ر
رضا البطاوى
قبل الدخول فى النقد أقول نظرا لكون تلك الحكاية تتعلق بالكفر والإسلام ونظرا لوفاة نجيب محفوظ فإننا لا تقدر على رمى الرجل بالكفر خاصة أن الرجل لم يعد نشر الرواية بعد صدورها فى جريدة الأهرام المصرية مسلسلة وصدور نسخة لبنانية منها فى الستينات هى النسخة الوحيدة الموجودة حاليا ورغم عدم وجود أمر بمنع النشر فى مصر رغم ما وجه من انتقادات من بعض الأزهريين للحكاية فإن نجيب محفوظ أصر على عدم نشرها إلا بموافقة الأزهر ولم يعط أحد إذنا بنشرها وظل رافضا للنشر حتى وفاته وهو ما يعتبر توبة منه نوعا ما لأن الرجل كان يعتبر الحكاية ."اقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة" رجاء النقاش، نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته. الطبعة الأولى ص141-142، مركز الأهرام للترجمة والنشر 1998
فالمفترض فى الناقد وهو قاضى أن يسأل المتهم عن صحة اتهامه ولما كان المتهم ميتا فإنه لا يجوز الحكم على ميت خاصة أن الحكاية غايتها هى إظهار ملخص تاريخ الإنسان وهو تكرار دورات الظلم الطويل والعدل القصير
النسخة المعتمدة فى النقد يبدو أنها نسخة كتبها أحد العراقيين من نسخة لديه أو من إحدى المكتبات وهى مليئة بالأخطاء الإملائية وقد يكون قد نسى بعض الكلمات أو الجمل فى أثناء الكتابة والأخطاء الرئيسية تكمن فى كتابة حرف الكاف آ فى عدة ألوف من الكلمات وكذلك حرف الهاء حيث يظهر علامة استفهام داخل مستطيل وقد حاولت فيما نقلت منها تلافى تلك الأخطاء بإصلاح الأخطاء كما أن النسخة عندما نقلتها من نظام بى دى اف إلى نظام الكتابة العادية وورد كانت ترقيمها مختلفا وكانت لا تستجيب عند نقل الصفحات ومن ثم فأرقام الصفحات تبدو تقريبية فقد تكون صحيحة وقد تكون بعدها بصفحة أو اثنين
وكانت لدى نسخة أصلية من على الشبكة العنكبوتية أرسلها لى أحد الأصدقاء منذ أكثر من عشر سنوات عندما كانت علاقتى بالشبكة العنبوتية مجرد علاقة عمل مع موقع وزارة التربية والتعليم وربما قرأت بعض منها أو كلها والظاهر أنها كانت مقسمة تقسيما أخر غير التقسيمات فى هذه النسخة المنقولة عن الأصل فعلى حد ذاكرتى الضعيفة أنها كانت مقسمة إلى 114 جزء أى بعدد سور المصحف الحالى وإن كانت ذاكرتى صحيحة فهذا أمر يجعل نجيب فى محل اتهام سوى ما سيأتى فى النقد وهو أنه يحاول تقليد المصحف
أول سؤال تطرحه حكاية حارتنا :
هل يجوز لروائى أو حكواتى أن يأخذ قصص الوحى فيحرفها فيزيد فيها وينقص منها؟
بالقطع لا يجوز له ذلك كما لا يجوز لأيا كان الافتراء على الله كما قال تعالى بسورة الأعراف :
" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين" وقال بسورة الأنعام:
"فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ"
نجيب محفوظ ليتخلص من وزر هذه الحكايات زعم فى افتتاحية الحكاية أنه مجرد ناقل لحكايات تروى فى المقاهى وغيرها فقال :
"هذه حكاية حارتنا ، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق ، لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذى عاصرته، ولكنى سجلتها جميعا كما يرويها الرواة وما أكثرهم جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات، يرويها كل كما يسمعها فى قهوة حية أو كما نقلت إليه خلال الأجيال، ولا سند لى فيما كتبت إلا هذه المصادر"
الرجل هنا يعترف بأنه عاصر الجزء الأخير من صاحب عرفة وهو حنش وأن الباقى هو روايات أبناء الحارة وبالقطع الرجل كاذب فى إدعاءه فلو كانت هذه الحكايات تروى فيجب أن تصل أخبارها لكل الناس فى مصر الحالية ويجب أن يكون لها منشدين أو مغنيين يغنونها كما حدث فى السيرة الهلالية وسيرة الزير سالم وسيرة الظاهر بيبرس أو تكتب كما كتبت تلك السير والحكايات الشعبية فلا يوجد كتاب يعتمد عليه ولا حتى شاهد واحد يقول أنه سمعها
إذا فالرجل هنا يتنصل من مسئوليته على طريقة ناقل الكفر ليس بكافر وهى مقولة ليست صحيحة دوما فهناك ناقل يكون كافر إذا كان الهدف من نقله هو إضلال غيره ولذا فى قصة الإفك قال الله تعالى أن ترديد الكفر هو خطيئة وذنب عظيم فقال بسورة النور :
"إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿١٦﴾ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
وعمل نجيب على نشر هذه الضلالات فى كتاب هو عودة لمثل الذنب العظيم ؟ ولعل رفضه لنشر الحكايات مرة أخرى هو دليل على التوبة التى الله أعلم بها
ماذا فعل نجيب محفوظ بأسماء قصص الوحى وحكايات التاريخ ؟
فيما يبدو كان نجيب قد وضع خطة لنفسه فى الأسماء المتعلقة بقصص الوحى من الأسس التالية:
الأول زيادة حروف على اسم الشخص فمثلا أدم (ص) زاد عليه حرف الهاء فأصبح آدهم وأم والمراد حواء أم البشر زاد عليها حروف الياء والميم والتاء فأصبحت أميمة وأبو بكر الصديق أصبح اسمه صادق
الثانى تغيير حروف فى اسم الشخص فمثلا إبليس أصبح إدريس ومثلا هابيل وقابيل أصبحا همام وقدرى فأخذ الحرف الأول من كل منهما ومثلا جبريل (ص)أصبح قنديل وعمران أصبح حمدان
الثالث غير أسماء بحسب فعل فى حياتها فالجبلاوى وهو اسم الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا مأخوذ من تجليه للجبل فى قوله تعالى بسورة الأعراف " فلما تجلى ربه للجبل " واسم جبل أطلقه على موسى(ص) بسبب ارتباط الأحداث الرئيسية فى حياته بالجبل فالنار على الجبل والتجلى على الجبل والميقات فى الجبل وأما المسيح(ص) فأسماه رفاعة وهو مأخوذ من رفع الله تعالى له عنده حيث قال بسورة النساء " بل رفعه الله إليه " وأما قاسم والمراد محمد(ص) فهو مأخوذ من الاسم التاريخى فى السيرة وهو أبو القاسم ومن الحديث المروى "إنما أنا قاسم " وعلى بن أبى طالب أصبح اسمه حسن على اسم ولده وعائشة أصبحت بدرية حيث أنها تزوجت فى سن مبكر أى بدرى
حكاية آدم (ص)وضلالاتها :
-بدأ نجيب الضلالة بأن الجبلاوى اختار أدهم من بين إخوته لإدارة الوقف تحت إشرافه حيث قال :
" أما الجبلاوى فاستطرد قائلا:
-وقد وقع اختيارى على أخيكم أدهم ليدير الوقف تحت إشرافى"ص4
وبالقطع لم يكن لآدم (ص)إخوة وهذا هو الافتراء وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة :"وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة "
-"فغضوا الأبصار حذرا من أن يقرأ ما فى نفوسهم ، إلا إدريس فقد قال بإصرار
ولكننى الأخ الأكبر
فقال الجبلاوى مستاء
أظن أننى أعلم ذلك ، فأنا الذى أنجبتك"ص5
هنا اعتمد نجيب فى ضلالة وجود أبناء لله-تعالى عن ذلك- المسمى عنده الجبلاوى على العهد القديم فى مثل قول سفر التكوين :
"1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أولادا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ."
-وفى القولة التالية :
"فقال إدريس وحرارة غضبه أخذة فى الارتفاع
للأخ الأكبر حقوق لاتهضم إلا لسبب
فحدجه الرجل بنظرة طويلة كأنما يمنحه فرصة طيبة لتدبر أمره وقال
-أوكد لكم إنى راعيت فى اختيارى مصلحة الجميع."ص5
نجد ضلالة حقوق الأخ الأكبر فالملائكة تحدثت ليس عن حقوقها ولكن عن فساد المخلوق وكفايتهم فى طاعة الله كما قال تعالى بسورة البقرة"قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون"
-"وانتفخ كالديك المزهو ليعلن للأبصار فوارق
الحجم واللون والبهاء بينه وبين أخيه، وانطلق الكلام من فيه كما ينطلق نثار الريق عند العطس بغير ضابط:
إنى وأشقائى أبناء هانم من خيرة النساء، أما هذا فإبن جارية سوداء"ص5
هنا الضلالة أن سبب تفضيل إبليس لنفسه عند نجيب هو الحجم واللون والبهاء بينما فى الوحى مادة الخلق وفى هذا قال بسورة الأعراف:"أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين "
-"شحب وجه أدهم الأسمر دون أن تند عنه حركة"ص5
تعبير نجيب بالسمار المراد به أنه طين كما فى قوله تعالى بسورة ص"إنى خالق بشرا من طين"
-"على حين لوح الجبلاوى بيده قائلا بنبرات الوعيد
تأدب يا إدريس
ولكن إدريس كانت تعصف به عواصف الغضب المجنونة فهتف
وهو أصغرنا أيضا، فدلنى على سبب يرجحنى به إلا أن يكون زماننا زمان الخدم والعبيد؟-."ص5
فى هذا الجزء يوافق الجزء يوافق نجيب الوحى فى تكبر إبليس وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين
-"ورفع رضوان رأسه نحو أبيه وقال برقة باسمة
نحن جميعا أبناؤك، ومن حقنا أن نحزن إذا افتقدنا رضاك عنا . والأمر لك على أى حال .. وغاية مرامنا أن نعرف السبب" ص6
هنا اعتمد نجيب فى ضلالة وجود أبناء لله-تعالى عن ذلك- المسمى عنده الجبلاوى على العهد القديم فى مثل قول سفر التكوين :
"1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا."
-"وعدل الجبلاوى عن إدريس إلى رضوان، مروضا غضبه لغاية فى نفسه ، فقال
6 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
-أدهم على دراية بطباع المستأجرين ويعرف أكثرهم بأسمائهم، ثم إنه على علم بالكتابة والحساب.
وعجب إدريس من قول أبيه كما عجب أخوته، متى كانت معرفة الأوشاب ميزة يفضل من أجلها إنسان، ودخول الكتاب أهون"ص6
الافتراء هنا أن سبب تفضيل الجبلاوى - وهو الله تعالى عن ذلك -لآدم (ص) هو معرفة أسماء المستأجرين وطباعهم وهو ما يخالف كونه علم آدم(ص) بالأسماء كلها والمراد القراءة والكتابة التى لا تعرفها الملائكة كما فى قوله تعالى بسورة البقرة "وعلم أدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤنى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا أدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون"
-"وتساءل إدريس متهكما:
أتكفى هذه الأسباب لتبرير ما يراد بى من مذلة؟
فأشار الجبلاوى نحوه بضجر وقال
-هذه إرادتى ، وما عليك إلا السمع والطاعة.
والتفت الرجل التفاتة حادة صوب أشقاء إدريس وهو يسأل ؟
ما قولكم ؟
فلم يحتمل عباس نظرة أبيه، وقال وهو واجم
سمعا وطاعة
وسرعان ما قال جليل وهو يغض طرفه
أمرك يا أبى-. .
وقال رضوان وهو يزدرد ريقه الجاف
على العين والرأس
عند ذلك ضحك إدريس ضحكة غضب تقلصت إلى أساريره حتى قبحت وجهه وهتف
يا جبناء .. ما توقعت منكم إلا الهزيمة المزرية، وبالجبن يتحكم فيكم ابن الجارية السوداء "ص6
هنا يوافق نجيب الوحى فى السجود وهو السمع والطاعة من قبل الكل عدا إبليس وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين"
ولكنه افترى فى بداية الكلام ذاكرا ضجر الله وهو ما لا يوصف به الخالق
-"ولكن إدريس واصل صياحه قائلا
"لن ترعبنى ، أنت تعلم أننى لا أرتعب، وأنك إذا أردت أن ترفع ابن الجارية على فلن أسمعك لحن السمع والطاعة."
الافتراء هنا هو عدم رعب إبليس من عذاب الله وهو كلام كاذب لمعرفته بيوم الوقت المعلوم حيث الثواب والعقاب كما قال تعالى على لسانه "فأنظرنى إلى يوم الوقت المعلوم "
7-" أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
ألا تدرك عاقبة التحدى يا ملعون ؟-."ص7
يوافق هنا نجيب الوحى فى لعنة إبليس كما قال تعالى بسورة الحجر "فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين"
-"الملعون حقا هو ابن الجارية
فعلت نبرات الرجل واخشوشنت وهو يقول
إنها زوجتى يا عربيد، فتأدب وإلا سويت بك الأرض .. وفزع الاخوة وأولهم أدهم لداريتهم ببطش أبيهم الجبار ، ولكن إدريس كان قد بلغ من الغضب درجة لم يعد يدرك معها خطرا كأنه مجنون يهاجم نارا مندلعة، فصاح :إنك تبغضنى ، لم أكن اعلم هذا، ولكنك تبغضنى دون ريب، لعل الجارية هى التى بغضتنا إليك، سيد الخلاء -.ص7
الافتراء هنا هو وجود زوجة للجبلاوى وأولاد له هو أبيهم وهو المراد بالله - تعالى عن ذلك – وهو ما يخالف قوله تعالى " ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "
-"فصاح الجبلاوى بصوت صك الأسماع فى الحديقة والحريم:
أغرب بعيدا عن وجهى. .هذا بيتى، فيه أمى ، وهى سيدته دون منازع لن ترى فيه بعد اليوم وإلى الأبد"ص7
هنا يوافق نجيب الوحى فى قوله تعالى بسورة الأعراف "فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين" وقوله بسورة الحجر "فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين"
-"أيقن الجميع إن إدريس قد انتهى حتى إدريس بكرى الواقف ومثيله فى القوة والجمال قد انتهى . وتقدم الجبلاوى خطوتين أخريين وهو يقول:
لا أنت أبنى ولا أنا أبوك، ولا هذا البيت بيتك، ولا أم لك فيه ولا أخ ولا تابع، أمامك الأرض الواسعة فاذهب مصحوبا بغضبى ولعنتى وستعلمك الأيام حقيقة قدرك وأنت تهيم على وجهك محروما من عطفى ورعايتى "ص8
الخطأ هنا هو طرد إبليس للأرض وهو طرد فى الحقيقة للنار وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم جميعا"
"فأنقض عليه الأب قبل أن يتقيه، وقبض على منكبه بقبضة كالمعصرة، ودفعه أمامه والآخر يتراجع مقهقرا ، فعبرا باب
8 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
السلاملك وهبطا السلم وإدريس يتعثر ثم اخترق به ممرا تكتنفه شجيرات الورد والحناء مفروشا بالياسمين حتى البوابة الكبيرة فدفعه خارجا وأغلق الباب وصاح بصوت سمعه كل من يقيم فى البيت:
الهلاك لمن يسمح له بالعودة أو يعينه عليها ورفع رأسه صوب نوافذ الحريم المغلقة وصاح مرة أخرى وطالقة ثلاثا من تجترئ على هذا. ص8
يوافق هنا نجيب الوحى فى أن جزاء من يتبع إبليس هو الطرد من الجنة للنار كما فى قوله تعالى بسورة الأعراف "اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم جميعا"
وأما الافتراءات فمتعددة كوجود الزوجات وطلاقهم ومنها انقضاض الجبلاوى على إبليس فهو يذكرنا بالعهد القديم ومصارعة الله – تعالى عن ذلك – ليعقوب (ص) وفى هذا قال سفر التكوين :
24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي».
-"ولعل أدهم كان أشد إحساسا منهم بهذا الفارق، ولعله قارن كثيرا بين لونهم المضئ ولونه الأسمر، بين قوتهم ورقته، بين سمو أمهم ووضاعة أمه، ولعله عانى من ذلك أسى مكتوما وألم دفينا"ص9
الافتراء هنا هو أن آدم (ص) كان يحس بالوضاعة بسبب مادة خلقه ومادة خلق الملائكة وقوتهم ورقته سمو أمهم ووضاعة أمه وهو ما لا ذكر له فى الوحى كما أن الله علمه أن مادة الخلق واحدة فالنار والتراب وغيرهم أصلهم واحد كما فى قوله تعالى " وجعلنا من الماء كل شىء حى " ومن ثم فهذا افتراء من خيال نجيب
-"وقال أدهم لأمه قبيل ذهابه إلى إدارة الوقف:
باركينى يا أمى فما هذا العمل الذى عهد به إلى إلا امتحان شديد لى ولك "ص9
بالطبع هنا افتراء فآدم (ص) لم يطلب شيئا من الأرض فهى ليست أمه وهو يعرف أن البركة من الله وليس من مخلوق
-"ومضى أدهم إلى المنظرة ترمقه العيون من السلاملك والحديقة من وراء النوافذ، وجلس على مقعد ناظر الوقف وبدأ عمله
9 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
، وكان عمله أخطر نشاط إنسانى يزاول فى تلك البقعة الصحراوية ما بين المقطم شرقا والقاهرة القديمة غربا "
يذكرنا تعبير المقطم شرقا بتعبير فى العهد القديم هو شرقى عدن وهو قول سفر التكوين :
23فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. 24فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيم"
-"واتخذ أدهم من الأمانة شعارا وسجل كل مليم فى الدفتر لأول مرة فى تاريخ الوقف، وكان يسلم أخوته رواتبهم فى أدب ينسيهم مرارة الحنق ثم يقصد أباه بحصيلة الأموال وسأله أبوه يوما:
كيف تجد العمل يا أدهم ؟
فقال أدهم بخشوع
-ما دمت قد عهدت به إلى فهو أعظم ما فى حياتى.
فشاعت فى الوجه العظيم البشاشة، إذ أنه على جبروته كان يستخفه طرب الثناء، وكان أدهم يحب مجلسه، وإذا جلس إليه اختلس منه نظرات الإعجاب والحب، وكم كان يسعده أن يتابع أحاديثه وهو يروى - له ولإخوته - حكايات الزمان الأول "ص9
الافتراء النجيبى هنا هو أن آدم (ص) كان له إخوة يعطيهم إيراد الأرض بالتساوى وهو العدل وهو كلام جنونى فآدم (ص) كان فردا بلا أخوة
والافتراء الأخر هو أن طرب الثناء كان يستخف الجبلاوى والمراد الله – تعالى عما قال – وبالطبع الله لا يهمه شكر شاكر ولا كفر كافر فكلاهما لا يغير فيه شيئا ولذا قال عن نفسه "ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين "
-"وبعد طرد إدريس ظل عباس ورضوان وجليل على عادتهم من الاجتماع فوق سطح البيت، يأكلون ويشربون ويقامرون ص10
الافتراء هنا هو أن الملائكة تقامر بينما هم يسبحون الله ويستغفرون لمن فى الأرض كما قال تعالى بسورة غافر" الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا"
-"والتفت وراءه فرأى فتاة سمراء وهى تهم بالتراجع عندما اكتشفت وجوده فأشار بالوقوف فوقفت وتفحصها مليا ثم سألها برقة.من أنت ؟فأجابت بصوت ملعثم أميمة-. . إنه يذكر الاسم ، فهو لجارية ، قريبة لأمه، وكما كانت أمه قبل أن يتزوج منها أبوه ص11
هنا السمراء تعنى الطين المخلوق من البشر والافتراء هو أن أمه وأبوه كان هو نتاجهما فهو افتراء على الله وأميمة أى البشر أم البشر خلقت منه كما فى قوله تعالى
"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها"
واطلاق اسم أميمة يعود بنا لنص سفر التكوين "20وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ"
-"كأنما انفجر فى المنظرة نفسها وهو يصيح:
أنا هنا ، فى الخلاء يا جبلاوى، ألعن الكل، اللعنة على رؤوسكم نساءً ورجالاً، وأتحدى من لم تعجبه كلماتى ، سامعنى ياجبلاوى؟
وهتف أدهم " إدريس " وغادر المنظرة إلى الحديقة فرأى أخاه رضوان متجها نحوه فى اضطراب ظاهر ، وبادره قائلا:
إدريس سكران، رأيته من النافذة مختل التوازن من السكر، أى فضائح تخبئ الأقدار لأسرتنا؟ ص12
الافتراء هنا هو وجود أسرة للجبلاوى وهو الله وهو ما نفاه بقوله "ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "
-"فلوح إدريس بيده ثائرا وصاح:
ملعون البيت الذى لا يطمئن فيه إلا الجبناء الذين يغمسون اللقمة فى ذل الخنوع، ويعبدون مذلهم، لن أعود إلى بيت أنت فيه رئيس، فقل لأبيك إننى أعيش فى الخلاء الذى جاء منه، وإننى عدت قطاع طريق كما كان وعربيدا أثيما معتديا كما يكون وسيشيرون إلى فى كل مكان أعيث فيه فسادا ويقولون " ابن الجبلاوى " بذلك أمرغكم فى التراب يا من تظنون
ص13 أنفسكم سادة وأنتم لصوص.ص14
الافتراء هنا هو وجود ابن للجبلاوى وهو الله وهو ما نفاه بقوله "ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "كما أن الافتراء فى حكاية الخلاء الذى جاء منه الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فلم يكن قبل الخلق هناك مكان كما فى المقولة الشهيرة "كان الله ولا مكان "
-"وجد أدهم فى أميمة سعادة لم يعرفها من قبل، ولبساطته أعلن عن سعادته بأقواله وأحواله حتى تندر به إخوته، وعند ختام كل صلاة كان يبسط يديه هاتفا " : الحمد لصاحب المنن، على رضى أبى الحمد لله على حب زوجتى ، الحمد له على المنن المنزلة التى أحظى بها دون من هم أجدر منى بها، الحمد له على الحديقة الغناء والناى الرفيق، الحمد له ." وقالت كل امرأة من نساء البيت الكبير إن أميمة زوجة واعية، فهى ترعى زوجها كأنه ابنها، وتوادد حماتها وتخدمها حتى أسرتها،ص19
نجد هنا أن نجيب يتخلص من حكاية كون الجبلاوى هو الله بأقوال آدهم عن حمد الله ورضا الأب
-"فحول أدهم رأسه نحو النافذة وقال بحزن
26 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
إدريس الذى جاءنى اليوم غير إدريس الذى أساء إلى، إن منظره النادم الحزين لا يبرح مخيلتى-. .
فقالت بارتياح ظاهر
هذا ما أدركته من حديثك، وهو سر اهتمامى بالأمر، ولكنك تبدو ضيق الصدر بخلاف عادتك "ص28
الافتراء النجيبى هو اهتمام آدم بإبليس بعد طرده من الجنة حتى أنه حزن عليه وهو كلام لا يعقل مع وجوده فى الجنة حيث لا حزن
-"تزحزحت من مجلسها على الكنبة مقتربة منه وسألته بإغراء
بربك ألا تود أن تطلع على الحجة ؟
فأجاب بحدة
كلا ، لماذا أود ذلك ؟
27 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
من ذا يقاوم الرغبة فى الاطلاع على المستقبل
تعنين مستقبلك أنت ؟-.
مستقبلى ومستقبلك ، ومستقبل إدريس الذى حزنت عليه رغم ما سبق منه ضدك "ص29
فقالت وكأنما تخاطب نفسها
المستقبل ! نعرف مستقبلنا ونقدم احسانا كبيرا إلى إدريس التعيس، لن يكلفنا هذا كله إلا قراءة ورقة دون أن يدرى أحد،-.وأتحدى أى صديق أو عدو أن يثبت علينا سوء نية فى عملنا هذا أو أنه يمس من قريب أو من بعيد والدك المحبوب
وكان أدهم يراقب نجما فاق الأنجم بضيائه اللامع فقال متجاهلا قولها:
ما أجمل السماء ! لولا رطوبة الليل لجلست فى الحديقة أراقبها من خلال الغصون-. .ص29
فقالت متنهدة
-لو آنت أعرف القراءة لذهبت بنفسى إلى الصندوق الفضى.
تمنى لو كان ذلك كذلك، وتضاعف حنقه عليها وعلى نفسه، بل شعر بأنه قد وقع فى المحظور فعلا وأنه يفكر فيه كحدث مضى، وتحول نحوها مقطبا فبدأ وجهه على ضوء المصباح المرتعش بالنسيم المتسلل من النافذة متجها ، ضعيفا رغم تجهمه وقال:
لعنت حين أفضيت إليك بالخبر-. !
لا أريد بك شرا، ومحبتى لوالدك مثل محبتك له-.
دعيك من هذا الحديث المتعب، فى هذه الساعة تستحب الراحة-..العمل السهل ص30 فقالت بصوت الظافر
-إذا جاز لك أن تخالفه فيما قد يضرك فكيف لا تخالفه فيما يفيدك ويفيد أخاك ولا يضر أحدا؟
بوسعه أن يقطع الحديث لو شاء، ولكن المنحدر كان شديد الانحدار، والحق أنه لم يتركها تسترسل فى حديثها إلا لأن جزءً من نفسه كان بحاجة إلى تأييدها، وتساءل فيما يشبه الغضب:
ماذا تعنين ؟-.
أعنى أن تسهر حتى الفجر، أو حتى يخلو المكان لنا "ص30
فقالت بانطلاق:
ستقرأ مصيرك فى الحجة..
ومد بصره نحو النجوم الساهرة . وقطع السحاب المستضيئة بنورها الهادئ، وخيل إليه أنها مطلعة على نجواه فغمغم " : يا
لطف السماء، ثم سمع أميمة وهى تقول فى نبرات مداعبة:
-دعنى أرد إليك الجميل. "ص31
حول هنا نجيب النهى عن الأكل من الشجرة وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " إلى افتراء قراءة الحجة أى معرفة ما بها وهو بهذا تبنى وجهة نظر العهد القديم عن كون الشجرة هى شجرة المعرفة وهو قول سفر التكوين :
15وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. 16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ».
الافتراء الأخر هو أن سبب قراءة الحجة معرفة المستقبل ومصير إدريس فى الحجة وهو ما يخالف أن السبب القرآنى الذى دفع الأبوين هو أن يكونا من الملوك الخالدين وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين "و قال بسورة طه "قال يا أدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"
الافتراء الثالث هو أن الموسوس هو الزوجة وليس إبليس أو إدريس فالصفحات الوسوسة السابقة كلها ليس فيها كلمة من إدريس والمرأة هى التى بدأت الوسوسة وليس إبليس
-"فنطقت أساريره بالامتثال ، وسأله الرجل
من الذى أخبرك بالكتاب ؟
فقال أدهم دون تردد كوعاء تحطم فسال ما فيه
-إدريس.
31 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
متى ؟-.
-صباح الأمس
كيف تم اللقاء بينكما ؟-.
-أندس بين المستأجرين الجدد وانتظر حتى انفرد بى
لماذا لم تطرده ؟-.
عز على طرده يا أبى
فقال الجبلاوى بحدة
لا تخاطبنى بالأبوة
فاستجمع أدهم قواه قائلا
-إنك أبى رغم غضبك ورغم حماقتى.
أهو الذى أغراك بفعلتك ؟
وأجابت أميمة دون أن يوجهه إليها السؤال ص33
نعم يا سيدى.
اخرسى يا حشرة ) ثم موجها الخطاب إلى أدهم .. ( أجب-.
كان يائسا حزينا نادما وود لو يطمئن على مستقبل ذريته
وفعلت هذا من أجله.
كلا .. اعتذرت له عن عجزى
وماذا غيرك ؟-.
فتنهد أدهم يائسا وتمتم
الشيطان!
فسأله ساخرا
هل أخبرت زوجتك بما جرى بينك وبينه ؟
هنا انتحبت أميمة فنهرها الجبلاوى أن تخرس، وحث أدهم على الإجابة بإشارة من إصبعه ، فقال
-نعم.
وماذا قالت لك ؟
لاذ أدهم بالصمت كى يزدرد ريقه فصاح به
32 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
أجب يا وضيع-. .
وجدتها رغبة فى الاطلاع على الوصية وظنت أن ذلك لن يضر أحدا
فحدجه باحتقار شديد وقال
وهكذا انصعت إلى خيانة من فضلك على من هم خير منك
فقال أدهم بصوت كالأنين
-لن يسعفنى دفاع عن ذنبى ، لكن مغفرتك أكبر من الذنب والدفاع.
ص34
وهتفت أميمة بتوسل
سيدى..
قاطعها قائلا
إخرسى يا حشرة
وجعل يردد عينيه بينهما عابسا ، ثم قال بصوت رهيب
أخرجا من البيت "ص34
الافتراء هنا هو أن الجبلاوى وهو الله – تعالى عن ذلك علوا كبيرا – قال أنه فضل أدم(ص) على من هم خير منه وبالقطع هذا ما يتعارض مع قوله تعالى بسورة الإسراء " ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا "
الإفتراء الأخر هو أن وسوسة إدريس أو إبليس تأخرت عن وسوسة المرأة وهو عكس ما فى القرآن فالوسوسة صدرت من الشيطان لكل من المرأة والرجل على انفراد وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سواءتهما"
وأما ما يوافق الوحى فهو الإخراج من البيت وهو الجنة كما قال تعالى بسورة البقرة "وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين"
وأيضا الاعتراف بالذنب والاستغفار وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة الأعراف "قالا ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"
-"وما كادا يبتعدان قليلا عن البيت حتى دوت ضحكة ساخرة مخمورة، فنظرا نحو مصدرها، فرأيا إدريس أمام كوخه الذى بناه من الصفائح والأخشاب وقد جلست امرأته نرجس وهى تغزل صامتة، كان إدريس يضحك فى سخرية وشماته حتى ذهل أدهم وأميمة فوقفا يحملقان فيه ، وراح إدريس يرقص ويفرقع بأصابعه حتى ضجرت نرجس فأوت إلى الكوخ ، تابع أدهم بعينين محمرتين من البكاء والغضب ، أدرك فى لحظة المكر الذى مكره فتكشف له عن حقيقته الخبيثة الكريهة، وأدرك أيضا مدى حمقه وغبائه فهو الذى يرقص له شماتة وفرحا، هذا هو إدريس الذى استحال شرا مجسدا وغلى دمه حتى فار فأغرق مخه وقبض على حفنة من تراب ورماه بها وهو يصيح بصوت مختنق بالغضب.
