نقوس المهدي
كاتب
لقد تأثر الأندلسيون بمقامات البديع الهمذاني وخلفه الحريري تأثراً جلياً، إذ كان من الطبيعي أن تثير إنجازاتهما إعجاباً بين الأدباء، وتخلق تياراً من المحاكاة في ميدان الكتابة عموماً وفي فن كتابة المقامات خصوصاً.
وبدخول الأندلس عهد ملوك الطوائف كانت مقامات الهمذاني ورسائله قد انتشرت انتشاراً واسعاً حتى غدا الكثير من الأدباء يؤلفون في هذا الصنف من الأدب.
وفي مقدمة هؤلاء ابن شرف القيرواني الذي كتب مقامات تحدى بها البديع في حماه، كما قال ابن بسام(1). وابن بسام هذا أورد مقتطفات لكاتبين من كتاب المقامات...
وأبو محمد بن مالك القرطبي اللذان كانا يقيمان في المرية في عهد المعتصم ابن صمادح (443-483هـ/ 1051-1091م)(2).
وما دمنا بصدد الكلام عن أثر الهمذاني وأسلوبه في الأندلس، يمكننا القول إن أثر مقاماته كان محصوراً في دائرة ضيقة إذا ما قورن بأثر رسائله التي لاقت ترحيباً حاراً من ابن شُهيد الذي استخدمها نموذجاً لنثره الذي انغمس فيه بوصف مفصل لأشياء كثيرة كالماء والبراغيث والثعالب والحلويات(3) كما لاقت ترحيباً من أبي المغيرة ابن حزم الذي ألف رسالة يحاكي بها إحدى رسائل البديع(4).
ظهرت مقامات الحريري في مطلع عهد المرابطين وسرعان ما تداولها الناس على نطاق واسع. ويخبرنا ابن الأبار أن العديد من الأندلسيين سمعوا الحريري يبسط مقاماته في حديقته ببغداد، ثم عادوا إلى الأندلس لينشروا ما سمعوا(5). وبعد موت الحريري تابع تلاميذه بدورهم بسط المقامات باعتبارهم معتمدين من قبل أسيادهم(6).
درس الأندلسيون المقامات أيام المرابطين والموحدين على أيدي هؤلاء وتلامذتهم(7).
ولم يكتف الأندلسيون بدراسة المقامات ونقلها، بل أنشؤوا تعليقات عليها أشهرها تعليق الشريشي الذي قرأ التعليقات السابقة كلها، وعندما عثر على تعليق الفنجديهي نقح كل شيء كتبه من قبل(8).
وما يعنينا في هذه المقالة هو المقامة كما كتبها الأندلسيون، وخصوصاً تلك المقامات التي بقيت مخطوطات لمّا تنشرْ.
وكان أول من كتب في هذا اللون الأدبي من الأندلسيين "ذو الوزارتين" أبو عبد الله محمد بن مسعود بن أبي الخصال (465-540 هـ/ 1073-1146م)(9) وعلى الرغم من تأثره بالحريري، كانت مقاماته تتصف بخصائص متميزة، سواء في الشكل أو في الأسلوب. ومن الأمثلة على ذلك مقامة نجدها في مجموعة رسائله المحفوظة في مكتبة الاسكوريال مخطوطة رقم 519 يحاكي فيها الحريري محاكاة تامة حتى إنه سمى أبطال مقامته هذه بأسماء بطلي الحريري، أي "الحارث بن همام وأبو زيد السروجي"(10).
كان المشهد في الريف، حيث يصف ابن أبي الخصال ممثلاً شخص الحريري فرحة الريفيين بشؤبوب المطر الغزير عندما فاضت الأنهار وانتعشت الخضار. وفيما هو يتجول في الريف يلتقي حشداً من الناس تجمعوا حول بيت حيث كان يخاطبهم شيخ ببلاغة فائقة.
فجمع له الناس مالاً وفيراً، ورجاه الحارث أن يبيت عنده في بيته قاصداً سرقته. ولكن غايته أحبطت، إذ تظاهر الشيخ بالنوم، وعندما استيقظ الحارث لم يجد الشيخ. لقد انسل الشيخ من فراشه تاركاً قصاصة من الورق كتب عليها ثلاث قصائد. الأولى من عشرة أبيات والثانية من أربعة عشر بيتاً يبسط فيها الشيخ ما أصاب من الحب وما عاناه منه. أما الثالثة فمن تسعة عشر بيتاً يشكر فيها الريفيين على اللطف الذي غمروه فيه.
ثم يكتشف الحارث بن همام أن العجوز لم ينصرف عنه إلا ليذهب إلى الحانة حيث أنفق ماله كله، ثم أودع السجن بسبب الديون التي ترتبت عليه لصاحب الحانة. وهنا يقدم ابن أبي الخصال وصفاً دقيقاً مفصلاً ورائعاً للحانة وزبائنها والعاملين فيها.
وجاء هذا الوصف على لسان الحارث بن همام عندما قدم الحانة وجال فيها بحثاً عن العجوز، وأخيراً قضى وقتاً ليس قصيراً يحاول إقناع صاحب الحانة أن يتيح له رؤية ذلك العجوز. ثم يقول الحارث: "وعلى غُرّة فاجأناه".
ثم يجري حديث مطول بين الرجلين، يطلب بعده الحارث من العجوز أن يخلد له اسمه بالشعر، فيضطر العجوز أن يقول فيه قصيدة من ثمانية عشر بيتاً.
إننا نجد من هذا العرض الموجز أن هذه المقامة تختلف عن مقامات الحريري من حيث الشكل، فهي أطول ومن حيث مادتها أيضاً؛ إذ هي لا تعالج حكاية واحدة خاصة فحسب، بل تحكي سلسلة من الأحداث يرتبط بعضُها ببعض من خلال شخصية البطل، العجوز.
وهي أشبه بعدة مقامات منفصلة تتضمن سلسلة من المعالم، كصورة الريف والفلاحين، وبيوتهم، وصورة الجمهور وكرمه، وصورة الحانة واللقاء الأخير بين الشيخ والحارث.
ومن الواضح أن غاية ابن أبي الخصال كانت إظهار براعته الفنية الفائقة في التصوير الكلامي بجمعه مقامات عديدة في مقامة واحدة. ومن الجدير بالذكر أن ابن أبي الخصال قد قام بمحاولة أخرى في ميدان الكتابة بأسلوب المقامات، وإن لم يكن مديناً للحريري فيها بالقدر الذي كان في المقامة السابقة. وأشير بذلك إلى عمله الرائد في ذلك النمط من الرسائل الأدبية التي كتبها الأندلسيون عن طائر الزرزور. وكانت المقالات من هذا النوع تتسم بأسلوب المواعظ في أنها تُفتتح بالصلوات والأدعية والبركات، ثم تنتقل إلى وصف الزرزور وتعداد مآثره.
ثم يقول الزرزور قصيدة في موضوع الكرم واللطف مزكياً التصميم على ممارستها.
وكان ابن أبي الخصال يستخدم الزرزور ناطقاً باسمه ينبئ عن طريقة مستمعيه عن توبته ليكسب عطفهم ومالهم. والواقع أنه كان يقوم بدور بطل المقامة الذي يمزج الشعر بالنثر ليعرض خبرته وتفوقه في كلا النوعين. ولقد قام ابن أبي الخصال بمحاولتين في هذا اللون من الأدب، الأولى موجودة في "ورقة 2 آ- 4 ب" من الاسكوريال المذكورة في أعلاه. ويتضمن هذا العمل قصيدتين الأولى من ستة أبيات والثانية من سبعة عشر. أما محاولته الثانية فهي موجودة يف "ورقة 68 آ – 71آ" وتتضمن أربع قصائد، الأولى من ثلاثة عشرة بيتاً، والثانية من عشرة، والثالثة من أربعة عشر بيتاً، والرابعة من تسعة عشر.
المقامة القرطبية:
إن هذه المقامة، التي عرفت بهذا الاسم عند الأندلسيين الذين عزوها إلى الفتح بن خاقان، تُشتهر بالفيلسوف العلاّمة والأديب ابن السيد البطليوسي وتقذف به. إلا أننا لا نستطيع الجزم بنسبة هذه المقامة إلى ابن خاقان الذي عرف عنه أنه كتب سيرة مرموقة في مدح ابن السيد. ويوجد نص هذه المقامة القرطبية في الاسكوريال (مخطوطة) 488 (ورقة 80ب-83ب). وتتخذ حبكتها شكل رحلة قام بها البطل علي بن هشام من أرض الشام إلى الأندلس ليكتشف الوضع الأدبي فيها. وتبدأ المقامة بالكلمات التالية:
"قال علي بن هشام: انطلقت من بلاد الشام إلى الأندلس لأجوب أقاليمها وأدرس البلدان وألتقي الأدباء والفقهاء وأتجنب أهل الخيال والريب".(11) (ورقة 80 ب). ثم ينتقل إلى وصف رحلته ونزوله في بلنسية، ويصف الأرض وأهلها وصفاً مفصلاً (ورقة 81آ).
ثم يأتي إلى صلب موضوع رحلته وهو السؤال عن البطليوسي ليتمكن من مهاجمته وشتمه، والتقى أثناء استفساراته عن البطليوسي "بفتى له لألاء ورواء، عمامته بين الرجال لواء، فرعه أفرع وجيده أتلع، وأنفه ممطول وخلقه مجدول..." ومع الفتى رفيق له يدعى ابن الطويل وآخر هو يوسف بن خليل وقعد إليهما فتناشدوا الأشعار. ثم سألهما ابن هشام عن البطليوسي فانبرى أحدهما للقذف بحقه والتشهير به، وانضم إليه الآخر واصفين أفعال البطليوسي الشريرة وكاشفين جهله بالعلم والأدب "يأتي المناكر في كل ناد ويهيم في العمه في كل واد لا يرجى له إرعواء ولا يأسو جرحه دواء" (ورقة 83 ب).
وتعرف لنا المقامة صورة مفصلة لحياة البطليوسي وخصوصاً حياته في بلنسية التي لجأ إليها بعد أن ورط نفسه عاطفياً مع ثلاثة شباب هم أبناء مواطنين قرطبيين متنفذين؛ كما ترسم لنا صورة مقنعة لجانب الحياة المظلم في ذلك الزمن، وهو الجانب الذي مر ذكره في مصادر أندلسية أخرى مروراً متعجلاً. لقد أثارت هذه المقامة فتنة كبيرة في الحياة الأدبية بالأندلس بسبب المركز المرموق الذي كان يحتله البطليوسي. ومن الواضح أن كثيراً من أدباء الأندلس قد استاؤوا استياء عميقاً وهبوا للرد على كاتب هذه المقامة. وكان أول من انتصر للبطليوسي الوزير العلامة أبو جعفر بن أحمد الذي كتب رسالة عنوانها "الانتصار في الرد على صاحب المقامة القرطبية. "وتوجد هذه الرسالة في الاسكوريال المخطوطة المذكورة أعلاه (ورقة 104-105ب). وجهد الكاتب نفسه في الدفاع عن البطليوسي ضد التهم التي ألصقت به: ويرى أن على (صاحب المقامة القرطبية أن يتبين مثالبه قبل أن يبين مثالب غيره..." (ورقة 104 ب).
وتتضمن مخطوطة الاسكوريال ذاتها (ورقة 116 ب –117 ب) رداً آخر على هذه المقامة هو رد أبي الحسن المرسي الذي كتب مقامة تعد مثالاً رائعاً للنثر الطنان والمفعم بالبلاغة والبيان. ويعد هذا العمل أقرب في شكله إلى الرسالة الأدبية منه إلى المقامة لافتقاره لأكثر معالم المقامة وضوحاً: تعقيدات الأسلوب والبطلين المألوفين.
لقد هيأ هذا العمل وغيره مما كتب في الوقت ذاته الركن الأكبر الذي كان على المقامة أن تحتله في ميدان الأدب الأندلسي. ونتيجة لذلك يمكن القول أن المقامة الأندلسية الجديدة، مع كونها تنتمي فعلاً إلى هذا اللون الأدبي، تتسم بصفات مشتركة مع فن الرسالة، مما أدى إلى استعمالها لخدمة أغراض أدبية عديدة متنوعة. وهكذا استخدمه الأندلسيون في المدح والرثاء والذم والغزل ووصف المدن.
وتعد مقامات عديدة من هذا النمط الجديد مصادر هامة لجغرافية الأندلس وشمالي أفريقية. وخير أمثلة على هذا النمط ما جاء في مقامات لسان الدين بن الخطيب العديدة والتي عرفت بـ "معيار الاختبار في أحوال المعابد والديار"(12).
كما استخدم الأندلسيون المقامة وسيطاً لوصف الإدارة العامة والعدالة، ومثال ذلك مقالة كتبها ابن الخطيب ذاته، عنوانها "خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف"(13).
واستخدمت المقامة كذلك لأغراض تعليمية وتربوية كما هو حال المقامة النخيلة(14) للقاضي أبي الحسن النباهي المالقي(15) (المتوفى في نهاية القرن الثامن الهجري) وقد استخدم المقامة وسيلة لتعليم الأدب والقواعد ليوفر على التلاميذ مشقة الرجوع إلى مؤلفات أكبر في هذه المواضيع.
- المقامات اللزومية:
ربما كانت المقامات اللزومية من أهم ما أنتج في الأندلس في ميدان هذا اللون الأدبي. ولقد حُفظت في مخطوطات عديدة قيمة أقدمها وأكثرها موثوقية، على ما يبدو، هي مخطوطة الفاتيكان (عربي 372)(16).
وقدم لنص هذه المخطوطة بما يلي: "ألف هذه المقامات الخمسين أبو طاهر محمد بن يوسف التميمي السرقسطي (المتوفى عام 538هـ.) في قرطبة إحدى مدن الأندلس (نتيجة لقراءة مؤلفات أبي محمد الحريري البصروي الأكبر) وأدت إلى إتعاب ذهن المؤلف واستلاب النوم من عينيه. إن مواظبته على إنشاء النثر والشعر لهذه المقامات لا تضاهى فوصل بها إلى ذروة الإتقان والكمال".
(ورقة 4 آ). أما التعليق الختامي فكان كالآتي: "لقد أنجزت المقامات اللزومية للتميمي يوم الأربعاء الرابع من شهر رجب من عام 650هـ. نسخها صالح بن محمود بن فايق" (ورقة 222 ب).
ومن الملاحظ أن المؤلف لم يعط كل مقامة عنواناً متميزاً كما فعل بديع الزمان والحريري. إذ كان بعضها يسمى باسم نوع السجع الذي يغلب عليها، وهكذا سميت المقامة السادسة عشرة (ورقة 72 آ- 76 آ) بالمقامة المثلثة، والسابعة عشرة (ورقة 76-81آ) بالمرصعة، والثامنة عشرة (ورقة 81 آ- 85آ) بالمدّبجة.
أما المقامات الأُخر التي لها عناوين فهي:
7 (ورقة 25 آ- 32 آ) "البحرية"؛
26 (ورقة 105 آ – 114 آ) "النجومية"؛
28 (ورقة 120 ب – 124 ب) "الحمقاء"،
30 (ورقة 128 آ- 140 آ) "مقامة الشعراء"؛
41 (ورقة 170 ب- 174 آ) "مقامة الدُّب"
42 (ورقة 174 آ- 178 ب) "الفرسية"؛
43 (ورقة 178 ب – 182 ب) "الحمامية"؛
44 (ورقة 182 ب – 191 آ) "العنقاوية"؛
45 (ورقة 191 آ – 195 ب) "الأسدية".
أما بالنسبة للمقامات ذات الأرقام 32-40 (ورقة 145 آ – 170 آ) فقد استخدم السرقسطي نمطاً خاصاً من السجع، ورتب المقامات حسب النظام الأبجدي، ولهذا السبب نراها تحمل أسماء حسب حرف القافية فيها، مثل " الهمزية" و " البائية" و " الجيمية" و "الداليَّة" و "النونية"... الخ.
ويدعى بطلا هذه المقامات: السائب بن تمام (ويعرف كذلك باسم أبي الغمر) وأبا حبيب، وهو عجوز ماكر من عُمان.
وبالإضافة إلى هذين البطلين هناك الراوي واسمه المنذر بن هُمام، وولدا العجوز وهما غريب وحبيب اللذان يظهران من حين إلى حين. وتدور أحداث المقامات كلها ما خلا المقامتين الثلاثين والخمسين حول أعمال الاحتيال المتنوعة التي يقوم بها العجوز، وحول مهارته في الوعظ في موضوع الموت والحياة الآخرة عادة. ويرسم لنا السرقسطي دائماً صورة يخفي فيها حقيقة شخصية شيخه الفصيح هذا الذي يظهر في بيئات متجددة باستمرار، إذ يظهر أحياناً في هيئة شائنة وأخرى في هيئة محترمة. ثم ينطلق في بيان مكره وبراعته في تنويع استراتيجيته لتلائم الحاجة التي تلوح له. ولنضرب مثلاً على احتياله لا بد من ذكر الفصل الذي يقدم فيه ابنته للبيع كأمة، وعندما يتم البيع ويقبض ثمنها يرفض الحاكم الاعتراف بصحة البيع لامرأة حرة. وفي مناسبة أخرى يغري أبو حبيب السائب الذي التقاه في الطريق بالتظاهر بحب ابنته حباً جنونياً ولكنه غير قادر على الزواج منها لافتقاره إلى المال.
فيقوم السائب بدوره خير قيام حتى إنه جمع مالاً ممن رأوا حاله ورأفوا به، ولكن ما أن حصل أبو حبيب على المال حتى اختفى بالمال مخلفاً السائب وراءه. ولا يضع السرقسطي حداً لتجوال بطله، بل يتيح له أن يتجول بحرية يتسول حيثما يذهب، ولا يكاد يدخل أرضاً حتى يرتحل عنها إلى بلد آخر يحتال دائماً على الأبرياء، ليس ممن يلتقيهم في طريقه، بل من القضاة والحكام، ثم ينكشف أمره على يد السائب بن تمام فيهرب ولكن ليس قبل أن يترك وراءه مقامة فيها حياته واحتيالاته.
وينقل السرقسطي بطله في رحلاته من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً. وليس للمقامات نسق جغرافي في ترتيبها؛ فمثلاً في المقامة العشرين يكون أبو حبيب في مصر، وفي المقامة الحادية والعشرين ينتقل إلى البحرين، وفي المقامة الثانية والعشرين يكون في القيروان، وفي المقامة السادسة والأربعين يكون في طنجة ومن هناك ينتقل في المقامة السابعة والأربعين إلى الهند.
وفي المقامة الثامنة والأربعين (ورقة 203 ب – 208 ب) يكون البطل في الأندلس موطن السرقسطي. ويحكي لنا الراوي كيف جاء ذات مرة وهو يتجول في البلاد إلى بقعة جميلة جمالاً فاتناً، هي جزيرة الطريف (وتسمى اليوم التِرفة)، حيث وجد جماعة من الناس يتحلقون على شكل خاتم منقوش، حجر النقش فيه شيخ يحكي أساطير تاريخية وحكايات عن ملوك العرب وإنجازاتهم متلاعباً بمشاعر مستمعيه وهو يسرد عليهم الحكايات تلاعباً بارعاً بالإشارة إلى جزيرة الطريف مراراً وتكراراً وباختراع الحكايات التي يمكن أن تقرن الجزيرة بفتح الأندلس.
وكان أثره على سامعيه كبيراً جداً مما جعلهم كالفراش المتهافت على اللهب، ويتبارون في صب المال عليه كالمطر حتى امتلأت يداه، فأطال إقامته، وأقام في بحبوحة ليلة ونهاراً.
وفي المقامة السادسة والأربعين (ورقة 195 ب- 199 ب)، يزور الشيخ هذا طنجة في شمالي إفريقية. ولهذه المقامة أهمية خاصة لكونها أحد المصادر الأدبية التي توثق عداء الطبقة الأندلسية المثقفة للبربر ولنضالهم من أجل توكيد استقلالهم. فلقد أفسد وصف السرقسطي لأهل طنجة بولائه لشعبه. وهذه هي كلمات راويته: "وجدت نفسي بين أناس كالنعام أو البقر، بين شعب كالأفاعي أو الضباع لم أستطع فهم كلامهم ولا يتفق تفكيرهم مع أي تفكير. شعرت وكأني وقعت بين حيوانات مفترسة أو كراع بين حيوانات لا تُقاد ولا تستقر، ولا تُربط ولا تصبر. كنت أسمع عن الأندلس وعن ثقافتها ومهرجاناتها وغناها حتى إن صدري التهب شوقاً إليها وغدوت مستعداً للتضحية بأثمن ما أملك من أجلها". (ورقة 195 ب –196 آ).
ولهذه المقامة أهمية كذلك لما عرضه فيها السرقسطي من وصف لمظاهر حياة البربر الاجتماعية وعاداتهم وأغانيهم وطعامهم وشرابهم (ورقة 198 ب).
أما مسرح المقامة الثانية والعشرين فهو القيروان حيث وجد بطلنا يتجول مشيداً بأمجاد القيروان التاريخية ويندب سوء المعاملة التي عانتها على أيدي العرب والبدو.
ليس وصف المقامات للأندلس فقط هو الذي أضفى عليها قيمة خاصة، بل كذلك وصفها لبلاد المشرق، سواء كانت شبه الجزيرة العربية (نجد، والحجاز، وتهامة، واليمامة) أو العراق والجزيرة وبلاد الفرس (بغداد، وسنجار، وحرّان، والأنبار، والرقة، وواسط، والزّاب، والأهواز، وأصفهان، ومرو، والري) أو مصر وسورية (الاسكندرية، ودمياط، وحلوان، وحلب، وفلسطين) أو الشرق (الهند، والصين، وغزنة). ومن الأمور البارزة بشكل خاص في هذه المقامات هو حب السرقسطي لليمن وتاريخها، كما يُرى من أن أربع مقامات تدور أحداثها في اليمن. وههنا وصف لأعاجيب اليمن: "إنها أرض الكوارث وميدان الحوادث؛ إن روائعها وعجائبها تخدع الخادعين. "وعن شعبها يقول السرقسطي: "بين ظهرانيكم كل أنواع الرجال: الأقوياء والمتواضعون، الأغنياء والفقراء، البله والحكماء، الانفعاليون والمتبلدون. إني بينكم كابن سبيل وأخي قبيلة وعشيرة، بيد أن مصيري فصلني عنهم، واتسعت المسافة بيني وبينهم.
أتيت بأخبار غريبة عني ولسوف أثير الذكي واللا مبالي كليهما". (ورقة 14 آ –ب).
أما مشهد المقامة الخامسة والثلاثين (ورقة 157 ب- 160 ب) فهو في زبيد: "أقمت في زبيد أتاجر بالخيل وبالعبيد، أرفل في ثياب الرخاء، وأستمتع بحلاوة الحياة".
وكانت عدن، بمينائها الناشط الذي يعج بالأنشطة التجارية ويضج بالمسافرين القادمين والراحلين، مكاناً طبيعياً ينجذب إليه بطل السرقسطي؛ وهكذا نجده هناك في المقامة السادسة محفوفاً بجمهرة من المسافرين ممتدحاً روحهم المبدعة وحبهم للحرية داعياً الله أن يمن عليهم بالنجاح ويعيدهم إلى وطنهم سالمين. (ورقة 23 ب). وفي هذه المقامة نجد لأول مرة ذلك الاهتمام بحياة الموانئ والرحلات البحرية الذي يظهر ثانية في المقامة السابعة (ورقة 25 آ –32 آ). وهنا يكون الشيخ قد انتقل إلى ميناء شحر حيث يُرى مُسدياً نصحه للتجار حول السلوك القومي الذي يجب أن يتحلوا به وهم يركبون البحر. إن آفاق هذه المقامة أوسع من آفاق المقامات السابقة، كما يُضمِّن السرقسطي "المقامة العنقاوية" المماثلة والتي تجري أحداثها في الصين، كثيراً من حكايات البحارة.
ويمكننا تقدير أهمية العناصر البحرية هذه إذا ما قرأنا هذه المقامات مقرونة بما يعرضه الرحالة الأندلسيون من وصف للرحلات البحرية وخصوصاً بقصة حي بن يقظان لابن طفيل.
ومن الجدير بالملاحظة أن السرقسطي مشوش بالنسبة لعمان موطن بطله التي يسميها جزءاً من اليمن في المقامة الرابعة والمقامة الثانية عشرة (ورقة 53 ب- 57 ب) التي جرت أحداثها في ظفار البلد التي يهيم بها بطله حباً.
ونجد الشيخ في المقامة الحادية والعشرين (ورقة 93آ – 96 آ) يقيم في البحرين يتحدث في المحتشدين وفي المساجد.
وهناك مقامتان هامتان تصوران معالم الحياة الاجتماعية هما "مقامة الدب" (ورقة 170 ب – 174 آ، والمقامة التاسعة والأربعون (ورقة 208 ب- 213 ب) حيث يكسب الشيخ في الأول معاشه بعروض لدب راقص، وينتحل في الثانية شخصية طبيب.
ويخصص السرقسطي مقامتين من مقاماته للنقد الأدبي، هما المقامة الثلاثون ذات العنوان "الشعراء" والخمسون ذات العنوان "الشعر والنثر". وتشكل هاتان المقامتان إضافة هامة لمصادرنا الشحيحة لتاريخ النقد الأدبي في هذه الفترة، خصوصاً أنهما تحتلان وجهات نظر المحدثين الذين يتزعمهم السرقسطي، كما يساعداننا على تقدير مدى أثر هذه المدرسة في الشعر والنثر عموماً، وأثر أبي العلاء المعري خصوصاً.
ويستعمل السرقسطي في مقاماته صيغة صارمة من السجع (أشد صرامة من سجع المعري) من غير أن يحدث انطباعاً لدى القارئ بالتكلف أو المبالغة.
وباستثناء المقامتين الثانية والثلاثين والأربعين، فإن السرقسطي يتجنب عادة الأسلوب المعقد والمبهم الذي يفضله الحريري، إذ أن اختياره لكلماته وعباراته أقل تكلفاً، وزخرفته البيانية أقل تنميقاً. ويبدو أنّه نخل الأعمال الأدبية واحتفظ لنفسه بالصور البيانية الأكثر جمالاً وسحراً. على أية حال أجدني عاجزاً عن إيفاء هذه المقامات حقها في مقالة موجزة؛ وآمل أن تتاح فرصة أخرى لإلقاء ضوء على المقامة الأندلسية..
الهوامش
(1)احتفظ ابن بسام باثنتين من مقاماته في الذخيرة ص، 154-167، القاهرة، 1939). وقد نشر حسن حسني عبد الوهاب التونسي إحداهما وهي رسائل الانتقاد لابن شرف القيرواني، ثم أدرجها محمد كرد علي في رسائل البُلغاء" (القاهرة، 1913 و 1936). وهناك مقامة تضمنتها الورقات التسع من مخطوطة اسكوريال رقم 536 التي كُتبت عن مشاهير الشعراء في القرن الثامن الهجري بخط مغربي.
(2)انظر إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، عصر الطوائف والمرابطين (ص 303، بيروت 1963) وانظر ابن بسام، الذخيرة، ص 183-195، ص 248، 257- القاهرة 1942).
(3)انظر "رسالة الثعلب" (المؤلف المنوه عنه، 1، ص 325).
(4)انظر "رسالة الثعلب" (المؤلف المنوه عنه، 1، ص 117).
(5)انظر ابن الأبار، "التكملة لكتاب الصلة"، 1، ص 16 (رقم 35) و 2، ص 732 (رقم 2076) (مدريد، 1887-90)، وكذلك الضبي، بغية الملتمس رقم 1446، ص 477 (مدريد، 1884).
(6)انظر الأبار، المؤلف المنوه عنه، ص 213-214 (رقم 727)، وابن خير، فهرست، 1، ص 387 و 451 (سرقسطة، 1893).
(7)انظر مثلاً ابن الأبار، المؤلف المنوه عنه، المادة تحت الأرقام التالية 727، 756، 764، 849، 855، 931، 937، 958، 1423، 1658، 1779، 1874، 1894، والمقري، نفح الطيب، 2، ص 421 (القاهرة، 1949).
(8)شرح المقامات، 1، ص 3- 4 (القاهرة 1300هـ.).
(9) انظر بروكلمان، 3981 –9؛ 629-30.
(10)هذه المخطوطة محفوظة في الاسكوريال (رقم 519). إن المواعيني الذي أقوم بإخراج عمله "ريحان الألباب، هو مؤلف بعض الرسائل غير المنشورة الموجودة في الاسكوريال مخطوطة (ورقة 88 ب، 95 آ). وكان أبو الحسن ابن سراج أول من كتب في هذا الجنس والذي هو نوع من عرض العضلات اللغوي لإظهار مهارة الكاتب في الفكاهة.
وما تزال هذه الرسالة غير منشورة في الجزء الباقي من ذخيرة ابن بسام التي تخص جامعة بغداد والمحفوظة في جامعة القاهرة. وتوجد كذلك في الاسكوريال مخطوطة رقم 488 (ورقة 109 آ- 110 آ). ولقد أحدث أسلوب هذا العمل المجازي والإيمائي انطباعاً كبيراً في الدوائر الأدبية بالأندلس. وهذا أبو القاسم ابن الجد يحاكيه في رسائل ثلاثة ما زالت محفوظة في الذخيرة (ورقة 290 آ- ب). الدكتور إحسان عباس يذكر لقبه أبا الحسين بن سراج في تاريخ الأدب الأندلسي (المترجم).
(11)لم تقع بين أيدينا المخطوطة ولا صورة عنها فنحن نكتفي بترجمة النص (المترجم).
(12) هذه المقامة بالفعل وصف لأهم مدن المغرب ولأربع وثلاثين مدينة من مدن مملكة غرناطة. ولقد نشر النص المتعلق بغرناطة فرنسيسكو سيمونيه في كتابه "وصف مملكة غرناطة" (مدريد، 1860) ونشر النص المتعلق بالمغرب م. ج موللر في كتابه بيتراجي 1، ص 47-99" (ميونيخ، 1866).
(13)نشرها موللر (المؤلف المنوه عنه، ص 15-40) عن مخطوطة ريحانة الكتاب لابن الخطيب (ورقة 220)، على الرغم من إدراكه لوجود نص آخر في (مخطوطة الاسكوريال 470، ورقة 50 آ- 71 ب). وتتخذ هذه المقامة شكل وصف لرحلة استكشاف قام بها سلطان غرناطة أبو الحجاج يوسف مع وزيره ابن الخطيب. ومن المقامات التي تعرض صورة رائعة للأحوال الاقتصادية والاجتماعية في غرناطة، مقامة العيد لأبي محمد عبد الله الأزدي (المتوفى عام 750هـ/ 1350م) لقد نشر هذه المقامة أحمد مختار العبادي في مجلة العهد المصري للدراسات الإسلامية (1954، ص 159-173).
(14)نشر هذه المقامة م. ج موللر (المؤلف المنوه عنه) عن النص الموجود في الاسكوريال مخطوطة رقم 1653. وإن طبعة جديدة لهذه المقامة ربما يساعد على توضيع تطور هذا اللون في هذه المنطقة لأن مخطوطة جديدة قد اكتشفت في المغرب وتحتوي هذه المخطوطة التي قمت بدراستها نصاً أكثر اكتمالاً من النص الذي في مخطوطة الاسكوريال. وتوجد هذه المخطوطة برقم 198، ونسخة أخرى بقم 328 من بين مخطوطات الأوقاف التي في الأرشيف والبيبليوغرافيا العامة بالرباط.
(15) للإطلاع على سيرة المؤلف، انظر ابن الأبار، التكملة، رقم 117 (المعجم، رقم 124)، (بروكلمان، ص 542).
(16)نسخ أخرى: باريس، رقم 3972، 2، رقم 1275، 2. أمبروزيانا تتمة 8455 لاليلي، 1928 و 1933؛ دحداح، 196؛ وانظر بروكلمان، ص 543.
من بريد التراث العربي
السيد رئيس التحرير
بعد التحية..
تصفحت العدد السابع – السنة الثانية من مجلة التراث العربي فوجدت فيها مقالات جيدة يستحق أصحابها الشكر على ما قدموه.
ولقد لفت نظري بيت من الشعر ورد في القسم الثاني من نظم اللآل في الحكم والأمثال صفحة 131 رقم 996 ورد هذا البيت على النحو التالي:
وجدت أقل الناس عقلاً إذا انتشى
أشفهمو عقلاً إذا كان صاحيا
وقد شرح الأستاذ عبد المعين الملوحي معنى البيت على النحو التالي:
"أقل الناس عقلاً إذا سكر
أكثرهم عقلاً إذا صحا".
وأنا أذكر أبياتاً لأبي نواس كنت حفظتها من ديوانه أوردها كما أذكرها:
أرى الخمر تربي في العقول فتنتضي
كوامن أخلاق تثير الدواهيا
تزيد سفيه القوم فضل سفاهة
وتترك أخلاق الكريم كما هيا
وجدت أقل الناس عقلاً إذا انتشى
أقلهمو عقلاً إذا كان صاحيا
ومع مقارنة البيت الأخير بالبيت الذي ورد في المجلة نجد اختلاف المعنى مع تغيير كلمة واحدة فقط وهي أشفهمو بـ أقلهمو. وما أظن أن النواسي –وهو ما هو- يسرق البيت بكامله مع تغيير كلمة واحدة. ولكنني أجد المعنى في بيت النواسي أشرف من المعنى الذي ساقه بيت المجلة.
وربما ضاق الحسن بن هاني بالمعربدين فقال هذه الأبيات والبيت الثالث في القطعة ينسجم مع البيت الأول لأنه يفيد أن الخمر تزيد في العقل كما تزيد في السفه. فهي محرضة وربما كانت الرواية الثانية أسفهمو بالسين المهملة. ولعل أستاذنا القدير عبد المعين الملوحي يوضح هذا الأمر ويرجح إحدى الروايتين.
هذا وعندنا أن الخمر على خلاف الروايتين تغتال العقل وتزيد في السفه.
إنني أحب التراث والشعر القديم وإن كانت مهنتي بعيدة بعض الشيء من الشعر والنقد.
دبي –الإمارات العربية المهندس: نزار السباعي
علم من أعلام التراث يغيب
غاب في مدينة ابن الوليد بتاريخ 7/9/1982 وجه بارز من وجوه العاملين في حقل العلم والأدب المشتغلين في قضايا التراث العربي، هو المربي والأديب الكبير الأستاذ محيي الدين الدرويش الذي كان علماً من أعلام اللغة والأدب لا في مدينة حمص وحدها وإنما في بقية مدن العالم العربي. وقد وافته المنية عن عمر ناهز الرابعة والسبعين وكان حافلاً بالعطاء الأدبي نثراً وشعراً وبالتوجيه التربوي وقد زرع الروح الوطنية والقومية والأدبية في نفوس الناشئة من خلال عمله الدؤوب في التعليم وفي الصحافة. وكان مرجعاً وثقة في شؤون اللغة والتراث وتراجم الأعلام والأغفال في أدبنا العربي مما ترك له مكانة طيبة في نفوس تلامذته ومعارفه وهم كثير.. وكان آخر عطاء علمي له مؤلفه (إعراب القرآن وبيانه) الذي صدر منه حتى الآن تسعة أجزاء، ورحل الفقيد قبل أن يتمه، ولهذا كانت الفاجعة بفقده خسارة كبيرة للغة والأدب والتراث.
ولد الفقيد في العام 1908 من أسرة كسبت لقبها من صوفيتها المغرقة، وتلقى علومه في حمص. وفي العام 1927 تخرج من الصف الخاص الذي أحدث في دمشق لتخريج المعلمين ثم احترف صناعة التعليم وانصرف بحكم موهبته وميله الخاص إلى أمهات الكتب والآثار الأدبية ودواوين الشعراء أمثال المتنبي وأبي تمام والمعري وغيرهم يطالعها ويستظهرها وعكف على التبحر في علوم اللغة والنحو حتى بلغ شأوا عالياً في مجالها.
وقد اختير في العام 1964 ليكون عضواً في "لجنة الشعر" بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كما تولى رئاسة تحرير عدد من الصحف بحمص.
رحم الله الفقيد رحمة واسعة وعوض الأمة واللغة والأدب بفقده خيراً.
نذير الحسامي
أقلام النسر رصاص وملون بامتياز من شركة فابر العالميّة
المحتوى
ملامح لمستوى المعيشة في التاريخ العربي الإسلامي ودراسته في العصر الحاضر د. عبد الكريم اليافي
الاشتقاق صلاح الدين الزعبلاوي
مفاهيم عربية وملامح نضالية في التراث اللغوي والأدبي والحضاري د. عمر موسى باشا
لغة الطير.. من كتاب "رموز العلم المقدس" بقلم: روني غينون - تقديم: فاطمة عصام صبري
التوفيق بين الحكمة والشريعة في نظر ابن رشد د. غسان فنيانس
من التراث الشعبي.. حكاية لقب أسرة دمشقية د. عدنان الخطيب
مشابه في التراث العالمي د. عبد الكريم اليافي
رائد التأليف المعجمي في الأندلس.. أبو علي القالي د. عمر الدقاق
اللسان العربي المبين د. جعفر دك الباب
أبو الفتح علي بن محمد البستي درية الخطيب ولطفي الصقال
بحثاً عن رؤية كونية في شعر أبي تمام د. فهد عكام
المخطوطات العربية بين يدي التحقيق د. محمد ألتونجي
توضيح المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي مطاع الطرابيشي
من العبر في تاريخنا –وقفة لصلاح الدين الأيوبي أمام عكا نذير الحسام
الشعر الحديث والتراث فاطمة عصام صبري
وبدخول الأندلس عهد ملوك الطوائف كانت مقامات الهمذاني ورسائله قد انتشرت انتشاراً واسعاً حتى غدا الكثير من الأدباء يؤلفون في هذا الصنف من الأدب.
وفي مقدمة هؤلاء ابن شرف القيرواني الذي كتب مقامات تحدى بها البديع في حماه، كما قال ابن بسام(1). وابن بسام هذا أورد مقتطفات لكاتبين من كتاب المقامات...
وأبو محمد بن مالك القرطبي اللذان كانا يقيمان في المرية في عهد المعتصم ابن صمادح (443-483هـ/ 1051-1091م)(2).
وما دمنا بصدد الكلام عن أثر الهمذاني وأسلوبه في الأندلس، يمكننا القول إن أثر مقاماته كان محصوراً في دائرة ضيقة إذا ما قورن بأثر رسائله التي لاقت ترحيباً حاراً من ابن شُهيد الذي استخدمها نموذجاً لنثره الذي انغمس فيه بوصف مفصل لأشياء كثيرة كالماء والبراغيث والثعالب والحلويات(3) كما لاقت ترحيباً من أبي المغيرة ابن حزم الذي ألف رسالة يحاكي بها إحدى رسائل البديع(4).
ظهرت مقامات الحريري في مطلع عهد المرابطين وسرعان ما تداولها الناس على نطاق واسع. ويخبرنا ابن الأبار أن العديد من الأندلسيين سمعوا الحريري يبسط مقاماته في حديقته ببغداد، ثم عادوا إلى الأندلس لينشروا ما سمعوا(5). وبعد موت الحريري تابع تلاميذه بدورهم بسط المقامات باعتبارهم معتمدين من قبل أسيادهم(6).
درس الأندلسيون المقامات أيام المرابطين والموحدين على أيدي هؤلاء وتلامذتهم(7).
ولم يكتف الأندلسيون بدراسة المقامات ونقلها، بل أنشؤوا تعليقات عليها أشهرها تعليق الشريشي الذي قرأ التعليقات السابقة كلها، وعندما عثر على تعليق الفنجديهي نقح كل شيء كتبه من قبل(8).
وما يعنينا في هذه المقالة هو المقامة كما كتبها الأندلسيون، وخصوصاً تلك المقامات التي بقيت مخطوطات لمّا تنشرْ.
وكان أول من كتب في هذا اللون الأدبي من الأندلسيين "ذو الوزارتين" أبو عبد الله محمد بن مسعود بن أبي الخصال (465-540 هـ/ 1073-1146م)(9) وعلى الرغم من تأثره بالحريري، كانت مقاماته تتصف بخصائص متميزة، سواء في الشكل أو في الأسلوب. ومن الأمثلة على ذلك مقامة نجدها في مجموعة رسائله المحفوظة في مكتبة الاسكوريال مخطوطة رقم 519 يحاكي فيها الحريري محاكاة تامة حتى إنه سمى أبطال مقامته هذه بأسماء بطلي الحريري، أي "الحارث بن همام وأبو زيد السروجي"(10).
كان المشهد في الريف، حيث يصف ابن أبي الخصال ممثلاً شخص الحريري فرحة الريفيين بشؤبوب المطر الغزير عندما فاضت الأنهار وانتعشت الخضار. وفيما هو يتجول في الريف يلتقي حشداً من الناس تجمعوا حول بيت حيث كان يخاطبهم شيخ ببلاغة فائقة.
فجمع له الناس مالاً وفيراً، ورجاه الحارث أن يبيت عنده في بيته قاصداً سرقته. ولكن غايته أحبطت، إذ تظاهر الشيخ بالنوم، وعندما استيقظ الحارث لم يجد الشيخ. لقد انسل الشيخ من فراشه تاركاً قصاصة من الورق كتب عليها ثلاث قصائد. الأولى من عشرة أبيات والثانية من أربعة عشر بيتاً يبسط فيها الشيخ ما أصاب من الحب وما عاناه منه. أما الثالثة فمن تسعة عشر بيتاً يشكر فيها الريفيين على اللطف الذي غمروه فيه.
ثم يكتشف الحارث بن همام أن العجوز لم ينصرف عنه إلا ليذهب إلى الحانة حيث أنفق ماله كله، ثم أودع السجن بسبب الديون التي ترتبت عليه لصاحب الحانة. وهنا يقدم ابن أبي الخصال وصفاً دقيقاً مفصلاً ورائعاً للحانة وزبائنها والعاملين فيها.
وجاء هذا الوصف على لسان الحارث بن همام عندما قدم الحانة وجال فيها بحثاً عن العجوز، وأخيراً قضى وقتاً ليس قصيراً يحاول إقناع صاحب الحانة أن يتيح له رؤية ذلك العجوز. ثم يقول الحارث: "وعلى غُرّة فاجأناه".
ثم يجري حديث مطول بين الرجلين، يطلب بعده الحارث من العجوز أن يخلد له اسمه بالشعر، فيضطر العجوز أن يقول فيه قصيدة من ثمانية عشر بيتاً.
إننا نجد من هذا العرض الموجز أن هذه المقامة تختلف عن مقامات الحريري من حيث الشكل، فهي أطول ومن حيث مادتها أيضاً؛ إذ هي لا تعالج حكاية واحدة خاصة فحسب، بل تحكي سلسلة من الأحداث يرتبط بعضُها ببعض من خلال شخصية البطل، العجوز.
وهي أشبه بعدة مقامات منفصلة تتضمن سلسلة من المعالم، كصورة الريف والفلاحين، وبيوتهم، وصورة الجمهور وكرمه، وصورة الحانة واللقاء الأخير بين الشيخ والحارث.
ومن الواضح أن غاية ابن أبي الخصال كانت إظهار براعته الفنية الفائقة في التصوير الكلامي بجمعه مقامات عديدة في مقامة واحدة. ومن الجدير بالذكر أن ابن أبي الخصال قد قام بمحاولة أخرى في ميدان الكتابة بأسلوب المقامات، وإن لم يكن مديناً للحريري فيها بالقدر الذي كان في المقامة السابقة. وأشير بذلك إلى عمله الرائد في ذلك النمط من الرسائل الأدبية التي كتبها الأندلسيون عن طائر الزرزور. وكانت المقالات من هذا النوع تتسم بأسلوب المواعظ في أنها تُفتتح بالصلوات والأدعية والبركات، ثم تنتقل إلى وصف الزرزور وتعداد مآثره.
ثم يقول الزرزور قصيدة في موضوع الكرم واللطف مزكياً التصميم على ممارستها.
وكان ابن أبي الخصال يستخدم الزرزور ناطقاً باسمه ينبئ عن طريقة مستمعيه عن توبته ليكسب عطفهم ومالهم. والواقع أنه كان يقوم بدور بطل المقامة الذي يمزج الشعر بالنثر ليعرض خبرته وتفوقه في كلا النوعين. ولقد قام ابن أبي الخصال بمحاولتين في هذا اللون من الأدب، الأولى موجودة في "ورقة 2 آ- 4 ب" من الاسكوريال المذكورة في أعلاه. ويتضمن هذا العمل قصيدتين الأولى من ستة أبيات والثانية من سبعة عشر. أما محاولته الثانية فهي موجودة يف "ورقة 68 آ – 71آ" وتتضمن أربع قصائد، الأولى من ثلاثة عشرة بيتاً، والثانية من عشرة، والثالثة من أربعة عشر بيتاً، والرابعة من تسعة عشر.
المقامة القرطبية:
إن هذه المقامة، التي عرفت بهذا الاسم عند الأندلسيين الذين عزوها إلى الفتح بن خاقان، تُشتهر بالفيلسوف العلاّمة والأديب ابن السيد البطليوسي وتقذف به. إلا أننا لا نستطيع الجزم بنسبة هذه المقامة إلى ابن خاقان الذي عرف عنه أنه كتب سيرة مرموقة في مدح ابن السيد. ويوجد نص هذه المقامة القرطبية في الاسكوريال (مخطوطة) 488 (ورقة 80ب-83ب). وتتخذ حبكتها شكل رحلة قام بها البطل علي بن هشام من أرض الشام إلى الأندلس ليكتشف الوضع الأدبي فيها. وتبدأ المقامة بالكلمات التالية:
"قال علي بن هشام: انطلقت من بلاد الشام إلى الأندلس لأجوب أقاليمها وأدرس البلدان وألتقي الأدباء والفقهاء وأتجنب أهل الخيال والريب".(11) (ورقة 80 ب). ثم ينتقل إلى وصف رحلته ونزوله في بلنسية، ويصف الأرض وأهلها وصفاً مفصلاً (ورقة 81آ).
ثم يأتي إلى صلب موضوع رحلته وهو السؤال عن البطليوسي ليتمكن من مهاجمته وشتمه، والتقى أثناء استفساراته عن البطليوسي "بفتى له لألاء ورواء، عمامته بين الرجال لواء، فرعه أفرع وجيده أتلع، وأنفه ممطول وخلقه مجدول..." ومع الفتى رفيق له يدعى ابن الطويل وآخر هو يوسف بن خليل وقعد إليهما فتناشدوا الأشعار. ثم سألهما ابن هشام عن البطليوسي فانبرى أحدهما للقذف بحقه والتشهير به، وانضم إليه الآخر واصفين أفعال البطليوسي الشريرة وكاشفين جهله بالعلم والأدب "يأتي المناكر في كل ناد ويهيم في العمه في كل واد لا يرجى له إرعواء ولا يأسو جرحه دواء" (ورقة 83 ب).
وتعرف لنا المقامة صورة مفصلة لحياة البطليوسي وخصوصاً حياته في بلنسية التي لجأ إليها بعد أن ورط نفسه عاطفياً مع ثلاثة شباب هم أبناء مواطنين قرطبيين متنفذين؛ كما ترسم لنا صورة مقنعة لجانب الحياة المظلم في ذلك الزمن، وهو الجانب الذي مر ذكره في مصادر أندلسية أخرى مروراً متعجلاً. لقد أثارت هذه المقامة فتنة كبيرة في الحياة الأدبية بالأندلس بسبب المركز المرموق الذي كان يحتله البطليوسي. ومن الواضح أن كثيراً من أدباء الأندلس قد استاؤوا استياء عميقاً وهبوا للرد على كاتب هذه المقامة. وكان أول من انتصر للبطليوسي الوزير العلامة أبو جعفر بن أحمد الذي كتب رسالة عنوانها "الانتصار في الرد على صاحب المقامة القرطبية. "وتوجد هذه الرسالة في الاسكوريال المخطوطة المذكورة أعلاه (ورقة 104-105ب). وجهد الكاتب نفسه في الدفاع عن البطليوسي ضد التهم التي ألصقت به: ويرى أن على (صاحب المقامة القرطبية أن يتبين مثالبه قبل أن يبين مثالب غيره..." (ورقة 104 ب).
وتتضمن مخطوطة الاسكوريال ذاتها (ورقة 116 ب –117 ب) رداً آخر على هذه المقامة هو رد أبي الحسن المرسي الذي كتب مقامة تعد مثالاً رائعاً للنثر الطنان والمفعم بالبلاغة والبيان. ويعد هذا العمل أقرب في شكله إلى الرسالة الأدبية منه إلى المقامة لافتقاره لأكثر معالم المقامة وضوحاً: تعقيدات الأسلوب والبطلين المألوفين.
لقد هيأ هذا العمل وغيره مما كتب في الوقت ذاته الركن الأكبر الذي كان على المقامة أن تحتله في ميدان الأدب الأندلسي. ونتيجة لذلك يمكن القول أن المقامة الأندلسية الجديدة، مع كونها تنتمي فعلاً إلى هذا اللون الأدبي، تتسم بصفات مشتركة مع فن الرسالة، مما أدى إلى استعمالها لخدمة أغراض أدبية عديدة متنوعة. وهكذا استخدمه الأندلسيون في المدح والرثاء والذم والغزل ووصف المدن.
وتعد مقامات عديدة من هذا النمط الجديد مصادر هامة لجغرافية الأندلس وشمالي أفريقية. وخير أمثلة على هذا النمط ما جاء في مقامات لسان الدين بن الخطيب العديدة والتي عرفت بـ "معيار الاختبار في أحوال المعابد والديار"(12).
كما استخدم الأندلسيون المقامة وسيطاً لوصف الإدارة العامة والعدالة، ومثال ذلك مقالة كتبها ابن الخطيب ذاته، عنوانها "خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف"(13).
واستخدمت المقامة كذلك لأغراض تعليمية وتربوية كما هو حال المقامة النخيلة(14) للقاضي أبي الحسن النباهي المالقي(15) (المتوفى في نهاية القرن الثامن الهجري) وقد استخدم المقامة وسيلة لتعليم الأدب والقواعد ليوفر على التلاميذ مشقة الرجوع إلى مؤلفات أكبر في هذه المواضيع.
- المقامات اللزومية:
ربما كانت المقامات اللزومية من أهم ما أنتج في الأندلس في ميدان هذا اللون الأدبي. ولقد حُفظت في مخطوطات عديدة قيمة أقدمها وأكثرها موثوقية، على ما يبدو، هي مخطوطة الفاتيكان (عربي 372)(16).
وقدم لنص هذه المخطوطة بما يلي: "ألف هذه المقامات الخمسين أبو طاهر محمد بن يوسف التميمي السرقسطي (المتوفى عام 538هـ.) في قرطبة إحدى مدن الأندلس (نتيجة لقراءة مؤلفات أبي محمد الحريري البصروي الأكبر) وأدت إلى إتعاب ذهن المؤلف واستلاب النوم من عينيه. إن مواظبته على إنشاء النثر والشعر لهذه المقامات لا تضاهى فوصل بها إلى ذروة الإتقان والكمال".
(ورقة 4 آ). أما التعليق الختامي فكان كالآتي: "لقد أنجزت المقامات اللزومية للتميمي يوم الأربعاء الرابع من شهر رجب من عام 650هـ. نسخها صالح بن محمود بن فايق" (ورقة 222 ب).
ومن الملاحظ أن المؤلف لم يعط كل مقامة عنواناً متميزاً كما فعل بديع الزمان والحريري. إذ كان بعضها يسمى باسم نوع السجع الذي يغلب عليها، وهكذا سميت المقامة السادسة عشرة (ورقة 72 آ- 76 آ) بالمقامة المثلثة، والسابعة عشرة (ورقة 76-81آ) بالمرصعة، والثامنة عشرة (ورقة 81 آ- 85آ) بالمدّبجة.
أما المقامات الأُخر التي لها عناوين فهي:
7 (ورقة 25 آ- 32 آ) "البحرية"؛
26 (ورقة 105 آ – 114 آ) "النجومية"؛
28 (ورقة 120 ب – 124 ب) "الحمقاء"،
30 (ورقة 128 آ- 140 آ) "مقامة الشعراء"؛
41 (ورقة 170 ب- 174 آ) "مقامة الدُّب"
42 (ورقة 174 آ- 178 ب) "الفرسية"؛
43 (ورقة 178 ب – 182 ب) "الحمامية"؛
44 (ورقة 182 ب – 191 آ) "العنقاوية"؛
45 (ورقة 191 آ – 195 ب) "الأسدية".
أما بالنسبة للمقامات ذات الأرقام 32-40 (ورقة 145 آ – 170 آ) فقد استخدم السرقسطي نمطاً خاصاً من السجع، ورتب المقامات حسب النظام الأبجدي، ولهذا السبب نراها تحمل أسماء حسب حرف القافية فيها، مثل " الهمزية" و " البائية" و " الجيمية" و "الداليَّة" و "النونية"... الخ.
ويدعى بطلا هذه المقامات: السائب بن تمام (ويعرف كذلك باسم أبي الغمر) وأبا حبيب، وهو عجوز ماكر من عُمان.
وبالإضافة إلى هذين البطلين هناك الراوي واسمه المنذر بن هُمام، وولدا العجوز وهما غريب وحبيب اللذان يظهران من حين إلى حين. وتدور أحداث المقامات كلها ما خلا المقامتين الثلاثين والخمسين حول أعمال الاحتيال المتنوعة التي يقوم بها العجوز، وحول مهارته في الوعظ في موضوع الموت والحياة الآخرة عادة. ويرسم لنا السرقسطي دائماً صورة يخفي فيها حقيقة شخصية شيخه الفصيح هذا الذي يظهر في بيئات متجددة باستمرار، إذ يظهر أحياناً في هيئة شائنة وأخرى في هيئة محترمة. ثم ينطلق في بيان مكره وبراعته في تنويع استراتيجيته لتلائم الحاجة التي تلوح له. ولنضرب مثلاً على احتياله لا بد من ذكر الفصل الذي يقدم فيه ابنته للبيع كأمة، وعندما يتم البيع ويقبض ثمنها يرفض الحاكم الاعتراف بصحة البيع لامرأة حرة. وفي مناسبة أخرى يغري أبو حبيب السائب الذي التقاه في الطريق بالتظاهر بحب ابنته حباً جنونياً ولكنه غير قادر على الزواج منها لافتقاره إلى المال.
فيقوم السائب بدوره خير قيام حتى إنه جمع مالاً ممن رأوا حاله ورأفوا به، ولكن ما أن حصل أبو حبيب على المال حتى اختفى بالمال مخلفاً السائب وراءه. ولا يضع السرقسطي حداً لتجوال بطله، بل يتيح له أن يتجول بحرية يتسول حيثما يذهب، ولا يكاد يدخل أرضاً حتى يرتحل عنها إلى بلد آخر يحتال دائماً على الأبرياء، ليس ممن يلتقيهم في طريقه، بل من القضاة والحكام، ثم ينكشف أمره على يد السائب بن تمام فيهرب ولكن ليس قبل أن يترك وراءه مقامة فيها حياته واحتيالاته.
وينقل السرقسطي بطله في رحلاته من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً. وليس للمقامات نسق جغرافي في ترتيبها؛ فمثلاً في المقامة العشرين يكون أبو حبيب في مصر، وفي المقامة الحادية والعشرين ينتقل إلى البحرين، وفي المقامة الثانية والعشرين يكون في القيروان، وفي المقامة السادسة والأربعين يكون في طنجة ومن هناك ينتقل في المقامة السابعة والأربعين إلى الهند.
وفي المقامة الثامنة والأربعين (ورقة 203 ب – 208 ب) يكون البطل في الأندلس موطن السرقسطي. ويحكي لنا الراوي كيف جاء ذات مرة وهو يتجول في البلاد إلى بقعة جميلة جمالاً فاتناً، هي جزيرة الطريف (وتسمى اليوم التِرفة)، حيث وجد جماعة من الناس يتحلقون على شكل خاتم منقوش، حجر النقش فيه شيخ يحكي أساطير تاريخية وحكايات عن ملوك العرب وإنجازاتهم متلاعباً بمشاعر مستمعيه وهو يسرد عليهم الحكايات تلاعباً بارعاً بالإشارة إلى جزيرة الطريف مراراً وتكراراً وباختراع الحكايات التي يمكن أن تقرن الجزيرة بفتح الأندلس.
