نقوس المهدي
كاتب
منذ أزيد من ستة قرون أبدع الشاعر البوصيري (محمد بن سعيد الصنهاجي) قصيدة رائعة خالدة في مدح الذات النبوية الشريفة، قصيدة نبعت من عاطفة صادقة، طافحة بالإعجاب وبمحبة الرسول الكريم عليه السلام، فجاءت آية في الرقة والتماسك والبلاغة.
وإذا كان كل شاعر يأخذ استعداده ويشحذ قريحته ليخرج مصقولا، عذبا متناغما مع عواطف وأحاسيس سامعيه وقارئيه، عسى أن يضمن له البقاء والخلود .. فإن هذا الشاعر المادح الصادق، خرج على الناس بقصيدة فريدة حق له أن يسميها (الدرة اليتيمية)، سارت وتسير على الألسنة، الألسنة التي تستعذبها إنشادا وترنما وتمثلا ...
إن لهذه القصيدة عديدا من المزايا : أنها لم تبل، فما زالت رغم مرور ستين عقدا من السنين ويزيد تتلى وتنشد ويتمثل ببعض أبياتها تمثلا، لا في أنحاء العالم العربي فقط، بل وفي أنحاء العالم، ليس بلغتها العربية وحسب، ولكن أيضا باللغات التي ترجمت إليها كالفارسية والتركية وغيرهما ... هذه مزية أولى، ومزية ثانية هي أن وزن القصيدة يسع غالب (النوبات) الموسيقية الأندلسية إنشادا وترنما، وهذا الإنشاد والتزم لا يكونان في حالة السرور والابتهاج وكفى، وإنما أحوال الذكر والخشوع والابتهال ... وأبعد من هذا، أن القصيدة بنفس الأوزان والأنغام تستعمل في المناسبات الحزينة، حيث تكون المآثم وتجهيزات الأموات، وبذلك يكون إنشاد هذه القصيدة عونا على مداراة الالآم، وتخفيفا من الوطأة على المحزونين. مزية ثالثة وهي فريدة، ذلك أن من المعهود أن يكون هناك فاصل بين أدب الخاصة وأدب العامة، كل معتز بأدبه وشغوف، حتى إذا حضرت قصيدة البردة وجدنا أن الأذواق تقاربت والأحاسيس تشابهت، ولا يبقى تفاوت إلا من ناحية تفهم سامي المعاني، وإدراك دقيق المرامي .. الحقيقة أنها ميزات لم تظفر بها قصيدة أخرى، ولم يخلد بها اسم شاعر، كما خلد اسم الشاعر البوصيري :
الشاعر البوصيري :
ينحدر الشاعر من أصل صنهاجي1، فهو مغربي الأصل، إلا أن الولادة (سنة 1211م) والنشأة في أرض مصر، فعبرية الصحراء – على هذا – استقت بمياه النيل، فجاءت الثمرة يانعة نافعة، ويذكر أن العمر امتد بالشاعر إلى نحو الخمس والثمانين سنة، وهو عمر مديد، عاشه الشاعر بكل أعبائه ومشاكله، واعترى بشريته فيه ما يعترى كل إنسان فنان شاعر، رقيق الإحساس، عاثر الحظ، ضيق الرزق، لم تشفق عليه حتى قلوب أهالي الموتى الذين كان يتولى التخطيط على شواهد قبور موتاهم الأعزاء ... لكن الشاعر الأديب المتمكن، المثابر الملحاح اللبق، المتصف بحلاوة النكثة وبالظرافة في مجالس محبيه وأنصاره ... الشديد العنيف في مواجهة حساده وخصومه .. تمكن من أن يتولى منصب، تسامت وترقت بتوالي الأعوام، وتحمل ما تفرضه هذه الناصب من المتاعب والمصاعب 2، ولما لاحت أعباء السنين منهكة، وتربصات المنافسين ومضايقاتهم متعبة، فضل الشاعر الانسحاب الكريم، لاجئا إلى ميدان التصوف، والوقوف عل باب الرسول العظيم :
154 خدمته بمديح استقل به = ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم
155 إذ قلداني ما تخشى عواقبه = كأنني بهما هدي من النعم
156 أطعت في الصبا الحالتين وما = حصلت الأعلى الآثام والندم
157 فيا خسارة نفسي في تجارتها = لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
شعر البوصيري :
لقد حفظ الأدب العربي للشاعر البوصيري قصائد ومقطوعات في مختلف الأغراض 3 ، ولكن تاريخ هذا الأدب أهمل تلك المنظومات على طرافتها، وأبقى للمادحين ما كتبه في تمجيد الرسول الكريم. والعجيب أن الذات الشريفة ألهمت الشاعر ثلاث قصائد : (الهمزية) و(المضرية) و(البردة) الأخيرة سائرة على الكثير من الألسن، والأولى لا تقل عنها شهرة في هذا المجال، ولكن الثانية لم يكن حظها مثل حظ أختيها، إذ لا يذكر أحد أن هناك قصيدة مدحية للبوصيري مطلعها :
في كل طرفة عين يطرفون بها = أهل السموات والأرضين، أو يذورا 4
حقا، إن حظ الشعر كحظ الشعراء عجيب !