يا قذر ، يا لعين، إن العقرب بالقياس إليك حشرة مستأنسه."ص35
الافتراء هنا هو تحادث الشيطان مع الأبوين بعد خروجهما من الجنة وهو كلام لا وجود له فى الوحى ولا حتى فى العهد القديم وهو كلام عندى لا يمكن حدوثه لأن الشيطان دخل النار فور خروجه من الجنة ولم ينزل للأرض فالله لم يقل له اهبط وإنما قال للأبوين اهبطا فهما اثنين ولا ثالث لهما
-"وصاحبه يقف ناظرا إلى البيت الكبيرة نظرة التحدى ويصيح:
34 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
-طردتنى إكراما لأحقر من أنجبت، أرأيت كيف كان سلوكه نحوك، ها أنت ترميه بنفسك إلى التراب، عقاب بعقاب والبادى أظلم، كى تعلم أن إدريس لا يقهر، فلتبق وحدك مع أبنائك العقماء الجبناء، لن يكون لك حفيد إلا من يسعى فى التراب "ص36
الافتراء هنا هو كلام إبليس وهو الشيطان عن ذنب آدم (ص) وحقارته وهو كلام لم يحدث ولا وجود له فى الوحى ولا فى العهد القديم
الافتراء الأخر وجود أبناء عقماء لله وهو ما ينافى أن الله لم يتخذ ولد كما قال بسورة مريم "وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا " وكأن نجيب هنا يتحدث عن المشهور عن الملائكة أنهم لا يتزوجون ومن ثم لا ينجبون
-"فقالت وهى تجفف عينيها
سأبكى كثيرا ، أنا الآثمة يا أدهم-. .
لست دونك إثما ، لو لم تلقى منى وضيعا نذلا ما وقع الذى وقع-.
الذنب ذنبى وحدى
فهتفت بغيظ
إنك تحملين على نفسك لتتقى حملتى عليك.
فباخت حميتها فى إلامة نفسها وأحنت رأسها مليا ثم عادت تقول بصوت ضعيف
لم أكن أتصور أن تبلغ قسوته هذا الحد-. .
إنى أعرفه ولا عذر لى
ص37
فتساءل بعينين حادتين
متى يتوب لسانك ؟
فانفعلت قائلة
والله ما ارتكبت جريمة ولا إثما، خبر من تشاء بما فعلت وبما نلت جزاء ما فعلت وأراهنك على أنه سيضرب كفا بكف،والله-.ما عرفت الأبوة أبا كأبيك ولا عرفت الدنيا رجلاً مثله، هذا الجبل وهذه الصحراء، وهذه السماء تعرفه، ومثله يجبن عند التحدى-. .هذا الجبروت لن يبقى فى البيت أحد من أبنائه-."ص38
الافتراء وجود أبناء للجبلاوى – والمراد الله تعالى عن ذلك- وهو ما يخالف قوله تعالى بسورة الإخلاص " لم يلد "
-"كان الجو كله ينذر بالشقاء والتعب والخوف وتنهدت أميمة بصوت مسموع وقالت:سنتعب كثيرا حتى تتيسر لنا الحياة
فرنا أدهم إلى البيت الكبير وقال
وسنتعب أكثر حتى يفتح لنا هذا الباب مرة أخرى."ص38
الحديث عن التعب هنا يشير لقوله تعالى لهما أنهما سيشقيان عند خروجهما من الجنة وفى هذا قال تعالى بسورة طه "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى "
-"اليوم فلست إلا حيوانا أدفع العربة أمامى ليل نهار فى سبيل شىء حقير نأكله مساء ليلفظه جسمى صباحا، العمل من أجل القوت لعنة اللعنات الحياة الحقة فى البيت الكبير، حيث لا عمل للقوت وحيث المرح والجمال والغناء. "ص44
هنا الحياة الحقة فى البيت الكبير والمراد الجنة كما قال تعالى بسورة العنكبوت "وإن الدار الأخرى لهى الحيوان "
والافتراء هو عمل آدم (ص)على عربة لبيع الخيار وهو كلام جنونى فلم يكن هناك أحد حتى يبيع له
-"وخيل إلى أدهم أنه يسمع وقع أقدام .. أقدام بطيئة وثقيلة استثارت ذكريات غامضة كرائحة زكية مؤثرة تستعصى على الإدراك والتحديد حول وجهه نحو مدخل الكوخ فرأى الباب يفتح، ثم رأه يمتلئ بشئ كجسم هائل، حملق فى دهشة ،واحد بصره فى أمل يكتنفه يأس، وندت عنه أهه عميقة، وغمغم متسائلا:
أبى!
وخيل إليه أنه يسمع الصوت القديم وهو يقول
مساء الخير يا أدهم
فاغرورقت عيناه ، وهم بالقيام فلم يستطع ووجد غبطة وبهجة لم يجدهما منذ أكثر من عشرين عاما، وقال بصوت متهدج :دعنى أصدق
فقال :أنت تبكى وأنت الذى أخطأت
فقال أدهم بصوت يشرق بالدمع :الخطأ كثير والعقاب كثير ولكن حتى الحشرات المؤذية لا تيأس من العثور على ظل-! ." ص83
هكذا تعلمنى الحكمة-.
عفوا .. عفوا ، الحزن أرهقنى، والمرض كربنى، حتى أغنامى مهددة بالهلاك-.
جميل أن تخاف على أغنامك
تساءل أدهم فى رجاء
هل عفوت عنى؟
أجاب بعد صمت
نعم
فهتف أدهم بجسم مرتعش
قاع هاوية اليأس بيدى-! .
فعثرت على فيها-.
نعم كالصحو بعد الكابوس-..
لذلك فأنت ولد طيب
فتأوه أدهم قائلا
الشكر لله، منذ قليل كنت اقرع
-أنجبت قاتلاً وقتيلا.
الميت لا يعود فماذا تطلب ؟
فتنهد أدهم قليلا
آنت أهفو للغناء فى الحديقة ولكن لن يطيب لى اليوم شئ
فقال :الشكر لله
فقال :سيكون الوقف لذريتك.
-لا تجهد نفسك وأركن إلى النوم. "ص84
هنا عفو الله عن آدم (ص) آتاه بعد قتل أحد أولاده للأخر وهو ما يخالف أن العفو آتاه فى الجنة حيث غفر الله حيث قال بسورة البقرة "فتلقى أدم من ربه كلمات فتاب عليه"
وآتاه العفو فى الوحى الأرضى إذا اتبع الوحى وفى هذا بسورة البقرة "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "وقال بسورة طه "قلنا اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضع ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ".
والافتراء فى الفقرة هو كون الوقف وهو الأرض لذرية آدم كلها وهو ما يخالف كونها إرثا للصالحين فقط منهم كما قال تعالى " ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "
حكاية الولدين هابيل وقابيل :
-"عميقة مثل ختام أغنية حزينة اقترب من باب الكوخ وهو يتساءل:
-كيف الحال عندكم ؟
فجاءه صوت الداية وهو يقول " : انتظر " ، تحفز قلبه للارتياح عندما خيل إليه أن الصوت يوحى بالظفر، وما لبث أن لاحت المرأة فى الباب وهى تقول:
-رزقت بذكرين.ص51
الافتراء هنا هو وجود الداية فلم يكن هناك أحد سوى الأبوين ومن ثم فهو من تولى عملية ولادتها وأما الموافقة للوحى فهى ولادة ذكرين كما فى قوله تعالى بسورة المائدة "ابنى آدم "
-"لم يجهر بمعارضة واتجه بصره نحو البيت الكبير الذى لاح عن بعد فى الغروب هيكلا ضخما مطموس المعالم، فعقد قدرى ما بين حاجبيه احتجاجا ، ولكنه هذا البيت ! لم أشهد له مثيلاً، فى خلاء يكتنفه من جميع النواحى "ص51
ضخامة البيت وكونه مطموس المعالم أى مجهول لأهل الدنيا يوافق قوله تعالى " وجنة عرضها السموات والأرض " فى الضخامة وأما كونها مجهولة للكفار فيدل عليه قوله تعالى "فلا تدرى نفس ما أخفى لهم من قرة أعين "
-"لا تحلم بأن ترى شيئا خارقًا، ستجده شبيها بأبينا الظاهر أنه كان شديد التعلق به ، أو أنه آمن بعدالة ما نزل به من عقاب-! .أو أنه مازال يطمع فى عفوه-.
أنك لا تفهم أبانا، إنه رجل ودود المعشر"ص52
هنا يعتمد نجيب فى وجود شبه بين الجبلاوى وآدهم على العهد القديم فى قول سفر التكوين "27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ"
-"تناول قدرى الكوز ومضى يشرب حتى روى، ثم تجشأ وقال
ما ذنب الأحفاد ؟ أنه لا يدرى ما رعى الغنم، سحقًا له، أود لو أعرف وصيته، وماذا أعد لنا؟ص52
ووقف قدرى، وصاح موجها خطابه إلى البيت الكبير فى عبث:
أسمحت بأن نرثك أم ستعاقبنا فى موتك كما عاقبتنا فى حياتك؟-.أجب يا جبلاوى وردد الصدى " : أجب يا جبلاوى."ص53
الافتراء هنا هو أن الجبلاوى يموت ويرثه الأبناء المزعومين وهو كلام يخالف كون الله تعالى لا يموت كما قال تعالى بسورة طه "وتوكل على الحى الذى لا يموت "
-"وخطا خطوات نحو الأمام ملوحا بذراعيه فى ترحاب للفتاة، وأخذت تدنو من موقفها، مجهدة من المشى، لطول المسافة من ناحية ولمقاومة الرمال لشبشبها من ناحية أخرى، متطلعة نحوهما ببصر لامع يعكس مع فتنة العينين الخضرواين جرأة،وبدت ملتفة بملاءتها اللف حتى الكتفين، مطلقة الرأس والعنق عاريين فعبث الهواء بضفيرتيها، وارتفع صوت قدرى بسرور "ص53
ومرة قال لأمى إن فتوة آفر الزغارى يرغب فى الزواج منى ففرحت أمى فصاح فيها حانقًا"يا وضيعة .. يا خسيسة، من يكون فتوة آفر الزغارى هذا؟ ." أن أحقر خادم فى البيت الكبير أشرف منه وأنظف، فسألته أمى فى حسرة : فمن تراه الجدير بها؟ فصاح " علم ذلك عند الطاغية المتوارى خلف أسوار بيته، إنها حفيدته، وليس فى الأرض من هو أهل لها ! أريد لها زوجا مثلى أنا . فقالت أمى على رغمها : أتريدها أن تكون تعيسة مثل أمها؟ فهجم عليها كالوحش وراح يركلها بشدة حتى جرت خارج الكوخ.هذا هو الجنون بعينه-. .إنه يكره جدنا ، ويلعنه كلما ذكره، لكنه فى أعماقه يتيه إذلالا بأبوته "ص56
الافتراء هنا هو وجود ناس غير أولاد آدم والشيطان فى الأرض وهو كلام لا أصل فلم يكن للشيطان وهو إدريس ذرية فى الأرض ولا كان هناك غير ذرية آدم (ص) وحدها
-"فتح باب البيت الكبير وخرج منه شبح حاملاً مصباحا، وتطلعت العين إلى المصباح فى دهشة انعقدت لها الألسنة،وتابعته وهو يتحرك فى الظلام ككوكب أرضى، وعندما توسط المسافة بين البيت والكوخ تركزت الأبصار على الشبح لتتبينه على ضوء المصباح المنعكس حتى همس أدهم " : هذا عم كريم بواب البيت " ، وتضاعفت الدهشة عندما أيقنوا من أنه يقصدهم فوقفوا جميعا، بعضهم اللقمة فى يده والبعض اللقمة فى فيه بلا حراك، وبلغ الرجل موقفهم فوقف رافعا يده وهو يقول:
-مساء الخير يا سيدى أدهم.
ارتجف أدهم لدى سماعة الصوت الذى انقطع عنه منذ عشرين عاما، فدعا من أعماق ذاكرته نبرات الأب العميقة وشذا الياسمين والحناء وحنينا وأشجانا فمادت به الأرض وقال وهو يقاوم دموعه.
مساء الخير يا عم كريم
فقال الرجل بتأثر غير جاف
لعلك أنت وأهلك بخير-. .
الحمد لله يا عم كريم
فقال الرجل برقة
أود أن أعرب لك عما بنفسى ولكنى كلفت فقط بأن أبلغك بأن سيدى الكبير يدعو ابنك همام إلى مقابلته فورا "ص60
وأفاق قدرى من ذهوله فتساءل غاضبا ولماذا همام وحده؟
فردد إدريس تساؤله نعم لماذا همام وحده ص61
وتطلع همام إلى البيت الكبير صامتا، وقلبه يخفق بشدة خيل إليه معها أن المقطم يردد صداه، وقال له أبوه بتسليم:اذهب يا همام إلى جدك مصحوبا بالسلامة
فالتفت قدرى إلى أبيه يسأله بحدة وتحد وأنا ؟ ألست أبنك مثله ؟-.
لوم على فلست أنا الداعى "ص62
الافتراء هنا أن سبب اختلاف الولدين هو أن الله اختار أحدهما بلا سبب ليقابله بينما الوحى يقول أنه رضى عن أحدهما بسبب قربانه الصالح وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة " واتل عليهم نبأ ابنى أدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر"
"وأشار إلى همام فدخل، وتبعه قدرى أخذًا بيد هند ولكن علا صوت من الحديقة عرفه إدريس وهو يقول بصرامة
اذهبا بعاركما أيها الملوثان "ص63
الافتراء هنا هو تلوث قدرى وهو قايين أو قابيل مع هند بالزنى وهو كلام غير مذكور فى الوحى والتراث لا يذكر ذلك على الاطلاق
-"وزاد قلبه خفقانا حينما تمثلت لخاطره هذه الحقيقة العجيبة وهى أنه مخلوق من سلالة هذا البيت ونطفة من هذه الحياة، وأنه جاء ليلقاها وجها لوجه فى جلباب أزرق بسيط وطاقية باهتة، منتعلا أديم الأرض، ورقيا فى سلم السلاملك ص64
ماذا تعرف عن هذا الباب ؟
فارتجفت أوصاله، وعجب كيف يرى كل شئ، وقال بخشوع
-أعرف أنه فاتحة مأساتنا.
وماذا ظننت بجدك لدى سماعك الحكاية ؟
62 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
وفتح فاه ليتكلم فبادره الرجل
أصدقنى القول-. .
فأثرت به اللهجة إلى حد أن قال فيما يشبه الصراحة
بدا لى تصرف والدى خطأ كبيرا ، كما بدا لى عقابا صارما شديدا"ص65
فابتسم الجبلاوى قائلا
هذا هو شعورك على وجه التقريب؟ إنى أمقت الكذب والخداع، ولذلك طردت من بيتى كل من لوث نفسه فاغرورقت عينا همام . فقال الجد
بدا لى أنك شاب نظيف ، ولذلك استدعيتك "ص66
فقال قدرى بحنق
شكرا ، ولكن ماذا جعله يؤثرك علينا ؟-.
أنت تعلم ألا شأن لى فى ذلك
وقال أدهم وهو يتنهد
لاشك أنك يا همام خيرنا جميعا!
فهتف قدرى بمرارة
65 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
وأنت يا أبى الذى لم تذكره إلا بخير لا يستحقه
فقال أدهم
أنت لا تفهم شيئا-. .
هذا الرجل أسوأ من ابنه إدريس
فتوسلت أميمة قائلة
أنت تقطع قلبى، وتغلق أبواب الأمل فى وجهك
ص68
فقال همام بامتعاض
هذا شان يخصنى وحدى
فاحتدم الغيظ فى قلب قدرى، ولاحت بوادره فى وجهه كطلائع الظلام فوق المقطم وتساءل
لماذا بقيت؟ ومتى تذهب؟ متى تجد الشجاعة لإعلان نيتك؟-.
بل بقيت لأتحمل نصيبى من العناء الذى خلقته فضائحك
فضحك قدرى ضحكة كاسرة وقال
هكذا تقول لتدارى حسدك!
هز همام رأسه كالمتعجب وقال
إنك تستحق الرثاء لا الحسد
فاقترب قدرى منه وأطرافه ترتجف من الحنق وقال بصوت مخنوق بالغضب
ما أبغضك حين تتظاهر بالحكمة
ص70
فلم يغض همام من بصره تحت النظرات المتقدة التى تنصب عليه وقال بثبات
-اعلم أننى لا أخافك.
هل وعدك البلطجى الأكبر الحماية؟-.
إن الغضب يجعل منك شيئا حقيرا تعافه النفس
وفجأة لطمه قدرى على وجهه، لم تدهمه اللطمة فردها بأشد منها وهو يقول:
-لا تتماد فى جنونك.
وانحنى قدرى بسرعة فالتقط حجرا وقذف به أخاه بكل ما أوتى من قوة، وبادر همام ليتفادى من الحجر ولكنه أصاب جبينه،
ندت عنه أهة وجمد فى موقفه والغضب يشتعل فى عينيه، وإذا بالغضب يختفى منهما فجأة كأنه شعلة ردمت بتراب كثيف، وإذا بفراغ قاتم يحل فيهما فبدت العينان وكأنهما تنظران إلى الداخل ، وترنح ثم أنكفأ على وجهه وتبدل قدرى حالا بعد حال، فزايله الغضب وتركه حديدا باردا بعد انصهار، وركبه الخوف، ترقبه بلهفة أن ينهض أو أن يتحرك ولكنه لم يرحم لهفته وانحنى فوقه، ومد إليه يده يهزه فى رفق ولكنه لم يستجب وسواه على ظهره ليخلص أنفه وفاه من الرمال فاستلقى الآخر محملق العينين ولا حراك به، وركع قدرى إلى جانبه، وراح يهزه ، ويدلك صدره ويديه، وينظر بفزع إلى الدم المتدفق بغزارة من جرحه وناداه برجاء فلم يجب . وبدا صمته كثيفا عميقا كأنه جزء لا يتجزأ من كيانه كجموده الذى بدا غريبا عن الحى والجماد معاً، لا إحساس ولا انفعال ولا اهتمام بشئ، كأنما ألقى إلى الأرض من مكان مهول فلم يمت إليها بسبب، عرف قدرى الموت بفطرته فراح يشد شعر رأسه فى يأس، ونظر فيما حوله خائفا، ولكن لم يكن هناك من حى إلا الأغنام والحشرات وجميعا انصرفت عنه دون اكتراث سينتشر الليل ويستحكم الظلام وقام بعزم، فجاء بعصاه واتجه إلى ص71 موضع بين الصخرة الكبيرة وبين الجبل، وراح يحفر الأرض ويرفع التراب بيديه، ويواصل العمل بعناد وهو يتصبب عرقا،وترتجف منه الأوصال، وهرع نحو أخيه هزه وناداه للمرة الأخيرة دون أن يتوقع جوابا، وقبض على أسفل ساقيه وجره حتى أودعه الحفرة، وألقى نظرة وهو يتنهد، وتردد مليا، ثم أهال عليه التراب، ووقف يجفف عرق وجهه بكم جلبابه، وكلما رأى بقعة دم فى الرمال غطاها بالتراب وارتمى على الأرض من شدة الإعياء، وشعر بقوته تتخلى عنه، وبرغبة فى البكاء، ولكن الدموع استعصت عليه، وقال غلبنى الموت لم يدعه ولم يقصده ولكنه يجئ كما يحلو له، ولو أنه انقلب تيسا لغاب فى الأغنام، أو ذرة من رمال لاختفى فى الأرض . مادمت لا أستطيع أن أرد الحياة فلا يجوز أن أدعى القوة أبدا، وهيهات أن تمحى تلك النظرة من رأسى أبدا"
نقلنا الحكاية على طولها وموضع الافتراء فيها هو أن قدرى حفر الحفرة لدفن أخيه من نفسه وهو ما يخالف قوله تعالى بسورة المائدة "فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين "
وأما ما يوافق الوحى فهو ندمه على فعلته" فأصبح من النادمين "
حكاية جبل :
جبل المراد به موسى(ص) وسماه بهذا الاسم لارتباط بعض الأحداث التى عاشها بالجبال كجبل الميقات وجبل الطور والحكاية بدل فيها نجيب الأسماء ففرعون هو ناظر الوقف وزقلط هو هامان وقدرة هو قارون وأما دعبس فهو هارون(ص) والبلقيطى هو والد الفتاتين فى مدين وقد تزوج موسى(ص)إحداهما وبالقطع الرجل ارتكب كثير من الافتراءات فى سبيل تقديم الحكاية :
-"كان البيت الكبير قد أغلق أبوابه على صاحبه وخدمه المقربين، ومات أبناء الجبلاوى مبكرين فلم يبق من سلالة الذين أقاموا وماتوا فى البيت الكبير إلا الأفندى ناظر الوقف فى ذلك الوقت ص85
الافتراء الأول هو أن ناظر الوقف هو ابن الجبلاوى أى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وهذا يعنى أن فرعون هو ابن الإله وهى نظرية فى كتب ما يسمى الفراعنة أى المصريين القدماء
-"ولما أغلق الأب بابه واعتزل الدنيا احتذى الناظر مثاله الطيب حينا، ثم لعب الطمع بقلبه فترع إلى الاستئثار بالريع، بدأ بالمغالطة فى الحساب والتقتير فى الأرزاق ثم قبض يده قبضا مطمئنا إلى حماية فتوة الحارة الذى اشتراه، ص86
هنا الناظر احتال على أهل الوقف وهو ما يوافق ما ورد فى سفر الخروج بالعهد القديم :
8ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. 9فَقَالَ لِشَعْبِهِ: «هُوَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ شَعْبٌ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا. 10هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلاَّ يَنْمُوا، ».
-"ولم يجد الناس بدا من ممارسة أحقر الأعمال، وتكاثف عددهم فزاد فقرهم وغرقوا فى البؤس والقذارة وعمد الأقوياء إلى الإرهاب والضعفاء إلى التسول، والجميع إلى المخدرات، كان الواحد يكد ويكدح نظير لقمات يشاركه فيها فتوة، لا بالشكر، ولكن بالصفع ص86
هنا الناس عملوا فى أحقر الأعمال بسبب استضعافهم وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة القصص "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون"
كما يوافق ما أتى فى سفر الخروج بالعهد القديم فى قوله :
14وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي الطِّينِ وَاللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَل فِي الْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ الَّذِي عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفًا."
-"أما شعراء المقاهى المنتشرة فى حارتنا فلا يروون إلا عهود البطولات متجنبين الجهر بما يحرج مراكز السادة ويتغنون بمزايا الناظر والفتوات، بعدل لا نحظى به ورحمة لا نجدها وشهامة لا نلقاها وزهد ولا نراه ونزاهة لا نسمع عنها ص86
هنا يقتبس نجيب المعنى من سورة الشعراء حيث الشعراء يهيمون فى أودية الضلال إلا نادرا وهو قوله تعالى بسورة الشعراء " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم فى كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات "
-"أهالى الحوارى حولنا يا لها من حارة سعيدة ! تحظى بوقف لا مثيل له، وفتوات تقشعر عند ذكرهم الأبدان، ونحن لا ننال من الوقف إلا الحسرات ومن قوة فتواتنا إلا الإهانات والأذى على ذلك كله فنحن باقون، وعلى الهم صابرون، ننتطلع إلى مستقبل لا ندرى متى يجئ ونشير إلى البيت الكبير ونقول هنا أبونا العتيد، ونومئ إلى الفتوات ونقول هؤلاء رجالنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.25ص87
مقولة بنوة بنى إسرائيل أى أهل الحارة والمراد إنهم أبناء الله "أبونا العتيد" توافق ما قصه الله عنهم فى قوله تعالى بسورة المائدة "نحن أبناء الله وأحباؤه "
-"فقال جبل جادا
"إننا أبناء أدهم ، ومازال جدنا حيا أطال الله بقاءه ص96
الافتراء هنا هو أن موسى (ص) وهو جبل يعتقد فى الأبوة المزعومة هو الأخر
-"وتتابعة نظرات الإكبار والإعجاب أينما حل، وكانت الحياة تبدو ودودة واعده بكل جميل حتى كان تمرد آل حمدان، وجد جبل أنه ليس شخصا واحد كما توهم طوال عمره، ولكنه شخصان أحدهما يؤمن بالوفاء لأمه وأخرهما يتساءل فى حيرة : وآل حمدان؟ 28 ص98
هنا يتحدث نجيب عن كون زوجة فرعون كانت أم لموسى (ص) بتبنيها وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة القصص "وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون ".
ويوافق فى بعضه ما قاله سفر الخروج فى قوله :
"فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ. 10وَلَمَّا كَبِرَ الْوَلَدُ جَاءَتْ بِهِ إِلَى ابْنَةِ فِرْعَوْنَ فَصَارَ لَهَا ابْنًا، وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوسَى» وَقَالَتْ: «إِنِّي انْتَشَلْتُهُ مِنَ الْمَاءِ».
-"وأصوات تهتف به من أعماق نفسه " : لن تطيب الحياة على حساب الغير " ، وكل حمدان أهله، ففيهم ولدت أمه وأبوه، وفى مقابرهم دفنا، وهم مظلومون وما أقبح الظلم، اغتصبت أموالهم ولكن من الظالم؟ إنه ولى نعمته، الرجل الذى انتشلته زوجه من الطين فرفعته إلى مصاف آل البيت الكبير، وجميع الأمور تجرى فى الحارة على سنة الإرهاب، فليس عجيبا أن يسجن سادتها فى بيتهم وحارتنا لم تعرف يوما العدالة أو السلام، هذا ما قضى به عليها زمن طرد أدهم وأميمة من البيت الكبير، ألا تعلم بذلك يا جبلاوى؟ ويبدو أن الظلم ستشتد كثافة ظلماته كلما طال بك السكوت فحتى متى تسكت يا جبلاوى؟ الرجال سجناء فى البيوت والنساء يتعرضن فى الحارة لكل سخرية، وأنا أمضغ المهانة فى صمت، ومن عجب أن أهل حارتنا يضحكون ! علام يضحكون؟ إنهم يهتفون للمنتصر "ص101
الفقرة السابقة تتحدث عن معاناة بنى إسرائيل وهم أهل الحارة رجالا ونساء وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم"
-"وأمعن النظر فعرف فى الهارب دعبس وفى المطارد قدرة فتوة حى حمدان، وفى الحال أدرك حقيقة الموقف، ومضى يراقب97 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ المطاردة التى تقترب منه بفؤاد قلق، وما لبث قدرة أن أدرك دعبس فقبض بيده على منكبه وتوقف الاثنان عن العدو وهما يلهثان من الجهد . وصاح قدرة بصوت متقطع من البهر:
كيف تجرؤ على مغادرة جحرك يا ابن الأفعى؟ لن تعدو سالمًا
فهتف دعبس وهو يحمى رأسه بذراعه
دعنى ياقدرة، أنت فتوة حينا وعليك أن تدافع عنا
فهزه قدرة هزة أطارت اللاسة عن رأسه وصاح به
أنت تعرف يا ابن اللئيمة إنى أدافع عنكم ضد أى مخلوق إلا زقلط
وحانت من دعبس نظرة نحو موقف جبل فرأه وعرفه فناداه قائلا
اغثنى يا جبل، أغثنى فأنت منا قبل أن تكون منهم
فقال قدرة بلغظة وتحدة
لا مغيث لك منى يا ابن الدايخة
ووجد جبل نفسه يتقدم منهما حتى وقف عندهما وهو يقول بهدوء
ترفق بالرجل يا معلم قدرة
فحدجة قدرة بنظرة باردة وهو يقول
إنى أعرف ما ينبغى أن أفعله-. .
لعل أمرا ضروريا دفعه إلى مغادرة بيته-.
ما دفعه إلا قضاؤه المحتوم
وشد على منكبه حتى أن دعبس أنينا مسموعا ، فقال جبل بحدة
-ترفق به ، ألا ترى أنه أكبر منك سنا وأضعف بنية؟ص103
الافتراء هنا هو أن المتشاجرين كانا من أسرة واحدة وهى حمدان أى عمران وهما اسرائيليان وهو ما يناقض كون المتشاجرين واحد إسرائيلى والأخر من قوم فرعون وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين"
وهو أيضا بفريته هذا ما فى سفر الخروج وهو :
11"وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، 12فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ. 13ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» 14فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟».
-"رفع قدرة يده عن منكبه فصفعه على قفاه بقوة تقوس لها ظهره، ثم ضرب بركبته دبره فانكفأ على وجهه، وسرعان ما برك فوقه وراح يكيل له الضربات وهو يقول بصوت يزفر الغل والحنق:
ألم تسمع ما قال زقلط ؟
واشتغل الغضب فى دماء جبل فصاح به
اللعنة عليك وعلى زقلط اتركه يا قليل الحياء!
فكف قدرة عن ضرب دعبس ورفع رأسه إلى جبل وجها ذاهلاً ثم قال
أنت تقول هذا يا جبل؟ ألم تشهد حضرة الناظر وهو يأمر زقلط بتأديب حمدان؟ص104
هنا واحد يضرب والثاني يتلقى الضربات فقط وهوما يخالف إنهما يقتتلان فى سورة القصص فكل منهما كان يضرب الأخر
-"فالتقط حجرا ولكنه قبل أن يقذف به أصاب النبوت رأسه فصرخ، ودار حول نفسه، ثم سقط على وجهه والدم يتفجر من جبينه بغزارة، كان الليل يهبط فنظر جبل فيما حوله فلم ير أحدا إلا دعبس الذى وقف ينفض جلبابه ويتحسس المواضع التى تؤلمه من جسده، ثم اقترب من جبل وهو يقول ممتنا:
عوفيت من أخ كريم يا جبل
فلم يجبه جبل، وانحنى فوق قدرة فعدله على ظهره، ثم تمتم
-أغمى عليه!
فانحنى دعبس فوقه كذلك ثم بصق على وجهه، فجذبه جبل بعيدا عنه، وانحنى فوقه مرة أخرى، وراح يهزه برفق ولكنه لم يبد أملاً فى الإفاقة ، فتساءل:ماله ؟
فانحنى دعبس فوقه وألصق أذنه بصدره، ثم قرب وجهه من وجهه، وأشعل عودا من الثقاب، ثم وقف وهو يهمسإنه ميت!
فاقشعر بدن جبل وقال
كذبت-. !
ميت ابن ميت وحياتك-.
يا خبر أسود
فقال دعبس مهونا الأمر
كم وكم قتل فليذهب إلى الزبانية!
99 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
فقال جبل بصوت حزين وكأنه يخاطب نفسه
لكننى لم أضرب ولم أقتل-. .
كنت تدافع عن نفسك-.
لكننى لم أقصد قتله ولا أردته
فقال دعبس باهتمام
إن يدك لشديدة يا جبل، لاخوف عليك منهم، وبوسعك أن تكون فتوة لو أردت
فضرب جبل جبينه بيده وهتف
يا ويلى ، هل أنقلب قاتلا من أول ضربة؟-.
انتبه إلى نفسك وهلم ندفنه وإلا قامت القيامة-.
ستقوم القيامة دفناه أم لم ندفنه-.
لست أسفًا ، عقبى للباقى، عاونى على إخفاء هذا الحيوان
وتناول دعبس النبوت وراح يحفر فى الأرض غير بعيد من الموضع الذى حفر فيه قدرى من قبل، وما لبث جبل أن أنضم إليه بقلب كئيب. وتواصل العمل فى صمت حتى قال دعبس ليخفف عن جبل ثقل مشاعره.
لا تحزن فالقتل فى حارتنا مثل أكل الدوم ص104و105
الفرية هنا أن قتل قدرة كان سرا بين جبل ودعبس وهو ما يخالف أنه كان علنا أمام أخرين لأن الرجل الثانى الذى كان سيقتله موسى(ص) قال له كما بسورة القصص "أتريد ان تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس "
"غضب جبل فانقض عليه وقبض على عنقه بشدة وعبثا حاول دعبس أن يتخلص من قبضة جبل فقال بصوت مبحوح:
109 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
-أتريد أن تقتلنى كما قتلت قدرة ؟"ص114
الفرية هنا أن نجيب جعل دعبس هو الرجل الثانى الذى كان سيقتله موسى(ص) وليس واحد أخر من قوم فرعون كما هو فى قوله بسورة القصص :
"فأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ".
ويبدو أن نجيب أخذ تلك الفرية من قول سفر الخروج لكن مع تحويرها بجعل موسى(ص) الطرف الثانى :
13ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» 14فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟».
-"فدفعه جبل بقوة فارتمى على الجدار وراح يحدق فيه بحنق وغيظ وردد الرجال أبصارهم بين الرجلين، وتساءلوا أجبل حقًا الذى قتل قدرة؟ وقبله ضلمة، وصاح عتريس " : فلتحل بك البركة يا خير آل حمدان " ، وقال جبل لدعبس حانقا:
لم أقتله إلا دفاعا عنك! ص114
هنا يوافق مقولة الدفاع عن دعبس قوله تعالى بسورة القصص"فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه "
-"نعم ولكنه ليس بالنذل-!
أخاف أن يثبت عليكم التهمة بسببى
فقال ضلمة بثقة
سأدلك على طريق الهرب إذا أردته، ولكن أين تقصد ؟
الخلاء واسع لا يحيط به خاطر ص114
يوافق الحدث هنا بغض النظر عن الأسماء القرآن فى وجود رجل نصح موسى(ص) الهرب من البلدة وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين "
ويوافق سفر الخروج فى الهروب فى قوله :
15فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هذَا الأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ، وَجَلَسَ عِنْدَ الْبِئْرِ.
-"جذب سمعه ضوضاء، اشتدت حول كشك حنفية مياه عمومية، رأى الناس يتزاحمون أمامها ليملأوا أوعيتهم بالماء، وكان التزاحم كالقتال عنفا وضحايا، فارتفع الصخب وتهاوت اللعنات، ثم ندت صرخات رفيعة حادة من الوسط عن فتاتين غرقتا فى لجة الزحام وراحتا تتراجعان لتنجوا بنفسيهما حتى خرجتا من المعترك بصفيحتين فارغتين، بدتا فى جلبابين فاقعى الألوان ينسدلان على جسميهما من العنق حتى الكعبين، فلم يظهر منهما إلا وجهان يزهر فيهما الشباب، مرت عيناه بأقصرهما دون توقف ، ثم ثبتتا على الأخرى ذات العينين السوداتين فلم تتحولا عنها، أقبلتا نحو مكان خال قريب من مجلسه فتبين فى ملامحهما شبها أخويا على تميز جاذبته بقسط أوفر من الحس، فقال جبل لنفسه منتشيا " : ما أبدع هذه الملامحة، لم تقع عينى على مثلها فى حارتنا " ، وقفتا تسويان ما تشعث من شعريهما وتعيدان لخمار إلى رأسيهما، ثم وضعتا الصفيحتين مقلوبتين وجلستا عليهما، والقصيرة تقول مشتكية: كيف نملأ الصفيحة فى هذا الزحام ؟
فقالت جاذبته:
111 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
المولد أجارك الله ! وأبونا ينتظر غاضبا!
فدخل جبل فى الحديث دون وعى منه متسائلا
لماذا لم يحضر بنفسه ليملأ الصفيحتين
فالتفتتا نحوه باحتجاج، ولكن منظره المتميز لم يخل من أثر مسكن فاكتفت فتاته بأن قالت ما شأنك أنت ! هل شكونا إليك ؟
فسر جبل بخطابها وقال معتذرا
أردت أن أقول أن الرجل أقدر على اقتحام زحام المولد-. !
هذا عملنا ، وله عمل أشق
فتساءل مبتسما
ماذا يعمل أبوك ؟-.
هذا ليس من شأنك
وقام جبل غير مبال بالأعين المحدقة حوله، حتى وقف أمامهما وقال بأدب
سأملأ لكما الصفيحتين
فقالت جاذبته وهى تدير عنه وجهها ص116
لسنا فى حاجة إليك!
ولكن القصيرة قالت بجرأة -افعل ولك الشكر.
وقامت وهى تشد الأخرى لتقوم معها، فتناول جبل الصفيحتين من مقبضيهما، وسار بجسمه القوى يشق الزحام ويرتطم بالرجال ويلاقى الجهد، حتى بلغ الحنفية التى يجلس وراءها الساقى فى كشكه الخشبى، فنقده مليمين ، وملأ الصفيحتين وعاد نحو موقف الفتاتين وأزعجه أن يجد الفتاتين مشتبكتين مع بعض الشبان فى معركة كلامية بسبب معاكستهم لهما، فوضع الصفيحتين على الأرض وتصدى للشبان مهدد ا، وتحرش به أحدهم ولكنه صرعه بضربة فى صدره فتجمع الشبان للهجوم عليه وهم يسبونه، غير أن صوتا غريبا صاح بهم:
-أذهبوا يا شين الرجال.
اتجهت الأبصار نحو رجل كهل، قصير مدمج الجسم، براق العينين، يشد جلبابه على وسطه بحزام فهتفوا خجلين " : المعلم
البلقيطى " وسرعان ما تفرقوا وهم يرمقون جبل بحنق، ولاذت الفتاتان بالرجل القصير تقول:
اليوم عسير بسبب المولد وهؤلاء الأوغاد.ص117
هنا نجيب افترى عدة افتراءات فالماء وهو غالبا بئر أصبح كشك حنفية وسقى الغنم أصبح ملء ماء للبيت والزحام على سقى الغنم أصبح زحام المولد والرجل الكبير وهو العجوز أصبح حاويا وموسى(ص) الفقير تعارك ودفع رشوة للساقى حتى ملأ الصفيحتين وكل هذا يخالف قوله تعالى بسورة القصص "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا"
وهو أيضا يخالف ما ورد فى سفر الخروج وهو :
16وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبْعُ بَنَاتٍ، فَأَتَيْنَ وَاسْتَقَيْنَ وَمَلأْنَ الأَجْرَانَ لِيَسْقِينَ غَنَمَ أَبِيهِنَّ. 17فَأَتَى الرُّعَاةُ وَطَرَدُوهُنَّ. فَنَهَضَ مُوسَى وَأَنْجَدَهُنَّ وَسَقَى غَنَمَهُنَّ. 18فَلَمَّا أَتَيْنَ إِلَى رَعُوئِيلَ أَبِيهِنَّ قَالَ: «مَا بَالُكُنَّ أَسْرَعْتُنَّ فِي الْمَجِيءِ الْيَوْمَ؟» 19فَقُلْنَ: «رَجُلٌ مِصْرِيٌّ أَنْقَذَنَا مِنْ أَيْدِي الرُّعَاةِ، وَإِنَّهُ اسْتَقَى لَنَا أَيْضًا وَسَقَى الْغَنَمَ». 20فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: «وَأَيْنَ هُوَ؟ لِمَاذَا تَرَكْتُنَّ الرَّجُلَ؟ ادْعُونَهُ لِيَأْكُلَ طَعَامًا». 21فَارْتَضَى مُوسَى أَنْ يَسْكُنَ مَعَ الرَّجُلِ، فَأَعْطَى مُوسَى صَفُّورَةَ ابْنَتَهُ. 22فَوَلَدَتِ ابْنًا فَدَعَا اسْمَهُ «جَرْشُومَ»، لأَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ نَزِيلاً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ».
-"وأردف البلقيطى وهو يشير إلى الحجرة المواجهة للداخل:
هذه الحجرة توجد أدوات العمل، الحى منها والجامد، لاتخش شيئا فبابها محكم الإغلاق، أوكد لك أن الثعابين أصلح-! ص119
للمعاشرة من أناس كثيرين، كالذين فررت منهم مثلا
ثم ضحك كاشفا عن فيه الخرب وقال:
الناس تخاف الثعابين، حتى الفتوات تخافها، أما أنا فأدين لها برزقى، وبفضلها أقمت هذا البيت ص120
الفرية هنا بدلا من كون الله من أعطى موسى(ص)معجزة العصا التى تنقلب ثعبان اصبح موسى(ص) متعلما سحر الثعابين على يد البلقيطى وفى هذا قال تعالى بسورة طه "وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى اتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب اخرى قال ألقها يا موسى فلما ألقاها إذا هى حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى "
-"ليس عجيبا أن يهرب الإنسان
من أين أتتك هذه القدرة على معرفة الغيب ؟
فقال البلقيطى متنهدا
-معاشرة الثعابين جعلتنى أنجب حيتين!
-أتستضيفه يا أبى وأنت لا تدرى عنه شيئا ؟
لى عينان يعتمد عليهما عند الحاجة، ثم استضفه متأثرا بشهامته ولن أرجع عن-.رأيى
يا معلم ، بالحق سأقص عليك قصتى
فابتسم البلقيطى وتشاغل بتدليك ساقيه فعاد جبل يقول
إنى قاتل آما قلت، ولكن لى قصة
وقص عليه قصته، ولما فرغ قال الرجل
يا لهم من قوم ظالمين، أما أنت فرجل شهم ولم يخب نظرى فيك
واعتدل فى جلسته باعتزاز ثم قال ص125
هنا قص جبل أى موسى(ص) على الرجل حكايته وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين "،
-"من أى حى كنت ؟-.
من حى حمدان مثلك
يا للعجب
لا تعجب لشئ فى هذه الدنيا ، فكأنه تاريخ مضى من بعيد، فلا أحد يعرفنى الآن ولا تمرحنة نفسها التى تربطنى بها صلة قربى. 120اولاد حارتنا –
نجيب محفوظ ص125
الفرية هنا أن الرجل الكبير كان هو الأخر اسرائيلى ولو كان كذلك لعاد مع موسى(ص) وابنته وهو ما يخالف مضمون سورة القصص كما يخالف أقوال المؤرخين والمفسرين فمنهم من قال أنه شعيب(ص) وهو افتراء ومنهم من قال كاهن مديان كما فى سفر الخروج
-" لم يكن بطبيعة الحال يدرى شيئا عن فن الحواة ولكنه رحب به باعتباره الوسيلة التى ستلصقه بهذه الأسرة فتساءل بنبرات فضحت رضاه:ص126
هنا التصق موسى (ص)أى جبل عند نجيب بالأسرة عن طريق الزواج كما قص الله علينا فى قوله تعالى بسورة القصص "قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين"
-"وتساءل من حين إلى حين أين الجبلاوى، وإذا أشفقت شفيقة من أن يفسد عليه الماضى حياته هتف بها إلى هؤلاء ينتسب الشئ الذى فى بطنك، وآل حمدان آله، والأفندى رأس الاغتصاب كما أن زقلط رأس الإرهاب، فكيف تطيب الحياة مع أمثال أولئك ؟ص129
-رفع الحصار عنا من زمن، لم يعد أحد يسأل اليوم عن قدره أو قاتله، ويقال إن هدى هانم هى التى أنقذتنا من الموت جوعا، ولكن قضى علينا بالذل إلى الأبد، لا مقهى لنا ولا كرامة، نسعى فى أعمالنا بعيدا عن حارتنا، وإذا عدنا توارينا وراء الجدران، وإذا عثر على أحدنا فتوة عبث به صفعا أو بصقا، إن تراب حارتنا اليوم أكرم عليهم منا يا جبل .. ما أسعدك فى غربتك. ص130
هنا نجيب يبين أن الجبلاوى انشغل أو نسى قومه وعذاباتهم وهو ما يخالف تذكر الرب لهم فى سفر الخروج فى قولهم :
7فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، 8فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. 9وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، 10فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ»
-"وصمت مليا ثم عاد يقول
بقدمى-.تقوداننى إلى البقعة المشرفة على حارتنا، ولم أكن دنوت منها منذ هروبى"
هنا نجد ذكر للقدم والبقعة المشرفة التى أراد بها المشرفة بفتح الشين وهو ما ورد ذكره فى قوله تعالى بسورة طه"فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إننى أنا الله لا إله أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى"
-"لكنه حدث منذ أيام معدودة أن شعرت برغبة فى المشى وحدى رغم البرد والظلام، فخرجت إلى الخلاء، وإذا تجلى الاهتمام فى العين فواصل الرجل حديثه قائلا:
-مضيت فى تجوالى فى ظلام دامس، فحتى النجوم توارت وراء السحب، وما أدرى إلا وأنا أوشك أن أصطدم بشبح هائل جبل
توهمته أول الأمر أحد الفتوات، ولكنه بدا لى شخصا ليس كمثله أحد فى حارتنا ولا فى الناس جميعا، طويلا عريضا كأنه 128 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص134
هنا الفرية كون الله وهو عند نجيب الجبلاوى شخصا ليس كمثله أحد فى حارتنا ولا فى الناس جميعا
ويوافق نجيب الوحى فى حكاية البرد وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال أهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "
-"فقال جبل
قلت له : لم أحلم أن أقابلك فى هذه الحياة فقال : ها أنت ذا تقابلنى وحددت بصرى لأتبين وجهه المرتفع فى الظلام
فقال لى : لن تستطيع رؤيتى مادام الظلام، فقلت بذهول لرؤيته محاولة رؤيتى له : لكنه ترانى فى الظلام، فقال : إنى أرى
فى الظلام منذ أعتدت التجوال بل قبل أن توجد الحارة فقلت بأعجاب : الحمد لرب السماوات على أنك ما زلت تتمتع بصحتك، فقال : أنت يا جبل ممن يركن إليك، وأية ذلك إنك هجرت النعيم غضبا لأسرتك المظلومة، وما أسرتك إلا أسرتى، ص135
الفرية هنا أن موسى (ص) قابل الله فى مكان وهنا المقابلة جرت دون رؤية بين جبل والجبلاوى أى بين موسى (ص) والله وهو ما يوافق وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وكلامى فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الأخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون"
-"فقال حمدان كالمعتذر
لست أخاف على نفسى ولكنى أخاف عليكم
فقال جبل بازدراء
سأذهب إلى الناظر وحدى-. .
فقال دعبس وهو يتزحزح مقتربا من مجلسه ص136
ونحن معك ، لا تنسوا أن الجبلاوى وعده بالنجاح!
فقال جبل
سأذهب وحدى عندما أقرر الذهاب ، ولكننى أريد أن أطمئن إلى أنكم ستكونون ورائى وحدة متماسكة خليقة بمواجهة-.الشدة والصمود لها
ووثب عبدون واقفا فى حماس وهتف:
-وراءك حتى الموت! ص137
هنا الفرية هى ذهاب موسى (ص) وحده واجتماع بنى إسرائيل خلفه وهو ما يخالفه ذهابه مع اخيه هارون (ص) وفى هذا قال تعالى بسورة طه"اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قالا لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى"
"ودخل البهو فرأى فى صدره الهانم
وزوجها جالسين منتظرين، نظر إلى أمه فتلاقت نظرتاهما، وقامت المرأة لاستقباله فى تأثر شديد، فهوى على يديها يقبلها، ولثمت جبينه فى حنان، فاجتاحه فى موقفه شعور بالحب والسعادة ، والتفت رأسه إلى الناظر فرأه جالسا فى عباءته يطالعهما بعينين باردتين، فمد له يده فقام نصف قومه ليصافحه وسرعان ما جلس. ص139
هنا هذا الكلام لا وجود له فى القرآن ولا فى العهد القديم وإنما هو خيال من نجيب قد يكون قد حدث وقد لا يكون قد حدث
-"وأدرك جبل أنه أن لهذا الموقف العائلى الطيب أن ينتهى كما قدر له من أول الأمر، وأنه آن للكفاح أن يبدأ فقال
الحق يا سيدتى أنهم يعانون ذلا ألعن من الموت، وقد قتل منهم من قتل
فقبض الأفندى بشدة على مسبحته وهتف بحدة
فلوحت هدى بيدها فى رجاء وقالت
إنهم مجرمون ، وقد نالوا ما يستحقون.
فلننس الماضى كله
فقال الأفندى باصرار
ما كان يجوز أن يضيع دم قدره هدرا
فقال له جبل بثبات
المجرمون حقا هم الفتوات ص140
هنا الفرية الحديث عن الجريمة وكون المجرمون بنو إسرائيل أى بنو حمدان والفتوات وهو ما يناقض أن الكلام كان عن جريمة قتل موسى(ص) للرجل من قوم فرعون وجريمة استعباد فرعون لبنى إسرائيل وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل"
-"فقال جبل دون أن يزايله هدوءه
إنك حاو بحق وجدارة، ولكنك لا
علم الله إنى ما جاوزت الحق، فلنحتكم إلى الجبلاوى نفسه إن استطعت ، أو إلى شروطه العشرة ص141
هنا الشروط العشرة هى إشارة لما فى العهد القديم من الوصايا العشر للرب
-"والتفت إلى الجالسين
قائلا : لم يكرم الجبلاوى حيا من أحياء هذه الحارة كما أكرمكم، ولو لم يكن يعتبركم أسرته الخاصة ما لقانى ولا كلمنى، ولكنه نور السبيل ووعد بالتأييد، والله لأكافحن ولو كنت وحدى، لكن بدا أنه لم يكن وحده، أيده كل رجل، أيدته كل امرأة، ص142
هنا يذكر نجيب تفضيل بنى إسرائيل من قبل الله على بقية الناس على شرط أن يفوا بعدهم فيوفى بعهده فالأفضلية متعلقه بمن ينفذ العهد وليس بخصوص ناس معينين يفضلهم سواء نفذوا أم لم ينفذوا وهو فى هذا هذا قال تعالى بسورة البقرة "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" وقال " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ"
-" هنا انقلب الحادث أحدوثة،وقال الناس فى الثعابين وأعادوا، غير أن نشاط الثعابين العجيب لم يتوقف فقد رأى بعض الصحاب فى غرزة الفتوة بركات ثعبانا بين عمد السقف، لاح نصف دقيقة ثم اختفى، فهبوا مذعورين وتقوض السقف وغطت أخبار الثعابين على حكايات الشعراء فى المقاهى، وبدا أن نشاطها قد جاوز حدود الأدب إذ ظهر ثعبان ضخم فى بيت حضرة الناظر ومع أن خدم البيت الكثيرين انتشروا فى أركانه للتفتيش عن الثعبان المختفى إلا أنهم لم يقفوا له على أثر، وركب الخوف الناظر والهانم حتى فكرت جديا فى مغادرة البيت إلى أن تطمئن إلى خلوه من الثعابين، وبينما البيت مقلوب رأسا على عقب ترامى من بيت ص143
"...غير أن أبو سريع صاح:
استطيع أن أتيكم بأحد الرفاعية ولو نبيت خارج بيوتنا يومين أو ثلاثة أيام حتى يحضر من قريته
فتساءلت الهانم
كيف الحارة بأكملها أن تبيت خارج بيوتها يومين أو ثلاثة ؟ص146
الفرية هنا هى دخول الثعابين بيوت قوم فرعون وهو ما يخالف أن العصا المتحولة كانت مع موسى(ص) وعرضها أمام فرعون ثم أعادها لعصا وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين "
"وكان الأفندى يفكر بكل قواه مغالبا ما استطاع عواطف الغضب والحقد التى تستعر فى صدره، وإذا به يقول مخاطبا جبل 139اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
-إنى معطيك كلمة الشرف التى تطلب فأبدا عملك ص146
هنا الناظر وهو فرعون أعطى جبل أو موسى(ص) وعدا ان ينفذ له ما يريد شرط أن يصرف عنه العذابات التى ارسلها الله وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل " وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون"
وهنا الحقيقة هى أن كلمة الشرف هى ارسال بنى إسرائيل مع موسى(ص) خارج مصر بينما كلمة شرف الناظر وهى الفرية إعادة الوقف لاهل الحارة وسفر الخروج يوافق القرآن فى اطلاق سراح القوم من مصر وهو قوله :
24فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَقَالَ: «اذْهَبُوا اعْبُدُوا الرَّبَّ. غَيْرَ أَنَّ غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ تَبْقَى. أَوْلاَدُكُمْ أَيْضًا تَذْهَبُ مَعَكُمْ»....27وَلكِنْ شَدَّدَ الرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُطْلِقَهُمْ.
-"دارت الأسئلة برأس جبل فدعا رجال حمدان إلى الربع الذى يقيم فيه ليتدبروا الأمر معا، وكان زقلط مجتمعا فى ذات الوقت بالناظر وحرمه، وكان يقول باصرار والحنق يلتهمه:
-لن نبقى منهم على أحد . وبدأ الارتياح فى وجه الأفندى"ص147
-"غير أن الهانم تساءلت:
وكلمة الشرف التى أعطاها الناظر ؟ص147 جبل هو الذى دبر مؤامرة الثعابين ليملى علينا شروطه، كل أحد يعرف
وقال زقلط محذرا ووجه مازال متشبثا بقبحه:
تذكرى يا هانم أنه إذا نجح جبل فى استخلاص حق آل حمدان فى الوقف فلن يهدأ بال أحد فى الحارة حتى ينال حقه-.أيضا، بذلك يضيع الوقف ونضيع جميعا
وقبض الأفندى على المسبحة فى يده بشدة حتى طقطت حباتها وهتف بزقلط:
-لا تبق على أحد منهم. ص148
فقال الناظر بحماس
سيسجل حقكم على رؤوس الأشهاد
وهنا قالت هدى برجاء
ستتناول عشاءك معى الليلة ، هذه رغبة أم!
وفطن جبل إلى ما ترمى إليه من إعلان المودة بينه وبين بيت الناظر، ولم يكن فى وسعه أن ينبذ رغبتها، فقال
-لك ما تشائين يا سيدتى.42 ص154
هنا اتفق فرعون وقومه على إبادة القوم وهو ما يوافق ارساله المنادين فى الناس لتجميعهم على عداوة القوم وذبحهم وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "فأرسل فرعون فى المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون"
والفرية فيما سبق هو بقاء القوم أحياء وهو ما يخالف اغراق القوم وفى هذا قال بسورة الشعراء "وأزلفنا ثم الأخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين وفى هذا قال بسورة يونس "وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "وقال بسورة طه"فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم "وقال بسورة الأعراف "فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"
-"فصاح به ليسمع الجميع
لا فتونة فى حمدان ، ولكن ينبغى أن يكونوا فتوات جميعا على من يطمع فيهم ص155
أنهم شعروا بالاستعلاء عليهم حتى فى أيام
محنتهم وقال جبل برقة:
وصانى جدى بأهلى-. .
ولكنه جد الجميع يا جبل ص
فقال جبل دون حماس
كلا ولكن لا شأن لنا بذلك
فتساءل الرجل فى إصرار
-وكيف لا يكون لكم شأن بذلك ؟
وساءل جبل نفسه بأى حق يكلمه ذلك الرجل على هذا النحو ؟ص
هنا الفرية هو أن نجيب يوافق اليهود على العنصرية حتى جعل جبل وهو موسى(ص) عنصرى لا يأبه لحقوق غير قومه هو ما يناقض إيمان زوجة فرعون برسالته وهى ليست من الاسرائيليين وكذلك مؤمن آل فرعون وكذلك زوجته المديانية وهى ليست اسرائيلية وإن كان نجيب جعلهم بافتراءاته كلهم اسرائيليين حتى يؤكد على عنصرية اليهود ورسالة موسى(ص) هى رسالة لكل الناس حتى قال موسى فى سورة الأعراف " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"
-"كان يوما مشهودا يوم تسلم جبل حصة أله من الوقف ، واتخذ فى حوش الربع - ربع النصر - مجلسه ودعا إليه آل حمدان، وأحصى ما فى آل أسرة من أنفس ووزع الأموال بالتساوى فيما بينهم، وحتى شخصه لم يخصه بامتياز، ولعل حمدان لم يرتح إلى هذه العدالة كل الارتياح ، ولكنه عبر عن مشاعره بطريقة غير مباشرة فخاطب جبل قائلا:
ليس العدل أن تظلم نفسك يا جبل! 149 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
فقطب جبل قائلا:
أخذت نصيب اثنين، أنا وشفيقة-. .
ولكنك رئيس هذا الحى-.
فقال جبل بصوت سمعه الجميع
ما ينبغى لرئيس القوم أن يسرقهم ص157
وظلمه ولكن وجد هؤلاء دائما من يرد عليهم قولهم ويذكر بالوجه الاخر لقسوته، وهو الرحمة بالمعتدى عليهم، والرغبة الصادقة فى إقامة نظام يضمن العدل والنظام والإخاء فى آل حمدان، ووجد هذا الرأى الأخير كل يوم ما يسنده فى فعال 152 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ الرجال وأقواله حتى أنس إليه من استوحش وأمن من خاف، ومال من جفا، وحرص الجميع على النظام فلم يجاوز حدوده حد، وسادت الاستقامة والأمان فى أيامه، فلبث بينهم رمزا للعدالة والنظام حتى غادر الدنيا دون أن يحيد عن مسلكه قيد أنملة.
هذه قصة جبل..
كان أول من ثار على الظلم فى حارتنا وأول من حظى بلقيا الواقف بعد اعتزاله، وقد بلغ من القوة درجة لم ينازعه فيها منازع، ومع ذلك تعفف عن الفتونة والبلطجة وُاراء عن سبيل الاتاوة وتجارة المخدارات ولبث بين آله مثالا للعدل والقوة والنظام أجل لم يهتم بالآخرين من أبناء حارتنا ولعله كان يضمر لهم احتقارا وازدراء كسائر أهله ، لكنه لم يعتد منهم على ص160
ما سبق من عدل جبل وتوزيعه المال يتفق مع أقوال وهى أوامر لله بتوزيع الماء على الأسر الاثنى عشر بالتساوى لكل أسرة عين ماء والافتراء أن قومه لم يجازوا حدود العدل وهو ما قصه القرآن كما فى طلبهم رؤية الله وعبادتهم العجل وفضهم دخول الأرض المقدسة بالقتال ...
حكاية رفاعة:
رفاعة قصد به نجيب المسيح عيسى بن مريم(ص)وسماه رفاعة نسبة إلى رفع الله عند موته للجنة فى السماء كما قال تعالى بسورة النساء " بل رفعه الله إليه " وأما والدته مريم (ص) فاستخدم نجيب بدلا منه اسم عبدة وهو معنى اسم مريم فى العبرية كما يقولون واختار اسم شافعى ليوسف النجار المذكور فى العهد الجديد كخطيب لمريم(ص) والسبب التشابه فى كون الاثنين ولدا فى فلسطين وعاشا فى مصر ويبدو تشبث شافعى بالاقامة فى مصر بكون الشافعى عاش ومات فى مصر
-"فتساءلت:
أين سألد يا ترى ؟
فقال شافعى ساخطا
أى مكان يا عبدة خير من حارتنا اللعينة
ورفع عينيه إلى شبح الجبل الممتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وقال
سنذهب إلى سوق المقطم ، إليه قصد جبل أيام محنته، وسأفتح دكان تجارة وأعمل كما كنت أعمل فى الحارة، لى-.
يدان يدران الذهب ومعى نقود للبدء لا بأس بها"ص161
هنا ولادة رفاعة فى سوق المقطم بينما فى العهد الجديد ولد فى بيت لحم فى قول سفر متى :
1وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ"
والمقطم يقع شرق القاهرة والفسطاط على حافة وادى الشرقية وهو ما يوافق القرآن فى ولادة مريم بمكان شرقى بلدتها حيث قال بسورة مريم "فحملته فانتبذت به مكانا شرقيا "
-"فبصق الرجل متأففا وقال محنقا:
أسياد الحارة ! ما نحن إلا عبيد أذلاء يا عبدة، ذهب جبل وعهده الحلو، وجاء زنفل أجحمه الله، فتوتنا وهو علينا لا لنا،-.
يلتهم أرزاقنا ويفتك بمن يشكو "ص162
وذكر زنفل اللعين وكيف أخذ بتلابيبه وهزه بعنف حتى كاد يقتلع ضلوعه، ثم مرغه فى التراب أمام الخلق لا لشئ إلا لأنه جعل مرة من الوقف حديثه ! ضرب الأرض بقدمه واستطرد قائلا:
اكرم الملعون خطف وليد سيدهم بياع لحمة الرأس ثم لم يسمع عن الوليد بعد ذلك أبدا، لم تأخذه رحمة بطفل فى-.
شهره الأول، وتتساءلين أين سألد، ستلدين بين أناس لا يقتلون الأطفال
فتنهدت عبدة وقالت برقة كأنما لتخفف من مضمون حديثها.
ليتك رضيت بما رضى به الآخرون! "ص163
هنا نجيب تحدث عن قتل الأطفال فى البلدة وهو ما ورد فى العهد الجديد ولا ذكر فى القرآن وفى هذا قال سفر متى :
" 13وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». 14فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. 15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل:«مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
16حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. 17حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: 18«صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ».
-"سيكون الغرباء جيراننا الجدد، وتستقبل أيديهم وليدها وينمو الوليد فى أرض غريبة كغصن مقطوع من شجرة وما كانت إلا قانعة فى آل جبل تحمل الطعام إلى زوجها فى الدكان وتجلس فى الليل وراء النافذة لتسمع رباب عم جواد الشاعر الضرير ، ما أحلى الرباب وما أحلى قصة جبل
ليلة التقى الجبلاوى فى الظلام فقال له ألا تخف، حياه بالعطف والتأييد حتى انتصر ، وعاد إلى حارته مجبور الخاطر، وما أحلى العودة بعد الاغتراب. "ص164
اعتمد نجيب فى هذا الجزء على العهد الجديد حيث الهجرة لمصر ثم العودة منها بعد سنوات من الإقامة فيها وهو قول سفر متى :
13وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، ......15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل:«مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
........19فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ 20قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». 21فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ"
-"لماذا نسينا الجبلاوى غمغمت امرأة-.
الله يعلم بحاله-.
فصاح الرجل فى حسرة وغضب
يا جبلاوى
فردد الصوت صوته، وقام وهو يقول
توكلى على الله-. .ص165
كلام المرأة عن نسيان الجبلاوى والمراد الله لها افتراء من نجيب فالمرأة هى التى أرادات أن تكون نسيا منسيا بسبب حبلها وفى هذا قال تعالى بسورة مريم " يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا "
-"فقالت عبدة بابتهاج
نعم ، أرأيت ما حدثتك عنه؟ فيه جدك صاحب هذه الأرض كلها وما عليها الخير خيره والفضل فضله ولولا عزلته لملأ الحارة نورا.
واكمل عم شافعى ساخرا:
-وباسمه ينهب ناظر الوقف ايهاب حارتنا، ويعتدى الفتوات علينا تقدموا نحو الحارة محاذين للسور الجنوبى للبيت الكبير،ص166
الحارة تقع جنوب البيت الكبير وهو موقع بيت لحم بالنسبة لما يسمى القدس أو أورشليم
"فنور الثناء وجه عبدة وضحك عم شافعى قائلا
-لو رأيت جسده النحيل ما قلت ذلك.
حسبه ما أخذ ، أن الجبلاوى لا يتكرر ، ماذا يعمل الفتى ؟-.
قليلا ويهيم على وجهه فى الخلاء، والجبل أكثر الوقت
فقال الشاعر باسما
علمته النجارة لكنه ابن وحيد مدلل يمكث فى دكانى
لا يستقر الرجل حتى يتزوج، وأين كنت يا معلم شافعى-.ص167
هنا يقتبس نجيب من العهد الجديد مهنة والد رفاعة المزعوم وهى النجارة كما فى قول سفر متى :
54وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا:«مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ 55أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ،"
-"فغمغم قائلا " : أحم
فأذنت له بالدخول فدخل، وجدها فى جلباب بنى ذى كلفة بيضاء حول الطوق وفوق عضة النهدين، وحافية وعارية الساقين وجدها أيضا، ولبثت صامتة مليا كأنما لتمتحن أثر منظرها فى نفسه، فلما رأت صفاء عينيه لا يتغير أشارت إلى ترابيزة صغيرة قائمة على ثلاث أرجل فى ركن الصالة وقالت:
الرجل الرابعة تحت الكنبة، ركنتها وحياتك وأدهن الترابيزة من جديد ص171
هذا الجزء من تخيل نجيب فلا ذكر لتلك الحادثة لا فى القرآن بين أيدينا ولا فى العهد الجديد وهى فرية يمهد بها لفرية أعظم وهو زهد الرجل فى النساء وكأن المسيح(ص) هو من اخترع الرهبانية وليس من أتوا بعده
-"كما خرجت امى من الحارة وأنا فى بطنها اضطراب ، اللعنة على الفتوات وعلى القطط حين تلفظ الفئران أنفاسها بين أسنانها، وعلى كل نظرة ساخرة أو ضحكة باردة، وعلى من يستقبل أخاه العائد بقوله لا مهرب منى عند الغضب، وعلى صانعى الرعب وخالقة النفاق، أما أدهم فلم يبق له إلا الخلاء"ص174
اللعنة النجيبية هنا على القطط بسبب أكلها للفئران وهى فطرة الله تبدو وكأنها سخرية من لعن التينة لأنها بلا ثمار وكأنها هى من تخرج الثمار بنفسها كما فى العهد الجديد فى سفر مرقس :
20وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ، 21فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ:«يَا سَيِّدِي، انْظُرْ! اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!»
-"وها هو الشاعر يغنى أغنية من أغانى إدريس المخمورة، ومال إلى أذن أبيه وقال:
أريد أن أزور المقاهى الأخرى
فقال عم شافعى متعجبا
قهوتنا خير قهوة فى الحارة.
ماذا يقول الشعراء هناك؟-.
الحكايات نفسها ولكنك تسمعها هنالك وكأنها غير الحكايات
وترامى التهامس إلى شلضم فمال نحوه رفاعة قائلا
ليس أكذب من أهل حارتنا، والشعراء أكذب الكاذبين ستسمع فى القهوة التالية أن جبل قال إنه ابن الحارة، والله ما قال-.
إلا إنه ابن حمدان
فقال عم شافعى:
الشاعر يريد إرضاء السامعين بأى ثمن "ص174
فى الفقرة السابقة يشير نجيب لكذب الشعراء فى قوله تعالى بسورة الشعراء " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم فى كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات "
كما يشير للعهد الجديد واختلافه فى تسمية يسوع أو المسيح(ص) فهو يقول عن نفسه ابن الإنسان أى ابن الحارة بلغة نجيب كما فى سفر لوقا " وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» وأيضا " 29وَفِيمَا كَانَ الْجُمُوعُ مُزْدَحِمِينَ، ابْتَدَأَ يَقُولُ:«هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ. 30لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كَذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ "ويقول أنه عن نفسه ابن الله أى ابن حمدان كما بلغة نجيب لن حفيد الجبلاوى الذى هو الله – عالى عن ذلك علوا كبيرا - كما فى سفر يوحنا " وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» 50أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هذَا!» وفى سفر متى " وَقَالَ:«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». 17فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ."
-"فأجابت أم بخاطرها
-الجبلاوى.
هل رأه أحد ؟
فقال جواد
كلا ، لم يره أحد من جيلنا، حتى جبل لم يتبينه فى ظلمة الخلاء .. ولكن المبيض رسمه على مثال ما يرد من أوصافه فى-.الحكايات
فتساءل رفاعة متنهدا:
لماذا أغلق أبوابه فى وجه أحفاده؟-.
يقولون الكبر، من يدرى كيف تمضى به الأيام، والله لو فتح أبوابه ما بقى أحد من أهل حارتنا فى داره القذرة-.."ص167
مقولة نجيب " لماذا أغلق أبوابه فى وجه أحفاده؟"يبدو أنها تعليق على مقولة يسوع فى العهد الجديد " إيليا لما شبقتنى "أو "إلوى لما تركتنى"
-"لا شان لى بأولئك عفاريتى الأخرون يذعنون لى كما كانت تذعن الثعابين لجبل، وعندى لهم جميع ما يحبون من بخور-.
سودانى وتعاويذ حبشية وأغان سلطانية
فسألها رفاعة باهتمام:
ومن أين أتتك هذه القدرة على العفاريت ؟
فحدجه بنظرة حذرة وقالت
هى حرفتى كما أن النجارة حرفة أبيك جائتنى من وهاب الفن "ص177
يعتمد نجيب هنا فرية العهد الجديد وهى طرد المسيح للعفاريت أى الجن من أبدان الناس وهى مقولة لا يمكن حدوثها ومن حكاياها فى العهد الجديد فى سفر متى :
28وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ، اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدًّا، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. 29وَإِذَا هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلَيْنِ:«مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟» 30وَكَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. 31فَالشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ». 32فَقَالَ لَهُمُ:«امْضُوا». فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ." و"32وَفِيمَا هُمَا خَارِجَانِ، إِذَا إِنْسَانٌ أَخْرَسُ مَجْنُونٌ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. 33فَلَمَّا أُخْرِجَ الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأَخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ الْجُمُوعُ قَائِلِينَ:«لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هذَا فِي إِسْرَائِيلَ!» 34أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا:«بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ!».
وهنا الفرية أن المسيح أى رفاعة تعلم معجزاته على يد كودية زار –"فحدثينى عنها يا عمتى
فابتسمت المرأة وبدت كأنها سمحت بأن تهبه قليلا من علمها فقالت
-لكل إنسان عفريت هو سيده ولكن ليس آل عفريت بشر يجب أن يخرج.
وكيف نميز بين هذا وذاك؟-.
عمله يدل عليه، أنت مثلا ولد طيب فما يستحق سيدك إلا الجميل، وليس هكذا عفاريت بيومى وخنفس وبطيخة "ص177
-"أحاديث أم بخاطرها ، لكل إنسان عفريت هو سيده، وكما يكون السيد يكون العبد .. هكذا تردد أم بخاطرها وكم من ليلة ص178
هنا يبين لنا نجيب وجهة النظر الشعبية فى العفاريت عفاريت طيبة وعفاريت سيئة
-"وحض أباه يوما على رسم صورة مثلها فى بيتهم أو فى الدكان فقال له الرجل نحن أولى بنفقاتها، وهى خيال وما قيمة الخيال؟ فما كان منه إلا أن قال له : بودى لو أراه ! فضحك الرجل ضحكة عالية وقال له معاتبا اليس الأفضل أن ترى عملك ! لن أعيش لك إلى الأبد، "ص178
هنا يتخيل نجيب بداية الصور فى الديانة النصرانية وهو هنا يفترى على المسيح(ص) أو رفاعة أنه أراد صورة للجبلاوى وهو الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا كالصورة التى رسمها المبيض من وحى أوصاف الحكايا
-"فبصق ثم قال
العيب عيبنا جميعا ، كان جبل قويا، وبالقوة والعنف استخلص لنا حقنا الذى أضاعه الجبن "ص186
الفرية هنا هو أن موسى(ص) هو من أحضر الحق لبنى إسرائيل وليس الله وهى مقولة يكذب فيها نجيب المعتقد الشعبى فى العالم وهو جبن وهى مسكنة وذل اليهود فى العالم
-"فقال فرحات
ما ألطف هذا الشاب ، يظنه البعض كودية زار لملازمته لأم بخاطرها ويظنه أخرون
-ويكره مجالس الحشيش كما يكره الزواج!"ص187
يعتمد نجيب فى الحكاية كلها وجهة نظر العهد الجديد وهو كراهية الزواج من قبل المسيح(ص) وهى مقولة للأسف يعتقدها بعض المحسوبين على الإسلام مع أن القرآن قال أن كل الرسل (ص)تزوجوا وأنجبوا وهى قوله تعالى بسورة الرعد "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "
-"فقال شافعى باضطراب
-الله أسأل ألا يكون أحد سمعك.
فقال رفاعة بعينين مضيئيين : جدى سمعنى ، وجاءنى صوته قائلا : ما أقبح أن يطالب شاب جده العجوز بالعمل والابن الحبيب من يعمل . فسألته : وما حيلتى حيال أولئك الفتوات أنا الضعيف؟ فأجابنى : الضعيف هو الغبى الذى لا يعرف سر قوته وأنا لا أحب الأغبياء.ص189
مقولة نجيب " يطالب شاب جده العجوز بالعمل والابن الحبيب من يعمل" تشير إلى إشكالية الجنون والتناقض فى بداية سفر يوحنا" 1فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ."
فالجد يعمل وهو الله تعالى عن ذلك والشاب يعمل ترجمة لمقولة والكلمة عند الله والكلمة هو الله
-"هل قال لك جدك ذلك ؟
-قال إنه لايحب الأغبياء، وقال إن الغبى هو الذى لايعرف سر قوته، وإنى أخر من يدعو إلى قتال فى سبيل الوقف، الوقف لا شئ يا أبى وسعادة الحياة الغناء هى كل شئ ولا يحول بيننا وبين السعادة إلا العفاريت الكامنة فى أعماقنا، ولم يكن عبثا أن أشغف بطب العفاريت وأن أحسنه لعلها إرادة رب السماوات هى التى دفعتنى إليه.ص190
الفرية هنا هو أن الشرع المنزل على المسيح(ص) حرم القتال فى سبيل توزيع ريع الوقف بالعدل وهى مقولة يفندها مقولة ينسبها سفر متى للمسيح (ص)" «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. 35فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. 37
-"فقال رفاعة بابتهاج
انظر إلى إقبال الرزق علينا فماذا يخبى
كل خير يا أبى ، إن شفاء المرضى لن يقلق إلا العفاريت "ص190
يشير هنا نجيب لمعجزة شفاء المرضى وهى معجزة مفتراة فالمرضى الذين كان يشفيهم هم الكمه والبرص وهو قوله تعالى بسورة آل عمران "وأبرىء الأكمه والأبرص " ونجيب هنا اعتمد وجهة نظر العهد الجديد فى قول سفر متى :
34فَلَمَّا عَبَرُوا جَاءُوا إِلَى أَرْضِ جَنِّيسَارَتَ، 35فَعَرَفَهُ رِجَالُ ذلِكَ الْمَكَانِ. فَأَرْسَلُوا إِلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ الْمَرْضَى، 36وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا هُدْبَ ثَوْبِهِ فَقَطْ. فَجَمِيعُ الَّذِينَ لَمَسُوهُ نَالُوا الشِّفَاءَ."
-"184 أولاد حارتنا نجيب محفوظ
يجب أن تجلد قبل طردها
اقتلوها قتلا
وترامت صرخة ياسمينة التى كانت تنصت فى الظلام وراء النافذة واحدقت الأعين بخنفس لكن رفاعة سمع وهو يسأل أباه ص192
فتساءل رفاعة
هل يرضيكم أن أتزوج منها ؟
فاختلط صراخ الغضب بصيحات الاستهزاء، وقال زيتونة
لا يهمنا إلا أن تنال جزاءها
فاستقتل رفاعة قائلا
سيكون العقاب من شأنى أنا.
بل هو من شأن الجميع
ووجد خنفس فى اقتراح رفاعة منقذا له من ورطته، لم يكن فى قلبه مقتنعا به ولكن لم يكن عنده خير منه، وغالى فى تجهمه مداريا ضعفه، وقال:
الولد ارتبط أمامنا بزواجها فله ما يطلب ص194
ولما يتم الزواج وبكت عبدة خفية حتى أضر بها البكاء وتجهم وجه شافعى إذ تجهمته الدنيا، لكنهما حيال الشاب أنطويا على نفسيهما وتجنبا المغاضبة، ولعل ياسمينة هونت من الخطب بسلوكها عقب المظاهرة إذ هرعت إلى بيت عم شافعى وجثت أمام الرجل وزوجه باكية وسكبت على قدميهما بعض ما فاض به قلبها من الامتنان، ثم أعلنت فى حرارة وجد توبتها، ولم يكن من الممكن العدول عن الزواج بعد أن ارتبط به الشاب جهارا أمام آل جبل، فسلم عم شافعى زوجه بالأمر ووطنا النفس على تقبله وتنازع قلبى الوالدين رغبتان واحدة تود أن ترعى التقاليد فى الاحتفال بعرس رفاعة "ص196
تزوج رفاعة أى المسيح(ص) من ياسمينة الزانية يشير هنا نجيب به إلى مسح مريم شعرها بقدمى المسيح فى سفر لوقا:
36وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. 37وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ 38وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. 39فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلاً:«لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ». 40فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«يَاسِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ». فَقَالَ:«قُلْ، يَامُعَلِّمُ». 41«كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. 42وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟» 43فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ:«أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ». فَقَالَ لَهُ:«بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ». 44ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ:«أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. 45قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. 46بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. 47مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً». 48ثُمَّ قَالَ لَهَا:«مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ». 49فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ:«مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟». 50فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ:«إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ"
-"فابتسم رفاعة قائلا
اليوم غير الأمس إذا ذهبنا فمنذا الذى يخلص آل جبل من العفاريت ؟
فقال شافعى محتدا
فلتركهم العفاريت إلى الأبد
ص198
أعرف ذلك ، ما أكثر الأخطاء بحارتنا
فقالت بحنق
يفاخرون دائما بأنهم من صلب أدهم، وفى نفس الوقت يباهون بالكبائرص200
وانزوى رفاعة فى ركن الدكان مكتئبا فرمقه الرجل بريبة وسأله
أحقا دعوت زوجك إلى ما تدعونا إليك ؟
فقال بأسف
-وهى مثلكم لا ترغب فى السعادة. ص202
ولما غادر الربع فاعترضت سبيله امرأة من غير آل جبل، وقالت له
باستعطاف:
صباح الخير يا معلم رفاعة
ودهش لرنة الاحترام فى صوتها وللقب الذى قرنته باسمه فسألها
ماذا تريدين؟
فقالت بضراعة
لى ابن ممسوس أرجو أن تخلصه!
وكان كآل جبل جميعا يحتقر أهل الحارة فاستنكف أن يضع نفسه فى خدمة المرأة فيضاعف من ازدراء آله له، فقال لها
ألا توجد كودية فى الحارة ؟
فقالت المرأة بصوت بالك
بلى ولكنى امرأة فقيرة
ورق لها قلبه كما آسره لجوؤها إليه هو الذى لم يلق من آله إلا الهزء والاحتقار، ونظر إليها فى تصميم وهو يقول
-إنى طوع أمرك.
194 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص204"
يعتمد هنا نجيب رواية العهد الجديد فى حكاية فتات الكلاب حيث قال سفر متى :
21ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». 25فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً:«يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» 26فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». 27فَقَالَتْ:«نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». 28حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.
والفرية النجيبية هى احتقار المسيح(ص) لغير بنى إسرائيل وهو كلام يخالف أن الرسل (ص) جميعا لا يحتقرون مسلما حتى ولو كان من غير قومهم
-"هنا تحتنا الحارة، أما هنالك فلم نكن نرى إلا الدهليز المعتم
فقال رفاعة بأسى
ليت الدهليز بقى لنا، إنه دهليز مبارك، إذ فيه تقرر النصر لجبل على أعدائه، ولكن لم يكن فى الإمكان مواصلة الإقامة بين-.
أناس يستهزئون بنا فى كل خطوة أما هنا فالفقراء طيبون، والطيب هو السيد لا آل جبل "ص204
الدهليز المبارك يقصد به الأرض المقدسة التى فرض على القوم دخولها ونلاحظ هنا أن نجيب استعار من العهد الجديد تعريف السيد أى العظيم حيث قال سفر متى
"19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ."
-"ستكونين أجمل وأفضل عندما تقهرين الغرور، ليس آل جبل بخير حارتنا، خير الناس اطيبهم، وكنت مخطئا مثلك فخصصت آل جبل باهتمامى، ولكن السعادة لا يستحقها إلا من ينشدها مخلصا، انظرى إلى الطيبين كيف يقبلون على وكيف يبرأون من العفاريت."ص205
هنا يبتعد نجيب عن العهد الجديد وخصوصية رسالة الرجل ببنى إسرائيل فى قوله "لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" وقوله ايضا فى سفر متى "6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ"
وهو يعتمد تعريف الأعظم وهو الطيب بأنه المتواضع ولا يتواضع سوى الفقراء كما جاء فى سفر متى "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ."
-"فقال باسما
إنك من آل جبل وكلهم أبى أن يسلم لدوائى حتى أبى نفسه-. !
وعندما دق الباب أدركنا أن زبونا جديدا قد قدم فتهيأ رفاعة لاستقباله
والحق أن رفاعة لم يلق من عمره أسعد من هذه الأيام ، كان يدعى فى الحى الجديد بالمعلم رفاعة، وكانوا يدعونه فى اخلاص ومحبه، وعرف بأنه يخلص من العفاريت ويهب الصحة والسعادة لوجه الله وحده، وهذا سلوك نقى لم يعرف عن أحد قبله فلذلك أحبه الفقراء كما لم يحبوا أحدا قط، وطبيعى أن بطيخة فتوة الحى الجديد لم يحبه لسلوكه الطيب من ناحيته "ص205
يلجأ هنا للعهد الجديد فى تسمية المسيح(ص) رغم أنها تسمية كل الرسل (ص) بلا استثناء ومن تلك الأقوال فى سفر متى :
16وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ:«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ" و "18فَقَالَ:«اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي».
-"تاب توبة صادقة واشتغل صبى مبيض نحاس، وعويس تزوج بعد الذى كان، واصطفى رفاعة من مرضاه أربعة وهم زكى وحسين وعلى وكريم، اصطفاهم لصداقته فصاروا إخوة، لم يعرف أحد منهم الصداقة ولا الحب قبل أن يعرفه، كان زكى برمجيا ، وكان حسين مدمن أفيون لا يفيق، وعلى يتدرب على الفتونة، وكريم قواد فانقلبوا رجالا ذوى قلوب كبيرة "ص206
هنا يخالف نجيب العهد الجديد فى عدد من اختارهم رفاعة أى المسيح لصحبته فبدلا من 12 أصبحوا 4 وفى هذا قال سفر متى :
13وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا «رُسُلاً»:
-"التفت الناس إلى قوة الجبلاوى وجاهه، وتناسوا مزياه الأخريات، لذلك لم يستطع جبل أن يغير النفوس بنيله حقه فى الوقف ، ولما رحل عن الدنيا انقلب الأقوياء مغتصبين الضعفاء حاقدين وأطبق الشقاء على الجميع، أما أنا فافتح أبواب السعادة بلا وقف ولا قوة ولا جاه "ص207
الفرية من نجيب هنا هو أن رفاعة أى المسيح(ص) رسالته تغيرت عن رسالة جبل أى موسى(ص) ومن المعلوم أن الرسالة واحدة بداية من أدم (ص) وحتى أخر الأنبياء محمد(ص) وهى عبادة الله للحصول على سعادة الدارين وقد اعتمدت الرسالات كلها على العفو والقوة معا وليس على واحد منهما وقد حكى العهد الجديد المقولة التالية على لسانه فى سفر متى
17"«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ."
وهو ما يوافق قوله فى القرآن "ومصدقا لما بين يدى من التوراة "
-"فصاح الرجل
197 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
إذن امشى كما يمشى المساكين لا كعريس الزفة، أنسيت أنك طريد حى وزوج ياسمينة وكودية زار؟-.وبصق فى تحرش، وتباعد الناس وساد الوجوم لكن زغاريد الفرح غطت على كل شئ "ص208
يستعير هنا نجيب تعبير وصف رفاعة بالعريس من العهد الجديد كما فى سفر متى "15فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ"
-"الواقف ميت أو فى حكم ذلك يا أولاد الكلب.
وانزعجت ياسمينة ، خافت أن تفلت الفرصة المتاحة وأن يتعكر الجو، ومدت يدها إلى الفستان لتنزعه رويدا، وانبسطت أسارير الرجل بعد تجهز ورنا إليها بعينين متوثبتين. ص211
الفرية النجيبية هنا هو أن زوجة رفاعة زانية داعرة ومن المحال أن تكون زوجة نبى(ص) زانية حتى ولو كانت كافرة كزوجتى نوح(ص) ولوط (ص) والمصيبة أن نجيب يقول أن رفاعة كان يقرأ ما فى نفوس الناس ومن ثم فهو ديوث لأنه عرف وسكت ولم يتحرك
-"تأكد ذلك من أكثر من مصدر، إن مرضاه يؤمنون بذلك ولو أنهم يتكتمون الأمر بحرص شديد
-لعله مجنون كما كان جبل دجالا، ولكن هذه الحارة القذرة تحب المجانين والدجالين، ماذا يريد آل جبل بعدما نهبوا الوقف ص212
هنا يعتمد نجيب حكم القرآن فى أن الأقوام رمت الرسل بتهمتى الجنون والدجل وهو السحر كما جاء فى سورة الذاريات "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون "
-"فصاح مزمجرا
-أنت تكلم الآن بطيخة لا الواقف فاذهب بلا تردد.
وهم رفاعة بالكلام فلطمة الفتوة لطمة دفعته إلى جدار الربع مترنحا، ورأت امرأة الموقعة فصوتت حتى ملأ صوتها الحارة ص213
....وما لبث أن ازدحم الموقع بمحبى رفاعة من الرجال والنساء، ودهش بطيخة الذى لم يتوقع شيئا مما حدث، ورفع يده وهوى بها على وجه رفاعة فتلقاها هذا ص213 دون دفاع، ولكن الواقفين تصايحوا فى انزعاج، واعتراهم انفعال شديد، فتوسل البعض إلى بطيخة أن يترآه، وردد أخرون "ص214
يشير هنا نجيب بواقعة استسلام رفاعة للطمة على الخد الأيمن ولطمة على الخد الأيسر لمقولة يسوع فى العهد الجديد فى سفر متى "39وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا."
-"وصاح رجل من وسط المظاهرة متشجعا بالزحام وبمكانه فيه
فتوتنا على العين والرأس، ولكن ماذا فعل رفاعة ؟
وصاح ثالث فى أخر المظاهرة مطمئنا إلى تواريه عن متناول عين الفتوة
رفاعة برئ والويل لمن يمد له يدا بسوءاص215
واندفع رفاعة فجأة حتى وقف أمام بطيخة ولوح الناس بيديه حتى ساد السكوت، وهتف بصوت قوى:
لم يخطئ فتوتنا وأنا الملوم "ص215
يحرف هنا نجيب ما حكته أسفار العهد الجديد عن براءة المسيح(ص) مثل قول سفر لوقا " 13فَدَعَا بِيلاَطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، 14وَقَالَ لَهُمْ:«قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. 15وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضًا، لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. 16فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 17وَكَانَ مُضْطَرًّا أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ كُلَّ عِيدٍ وَاحِدًا، 18فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ:«خُذْ هذَا! وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!» 19وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْل. 20فَنَادَاهُمْ أَيْضًا بِيلاَطُسُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ، 21فَصَرَخُوا قَائِلِينَ:«اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» 22فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً:«فَأَيَّ شَرّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 23فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. 24فَحَكَمَ بِيلاَطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. 25فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْل، الَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ."
-"كلا يا معلم ولكن فيه تنبيه بأن السعادة غير ما يملكون من قوة وجاه.
وسمعوك أيضا وأنت تؤكد أن ذلك ما يريده لهم الواقف
فتجلى الاهتمام فى العينين الصافيتين وقال
-هم يقولون ذلك ؟
وماذا تقول أنت ؟
فقال بعد تردد لأول مرة
على قدر فهمى أتكلم
ص217
فصاح بيومى
-يا ابن الماكرة ، أنت توهم الناس بأنهم مرضى، بأننا جميعا مرضى فلا صحيح غيرك فى هذه الحارة!
لماذا تكرهون السعادة وهى بين أيديكم ؟
-يا ابن الماكرة ! ملعونة السعادة التى تجئ من مثلك ! فتساءل رفاعة متنهدا
لماذا يكرهنى أناس وأنا ما كرهت أحد قط ؟ ص218
يشير هنا نجيب إلى مقولة فى العهد الجديد لرفاعة أى المسيح (ص) وهى فى سفر متى " لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيب بَلِ الْمَرْضَى. 13فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ».
-"وهنا دق الباب دقات متتابعة فى لهفة فذهبت ياسمينة تفتحه، وسمع الجالسون صوتى عم شافعى وعبدة يسألان عن
ابنهما، وقام رفاعة فتلقى والديه بالعناق وجلسوا وهما يلهثان ووجهاهما ينطقان بملا يحملان من أنباء مزعجة ، وسرعان ما قال الأب:
يا بنى تخلى عنك خنفس فحياتك فى خطر، وأخبرنى أصحابى بأن أعوان الفتوات يحومون حول بيتك ص220
فقال رفاعة متعجبا
بالأمس حاربوا جبل لمطالبته بالوقف واليوم يحاربوننى لاحتقارى الوقف
فلوح شافعى بيده جزعا وقال
قل فيهم ما تشاء فلن يغير هذا منهم شيئا، ولكن اعلم أنك هالك إن غادرت بيتك، ولست أمن عليك إن بقيت فيه-. .ص221
فصاح شافعى:
ومن هناك تهربون من الحارة ليلا
فتأوه رفاعة متسائلا
واترك بنائى يتهدم ؟
208 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص222
يشير هنا نجيب لمقولة فى العهد الجديد هى فى سفر متى :
نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ"
وبالطبع حور هنا نجيب المقولة من الهدم إلى الحفاظ على البناء
-"فتقلص فوه اشمئزازا وقال
فى الحارة كفايتها من المجانين
فنظرت إليه فى استعطاف ثم غضت بصرها وهمست وكأنما تحث نفسها
انقذنى يوما من الهلاك
فضحك فى سخرية غليظة وقال
وها أنت تسلمينه للهلاك واحدة بواحدة والبادى أظلم!ص224
هنا حرف نجيب ما جاء فى العهد الجديد من خيانة رجل هو يهوذا الاسخريوطى ليسوع فجعلها خيانة من امرأة هى الزوجة وفى هذا قال سفر متى :
"43وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ. 44وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً:«الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». 45فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً:«يَا سَيِّدِي، يَاسَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 46فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ".
-فجلست إلى جانب زوجها وهى تقول:
بيتنا مراقب، ومن الحكمة إن أمك تركت المصباح مشتعلا وراء النافذة، وسيكون الهرب ميسورا عند الفجر فقال لها زكى وهو يلحظ رفاعة فى حزن لكنه حزين، أليس المرضى فى كل مكان واليسوا هم فى حاجة ككذلك إلى الشفاء ؟
فقال رفاعة
تشتد الحاجة إلى الدواء حيث يستفحل المرض-. ."ص225
هنا يذكر نجيب ما ذكره سفر متى فى العهد الجديد وهو :
33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ:«نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا»
فالمفترض فى الناقد وهو قاضى أن يسأل المتهم عن صحة اتهامه ولما كان المتهم ميتا فإنه لا يجوز الحكم على ميت خاصة أن الحكاية غايتها هى إظهار ملخص تاريخ الإنسان وهو تكرار دورات الظلم الطويل والعدل القصير
النسخة المعتمدة فى النقد يبدو أنها نسخة كتبها أحد العراقيين من نسخة لديه أو من إحدى المكتبات وهى مليئة بالأخطاء الإملائية وقد يكون قد نسى بعض الكلمات أو الجمل فى أثناء الكتابة والأخطاء الرئيسية تكمن فى كتابة حرف الكاف آ فى عدة ألوف من الكلمات وكذلك حرف الهاء حيث يظهر علامة استفهام داخل مستطيل وقد حاولت فيما نقلت منها تلافى تلك الأخطاء بإصلاح الأخطاء كما أن النسخة عندما نقلتها من نظام بى دى اف إلى نظام الكتابة العادية وورد كانت ترقيمها مختلفا وكانت لا تستجيب عند نقل الصفحات ومن ثم فأرقام الصفحات تبدو تقريبية فقد تكون صحيحة وقد تكون بعدها بصفحة أو اثنين
وكانت لدى نسخة أصلية من على الشبكة العنكبوتية أرسلها لى أحد الأصدقاء منذ أكثر من عشر سنوات عندما كانت علاقتى بالشبكة العنبوتية مجرد علاقة عمل مع موقع وزارة التربية والتعليم وربما قرأت بعض منها أو كلها والظاهر أنها كانت مقسمة تقسيما أخر غير التقسيمات فى هذه النسخة المنقولة عن الأصل فعلى حد ذاكرتى الضعيفة أنها كانت مقسمة إلى 114 جزء أى بعدد سور المصحف الحالى وإن كانت ذاكرتى صحيحة فهذا أمر يجعل نجيب فى محل اتهام سوى ما سيأتى فى النقد وهو أنه يحاول تقليد المصحف
أول سؤال تطرحه حكاية حارتنا :
هل يجوز لروائى أو حكواتى أن يأخذ قصص الوحى فيحرفها فيزيد فيها وينقص منها؟
بالقطع لا يجوز له ذلك كما لا يجوز لأيا كان الافتراء على الله كما قال تعالى بسورة الأعراف :
" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين" وقال بسورة الأنعام:
"فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ"
نجيب محفوظ ليتخلص من وزر هذه الحكايات زعم فى افتتاحية الحكاية أنه مجرد ناقل لحكايات تروى فى المقاهى وغيرها فقال :
"هذه حكاية حارتنا ، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق ، لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذى عاصرته، ولكنى سجلتها جميعا كما يرويها الرواة وما أكثرهم جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات، يرويها كل كما يسمعها فى قهوة حية أو كما نقلت إليه خلال الأجيال، ولا سند لى فيما كتبت إلا هذه المصادر"
الرجل هنا يعترف بأنه عاصر الجزء الأخير من صاحب عرفة وهو حنش وأن الباقى هو روايات أبناء الحارة وبالقطع الرجل كاذب فى إدعاءه فلو كانت هذه الحكايات تروى فيجب أن تصل أخبارها لكل الناس فى مصر الحالية ويجب أن يكون لها منشدين أو مغنيين يغنونها كما حدث فى السيرة الهلالية وسيرة الزير سالم وسيرة الظاهر بيبرس أو تكتب كما كتبت تلك السير والحكايات الشعبية فلا يوجد كتاب يعتمد عليه ولا حتى شاهد واحد يقول أنه سمعها
إذا فالرجل هنا يتنصل من مسئوليته على طريقة ناقل الكفر ليس بكافر وهى مقولة ليست صحيحة دوما فهناك ناقل يكون كافر إذا كان الهدف من نقله هو إضلال غيره ولذا فى قصة الإفك قال الله تعالى أن ترديد الكفر هو خطيئة وذنب عظيم فقال بسورة النور :
"إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿١٦﴾ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
وعمل نجيب على نشر هذه الضلالات فى كتاب هو عودة لمثل الذنب العظيم ؟ ولعل رفضه لنشر الحكايات مرة أخرى هو دليل على التوبة التى الله أعلم بها
ماذا فعل نجيب محفوظ بأسماء قصص الوحى وحكايات التاريخ ؟
فيما يبدو كان نجيب قد وضع خطة لنفسه فى الأسماء المتعلقة بقصص الوحى من الأسس التالية:
الأول زيادة حروف على اسم الشخص فمثلا أدم (ص) زاد عليه حرف الهاء فأصبح آدهم وأم والمراد حواء أم البشر زاد عليها حروف الياء والميم والتاء فأصبحت أميمة وأبو بكر الصديق أصبح اسمه صادق
الثانى تغيير حروف فى اسم الشخص فمثلا إبليس أصبح إدريس ومثلا هابيل وقابيل أصبحا همام وقدرى فأخذ الحرف الأول من كل منهما ومثلا جبريل (ص)أصبح قنديل وعمران أصبح حمدان
الثالث غير أسماء بحسب فعل فى حياتها فالجبلاوى وهو اسم الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا مأخوذ من تجليه للجبل فى قوله تعالى بسورة الأعراف " فلما تجلى ربه للجبل " واسم جبل أطلقه على موسى(ص) بسبب ارتباط الأحداث الرئيسية فى حياته بالجبل فالنار على الجبل والتجلى على الجبل والميقات فى الجبل وأما المسيح(ص) فأسماه رفاعة وهو مأخوذ من رفع الله تعالى له عنده حيث قال بسورة النساء " بل رفعه الله إليه " وأما قاسم والمراد محمد(ص) فهو مأخوذ من الاسم التاريخى فى السيرة وهو أبو القاسم ومن الحديث المروى "إنما أنا قاسم " وعلى بن أبى طالب أصبح اسمه حسن على اسم ولده وعائشة أصبحت بدرية حيث أنها تزوجت فى سن مبكر أى بدرى
حكاية آدم (ص)وضلالاتها :
-بدأ نجيب الضلالة بأن الجبلاوى اختار أدهم من بين إخوته لإدارة الوقف تحت إشرافه حيث قال :
" أما الجبلاوى فاستطرد قائلا:
-وقد وقع اختيارى على أخيكم أدهم ليدير الوقف تحت إشرافى"ص4
وبالقطع لم يكن لآدم (ص)إخوة وهذا هو الافتراء وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة :"وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة "
-"فغضوا الأبصار حذرا من أن يقرأ ما فى نفوسهم ، إلا إدريس فقد قال بإصرار
ولكننى الأخ الأكبر
فقال الجبلاوى مستاء
أظن أننى أعلم ذلك ، فأنا الذى أنجبتك"ص5
هنا اعتمد نجيب فى ضلالة وجود أبناء لله-تعالى عن ذلك- المسمى عنده الجبلاوى على العهد القديم فى مثل قول سفر التكوين :
"1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أولادا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ."
-وفى القولة التالية :
"فقال إدريس وحرارة غضبه أخذة فى الارتفاع
للأخ الأكبر حقوق لاتهضم إلا لسبب
فحدجه الرجل بنظرة طويلة كأنما يمنحه فرصة طيبة لتدبر أمره وقال
-أوكد لكم إنى راعيت فى اختيارى مصلحة الجميع."ص5
نجد ضلالة حقوق الأخ الأكبر فالملائكة تحدثت ليس عن حقوقها ولكن عن فساد المخلوق وكفايتهم فى طاعة الله كما قال تعالى بسورة البقرة"قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون"
-"وانتفخ كالديك المزهو ليعلن للأبصار فوارق
الحجم واللون والبهاء بينه وبين أخيه، وانطلق الكلام من فيه كما ينطلق نثار الريق عند العطس بغير ضابط:
إنى وأشقائى أبناء هانم من خيرة النساء، أما هذا فإبن جارية سوداء"ص5
هنا الضلالة أن سبب تفضيل إبليس لنفسه عند نجيب هو الحجم واللون والبهاء بينما فى الوحى مادة الخلق وفى هذا قال بسورة الأعراف:"أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين "
-"شحب وجه أدهم الأسمر دون أن تند عنه حركة"ص5
تعبير نجيب بالسمار المراد به أنه طين كما فى قوله تعالى بسورة ص"إنى خالق بشرا من طين"
-"على حين لوح الجبلاوى بيده قائلا بنبرات الوعيد
تأدب يا إدريس
ولكن إدريس كانت تعصف به عواصف الغضب المجنونة فهتف
وهو أصغرنا أيضا، فدلنى على سبب يرجحنى به إلا أن يكون زماننا زمان الخدم والعبيد؟-."ص5
فى هذا الجزء يوافق الجزء يوافق نجيب الوحى فى تكبر إبليس وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين
-"ورفع رضوان رأسه نحو أبيه وقال برقة باسمة
نحن جميعا أبناؤك، ومن حقنا أن نحزن إذا افتقدنا رضاك عنا . والأمر لك على أى حال .. وغاية مرامنا أن نعرف السبب" ص6
هنا اعتمد نجيب فى ضلالة وجود أبناء لله-تعالى عن ذلك- المسمى عنده الجبلاوى على العهد القديم فى مثل قول سفر التكوين :
"1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا."
-"وعدل الجبلاوى عن إدريس إلى رضوان، مروضا غضبه لغاية فى نفسه ، فقال
6 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
-أدهم على دراية بطباع المستأجرين ويعرف أكثرهم بأسمائهم، ثم إنه على علم بالكتابة والحساب.
وعجب إدريس من قول أبيه كما عجب أخوته، متى كانت معرفة الأوشاب ميزة يفضل من أجلها إنسان، ودخول الكتاب أهون"ص6
الافتراء هنا أن سبب تفضيل الجبلاوى - وهو الله تعالى عن ذلك -لآدم (ص) هو معرفة أسماء المستأجرين وطباعهم وهو ما يخالف كونه علم آدم(ص) بالأسماء كلها والمراد القراءة والكتابة التى لا تعرفها الملائكة كما فى قوله تعالى بسورة البقرة "وعلم أدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤنى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا أدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون"
-"وتساءل إدريس متهكما:
أتكفى هذه الأسباب لتبرير ما يراد بى من مذلة؟
فأشار الجبلاوى نحوه بضجر وقال
-هذه إرادتى ، وما عليك إلا السمع والطاعة.
والتفت الرجل التفاتة حادة صوب أشقاء إدريس وهو يسأل ؟
ما قولكم ؟
فلم يحتمل عباس نظرة أبيه، وقال وهو واجم
سمعا وطاعة
وسرعان ما قال جليل وهو يغض طرفه
أمرك يا أبى-. .
وقال رضوان وهو يزدرد ريقه الجاف
على العين والرأس
عند ذلك ضحك إدريس ضحكة غضب تقلصت إلى أساريره حتى قبحت وجهه وهتف
يا جبناء .. ما توقعت منكم إلا الهزيمة المزرية، وبالجبن يتحكم فيكم ابن الجارية السوداء "ص6
هنا يوافق نجيب الوحى فى السجود وهو السمع والطاعة من قبل الكل عدا إبليس وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين"
ولكنه افترى فى بداية الكلام ذاكرا ضجر الله وهو ما لا يوصف به الخالق
-"ولكن إدريس واصل صياحه قائلا
"لن ترعبنى ، أنت تعلم أننى لا أرتعب، وأنك إذا أردت أن ترفع ابن الجارية على فلن أسمعك لحن السمع والطاعة."
الافتراء هنا هو عدم رعب إبليس من عذاب الله وهو كلام كاذب لمعرفته بيوم الوقت المعلوم حيث الثواب والعقاب كما قال تعالى على لسانه "فأنظرنى إلى يوم الوقت المعلوم "
7-" أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
ألا تدرك عاقبة التحدى يا ملعون ؟-."ص7
يوافق هنا نجيب الوحى فى لعنة إبليس كما قال تعالى بسورة الحجر "فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين"
-"الملعون حقا هو ابن الجارية
فعلت نبرات الرجل واخشوشنت وهو يقول
إنها زوجتى يا عربيد، فتأدب وإلا سويت بك الأرض .. وفزع الاخوة وأولهم أدهم لداريتهم ببطش أبيهم الجبار ، ولكن إدريس كان قد بلغ من الغضب درجة لم يعد يدرك معها خطرا كأنه مجنون يهاجم نارا مندلعة، فصاح :إنك تبغضنى ، لم أكن اعلم هذا، ولكنك تبغضنى دون ريب، لعل الجارية هى التى بغضتنا إليك، سيد الخلاء -.ص7
الافتراء هنا هو وجود زوجة للجبلاوى وأولاد له هو أبيهم وهو المراد بالله - تعالى عن ذلك – وهو ما يخالف قوله تعالى " ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "
-"فصاح الجبلاوى بصوت صك الأسماع فى الحديقة والحريم:
أغرب بعيدا عن وجهى. .هذا بيتى، فيه أمى ، وهى سيدته دون منازع لن ترى فيه بعد اليوم وإلى الأبد"ص7
هنا يوافق نجيب الوحى فى قوله تعالى بسورة الأعراف "فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين" وقوله بسورة الحجر "فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين"
-"أيقن الجميع إن إدريس قد انتهى حتى إدريس بكرى الواقف ومثيله فى القوة والجمال قد انتهى . وتقدم الجبلاوى خطوتين أخريين وهو يقول:
لا أنت أبنى ولا أنا أبوك، ولا هذا البيت بيتك، ولا أم لك فيه ولا أخ ولا تابع، أمامك الأرض الواسعة فاذهب مصحوبا بغضبى ولعنتى وستعلمك الأيام حقيقة قدرك وأنت تهيم على وجهك محروما من عطفى ورعايتى "ص8
الخطأ هنا هو طرد إبليس للأرض وهو طرد فى الحقيقة للنار وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم جميعا"
"فأنقض عليه الأب قبل أن يتقيه، وقبض على منكبه بقبضة كالمعصرة، ودفعه أمامه والآخر يتراجع مقهقرا ، فعبرا باب
8 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
السلاملك وهبطا السلم وإدريس يتعثر ثم اخترق به ممرا تكتنفه شجيرات الورد والحناء مفروشا بالياسمين حتى البوابة الكبيرة فدفعه خارجا وأغلق الباب وصاح بصوت سمعه كل من يقيم فى البيت:
الهلاك لمن يسمح له بالعودة أو يعينه عليها ورفع رأسه صوب نوافذ الحريم المغلقة وصاح مرة أخرى وطالقة ثلاثا من تجترئ على هذا. ص8
يوافق هنا نجيب الوحى فى أن جزاء من يتبع إبليس هو الطرد من الجنة للنار كما فى قوله تعالى بسورة الأعراف "اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم جميعا"
وأما الافتراءات فمتعددة كوجود الزوجات وطلاقهم ومنها انقضاض الجبلاوى على إبليس فهو يذكرنا بالعهد القديم ومصارعة الله – تعالى عن ذلك – ليعقوب (ص) وفى هذا قال سفر التكوين :
24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي».
-"ولعل أدهم كان أشد إحساسا منهم بهذا الفارق، ولعله قارن كثيرا بين لونهم المضئ ولونه الأسمر، بين قوتهم ورقته، بين سمو أمهم ووضاعة أمه، ولعله عانى من ذلك أسى مكتوما وألم دفينا"ص9
الافتراء هنا هو أن آدم (ص) كان يحس بالوضاعة بسبب مادة خلقه ومادة خلق الملائكة وقوتهم ورقته سمو أمهم ووضاعة أمه وهو ما لا ذكر له فى الوحى كما أن الله علمه أن مادة الخلق واحدة فالنار والتراب وغيرهم أصلهم واحد كما فى قوله تعالى " وجعلنا من الماء كل شىء حى " ومن ثم فهذا افتراء من خيال نجيب
-"وقال أدهم لأمه قبيل ذهابه إلى إدارة الوقف:
باركينى يا أمى فما هذا العمل الذى عهد به إلى إلا امتحان شديد لى ولك "ص9
بالطبع هنا افتراء فآدم (ص) لم يطلب شيئا من الأرض فهى ليست أمه وهو يعرف أن البركة من الله وليس من مخلوق
-"ومضى أدهم إلى المنظرة ترمقه العيون من السلاملك والحديقة من وراء النوافذ، وجلس على مقعد ناظر الوقف وبدأ عمله
9 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
، وكان عمله أخطر نشاط إنسانى يزاول فى تلك البقعة الصحراوية ما بين المقطم شرقا والقاهرة القديمة غربا "
يذكرنا تعبير المقطم شرقا بتعبير فى العهد القديم هو شرقى عدن وهو قول سفر التكوين :
23فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. 24فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيم"
-"واتخذ أدهم من الأمانة شعارا وسجل كل مليم فى الدفتر لأول مرة فى تاريخ الوقف، وكان يسلم أخوته رواتبهم فى أدب ينسيهم مرارة الحنق ثم يقصد أباه بحصيلة الأموال وسأله أبوه يوما:
كيف تجد العمل يا أدهم ؟
فقال أدهم بخشوع
-ما دمت قد عهدت به إلى فهو أعظم ما فى حياتى.
فشاعت فى الوجه العظيم البشاشة، إذ أنه على جبروته كان يستخفه طرب الثناء، وكان أدهم يحب مجلسه، وإذا جلس إليه اختلس منه نظرات الإعجاب والحب، وكم كان يسعده أن يتابع أحاديثه وهو يروى - له ولإخوته - حكايات الزمان الأول "ص9
الافتراء النجيبى هنا هو أن آدم (ص) كان له إخوة يعطيهم إيراد الأرض بالتساوى وهو العدل وهو كلام جنونى فآدم (ص) كان فردا بلا أخوة
والافتراء الأخر هو أن طرب الثناء كان يستخف الجبلاوى والمراد الله – تعالى عما قال – وبالطبع الله لا يهمه شكر شاكر ولا كفر كافر فكلاهما لا يغير فيه شيئا ولذا قال عن نفسه "ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين "
-"وبعد طرد إدريس ظل عباس ورضوان وجليل على عادتهم من الاجتماع فوق سطح البيت، يأكلون ويشربون ويقامرون ص10
الافتراء هنا هو أن الملائكة تقامر بينما هم يسبحون الله ويستغفرون لمن فى الأرض كما قال تعالى بسورة غافر" الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا"
-"والتفت وراءه فرأى فتاة سمراء وهى تهم بالتراجع عندما اكتشفت وجوده فأشار بالوقوف فوقفت وتفحصها مليا ثم سألها برقة.من أنت ؟فأجابت بصوت ملعثم أميمة-. . إنه يذكر الاسم ، فهو لجارية ، قريبة لأمه، وكما كانت أمه قبل أن يتزوج منها أبوه ص11
هنا السمراء تعنى الطين المخلوق من البشر والافتراء هو أن أمه وأبوه كان هو نتاجهما فهو افتراء على الله وأميمة أى البشر أم البشر خلقت منه كما فى قوله تعالى
"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها"
واطلاق اسم أميمة يعود بنا لنص سفر التكوين "20وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ"
-"كأنما انفجر فى المنظرة نفسها وهو يصيح:
أنا هنا ، فى الخلاء يا جبلاوى، ألعن الكل، اللعنة على رؤوسكم نساءً ورجالاً، وأتحدى من لم تعجبه كلماتى ، سامعنى ياجبلاوى؟
وهتف أدهم " إدريس " وغادر المنظرة إلى الحديقة فرأى أخاه رضوان متجها نحوه فى اضطراب ظاهر ، وبادره قائلا:
إدريس سكران، رأيته من النافذة مختل التوازن من السكر، أى فضائح تخبئ الأقدار لأسرتنا؟ ص12
الافتراء هنا هو وجود أسرة للجبلاوى وهو الله وهو ما نفاه بقوله "ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "
-"فلوح إدريس بيده ثائرا وصاح:
ملعون البيت الذى لا يطمئن فيه إلا الجبناء الذين يغمسون اللقمة فى ذل الخنوع، ويعبدون مذلهم، لن أعود إلى بيت أنت فيه رئيس، فقل لأبيك إننى أعيش فى الخلاء الذى جاء منه، وإننى عدت قطاع طريق كما كان وعربيدا أثيما معتديا كما يكون وسيشيرون إلى فى كل مكان أعيث فيه فسادا ويقولون " ابن الجبلاوى " بذلك أمرغكم فى التراب يا من تظنون
ص13 أنفسكم سادة وأنتم لصوص.ص14
الافتراء هنا هو وجود ابن للجبلاوى وهو الله وهو ما نفاه بقوله "ما اتخذ صاحبة ولا ولدا "كما أن الافتراء فى حكاية الخلاء الذى جاء منه الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فلم يكن قبل الخلق هناك مكان كما فى المقولة الشهيرة "كان الله ولا مكان "
-"وجد أدهم فى أميمة سعادة لم يعرفها من قبل، ولبساطته أعلن عن سعادته بأقواله وأحواله حتى تندر به إخوته، وعند ختام كل صلاة كان يبسط يديه هاتفا " : الحمد لصاحب المنن، على رضى أبى الحمد لله على حب زوجتى ، الحمد له على المنن المنزلة التى أحظى بها دون من هم أجدر منى بها، الحمد له على الحديقة الغناء والناى الرفيق، الحمد له ." وقالت كل امرأة من نساء البيت الكبير إن أميمة زوجة واعية، فهى ترعى زوجها كأنه ابنها، وتوادد حماتها وتخدمها حتى أسرتها،ص19
نجد هنا أن نجيب يتخلص من حكاية كون الجبلاوى هو الله بأقوال آدهم عن حمد الله ورضا الأب
-"فحول أدهم رأسه نحو النافذة وقال بحزن
26 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
إدريس الذى جاءنى اليوم غير إدريس الذى أساء إلى، إن منظره النادم الحزين لا يبرح مخيلتى-. .
فقالت بارتياح ظاهر
هذا ما أدركته من حديثك، وهو سر اهتمامى بالأمر، ولكنك تبدو ضيق الصدر بخلاف عادتك "ص28
الافتراء النجيبى هو اهتمام آدم بإبليس بعد طرده من الجنة حتى أنه حزن عليه وهو كلام لا يعقل مع وجوده فى الجنة حيث لا حزن
-"تزحزحت من مجلسها على الكنبة مقتربة منه وسألته بإغراء
بربك ألا تود أن تطلع على الحجة ؟
فأجاب بحدة
كلا ، لماذا أود ذلك ؟
27 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
من ذا يقاوم الرغبة فى الاطلاع على المستقبل
تعنين مستقبلك أنت ؟-.
مستقبلى ومستقبلك ، ومستقبل إدريس الذى حزنت عليه رغم ما سبق منه ضدك "ص29
فقالت وكأنما تخاطب نفسها
المستقبل ! نعرف مستقبلنا ونقدم احسانا كبيرا إلى إدريس التعيس، لن يكلفنا هذا كله إلا قراءة ورقة دون أن يدرى أحد،-.وأتحدى أى صديق أو عدو أن يثبت علينا سوء نية فى عملنا هذا أو أنه يمس من قريب أو من بعيد والدك المحبوب
وكان أدهم يراقب نجما فاق الأنجم بضيائه اللامع فقال متجاهلا قولها:
ما أجمل السماء ! لولا رطوبة الليل لجلست فى الحديقة أراقبها من خلال الغصون-. .ص29
فقالت متنهدة
-لو آنت أعرف القراءة لذهبت بنفسى إلى الصندوق الفضى.
تمنى لو كان ذلك كذلك، وتضاعف حنقه عليها وعلى نفسه، بل شعر بأنه قد وقع فى المحظور فعلا وأنه يفكر فيه كحدث مضى، وتحول نحوها مقطبا فبدأ وجهه على ضوء المصباح المرتعش بالنسيم المتسلل من النافذة متجها ، ضعيفا رغم تجهمه وقال:
لعنت حين أفضيت إليك بالخبر-. !
لا أريد بك شرا، ومحبتى لوالدك مثل محبتك له-.
دعيك من هذا الحديث المتعب، فى هذه الساعة تستحب الراحة-..العمل السهل ص30 فقالت بصوت الظافر
-إذا جاز لك أن تخالفه فيما قد يضرك فكيف لا تخالفه فيما يفيدك ويفيد أخاك ولا يضر أحدا؟
بوسعه أن يقطع الحديث لو شاء، ولكن المنحدر كان شديد الانحدار، والحق أنه لم يتركها تسترسل فى حديثها إلا لأن جزءً من نفسه كان بحاجة إلى تأييدها، وتساءل فيما يشبه الغضب:
ماذا تعنين ؟-.
أعنى أن تسهر حتى الفجر، أو حتى يخلو المكان لنا "ص30
فقالت بانطلاق:
ستقرأ مصيرك فى الحجة..
ومد بصره نحو النجوم الساهرة . وقطع السحاب المستضيئة بنورها الهادئ، وخيل إليه أنها مطلعة على نجواه فغمغم " : يا
لطف السماء، ثم سمع أميمة وهى تقول فى نبرات مداعبة:
-دعنى أرد إليك الجميل. "ص31
حول هنا نجيب النهى عن الأكل من الشجرة وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " إلى افتراء قراءة الحجة أى معرفة ما بها وهو بهذا تبنى وجهة نظر العهد القديم عن كون الشجرة هى شجرة المعرفة وهو قول سفر التكوين :
15وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. 16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ».
الافتراء الأخر هو أن سبب قراءة الحجة معرفة المستقبل ومصير إدريس فى الحجة وهو ما يخالف أن السبب القرآنى الذى دفع الأبوين هو أن يكونا من الملوك الخالدين وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين "و قال بسورة طه "قال يا أدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"
الافتراء الثالث هو أن الموسوس هو الزوجة وليس إبليس أو إدريس فالصفحات الوسوسة السابقة كلها ليس فيها كلمة من إدريس والمرأة هى التى بدأت الوسوسة وليس إبليس
-"فنطقت أساريره بالامتثال ، وسأله الرجل
من الذى أخبرك بالكتاب ؟
فقال أدهم دون تردد كوعاء تحطم فسال ما فيه
-إدريس.
31 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
متى ؟-.
-صباح الأمس
كيف تم اللقاء بينكما ؟-.
-أندس بين المستأجرين الجدد وانتظر حتى انفرد بى
لماذا لم تطرده ؟-.
عز على طرده يا أبى
فقال الجبلاوى بحدة
لا تخاطبنى بالأبوة
فاستجمع أدهم قواه قائلا
-إنك أبى رغم غضبك ورغم حماقتى.
أهو الذى أغراك بفعلتك ؟
وأجابت أميمة دون أن يوجهه إليها السؤال ص33
نعم يا سيدى.
اخرسى يا حشرة ) ثم موجها الخطاب إلى أدهم .. ( أجب-.
كان يائسا حزينا نادما وود لو يطمئن على مستقبل ذريته
وفعلت هذا من أجله.
كلا .. اعتذرت له عن عجزى
وماذا غيرك ؟-.
فتنهد أدهم يائسا وتمتم
الشيطان!
فسأله ساخرا
هل أخبرت زوجتك بما جرى بينك وبينه ؟
هنا انتحبت أميمة فنهرها الجبلاوى أن تخرس، وحث أدهم على الإجابة بإشارة من إصبعه ، فقال
-نعم.
وماذا قالت لك ؟
لاذ أدهم بالصمت كى يزدرد ريقه فصاح به
32 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
أجب يا وضيع-. .
وجدتها رغبة فى الاطلاع على الوصية وظنت أن ذلك لن يضر أحدا
فحدجه باحتقار شديد وقال
وهكذا انصعت إلى خيانة من فضلك على من هم خير منك
فقال أدهم بصوت كالأنين
-لن يسعفنى دفاع عن ذنبى ، لكن مغفرتك أكبر من الذنب والدفاع.
ص34
وهتفت أميمة بتوسل
سيدى..
قاطعها قائلا
إخرسى يا حشرة
وجعل يردد عينيه بينهما عابسا ، ثم قال بصوت رهيب
أخرجا من البيت "ص34
الافتراء هنا هو أن الجبلاوى وهو الله – تعالى عن ذلك علوا كبيرا – قال أنه فضل أدم(ص) على من هم خير منه وبالقطع هذا ما يتعارض مع قوله تعالى بسورة الإسراء " ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا "
الإفتراء الأخر هو أن وسوسة إدريس أو إبليس تأخرت عن وسوسة المرأة وهو عكس ما فى القرآن فالوسوسة صدرت من الشيطان لكل من المرأة والرجل على انفراد وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سواءتهما"
وأما ما يوافق الوحى فهو الإخراج من البيت وهو الجنة كما قال تعالى بسورة البقرة "وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين"
وأيضا الاعتراف بالذنب والاستغفار وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة الأعراف "قالا ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"
-"وما كادا يبتعدان قليلا عن البيت حتى دوت ضحكة ساخرة مخمورة، فنظرا نحو مصدرها، فرأيا إدريس أمام كوخه الذى بناه من الصفائح والأخشاب وقد جلست امرأته نرجس وهى تغزل صامتة، كان إدريس يضحك فى سخرية وشماته حتى ذهل أدهم وأميمة فوقفا يحملقان فيه ، وراح إدريس يرقص ويفرقع بأصابعه حتى ضجرت نرجس فأوت إلى الكوخ ، تابع أدهم بعينين محمرتين من البكاء والغضب ، أدرك فى لحظة المكر الذى مكره فتكشف له عن حقيقته الخبيثة الكريهة، وأدرك أيضا مدى حمقه وغبائه فهو الذى يرقص له شماتة وفرحا، هذا هو إدريس الذى استحال شرا مجسدا وغلى دمه حتى فار فأغرق مخه وقبض على حفنة من تراب ورماه بها وهو يصيح بصوت مختنق بالغضب.
يا قذر ، يا لعين، إن العقرب بالقياس إليك حشرة مستأنسه."ص35
الافتراء هنا هو تحادث الشيطان مع الأبوين بعد خروجهما من الجنة وهو كلام لا وجود له فى الوحى ولا حتى فى العهد القديم وهو كلام عندى لا يمكن حدوثه لأن الشيطان دخل النار فور خروجه من الجنة ولم ينزل للأرض فالله لم يقل له اهبط وإنما قال للأبوين اهبطا فهما اثنين ولا ثالث لهما
-"وصاحبه يقف ناظرا إلى البيت الكبيرة نظرة التحدى ويصيح:
34 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
-طردتنى إكراما لأحقر من أنجبت، أرأيت كيف كان سلوكه نحوك، ها أنت ترميه بنفسك إلى التراب، عقاب بعقاب والبادى أظلم، كى تعلم أن إدريس لا يقهر، فلتبق وحدك مع أبنائك العقماء الجبناء، لن يكون لك حفيد إلا من يسعى فى التراب "ص36
الافتراء هنا هو كلام إبليس وهو الشيطان عن ذنب آدم (ص) وحقارته وهو كلام لم يحدث ولا وجود له فى الوحى ولا فى العهد القديم
الافتراء الأخر وجود أبناء عقماء لله وهو ما ينافى أن الله لم يتخذ ولد كما قال بسورة مريم "وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا " وكأن نجيب هنا يتحدث عن المشهور عن الملائكة أنهم لا يتزوجون ومن ثم لا ينجبون
-"فقالت وهى تجفف عينيها
سأبكى كثيرا ، أنا الآثمة يا أدهم-. .
لست دونك إثما ، لو لم تلقى منى وضيعا نذلا ما وقع الذى وقع-.
الذنب ذنبى وحدى
فهتفت بغيظ
إنك تحملين على نفسك لتتقى حملتى عليك.
فباخت حميتها فى إلامة نفسها وأحنت رأسها مليا ثم عادت تقول بصوت ضعيف
لم أكن أتصور أن تبلغ قسوته هذا الحد-. .
إنى أعرفه ولا عذر لى
ص37
فتساءل بعينين حادتين
متى يتوب لسانك ؟
فانفعلت قائلة
والله ما ارتكبت جريمة ولا إثما، خبر من تشاء بما فعلت وبما نلت جزاء ما فعلت وأراهنك على أنه سيضرب كفا بكف،والله-.ما عرفت الأبوة أبا كأبيك ولا عرفت الدنيا رجلاً مثله، هذا الجبل وهذه الصحراء، وهذه السماء تعرفه، ومثله يجبن عند التحدى-. .هذا الجبروت لن يبقى فى البيت أحد من أبنائه-."ص38
الافتراء وجود أبناء للجبلاوى – والمراد الله تعالى عن ذلك- وهو ما يخالف قوله تعالى بسورة الإخلاص " لم يلد "
-"كان الجو كله ينذر بالشقاء والتعب والخوف وتنهدت أميمة بصوت مسموع وقالت:سنتعب كثيرا حتى تتيسر لنا الحياة
فرنا أدهم إلى البيت الكبير وقال
وسنتعب أكثر حتى يفتح لنا هذا الباب مرة أخرى."ص38
الحديث عن التعب هنا يشير لقوله تعالى لهما أنهما سيشقيان عند خروجهما من الجنة وفى هذا قال تعالى بسورة طه "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى "
-"اليوم فلست إلا حيوانا أدفع العربة أمامى ليل نهار فى سبيل شىء حقير نأكله مساء ليلفظه جسمى صباحا، العمل من أجل القوت لعنة اللعنات الحياة الحقة فى البيت الكبير، حيث لا عمل للقوت وحيث المرح والجمال والغناء. "ص44
هنا الحياة الحقة فى البيت الكبير والمراد الجنة كما قال تعالى بسورة العنكبوت "وإن الدار الأخرى لهى الحيوان "
والافتراء هو عمل آدم (ص)على عربة لبيع الخيار وهو كلام جنونى فلم يكن هناك أحد حتى يبيع له
-"وخيل إلى أدهم أنه يسمع وقع أقدام .. أقدام بطيئة وثقيلة استثارت ذكريات غامضة كرائحة زكية مؤثرة تستعصى على الإدراك والتحديد حول وجهه نحو مدخل الكوخ فرأى الباب يفتح، ثم رأه يمتلئ بشئ كجسم هائل، حملق فى دهشة ،واحد بصره فى أمل يكتنفه يأس، وندت عنه أهه عميقة، وغمغم متسائلا:
أبى!
وخيل إليه أنه يسمع الصوت القديم وهو يقول
مساء الخير يا أدهم
فاغرورقت عيناه ، وهم بالقيام فلم يستطع ووجد غبطة وبهجة لم يجدهما منذ أكثر من عشرين عاما، وقال بصوت متهدج :دعنى أصدق
فقال :أنت تبكى وأنت الذى أخطأت
فقال أدهم بصوت يشرق بالدمع :الخطأ كثير والعقاب كثير ولكن حتى الحشرات المؤذية لا تيأس من العثور على ظل-! ." ص83
هكذا تعلمنى الحكمة-.
عفوا .. عفوا ، الحزن أرهقنى، والمرض كربنى، حتى أغنامى مهددة بالهلاك-.
جميل أن تخاف على أغنامك
تساءل أدهم فى رجاء
هل عفوت عنى؟
أجاب بعد صمت
نعم
فهتف أدهم بجسم مرتعش
قاع هاوية اليأس بيدى-! .
فعثرت على فيها-.
نعم كالصحو بعد الكابوس-..
لذلك فأنت ولد طيب
فتأوه أدهم قائلا
الشكر لله، منذ قليل كنت اقرع
-أنجبت قاتلاً وقتيلا.
الميت لا يعود فماذا تطلب ؟
فتنهد أدهم قليلا
آنت أهفو للغناء فى الحديقة ولكن لن يطيب لى اليوم شئ
فقال :الشكر لله
فقال :سيكون الوقف لذريتك.
-لا تجهد نفسك وأركن إلى النوم. "ص84
هنا عفو الله عن آدم (ص) آتاه بعد قتل أحد أولاده للأخر وهو ما يخالف أن العفو آتاه فى الجنة حيث غفر الله حيث قال بسورة البقرة "فتلقى أدم من ربه كلمات فتاب عليه"
وآتاه العفو فى الوحى الأرضى إذا اتبع الوحى وفى هذا بسورة البقرة "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "وقال بسورة طه "قلنا اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضع ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ".
والافتراء فى الفقرة هو كون الوقف وهو الأرض لذرية آدم كلها وهو ما يخالف كونها إرثا للصالحين فقط منهم كما قال تعالى " ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون "
حكاية الولدين هابيل وقابيل :
-"عميقة مثل ختام أغنية حزينة اقترب من باب الكوخ وهو يتساءل:
-كيف الحال عندكم ؟
فجاءه صوت الداية وهو يقول " : انتظر " ، تحفز قلبه للارتياح عندما خيل إليه أن الصوت يوحى بالظفر، وما لبث أن لاحت المرأة فى الباب وهى تقول:
-رزقت بذكرين.ص51
الافتراء هنا هو وجود الداية فلم يكن هناك أحد سوى الأبوين ومن ثم فهو من تولى عملية ولادتها وأما الموافقة للوحى فهى ولادة ذكرين كما فى قوله تعالى بسورة المائدة "ابنى آدم "
-"لم يجهر بمعارضة واتجه بصره نحو البيت الكبير الذى لاح عن بعد فى الغروب هيكلا ضخما مطموس المعالم، فعقد قدرى ما بين حاجبيه احتجاجا ، ولكنه هذا البيت ! لم أشهد له مثيلاً، فى خلاء يكتنفه من جميع النواحى "ص51
ضخامة البيت وكونه مطموس المعالم أى مجهول لأهل الدنيا يوافق قوله تعالى " وجنة عرضها السموات والأرض " فى الضخامة وأما كونها مجهولة للكفار فيدل عليه قوله تعالى "فلا تدرى نفس ما أخفى لهم من قرة أعين "
-"لا تحلم بأن ترى شيئا خارقًا، ستجده شبيها بأبينا الظاهر أنه كان شديد التعلق به ، أو أنه آمن بعدالة ما نزل به من عقاب-! .أو أنه مازال يطمع فى عفوه-.
أنك لا تفهم أبانا، إنه رجل ودود المعشر"ص52
هنا يعتمد نجيب فى وجود شبه بين الجبلاوى وآدهم على العهد القديم فى قول سفر التكوين "27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ"
-"تناول قدرى الكوز ومضى يشرب حتى روى، ثم تجشأ وقال
ما ذنب الأحفاد ؟ أنه لا يدرى ما رعى الغنم، سحقًا له، أود لو أعرف وصيته، وماذا أعد لنا؟ص52
ووقف قدرى، وصاح موجها خطابه إلى البيت الكبير فى عبث:
أسمحت بأن نرثك أم ستعاقبنا فى موتك كما عاقبتنا فى حياتك؟-.أجب يا جبلاوى وردد الصدى " : أجب يا جبلاوى."ص53
الافتراء هنا هو أن الجبلاوى يموت ويرثه الأبناء المزعومين وهو كلام يخالف كون الله تعالى لا يموت كما قال تعالى بسورة طه "وتوكل على الحى الذى لا يموت "
-"وخطا خطوات نحو الأمام ملوحا بذراعيه فى ترحاب للفتاة، وأخذت تدنو من موقفها، مجهدة من المشى، لطول المسافة من ناحية ولمقاومة الرمال لشبشبها من ناحية أخرى، متطلعة نحوهما ببصر لامع يعكس مع فتنة العينين الخضرواين جرأة،وبدت ملتفة بملاءتها اللف حتى الكتفين، مطلقة الرأس والعنق عاريين فعبث الهواء بضفيرتيها، وارتفع صوت قدرى بسرور "ص53
ومرة قال لأمى إن فتوة آفر الزغارى يرغب فى الزواج منى ففرحت أمى فصاح فيها حانقًا"يا وضيعة .. يا خسيسة، من يكون فتوة آفر الزغارى هذا؟ ." أن أحقر خادم فى البيت الكبير أشرف منه وأنظف، فسألته أمى فى حسرة : فمن تراه الجدير بها؟ فصاح " علم ذلك عند الطاغية المتوارى خلف أسوار بيته، إنها حفيدته، وليس فى الأرض من هو أهل لها ! أريد لها زوجا مثلى أنا . فقالت أمى على رغمها : أتريدها أن تكون تعيسة مثل أمها؟ فهجم عليها كالوحش وراح يركلها بشدة حتى جرت خارج الكوخ.هذا هو الجنون بعينه-. .إنه يكره جدنا ، ويلعنه كلما ذكره، لكنه فى أعماقه يتيه إذلالا بأبوته "ص56
الافتراء هنا هو وجود ناس غير أولاد آدم والشيطان فى الأرض وهو كلام لا أصل فلم يكن للشيطان وهو إدريس ذرية فى الأرض ولا كان هناك غير ذرية آدم (ص) وحدها
-"فتح باب البيت الكبير وخرج منه شبح حاملاً مصباحا، وتطلعت العين إلى المصباح فى دهشة انعقدت لها الألسنة،وتابعته وهو يتحرك فى الظلام ككوكب أرضى، وعندما توسط المسافة بين البيت والكوخ تركزت الأبصار على الشبح لتتبينه على ضوء المصباح المنعكس حتى همس أدهم " : هذا عم كريم بواب البيت " ، وتضاعفت الدهشة عندما أيقنوا من أنه يقصدهم فوقفوا جميعا، بعضهم اللقمة فى يده والبعض اللقمة فى فيه بلا حراك، وبلغ الرجل موقفهم فوقف رافعا يده وهو يقول:
-مساء الخير يا سيدى أدهم.
ارتجف أدهم لدى سماعة الصوت الذى انقطع عنه منذ عشرين عاما، فدعا من أعماق ذاكرته نبرات الأب العميقة وشذا الياسمين والحناء وحنينا وأشجانا فمادت به الأرض وقال وهو يقاوم دموعه.
مساء الخير يا عم كريم
فقال الرجل بتأثر غير جاف
لعلك أنت وأهلك بخير-. .
الحمد لله يا عم كريم
فقال الرجل برقة
أود أن أعرب لك عما بنفسى ولكنى كلفت فقط بأن أبلغك بأن سيدى الكبير يدعو ابنك همام إلى مقابلته فورا "ص60
وأفاق قدرى من ذهوله فتساءل غاضبا ولماذا همام وحده؟
فردد إدريس تساؤله نعم لماذا همام وحده ص61
وتطلع همام إلى البيت الكبير صامتا، وقلبه يخفق بشدة خيل إليه معها أن المقطم يردد صداه، وقال له أبوه بتسليم:اذهب يا همام إلى جدك مصحوبا بالسلامة
فالتفت قدرى إلى أبيه يسأله بحدة وتحد وأنا ؟ ألست أبنك مثله ؟-.
لوم على فلست أنا الداعى "ص62
الافتراء هنا أن سبب اختلاف الولدين هو أن الله اختار أحدهما بلا سبب ليقابله بينما الوحى يقول أنه رضى عن أحدهما بسبب قربانه الصالح وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة " واتل عليهم نبأ ابنى أدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر"
"وأشار إلى همام فدخل، وتبعه قدرى أخذًا بيد هند ولكن علا صوت من الحديقة عرفه إدريس وهو يقول بصرامة
اذهبا بعاركما أيها الملوثان "ص63
الافتراء هنا هو تلوث قدرى وهو قايين أو قابيل مع هند بالزنى وهو كلام غير مذكور فى الوحى والتراث لا يذكر ذلك على الاطلاق
-"وزاد قلبه خفقانا حينما تمثلت لخاطره هذه الحقيقة العجيبة وهى أنه مخلوق من سلالة هذا البيت ونطفة من هذه الحياة، وأنه جاء ليلقاها وجها لوجه فى جلباب أزرق بسيط وطاقية باهتة، منتعلا أديم الأرض، ورقيا فى سلم السلاملك ص64
ماذا تعرف عن هذا الباب ؟
فارتجفت أوصاله، وعجب كيف يرى كل شئ، وقال بخشوع
-أعرف أنه فاتحة مأساتنا.
وماذا ظننت بجدك لدى سماعك الحكاية ؟
62 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
وفتح فاه ليتكلم فبادره الرجل
أصدقنى القول-. .
فأثرت به اللهجة إلى حد أن قال فيما يشبه الصراحة
بدا لى تصرف والدى خطأ كبيرا ، كما بدا لى عقابا صارما شديدا"ص65
فابتسم الجبلاوى قائلا
هذا هو شعورك على وجه التقريب؟ إنى أمقت الكذب والخداع، ولذلك طردت من بيتى كل من لوث نفسه فاغرورقت عينا همام . فقال الجد
بدا لى أنك شاب نظيف ، ولذلك استدعيتك "ص66
فقال قدرى بحنق
شكرا ، ولكن ماذا جعله يؤثرك علينا ؟-.
أنت تعلم ألا شأن لى فى ذلك
وقال أدهم وهو يتنهد
لاشك أنك يا همام خيرنا جميعا!
فهتف قدرى بمرارة
65 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ
وأنت يا أبى الذى لم تذكره إلا بخير لا يستحقه
فقال أدهم
أنت لا تفهم شيئا-. .
هذا الرجل أسوأ من ابنه إدريس
فتوسلت أميمة قائلة
أنت تقطع قلبى، وتغلق أبواب الأمل فى وجهك
ص68
فقال همام بامتعاض
هذا شان يخصنى وحدى
فاحتدم الغيظ فى قلب قدرى، ولاحت بوادره فى وجهه كطلائع الظلام فوق المقطم وتساءل
لماذا بقيت؟ ومتى تذهب؟ متى تجد الشجاعة لإعلان نيتك؟-.
بل بقيت لأتحمل نصيبى من العناء الذى خلقته فضائحك
فضحك قدرى ضحكة كاسرة وقال
هكذا تقول لتدارى حسدك!
هز همام رأسه كالمتعجب وقال
إنك تستحق الرثاء لا الحسد
فاقترب قدرى منه وأطرافه ترتجف من الحنق وقال بصوت مخنوق بالغضب
ما أبغضك حين تتظاهر بالحكمة
ص70
فلم يغض همام من بصره تحت النظرات المتقدة التى تنصب عليه وقال بثبات
-اعلم أننى لا أخافك.
هل وعدك البلطجى الأكبر الحماية؟-.
إن الغضب يجعل منك شيئا حقيرا تعافه النفس
وفجأة لطمه قدرى على وجهه، لم تدهمه اللطمة فردها بأشد منها وهو يقول:
-لا تتماد فى جنونك.
وانحنى قدرى بسرعة فالتقط حجرا وقذف به أخاه بكل ما أوتى من قوة، وبادر همام ليتفادى من الحجر ولكنه أصاب جبينه،
ندت عنه أهة وجمد فى موقفه والغضب يشتعل فى عينيه، وإذا بالغضب يختفى منهما فجأة كأنه شعلة ردمت بتراب كثيف، وإذا بفراغ قاتم يحل فيهما فبدت العينان وكأنهما تنظران إلى الداخل ، وترنح ثم أنكفأ على وجهه وتبدل قدرى حالا بعد حال، فزايله الغضب وتركه حديدا باردا بعد انصهار، وركبه الخوف، ترقبه بلهفة أن ينهض أو أن يتحرك ولكنه لم يرحم لهفته وانحنى فوقه، ومد إليه يده يهزه فى رفق ولكنه لم يستجب وسواه على ظهره ليخلص أنفه وفاه من الرمال فاستلقى الآخر محملق العينين ولا حراك به، وركع قدرى إلى جانبه، وراح يهزه ، ويدلك صدره ويديه، وينظر بفزع إلى الدم المتدفق بغزارة من جرحه وناداه برجاء فلم يجب . وبدا صمته كثيفا عميقا كأنه جزء لا يتجزأ من كيانه كجموده الذى بدا غريبا عن الحى والجماد معاً، لا إحساس ولا انفعال ولا اهتمام بشئ، كأنما ألقى إلى الأرض من مكان مهول فلم يمت إليها بسبب، عرف قدرى الموت بفطرته فراح يشد شعر رأسه فى يأس، ونظر فيما حوله خائفا، ولكن لم يكن هناك من حى إلا الأغنام والحشرات وجميعا انصرفت عنه دون اكتراث سينتشر الليل ويستحكم الظلام وقام بعزم، فجاء بعصاه واتجه إلى ص71 موضع بين الصخرة الكبيرة وبين الجبل، وراح يحفر الأرض ويرفع التراب بيديه، ويواصل العمل بعناد وهو يتصبب عرقا،وترتجف منه الأوصال، وهرع نحو أخيه هزه وناداه للمرة الأخيرة دون أن يتوقع جوابا، وقبض على أسفل ساقيه وجره حتى أودعه الحفرة، وألقى نظرة وهو يتنهد، وتردد مليا، ثم أهال عليه التراب، ووقف يجفف عرق وجهه بكم جلبابه، وكلما رأى بقعة دم فى الرمال غطاها بالتراب وارتمى على الأرض من شدة الإعياء، وشعر بقوته تتخلى عنه، وبرغبة فى البكاء، ولكن الدموع استعصت عليه، وقال غلبنى الموت لم يدعه ولم يقصده ولكنه يجئ كما يحلو له، ولو أنه انقلب تيسا لغاب فى الأغنام، أو ذرة من رمال لاختفى فى الأرض . مادمت لا أستطيع أن أرد الحياة فلا يجوز أن أدعى القوة أبدا، وهيهات أن تمحى تلك النظرة من رأسى أبدا"
نقلنا الحكاية على طولها وموضع الافتراء فيها هو أن قدرى حفر الحفرة لدفن أخيه من نفسه وهو ما يخالف قوله تعالى بسورة المائدة "فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين "
وأما ما يوافق الوحى فهو ندمه على فعلته" فأصبح من النادمين "
حكاية جبل :
جبل المراد به موسى(ص) وسماه بهذا الاسم لارتباط بعض الأحداث التى عاشها بالجبال كجبل الميقات وجبل الطور والحكاية بدل فيها نجيب الأسماء ففرعون هو ناظر الوقف وزقلط هو هامان وقدرة هو قارون وأما دعبس فهو هارون(ص) والبلقيطى هو والد الفتاتين فى مدين وقد تزوج موسى(ص)إحداهما وبالقطع الرجل ارتكب كثير من الافتراءات فى سبيل تقديم الحكاية :
-"كان البيت الكبير قد أغلق أبوابه على صاحبه وخدمه المقربين، ومات أبناء الجبلاوى مبكرين فلم يبق من سلالة الذين أقاموا وماتوا فى البيت الكبير إلا الأفندى ناظر الوقف فى ذلك الوقت ص85
الافتراء الأول هو أن ناظر الوقف هو ابن الجبلاوى أى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وهذا يعنى أن فرعون هو ابن الإله وهى نظرية فى كتب ما يسمى الفراعنة أى المصريين القدماء
-"ولما أغلق الأب بابه واعتزل الدنيا احتذى الناظر مثاله الطيب حينا، ثم لعب الطمع بقلبه فترع إلى الاستئثار بالريع، بدأ بالمغالطة فى الحساب والتقتير فى الأرزاق ثم قبض يده قبضا مطمئنا إلى حماية فتوة الحارة الذى اشتراه، ص86
هنا الناظر احتال على أهل الوقف وهو ما يوافق ما ورد فى سفر الخروج بالعهد القديم :
8ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. 9فَقَالَ لِشَعْبِهِ: «هُوَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ شَعْبٌ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا. 10هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلاَّ يَنْمُوا، ».
-"ولم يجد الناس بدا من ممارسة أحقر الأعمال، وتكاثف عددهم فزاد فقرهم وغرقوا فى البؤس والقذارة وعمد الأقوياء إلى الإرهاب والضعفاء إلى التسول، والجميع إلى المخدرات، كان الواحد يكد ويكدح نظير لقمات يشاركه فيها فتوة، لا بالشكر، ولكن بالصفع ص86
هنا الناس عملوا فى أحقر الأعمال بسبب استضعافهم وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة القصص "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون"
كما يوافق ما أتى فى سفر الخروج بالعهد القديم فى قوله :
14وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي الطِّينِ وَاللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَل فِي الْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ الَّذِي عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفًا."
-"أما شعراء المقاهى المنتشرة فى حارتنا فلا يروون إلا عهود البطولات متجنبين الجهر بما يحرج مراكز السادة ويتغنون بمزايا الناظر والفتوات، بعدل لا نحظى به ورحمة لا نجدها وشهامة لا نلقاها وزهد ولا نراه ونزاهة لا نسمع عنها ص86
هنا يقتبس نجيب المعنى من سورة الشعراء حيث الشعراء يهيمون فى أودية الضلال إلا نادرا وهو قوله تعالى بسورة الشعراء " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم فى كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات "
-"أهالى الحوارى حولنا يا لها من حارة سعيدة ! تحظى بوقف لا مثيل له، وفتوات تقشعر عند ذكرهم الأبدان، ونحن لا ننال من الوقف إلا الحسرات ومن قوة فتواتنا إلا الإهانات والأذى على ذلك كله فنحن باقون، وعلى الهم صابرون، ننتطلع إلى مستقبل لا ندرى متى يجئ ونشير إلى البيت الكبير ونقول هنا أبونا العتيد، ونومئ إلى الفتوات ونقول هؤلاء رجالنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.25ص87
مقولة بنوة بنى إسرائيل أى أهل الحارة والمراد إنهم أبناء الله "أبونا العتيد" توافق ما قصه الله عنهم فى قوله تعالى بسورة المائدة "نحن أبناء الله وأحباؤه "
-"فقال جبل جادا
"إننا أبناء أدهم ، ومازال جدنا حيا أطال الله بقاءه ص96
الافتراء هنا هو أن موسى (ص) وهو جبل يعتقد فى الأبوة المزعومة هو الأخر
-"وتتابعة نظرات الإكبار والإعجاب أينما حل، وكانت الحياة تبدو ودودة واعده بكل جميل حتى كان تمرد آل حمدان، وجد جبل أنه ليس شخصا واحد كما توهم طوال عمره، ولكنه شخصان أحدهما يؤمن بالوفاء لأمه وأخرهما يتساءل فى حيرة : وآل حمدان؟ 28 ص98
هنا يتحدث نجيب عن كون زوجة فرعون كانت أم لموسى (ص) بتبنيها وهو ما يوافق قوله تعالى بسورة القصص "وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون ".
ويوافق فى بعضه ما قاله سفر الخروج فى قوله :
"فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ. 10وَلَمَّا كَبِرَ الْوَلَدُ جَاءَتْ بِهِ إِلَى ابْنَةِ فِرْعَوْنَ فَصَارَ لَهَا ابْنًا، وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوسَى» وَقَالَتْ: «إِنِّي انْتَشَلْتُهُ مِنَ الْمَاءِ».
-"وأصوات تهتف به من أعماق نفسه " : لن تطيب الحياة على حساب الغير " ، وكل حمدان أهله، ففيهم ولدت أمه وأبوه، وفى مقابرهم دفنا، وهم مظلومون وما أقبح الظلم، اغتصبت أموالهم ولكن من الظالم؟ إنه ولى نعمته، الرجل الذى انتشلته زوجه من الطين فرفعته إلى مصاف آل البيت الكبير، وجميع الأمور تجرى فى الحارة على سنة الإرهاب، فليس عجيبا أن يسجن سادتها فى بيتهم وحارتنا لم تعرف يوما العدالة أو السلام، هذا ما قضى به عليها زمن طرد أدهم وأميمة من البيت الكبير، ألا تعلم بذلك يا جبلاوى؟ ويبدو أن الظلم ستشتد كثافة ظلماته كلما طال بك السكوت فحتى متى تسكت يا جبلاوى؟ الرجال سجناء فى البيوت والنساء يتعرضن فى الحارة لكل سخرية، وأنا أمضغ المهانة فى صمت، ومن عجب أن أهل حارتنا يضحكون ! علام يضحكون؟ إنهم يهتفون للمنتصر "ص101
الفقرة السابقة تتحدث عن معاناة بنى إسرائيل وهم أهل الحارة رجالا ونساء وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم"
-"وأمعن النظر فعرف فى الهارب دعبس وفى المطارد قدرة فتوة حى حمدان، وفى الحال أدرك حقيقة الموقف، ومضى يراقب97 أولاد حارتنا - نجيب محفوظ المطاردة التى تقترب منه بفؤاد قلق، وما لبث قدرة أن أدرك دعبس فقبض بيده على منكبه وتوقف الاثنان عن العدو وهما يلهثان من الجهد . وصاح قدرة بصوت متقطع من البهر:
كيف تجرؤ على مغادرة جحرك يا ابن الأفعى؟ لن تعدو سالمًا
فهتف دعبس وهو يحمى رأسه بذراعه
دعنى ياقدرة، أنت فتوة حينا وعليك أن تدافع عنا
فهزه قدرة هزة أطارت اللاسة عن رأسه وصاح به
أنت تعرف يا ابن اللئيمة إنى أدافع عنكم ضد أى مخلوق إلا زقلط
وحانت من دعبس نظرة نحو موقف جبل فرأه وعرفه فناداه قائلا
اغثنى يا جبل، أغثنى فأنت منا قبل أن تكون منهم
فقال قدرة بلغظة وتحدة
لا مغيث لك منى يا ابن الدايخة
ووجد جبل نفسه يتقدم منهما حتى وقف عندهما وهو يقول بهدوء
ترفق بالرجل يا معلم قدرة
فحدجة قدرة بنظرة باردة وهو يقول
إنى أعرف ما ينبغى أن أفعله-. .
لعل أمرا ضروريا دفعه إلى مغادرة بيته-.
ما دفعه إلا قضاؤه المحتوم
وشد على منكبه حتى أن دعبس أنينا مسموعا ، فقال جبل بحدة
-ترفق به ، ألا ترى أنه أكبر منك سنا وأضعف بنية؟ص103
الافتراء هنا هو أن المتشاجرين كانا من أسرة واحدة وهى حمدان أى عمران وهما اسرائيليان وهو ما يناقض كون المتشاجرين واحد إسرائيلى والأخر من قوم فرعون وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين"
وهو أيضا بفريته هذا ما فى سفر الخروج وهو :
11"وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، 12فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ. 13ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» 14فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟».
-"رفع قدرة يده عن منكبه فصفعه على قفاه بقوة تقوس لها ظهره، ثم ضرب بركبته دبره فانكفأ على وجهه، وسرعان ما برك فوقه وراح يكيل له الضربات وهو يقول بصوت يزفر الغل والحنق:
ألم تسمع ما قال زقلط ؟
واشتغل الغضب فى دماء جبل فصاح به
اللعنة عليك وعلى زقلط اتركه يا قليل الحياء!
فكف قدرة عن ضرب دعبس ورفع رأسه إلى جبل وجها ذاهلاً ثم قال
أنت تقول هذا يا جبل؟ ألم تشهد حضرة الناظر وهو يأمر زقلط بتأديب حمدان؟ص104
هنا واحد يضرب والثاني يتلقى الضربات فقط وهوما يخالف إنهما يقتتلان فى سورة القصص فكل منهما كان يضرب الأخر
-"فالتقط حجرا ولكنه قبل أن يقذف به أصاب النبوت رأسه فصرخ، ودار حول نفسه، ثم سقط على وجهه والدم يتفجر من جبينه بغزارة، كان الليل يهبط فنظر جبل فيما حوله فلم ير أحدا إلا دعبس الذى وقف ينفض جلبابه ويتحسس المواضع التى تؤلمه من جسده، ثم اقترب من جبل وهو يقول ممتنا:
عوفيت من أخ كريم يا جبل
فلم يجبه جبل، وانحنى فوق قدرة فعدله على ظهره، ثم تمتم
-أغمى عليه!
فانحنى دعبس فوقه كذلك ثم بصق على وجهه، فجذبه جبل بعيدا عنه، وانحنى فوقه مرة أخرى، وراح يهزه برفق ولكنه لم يبد أملاً فى الإفاقة ، فتساءل:ماله ؟
فانحنى دعبس فوقه وألصق أذنه بصدره، ثم قرب وجهه من وجهه، وأشعل عودا من الثقاب، ثم وقف وهو يهمسإنه ميت!
فاقشعر بدن جبل وقال
كذبت-. !
ميت ابن ميت وحياتك-.
يا خبر أسود
فقال دعبس مهونا الأمر
كم وكم قتل فليذهب إلى الزبانية!
99 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
فقال جبل بصوت حزين وكأنه يخاطب نفسه
لكننى لم أضرب ولم أقتل-. .
كنت تدافع عن نفسك-.
لكننى لم أقصد قتله ولا أردته
فقال دعبس باهتمام
إن يدك لشديدة يا جبل، لاخوف عليك منهم، وبوسعك أن تكون فتوة لو أردت
فضرب جبل جبينه بيده وهتف
يا ويلى ، هل أنقلب قاتلا من أول ضربة؟-.
انتبه إلى نفسك وهلم ندفنه وإلا قامت القيامة-.
ستقوم القيامة دفناه أم لم ندفنه-.
لست أسفًا ، عقبى للباقى، عاونى على إخفاء هذا الحيوان
وتناول دعبس النبوت وراح يحفر فى الأرض غير بعيد من الموضع الذى حفر فيه قدرى من قبل، وما لبث جبل أن أنضم إليه بقلب كئيب. وتواصل العمل فى صمت حتى قال دعبس ليخفف عن جبل ثقل مشاعره.
لا تحزن فالقتل فى حارتنا مثل أكل الدوم ص104و105
الفرية هنا أن قتل قدرة كان سرا بين جبل ودعبس وهو ما يخالف أنه كان علنا أمام أخرين لأن الرجل الثانى الذى كان سيقتله موسى(ص) قال له كما بسورة القصص "أتريد ان تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس "
"غضب جبل فانقض عليه وقبض على عنقه بشدة وعبثا حاول دعبس أن يتخلص من قبضة جبل فقال بصوت مبحوح:
109 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
-أتريد أن تقتلنى كما قتلت قدرة ؟"ص114
الفرية هنا أن نجيب جعل دعبس هو الرجل الثانى الذى كان سيقتله موسى(ص) وليس واحد أخر من قوم فرعون كما هو فى قوله بسورة القصص :
"فأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ".
ويبدو أن نجيب أخذ تلك الفرية من قول سفر الخروج لكن مع تحويرها بجعل موسى(ص) الطرف الثانى :
13ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» 14فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟».
-"فدفعه جبل بقوة فارتمى على الجدار وراح يحدق فيه بحنق وغيظ وردد الرجال أبصارهم بين الرجلين، وتساءلوا أجبل حقًا الذى قتل قدرة؟ وقبله ضلمة، وصاح عتريس " : فلتحل بك البركة يا خير آل حمدان " ، وقال جبل لدعبس حانقا:
لم أقتله إلا دفاعا عنك! ص114
هنا يوافق مقولة الدفاع عن دعبس قوله تعالى بسورة القصص"فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه "
-"نعم ولكنه ليس بالنذل-!
أخاف أن يثبت عليكم التهمة بسببى
فقال ضلمة بثقة
سأدلك على طريق الهرب إذا أردته، ولكن أين تقصد ؟
الخلاء واسع لا يحيط به خاطر ص114
يوافق الحدث هنا بغض النظر عن الأسماء القرآن فى وجود رجل نصح موسى(ص) الهرب من البلدة وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين "
ويوافق سفر الخروج فى الهروب فى قوله :
15فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هذَا الأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ، وَجَلَسَ عِنْدَ الْبِئْرِ.
-"جذب سمعه ضوضاء، اشتدت حول كشك حنفية مياه عمومية، رأى الناس يتزاحمون أمامها ليملأوا أوعيتهم بالماء، وكان التزاحم كالقتال عنفا وضحايا، فارتفع الصخب وتهاوت اللعنات، ثم ندت صرخات رفيعة حادة من الوسط عن فتاتين غرقتا فى لجة الزحام وراحتا تتراجعان لتنجوا بنفسيهما حتى خرجتا من المعترك بصفيحتين فارغتين، بدتا فى جلبابين فاقعى الألوان ينسدلان على جسميهما من العنق حتى الكعبين، فلم يظهر منهما إلا وجهان يزهر فيهما الشباب، مرت عيناه بأقصرهما دون توقف ، ثم ثبتتا على الأخرى ذات العينين السوداتين فلم تتحولا عنها، أقبلتا نحو مكان خال قريب من مجلسه فتبين فى ملامحهما شبها أخويا على تميز جاذبته بقسط أوفر من الحس، فقال جبل لنفسه منتشيا " : ما أبدع هذه الملامحة، لم تقع عينى على مثلها فى حارتنا " ، وقفتا تسويان ما تشعث من شعريهما وتعيدان لخمار إلى رأسيهما، ثم وضعتا الصفيحتين مقلوبتين وجلستا عليهما، والقصيرة تقول مشتكية: كيف نملأ الصفيحة فى هذا الزحام ؟
فقالت جاذبته:
111 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
المولد أجارك الله ! وأبونا ينتظر غاضبا!
فدخل جبل فى الحديث دون وعى منه متسائلا
لماذا لم يحضر بنفسه ليملأ الصفيحتين
فالتفتتا نحوه باحتجاج، ولكن منظره المتميز لم يخل من أثر مسكن فاكتفت فتاته بأن قالت ما شأنك أنت ! هل شكونا إليك ؟
فسر جبل بخطابها وقال معتذرا
أردت أن أقول أن الرجل أقدر على اقتحام زحام المولد-. !
هذا عملنا ، وله عمل أشق
فتساءل مبتسما
ماذا يعمل أبوك ؟-.
هذا ليس من شأنك
وقام جبل غير مبال بالأعين المحدقة حوله، حتى وقف أمامهما وقال بأدب
سأملأ لكما الصفيحتين
فقالت جاذبته وهى تدير عنه وجهها ص116
لسنا فى حاجة إليك!
ولكن القصيرة قالت بجرأة -افعل ولك الشكر.
وقامت وهى تشد الأخرى لتقوم معها، فتناول جبل الصفيحتين من مقبضيهما، وسار بجسمه القوى يشق الزحام ويرتطم بالرجال ويلاقى الجهد، حتى بلغ الحنفية التى يجلس وراءها الساقى فى كشكه الخشبى، فنقده مليمين ، وملأ الصفيحتين وعاد نحو موقف الفتاتين وأزعجه أن يجد الفتاتين مشتبكتين مع بعض الشبان فى معركة كلامية بسبب معاكستهم لهما، فوضع الصفيحتين على الأرض وتصدى للشبان مهدد ا، وتحرش به أحدهم ولكنه صرعه بضربة فى صدره فتجمع الشبان للهجوم عليه وهم يسبونه، غير أن صوتا غريبا صاح بهم:
-أذهبوا يا شين الرجال.
اتجهت الأبصار نحو رجل كهل، قصير مدمج الجسم، براق العينين، يشد جلبابه على وسطه بحزام فهتفوا خجلين " : المعلم
البلقيطى " وسرعان ما تفرقوا وهم يرمقون جبل بحنق، ولاذت الفتاتان بالرجل القصير تقول:
اليوم عسير بسبب المولد وهؤلاء الأوغاد.ص117
هنا نجيب افترى عدة افتراءات فالماء وهو غالبا بئر أصبح كشك حنفية وسقى الغنم أصبح ملء ماء للبيت والزحام على سقى الغنم أصبح زحام المولد والرجل الكبير وهو العجوز أصبح حاويا وموسى(ص) الفقير تعارك ودفع رشوة للساقى حتى ملأ الصفيحتين وكل هذا يخالف قوله تعالى بسورة القصص "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا"
وهو أيضا يخالف ما ورد فى سفر الخروج وهو :
16وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبْعُ بَنَاتٍ، فَأَتَيْنَ وَاسْتَقَيْنَ وَمَلأْنَ الأَجْرَانَ لِيَسْقِينَ غَنَمَ أَبِيهِنَّ. 17فَأَتَى الرُّعَاةُ وَطَرَدُوهُنَّ. فَنَهَضَ مُوسَى وَأَنْجَدَهُنَّ وَسَقَى غَنَمَهُنَّ. 18فَلَمَّا أَتَيْنَ إِلَى رَعُوئِيلَ أَبِيهِنَّ قَالَ: «مَا بَالُكُنَّ أَسْرَعْتُنَّ فِي الْمَجِيءِ الْيَوْمَ؟» 19فَقُلْنَ: «رَجُلٌ مِصْرِيٌّ أَنْقَذَنَا مِنْ أَيْدِي الرُّعَاةِ، وَإِنَّهُ اسْتَقَى لَنَا أَيْضًا وَسَقَى الْغَنَمَ». 20فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: «وَأَيْنَ هُوَ؟ لِمَاذَا تَرَكْتُنَّ الرَّجُلَ؟ ادْعُونَهُ لِيَأْكُلَ طَعَامًا». 21فَارْتَضَى مُوسَى أَنْ يَسْكُنَ مَعَ الرَّجُلِ، فَأَعْطَى مُوسَى صَفُّورَةَ ابْنَتَهُ. 22فَوَلَدَتِ ابْنًا فَدَعَا اسْمَهُ «جَرْشُومَ»، لأَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ نَزِيلاً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ».
-"وأردف البلقيطى وهو يشير إلى الحجرة المواجهة للداخل:
هذه الحجرة توجد أدوات العمل، الحى منها والجامد، لاتخش شيئا فبابها محكم الإغلاق، أوكد لك أن الثعابين أصلح-! ص119
للمعاشرة من أناس كثيرين، كالذين فررت منهم مثلا
ثم ضحك كاشفا عن فيه الخرب وقال:
الناس تخاف الثعابين، حتى الفتوات تخافها، أما أنا فأدين لها برزقى، وبفضلها أقمت هذا البيت ص120
الفرية هنا بدلا من كون الله من أعطى موسى(ص)معجزة العصا التى تنقلب ثعبان اصبح موسى(ص) متعلما سحر الثعابين على يد البلقيطى وفى هذا قال تعالى بسورة طه "وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى اتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب اخرى قال ألقها يا موسى فلما ألقاها إذا هى حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى "
-"ليس عجيبا أن يهرب الإنسان
من أين أتتك هذه القدرة على معرفة الغيب ؟
فقال البلقيطى متنهدا
-معاشرة الثعابين جعلتنى أنجب حيتين!
-أتستضيفه يا أبى وأنت لا تدرى عنه شيئا ؟
لى عينان يعتمد عليهما عند الحاجة، ثم استضفه متأثرا بشهامته ولن أرجع عن-.رأيى
يا معلم ، بالحق سأقص عليك قصتى
فابتسم البلقيطى وتشاغل بتدليك ساقيه فعاد جبل يقول
إنى قاتل آما قلت، ولكن لى قصة
وقص عليه قصته، ولما فرغ قال الرجل
يا لهم من قوم ظالمين، أما أنت فرجل شهم ولم يخب نظرى فيك
واعتدل فى جلسته باعتزاز ثم قال ص125
هنا قص جبل أى موسى(ص) على الرجل حكايته وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين "،
-"من أى حى كنت ؟-.
من حى حمدان مثلك
يا للعجب
لا تعجب لشئ فى هذه الدنيا ، فكأنه تاريخ مضى من بعيد، فلا أحد يعرفنى الآن ولا تمرحنة نفسها التى تربطنى بها صلة قربى. 120اولاد حارتنا –
نجيب محفوظ ص125
الفرية هنا أن الرجل الكبير كان هو الأخر اسرائيلى ولو كان كذلك لعاد مع موسى(ص) وابنته وهو ما يخالف مضمون سورة القصص كما يخالف أقوال المؤرخين والمفسرين فمنهم من قال أنه شعيب(ص) وهو افتراء ومنهم من قال كاهن مديان كما فى سفر الخروج
-" لم يكن بطبيعة الحال يدرى شيئا عن فن الحواة ولكنه رحب به باعتباره الوسيلة التى ستلصقه بهذه الأسرة فتساءل بنبرات فضحت رضاه:ص126
هنا التصق موسى (ص)أى جبل عند نجيب بالأسرة عن طريق الزواج كما قص الله علينا فى قوله تعالى بسورة القصص "قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين"
-"وتساءل من حين إلى حين أين الجبلاوى، وإذا أشفقت شفيقة من أن يفسد عليه الماضى حياته هتف بها إلى هؤلاء ينتسب الشئ الذى فى بطنك، وآل حمدان آله، والأفندى رأس الاغتصاب كما أن زقلط رأس الإرهاب، فكيف تطيب الحياة مع أمثال أولئك ؟ص129
-رفع الحصار عنا من زمن، لم يعد أحد يسأل اليوم عن قدره أو قاتله، ويقال إن هدى هانم هى التى أنقذتنا من الموت جوعا، ولكن قضى علينا بالذل إلى الأبد، لا مقهى لنا ولا كرامة، نسعى فى أعمالنا بعيدا عن حارتنا، وإذا عدنا توارينا وراء الجدران، وإذا عثر على أحدنا فتوة عبث به صفعا أو بصقا، إن تراب حارتنا اليوم أكرم عليهم منا يا جبل .. ما أسعدك فى غربتك. ص130
هنا نجيب يبين أن الجبلاوى انشغل أو نسى قومه وعذاباتهم وهو ما يخالف تذكر الرب لهم فى سفر الخروج فى قولهم :
7فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، 8فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. 9وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، 10فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ»
-"وصمت مليا ثم عاد يقول
بقدمى-.تقوداننى إلى البقعة المشرفة على حارتنا، ولم أكن دنوت منها منذ هروبى"
هنا نجد ذكر للقدم والبقعة المشرفة التى أراد بها المشرفة بفتح الشين وهو ما ورد ذكره فى قوله تعالى بسورة طه"فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إننى أنا الله لا إله أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى"
-"لكنه حدث منذ أيام معدودة أن شعرت برغبة فى المشى وحدى رغم البرد والظلام، فخرجت إلى الخلاء، وإذا تجلى الاهتمام فى العين فواصل الرجل حديثه قائلا:
-مضيت فى تجوالى فى ظلام دامس، فحتى النجوم توارت وراء السحب، وما أدرى إلا وأنا أوشك أن أصطدم بشبح هائل جبل
توهمته أول الأمر أحد الفتوات، ولكنه بدا لى شخصا ليس كمثله أحد فى حارتنا ولا فى الناس جميعا، طويلا عريضا كأنه 128 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص134
هنا الفرية كون الله وهو عند نجيب الجبلاوى شخصا ليس كمثله أحد فى حارتنا ولا فى الناس جميعا
ويوافق نجيب الوحى فى حكاية البرد وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال أهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "
-"فقال جبل
قلت له : لم أحلم أن أقابلك فى هذه الحياة فقال : ها أنت ذا تقابلنى وحددت بصرى لأتبين وجهه المرتفع فى الظلام
فقال لى : لن تستطيع رؤيتى مادام الظلام، فقلت بذهول لرؤيته محاولة رؤيتى له : لكنه ترانى فى الظلام، فقال : إنى أرى
فى الظلام منذ أعتدت التجوال بل قبل أن توجد الحارة فقلت بأعجاب : الحمد لرب السماوات على أنك ما زلت تتمتع بصحتك، فقال : أنت يا جبل ممن يركن إليك، وأية ذلك إنك هجرت النعيم غضبا لأسرتك المظلومة، وما أسرتك إلا أسرتى، ص135
الفرية هنا أن موسى (ص) قابل الله فى مكان وهنا المقابلة جرت دون رؤية بين جبل والجبلاوى أى بين موسى (ص) والله وهو ما يوافق وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وكلامى فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الأخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون"
-"فقال حمدان كالمعتذر
لست أخاف على نفسى ولكنى أخاف عليكم
فقال جبل بازدراء
سأذهب إلى الناظر وحدى-. .
فقال دعبس وهو يتزحزح مقتربا من مجلسه ص136
ونحن معك ، لا تنسوا أن الجبلاوى وعده بالنجاح!
فقال جبل
سأذهب وحدى عندما أقرر الذهاب ، ولكننى أريد أن أطمئن إلى أنكم ستكونون ورائى وحدة متماسكة خليقة بمواجهة-.الشدة والصمود لها
ووثب عبدون واقفا فى حماس وهتف:
-وراءك حتى الموت! ص137
هنا الفرية هى ذهاب موسى (ص) وحده واجتماع بنى إسرائيل خلفه وهو ما يخالفه ذهابه مع اخيه هارون (ص) وفى هذا قال تعالى بسورة طه"اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قالا لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى"
"ودخل البهو فرأى فى صدره الهانم
وزوجها جالسين منتظرين، نظر إلى أمه فتلاقت نظرتاهما، وقامت المرأة لاستقباله فى تأثر شديد، فهوى على يديها يقبلها، ولثمت جبينه فى حنان، فاجتاحه فى موقفه شعور بالحب والسعادة ، والتفت رأسه إلى الناظر فرأه جالسا فى عباءته يطالعهما بعينين باردتين، فمد له يده فقام نصف قومه ليصافحه وسرعان ما جلس. ص139
هنا هذا الكلام لا وجود له فى القرآن ولا فى العهد القديم وإنما هو خيال من نجيب قد يكون قد حدث وقد لا يكون قد حدث
-"وأدرك جبل أنه أن لهذا الموقف العائلى الطيب أن ينتهى كما قدر له من أول الأمر، وأنه آن للكفاح أن يبدأ فقال
الحق يا سيدتى أنهم يعانون ذلا ألعن من الموت، وقد قتل منهم من قتل
فقبض الأفندى بشدة على مسبحته وهتف بحدة
فلوحت هدى بيدها فى رجاء وقالت
إنهم مجرمون ، وقد نالوا ما يستحقون.
فلننس الماضى كله
فقال الأفندى باصرار
ما كان يجوز أن يضيع دم قدره هدرا
فقال له جبل بثبات
المجرمون حقا هم الفتوات ص140
هنا الفرية الحديث عن الجريمة وكون المجرمون بنو إسرائيل أى بنو حمدان والفتوات وهو ما يناقض أن الكلام كان عن جريمة قتل موسى(ص) للرجل من قوم فرعون وجريمة استعباد فرعون لبنى إسرائيل وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل"
-"فقال جبل دون أن يزايله هدوءه
إنك حاو بحق وجدارة، ولكنك لا
علم الله إنى ما جاوزت الحق، فلنحتكم إلى الجبلاوى نفسه إن استطعت ، أو إلى شروطه العشرة ص141
هنا الشروط العشرة هى إشارة لما فى العهد القديم من الوصايا العشر للرب
-"والتفت إلى الجالسين
قائلا : لم يكرم الجبلاوى حيا من أحياء هذه الحارة كما أكرمكم، ولو لم يكن يعتبركم أسرته الخاصة ما لقانى ولا كلمنى، ولكنه نور السبيل ووعد بالتأييد، والله لأكافحن ولو كنت وحدى، لكن بدا أنه لم يكن وحده، أيده كل رجل، أيدته كل امرأة، ص142
هنا يذكر نجيب تفضيل بنى إسرائيل من قبل الله على بقية الناس على شرط أن يفوا بعدهم فيوفى بعهده فالأفضلية متعلقه بمن ينفذ العهد وليس بخصوص ناس معينين يفضلهم سواء نفذوا أم لم ينفذوا وهو فى هذا هذا قال تعالى بسورة البقرة "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" وقال " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ"
-" هنا انقلب الحادث أحدوثة،وقال الناس فى الثعابين وأعادوا، غير أن نشاط الثعابين العجيب لم يتوقف فقد رأى بعض الصحاب فى غرزة الفتوة بركات ثعبانا بين عمد السقف، لاح نصف دقيقة ثم اختفى، فهبوا مذعورين وتقوض السقف وغطت أخبار الثعابين على حكايات الشعراء فى المقاهى، وبدا أن نشاطها قد جاوز حدود الأدب إذ ظهر ثعبان ضخم فى بيت حضرة الناظر ومع أن خدم البيت الكثيرين انتشروا فى أركانه للتفتيش عن الثعبان المختفى إلا أنهم لم يقفوا له على أثر، وركب الخوف الناظر والهانم حتى فكرت جديا فى مغادرة البيت إلى أن تطمئن إلى خلوه من الثعابين، وبينما البيت مقلوب رأسا على عقب ترامى من بيت ص143
"...غير أن أبو سريع صاح:
استطيع أن أتيكم بأحد الرفاعية ولو نبيت خارج بيوتنا يومين أو ثلاثة أيام حتى يحضر من قريته
فتساءلت الهانم
كيف الحارة بأكملها أن تبيت خارج بيوتها يومين أو ثلاثة ؟ص146
الفرية هنا هى دخول الثعابين بيوت قوم فرعون وهو ما يخالف أن العصا المتحولة كانت مع موسى(ص) وعرضها أمام فرعون ثم أعادها لعصا وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين "
"وكان الأفندى يفكر بكل قواه مغالبا ما استطاع عواطف الغضب والحقد التى تستعر فى صدره، وإذا به يقول مخاطبا جبل 139اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
-إنى معطيك كلمة الشرف التى تطلب فأبدا عملك ص146
هنا الناظر وهو فرعون أعطى جبل أو موسى(ص) وعدا ان ينفذ له ما يريد شرط أن يصرف عنه العذابات التى ارسلها الله وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل " وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف "فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون"
وهنا الحقيقة هى أن كلمة الشرف هى ارسال بنى إسرائيل مع موسى(ص) خارج مصر بينما كلمة شرف الناظر وهى الفرية إعادة الوقف لاهل الحارة وسفر الخروج يوافق القرآن فى اطلاق سراح القوم من مصر وهو قوله :
24فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَقَالَ: «اذْهَبُوا اعْبُدُوا الرَّبَّ. غَيْرَ أَنَّ غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ تَبْقَى. أَوْلاَدُكُمْ أَيْضًا تَذْهَبُ مَعَكُمْ»....27وَلكِنْ شَدَّدَ الرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُطْلِقَهُمْ.
-"دارت الأسئلة برأس جبل فدعا رجال حمدان إلى الربع الذى يقيم فيه ليتدبروا الأمر معا، وكان زقلط مجتمعا فى ذات الوقت بالناظر وحرمه، وكان يقول باصرار والحنق يلتهمه:
-لن نبقى منهم على أحد . وبدأ الارتياح فى وجه الأفندى"ص147
-"غير أن الهانم تساءلت:
وكلمة الشرف التى أعطاها الناظر ؟ص147 جبل هو الذى دبر مؤامرة الثعابين ليملى علينا شروطه، كل أحد يعرف
وقال زقلط محذرا ووجه مازال متشبثا بقبحه:
تذكرى يا هانم أنه إذا نجح جبل فى استخلاص حق آل حمدان فى الوقف فلن يهدأ بال أحد فى الحارة حتى ينال حقه-.أيضا، بذلك يضيع الوقف ونضيع جميعا
وقبض الأفندى على المسبحة فى يده بشدة حتى طقطت حباتها وهتف بزقلط:
-لا تبق على أحد منهم. ص148
فقال الناظر بحماس
سيسجل حقكم على رؤوس الأشهاد
وهنا قالت هدى برجاء
ستتناول عشاءك معى الليلة ، هذه رغبة أم!
وفطن جبل إلى ما ترمى إليه من إعلان المودة بينه وبين بيت الناظر، ولم يكن فى وسعه أن ينبذ رغبتها، فقال
-لك ما تشائين يا سيدتى.42 ص154
هنا اتفق فرعون وقومه على إبادة القوم وهو ما يوافق ارساله المنادين فى الناس لتجميعهم على عداوة القوم وذبحهم وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "فأرسل فرعون فى المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون"
والفرية فيما سبق هو بقاء القوم أحياء وهو ما يخالف اغراق القوم وفى هذا قال بسورة الشعراء "وأزلفنا ثم الأخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين وفى هذا قال بسورة يونس "وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "وقال بسورة طه"فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم "وقال بسورة الأعراف "فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"
-"فصاح به ليسمع الجميع
لا فتونة فى حمدان ، ولكن ينبغى أن يكونوا فتوات جميعا على من يطمع فيهم ص155
أنهم شعروا بالاستعلاء عليهم حتى فى أيام
محنتهم وقال جبل برقة:
وصانى جدى بأهلى-. .
ولكنه جد الجميع يا جبل ص
فقال جبل دون حماس
كلا ولكن لا شأن لنا بذلك
فتساءل الرجل فى إصرار
-وكيف لا يكون لكم شأن بذلك ؟
وساءل جبل نفسه بأى حق يكلمه ذلك الرجل على هذا النحو ؟ص
هنا الفرية هو أن نجيب يوافق اليهود على العنصرية حتى جعل جبل وهو موسى(ص) عنصرى لا يأبه لحقوق غير قومه هو ما يناقض إيمان زوجة فرعون برسالته وهى ليست من الاسرائيليين وكذلك مؤمن آل فرعون وكذلك زوجته المديانية وهى ليست اسرائيلية وإن كان نجيب جعلهم بافتراءاته كلهم اسرائيليين حتى يؤكد على عنصرية اليهود ورسالة موسى(ص) هى رسالة لكل الناس حتى قال موسى فى سورة الأعراف " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"
-"كان يوما مشهودا يوم تسلم جبل حصة أله من الوقف ، واتخذ فى حوش الربع - ربع النصر - مجلسه ودعا إليه آل حمدان، وأحصى ما فى آل أسرة من أنفس ووزع الأموال بالتساوى فيما بينهم، وحتى شخصه لم يخصه بامتياز، ولعل حمدان لم يرتح إلى هذه العدالة كل الارتياح ، ولكنه عبر عن مشاعره بطريقة غير مباشرة فخاطب جبل قائلا:
ليس العدل أن تظلم نفسك يا جبل! 149 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
فقطب جبل قائلا:
أخذت نصيب اثنين، أنا وشفيقة-. .
ولكنك رئيس هذا الحى-.
فقال جبل بصوت سمعه الجميع
ما ينبغى لرئيس القوم أن يسرقهم ص157
وظلمه ولكن وجد هؤلاء دائما من يرد عليهم قولهم ويذكر بالوجه الاخر لقسوته، وهو الرحمة بالمعتدى عليهم، والرغبة الصادقة فى إقامة نظام يضمن العدل والنظام والإخاء فى آل حمدان، ووجد هذا الرأى الأخير كل يوم ما يسنده فى فعال 152 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ الرجال وأقواله حتى أنس إليه من استوحش وأمن من خاف، ومال من جفا، وحرص الجميع على النظام فلم يجاوز حدوده حد، وسادت الاستقامة والأمان فى أيامه، فلبث بينهم رمزا للعدالة والنظام حتى غادر الدنيا دون أن يحيد عن مسلكه قيد أنملة.
هذه قصة جبل..
كان أول من ثار على الظلم فى حارتنا وأول من حظى بلقيا الواقف بعد اعتزاله، وقد بلغ من القوة درجة لم ينازعه فيها منازع، ومع ذلك تعفف عن الفتونة والبلطجة وُاراء عن سبيل الاتاوة وتجارة المخدارات ولبث بين آله مثالا للعدل والقوة والنظام أجل لم يهتم بالآخرين من أبناء حارتنا ولعله كان يضمر لهم احتقارا وازدراء كسائر أهله ، لكنه لم يعتد منهم على ص160
ما سبق من عدل جبل وتوزيعه المال يتفق مع أقوال وهى أوامر لله بتوزيع الماء على الأسر الاثنى عشر بالتساوى لكل أسرة عين ماء والافتراء أن قومه لم يجازوا حدود العدل وهو ما قصه القرآن كما فى طلبهم رؤية الله وعبادتهم العجل وفضهم دخول الأرض المقدسة بالقتال ...
حكاية رفاعة:
رفاعة قصد به نجيب المسيح عيسى بن مريم(ص)وسماه رفاعة نسبة إلى رفع الله عند موته للجنة فى السماء كما قال تعالى بسورة النساء " بل رفعه الله إليه " وأما والدته مريم (ص) فاستخدم نجيب بدلا منه اسم عبدة وهو معنى اسم مريم فى العبرية كما يقولون واختار اسم شافعى ليوسف النجار المذكور فى العهد الجديد كخطيب لمريم(ص) والسبب التشابه فى كون الاثنين ولدا فى فلسطين وعاشا فى مصر ويبدو تشبث شافعى بالاقامة فى مصر بكون الشافعى عاش ومات فى مصر
-"فتساءلت:
أين سألد يا ترى ؟
فقال شافعى ساخطا
أى مكان يا عبدة خير من حارتنا اللعينة
ورفع عينيه إلى شبح الجبل الممتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وقال
سنذهب إلى سوق المقطم ، إليه قصد جبل أيام محنته، وسأفتح دكان تجارة وأعمل كما كنت أعمل فى الحارة، لى-.
يدان يدران الذهب ومعى نقود للبدء لا بأس بها"ص161
هنا ولادة رفاعة فى سوق المقطم بينما فى العهد الجديد ولد فى بيت لحم فى قول سفر متى :
1وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ"
والمقطم يقع شرق القاهرة والفسطاط على حافة وادى الشرقية وهو ما يوافق القرآن فى ولادة مريم بمكان شرقى بلدتها حيث قال بسورة مريم "فحملته فانتبذت به مكانا شرقيا "
-"فبصق الرجل متأففا وقال محنقا:
أسياد الحارة ! ما نحن إلا عبيد أذلاء يا عبدة، ذهب جبل وعهده الحلو، وجاء زنفل أجحمه الله، فتوتنا وهو علينا لا لنا،-.
يلتهم أرزاقنا ويفتك بمن يشكو "ص162
وذكر زنفل اللعين وكيف أخذ بتلابيبه وهزه بعنف حتى كاد يقتلع ضلوعه، ثم مرغه فى التراب أمام الخلق لا لشئ إلا لأنه جعل مرة من الوقف حديثه ! ضرب الأرض بقدمه واستطرد قائلا:
اكرم الملعون خطف وليد سيدهم بياع لحمة الرأس ثم لم يسمع عن الوليد بعد ذلك أبدا، لم تأخذه رحمة بطفل فى-.
شهره الأول، وتتساءلين أين سألد، ستلدين بين أناس لا يقتلون الأطفال
فتنهدت عبدة وقالت برقة كأنما لتخفف من مضمون حديثها.
ليتك رضيت بما رضى به الآخرون! "ص163
هنا نجيب تحدث عن قتل الأطفال فى البلدة وهو ما ورد فى العهد الجديد ولا ذكر فى القرآن وفى هذا قال سفر متى :
" 13وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». 14فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. 15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل:«مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
16حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. 17حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: 18«صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ».
-"سيكون الغرباء جيراننا الجدد، وتستقبل أيديهم وليدها وينمو الوليد فى أرض غريبة كغصن مقطوع من شجرة وما كانت إلا قانعة فى آل جبل تحمل الطعام إلى زوجها فى الدكان وتجلس فى الليل وراء النافذة لتسمع رباب عم جواد الشاعر الضرير ، ما أحلى الرباب وما أحلى قصة جبل
ليلة التقى الجبلاوى فى الظلام فقال له ألا تخف، حياه بالعطف والتأييد حتى انتصر ، وعاد إلى حارته مجبور الخاطر، وما أحلى العودة بعد الاغتراب. "ص164
اعتمد نجيب فى هذا الجزء على العهد الجديد حيث الهجرة لمصر ثم العودة منها بعد سنوات من الإقامة فيها وهو قول سفر متى :
13وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، ......15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل:«مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
........19فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ 20قَائِلاً:«قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». 21فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ"
-"لماذا نسينا الجبلاوى غمغمت امرأة-.
الله يعلم بحاله-.
فصاح الرجل فى حسرة وغضب
يا جبلاوى
فردد الصوت صوته، وقام وهو يقول
توكلى على الله-. .ص165
كلام المرأة عن نسيان الجبلاوى والمراد الله لها افتراء من نجيب فالمرأة هى التى أرادات أن تكون نسيا منسيا بسبب حبلها وفى هذا قال تعالى بسورة مريم " يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا "
-"فقالت عبدة بابتهاج
نعم ، أرأيت ما حدثتك عنه؟ فيه جدك صاحب هذه الأرض كلها وما عليها الخير خيره والفضل فضله ولولا عزلته لملأ الحارة نورا.
واكمل عم شافعى ساخرا:
-وباسمه ينهب ناظر الوقف ايهاب حارتنا، ويعتدى الفتوات علينا تقدموا نحو الحارة محاذين للسور الجنوبى للبيت الكبير،ص166
الحارة تقع جنوب البيت الكبير وهو موقع بيت لحم بالنسبة لما يسمى القدس أو أورشليم
"فنور الثناء وجه عبدة وضحك عم شافعى قائلا
-لو رأيت جسده النحيل ما قلت ذلك.
حسبه ما أخذ ، أن الجبلاوى لا يتكرر ، ماذا يعمل الفتى ؟-.
قليلا ويهيم على وجهه فى الخلاء، والجبل أكثر الوقت
فقال الشاعر باسما
علمته النجارة لكنه ابن وحيد مدلل يمكث فى دكانى
لا يستقر الرجل حتى يتزوج، وأين كنت يا معلم شافعى-.ص167
هنا يقتبس نجيب من العهد الجديد مهنة والد رفاعة المزعوم وهى النجارة كما فى قول سفر متى :
54وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا:«مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ 55أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ،"
-"فغمغم قائلا " : أحم
فأذنت له بالدخول فدخل، وجدها فى جلباب بنى ذى كلفة بيضاء حول الطوق وفوق عضة النهدين، وحافية وعارية الساقين وجدها أيضا، ولبثت صامتة مليا كأنما لتمتحن أثر منظرها فى نفسه، فلما رأت صفاء عينيه لا يتغير أشارت إلى ترابيزة صغيرة قائمة على ثلاث أرجل فى ركن الصالة وقالت:
الرجل الرابعة تحت الكنبة، ركنتها وحياتك وأدهن الترابيزة من جديد ص171
هذا الجزء من تخيل نجيب فلا ذكر لتلك الحادثة لا فى القرآن بين أيدينا ولا فى العهد الجديد وهى فرية يمهد بها لفرية أعظم وهو زهد الرجل فى النساء وكأن المسيح(ص) هو من اخترع الرهبانية وليس من أتوا بعده
-"كما خرجت امى من الحارة وأنا فى بطنها اضطراب ، اللعنة على الفتوات وعلى القطط حين تلفظ الفئران أنفاسها بين أسنانها، وعلى كل نظرة ساخرة أو ضحكة باردة، وعلى من يستقبل أخاه العائد بقوله لا مهرب منى عند الغضب، وعلى صانعى الرعب وخالقة النفاق، أما أدهم فلم يبق له إلا الخلاء"ص174
اللعنة النجيبية هنا على القطط بسبب أكلها للفئران وهى فطرة الله تبدو وكأنها سخرية من لعن التينة لأنها بلا ثمار وكأنها هى من تخرج الثمار بنفسها كما فى العهد الجديد فى سفر مرقس :
20وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ، 21فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ:«يَا سَيِّدِي، انْظُرْ! اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!»
-"وها هو الشاعر يغنى أغنية من أغانى إدريس المخمورة، ومال إلى أذن أبيه وقال:
أريد أن أزور المقاهى الأخرى
فقال عم شافعى متعجبا
قهوتنا خير قهوة فى الحارة.
ماذا يقول الشعراء هناك؟-.
الحكايات نفسها ولكنك تسمعها هنالك وكأنها غير الحكايات
وترامى التهامس إلى شلضم فمال نحوه رفاعة قائلا
ليس أكذب من أهل حارتنا، والشعراء أكذب الكاذبين ستسمع فى القهوة التالية أن جبل قال إنه ابن الحارة، والله ما قال-.
إلا إنه ابن حمدان
فقال عم شافعى:
الشاعر يريد إرضاء السامعين بأى ثمن "ص174
فى الفقرة السابقة يشير نجيب لكذب الشعراء فى قوله تعالى بسورة الشعراء " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم فى كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات "
كما يشير للعهد الجديد واختلافه فى تسمية يسوع أو المسيح(ص) فهو يقول عن نفسه ابن الإنسان أى ابن الحارة بلغة نجيب كما فى سفر لوقا " وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» وأيضا " 29وَفِيمَا كَانَ الْجُمُوعُ مُزْدَحِمِينَ، ابْتَدَأَ يَقُولُ:«هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ. 30لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كَذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ "ويقول أنه عن نفسه ابن الله أى ابن حمدان كما بلغة نجيب لن حفيد الجبلاوى الذى هو الله – عالى عن ذلك علوا كبيرا - كما فى سفر يوحنا " وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» 50أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هذَا!» وفى سفر متى " وَقَالَ:«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». 17فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ."
-"فأجابت أم بخاطرها
-الجبلاوى.
هل رأه أحد ؟
فقال جواد
كلا ، لم يره أحد من جيلنا، حتى جبل لم يتبينه فى ظلمة الخلاء .. ولكن المبيض رسمه على مثال ما يرد من أوصافه فى-.الحكايات
فتساءل رفاعة متنهدا:
لماذا أغلق أبوابه فى وجه أحفاده؟-.
يقولون الكبر، من يدرى كيف تمضى به الأيام، والله لو فتح أبوابه ما بقى أحد من أهل حارتنا فى داره القذرة-.."ص167
مقولة نجيب " لماذا أغلق أبوابه فى وجه أحفاده؟"يبدو أنها تعليق على مقولة يسوع فى العهد الجديد " إيليا لما شبقتنى "أو "إلوى لما تركتنى"
-"لا شان لى بأولئك عفاريتى الأخرون يذعنون لى كما كانت تذعن الثعابين لجبل، وعندى لهم جميع ما يحبون من بخور-.
سودانى وتعاويذ حبشية وأغان سلطانية
فسألها رفاعة باهتمام:
ومن أين أتتك هذه القدرة على العفاريت ؟
فحدجه بنظرة حذرة وقالت
هى حرفتى كما أن النجارة حرفة أبيك جائتنى من وهاب الفن "ص177
يعتمد نجيب هنا فرية العهد الجديد وهى طرد المسيح للعفاريت أى الجن من أبدان الناس وهى مقولة لا يمكن حدوثها ومن حكاياها فى العهد الجديد فى سفر متى :
28وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ، اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدًّا، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. 29وَإِذَا هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلَيْنِ:«مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟» 30وَكَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. 31فَالشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ». 32فَقَالَ لَهُمُ:«امْضُوا». فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ." و"32وَفِيمَا هُمَا خَارِجَانِ، إِذَا إِنْسَانٌ أَخْرَسُ مَجْنُونٌ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. 33فَلَمَّا أُخْرِجَ الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأَخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ الْجُمُوعُ قَائِلِينَ:«لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هذَا فِي إِسْرَائِيلَ!» 34أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا:«بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ!».
وهنا الفرية أن المسيح أى رفاعة تعلم معجزاته على يد كودية زار –"فحدثينى عنها يا عمتى
فابتسمت المرأة وبدت كأنها سمحت بأن تهبه قليلا من علمها فقالت
-لكل إنسان عفريت هو سيده ولكن ليس آل عفريت بشر يجب أن يخرج.
وكيف نميز بين هذا وذاك؟-.
عمله يدل عليه، أنت مثلا ولد طيب فما يستحق سيدك إلا الجميل، وليس هكذا عفاريت بيومى وخنفس وبطيخة "ص177
-"أحاديث أم بخاطرها ، لكل إنسان عفريت هو سيده، وكما يكون السيد يكون العبد .. هكذا تردد أم بخاطرها وكم من ليلة ص178
هنا يبين لنا نجيب وجهة النظر الشعبية فى العفاريت عفاريت طيبة وعفاريت سيئة
-"وحض أباه يوما على رسم صورة مثلها فى بيتهم أو فى الدكان فقال له الرجل نحن أولى بنفقاتها، وهى خيال وما قيمة الخيال؟ فما كان منه إلا أن قال له : بودى لو أراه ! فضحك الرجل ضحكة عالية وقال له معاتبا اليس الأفضل أن ترى عملك ! لن أعيش لك إلى الأبد، "ص178
هنا يتخيل نجيب بداية الصور فى الديانة النصرانية وهو هنا يفترى على المسيح(ص) أو رفاعة أنه أراد صورة للجبلاوى وهو الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا كالصورة التى رسمها المبيض من وحى أوصاف الحكايا
-"فبصق ثم قال
العيب عيبنا جميعا ، كان جبل قويا، وبالقوة والعنف استخلص لنا حقنا الذى أضاعه الجبن "ص186
الفرية هنا هو أن موسى(ص) هو من أحضر الحق لبنى إسرائيل وليس الله وهى مقولة يكذب فيها نجيب المعتقد الشعبى فى العالم وهو جبن وهى مسكنة وذل اليهود فى العالم
-"فقال فرحات
ما ألطف هذا الشاب ، يظنه البعض كودية زار لملازمته لأم بخاطرها ويظنه أخرون
-ويكره مجالس الحشيش كما يكره الزواج!"ص187
يعتمد نجيب فى الحكاية كلها وجهة نظر العهد الجديد وهو كراهية الزواج من قبل المسيح(ص) وهى مقولة للأسف يعتقدها بعض المحسوبين على الإسلام مع أن القرآن قال أن كل الرسل (ص)تزوجوا وأنجبوا وهى قوله تعالى بسورة الرعد "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "
-"فقال شافعى باضطراب
-الله أسأل ألا يكون أحد سمعك.
فقال رفاعة بعينين مضيئيين : جدى سمعنى ، وجاءنى صوته قائلا : ما أقبح أن يطالب شاب جده العجوز بالعمل والابن الحبيب من يعمل . فسألته : وما حيلتى حيال أولئك الفتوات أنا الضعيف؟ فأجابنى : الضعيف هو الغبى الذى لا يعرف سر قوته وأنا لا أحب الأغبياء.ص189
مقولة نجيب " يطالب شاب جده العجوز بالعمل والابن الحبيب من يعمل" تشير إلى إشكالية الجنون والتناقض فى بداية سفر يوحنا" 1فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ."
فالجد يعمل وهو الله تعالى عن ذلك والشاب يعمل ترجمة لمقولة والكلمة عند الله والكلمة هو الله
-"هل قال لك جدك ذلك ؟
-قال إنه لايحب الأغبياء، وقال إن الغبى هو الذى لايعرف سر قوته، وإنى أخر من يدعو إلى قتال فى سبيل الوقف، الوقف لا شئ يا أبى وسعادة الحياة الغناء هى كل شئ ولا يحول بيننا وبين السعادة إلا العفاريت الكامنة فى أعماقنا، ولم يكن عبثا أن أشغف بطب العفاريت وأن أحسنه لعلها إرادة رب السماوات هى التى دفعتنى إليه.ص190
الفرية هنا هو أن الشرع المنزل على المسيح(ص) حرم القتال فى سبيل توزيع ريع الوقف بالعدل وهى مقولة يفندها مقولة ينسبها سفر متى للمسيح (ص)" «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. 35فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. 37
-"فقال رفاعة بابتهاج
انظر إلى إقبال الرزق علينا فماذا يخبى
كل خير يا أبى ، إن شفاء المرضى لن يقلق إلا العفاريت "ص190
يشير هنا نجيب لمعجزة شفاء المرضى وهى معجزة مفتراة فالمرضى الذين كان يشفيهم هم الكمه والبرص وهو قوله تعالى بسورة آل عمران "وأبرىء الأكمه والأبرص " ونجيب هنا اعتمد وجهة نظر العهد الجديد فى قول سفر متى :
34فَلَمَّا عَبَرُوا جَاءُوا إِلَى أَرْضِ جَنِّيسَارَتَ، 35فَعَرَفَهُ رِجَالُ ذلِكَ الْمَكَانِ. فَأَرْسَلُوا إِلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ الْمَرْضَى، 36وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا هُدْبَ ثَوْبِهِ فَقَطْ. فَجَمِيعُ الَّذِينَ لَمَسُوهُ نَالُوا الشِّفَاءَ."
-"184 أولاد حارتنا نجيب محفوظ
يجب أن تجلد قبل طردها
اقتلوها قتلا
وترامت صرخة ياسمينة التى كانت تنصت فى الظلام وراء النافذة واحدقت الأعين بخنفس لكن رفاعة سمع وهو يسأل أباه ص192
فتساءل رفاعة
هل يرضيكم أن أتزوج منها ؟
فاختلط صراخ الغضب بصيحات الاستهزاء، وقال زيتونة
لا يهمنا إلا أن تنال جزاءها
فاستقتل رفاعة قائلا
سيكون العقاب من شأنى أنا.
بل هو من شأن الجميع
ووجد خنفس فى اقتراح رفاعة منقذا له من ورطته، لم يكن فى قلبه مقتنعا به ولكن لم يكن عنده خير منه، وغالى فى تجهمه مداريا ضعفه، وقال:
الولد ارتبط أمامنا بزواجها فله ما يطلب ص194
ولما يتم الزواج وبكت عبدة خفية حتى أضر بها البكاء وتجهم وجه شافعى إذ تجهمته الدنيا، لكنهما حيال الشاب أنطويا على نفسيهما وتجنبا المغاضبة، ولعل ياسمينة هونت من الخطب بسلوكها عقب المظاهرة إذ هرعت إلى بيت عم شافعى وجثت أمام الرجل وزوجه باكية وسكبت على قدميهما بعض ما فاض به قلبها من الامتنان، ثم أعلنت فى حرارة وجد توبتها، ولم يكن من الممكن العدول عن الزواج بعد أن ارتبط به الشاب جهارا أمام آل جبل، فسلم عم شافعى زوجه بالأمر ووطنا النفس على تقبله وتنازع قلبى الوالدين رغبتان واحدة تود أن ترعى التقاليد فى الاحتفال بعرس رفاعة "ص196
تزوج رفاعة أى المسيح(ص) من ياسمينة الزانية يشير هنا نجيب به إلى مسح مريم شعرها بقدمى المسيح فى سفر لوقا:
36وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. 37وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ 38وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. 39فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلاً:«لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ». 40فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«يَاسِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ». فَقَالَ:«قُلْ، يَامُعَلِّمُ». 41«كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. 42وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟» 43فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ:«أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ». فَقَالَ لَهُ:«بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ». 44ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ:«أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. 45قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. 46بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. 47مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً». 48ثُمَّ قَالَ لَهَا:«مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ». 49فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ:«مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟». 50فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ:«إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ"
-"فابتسم رفاعة قائلا
اليوم غير الأمس إذا ذهبنا فمنذا الذى يخلص آل جبل من العفاريت ؟
فقال شافعى محتدا
فلتركهم العفاريت إلى الأبد
ص198
أعرف ذلك ، ما أكثر الأخطاء بحارتنا
فقالت بحنق
يفاخرون دائما بأنهم من صلب أدهم، وفى نفس الوقت يباهون بالكبائرص200
وانزوى رفاعة فى ركن الدكان مكتئبا فرمقه الرجل بريبة وسأله
أحقا دعوت زوجك إلى ما تدعونا إليك ؟
فقال بأسف
-وهى مثلكم لا ترغب فى السعادة. ص202
ولما غادر الربع فاعترضت سبيله امرأة من غير آل جبل، وقالت له
باستعطاف:
صباح الخير يا معلم رفاعة
ودهش لرنة الاحترام فى صوتها وللقب الذى قرنته باسمه فسألها
ماذا تريدين؟
فقالت بضراعة
لى ابن ممسوس أرجو أن تخلصه!
وكان كآل جبل جميعا يحتقر أهل الحارة فاستنكف أن يضع نفسه فى خدمة المرأة فيضاعف من ازدراء آله له، فقال لها
ألا توجد كودية فى الحارة ؟
فقالت المرأة بصوت بالك
بلى ولكنى امرأة فقيرة
ورق لها قلبه كما آسره لجوؤها إليه هو الذى لم يلق من آله إلا الهزء والاحتقار، ونظر إليها فى تصميم وهو يقول
-إنى طوع أمرك.
194 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص204"
يعتمد هنا نجيب رواية العهد الجديد فى حكاية فتات الكلاب حيث قال سفر متى :
21ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». 25فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً:«يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» 26فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». 27فَقَالَتْ:«نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». 28حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.
والفرية النجيبية هى احتقار المسيح(ص) لغير بنى إسرائيل وهو كلام يخالف أن الرسل (ص) جميعا لا يحتقرون مسلما حتى ولو كان من غير قومهم
-"هنا تحتنا الحارة، أما هنالك فلم نكن نرى إلا الدهليز المعتم
فقال رفاعة بأسى
ليت الدهليز بقى لنا، إنه دهليز مبارك، إذ فيه تقرر النصر لجبل على أعدائه، ولكن لم يكن فى الإمكان مواصلة الإقامة بين-.
أناس يستهزئون بنا فى كل خطوة أما هنا فالفقراء طيبون، والطيب هو السيد لا آل جبل "ص204
الدهليز المبارك يقصد به الأرض المقدسة التى فرض على القوم دخولها ونلاحظ هنا أن نجيب استعار من العهد الجديد تعريف السيد أى العظيم حيث قال سفر متى
"19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ."
-"ستكونين أجمل وأفضل عندما تقهرين الغرور، ليس آل جبل بخير حارتنا، خير الناس اطيبهم، وكنت مخطئا مثلك فخصصت آل جبل باهتمامى، ولكن السعادة لا يستحقها إلا من ينشدها مخلصا، انظرى إلى الطيبين كيف يقبلون على وكيف يبرأون من العفاريت."ص205
هنا يبتعد نجيب عن العهد الجديد وخصوصية رسالة الرجل ببنى إسرائيل فى قوله "لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" وقوله ايضا فى سفر متى "6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ"
وهو يعتمد تعريف الأعظم وهو الطيب بأنه المتواضع ولا يتواضع سوى الفقراء كما جاء فى سفر متى "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ."
-"فقال باسما
إنك من آل جبل وكلهم أبى أن يسلم لدوائى حتى أبى نفسه-. !
وعندما دق الباب أدركنا أن زبونا جديدا قد قدم فتهيأ رفاعة لاستقباله
والحق أن رفاعة لم يلق من عمره أسعد من هذه الأيام ، كان يدعى فى الحى الجديد بالمعلم رفاعة، وكانوا يدعونه فى اخلاص ومحبه، وعرف بأنه يخلص من العفاريت ويهب الصحة والسعادة لوجه الله وحده، وهذا سلوك نقى لم يعرف عن أحد قبله فلذلك أحبه الفقراء كما لم يحبوا أحدا قط، وطبيعى أن بطيخة فتوة الحى الجديد لم يحبه لسلوكه الطيب من ناحيته "ص205
يلجأ هنا للعهد الجديد فى تسمية المسيح(ص) رغم أنها تسمية كل الرسل (ص) بلا استثناء ومن تلك الأقوال فى سفر متى :
16وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ:«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ" و "18فَقَالَ:«اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي».
-"تاب توبة صادقة واشتغل صبى مبيض نحاس، وعويس تزوج بعد الذى كان، واصطفى رفاعة من مرضاه أربعة وهم زكى وحسين وعلى وكريم، اصطفاهم لصداقته فصاروا إخوة، لم يعرف أحد منهم الصداقة ولا الحب قبل أن يعرفه، كان زكى برمجيا ، وكان حسين مدمن أفيون لا يفيق، وعلى يتدرب على الفتونة، وكريم قواد فانقلبوا رجالا ذوى قلوب كبيرة "ص206
هنا يخالف نجيب العهد الجديد فى عدد من اختارهم رفاعة أى المسيح لصحبته فبدلا من 12 أصبحوا 4 وفى هذا قال سفر متى :
13وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا «رُسُلاً»:
-"التفت الناس إلى قوة الجبلاوى وجاهه، وتناسوا مزياه الأخريات، لذلك لم يستطع جبل أن يغير النفوس بنيله حقه فى الوقف ، ولما رحل عن الدنيا انقلب الأقوياء مغتصبين الضعفاء حاقدين وأطبق الشقاء على الجميع، أما أنا فافتح أبواب السعادة بلا وقف ولا قوة ولا جاه "ص207
الفرية من نجيب هنا هو أن رفاعة أى المسيح(ص) رسالته تغيرت عن رسالة جبل أى موسى(ص) ومن المعلوم أن الرسالة واحدة بداية من أدم (ص) وحتى أخر الأنبياء محمد(ص) وهى عبادة الله للحصول على سعادة الدارين وقد اعتمدت الرسالات كلها على العفو والقوة معا وليس على واحد منهما وقد حكى العهد الجديد المقولة التالية على لسانه فى سفر متى
17"«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ."
وهو ما يوافق قوله فى القرآن "ومصدقا لما بين يدى من التوراة "
-"فصاح الرجل
197 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ
إذن امشى كما يمشى المساكين لا كعريس الزفة، أنسيت أنك طريد حى وزوج ياسمينة وكودية زار؟-.وبصق فى تحرش، وتباعد الناس وساد الوجوم لكن زغاريد الفرح غطت على كل شئ "ص208
يستعير هنا نجيب تعبير وصف رفاعة بالعريس من العهد الجديد كما فى سفر متى "15فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ"
-"الواقف ميت أو فى حكم ذلك يا أولاد الكلب.
وانزعجت ياسمينة ، خافت أن تفلت الفرصة المتاحة وأن يتعكر الجو، ومدت يدها إلى الفستان لتنزعه رويدا، وانبسطت أسارير الرجل بعد تجهز ورنا إليها بعينين متوثبتين. ص211
الفرية النجيبية هنا هو أن زوجة رفاعة زانية داعرة ومن المحال أن تكون زوجة نبى(ص) زانية حتى ولو كانت كافرة كزوجتى نوح(ص) ولوط (ص) والمصيبة أن نجيب يقول أن رفاعة كان يقرأ ما فى نفوس الناس ومن ثم فهو ديوث لأنه عرف وسكت ولم يتحرك
-"تأكد ذلك من أكثر من مصدر، إن مرضاه يؤمنون بذلك ولو أنهم يتكتمون الأمر بحرص شديد
-لعله مجنون كما كان جبل دجالا، ولكن هذه الحارة القذرة تحب المجانين والدجالين، ماذا يريد آل جبل بعدما نهبوا الوقف ص212
هنا يعتمد نجيب حكم القرآن فى أن الأقوام رمت الرسل بتهمتى الجنون والدجل وهو السحر كما جاء فى سورة الذاريات "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون "
-"فصاح مزمجرا
-أنت تكلم الآن بطيخة لا الواقف فاذهب بلا تردد.
وهم رفاعة بالكلام فلطمة الفتوة لطمة دفعته إلى جدار الربع مترنحا، ورأت امرأة الموقعة فصوتت حتى ملأ صوتها الحارة ص213
....وما لبث أن ازدحم الموقع بمحبى رفاعة من الرجال والنساء، ودهش بطيخة الذى لم يتوقع شيئا مما حدث، ورفع يده وهوى بها على وجه رفاعة فتلقاها هذا ص213 دون دفاع، ولكن الواقفين تصايحوا فى انزعاج، واعتراهم انفعال شديد، فتوسل البعض إلى بطيخة أن يترآه، وردد أخرون "ص214
يشير هنا نجيب بواقعة استسلام رفاعة للطمة على الخد الأيمن ولطمة على الخد الأيسر لمقولة يسوع فى العهد الجديد فى سفر متى "39وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا."
-"وصاح رجل من وسط المظاهرة متشجعا بالزحام وبمكانه فيه
فتوتنا على العين والرأس، ولكن ماذا فعل رفاعة ؟
وصاح ثالث فى أخر المظاهرة مطمئنا إلى تواريه عن متناول عين الفتوة
رفاعة برئ والويل لمن يمد له يدا بسوءاص215
واندفع رفاعة فجأة حتى وقف أمام بطيخة ولوح الناس بيديه حتى ساد السكوت، وهتف بصوت قوى:
لم يخطئ فتوتنا وأنا الملوم "ص215
يحرف هنا نجيب ما حكته أسفار العهد الجديد عن براءة المسيح(ص) مثل قول سفر لوقا " 13فَدَعَا بِيلاَطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، 14وَقَالَ لَهُمْ:«قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. 15وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضًا، لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. 16فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 17وَكَانَ مُضْطَرًّا أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ كُلَّ عِيدٍ وَاحِدًا، 18فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ:«خُذْ هذَا! وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!» 19وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْل. 20فَنَادَاهُمْ أَيْضًا بِيلاَطُسُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ، 21فَصَرَخُوا قَائِلِينَ:«اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» 22فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً:«فَأَيَّ شَرّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 23فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. 24فَحَكَمَ بِيلاَطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. 25فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْل، الَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ."
-"كلا يا معلم ولكن فيه تنبيه بأن السعادة غير ما يملكون من قوة وجاه.
وسمعوك أيضا وأنت تؤكد أن ذلك ما يريده لهم الواقف
فتجلى الاهتمام فى العينين الصافيتين وقال
-هم يقولون ذلك ؟
وماذا تقول أنت ؟
فقال بعد تردد لأول مرة
على قدر فهمى أتكلم
ص217
فصاح بيومى
-يا ابن الماكرة ، أنت توهم الناس بأنهم مرضى، بأننا جميعا مرضى فلا صحيح غيرك فى هذه الحارة!
لماذا تكرهون السعادة وهى بين أيديكم ؟
-يا ابن الماكرة ! ملعونة السعادة التى تجئ من مثلك ! فتساءل رفاعة متنهدا
لماذا يكرهنى أناس وأنا ما كرهت أحد قط ؟ ص218
يشير هنا نجيب إلى مقولة فى العهد الجديد لرفاعة أى المسيح (ص) وهى فى سفر متى " لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيب بَلِ الْمَرْضَى. 13فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ».
-"وهنا دق الباب دقات متتابعة فى لهفة فذهبت ياسمينة تفتحه، وسمع الجالسون صوتى عم شافعى وعبدة يسألان عن
ابنهما، وقام رفاعة فتلقى والديه بالعناق وجلسوا وهما يلهثان ووجهاهما ينطقان بملا يحملان من أنباء مزعجة ، وسرعان ما قال الأب:
يا بنى تخلى عنك خنفس فحياتك فى خطر، وأخبرنى أصحابى بأن أعوان الفتوات يحومون حول بيتك ص220
فقال رفاعة متعجبا
بالأمس حاربوا جبل لمطالبته بالوقف واليوم يحاربوننى لاحتقارى الوقف
فلوح شافعى بيده جزعا وقال
قل فيهم ما تشاء فلن يغير هذا منهم شيئا، ولكن اعلم أنك هالك إن غادرت بيتك، ولست أمن عليك إن بقيت فيه-. .ص221
فصاح شافعى:
ومن هناك تهربون من الحارة ليلا
فتأوه رفاعة متسائلا
واترك بنائى يتهدم ؟
208 اولاد حارتنا - نجيب محفوظ ص222
يشير هنا نجيب لمقولة فى العهد الجديد هى فى سفر متى :
نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ"
وبالطبع حور هنا نجيب المقولة من الهدم إلى الحفاظ على البناء
-"فتقلص فوه اشمئزازا وقال
فى الحارة كفايتها من المجانين
فنظرت إليه فى استعطاف ثم غضت بصرها وهمست وكأنما تحث نفسها
انقذنى يوما من الهلاك
فضحك فى سخرية غليظة وقال
وها أنت تسلمينه للهلاك واحدة بواحدة والبادى أظلم!ص224
هنا حرف نجيب ما جاء فى العهد الجديد من خيانة رجل هو يهوذا الاسخريوطى ليسوع فجعلها خيانة من امرأة هى الزوجة وفى هذا قال سفر متى :
"43وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ. 44وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً:«الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». 45فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً:«يَا سَيِّدِي، يَاسَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 46فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ".
-فجلست إلى جانب زوجها وهى تقول:
بيتنا مراقب، ومن الحكمة إن أمك تركت المصباح مشتعلا وراء النافذة، وسيكون الهرب ميسورا عند الفجر فقال لها زكى وهو يلحظ رفاعة فى حزن لكنه حزين، أليس المرضى فى كل مكان واليسوا هم فى حاجة ككذلك إلى الشفاء ؟
فقال رفاعة
تشتد الحاجة إلى الدواء حيث يستفحل المرض-. ."ص225
هنا يذكر نجيب ما ذكره سفر متى فى العهد الجديد وهو :
33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ:«نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا»
التعديل الأخير بواسطة المشرف: