عبدالباقي قربوعة
عبد الباقي قربوعه روائي وقاص جزائري.
على غرار الاعتراف بإشكالية ضيق فاعلية النقد على مستوى عربي، استنادا إلى الكثير من الكتاب والملاحظين والمهتمين بظاهرة تقهقر النقد على حساب غزارة الكتابة الإبداعية، وهو انشغال عربي شامل على أساس أن البنية النقدية تعد بمثابة اسمنت الجدار الثقافي والفكري الإنساني، فالنقد هو الذي يكشف مدى هشاشته أو صلابته، ومن ثم يساهم في تأسيس الحضارة الإنسانية بما ينصبه بأمانة من الإنتاج الإبداعي.
الكاتب والإعلامي العراقي جاسم الصغير يتساءل: (..فلماذا تغيب أو تنزوي الثقافة النقدية..؟ هل ذلك يعود لانعدام الرؤى والاتجاهات النقدية؟ أم يعود إلى قلة وجود نقاد فاعلين حقيقيين؟ أم هو غلبة السياسة على الثقافة؟ أم لعدم وجود جدوى من هذا الاتجاه النقدي في وقتنا الحاضر.؟)[1] وفي مثل هذا الانشغال يتحدث الأستاذ "بلوافي محمد" في "واقع النقد الأدبي في الجزائر مساره وإشكالاته" يقول: (ويبقي علينا معرفة الإشكال الذي نعاني منه وتشخيصه، بغية الوقوف عليه والخروج بالنقد والإنتاج الأدبي عامة، من دائرة الاجترار والتقليد الميت، التطبيع اللاّ عقلاني، إلى دائرة التصنيف العالمي ومراتب أرقى، لنصل إلى نقد بناء يسعى إلى معالجة الآثار الأدبية علاجاً منظماً، يكشف عن أفكارها وقيمها، ويجيب عن شتى الأسئلة التي تدور حول الصلة بين الأدب وحياة الأديب وعلاقته بالمجتمع.)[2]
تُضاف إلى ذلك فظاعة أخرى تتخلل محور أداء النقد على نفس المستوى، وعلى الساحة الجزائرية بوجه أخص، إشكالية ترَفُّع الاهتمام النقدي عن تجارب جديد رائدة فيما يختص بالمُنتج الأدبي المتجدد المختلف، وعدم التفكير ولو بالشيء وجيز المؤثت في تجاوز المُكرّس، لأن الحياة تتجدد، والثقافة في تحول مستمر، والإبداع في تتطور حثيث وسريع، كون الأدب وليد بيئته كما يقال كقاعدة عامة، لذلك يكمن الخطر في أن يكون المكرس هو السبب في تكريس بيئة معينة وتعميمها على العالم، يقول "سانت بيف" الناقد الفرنسي(1804-1869م): (إن العلاقة بين العمل والمؤلف – بما يكتنفه من ظروف عائلية، وقومية، وحقبة تاريخية، وارتباط تلك الحقبة بالحقب الأخرى، بما يشكل دوائر ذات مركز واحد – أمر ضروري لعملية التقويم التي يقوم بها الناقد.)[3] لذلك من اللاّزم أن يبرز النقد تنوع البيئة بما تحتويه من تراث من خلال الكتابة في أوجهها المختلفة، فالنقد يساهم إلى حدًّ بعيد في انحباس الكتابة في بيئة مغلقة، أكاد أقول أن هذا الانغلاق والانسداد دون ما يمكن أن يكون لافتا من التجارب الجديدة ورطة أغلب النقاد، فكأنهم يتفادون أن يشقوا على أنفسهم لإضاءة نصوص مختلفة، أو يدفعهم الكسل للاعتماد على مجهود غيرهم تنصلا من مسئوليتهم النقدية، ظاهرة جعلت النقد لصيقا بالجوائز المتنوعة والمتباينة الأهمية، وجعلته تابعا لهالة إعلامية سائدة، فكأن الناقد ينأى بنفسه عن البحث بمفرده لاكتشاف نصوص أخرى جديدة يمكن إضافتها عندما يرى أنها قد تجاوزت المتعارف عليه ولو كانت في عمق عميق من العالم.
