتاب يمثل ما يشبه أن يكون رسالة تحوي تضمينات لفكر مذهبي حاولها رجل اشتهر بتشدده للفكر المعتزلي[6] القائم على الأصول الخمسة المشتهرة عندهم – التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – على صورة فن أدبي أسماه " مقامات"، مثله في ذلك مثل من ينظم قصيدة يضمنها فكرا مذهبيا ، أو ينهج فيها نهجا تعليميا، ولعله يكون قصد حقيقة من لفظة " المقامات" ذلك المعنى الذي يشير إلى مقام الوعظ والإرشاد لا ذلك الدال على الفن الذي ظهر عند الهمذاني أو الحريري أو سواهما والتبس الأمر على من جاء بعده .
وهذا الرأي نحاول تجليته من مطلبين اثنين، أولهما: بيان نفي صفة المقامات عن الكتاب، وثانيهما: بيان المضامين المعتزلية التي احتواها الكتاب – تصريحا أو تلميحا –ونقدر الانتهاء إلى المطلب الأول من خلال استعراض موجز لمفهوم المقامات، وبيان أظهر مكوناتها الشكلية والمضمونية، وعرض ذلك على كتاب " مقامات الزمخشري" لتجلية مدى مطابقة ما نعرض لما يحويه الكتاب .
أما المطلب الثاني فنقدر تحققه من خلال استقراء تام لكتاب " مقامات الزمخشري " نتلمس فيه مظاهر الاعتزال التي زعمنا نسبتها إلى الكتاب، ونحاول الوقوف على كل ما نرى أنه يعضد هذا التوجه، معتمدين على ترتيب المقامات في الكتاب أولا، ثم القضايا التي تتصل بالاعتزال ثانيا .
المطلب الأول
إن البحث في الدلالة الاصطلاحية أو اللغوية لمفهوم المقامة يرتبط بصورة ما بالحديث عن الأصول التي يعتقد أن بديع الزمان الهمذاني تأثر بها قبل أن يستقر لديه هذا الفن " بيد أن الحديث عن أصول المقامات لا بد أن يأتي في إطار تبني مفهوم معين لفن المقامة يحدد خصائصها الاصطلاحية العامة بغية تتبع النصوص التي سبقت وصاحبت نشأة فن المقامة على يد بديع الزمان الهمذاني رائد فن المقامة " ([1]، ويُتلمس هذا المفهوم لغة و اصطلاحا بصورة موجزة - نأيا بالبحث عن التكرار - في ما يأتي:
ورد في لسان العرب: "والمقام والمقامة: المجلس، ومقامات الناس مجالسهم، قال العباس بن مرداس، أنشده ابن بريّ:
فأيِّيَ ما وأيّك كان شرا
فقيد إلى المقامة لا يراها
ويقال للجماعة يجتمعون في مجلس: مقامة، ومنه قول لبيد:
ومقامة غلب الرقاب كأنهم
جنّ لدى باب الحصير قيام
و الحصير: الملك ههنا، والجمع مقامات، أنشد ابن برّي لزهير :
و فيهم مقامات حسان وجوههم
و أندية ينتابها القول والفعل
ومقامات الناس: مجالسهم أيضا. والمقامة والمقام: الموضع الذي تقوم فيه. والمقامة: السادة."[2]
أما الدراسات الحديثة التي عرضت لفن المقامة فإن الدلالات الاصطلاحية التي وردت فيها لهذا الفن – على تباينها – بالكاد لامست المنجز الذي أبدعه الزمخشري في ما أسماه مقامات، فذهب شوقي ضيف إلى أن المقامة " أريد بها التعليم منذ أول الأمر ولعله من أجل ذلك سماها بديع الزمان مقامة، ولم يسمها قصة ولا حكاية، فهي ليست أكثر من حديث قصير، وكل ما في الأمر أن بديع الزمان حاول أن يجعله مشوقا فأجراه في شكل قصصي " ([3]، ومنه نرى أنها – مقامات الزمخشري – قد افتقرت لعنصر التشويق الذي ذكره شوقي ضيف، و افتقرت للنمط القصصي أيضا .