وكان أثره على سامعيه كبيراً جداً مما جعلهم كالفراش المتهافت على اللهب، ويتبارون في صب المال عليه كالمطر حتى امتلأت يداه، فأطال إقامته، وأقام في بحبوحة ليلة ونهاراً.
وفي المقامة السادسة والأربعين (ورقة 195 ب- 199 ب)، يزور الشيخ هذا طنجة في شمالي إفريقية. ولهذه المقامة أهمية خاصة لكونها أحد المصادر الأدبية التي توثق عداء الطبقة الأندلسية المثقفة للبربر ولنضالهم من أجل توكيد استقلالهم. فلقد أفسد وصف السرقسطي لأهل طنجة بولائه لشعبه. وهذه هي كلمات راويته: "وجدت نفسي بين أناس كالنعام أو البقر، بين شعب كالأفاعي أو الضباع لم أستطع فهم كلامهم ولا يتفق تفكيرهم مع أي تفكير. شعرت وكأني وقعت بين حيوانات مفترسة أو كراع بين حيوانات لا تُقاد ولا تستقر، ولا تُربط ولا تصبر. كنت أسمع عن الأندلس وعن ثقافتها ومهرجاناتها وغناها حتى إن صدري التهب شوقاً إليها وغدوت مستعداً للتضحية بأثمن ما أملك من أجلها". (ورقة 195 ب –196 آ).
ولهذه المقامة أهمية كذلك لما عرضه فيها السرقسطي من وصف لمظاهر حياة البربر الاجتماعية وعاداتهم وأغانيهم وطعامهم وشرابهم (ورقة 198 ب).
أما مسرح المقامة الثانية والعشرين فهو القيروان حيث وجد بطلنا يتجول مشيداً بأمجاد القيروان التاريخية ويندب سوء المعاملة التي عانتها على أيدي العرب والبدو.
ليس وصف المقامات للأندلس فقط هو الذي أضفى عليها قيمة خاصة، بل كذلك وصفها لبلاد المشرق، سواء كانت شبه الجزيرة العربية (نجد، والحجاز، وتهامة، واليمامة) أو العراق والجزيرة وبلاد الفرس (بغداد، وسنجار، وحرّان، والأنبار، والرقة، وواسط، والزّاب، والأهواز، وأصفهان، ومرو، والري) أو مصر وسورية (الاسكندرية، ودمياط، وحلوان، وحلب، وفلسطين) أو الشرق (الهند، والصين، وغزنة). ومن الأمور البارزة بشكل خاص في هذه المقامات هو حب السرقسطي لليمن وتاريخها، كما يُرى من أن أربع مقامات تدور أحداثها في اليمن. وههنا وصف لأعاجيب اليمن: "إنها أرض الكوارث وميدان الحوادث؛ إن روائعها وعجائبها تخدع الخادعين. "وعن شعبها يقول السرقسطي: "بين ظهرانيكم كل أنواع الرجال: الأقوياء والمتواضعون، الأغنياء والفقراء، البله والحكماء، الانفعاليون والمتبلدون. إني بينكم كابن سبيل وأخي قبيلة وعشيرة، بيد أن مصيري فصلني عنهم، واتسعت المسافة بيني وبينهم.
أتيت بأخبار غريبة عني ولسوف أثير الذكي واللا مبالي كليهما". (ورقة 14 آ –ب).
أما مشهد المقامة الخامسة والثلاثين (ورقة 157 ب- 160 ب) فهو في زبيد: "أقمت في زبيد أتاجر بالخيل وبالعبيد، أرفل في ثياب الرخاء، وأستمتع بحلاوة الحياة".
وكانت عدن، بمينائها الناشط الذي يعج بالأنشطة التجارية ويضج بالمسافرين القادمين والراحلين، مكاناً طبيعياً ينجذب إليه بطل السرقسطي؛ وهكذا نجده هناك في المقامة السادسة محفوفاً بجمهرة من المسافرين ممتدحاً روحهم المبدعة وحبهم للحرية داعياً الله أن يمن عليهم بالنجاح ويعيدهم إلى وطنهم سالمين. (ورقة 23 ب). وفي هذه المقامة نجد لأول مرة ذلك الاهتمام بحياة الموانئ والرحلات البحرية الذي يظهر ثانية في المقامة السابعة (ورقة 25 آ –32 آ). وهنا يكون الشيخ قد انتقل إلى ميناء شحر حيث يُرى مُسدياً نصحه للتجار حول السلوك القومي الذي يجب أن يتحلوا به وهم يركبون البحر. إن آفاق هذه المقامة أوسع من آفاق المقامات السابقة، كما يُضمِّن السرقسطي "المقامة العنقاوية" المماثلة والتي تجري أحداثها في الصين، كثيراً من حكايات البحارة.
ويمكننا تقدير أهمية العناصر البحرية هذه إذا ما قرأنا هذه المقامات مقرونة بما يعرضه الرحالة الأندلسيون من وصف للرحلات البحرية وخصوصاً بقصة حي بن يقظان لابن طفيل.
ومن الجدير بالملاحظة أن السرقسطي مشوش بالنسبة لعمان موطن بطله التي يسميها جزءاً من اليمن في المقامة الرابعة والمقامة الثانية عشرة (ورقة 53 ب- 57 ب) التي جرت أحداثها في ظفار البلد التي يهيم بها بطله حباً.
ونجد الشيخ في المقامة الحادية والعشرين (ورقة 93آ – 96 آ) يقيم في البحرين يتحدث في المحتشدين وفي المساجد.
وهناك مقامتان هامتان تصوران معالم الحياة الاجتماعية هما "مقامة الدب" (ورقة 170 ب – 174 آ، والمقامة التاسعة والأربعون (ورقة 208 ب- 213 ب) حيث يكسب الشيخ في الأول معاشه بعروض لدب راقص، وينتحل في الثانية شخصية طبيب.
ويخصص السرقسطي مقامتين من مقاماته للنقد الأدبي، هما المقامة الثلاثون ذات العنوان "الشعراء" والخمسون ذات العنوان "الشعر والنثر". وتشكل هاتان المقامتان إضافة هامة لمصادرنا الشحيحة لتاريخ النقد الأدبي في هذه الفترة، خصوصاً أنهما تحتلان وجهات نظر المحدثين الذين يتزعمهم السرقسطي، كما يساعداننا على تقدير مدى أثر هذه المدرسة في الشعر والنثر عموماً، وأثر أبي العلاء المعري خصوصاً.
ويستعمل السرقسطي في مقاماته صيغة صارمة من السجع (أشد صرامة من سجع المعري) من غير أن يحدث انطباعاً لدى القارئ بالتكلف أو المبالغة.
وباستثناء المقامتين الثانية والثلاثين والأربعين، فإن السرقسطي يتجنب عادة الأسلوب المعقد والمبهم الذي يفضله الحريري، إذ أن اختياره لكلماته وعباراته أقل تكلفاً، وزخرفته البيانية أقل تنميقاً. ويبدو أنّه نخل الأعمال الأدبية واحتفظ لنفسه بالصور البيانية الأكثر جمالاً وسحراً. على أية حال أجدني عاجزاً عن إيفاء هذه المقامات حقها في مقالة موجزة؛ وآمل أن تتاح فرصة أخرى لإلقاء ضوء على المقامة الأندلسية..
الهوامش
(1)احتفظ ابن بسام باثنتين من مقاماته في الذخيرة ص، 154-167، القاهرة، 1939). وقد نشر حسن حسني عبد الوهاب التونسي إحداهما وهي رسائل الانتقاد لابن شرف القيرواني، ثم أدرجها محمد كرد علي في رسائل البُلغاء" (القاهرة، 1913 و 1936). وهناك مقامة تضمنتها الورقات التسع من مخطوطة اسكوريال رقم 536 التي كُتبت عن مشاهير الشعراء في القرن الثامن الهجري بخط مغربي.
(2)انظر إحسان عباس، تاريخ الأدب الأندلسي، عصر الطوائف والمرابطين (ص 303، بيروت 1963) وانظر ابن بسام، الذخيرة، ص 183-195، ص 248، 257- القاهرة 1942).
(3)انظر "رسالة الثعلب" (المؤلف المنوه عنه، 1، ص 325).
(4)انظر "رسالة الثعلب" (المؤلف المنوه عنه، 1، ص 117).
(5)انظر ابن الأبار، "التكملة لكتاب الصلة"، 1، ص 16 (رقم 35) و 2، ص 732 (رقم 2076) (مدريد، 1887-90)، وكذلك الضبي، بغية الملتمس رقم 1446، ص 477 (مدريد، 1884).
(6)انظر الأبار، المؤلف المنوه عنه، ص 213-214 (رقم 727)، وابن خير، فهرست، 1، ص 387 و 451 (سرقسطة، 1893).
(7)انظر مثلاً ابن الأبار، المؤلف المنوه عنه، المادة تحت الأرقام التالية 727، 756، 764، 849، 855، 931، 937، 958، 1423، 1658، 1779، 1874، 1894، والمقري، نفح الطيب، 2، ص 421 (القاهرة، 1949).
(8)شرح المقامات، 1، ص 3- 4 (القاهرة 1300هـ.).
(9) انظر بروكلمان، 3981 –9؛ 629-30.
(10)هذه المخطوطة محفوظة في الاسكوريال (رقم 519). إن المواعيني الذي أقوم بإخراج عمله "ريحان الألباب، هو مؤلف بعض الرسائل غير المنشورة الموجودة في الاسكوريال مخطوطة (ورقة 88 ب، 95 آ). وكان أبو الحسن ابن سراج أول من كتب في هذا الجنس والذي هو نوع من عرض العضلات اللغوي لإظهار مهارة الكاتب في الفكاهة.
وما تزال هذه الرسالة غير منشورة في الجزء الباقي من ذخيرة ابن بسام التي تخص جامعة بغداد والمحفوظة في جامعة القاهرة. وتوجد كذلك في الاسكوريال مخطوطة رقم 488 (ورقة 109 آ- 110 آ). ولقد أحدث أسلوب هذا العمل المجازي والإيمائي انطباعاً كبيراً في الدوائر الأدبية بالأندلس. وهذا أبو القاسم ابن الجد يحاكيه في رسائل ثلاثة ما زالت محفوظة في الذخيرة (ورقة 290 آ- ب). الدكتور إحسان عباس يذكر لقبه أبا الحسين بن سراج في تاريخ الأدب الأندلسي (المترجم).
(11)لم تقع بين أيدينا المخطوطة ولا صورة عنها فنحن نكتفي بترجمة النص (المترجم).
(12) هذه المقامة بالفعل وصف لأهم مدن المغرب ولأربع وثلاثين مدينة من مدن مملكة غرناطة. ولقد نشر النص المتعلق بغرناطة فرنسيسكو سيمونيه في كتابه "وصف مملكة غرناطة" (مدريد، 1860) ونشر النص المتعلق بالمغرب م. ج موللر في كتابه بيتراجي 1، ص 47-99" (ميونيخ، 1866).
(13)نشرها موللر (المؤلف المنوه عنه، ص 15-40) عن مخطوطة ريحانة الكتاب لابن الخطيب (ورقة 220)، على الرغم من إدراكه لوجود نص آخر في (مخطوطة الاسكوريال 470، ورقة 50 آ- 71 ب). وتتخذ هذه المقامة شكل وصف لرحلة استكشاف قام بها سلطان غرناطة أبو الحجاج يوسف مع وزيره ابن الخطيب. ومن المقامات التي تعرض صورة رائعة للأحوال الاقتصادية والاجتماعية في غرناطة، مقامة العيد لأبي محمد عبد الله الأزدي (المتوفى عام 750هـ/ 1350م) لقد نشر هذه المقامة أحمد مختار العبادي في مجلة العهد المصري للدراسات الإسلامية (1954، ص 159-173).
(14)نشر هذه المقامة م. ج موللر (المؤلف المنوه عنه) عن النص الموجود في الاسكوريال مخطوطة رقم 1653. وإن طبعة جديدة لهذه المقامة ربما يساعد على توضيع تطور هذا اللون في هذه المنطقة لأن مخطوطة جديدة قد اكتشفت في المغرب وتحتوي هذه المخطوطة التي قمت بدراستها نصاً أكثر اكتمالاً من النص الذي في مخطوطة الاسكوريال. وتوجد هذه المخطوطة برقم 198، ونسخة أخرى بقم 328 من بين مخطوطات الأوقاف التي في الأرشيف والبيبليوغرافيا العامة بالرباط.
(15) للإطلاع على سيرة المؤلف، انظر ابن الأبار، التكملة، رقم 117 (المعجم، رقم 124)، (بروكلمان، ص 542).
(16)نسخ أخرى: باريس، رقم 3972، 2، رقم 1275، 2. أمبروزيانا تتمة 8455 لاليلي، 1928 و 1933؛ دحداح، 196؛ وانظر بروكلمان، ص 543.
من بريد التراث العربي
السيد رئيس التحرير
بعد التحية..
تصفحت العدد السابع – السنة الثانية من مجلة التراث العربي فوجدت فيها مقالات جيدة يستحق أصحابها الشكر على ما قدموه.
ولقد لفت نظري بيت من الشعر ورد في القسم الثاني من نظم اللآل في الحكم والأمثال صفحة 131 رقم 996 ورد هذا البيت على النحو التالي:
وجدت أقل الناس عقلاً إذا انتشى
أشفهمو عقلاً إذا كان صاحيا
وقد شرح الأستاذ عبد المعين الملوحي معنى البيت على النحو التالي:
"أقل الناس عقلاً إذا سكر
أكثرهم عقلاً إذا صحا".
وأنا أذكر أبياتاً لأبي نواس كنت حفظتها من ديوانه أوردها كما أذكرها:
أرى الخمر تربي في العقول فتنتضي
كوامن أخلاق تثير الدواهيا
تزيد سفيه القوم فضل سفاهة
وتترك أخلاق الكريم كما هيا
وجدت أقل الناس عقلاً إذا انتشى
أقلهمو عقلاً إذا كان صاحيا
ومع مقارنة البيت الأخير بالبيت الذي ورد في المجلة نجد اختلاف المعنى مع تغيير كلمة واحدة فقط وهي أشفهمو بـ أقلهمو. وما أظن أن النواسي –وهو ما هو- يسرق البيت بكامله مع تغيير كلمة واحدة. ولكنني أجد المعنى في بيت النواسي أشرف من المعنى الذي ساقه بيت المجلة.
وربما ضاق الحسن بن هاني بالمعربدين فقال هذه الأبيات والبيت الثالث في القطعة ينسجم مع البيت الأول لأنه يفيد أن الخمر تزيد في العقل كما تزيد في السفه. فهي محرضة وربما كانت الرواية الثانية أسفهمو بالسين المهملة. ولعل أستاذنا القدير عبد المعين الملوحي يوضح هذا الأمر ويرجح إحدى الروايتين.
هذا وعندنا أن الخمر على خلاف الروايتين تغتال العقل وتزيد في السفه.
إنني أحب التراث والشعر القديم وإن كانت مهنتي بعيدة بعض الشيء من الشعر والنقد.
دبي –الإمارات العربية المهندس: نزار السباعي
علم من أعلام التراث يغيب
غاب في مدينة ابن الوليد بتاريخ 7/9/1982 وجه بارز من وجوه العاملين في حقل العلم والأدب المشتغلين في قضايا التراث العربي، هو المربي والأديب الكبير الأستاذ محيي الدين الدرويش الذي كان علماً من أعلام اللغة والأدب لا في مدينة حمص وحدها وإنما في بقية مدن العالم العربي. وقد وافته المنية عن عمر ناهز الرابعة والسبعين وكان حافلاً بالعطاء الأدبي نثراً وشعراً وبالتوجيه التربوي وقد زرع الروح الوطنية والقومية والأدبية في نفوس الناشئة من خلال عمله الدؤوب في التعليم وفي الصحافة. وكان مرجعاً وثقة في شؤون اللغة والتراث وتراجم الأعلام والأغفال في أدبنا العربي مما ترك له مكانة طيبة في نفوس تلامذته ومعارفه وهم كثير.. وكان آخر عطاء علمي له مؤلفه (إعراب القرآن وبيانه) الذي صدر منه حتى الآن تسعة أجزاء، ورحل الفقيد قبل أن يتمه، ولهذا كانت الفاجعة بفقده خسارة كبيرة للغة والأدب والتراث.
ولد الفقيد في العام 1908 من أسرة كسبت لقبها من صوفيتها المغرقة، وتلقى علومه في حمص. وفي العام 1927 تخرج من الصف الخاص الذي أحدث في دمشق لتخريج المعلمين ثم احترف صناعة التعليم وانصرف بحكم موهبته وميله الخاص إلى أمهات الكتب والآثار الأدبية ودواوين الشعراء أمثال المتنبي وأبي تمام والمعري وغيرهم يطالعها ويستظهرها وعكف على التبحر في علوم اللغة والنحو حتى بلغ شأوا عالياً في مجالها.
وقد اختير في العام 1964 ليكون عضواً في "لجنة الشعر" بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كما تولى رئاسة تحرير عدد من الصحف بحمص.
رحم الله الفقيد رحمة واسعة وعوض الأمة واللغة والأدب بفقده خيراً.
نذير الحسامي
أقلام النسر رصاص وملون بامتياز من شركة فابر العالميّة
المحتوى
ملامح لمستوى المعيشة في التاريخ العربي الإسلامي ودراسته في العصر الحاضر د. عبد الكريم اليافي
الاشتقاق صلاح الدين الزعبلاوي
مفاهيم عربية وملامح نضالية في التراث اللغوي والأدبي والحضاري د. عمر موسى باشا
لغة الطير.. من كتاب "رموز العلم المقدس" بقلم: روني غينون - تقديم: فاطمة عصام صبري
التوفيق بين الحكمة والشريعة في نظر ابن رشد د. غسان فنيانس
من التراث الشعبي.. حكاية لقب أسرة دمشقية د. عدنان الخطيب
مشابه في التراث العالمي د. عبد الكريم اليافي
رائد التأليف المعجمي في الأندلس.. أبو علي القالي د. عمر الدقاق
اللسان العربي المبين د. جعفر دك الباب
أبو الفتح علي بن محمد البستي درية الخطيب ولطفي الصقال
بحثاً عن رؤية كونية في شعر أبي تمام د. فهد عكام
المخطوطات العربية بين يدي التحقيق د. محمد ألتونجي
توضيح المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي مطاع الطرابيشي
من العبر في تاريخنا –وقفة لصلاح الدين الأيوبي أمام عكا نذير الحسام
الشعر الحديث والتراث فاطمة عصام صبري