حقيقة إن الناقد يشعر بالغربة والمغامرة حينما ينوي الخروج عن النمطية المألوفة في رسم تشكيل الساحة الثقافية وتصنيفها، خصوصا ما يعني المُنتج الأدبي الذي تطرحه الروائية، ويكتفي بالحيز المعتاد والمبتذل على أنه هو الواجهة الرسمية للكتابة عموما، هذا من جهة ومن جهة أخرى كأن النقد يكتفي بمن نزح إليه من النصوص إلحاحا بحركة أشبه بالزئبقية، ويقتصر على من وصل إليه بضغوط خارج النص كالمحاباة والخدمات المشتركة المتبادلة، ومنها تشابه الأمزجة خصوصا القناعات الأخلاقية المختلفة، في مناورة لإبراز تكتل من المبدعين يصب في مصلحة أو أيديولوجية واحدة، كل هذه التفاصيل تحدد موقفا مشوها للمنتج الأدبي، وترسم صورة كاذبة ومغلوطة لمستوى الكتابة، وبالتالي تفرز ساحة زائفة للإبداع، فالناقد مشدود كعامة القراء بما تطرحه وسائل الإعلام المختلفة، ولما يخرج من غيبوبة الانبهار بالمشهد الإعلامي الترويجي المُتسم بالتجارية، إلى الوعي بما تدب من أقلام جديدة على ساحة الكتابة، والهوة الأخطر عندما يكون الناقد نفسه يحوز منتجا أدبيا ويشعر بحاجة إلى إضاءة، فهو إذن يبحث عمن يأخذ بيده، فكما يفكر كيف يمكن أن يكون مفيدا للآخر، هو بالضرورة يفكر كيف يمكن أن يستفيد أيضا من الآخر، وفي هذا السياق يذهب ضحية مبدع ليس بمقدوره أن يقدم له شيئا، كأن الطبيب يأخذ على نفسه ألاّ يعالج مريضا إلا إذا كان طبيبا مثله، فهو إذن يحتاط إلى يوم يكون فيه مريضا.! فالنقد يجب أن يكون متحررا من كذا ضغوط حتى تصفى مرآته لتعكس بصورة صحيحة المشهد الحقيقي الذي يمكن أن يُعتمد كمنظومة تاريخية أدبية.
[HR][/HR]
[1] ) جريدة البيان 05 العراقية ديسمبر2010م.
[2] ) مجلة ديوان العرب أفريل 2009م
[3] ) مقالات في النقد الأدبي، د/ إبراهيم حمادة، ص: 92 نقلا عن مجلة
الروائي عبد الباقي قربوعه
الكاتب والإعلامي العراقي جاسم الصغير يتساءل: (..فلماذا تغيب أو تنزوي الثقافة النقدية..؟ هل ذلك يعود لانعدام الرؤى والاتجاهات النقدية؟ أم يعود إلى قلة وجود نقاد فاعلين حقيقيين؟ أم هو غلبة السياسة على الثقافة؟ أم لعدم وجود جدوى من هذا الاتجاه النقدي في وقتنا الحاضر.؟)[1] وفي مثل هذا الانشغال يتحدث الأستاذ "بلوافي محمد" في "واقع النقد الأدبي في الجزائر مساره وإشكالاته" يقول: (ويبقي علينا معرفة الإشكال الذي نعاني منه وتشخيصه، بغية الوقوف عليه والخروج بالنقد والإنتاج الأدبي عامة، من دائرة الاجترار والتقليد الميت، التطبيع اللاّ عقلاني، إلى دائرة التصنيف العالمي ومراتب أرقى، لنصل إلى نقد بناء يسعى إلى معالجة الآثار الأدبية علاجاً منظماً، يكشف عن أفكارها وقيمها، ويجيب عن شتى الأسئلة التي تدور حول الصلة بين الأدب وحياة الأديب وعلاقته بالمجتمع.)[2]