ونجد أن الدكتور زكي مبارك يخالف شوقي ضيف ويذهب إلى أن المقامات " هي القصص القصيرة التي يودعها الكاتب ما يشاء من فكرة أدبية أو فلسفية أو خطرة وجدانية، أو لمحة من لمحات الدعابة والمجون " ([1]، وهذا التجنيس – قصص قصيرة الذي نتحفظ على النقاش فيه – يُخرج هو الآخر مقامات الزمخشري من الدلالات الاصطلاحية لهذا الفن، يصف المصطلح الذي يورده الدكتور عبد الرحمن ياغي للمقامة جنسا أدبيا يختلف كليا – مع استثناء الأداء اللغوي - عن ذا الذي يمثُل في مقامات الزمخشري، فيقول عن المقامة:" إنها مغامرات بطل ميادين الحياة المتعددة، وهذه المغامرات يشتمل عليها إطار أشبه ما يكون بالإطار المسرحي الدرامي الذي يحتاج إلى تفوق في الأداء اللغوي"[2]، ويتوسع الدكتور فكتور الكك في شرح مفهوم المقامة قائلا: إنها " حديث قصير من شطحات الخيال أو دوامة الواقع اليومي في أسلوب مسجّع تدور حول بطل أفّاق، أديب شحّاد، يحدث عنه و ينشر طويّته راوية جوالة قد يلبس جبة البطل، وغرض المقامة البعيد هو إظهار الاقتدار على مذاهب الكلام وموارده و مصادره في عظة بليغة تقلقل الدراهم في أكياسها أو نكتة أدبية طريفة أو نادرة لغوية لطيفة، أو شاردة لفظية طفيفة "[3]، ويقول يوسف نور عوض في حديثه عن مقامات الهمذاني: " إن نظرة سريعة لمقاماته تظهر أنها قصة قصيرة بطلها نموذج إنساني مكدٍ متسول، لها راوٍ وبطل، تقوم على حدث طريف مغزاه مفارقة أدبية، أو مسألة دينية، أو مغامرة مضحكة تحمل في داخلها لونا من ألوان النقد أو الثورة، أو السخرية، وضعت في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية " ([4]، وجلّ هذا الذي أورده يوسف نور عوض و من سبق ذكرهم تفتقده " مقامات الزمخشري"، وحول تلك المفاهيم السابقة للمقامة راوح كثير من دارسيها، و" يتضح إذن أن هناك اختلافا بينا بخصوص تصنيف الأدب بين الدارسين والمنظرين مرجعه من جهة إلى غنى الظاهرة الأدبية وتشعبها، وسعي نماذجها الأصلية إلى كسر الأطر، وخرق المتعارف عليه باعتبارها ظاهرة إنسانية ككل الظواهر، ومن هذا المنطلق تستعصي على التحديد الجامع المانع...، ومن جهة أخرى اختلاف وجهات النظر بين الدارسين "[5]، ومما سبق بسطه نكاد نخرج بمجموعة من الصفات الفنية للمقامة تشكل قواسم مشتركة عند كثير منهم، وأسسا شبه راسخة في بناء المقامة، من أبرزها ما يأتي:
· البناء اللغوي القائم على الإكثار من المحسنات البديعية والزخرف اللفظي.
· شيوع الفكاهة والظرف وعنصر السخرية .
· بروز النزعة القصصية بما تحويه من عناصر وتقنيات .
· ارتباط المضمون العام لها بالكدية إلى جانب غاية تعليمية.
· تصوير كثير من مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونقدها في زمانها.
وعند محاولة البحث عن القواسم المشتركة السابقة أو غيرها في " مقامات الزمخشري " مستثنين البناء اللغوي – إلى حد ما - فإننا لا نكاد نجد على نحو مكتمل أيا منها، وفي الوقت ذاته نجد من يقف موقفا رافضا للفصل بين أيّ من القواسم المشتركة التي تجمع المقامة كذلك الرأي الذي يقول صاحبه: " إن المقامة ضرب من التصوير اللغوي تشكل فيه الكثافة البلاغية، والبنية الحكائية، وموضوع الكدية، والغاية التعليمية مكونات متكاملة فيما بينها، لا تقبل أن ينوب أحدها عن الآخر في المقاربة أو الشرح أو التأويل "[6]
و هذا ما دفع بعض الدارسين إلى التلميح أو التصريح أن مقامات الزمخشري لا تنتسب انتسابا حقيقيا أو تاما إلى فن المقامة بوصفه السابق، فذكر شوقي ضيف كما أشرنا أنها لا تحمل من المقامة سوى الاسم، وأنها تخلو من عناصر المقامة "[7]، لكنه لم يعطها تجنيسا محددا .
بينما نجد الدكتور عبد الملك مرتاض يحاول تفسير هذا التجنيس ، فيقول : "هي أشبه ما تكون بالأحاديث الهادئة، والرسائل المنمقة التي تعالج مجردات من الأمور..، خلت من الحوار الحيّ، وعدمت من الأبطال الذين يتحركون باستمرار ...، فهذه الخطة – أي خطة الزمخشري في كتابه – بقدر ما تبتعد عن الفن القصصي ، بقدر ما تقترب من فن الرسالة " ([8] ، فجعلها أقرب إلى فن الرسائل منها إلى المقامة، ويرى الدكتور يوسف نور عوض أن الموضوع الذي طرقه الزمخشري _ الوعظ و الإرشاد _ هو السبب الذي من أجله " لم ينسج على منوال المقامة البديعية، ولم يستخدم ديباجتها،...، لقد كانت المواعظ تأتي الزمخشري مباشرة وبطريقة تقريرية، وبذلك لم يكن هناك مجال لظهور بطل شبيه بأبي الفتح الإسكندري " ([9] .
وبعد أن تبين لنا خلو "مقامات الزمخشري" من عناصر القص التي شاعت في فن المقامات وأبرزها الشخصيات و الحوار والسرد والوصف وغيرها، يتبين لنا كذلك فقدها لمضمون المقامات العام – الكدية، وإن احتوت غاية تعليمية– واقتصارها على الوعظ والإرشاد الذي لا نراه كافيا لعدها من المقامات التي أصبحت فنا مستقلا استقلالا تاما عن أحاديث الوعظ والإرشاد التي شاعت قبلها، بل إننا كثيرا ما نجد الوعظ والإرشاد في الشعر أو النثر بصوره المتنوعة.
وكذلك الأمر في ما يتصل بعنصر السخرية الذي شاع بصورة عامة في جل المقامات فإنه هو الآخر قد غاب تماما عن " مقامات الزمخشري" ليحل مكانه الجدّ والحزم، والترغيب والترهيب وما إلى ذلك مما يتناسب مع مضمونها.
أما فيما يتصل بالبناء اللغوي الذي اشتهرت به المقامات فلا نرى أنه يكفي لإعطاء العمل الأدبي الذي يقوم على الإكثار من المحسنات البديعية و الزخرف اللفظي و فنون الصنعة اسم مقامة ، بل إن الذين ذهبوا إلى تأثر الهمذاني بأصول سابقة لم يصرحوا أو يلمحوا إلى أن البناء اللغوي وحده هو الذي تقوم به المقامة، ويعلق الدكتور أحمد الحوفي على "مقامات الزمخشري " بأنها " و إن خالفت مقامات الحريري في الموضوعات و الغاية، فإنها محاكاة لها في الأسلوب المسجع الحافل بالمحسنات "[1]، كما نجد زكي مبارك يعود بنشأة فن المقامة إلى ابن دريد ، و كذلك " ذهب عدد من الدارسين من بعد إلى فكرة الأصول مستلهمين ما نقله زكي مبارك عن الحصري من اقتفاء البديع أثر ابن دريد في أحاديثه، ولم يقف الباحثون عند ابن دريد فحسب، فأشاروا إلى آثار الجاحظ، والبيهقي، والأحنف العكبري، وأبي دلف الخزرجي، وأبي الفرج الأصبهاني، وعدد من قصص النساك والعباد والزهاد، والعيارين والشطار و اللصوص إلى غير ذلك من مصادر يرجح أن تكون أثرت في صورة المقامات الأساسية " ([2] ، و منه نتبين أن تلك الإشارات كانت تهدف في الأساس إلى الكشف عن أصول قد يكون البديع تأثر بها في مقاماته لا الإشارة إلى أن البناء اللغوي هو الذي يجيز تسمية تلك الآثار "مقامات"، وهو ما دفع الدكتور زكي مبارك إلى القول: " مع أن ابن دريد هو مبتكر لفن المقامات فإن عمل بديع الزمان في هذا الفن أقوى وأظهر، وطريقته في القص تختلف عن طريقة ابن دريد " ([3] .
وأيا ما كان موقفنا مما ذهب إليه زكي مبارك أو سواه فإن الذي يعنينا التباين القائم بين أحاديث ابن دريد ومقامات الهمذاني مع أن " القالب القصصي واحد من النقاط المشتركة كذلك بين الأحاديث و المقامات على اختلاف الدرجة والأحكام والاطراد، ولا شك أنه في كل منها توجد طرائق قصصية في التعبير أحيانا وطرائق أخرى مباشرة في الحكم أو الموعظة أو التعليم " ([4]
وبالاستدلال المنطقي يكون التباين حاصلا أيضا بين مقامات الهمذاني ومقامات الزمخشري، وأكثر الحديث عن الأصول ومقامات البديع كان يتمحور حول القص وما اتصل به واللغة جزء من ذلك لا أصل، " فلغة المقامة –في الأغلب الأعم – تحمل طاقة حركية درامية لا تقف عند حدود إظهار القدرة اللغوية أو البلاغية (الصنعة اللفظية أو المعنوية) وإنما تتعانق مع الحدث والشخصية توحّد بينهما وربما تقف " بطلا" دراميا إلى جوار بطل المقامة المكدي نفسه" ([5] .
و هذا الرأي ينسحب على جلّ تلك الأصول التي حاول الباحثون أن يردوا نشأة المقامة إلى التأثر بها، مع ضرورة الالتفات إلى أن الإغراق في الصنعة وفنونها، والمبالغة في التنميق كاد أن يكون في تلك العصور مظهرا عاما من مظاهر الأدب لم يقتصر على المقامات، بل ظهر في الشعر والرسائل والخطب والتوقيعات وغيرها من الفنون الكتابية .
المطلب الثاني
بعد الوقوف على حقيقة دلالة مفهوم " المقامات" وبيان افتراقه عن " مقامات الزمخشري"، يتبادر للذهن السؤال الآتي : إن لم يكن ما سطر الزمخشري مقامات فماذا يكون؟ لقد أشرنا فيما تقدم إلى أن الدكتور عبد الملك مرتاض رأى أنها " نوع من الرسائل المنمقة" ؟ لكننا إن كنا نوافقه في أنها ليست مقامات فإننا لا نسلم بصحة القول بأنها ضرب من الرسائل المنمقة ، و لن نقف كثيرا على أن الزمخشري كان يخاطب في " مقاماته" نفسه و يعظها و يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر، ولن نناقش مفهوم الرسائل أو أنواعها لنقف على التباين بينها و بين ما كتب الزمخشري ، و لا نسلم بصحة ما ذهب إليه أحد الباحثين الذي يقول: " تعددت المضامين في مقامات الزمخشري، ومع ذلك فقد برزت جميعها في صورة واحدة وهي صورة الوعظ و الحكمة "[1] بل نرى أن ما تحويه مقامات الزمخشري مضمون واحد ظهر في صور متعددة هي بعض الأصول المعتزلية .
وصفوة القول: إن الزمخشري المعتزلي المتشدد[2] كان في مقاماته متأثرا بأصول الاعتزال التي ملكت عليه منافذ حسه وعقله، فجاءت مقاماته بيانا توضيحيا للأصل الخامس من تلك الأصول – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وغيرها من الأصول والمبادئ التي يعتقدها ، ونجد أن هناك من فطن إلى ما يعضد رأينا بصورة غير مباشرة كتلك التي نراها عند الدكتور عبد الكريم المحمد في بحثه الموسوم ب " مقامات الزمخشري و فن السيرة الذاتية"، فعنوان البحث يشي بالمحاولة التي تصدى لها الباحث الذي لمح صورة الزمخشري في الكتاب فوقع في نفسه صلة ذاك بالسيرة الذاتية [3]، و نحن وإن كنا نتفق معه في هذا الملمح إلا أننا نرى الأمر أكثر تخصيصا من عموم الحديث عن شخصية الزمخشري و سيرته، ونقدر انتهاء الغاية في الكتاب إلى ما يتصل باعتقاده الذي هو جزء من سيرته وهو مضمون الكتاب ، و قد أشار بعض من سبق ذكرهم إلى أن المضمون العام لتلك المقامات هو الوعظ و الإرشاد دون التأمل في حقيقة هذا المضمون، ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا الأصل حاضر في كل مقامة من مقاماته الخمسين تقريبا، فنجده يقول في مقدمة الكتاب: " و أنا أقدمُ قبل الخوض في ذلك تنبيهك على أن لا تطالعَ هذه النصائح ملقيا فكرك إلى معانيها، محضرا ذهنك لأوامرها و نواهيها، حتى يكون اقتباسك منها في أخلاقك، رافعا لك أوفر من استفادتك لبلاغتها وبراعتها "[4] كاشفا لنا عن اهتمامه بما يتصل بالأمر والنهي نصحا و إرشادا، دون أن يحفل بالبلاغة والبراعة اللغوية. وجاء في خطبة الكتاب: " حتى تممها خمسين مقامة يعظُ فيها نفسه ينهاها أن تركن إلى ديدنها الأول... ، و يأمرها أن تلج في الاستقامة على الطريقة المثلى "[5] .
ونحاول في ما يأتي أن نتلمس بعض أصول المعتزلة الخمسة أو مبادئها في مقامات الزمخشري من خلال مجموعة من النماذج المناسبة، نبدؤها من المقامة الأولى التي نجد فيها ما يدل على أصل (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما في قوله: " فعليك بالخير إن أردت الرفول في مطارف العز الأقعس، وإياك والشرّ فإن صاحبة ملتف في أطمار الأذل الأتعس "[1]، ونلمس أصل (الوعد والوعيد) في قوله: " أقبل على نفسك فسمها النظر في العواقب، وبصرها عاقبة الحذر المراقب،و حاسبها قبل أن تحاسب وعاتبها قبل أن تعاتب "[2]، ونلمح ما يشير إلى أصل(التوحيد) في قوله: " وأخلص اليقين ، وخالص المتقين " [3] .
و لا يقف الأمر عند تلمس ما يشير إلى الأصول المعتزلية التي تأثر بها الزمخشري، بل إننا نجد مجموعة من الألفاظ والمفردات المرتبطة دلالتها بالتفكير الديني كتلك التي تزخر بها مقامة التقوى فنجده يقول: "...، ولا ركن أقوى من ركن التقوى، الطرق شتى فاختر منها منهجا يهديك، ولا تخط قدماك في مضلة ترديك، الجادة بينة، والمحجة نيرة، و الحجة متضحة، والشبهة مفتضحة، ووجه الدلالة وضاء، والحنيفية نقية بيضاء، والحق قد رفعت ستوره، وتبلج فسطع نوره ..." ([4] .
و تتوالى ظلال أصول الاعتزال و أصداؤه في مقامات الزمخشري وفي مقدمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونبصر منها (الوعد والوعيد ) في قوله: " أنت بين أمرين لذة ساعة بعدها قرع السن والسقوط في اليد، ومشقة ساعة يتلوها الرضوان وغبطة الأبد...، وأن تغذ كل هذا الإغذاذ إلى النار وغضب الرحمن "، ونرى (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما في قوله: " اكفف قليلا عن بعض شطارتك ، وانته عن بعض شرارتك،... ، ثم إياك أن تنزل على طاعة هواك في الاستنامة إلى الشيطان وخطراته ، و الركون إلى اتباع خطواته فإن من تسويلاته لك و تخييلاته إليك أن لات حين ارعواء " ([6] وقوله: " فالبدار البدار قبل إشخاصك عنها " ([7]. ونرى أثر علم الكلام والجدال العقلي في قوله: " أما يكفي تيقن المسرور بزوال ما هو فيه منغصا لسرورها، و زاجرا للعاقل أن يلوي على غرورها، بلى إن نزل اللبيب على قضية لبه. إن دعاه داعي الشهوة لم يلبه، وهيهات إن مدعو الهوى لمجيب وإن سهم دعوة الداعي لمصيب، اللهم عبدا بحبل الله يعتصم، ويتمسك بعروته التي لا تنفصم " ([8] .
ثم يتحدث في مسائل تدخل في صلب الاعتقاد كتلك التي نجدها في قوله : " فنار الله التي حسبك ما سمعت من فظاعة وصفها و هوله ، و كفاك فيها ما قاله الصادق المصدق في قوله و أفضع ذلك كله أن عذابها أبد سرمد ، ليس له منته و لا أمد ، هلاّ جعلتها ممثلة قدام ناظريك ، كأنك تشاهد عينها ، و كأن لا برزخ بينك و بينها ، و إن كنت كما تزعم بما نطق به الوحي مؤمنا ، وكما تدعي بصحته موقنا " ([1]، و نراه يفصل في توضيح أصول عقيدة الاعتزال في مسالة الذنوب و الحساب و العدل و الوعد و الوعيد على صورة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، يقول: " يا أبا القاسم : لا تقولن لشيء من سيئاتك حقير ، فلعله عند الله نخلة و عندك نقير ، و روّ في جلالة قدر الناهي و كبره ، ولا تنظر إلى دقة شأن المنهي عنه و صغره ، فإن الأشياء تتفاضل بتفاضل عناصرها ، و عن الأوامر والنواهي تجل و تدق بحسب مصادرها ، لا تسم الهنة من الخطيئة هنة، فإن ذمتك باجتنائها مرتهنة ،و تذكر حساب الله و موازينه المعدلة ، والنقاش في مثقال الذرة ،ووزن الخردلة "([2]
و نقدر أن المقامة السابقة تحتاج إلى وقفة متبصرة تكشف عن كل تلك الملامح الاعتقادية التي تختفي وراء ما ظاهره الوعظ و الإرشاد ، و حسبنا أن نشير إلى ما نلمح في هذا السياق.
و يناقش أصلا من أصول الاعتزال المهمة هو (التوحيد ) و ما ينبني عليه في مقامة اسماها الولاية ،يقول فيها : " ثم انظر في أي منزلة من الله يراك ، و بأي صفة يصفك من ذراك إن واليت من ليس لربك بولي ، أو صافيت من ليس للأولياء بصفي ، إن صح أنك عبد محب لربه فلا تشعر قلبك إلا محبةً مُحبة، من لم يوال الله و مواليه فلا تطرِ حراه ، ولا تنخ راحتك في ذراه ، و إياك أن تتناظر داراكما،...، واستحي من الله و قلبك قلبه ، و كلك فهو فاطره و ربه " ([3] .
و يتجلى بيان معتقد المعتزلة في قضايا التوحيد في مقامة خاصة حملت اسم الأصل الأول من أصول المعتزلة (التوحيد) ندرك بعد النظر المتكامل فيها مناقشة الزمخشري لمسألة وحدانية الخالق ، وقدرته الكونية و دلائل ربوبيته و ألوهيته ، و يعرج إلى الحديث عن توحيد الصفات و على وجه التحديد صفة الأولية و القِدم ، و في ظل موقف المعتزلة من الصفات و تعطيلها ، و هذه جلها من المسائل الاعتقادية التي دار حولها خلاف كبير بين أصحاب المذاهب و الملل و كان للمعتزلة فيها آراء مخصوصة يضيق المقام عن بسطها ، يقول الزمخشري في مقامة التوحيد :
" يا أبا القاسم ، أفلاك مسخرة ، و كواكب مسيرة ، تطلع حينا و حينا تغرب ، و ينأى بعضها عن بعض و يقرب ،و قمر في منازله يعوم ، وشمس في دورانها تدوم فما تقوم ، وسحاب تنشئها القبول ، ... ، ما هذه إلا دلائل على أن وراءها حكيما قديرا عليما خبيرا ، تنصرف هذه الأشياء على قضائه و مشيئته ، و يتمشى أمرها على حسب إمضائه و تمشيته، و هي منقادة مذعنة لتقديره و تكوينه ، كائنة أنواعا و ألوانا بتنويعه و تلوينه ، قد استأثر هو بالأولوية و القِدم ، و هذه كلها محدثات عن عدم ، فليملأ اليقين صدرك بلا مخالجة ريب، و لا تزلّ عن الإيمان بالغيب و عالم الغيب ، و لا يستهوينك الشيطان عن الاستدلال بخلقه فهو الحجة ، و لا يستغوينك عن سبيل معرفته فإنه محجة " ([4] . و لعله لم يعد خافيا ملامح الغرض التعليمي الذي يمكن أن نستنبطه من هذه المقامة .
و يتجلى بيان أصل ( الوعد و الوعيد ) في مقامة التصبر التي جاء فيها : " فلا تفتر أن تعرض عليها ما وعد الله الأتقياء ، و ما أوعد به الأشقياء ، و أن تكرر على مسامعها السور التي تروع و تردع ، و الآيات التي تقرع و تقدع ، و أن تقذف عليها كل عبء من العبادة باهظ ، و ترميها بما يحك في قلبها و يحيك من المواعظ " ([1] ، و لعله لو ذكر لنا آيات الوعد و الوعيد و سوره لتبينّا أنها الآيات والسور ذاتها التي احتجت بها المعتزلة في مسألة الوعد و الوعيد .و يتجلى ذلك الأصل في قوله : " و أدار فعلها و تركها بين الثواب و العقاب ، و الثواب ما لا ثواب و أبهى منه و أسر ، و العقاب ما لا عقاب أدهى منه وأمر " ([2] .
ونلمح معتقدا آخر من معتقدات الاعتزال ذلك الذي يرى مرتكب الكبيرة خالدا مخلدا في النار لا يغفر الله ذنبه و يظهر في قوله : " ذقتَ طعم الإتراف فاستطبته ، و دعاك داعي الإسراف فاستجبته ، هذه براهين السامدين اللاهين ، والله الصمد لا يقبل هذه البراهين وهذه علل المبطلين و معاذرهم ، و بمثلها لا تؤمن أفزاعهم و محاذرهم " ([3]، وهنا نلحظ ما يمكن أن يكون التأله على الله ، و الجزم بعدم قبوله أعذار المسلم المخطئ ، و هذا أيضا حديث طويل و بسطه مما لا يتسع له المقام .
أما مسألة خلق القرآن فقد كانت من المسائل التي أكثرت المعتزلة من الخوض فيها و الدعوة إليها و خبرها مشهور ، و الزمخشري أحد رموز الاعتزال الذين تعصبوا لمسألة خلق القرآن كما ذكرنا في الخبر الذي أوردناه من ابن خلكان في الحاشية المتقدمة أعلاه .
و هذا ما جعل الزمخشري يفرد للقرآن الكريم في مقاماته مقامة أسماها " مقامة الفرقان " تحدث فيها عن القرآن الكريم و بلاغته ، ووعده و وعيده ، و بعض أخباره،وقصصه، وعرّض لآداب تلاوته و سننها، و نتلمس أثر الاعتزال في هذه المقامة من خلال عدم تصريح الزمخشري بالإعجاز البلاغي للقرآن و إن لم ينف وقوع البلاغة فيه بل اكتفي بتعداد و جوهها و صورها ،و بيان أهمية تعلم تجويد القرآن و إتقان مخارج الحروف و اجتناب اللحن ، و لم يذكر إطلاقا أن القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله وحيا على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، و نجده يختتم هذه المقامة بقوله :" و احفظ فيه حق من إليه انتماؤه ،و إلى اسمه إضافته تباركت أسماؤه " ([4] و الإضافة التي يعنيها هنا هي إضافة خلق ، وكذلك انتماء القرآن إلى الله تلميح إلى أن القرآن مخلوق من مخلوقات الله التي تنتمي إلى قدرته كسائر مخلوقاته .
و لم يفت الزمخشري أن يشير إلى العقل و اتخاذه أداة للتعبد و الحكم على الأمور من وجهة نظر المعتزلة التي اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية متأثرة ببعض الفلسفات ، و هو أمر يتعارض مع إجماع السنة عموما التي اتفق علماؤها أن العقل وحده لا يكفي لتحقيق العبادة و التعرف إلى الخالق ، بل إن هناك أمورا أخرى إلى جانب العقل تقع خارج حدود إدراك العقل البشري المحدود لا بد منها للهداية كالوحي الإلهي الذي لا يخضع لمقاييس العقل مثلا ،لكننا نجد الزمخشري يجعل من العقل وحده دليلا للرشد والغي، يقول:" يا أبا القاسم ، إن الذي خلقك فسواك ركب فيك عقلك و هواك و هما في سبل الخير و الشر دليلاك ، و في مراحل الرشد و الغي نزيلاك " ([1] إلى أن يقول عن العقل : " بصير عالم يسلك بك في البردين المحجة البيضاء، و يرِد بك رزق المناهل، ... ، تعلم أنه ليس من العدل أن تستحب الهوى على العقل ، إن جانب العقل أبيض كطرّة الفلق ، وجهة الهوى سوداء كجدة الغسق ، إن اتجه لك أمر فعرضته على نفسك فانظر أيهما إليه المائل و له القابل ، فإن كان العقل فأحرِبِهِ أن تلتزمه التزام الصب وتعتلقه " ([2]
و تحليل المقامة بصورة متكاملة يكشف لنا عن الفكر الذي يكمن بين سطورها والدعوة المنمقة القائمة على الجدل لتقديم العقل واتّباعه في الحكم والتقدير ، ونجده في موضع آخر يمجد العقل تمجيدا كبيرا فيقول : " سبحان الله ..أي جوهرة كريمة أوليت وبأي لؤلؤة يتيمة حليت ، و هي عقلك ليعقلك ، و حجرك ليحجرك ، ونهيتك لتنهاك " ([3] ، و هذا التصريح و إشارات التلميح أوسع .
و من المعتقدات المعتزلية الأخرى التي نلمحها في مقامات الزمخشري القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل ، فهو يخلق أفعاله بنفسه ، ولذلك كان التكليف،في تقارب مع القدرية، و من أبرز من كان يقول بذلك غيلان الدمشقي و خبره مشهور أورده الذهبي في ميزان الاعتدال و قال عنه :" (ضال مسكين) ناظره الأوزاعي، وأفتى بقتله، فقتل بعد (105)هـ زمن هشام بن عبد الملك " ([4] .
و في كثير من المقامات يصرح الزمخشري أو يلمح إلى أن الإنسان هو الذي يختار مصيره و يحدد طريقه ، و هو المسؤول عن تحديد مصيره أفي الجنة أم في النار ، وظاهر الأمر أنه وعظ و إرشاد في صورة أمر بالمعروف و نهي عن المنكر ، كما في قوله: " الطرق شتى فاختر منها منهجا يهديك " ([1] والذي يهدي هو الله ، و المنهج الحق الذي يسير فيه الإنسان وسيلة يقدرها الله في علم الغيب عنده و مصير قدّره قبل أن يخلق الخلق مثبت في اللوح المحفوظ ، و الظاهر في جل المقامات أن الإنسان يعرف الحق و الباطل ، والخير و الشر ، وطريق الجنة وطريق النار و هو الذي يختار .
و نلمح كذلك مظهرا من مظاهر الفكر الاعتزالي يتمثل في تعطيل الصفات الإلهية، فالدارس للمقامات لا يكاد يقف على شيء من الصفات التي يثبتها أهل السنة و غيرهم مِمَن خالف المعتزلة في التعطيل ، فلم يثبتوا لله سمعا أو بصرا أو مكانا أو عرضا أو جوهرا أو غيرها ، بل ذهبوا إلى استحالة رؤيته جل و علا في الدنيا و في الآخرة ، وعندهم أن الصفات ليست شيئاً غير الذات ، لذا نلمح كثيرا الإشارة إلى الذات الإلهية بوصفها الصفة الوحيدة المثبتة عندهم و المتصلة بالقدم و الأزلية ، ومنه قوله في مقامة التهجد:" فليكن عملك نقيا ناصعا ، و جيبك في ذات الله تعالى ناصحا " ([2] ، و قوله : " لله عباد رهنوا بحق الله ذممهم، ...، شدّةُ مراسهم في ذات الله تقضب الأمراس " ([3]، و هذا أمر تفصيله يطول ، والجدال فيه مبسوط في مواضعه المناسبة ، و يعدّ من مسائل التوحيد التي تدين بها المعتزلة.
سيميائية العنوان
تبوأ العنوان في الدراسات الحديثة مكانة مهمة، ونرى أن هذا التراث العظيم مازال مادة صالحة لأنواع الدراسات كافة حتى تلك الحديثة منها، وعليه يمكن أن ندرس دلالات العناوين للكشف عن العلاقات التي تربطها بالمضامين التي تعالجها الموضوعات المدروسة، وفي هذا السياق نقف وقفة عجلى عند العتبات النصية التي أسس بها الزمخشري للولوج في مقاماته في محاولة لتبين القيمة التي تحملها، والإضافة التي تقدمها.
فقد ارتبطت عناوين مقامات الزمخشري ارتباطا وثيقا بالمضامين التي عرضت لها باستثناء المقامات الخمس الأخيرة (مقامة النحو، ومقامة العروض، ومقامة القوافي، ومقامة الديوان، ومقامة أيام العرب ) وإن كان عرضُ مضمونها الذي يتفق مع عناوينها إلى حدٍ كبير قد تم بأسلوب الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي غلب على مقامات الزمخشري على الرغم من التكلف الظاهر فيها.
و المتأمل في عناوين المقامات يجد أن الغالبية العظمى منها قد ارتبطت دلالاتها بالأصل الخامس من أصول الاعتزال – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – فنجد منها على سبيل المثال ما اسماه: (مقامة المراشد، ومقامة الزاد، ومقامة الزهد، ومقامة الاعتبار، ومقامة العبادة، ومقامة اجتناب الظلمة، ومقامة التهجد، ومقامة التصدق، ومقامة النصح، ومقامة النهي عن الهوى، ومقامة الصدق، وغيرها ) .
و كذلك نجد منها ما ارتبط بالأصل الأول من أصول الاعتزال – التوحيد – عنوانا و مضمونا كما في: (مقامة التقوى، ومقامة التسليم، ومقامة الولاية، ومقامة التوحيد، ومقامة الإخلاص، ومقامة المراقبة، وغيرها ) .
ومن عناوينها ما ارتبط بأصل آخر هو الوعد والوعيد كما في: (مقامة الرضوان، ومقامة الارعواء، ومقامة الإنابة، ومقامة الحذر، ومقامة الندم، ومقامة الخشية، وغيرها ). ومنها ما دل على أصل آخر هو العدل كمقامة الطيب، ومقامة التوقي، وغيرها .
وتجعلنا سيميائية العنوان في " مقامات الزمخشري" نستدعي إلى الذهن دلالات مصطلح " المقامات" المرتبط بالمقامات والأحوال عند المتصوفة، وتفتح لدى المتلقي أفقا آخر يتمثل في استحضار التقارب ونقاط التوافق التي تمثُل في التصوف والاعتزال ذلك أن من المقامات عند المتصوفة: الانتباه، ثم التوبة، ثم الورع، ثم محاسبة النفس، ثم الإرادة، ثم الزهد، ثم الفقر، ثم الصدق، ثم الصبر، ثم الرضا، ثم الإخلاص ثم التوكل.
أما الأحوال فمن ذلك المراقبة، ثم القرب، ثم الرجا، ثم الخوف، ثم الحياء و هو حصر القلب عن الانبساط، ثم الشوق، ثم الأنس، ثم الطمأنينة، ثم اليقين، ثم المشاهدة وهي آخر الأحوال، وعند استعراض عناوين المقامات عند الزمخشري نجد تطابقا كبيرا بينها وبين مقامات المتصوفة و أحوالهم كما في مقامة الزهد، ومقامة الصدق، ومقامة الإخلاص، ومقامة المراقبة، وغيرها، بل إننا لا نبالغ إن قلنا إن جل مقامات وأحوال المتصوفة حاضرة في مضمون مقامات الزمخشري .
الخلاصة
نخلص مما سبق إلى أن الزمخشري كان في مقاماته بعيدا كل البعد عن تمثل فن المقامة بمفهومه المتواضع عليه ، و نرى أنه كان قريبا من مفهوم "المقامات" بدلالته المرتبطة بمقامات الزهاد و العباد و الوعاظ و القصاص – التي مفردها مقام – كتلك التي أوردها ابن قتيبة في عيون الأخبار ، جاعلا من ذاته واعظا لها ، ونقدر أن دراسة مقارنة بين تلك المقامات ومقامات الزمخشري ستظهر لنا تأثرا كبيرا و تقاربا واسعا من حيث الشكلُ و المضمون .
و نرى أن مضمون مقامات الزمخشري قد تأثر بمذهبه الاعتزالي تأثرا واضحا يصلح معه أن نقول إنها خطاب مذهبي صيغ على نسق مخصوص تأتت إشكالية تلقيه الكبرى من عتبته النصية التي جعلته ينفتح على إشكالات تجنيسية عدة ، يحتاج تخطيها إلى تجاوز أفق التوقع الذي يؤسس له العنوان عند المتلقي .
المصادر
- الزمخشري،أبو القاسم.( ت 583 ﻫ ).أساس البلاغة ، ط1، مادة (ق و م )، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت ،1996،ص 378.
- ابن الأثير ،ضياء الدين (ت 637 ﻫ ) . المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر ، تحقيق:كامل محمد عويضة ، ط 1، ج 1، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1998 ، ص 22 .
- ابن تغري بردي ، أبو المحاسن.(ت784 ﻫ).النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة ،علق عليه:محمد حسين شمس الدين،
ط1، ج 6 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1992 ، ص 62 .
- ضيف ، شوقي.(1980). المقامة ، ط 5، دار المعارف ، مصر ، ص 77 .
- مرتاض ، عبد الملك .(1982).فن المقامات في الأدب العربي ، الشركة الوطنية ، الجزائر .
- لا بد بدءا من الاطلاع على مجموعة من المصادر والمراجع التي تبين أبرز ملامح الفكر الاعتزالي و نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
· القاضي عبد الجبار ، بن أحمد .(ت 415 ﻫ ).
الأصول الخمسة ، تحقيق : فيصل بدير عون ، منشورات جامعة الكويت، الكويت ، 1998 .
· القاضي عبد الجبار، بن أحمد.(ت 415 ﻫ ). شرح الأصول الخمسة ، تحقيق:عبد الكريم عثمان ، مكتبة وهبة، مصر، 1965 .
· البغدادي ، عبد القادر. (ت 429 ﻫ ). الفرق بين الفرق ، تحقيق : محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا ، القاهرة ، 1988 .
· الشهرستاني،أبو الفتح. (ت 548 ﻫ ). الملل و النحل ، ط2 ، منشورات دار الفكر العربي ،القاهرة ، 2002
- السعافين، إبراهيم.(1987).أصول المقامات ، ط1، دار المناهل للطباعة و النشر ، بيروت ، ص 13 .
- ابن منظور،محمد بن مكرم .(ت 711 )، لسان العرب ،ج 12،مادة "قوم"،دار الفكر ، دار صادر،(د.ت) ،ص 506-507.
- ضيف ، المقامة ، مصدر سابق ، ص 9-10
- مبارك ، زكي ( 1975) . النثر الفني في القرن الرابع ، ج1 ، دار الجيل ، بيروت ، ص 242 .
- ياغي ، عبد الرحمن. ( 1969) . رأي في المقامات ، ط1، منشورات المكتب التجاري ، بيروت ، ص 57
- الكك ، فكتور . (1971) .بديعات الزمان ، ط2 ، دار المشرق ، بيروت ، ص 48 .
- عوض، يوسف نور.(1979) ، فن المقامة بين المشرق و المغرب ، ط1 ،دار القلم ، بيروت ، ص 8 .
- عبدا لله،فتحية.عالم الفكر،إشكالية تصنيف الأجناس الأدبية في النقد الأدبي،العدد1،المجلد33،يوليو2004،الكويت،ص175.
- أنقار ، محمد . مجلة فصول ، تجنيس المقامة، مجلد 13 ، عدد 3 ، خريف 1994، ص 12 .
- المقامة ، مرجع سابق ، ص 77 .
- مرتاض ، فن المقامة في الأدب العربي ، مصدر سابق ، ص 248 -249 .
- يوسف نور ، فن المقامة بين المشرق و المغرب ، ص 176
- الحوفي ، أحمد .(1966) ، الزمخشري ، ط1 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ص 277 .
- السعافين ، أصول المقامات ، ص 13.
- مبارك. النثر الفني في القرن الرابع مصدر سابق ، ص 242 .
- درويش، أحمد، مجلة فصول، البناء الفني لأحاديث ابن دريد و أصداؤه في مقامات بديع الزمان ، مج 13 ،عدد 3،خريف 1994 ، ص 26 .
- أصول المقامات ، مرجع سابق ، ص 21
- وي ، باي هونغ .(1997)، مقامات الزمخشري :دراسة تحليلية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، الجامعة الأردنية ،عمان
- ذكر ابن خلكان: " كان الزمخشري المذكور معتزلي الاعتقاد متظاهراً به، حتى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحباً له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب. وأول ما صنف كتاب " الكشاف " كتب استفتاح الخطبة " الحمد لله الذي خلق القرآن " فيقال إنه قيل له: متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه، فغيره بقوله " الحمد لله الذي جعل القرآن " وجعل عندهم بمعنى خلق، والبحث في ذلك يطول "
انظر : ابن خلكان ، شمس الدين.(ت 681 ﻫ). وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، تح: إحسان عباس ،دار صادر بيروت ، ج 5 ، ص 170 ، 1972 .
- انظر: المحمد: عبد الكريم ، مجلة الثقافة الإسلامية ، مقامات الزمخشري وفن السيرة الذاتية ، مجلد 44 ، 1992 ،دمشق .
- الزمخشري، أبو القاسم .(ت 583) . مقامات الزمخشري، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1982، ص 7 .
- مقامات الزمخشري، خطبة الكتاب ، ص 14 .
- المصدر نفسه، مقامة المراشد ، ص 17-18.
- المصدر نفسه ، مقامة المراشد ، ص 18-19 .
- المصدر نفسه ، مقامة المراشد ، ص 19 .
- مقامات الزمخشري، مقامة التقوى ، ص 21-22 .
- المصدر نفسه ، مقامة الرضوان ، ص 23
- المصدر نفسه ، مقامة الارعواء ، ص 26-27 .
- المصدر نفسه ، مقامة الزاد ، ص 31
- المصدر نفسه ، مقامة الزهد ، ص 35
- مقامات الزمخشري، مقامة الحذر ، ص 44 .
- المصدر نفسه ، مقامة التوقي ، ص 78-79 .
- المصدر نفسه ، مقامة الولاية ، ص 112-113
- مقامات الزمخشري، مقامة التوحيد ، ص 128-130 .
- المصدر نفسه ، مقامة التصبر ، ص 139 .
- المصدر نفسه ، مقامة الخشية ، ص 144 .
- مقامات الزمخشري، مقامة الدعاء ، ص 158 .
- المصدر نفسه ، مقامة الفرقان ، ص 193
- مقامات الزمخشري، مقامة النهي عن الهوى ، ص 194 .
- المصدر نفسه ، مقامة النهي عن الهوى ، ص 195 .
- المصدر نفسه ، مقامة الرضوان ، ص 25 .
- الذهبي ، شمس الدين ،(748 هـ ) .ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، تصحيح : محمد بدر الدين النعساني، ج 3 ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1907 ، ص 338
- مقامات الزمخشري، مقامة التقوى ، ص 21 .
- المصدر نفسه ، مقامة التهجد ، ص 152 .
- المصدر نفسه ، مقامة الأسوة ، ص 171 .
عالم الفكر / الكويت