وإلا، فالقطعة التالية ليست جديرة بإهمال النقاد والباحثين في الأدب، أنها قصيدة الصورة، القصيدة المعبرة بصدق، وهل ينتظر من أديب – ناثر أو شاعر – سوى أن يعبر بصدق :
شكوى من الحال لوزير5 = إليك أشكو حالنا، إننا
- حاشاك – قوم أولى عسرة = في قلة نحن، ولكن لنا
عائلة في غاية الكثرة = صاموا مع الناس، ولكنهم
كانوا لمن أبصرهم عبرة ! = إن شربوا فالبئر زير لهم
ما برحت، والشربة الجرة
إلى أن قال وقد أتى الحديث على أم أولاده :
ويوم زارت أمهم أختها
والأخت – في الغيرة - كالضرة !
وأقبلت تشكو لها حالها
وصبرها مني على العشرة !
قالت لها: كيف تكون النسا = كذا، الأزواج، يا عرة ؟
قومي، اطلبي حقك منه بلا = تخلف منك أو فترة
وإن تأبى، فخذي ذقنه، = أو انتفيها، شعرة شعرة !
قالت لها : ما هكذا عادتي = فإن زوجي عنده ضجرة
أخاف أن كلمته كلمة = طلقني. قالت لها : بعرة !
يظهر أن الزوج الشاعر كان يعيش في نطاق أسرته ببشريته المتقلبة، ولذلك جعل زوجته الوفية تعبر – على لسانه – عن خوفها من إجراءات المجافاة والطلاق ... أترى هي نوازع كانت تنزع بالفنان إلى مشاكسة الزوجة، وإلى موادة صاحبات الجمال الريق الفتي، ولو أن الجميلات الربقات لم يكن يحظى عندهن بإعجاب ولا تقدير ؟ هاكم اعترافه :
أهوى ؟ والشيب قد حال دونه = والتصابي – بعد المشيب - رعونه 6
أبت النفس أن تطيع، وقالت: = إن حبى لا يدخل القنينة كيف
أعصى الهوى ؟ وطينة قلبي = بالهوى – قبل آدم – معجونة !
سلبته الرقاد بيضة خدر = ذات حسن، كالدرة المكنونه
سمتها قبلة، تسر بها النغـ = ـس، فقالت : كذا أكون حزينة !
قد يكون هذا حديث نابع من واقع الشاعر المعاش، وقد يكون من أوهام الشعراء، وعندئذ تكون من قبيل الأماني الساخنة، التي يستعذب كل فنان أصيل الاحتراق بها، صقلا لما يعترى المعدن من صدا، أو تحريكا للسواكن خوفا عليها من الهمود أو الغناء. على كل حال أن ضمير شاعرنا كان حيا يهمس له بين الحين والحين :
159 إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقص = من النبي، ولا حبلي بمنصرم
160 فإن لي ذمة منه بتسميتي = محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم
ومرت الأيام، وقد عانى الشاعر ما عان، خاصم وخوصم، وشاتم وشتم، وقال الشعر متغزلا فتبذل ... ثم تبين في الأخير أن طريق الرشاد أصلح وأبقى، وإن حالة الاستقرار أولى من حالة الاضطراب فلم يكن هناك من ملجأ سوى الرسول الكريم، هادي الأمة، وكاشف الغمة. وفاضت الجوانح وتفجرت العواطف ونبع اللب الخير بالرائعتين :
الهمزية والبردة :
ولنترك الحديث عن الهمزية، ولننتقل إلى الحديث عن البردة (الدرة اليتيمة) فهو محصور فيها ود عللت تسمية هذه القصيدة الخالدة بالبردة، بأن الشاعر قعد به زممنا، فبقي ملازما للفراش، وذات ليلة تراآى له النبي عليه السلام في المنام، فاهتم بحاله، وغطاه ببردته الشريفة، فقام للغد مطمئنا معافى، وتوج قصيدته المدحية باسم (البردة) تيمنا. وليس هذا من قبيل الخرافات فالهامات الشعراء وتجلياتهم وصدق رؤاهم فوق تحقيقات المحققين.