تُضاف إلى ذلك فظاعة أخرى تتخلل محور أداء النقد على نفس المستوى، وعلى الساحة الجزائرية بوجه أخص، إشكالية ترَفُّع الاهتمام النقدي عن تجارب جديد رائدة فيما يختص بالمُنتج الأدبي المتجدد المختلف، وعدم التفكير ولو بالشيء وجيز المؤثت في تجاوز المُكرّس، لأن الحياة تتجدد، والثقافة في تحول مستمر، والإبداع في تتطور حثيث وسريع، كون الأدب وليد بيئته كما يقال كقاعدة عامة، لذلك يكمن الخطر في أن يكون المكرس هو السبب في تكريس بيئة معينة وتعميمها على العالم، يقول "سانت بيف" الناقد الفرنسي(1804-1869م): (إن العلاقة بين العمل والمؤلف – بما يكتنفه من ظروف عائلية، وقومية، وحقبة تاريخية، وارتباط تلك الحقبة بالحقب الأخرى، بما يشكل دوائر ذات مركز واحد – أمر ضروري لعملية التقويم التي يقوم بها الناقد.)[3] لذلك من اللاّزم أن يبرز النقد تنوع البيئة بما تحتويه من تراث من خلال الكتابة في أوجهها المختلفة، فالنقد يساهم إلى حدًّ بعيد في انحباس الكتابة في بيئة مغلقة، أكاد أقول أن هذا الانغلاق والانسداد دون ما يمكن أن يكون لافتا من التجارب الجديدة ورطة أغلب النقاد، فكأنهم يتفادون أن يشقوا على أنفسهم لإضاءة نصوص مختلفة، أو يدفعهم الكسل للاعتماد على مجهود غيرهم تنصلا من مسئوليتهم النقدية، ظاهرة جعلت النقد لصيقا بالجوائز المتنوعة والمتباينة الأهمية، وجعلته تابعا لهالة إعلامية سائدة، فكأن الناقد ينأى بنفسه عن البحث بمفرده لاكتشاف نصوص أخرى جديدة يمكن إضافتها عندما يرى أنها قد تجاوزت المتعارف عليه ولو كانت في عمق عميق من العالم.
حقيقة إن الناقد يشعر بالغربة والمغامرة حينما ينوي الخروج عن النمطية المألوفة في رسم تشكيل الساحة الثقافية وتصنيفها، خصوصا ما يعني المُنتج الأدبي الذي تطرحه الروائية، ويكتفي بالحيز المعتاد والمبتذل على أنه هو الواجهة الرسمية للكتابة عموما، هذا من جهة ومن جهة أخرى كأن النقد يكتفي بمن نزح إليه من النصوص إلحاحا بحركة أشبه بالزئبقية، ويقتصر على من وصل إليه بضغوط خارج النص كالمحاباة والخدمات المشتركة المتبادلة، ومنها تشابه الأمزجة خصوصا القناعات الأخلاقية المختلفة، في مناورة لإبراز تكتل من المبدعين يصب في مصلحة أو أيديولوجية واحدة، كل هذه التفاصيل تحدد موقفا مشوها للمنتج الأدبي، وترسم صورة كاذبة ومغلوطة لمستوى الكتابة، وبالتالي تفرز ساحة زائفة للإبداع، فالناقد مشدود كعامة القراء بما تطرحه وسائل الإعلام المختلفة، ولما يخرج من غيبوبة الانبهار بالمشهد الإعلامي الترويجي المُتسم بالتجارية، إلى الوعي بما تدب من أقلام جديدة على ساحة الكتابة، والهوة الأخطر عندما يكون الناقد نفسه يحوز منتجا أدبيا ويشعر بحاجة إلى إضاءة، فهو إذن يبحث عمن يأخذ بيده، فكما يفكر كيف يمكن أن يكون مفيدا للآخر، هو بالضرورة يفكر كيف يمكن أن يستفيد أيضا من الآخر، وفي هذا السياق يذهب ضحية مبدع ليس بمقدوره أن يقدم له شيئا، كأن الطبيب يأخذ على نفسه ألاّ يعالج مريضا إلا إذا كان طبيبا مثله، فهو إذن يحتاط إلى يوم يكون فيه مريضا.! فالنقد يجب أن يكون متحررا من كذا ضغوط حتى تصفى مرآته لتعكس بصورة صحيحة المشهد الحقيقي الذي يمكن أن يُعتمد كمنظومة تاريخية أدبية.
[HR][/HR]
[1] ) جريدة البيان 05 العراقية ديسمبر2010م.
[2] ) مجلة ديوان العرب أفريل 2009م
[3] ) مقالات في النقد الأدبي، د/ إبراهيم حمادة، ص: 92 نقلا عن مجلة
الروائي عبد الباقي قربوعه
المرفقات
التعديل الأخير: