نقوس المهدي
كاتب
ليس من قبيل الصدفة أن يمر “حمو” كل صباح بمحاذاة بيت “فطوش” و هو متجه صوب حقله المجاور لقضاء يومه في الزراعة.
إنه يحس بشعور غريب بمجرد أن تنبحه كلابها …حمو الرجل الخمسيني الذي قضى زهرة شبابه مقاتلا في صفوف جيش “فرانكو ” الإسباني ثم مقدما بالجيش المغربي قبل أن يغادره بتقاعد مبكر لم يسبق له أن تزوج، و أنّى لمثله أن يفعل ..!!
الآن يحس أن “فطوش “هي أمله الوحيد، إنها امرأة مثالية تجيد الغسيل و العجين و حتى حلب البقرات و إطعام الدجاجات و الغناء الريفي العذب(ازران)… هي الشمعة المضيئة وسط هذا الظلام الكالح… فهل يكون الحظ من نصيب “حمو” ليظفر بأول حب في حياته و هو الذي يشعر أن قطار الحياة قد مضى به سريعا دون أن يحقق شيئا يذكر من أكوام أحلامه المبعثرة !؟
كعادته استفاق من نومه مع أذان الفجر، توضأ و صلى، تناول فطوره المعتاد وحيدا، كأس شاي بعشبة النعناع الريفي، رغيف من خبز الشعير و زيت الزيتون الطريةّ، كل هذا من إنتاج أرضه و كد ساعده. الله.. الله.. الله… هكذا يردد وهو يتناول فطوره. انتصب قائما، أخذ فأسه على عاتقه الأيمن و جلبابه على الأيسر و لم ينسَ جهاز الراديو الصغير ثم مضى بقلب يخفق بعنف.. إنه الحب..
ها هي “فطوش” بقدها المياس تضع إزارا مزركشا حول خصرها، تروح و تغدو منهمكة في إنجاز مهامها الريفية بين إطعام حيواناتها الأليفة و جمع الحطب و غيرها من الأشغال التي تقوم بها يوميا.. طيفُها يلوح “لحمو” و هو في طريقه إلى الحقل يستنشق رائحة السنابل، الآن ينشغل بربط شسْعَ نعله لكي يمكث طويلا بالقرب منها.. يسترق السمع لدندناتها (إزران)، فيحس في هذه اللحظات بقلبه يخفق، و بروحه تنتشي.. يتخيل مستقبلا جميلا زاهرا كما يرى في أحلام اليقظة دائما! في هذه اللحظة فقط يباغته “بوطاهر” الأخ غير الشقيق “لفطوش”..
حمو ماذا تفعل هنا؟
ترتجف شفتاه و يتمتم أأأأأأأ… كما ترى هذا الحذاء اللعين يتعبني دائما. رغم أنه حذاء عسكري جيد، إلا أن خيوطه لا تكاد تبقى مترابطة… جيد أسي “حمو” أعانك الله. تنفس الصعداء.. لقد استطاع أن يخرج من ورطة كبيرة اليوم مع “بوطاهر”، هذا الثور الهائج الذي لا يحسن الحوار و التفاهم و غالبا ما يجنح الى العنف بسبب و بغير سبب…
استأنف طريقه إلى الحقل و هو في شبه غيبوبة مستغرقا في تفكير عميق بكل كيانه.. و بعد يوم شاق و طويل يعود مجددا مع مغيب الشمس إلى بيته… اليوم و هذا المساء فقط يبتسم الحظ “لحمو”، يلتقي محبوبة القلب، يستمتع بجمال صوتها و يكحل ناظريه بسواد عينيها الواسعتين، إنه الوصل… هذا في عرس جاره “عْمَار” الذي وعده أن يقيم “رفوجث” حفلة ريفية بالغناء المحلي تخرج فيها الفتيات للغناء و الشدو أمام جميع أبناء المدشر و تجري في انضباط تام للقواعد المتعارف عليها في مثل هذه المناسبات، و الويل لمن تسول له نفسه أن يخرق برتوكول رفوجث… استحم و لبس أجمل الثياب، كما رش ماء الورد على أجزاء متفرقة من ثيابه و وجهه..
بعد احتساء كؤوس الشاي و تناول العشاء الشهي (رماق) تبدأ أطوار الحفلة المنتظرة تصطف الفتيات، يمتشقن الدفوف و يصحن بأعذب الألحان التي تحرك الشجن و الحنين في القلوب، و تذكي مختلف المشاعر ذات الحمولة التي تحيل على الحب و العشق و العتاب، كما تتغنى بطيب خلق و خلقة العروسين..
جو مفعم بالنشاط و البهجة “حمو” يحرك رأسه يمنة و يسرة في طرب و زهو، خاصة بعد أن جاء دور” فطوش ” في الغناء ” عذاد أ الليف عذاد إوذاك غيكسن*** أبريذ ن الطموبين قا يبنيث المخزن” هذا البيت الشعري هيج شعور “حمو” و أحس بالسعادة تغمره و معناه “مر يا حبيبي بالقرب مني و من له السلطة ليمنعك فالطريق بناه المخزن المصطلح الذي يحيل على السلطة أو الدولة في المخيال الريفي و المغربي عند العامة و الخاصة..
“حمو” يشعر أن كل الأنظار متجهة إليه لأنه حسب اعتقاده هو وحده المعني بهذا البيت و هذا الغناء ،لكنه سمع “لعمر “يناجي أحدهم إنها تعنيني أنا… انتفخت أوداجه و بلغ الغضب به مداه و صاح اُصمت أيها الحقير من أعطى لك الحق في الحديث عنها..؟ لم يتحمل عْمَار هذه الإهانة، حاول أن يرد عليه بقبضة يد تردي حمو صريعا على الأرض، لكن الحضور قام ليمنع هذا الشجار الذي يحول البهجة الى فوضى تفرق الجمع (ذارز رفوجث) و استحال اليوم الموعود إلى يوم تعيس مشؤوم بالنسبة “لحمو”…كل هذا لم يؤثر في عزيمته بأن يرتبط “بفطوش” متى أسعفه الحظ ليشعل نار الغيرة في قلوب حساده و ينعم بعيش يليق بعاشق مثله، غير آبه مطلقا بقطار العمر و لا سخرية الأيام و القدر…إنه الاصرار على العيش ما دام في الجسد نفس و روح.
إنه يحس بشعور غريب بمجرد أن تنبحه كلابها …حمو الرجل الخمسيني الذي قضى زهرة شبابه مقاتلا في صفوف جيش “فرانكو ” الإسباني ثم مقدما بالجيش المغربي قبل أن يغادره بتقاعد مبكر لم يسبق له أن تزوج، و أنّى لمثله أن يفعل ..!!
الآن يحس أن “فطوش “هي أمله الوحيد، إنها امرأة مثالية تجيد الغسيل و العجين و حتى حلب البقرات و إطعام الدجاجات و الغناء الريفي العذب(ازران)… هي الشمعة المضيئة وسط هذا الظلام الكالح… فهل يكون الحظ من نصيب “حمو” ليظفر بأول حب في حياته و هو الذي يشعر أن قطار الحياة قد مضى به سريعا دون أن يحقق شيئا يذكر من أكوام أحلامه المبعثرة !؟
كعادته استفاق من نومه مع أذان الفجر، توضأ و صلى، تناول فطوره المعتاد وحيدا، كأس شاي بعشبة النعناع الريفي، رغيف من خبز الشعير و زيت الزيتون الطريةّ، كل هذا من إنتاج أرضه و كد ساعده. الله.. الله.. الله… هكذا يردد وهو يتناول فطوره. انتصب قائما، أخذ فأسه على عاتقه الأيمن و جلبابه على الأيسر و لم ينسَ جهاز الراديو الصغير ثم مضى بقلب يخفق بعنف.. إنه الحب..
ها هي “فطوش” بقدها المياس تضع إزارا مزركشا حول خصرها، تروح و تغدو منهمكة في إنجاز مهامها الريفية بين إطعام حيواناتها الأليفة و جمع الحطب و غيرها من الأشغال التي تقوم بها يوميا.. طيفُها يلوح “لحمو” و هو في طريقه إلى الحقل يستنشق رائحة السنابل، الآن ينشغل بربط شسْعَ نعله لكي يمكث طويلا بالقرب منها.. يسترق السمع لدندناتها (إزران)، فيحس في هذه اللحظات بقلبه يخفق، و بروحه تنتشي.. يتخيل مستقبلا جميلا زاهرا كما يرى في أحلام اليقظة دائما! في هذه اللحظة فقط يباغته “بوطاهر” الأخ غير الشقيق “لفطوش”..
حمو ماذا تفعل هنا؟
ترتجف شفتاه و يتمتم أأأأأأأ… كما ترى هذا الحذاء اللعين يتعبني دائما. رغم أنه حذاء عسكري جيد، إلا أن خيوطه لا تكاد تبقى مترابطة… جيد أسي “حمو” أعانك الله. تنفس الصعداء.. لقد استطاع أن يخرج من ورطة كبيرة اليوم مع “بوطاهر”، هذا الثور الهائج الذي لا يحسن الحوار و التفاهم و غالبا ما يجنح الى العنف بسبب و بغير سبب…
استأنف طريقه إلى الحقل و هو في شبه غيبوبة مستغرقا في تفكير عميق بكل كيانه.. و بعد يوم شاق و طويل يعود مجددا مع مغيب الشمس إلى بيته… اليوم و هذا المساء فقط يبتسم الحظ “لحمو”، يلتقي محبوبة القلب، يستمتع بجمال صوتها و يكحل ناظريه بسواد عينيها الواسعتين، إنه الوصل… هذا في عرس جاره “عْمَار” الذي وعده أن يقيم “رفوجث” حفلة ريفية بالغناء المحلي تخرج فيها الفتيات للغناء و الشدو أمام جميع أبناء المدشر و تجري في انضباط تام للقواعد المتعارف عليها في مثل هذه المناسبات، و الويل لمن تسول له نفسه أن يخرق برتوكول رفوجث… استحم و لبس أجمل الثياب، كما رش ماء الورد على أجزاء متفرقة من ثيابه و وجهه..
بعد احتساء كؤوس الشاي و تناول العشاء الشهي (رماق) تبدأ أطوار الحفلة المنتظرة تصطف الفتيات، يمتشقن الدفوف و يصحن بأعذب الألحان التي تحرك الشجن و الحنين في القلوب، و تذكي مختلف المشاعر ذات الحمولة التي تحيل على الحب و العشق و العتاب، كما تتغنى بطيب خلق و خلقة العروسين..
جو مفعم بالنشاط و البهجة “حمو” يحرك رأسه يمنة و يسرة في طرب و زهو، خاصة بعد أن جاء دور” فطوش ” في الغناء ” عذاد أ الليف عذاد إوذاك غيكسن*** أبريذ ن الطموبين قا يبنيث المخزن” هذا البيت الشعري هيج شعور “حمو” و أحس بالسعادة تغمره و معناه “مر يا حبيبي بالقرب مني و من له السلطة ليمنعك فالطريق بناه المخزن المصطلح الذي يحيل على السلطة أو الدولة في المخيال الريفي و المغربي عند العامة و الخاصة..
“حمو” يشعر أن كل الأنظار متجهة إليه لأنه حسب اعتقاده هو وحده المعني بهذا البيت و هذا الغناء ،لكنه سمع “لعمر “يناجي أحدهم إنها تعنيني أنا… انتفخت أوداجه و بلغ الغضب به مداه و صاح اُصمت أيها الحقير من أعطى لك الحق في الحديث عنها..؟ لم يتحمل عْمَار هذه الإهانة، حاول أن يرد عليه بقبضة يد تردي حمو صريعا على الأرض، لكن الحضور قام ليمنع هذا الشجار الذي يحول البهجة الى فوضى تفرق الجمع (ذارز رفوجث) و استحال اليوم الموعود إلى يوم تعيس مشؤوم بالنسبة “لحمو”…كل هذا لم يؤثر في عزيمته بأن يرتبط “بفطوش” متى أسعفه الحظ ليشعل نار الغيرة في قلوب حساده و ينعم بعيش يليق بعاشق مثله، غير آبه مطلقا بقطار العمر و لا سخرية الأيام و القدر…إنه الاصرار على العيش ما دام في الجسد نفس و روح.