وإذا أخذنا قصيدة (البردة) الرائعة، ذات المائة والسبعين وأربعة أبيات فإننا نرى فيها استهلالا غزليا رقيقا، مشوبا بمسحة من الشعر الجاهلي، ومنه تخلص المادح إلى زجر النفس ونهيها ثم دعاها بحرارة إلى الاحتماء بجانب الرسول الكريم، وسنحت فتغنى ما شاء الله له أن يتغنى بشخصية الرسول ورسالته ومعجزاته، وبمعجزة القرآن الكريم ومعجزة الإسراء والمعجزات وعبر عن العزم لينقطع بأشعاره إلى الرسول ومدحه والاعتزاز بمقامه العظيم .. تكفيرا منه عما مضى من لغو القول. وجاءت أبيات التوسل بعد ذلك رائعة مؤثرة ما أظن السامع إليها أو المترنم بها إلا وانفعل بها مستمعا أو مترنما :
169 يا نفسي لا تقنطي من زلة عظمت = إن الكبائر في الغفران كاللمم
170 لعل رحمة ربي حين يقسمها = تأتي عل حسب العصيان في القسم !
171 يا رب واجعل رجائي غير منعكس = لديك، واجعل حسابي غير منخرم
172 والطف بعبدك في الدارين أن له = صبرا، متى تدعه الأهوال ينهزم
وإذا عدنا إلى القصيدة فاحصين، متمعنين متذوقين، استخرجنا تقريبا العشرين والمائة بيتا التي خصصت للنبي الكريم وجدنا أن تقسيمها يمكن أن يتم دون تعسف على الشكل الآتي :
50 بيتا في مطلع القصيدة وفي ختامها من ذاتية الشاعر، فهو متغزل ثم منصرف إلى لوم نفسه على اشتغالها بهذه الأمر الدنيوية ... ثم هو يعود أخيرا نادما متحسرا متلهفا على حسن المنقلب .
أما 124 بيتا فهي مخصصة كلها إلى رسول الله مدحا وتنويها.
والحقيقة انه فيما يتعلق بشؤون النفس تستوقف الدارس أبيات معبرة عن نفسية رجل رقيق الشعور رهيف العاطفة، يزن نفسه وتصرفاته ويأخذها في ذلك كله أخذا شديدا، ولا تلمس النفاق ولا المغالاة ولا الاستكبار :
10 يا لائمي في الهوى العذري معذرة = منى إليك لو اتصفت لم تلم !
12 محضتني النصح لكن لست أسمعه = إن المحب في العذال في صمم !
14 فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت = من جهلها بنذير الشيب والهرم
17 من لي برد جماح من غوايتها = كما ترد جماح الخيل باللجم
22 كم حسنت لذة للمرء قاتلة = من حيث لم يدر أن السم في الدسم
24 واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت = من المحارم والز حمية الندم !
25 وخالف النفس والشيطان واعصمهما = وإن هما محضاك النصح فاتهم !
26 ولا تطع منهما خصما ولا حكما = فأنت تعرف كيد الخصم والحكم !
وتبلغ بالشاعر نفسيته الخيرة إلى القمة في التواضع والاعتراف بنزوات النفس فيقول :
27 استغفر الله من ول بلا عمل = لقد نسبت به نسلا لذي عقم
28 أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به = وما استقمت فما قولي لك : استقم !
وبعد استغراق طويل في التنويه بالرسول وبعثته وبطولته ومعجزاته .. يعود إلى تلك النفس الآمرة المؤذية فيعلن :
156 أطعت في الصبا في الحالتين وما = حصلت إلا عل الآثام والندم
157 فيا خسارة نفسي في تجارتها = لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
169 يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت = إن الكبائر في الغفران كاللمم
170 لعل رحمة ربي حين يقسمها = تأتي على حسب العصيان في القسم
ومن مزايا الشعراء المخلصين المحنكين أنهم يرسلون الشعر وفي طياته حكما، حكما مستمدة من التجارب الحلوة والمرة التي تنعموا أو تخبطوا فيها، مبقين أقوالهم أحاديث ترددها الأجيال وتستخرج من العبرة للاعتبار .. كم هي جديرة بالتمعن هذه الأقوال :
4 أيحسب الصب أن الحب منكتم = ما بين منسجم منه ومضطرم !
10 يا لائمي في الهوى العذري معذرة = مني إليك، لو أنصفت لم تلم !
14 محضتني النصح لكن لست أسمعه = إن المحب عن العذال في صمم
19 والنفس كالطفل إن تهمله شب على = حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم !!
25 وخالف النفس والشيطان واعصهما = وإن هما محضاك النصح فاتهم
26 ولا تطع منهما خصما ولا حكما = فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
98 ولا تقل لي بما د نلت جيدها = فما يقال لفضل الله، ذا بكم ؟
101 فالدر يزداد حسنا وهو منتظم = وليس ينص درا غير منتظم
109 لها معان كالبحر في مدد = وفوق جوهره في الحسن والقيم
115 لا تعجبن لحسود راح ينكرها = تجاهلا، وهو عين الفهم
116 قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد = وينكر الفم طعم الماء من سقم !
165 ولم أرد زهرة الدنيا التي قطفت = يدا زهير بما أثنى على هرم .. الخ
وهكذا تمضي القصيدة الخالدة بين ذكريات عاطفية وهواجس نفسانية وحيرة فكرية ينغمر بعدها الشاعر في عالم الرسول العامر بالهداية والرشاد وخدمة البشرية ... وأخيرا يعود إلى نفسه يعدها ويمنيها بأنها فازت عظيما بالتجائها إلى حماية الرسول الأعظم ... وفي ظلال هذه الرحمة الإلهية يميل الشاعر إلى إنهاء القصيدة.
173 وأذن بسحب صلاة منك دائمة = على النبي بمنهل ومنسجم
174 ما رنحت عذبات ألبان ريح صبا = وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
لنتخيل ذلك ألبان الرطب – الذي هو من منابت الأراضي الخصبة – يتمايل كلما هبت نسمات عليلة، ثم هذه الإبل، لنتصورها وهي سائرة عبر الفيافي الشاسعة، لا يقويها على المضي في السير إلا حداء الحادي الطروب ... أن الدنيا في ازدهاء وحركة عند مختلف المخلوقات في مختلف البقاع. فلتدم كذلك الصلاة على النبي.
هذا، وقد نالت القصيدة منتهى الفوز، ففتنت الشعراء وشغلتهم، ولربما أثارت غيرتهم، ولذلك اتخذوها نموذجا للمدح النبوي ... ومن أجل ذلك كثرت القصائد المدحية من هذا القبيل. وأخذها آخرون معجبين، فشطروها وخمسوها وعارضوها، وما زال ترن الآذان قصيدة شوقي التي مطلعها :
ريم على القاع بين ألبان والعلم = أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
وجاء آخرون فلم يطاولوا الشاعر الكبير، وإنما أقبلوا على رائعته يشرحونها، ويبينون ما انطوت عليه من المعاني والإشارات والرموز، ومن فنون البلاغة والبيان، حتى لقد ذكر إن لهذه القصيدة تسعين شرحا بالعربية والفارسية والتركية والبربرية. أما الأستاذ المنوني فقد ذكر أن هناك تسعة شروح لهذه القصيدة أربعة منها كتبت بمدينة فاس ...
ولم يقتصر الاهتمام بالقصيدة على الأدباء والمنشدين ورقاق الشعور، وإنما تعداهم إلى الجفاة غلاظ الأكباد. لقد أورد الناقد الكبير الأستاذ زكي مبارك "إن القصيدة كانت جزءا من الهدية التي قدمها العلامة ابن خلدون عند قدومه على تيمورلنك "7
وبعد، فجدير بهذه القصيدة الأخلاقية التاريخية القيمة أن تقرب إلى ميادين الدرس بالمعاهد وأن تعطى العناية التي تستحقها في البحث الحديث. ولنذكر أنها كانت في العهد غير البعيد من المتون التي تحفظ في الكتاتيب تحفيظا 8، وتبقى بعد ذلك على الألسنة، السنة الخاصة والسنة العامة تردد وتنشد، ويتملى بها في محافل الابتهاج ومجامع الإكتئاب، تتغذى بها جوازهم ونجتمع عليها أذواقهم، وتلك خاصية من خاصيات قصيدة (البردة) الخالدة، ورحم الله شوقي حيث قال :
المادحون وأرباب الهوى تبع = لصاحب (البردة) الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك خالص وهوى = وصادق الحب، يملي صادق الكلم9
1 الموسوعة المسيرة ص 436
2 أنظر القصيدة حول الموظفين حول الموظفين وحياة الوظيفة للشاعر .. أوردها الكاتب الكبير زكي مبارك في كتابه (مقارنة بين الشعراء) ...
3 يذكر أن هناك ديوانا للشاعر، ولم أسعد بالإطلاع عليه
4 و5) مقارنة بين الشعراء كتاب للدكتور زكي مبارك.
6 كتاب مقارنة بين الشعراء المشار إليه.
7 كتاب المقارنة بين الشعراء.
8 أخبرني أحد الإخوان من إقليم سوس أن أثر قراءة الحزب اليومي – بذلك الإقليم – يتلى جزء من البردة، وجزء من الهمزية.
9 عقد الدكتور زكي مبارك في كتابه (مقارنة بين الشعراء) فصلا درس فيه قصيدة البوصيري وقصيدة شوقي وقصيدة ثالثة، وانتهى إلى ترجيح قصيدة البوصيري كل الترجيح.
* دعوة الحق ع/ 159
وإذا كان كل شاعر يأخذ استعداده ويشحذ قريحته ليخرج مصقولا، عذبا متناغما مع عواطف وأحاسيس سامعيه وقارئيه، عسى أن يضمن له البقاء والخلود .. فإن هذا الشاعر المادح الصادق، خرج على الناس بقصيدة فريدة حق له أن يسميها (الدرة اليتيمية)، سارت وتسير على الألسنة، الألسنة التي تستعذبها إنشادا وترنما وتمثلا ...
إن لهذه القصيدة عديدا من المزايا : أنها لم تبل، فما زالت رغم مرور ستين عقدا من السنين ويزيد تتلى وتنشد ويتمثل ببعض أبياتها تمثلا، لا في أنحاء العالم العربي فقط، بل وفي أنحاء العالم، ليس بلغتها العربية وحسب، ولكن أيضا باللغات التي ترجمت إليها كالفارسية والتركية وغيرهما ... هذه مزية أولى، ومزية ثانية هي أن وزن القصيدة يسع غالب (النوبات) الموسيقية الأندلسية إنشادا وترنما، وهذا الإنشاد والتزم لا يكونان في حالة السرور والابتهاج وكفى، وإنما أحوال الذكر والخشوع والابتهال ... وأبعد من هذا، أن القصيدة بنفس الأوزان والأنغام تستعمل في المناسبات الحزينة، حيث تكون المآثم وتجهيزات الأموات، وبذلك يكون إنشاد هذه القصيدة عونا على مداراة الالآم، وتخفيفا من الوطأة على المحزونين. مزية ثالثة وهي فريدة، ذلك أن من المعهود أن يكون هناك فاصل بين أدب الخاصة وأدب العامة، كل معتز بأدبه وشغوف، حتى إذا حضرت قصيدة البردة وجدنا أن الأذواق تقاربت والأحاسيس تشابهت، ولا يبقى تفاوت إلا من ناحية تفهم سامي المعاني، وإدراك دقيق المرامي .. الحقيقة أنها ميزات لم تظفر بها قصيدة أخرى، ولم يخلد بها اسم شاعر، كما خلد اسم الشاعر البوصيري :
الشاعر البوصيري :
ينحدر الشاعر من أصل صنهاجي1، فهو مغربي الأصل، إلا أن الولادة (سنة 1211م) والنشأة في أرض مصر، فعبرية الصحراء – على هذا – استقت بمياه النيل، فجاءت الثمرة يانعة نافعة، ويذكر أن العمر امتد بالشاعر إلى نحو الخمس والثمانين سنة، وهو عمر مديد، عاشه الشاعر بكل أعبائه ومشاكله، واعترى بشريته فيه ما يعترى كل إنسان فنان شاعر، رقيق الإحساس، عاثر الحظ، ضيق الرزق، لم تشفق عليه حتى قلوب أهالي الموتى الذين كان يتولى التخطيط على شواهد قبور موتاهم الأعزاء ... لكن الشاعر الأديب المتمكن، المثابر الملحاح اللبق، المتصف بحلاوة النكثة وبالظرافة في مجالس محبيه وأنصاره ... الشديد العنيف في مواجهة حساده وخصومه .. تمكن من أن يتولى منصب، تسامت وترقت بتوالي الأعوام، وتحمل ما تفرضه هذه الناصب من المتاعب والمصاعب 2، ولما لاحت أعباء السنين منهكة، وتربصات المنافسين ومضايقاتهم متعبة، فضل الشاعر الانسحاب الكريم، لاجئا إلى ميدان التصوف، والوقوف عل باب الرسول العظيم :
154 خدمته بمديح استقل به = ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم
155 إذ قلداني ما تخشى عواقبه = كأنني بهما هدي من النعم
156 أطعت في الصبا الحالتين وما = حصلت الأعلى الآثام والندم
157 فيا خسارة نفسي في تجارتها = لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
شعر البوصيري :
لقد حفظ الأدب العربي للشاعر البوصيري قصائد ومقطوعات في مختلف الأغراض 3 ، ولكن تاريخ هذا الأدب أهمل تلك المنظومات على طرافتها، وأبقى للمادحين ما كتبه في تمجيد الرسول الكريم. والعجيب أن الذات الشريفة ألهمت الشاعر ثلاث قصائد : (الهمزية) و(المضرية) و(البردة) الأخيرة سائرة على الكثير من الألسن، والأولى لا تقل عنها شهرة في هذا المجال، ولكن الثانية لم يكن حظها مثل حظ أختيها، إذ لا يذكر أحد أن هناك قصيدة مدحية للبوصيري مطلعها :
في كل طرفة عين يطرفون بها = أهل السموات والأرضين، أو يذورا 4
حقا، إن حظ الشعر كحظ الشعراء عجيب !
وإلا، فالقطعة التالية ليست جديرة بإهمال النقاد والباحثين في الأدب، أنها قصيدة الصورة، القصيدة المعبرة بصدق، وهل ينتظر من أديب – ناثر أو شاعر – سوى أن يعبر بصدق :
شكوى من الحال لوزير5 = إليك أشكو حالنا، إننا
- حاشاك – قوم أولى عسرة = في قلة نحن، ولكن لنا
عائلة في غاية الكثرة = صاموا مع الناس، ولكنهم
كانوا لمن أبصرهم عبرة ! = إن شربوا فالبئر زير لهم
ما برحت، والشربة الجرة
إلى أن قال وقد أتى الحديث على أم أولاده :
ويوم زارت أمهم أختها
والأخت – في الغيرة - كالضرة !
وأقبلت تشكو لها حالها
وصبرها مني على العشرة !
قالت لها: كيف تكون النسا = كذا، الأزواج، يا عرة ؟
قومي، اطلبي حقك منه بلا = تخلف منك أو فترة
وإن تأبى، فخذي ذقنه، = أو انتفيها، شعرة شعرة !
قالت لها : ما هكذا عادتي = فإن زوجي عنده ضجرة
أخاف أن كلمته كلمة = طلقني. قالت لها : بعرة !
يظهر أن الزوج الشاعر كان يعيش في نطاق أسرته ببشريته المتقلبة، ولذلك جعل زوجته الوفية تعبر – على لسانه – عن خوفها من إجراءات المجافاة والطلاق ... أترى هي نوازع كانت تنزع بالفنان إلى مشاكسة الزوجة، وإلى موادة صاحبات الجمال الريق الفتي، ولو أن الجميلات الربقات لم يكن يحظى عندهن بإعجاب ولا تقدير ؟ هاكم اعترافه :
أهوى ؟ والشيب قد حال دونه = والتصابي – بعد المشيب - رعونه 6
أبت النفس أن تطيع، وقالت: = إن حبى لا يدخل القنينة كيف
أعصى الهوى ؟ وطينة قلبي = بالهوى – قبل آدم – معجونة !
سلبته الرقاد بيضة خدر = ذات حسن، كالدرة المكنونه
سمتها قبلة، تسر بها النغـ = ـس، فقالت : كذا أكون حزينة !
قد يكون هذا حديث نابع من واقع الشاعر المعاش، وقد يكون من أوهام الشعراء، وعندئذ تكون من قبيل الأماني الساخنة، التي يستعذب كل فنان أصيل الاحتراق بها، صقلا لما يعترى المعدن من صدا، أو تحريكا للسواكن خوفا عليها من الهمود أو الغناء. على كل حال أن ضمير شاعرنا كان حيا يهمس له بين الحين والحين :
159 إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقص = من النبي، ولا حبلي بمنصرم
160 فإن لي ذمة منه بتسميتي = محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم
ومرت الأيام، وقد عانى الشاعر ما عان، خاصم وخوصم، وشاتم وشتم، وقال الشعر متغزلا فتبذل ... ثم تبين في الأخير أن طريق الرشاد أصلح وأبقى، وإن حالة الاستقرار أولى من حالة الاضطراب فلم يكن هناك من ملجأ سوى الرسول الكريم، هادي الأمة، وكاشف الغمة. وفاضت الجوانح وتفجرت العواطف ونبع اللب الخير بالرائعتين :
الهمزية والبردة :
ولنترك الحديث عن الهمزية، ولننتقل إلى الحديث عن البردة (الدرة اليتيمة) فهو محصور فيها ود عللت تسمية هذه القصيدة الخالدة بالبردة، بأن الشاعر قعد به زممنا، فبقي ملازما للفراش، وذات ليلة تراآى له النبي عليه السلام في المنام، فاهتم بحاله، وغطاه ببردته الشريفة، فقام للغد مطمئنا معافى، وتوج قصيدته المدحية باسم (البردة) تيمنا. وليس هذا من قبيل الخرافات فالهامات الشعراء وتجلياتهم وصدق رؤاهم فوق تحقيقات المحققين.
وإذا أخذنا قصيدة (البردة) الرائعة، ذات المائة والسبعين وأربعة أبيات فإننا نرى فيها استهلالا غزليا رقيقا، مشوبا بمسحة من الشعر الجاهلي، ومنه تخلص المادح إلى زجر النفس ونهيها ثم دعاها بحرارة إلى الاحتماء بجانب الرسول الكريم، وسنحت فتغنى ما شاء الله له أن يتغنى بشخصية الرسول ورسالته ومعجزاته، وبمعجزة القرآن الكريم ومعجزة الإسراء والمعجزات وعبر عن العزم لينقطع بأشعاره إلى الرسول ومدحه والاعتزاز بمقامه العظيم .. تكفيرا منه عما مضى من لغو القول. وجاءت أبيات التوسل بعد ذلك رائعة مؤثرة ما أظن السامع إليها أو المترنم بها إلا وانفعل بها مستمعا أو مترنما :
169 يا نفسي لا تقنطي من زلة عظمت = إن الكبائر في الغفران كاللمم
170 لعل رحمة ربي حين يقسمها = تأتي عل حسب العصيان في القسم !
171 يا رب واجعل رجائي غير منعكس = لديك، واجعل حسابي غير منخرم
172 والطف بعبدك في الدارين أن له = صبرا، متى تدعه الأهوال ينهزم
وإذا عدنا إلى القصيدة فاحصين، متمعنين متذوقين، استخرجنا تقريبا العشرين والمائة بيتا التي خصصت للنبي الكريم وجدنا أن تقسيمها يمكن أن يتم دون تعسف على الشكل الآتي :
50 بيتا في مطلع القصيدة وفي ختامها من ذاتية الشاعر، فهو متغزل ثم منصرف إلى لوم نفسه على اشتغالها بهذه الأمر الدنيوية ... ثم هو يعود أخيرا نادما متحسرا متلهفا على حسن المنقلب .
أما 124 بيتا فهي مخصصة كلها إلى رسول الله مدحا وتنويها.
والحقيقة انه فيما يتعلق بشؤون النفس تستوقف الدارس أبيات معبرة عن نفسية رجل رقيق الشعور رهيف العاطفة، يزن نفسه وتصرفاته ويأخذها في ذلك كله أخذا شديدا، ولا تلمس النفاق ولا المغالاة ولا الاستكبار :
10 يا لائمي في الهوى العذري معذرة = منى إليك لو اتصفت لم تلم !
12 محضتني النصح لكن لست أسمعه = إن المحب في العذال في صمم !
14 فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت = من جهلها بنذير الشيب والهرم
17 من لي برد جماح من غوايتها = كما ترد جماح الخيل باللجم
22 كم حسنت لذة للمرء قاتلة = من حيث لم يدر أن السم في الدسم
24 واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت = من المحارم والز حمية الندم !
25 وخالف النفس والشيطان واعصمهما = وإن هما محضاك النصح فاتهم !
26 ولا تطع منهما خصما ولا حكما = فأنت تعرف كيد الخصم والحكم !
وتبلغ بالشاعر نفسيته الخيرة إلى القمة في التواضع والاعتراف بنزوات النفس فيقول :
27 استغفر الله من ول بلا عمل = لقد نسبت به نسلا لذي عقم
28 أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به = وما استقمت فما قولي لك : استقم !
وبعد استغراق طويل في التنويه بالرسول وبعثته وبطولته ومعجزاته .. يعود إلى تلك النفس الآمرة المؤذية فيعلن :
156 أطعت في الصبا في الحالتين وما = حصلت إلا عل الآثام والندم
157 فيا خسارة نفسي في تجارتها = لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
169 يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت = إن الكبائر في الغفران كاللمم
170 لعل رحمة ربي حين يقسمها = تأتي على حسب العصيان في القسم
ومن مزايا الشعراء المخلصين المحنكين أنهم يرسلون الشعر وفي طياته حكما، حكما مستمدة من التجارب الحلوة والمرة التي تنعموا أو تخبطوا فيها، مبقين أقوالهم أحاديث ترددها الأجيال وتستخرج من العبرة للاعتبار .. كم هي جديرة بالتمعن هذه الأقوال :
4 أيحسب الصب أن الحب منكتم = ما بين منسجم منه ومضطرم !
10 يا لائمي في الهوى العذري معذرة = مني إليك، لو أنصفت لم تلم !
14 محضتني النصح لكن لست أسمعه = إن المحب عن العذال في صمم
19 والنفس كالطفل إن تهمله شب على = حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم !!
25 وخالف النفس والشيطان واعصهما = وإن هما محضاك النصح فاتهم
26 ولا تطع منهما خصما ولا حكما = فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
98 ولا تقل لي بما د نلت جيدها = فما يقال لفضل الله، ذا بكم ؟
101 فالدر يزداد حسنا وهو منتظم = وليس ينص درا غير منتظم
109 لها معان كالبحر في مدد = وفوق جوهره في الحسن والقيم
115 لا تعجبن لحسود راح ينكرها = تجاهلا، وهو عين الفهم
116 قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد = وينكر الفم طعم الماء من سقم !
165 ولم أرد زهرة الدنيا التي قطفت = يدا زهير بما أثنى على هرم .. الخ
وهكذا تمضي القصيدة الخالدة بين ذكريات عاطفية وهواجس نفسانية وحيرة فكرية ينغمر بعدها الشاعر في عالم الرسول العامر بالهداية والرشاد وخدمة البشرية ... وأخيرا يعود إلى نفسه يعدها ويمنيها بأنها فازت عظيما بالتجائها إلى حماية الرسول الأعظم ... وفي ظلال هذه الرحمة الإلهية يميل الشاعر إلى إنهاء القصيدة.
173 وأذن بسحب صلاة منك دائمة = على النبي بمنهل ومنسجم
174 ما رنحت عذبات ألبان ريح صبا = وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
لنتخيل ذلك ألبان الرطب – الذي هو من منابت الأراضي الخصبة – يتمايل كلما هبت نسمات عليلة، ثم هذه الإبل، لنتصورها وهي سائرة عبر الفيافي الشاسعة، لا يقويها على المضي في السير إلا حداء الحادي الطروب ... أن الدنيا في ازدهاء وحركة عند مختلف المخلوقات في مختلف البقاع. فلتدم كذلك الصلاة على النبي.
هذا، وقد نالت القصيدة منتهى الفوز، ففتنت الشعراء وشغلتهم، ولربما أثارت غيرتهم، ولذلك اتخذوها نموذجا للمدح النبوي ... ومن أجل ذلك كثرت القصائد المدحية من هذا القبيل. وأخذها آخرون معجبين، فشطروها وخمسوها وعارضوها، وما زال ترن الآذان قصيدة شوقي التي مطلعها :
ريم على القاع بين ألبان والعلم = أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
وجاء آخرون فلم يطاولوا الشاعر الكبير، وإنما أقبلوا على رائعته يشرحونها، ويبينون ما انطوت عليه من المعاني والإشارات والرموز، ومن فنون البلاغة والبيان، حتى لقد ذكر إن لهذه القصيدة تسعين شرحا بالعربية والفارسية والتركية والبربرية. أما الأستاذ المنوني فقد ذكر أن هناك تسعة شروح لهذه القصيدة أربعة منها كتبت بمدينة فاس ...
ولم يقتصر الاهتمام بالقصيدة على الأدباء والمنشدين ورقاق الشعور، وإنما تعداهم إلى الجفاة غلاظ الأكباد. لقد أورد الناقد الكبير الأستاذ زكي مبارك "إن القصيدة كانت جزءا من الهدية التي قدمها العلامة ابن خلدون عند قدومه على تيمورلنك "7
وبعد، فجدير بهذه القصيدة الأخلاقية التاريخية القيمة أن تقرب إلى ميادين الدرس بالمعاهد وأن تعطى العناية التي تستحقها في البحث الحديث. ولنذكر أنها كانت في العهد غير البعيد من المتون التي تحفظ في الكتاتيب تحفيظا 8، وتبقى بعد ذلك على الألسنة، السنة الخاصة والسنة العامة تردد وتنشد، ويتملى بها في محافل الابتهاج ومجامع الإكتئاب، تتغذى بها جوازهم ونجتمع عليها أذواقهم، وتلك خاصية من خاصيات قصيدة (البردة) الخالدة، ورحم الله شوقي حيث قال :
المادحون وأرباب الهوى تبع = لصاحب (البردة) الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك خالص وهوى = وصادق الحب، يملي صادق الكلم9
1 الموسوعة المسيرة ص 436
2 أنظر القصيدة حول الموظفين حول الموظفين وحياة الوظيفة للشاعر .. أوردها الكاتب الكبير زكي مبارك في كتابه (مقارنة بين الشعراء) ...
3 يذكر أن هناك ديوانا للشاعر، ولم أسعد بالإطلاع عليه
4 و5) مقارنة بين الشعراء كتاب للدكتور زكي مبارك.
6 كتاب مقارنة بين الشعراء المشار إليه.
7 كتاب المقارنة بين الشعراء.
8 أخبرني أحد الإخوان من إقليم سوس أن أثر قراءة الحزب اليومي – بذلك الإقليم – يتلى جزء من البردة، وجزء من الهمزية.
9 عقد الدكتور زكي مبارك في كتابه (مقارنة بين الشعراء) فصلا درس فيه قصيدة البوصيري وقصيدة شوقي وقصيدة ثالثة، وانتهى إلى ترجيح قصيدة البوصيري كل الترجيح.
* دعوة الحق ع/ 159