نقوس المهدي
كاتب
*مقدمة:
أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني واحد من أعلام القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، سطعت فضيلته العلمية في تلمسان وفاس بالمغرب العربي، وذاعت في مصر والحجاز وبلاد الشام بالمشرق العربي إبان حكم العثمانيين الأتراك. وقد شهد له معاصروه بالإمامة والفضل، في الفقه وأصوله، وفي الحديث وعلوم القرآن، وفي علوم العربية، وتدل آثاره الحسان على علم وفهم، ورواية ودراية، وإتقان وإحسان، ويعتبر "كتاب الرحلة إلى المغرب والمشرق" من الآثار المفقودة لأبي العباس المقري لولا الهدية التي قدمتها حفيدة المستشرق الفرنسي جورج ديلفان سنة 1993م للمكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة، والمتمثلة في مجموعة من المخطوطات من بينها رحلة المقري هذه.
الدافع إلى الرحلة في الثقافات الإنسانية:
كان هم الناس عموماً في البلدان والأجناس المختلفة والأماكن والأزمان حب السفر والشغف بمعرفة العالم المحيط بهم، وعلى الرغم من محاولة هؤلاء اعتبار ذلك سعياً وراء غايات بذاتها، لكنهم في الحقيقة يكونون مدفوعين برغبة لا تعرف الحدود لفهم واستيعاب الآخر، الغريب، والمختلف، وإقحام الذات في ماهو أبعد من الآفاق المعروفة والولوج بها إلى فضاءات مجهولة وخرافية التفاصيل أحياناً. وربما علل الفاتحون العظام أمثال الاسكندر الأكبر، أو جنكيز خان أو نابليون أو شخصيات على طرازهم انجذابهم الجامح للغزو والفتوحات بالضرورة العسكرية والسياسية والاقتصادية، وذلك إخفاء لدوافعهم الشخصية في حب المغامرة.
وربما تستر بعض الرحالة العرب، ومنهم المقري عن ذكر الأسباب الحقيقية التي تدفعهم لذلك، كالفرار من إحباطات شخصية، أو مضايقات سياسية أو خوف من مصير مجهول. كل هذه الأسباب وغيرها يمكن أن يؤسس إلى فكرة الرحلة.
ليس في نيتنا في هذه المداخلة دراسة خطاب الرحالة المغاربة حول المشرق، فلقد وجدنا أن في التعريف بماهية الرحلة ومضمونها وتطور هذا المضمون، بالإضافة إلى التعريف بصاحب الرحلة وطبقته ودوافع انتقاله إلى المشرق مساهمة أولية لا غنى عنها قبل إبداء الرأي التقييمي في ما كتبه.
الرحلة والسفر في الثقافة العربية والإسلامية قبل النهضة:
يبدو أن الإنسان العربي المسلم متعطش بطبعه لمعرفة العالم، فهو شغوف بالذات لرصد تفاصيل الأعياد والمناسبات والعجائب التي تظهر غير ذات أهمية بالنسبة لنا اليوم، فقد احتوت كتب الرحلات العربية على موروث مهم، وصفوا فيه مسالك الطرق، وصنفوا الأماكن والحيوانات، والثقافات والبلدان التي عرفوها في العوالم التي حلوا بها أو تخيلوها، وقد يعكس بعضاً من ذلك شغفهم بسرد العجائب والغرائب، فحتى الرسائل التاريخية والجغرافية الخاصة بطبيعة الأماكن كانت موشاة بحوادث وأخبار عجيبة، فهي بدلاً من أن تكتفي بذكر الحقائق الموصوفة نجدها قد تعمدت أسلوب الإثارة الأدبية عند القارئ المثقف المتلقي لهذه الحكايات(*2*.
لقد تعود مؤلفو كتب التاريخ والجغرافيا والرحلات والعجائب على حشوها بوقائع غريبة، وأمور مذهلة، وكائنات خرافية، وقد قدمت الصين والهند والسند العجيبة والبعيدة موضوعاً طبيعياً لهذا النوع من الروايات، وهي القصص التي لا يمكن إثبات صحتها أو بطلانها، ولهذا صنفت مواضيعها في واحد من الأجناس الأدبية الآتية:
كتب الرحلات.
كتب العجائب.
كتب الفرج بعد الشدة والضيق.
إن الحماس الذي عرفه العرب المسلمون للفتح ومد صرح الدولة الإسلامية سرعان ما طغى عليه حبهم للثقافة والانفتاح على العالم والترحال. وكانت الدوافع الأولى للسفر والرحلة عند المسلمين هي حاجتهم الأساسية لشد الرحال نحو مكة لأداء فريضة الحج، خاصة مع توسع رقعة العالم الإسلامي، ثم ظهرت الحاجة بعد ذلك لزيارة العلماء والأولياء والصالحين للأخذ عنهم أو التبرك بمعرفتهم، فقد عرف عن المسلمين السفر طلباً للعلم، عملاً بالحديث الشريف: "اطلبوا العلم ولو بالصين"، كما كانت الرحلة من الدوافع المهمة التي ساهمت في تطور علم الحديث الذي تطلب من علمائه الأتقياء، أن يدققوا في تفاصيل ناقل الحديث، وأماكن سكناه، وخلفيته الأسرية، وأمانته الشخصية لتأكيد أهمية ومصداقية وموثوقية النص الذي أورد فيه الحديث، أدى هذا كله إلى الاهتمام بالكتابات الطوبوغرافية والجغرافية والتاريخية، وقد تطلبت هذه المجالات العلمية الجديدة قدراً كبيراً من السفر، وأنتجت جنساً أدبياً هو أدب "الرحلة"، كمادة أدبية في حياكة نسيج متين من الحقائق العلمية والثقافية والتاريخية مع زركشتها أحياناً بزخرف خيالي خصب كان الرحالون يطوعونه لأغراض معلنة أو خفية*3*.
ويمكن اعتبار كتاب الرحلة تدويناً دقيقاً يومياً للمشاهد والملاحظات، لكن هذا النوع من الإنتاج الفكري والأدبي والجغرافي الذي عظم انتشاره في فترة متقدمة من تاريخ الإسلام لم يكن واضح الحدود، فهو فعل كتابي مناسب لكل فن لأنه يمكن أن يُسكب فيه أي شيء من التوسيعات العلمية وفهارس المتاحف وحكايات القبائل وغيرها.*4*
وعلى الرغم من طغيان الطابع الوثائقي على هذا النوع من كتب الرحلات يبقى نوعاً من التعبير الأدبي الهجين والضبابي، لكن الاطلاع عليه يفضي إلى قيمة كبيرة قد تكون محصلة لمعارف جمة.*5*
الرحلة إلى المشرق:
على الرغم من ارتفاع مستوى الكتابة التاريخية العربية وكتب الجغرافيا، فإن المعرفة المغاربية الإسلامية عن المشرق، والعكس بقيت متناثرة، وقليلة الدقة، حيث كان أغلبها مثقلاً بالفجوات والأخبار الخاطئة أحياناً. لذلك كانت رحلة المقري للمغرب والمشرق خلال الحكم العثماني الفرصة المناسبة للمغاربة والمشارقة لأن يوسعوا اتصالهم، بعدما كانت هذه الاتصالات تعرف فترات انقطاع.
على هذا الأساس يكون هذا النمط من الرحلة تأريخاً غير رسمي، أتاحه هذا النوع من الكتابة (أدب الرحلة)، استطاع أن يقدم الكثير من المعلومات عن المغرب والمشرق، ساهمت بلا شك في التعريف بالمنطقتين على نطاق واسع، أكثر مما قدمته الأعمال التاريخية والجغرافية المتخصصة للطابع التوثيقي الذي اعتمدته.
يطرح كتاب الرحلة إلى المغرب والمشرق لأبي العباس أحمد المقري جملة من التساؤلات الفكرية حول نشر الفكر والآداب المغاربية المرتحل إلى بلاد المشرق، وضمن هذا السياق تكشف الرحلة ذلك التكامل الفكري والحضاري في مؤلفات الرحالة من خلال التواصل بين العلماء وطلاب العلم سواء عبر الرحلات أم عبر المراسلات والقراءات المختلفة، وفي الوقت ذاته تجلي الحرص الشديد لدى المقري على الاحتفاظ بهويته المغاربية على الرغم من التباين الحاصل أحياناً بين البيئتين: المشرقية والمغاربية في التكوين الثقافي، إن هذا الشعور (الإحساس المغاربي) كان القاسم المشترك لدى رحّالينا المغاربة على اختلاف موضوعاتهم وأسلوب كتاباتهم.
وحتى ظهور البعثات العلمية في القرن الثامن عشر، كانت الرحلة إلى المشرق نوعاً من التكملة لا غنى عنها لتربية طالب العلم وتكوينه الديني والمعرفي. كما كانت وسيلة للعالم للتعريف بعلمه ومهاراته.
وانطلاقاً من الأهمية التي نعلقها على كتاب رحلة المقري إلى المغرب والمشرق رأينا ضرورة تقديمه ببعض الإسهاب، لكننا مع ذلك لا نرى فائدة كبيرة من الاستعاضة بهذه القراءة عن العودة إلى نص الرحلة ذاتها.
كلمة عن المؤلف: مؤلف كتاب الرحلة هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد يحيى بن عبد الرحمن بن أبي العيش بن محمد المقري التلمساني، المولود سنة 986هـ/1578م، والمتوفى سنة 1041هـ/ 1631م.
ليس الهدف ها هنا، بسط القول عن حياة المقري، وإنما يمكن الاقتصار على أهم ما لابد منه، لأن حياة المقري مبسوطة في كثير من المصادر والمراجع، ويأتي في مقدمتها كتب المقري نفسه وهي نفح الطيب، وروضة الأس، وأزهار الرياض، وفتح المتعال، وكتاب الرحلة هذا.
ومن المصادر التي ترجمت للمقري، خلاصة الأثر للمحبي، ورحلة العياشي، وصفوة من انتشر لمحمد الأفراني، ونشر المثاني للقادري وغيرها. أما المراجع الحديثة فمنها أطروحة المقري وكتابه نفح الطيب لمحمد بن عبد الكريم،وكتاب المقري صاحب نفح الطيب للجنحاني، وتراجم إسلامية لعبد الله عنان، والمقري لعثمان الكعاك، والزاوية الدلائلية لمحمد حجي، وتحقيق كتاب الرحلة لمحمد بن معمر.*6*
والمقري ابن عائلة وابن مدينة على حد تعبير الدكتور محمد بن معمر، فهو ابن عائلة المقري ذات التاريخ العريق التي تعود أصولها إلى القبيلة العربية الشهيرة وهي قريش، وقد أثبت قرشية هذه العائلة المقري نفسه وابن الخطيب وابن خلدون وابن الأحمر وابن مرزوق.
ثم إن المقري ابن مدينة هي تلمسان (الجزائر) حيث ولد ونشأ وقرأ وتعلم، وكانت المدينة عاصمة للدولة الزيانية لعدة قرون قبل مجيء العثمانيين، فاشتهرت برصيدها الثقافي الكبير لكثرة علمائها، وتنوع علومها، وتعدد مكتباتها، ووفرة مدارسها. وفي التاريخ الذي ولد فيه المؤلف كان قد مر على دخول الأتراك العثمانيين المدينة ثلاثة عقود من الزمن، الأمر الذي أفقدها أهميتها العلمية والسياسية، بسبب معاملة الأتراك لأهلها، وكذلك الحروب والفتن الداخلية التي كانت قد عرفتها الدولة الزيانية في أخريات أيامها، وعلاقتها بالإسبان في وهران، وضغط بني وطاس ثم السعديين عليها من الغرب والعثمانيين من الشرق، كل ذلك دفع الكثير من علمائها وأدبائها وشرفائها ممن فقدوا الشعور بالراحة إلى الهجرة منها شرقاً وغرباً، وقد اكتفى المقري بالأخذ عمن بقي من العلماء والفقهاء مقيماً لم يهاجر.*7*
وفي الثالثة والعشرين من عمره غادر تلمسان قاصداً مدينة فاس التي حل بها في صفر سنة 1009 هـ، ومنها إلى مراكش حيث اتصل بأبي العباس أحمد المنصور الذهبي، أشهر سلاطين السعديين وقمة مجدهم ووساطة عقد ملكهم، الذي اشتهر بعظائم الأعمال، وكانت فكرة حكمه من أزهى فترات التاريخ السعدي سياسياً واقتصادياً وثقافياً. *8*
ومكث المقري هناك متنقلاً بين فاس ومراكش، عايش خلالها أحداثاً سياسية بارزة في تاريخ المغرب، من أهمها وأشهرها أزمة العرائش، فبعد موت المنصور الذهبي دخل المغرب الأقصى مرحلة اتسمت بالصراع والتطاحن حول العرش بين الأبناء الثلاثة: أبو عبد الله محمد الشيخ المأمون، وأبو فارس عبد الله الواثق، وزيدان الناصر. وفي خضم الصراع بين الأخوة الأمراء استفحل أمر الأمير زيدان الذي تكلم به أهل فاس وسائر بلاد المغرب في الوقت الذي ازدادت فيه سمعة المأمون سوءً، إذ رفضته القلوب وضاق أهل فاس بشؤمه ذرعاً.*9*
وبسبب هذه العزلة انتقل المأمون إلى العرائش ومنها إلى القصر الكبير، وهناك اتخذ قراره الخطير وهو طلب النجدة من نصارى الإسبان لتمكينه من العرش. ولما خاف المأمون الفضيحة وإنكار الخاصة والعامة عليه صنعته، احتال وكتب في ذلك سؤالاً إلى علماء فاس وغيرها يطلب فتوى تجيز له فدي أولاده من أيدي الكفار. فانقسم الفقهاء والعلماء في موقفهم من هذه الفتوى إلى طوائف ثلاث بين مبيح للمأمون ما فعل اتقاء لشره وخوفاً من بطشه، وبين منكر عليه عمله ومغلظ له في الملام، وبين مختف عن الأنظار حتى تصدر الفتوى عن غيره، وكان المقري من الطائفة التي اختفت*10*.
وقد قدرت العامة والخاصة في فاس هذا الموقف من المقري واعتبرته تصرفاً شرعياً وازداد احترامها له.و بعد مدة من هذه الفتنة رقي إلى أعلى منصب في جامع القرويين وذلك سنة 1022 هـ تاريخ وفاة الشيخ أبي عبد الله محمد الهواري خطيب الجامع. غير أن المقري أحسّ بأن الأمور تسير على غير ما يرام بسبب التطورات الخطيرة التي عرفها المغرب الأقصى، لذلك قرر الرحيل، سيما وأنه اتهم بالميل إلى عرب الشراقة. ففي أواخر سنة 1027هـ/ غادر المغرب الذي أصبح أمنه منعدماً وأوضاعه متدهورة، تاركاً وراءه زوجته وابنته وخزانة كتبه، بعد أن قضى فيه أربعة عشر عاماً.*11*
ومن ميناء تطوان ركب السفينة التي عرجت به على الجزائر وتونس فسوسة وصولاً إلى الإسكندرية ومنها إلى القاهرة التي دخلها في رجب من عام 1028هـ، وفي ذي القعدة من السنة نفسها توجه صوب مكة المكرمة وأدى العمرة وبقي هناك ينتظر موسم الحج، وبعد أداء الفريضة توجه إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي شهر محرم من 1029هـ/ 1620م عاد المقري من الحرمين الشريفين إلى مصر.
ومنذ ذلك التاريخ أخذ يكرر السفر من القاهرة إلى الحرمين الشريفين وبيت المقدس ودمشق، فكان دخوله إلى مكة المكرمة للحج خمس مرات، وزيارته للمدينة المنورة سبع مرات، أما بيت المقدس فقد سافر إليه ثلاث مرات، وأما دمشق فقد رحل إليها مرتين، وعند عزمه العودة إليها والاستقرار بها في المرة الثالثة وافاه الأجل، فيكون المقري قد قضى حوالي أربعة عشر عاماً متنقلاًًً بين مصر والحجاز والشام، كلها في طاعة الله وعبادته وتدريس العلم والتأليف ووضع المصنفات المختلفة حتى وافته المنية سنة 1041هـ/ 1632م بالقاهرة.
وقد ترك المقري وراءه ثروة هائلة من المؤلفات التي كتبها بتلمسان وفاس ومصر والحجاز والشام في فنون الأدب والتاريخ و الفقه والعقائد، وهي تقارب الأربعين تأليفاً حسب ما أحصاه محمد بن عبد الكريم صاحب "المقري وكتابه نفح الطيب"، و أوردها المحقق في مقدمته.
كتاب رحلة المقري إلى المغرب والمشرق:
ليس ثمة أدنى شك في أن هذا الكتاب من وضع أبي العباس أحمد المقري، إذ لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من ذكره أو الإشارة إليه، سواء من خلال توقيعاته في آخر رسائله وقصائده التي كان يبعث بها إلى غيره، أو ماكان يبعثه غيره إليه، أو في سياق الحديث عن نفسه.*12*
ويذكر محقق الرحلة الدكتور محمد بن معمر أن المخطوط قبل أن يؤول إلى جورج ديلفان كان في مكتبة الشيخ حميدة بن محمد العمالي وهو ما يستفاد من التوقيع المقيد على إحدى صفحات المخطوط بخط وحبر مخالف.*13*والشيخ العمالي من مواليد العاصمة في بداية القرن التاسع عشر، تتلمذ لعلماء عصره أمثال محمد بن الشاهد ومصطفى الكبابطي وحمودة المقايسي وأحمد بن الكاهية ومحمد الصالح الضوي وغيرهم، تولى مناصب شرعي سامية ووظائف دينية عالية، منها القضاء والفتوى والإمامة والتدريس، وكان جمّاعة للكتب مشهوراً بين العلماء باقتناء نفائسها ونوادر المخطوطات حتى صار مضرب الأمثال في ذلك بين علماء المغرب. توفي سنة 1873م بالجزائر العاصمة.
ونسجل خطوة جديدة مع تحقيق كتاب الرحلة في فهم المقري، حيث استوفى المحقق الدكتور محمد بن معمر شروط التحقيق الضرورية، وقد تطلب هذا العمل الشاق من الباحث جهداً غير يسير لترتيب المادة وتبويبها خاصة إذا علمنا أن المخطوط المعتمد عليه مبتور، حيث فقدت بدايته ونهايته مما حدا بالمحقق إلى إجراء تصميم جديد في ترتيب المادة فوضع عناوين وأرقاماً، وبوب المتن، فأعطاه وجهاً لائقاً يسرّ قراءته، بالإضافة إلى تدبيج مقدمة وافية عن المؤلف والعصر، والمدونة المحققة وأسلوب الكتابة وغيرها من الأمور الضرورية في هذا المجال.
ونقدر بشكل خاص المحاولة المنهجية للمحقق الهادفة إلى تسهيل القراءة بما وفره من فهارس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وفهارس للأعلام وأخرى للأماكن والبلدان، وبما أثبته من مصادر ومراجع للتحقيق، وكلها أمور تشهد على جدية هذا الباحث وحرصه على الدقة العلمية في ثبت المعلومات ومناقشتها وتخريج بعضها بشكل ينمّ عن ذكاء حادّ.
عنوان الكتاب:
أما فيما يخص عنوان الكتاب، وهو رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، يذكر المحقق في المقدمة أنه لم يعثر على كتاب بهذا العنوان ضمن قائمة مؤلفات المقري التي وضعها مترجموه القدامى والمحدثون، كما انعدمت الإشارة إلى أي عنوان في ثنايا الرحلة من طرف المؤلف. ويؤكد هذا الإشكال محقق الرحلة الذي اعتمد نسخة واحدة في التحقيق مبتورة البداية والنهاية، إلا أن مايمكن الاطمئنان إليه هو أن كتباً أخرى للمؤلف لا تزال في حكم المفقود، وأن بعض عناوينها تبعث على احتمال تطابقها مع محتوى الرحلة مثل كتاب الغث والسمين والرث والثمين، والبدأة والنشأة، وغيرهما.
يستفاد من محتوى الكتاب أنه من المؤلفات الأخيرة التي وضعها المقري، حيث ذكر أن أحمد ابن شاهين وهو الذي اقترح عليه تأليف كتاب نفح الطيب، قد استدعاه إلى بيته في محرم سنة 1041هـ حين زار دمشق للمرة الثانية، قبل عودته إلى القاهرة ووفاته بها في جمادى الثانية من السنة نفسها، فالمدة الواقعة بين التاريخ الوارد في الكتاب وبين تاريخ وفاته أقل من خمسة أشهر، ويبدو أن أخبار المقري قد انقطعت ابتداء من أواخر ربيع الأول سنة 1041هـ وهو التاريخ الذي بعث فيه رسالة إلى شيخه محمد الدلائي صاحب الزاوية الدلائية.
يحتوي كتاب الرحلة على معلومات هامة، تتعلق بحياة المقري الشخصية في تلمسان والمغرب الأقصى ومصر والشام والحجاز، يعالج في الرحلة الحياة الثقافية والأدبية في عصره، وتتضمن الرحلة معلومات تاريخية عن بلاد المغرب وأرض الحجاز واليمن، وبعض القضايا الفقهية والعقدية وغير ذلك.
وما يلاحظ عموماً هو أن الرحلة لم تكن مجرد مشاهدات سياحية كما هو الشأن في أدب الرحلات، ولم تكن أيضاً صادرة عن حاجة سياسية أو طائفية وإن خالطت الرؤية الذاتية التي اتسعت عبر الرحلة لتغدو معبرة عن السياسة والاجتماع، فالمقري لم يعن كثيراً بوصف ما شاهده من مظاهر العمران في المدن التي زارها في المشرق أو المغرب، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المظاهر أضحت من الأمور المعروفة لدى الناس؛ فلا تصوير للمؤسسات السياسية أو الاقتصادية، ولا وصف للشوارع والحدائق والساحات العامة، وإنما التفت المقري إلى أعمق من ذلك، إلى مظاهر الحياة العلمية، فوصفها وصفاً ينم عن خبرة وثقافة عاليين لم نلمسهما عند من سبقه من الرحالين.
جديد ما يتضمنه كتاب الرحلة:
يتمثل جديد ما يتضمنه كتاب الرحلة في خصوصية المعلومات المتصلة بجانب تتعلق بحياة المؤلف الشخصية، الأمر الذي يجعل طروحات مترجميه في حاجة إلى مراجعة وتدقيق، فقد ذكر مترجموه القدامى والمحدثون*14*مثلاً أنه بنى بامرأتين فقط وهما زوجته المغربية التي بنى بها أيام إقامته في فاس وولدت له أنثى سنة 1026هـ كما أخبرنا في هذه الرحلة، وحين رحل إلى المشرق ترك المرأة وابنتها ولم يعد إليهما، وأما الزوجة الثانية فهي مصرية من عائلة السادات الوفائيين وقد بنى بها عندما استقر في القاهرة. غير أن نصوص الرحلة تفيد بأنه تزوج بثلاثة نساء وليس اثنتين فقط، فقد بنى قبل المغربية والمصرية بامرأة تلمسانية وهي بنت المفتي محمد بن عبد الرحمن بن جلال التلمساني مفتي تلمسان وفاس، ولم يخبرنا المؤلف فيما إذا كان زواجه منها قد تم بتلمسان أو ي مدينة فاس وتاريخ ذلك*15*.
وأما أولاده فقد أخبرنا مترجموه أن المقري لم يرزق طوال حياته سوى بأنثيين فقط، بنت المغربية والتي عاشت حتى تزوجت، وبنت المصرية التي توفيت صغيرة، وأنه لم ينجب ذكراً، ولكن نصوص الرحلة تثبت العكس، فهي تؤكد أنه رزق بذكر من زوجته المصرية واسمه محمد المكي، وقد وردت الإشارة إلى ذلك في ثلاثة مواطن من الرحلة، وقد مات ولده صغيراً وقد تلقى المقري سيلاً من رسائل التعزية أورد بعضها المتعلق بابنته في نفح الطيب.
أما عن أسباب رحلته من المغرب الأقصى إلى المشرق، فقد اضطربت حولها الآراء واختلفت الأقوال وإن كانت في مجملها تتفق على أنها سياسية، ومنها أن سلطان المغرب هو الذي أجبر المقري على مغادرة المدينة، وأنه خرج متخفياً، وهو رأي غير سديد بدليل ما ورد في الرحلة من أن المؤلف هو الذي استأذن ملك المغرب صاحب فاس وهو الغالب بالله عبد الله بن المأمون في السماح له بالرحيل. وقد أذن له في ذلك وكتب في شأنه رسالة من إنشاء محمد بن أحمد الفاسي*16*إلى سلطان الحجاز شريف مكة يخبره عن قدوم المؤلف إليه ويبلغه عن علمه وفضله ومكانته ويوصيه به خيراً*17*.
كما أن هناك مسألة هامة تتعلق بنزول المقري مدينة الجزائر وتونس وسوسة واتصاله بعلماء هذه المدن وهو في طريق الرحلة من المغرب صوب المشرق. وباستثناء إشارة المقري في منظومته فتح المتعال إلى أنه نزل بهذه المدن فإن بقية المصادر لم تشر إلى ذلك قط، لكن نصوص الرحلة تؤكد لنا نزوله بهذه المدن واتصاله بعلمائها وتواريخ ذلك، إذ يخبرنا المقري أنه نزل بالجزائر العاصمة يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 1027 هـ، حيث خرج إلى رأس تافورة صحبة جماعة من الأعيان منهم مفتي الحنفية الخطيب محمود بن حسين بن قرمان، والشاعر الأديب محمد بن راس العين الذي تبادل معه نظم الشعر بمناسبة هذا الاجتماع، كما التقى بعالم الجزائر وفقيهها الشيخ سعيد قدورة (ت 1066هـ)، الذي كان قد رافقه في الأخذ عن عمه سعيد المقري.
وأثناء هذا اللقاء لا غز سعيد قدورة المؤلف في لفظ القوس نثراً فأجابه، كما لاغزه في لفظ الصنّبر بتسعة أبيات، وأجابه المؤلف بأحد عشر بيتاً في حل هذا اللغز*18*.
ومن جملة ما قال المقري في مدح مدينة الجزائر المحروسة وعلمائها:*19*
جزائر الغرب لا تطرقك أحزان = يا بهجة الجهر طابت منك أزمان
وزادك الله يا أرض الجهاد عُلى = فكم علا فيك إسلام وإيمان
وصانك الله من كيد العدى وغدا = للنصر والعز في مغناك إدمان
وزانك الله بالشيخ الذي بهرت =علومه أوحد العليا سليمان
فاعذر محباً قصير الباع مغتربا = عن معهد الأنس والأحباب قد بانوا
ثم غادر مدينة الجزائر وركب البحر متوجهاً إلى تونس، ولما وصلها اتصل بالشيخ أبي عبد الله محمد تاج العارفين بن أبي بكر العثماني التونسي إمام وخطيب جامع الزيتونة، وقبل أن يقدم عليه كتب إليه يطلب منه الإجازة، فأجابه المقري مجيزاً في قصيدة فاقت الأربعين بيتاً وذلك في شهر صفر من سنة 1028هـ، وهو على وشك أن يركب البحر مواصلاً رحلته نحو مصر. وقد أخبرنا المقري في نفح الطيب أن السفينة ظلت على حذر شديد أثناء مدة السفر من قراصنة الإفرنج خصوصاً أهل مالطة الذين كانوا يطاردون مراكب المسلمين في عرض البحر الأبيض المتوسط، وأن وصوله إلى مصر كان بعد خوض بحار، يدهش فيها الفكر ويحار، وأما عن تاريخ دخول مصر فقد أخبرنا في نفح الطيب أن ذلك كان في رجب سنة 1028هـ، وهو ما أكده تلميذه عبد الباقي الحنبلي حين أشار إلى أن المقري لما دخل رجب افتتح البخاري فأتى بما هو أعجب وكان حافظاً أديباً. غير أن كتاب الرحلة يعطي تفاصيل أكثر ويزيل بعض اللبس حين يثبت أن المقري حل بالإسكندرية، بعد رحلته الشاقة في البحر في شهر جمادى الأولى 1028هـ، وتكون كلمة مصر الواردة في النفح وفي نص الحنبلي إنما تعني القاهرة وليس القطر المصري، وعليه فلا تناقض بين النصين وقد ورد في الرحلة أنه قبل دخوله القاهرة أكمل تأليف كتابه إتحاف المغرم المغرى بتكميل شرح الصغرى وهو من العقائد.
كما يحتوي كتاب الرحلة على مخاطبات ومكاتبات ومساجلات ومراسلات المؤلف مع أعيان عصره، من فحول الأدباء والشعراء، والعلماء والفقهاء، والقضاة والأمراء ورجال الإفتاء من المغرب العربي ومصر وأرض الحجاز وبلاد الشام، ومن هؤلاء: محمد بن يوسف الكلشني، وإبراهيم بن محمد الأكرمي، ومحمد بن علي الحريري، وابو بكر الدلائي وابنه محمد، وفتح الله بن محمد البيلوني، ومحمد بن راس العين، وسعيد قدورة، وأيوب بن أحمد الخلوتي، وأحمد شهاب الدين الغنيمي، وغيرهم من الأعلام الأعيان الذين حفلت بهم الرحلة.
كما يتضمن كتاب الرحلة مظهراً من مظاهر النشاط الثقافي للمؤلف، وهو المتمثل في إجازاته النظمية والنثرية التي أجاز بها طلبته وعلماء عصره، وقد فاقت العشرين إجازة، أما عن إجازات العلماء له، فقد تضمن الكتاب إجازة واحدة في هذا الشأن، وتتعلق بإجازة الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوارث الصيفي المالكي المصري للمقري، وجاءت مطولة ومؤرخة في شهر ربيع الأول سنة 1029هـ.
كما يحتوي كتاب الرحلة على مجموعة كبيرة من القصائد والمقطوعات من نظم المقري وبعض أدباء عصره، والكثير منها جاء في فن المدح سواء أكان المؤلف مادحاً أم ممدوحاً، ويبدو أن هذه الظاهرة موجودة في باقي كتب المؤلف. ومن الفنون التي شاعت في عصر المؤلف ظاهرة التلغيز نظماً ونثراً، وقد احتوى الكتاب على بعض النماذج من هذه الظاهرة. وممن لاغز المقري عالم الجزائر وفقيهها سعيد قدورة، وإبراهيم السحوري، وعلي بن أحمد الفاسي في لفظ أمس، ومحمد بن عبد الرحمن الأعمش في كلمة رمضان.
ومما جاء حول لغز سعيد قدورة مايلي: "كتب إلي مفتي الجزائر وعالمها وإمامها وخطيبها الأخ في الله سيدي سعيد الشهير بقدورة حفظه الله/ملغزاً في القوس:
يا بارعاً أربى على ذوي النهى = ولامعاً يسمو على نجم السهى
لفظ تراه في كتاب الله = أتى مثنى يا أخا انتباه
ولم يثن فيه واصطحبه =في السفر المبرور تستطبه
فأجابه المؤلف بما نصه:
الحمد لله الذي ألهما = لحل مُشْكلٍ عَرَا وأفهما
وصلواته على المُقَرَّبِ = كقاب قوسين النبيِّ العربي
ثم الرضى عن صحبه وعترتِهْ = الفائزين بمزايا إثرته
ووارثيه علماء الملة = السعداء العاملين الجلة
وبعد:
يا صدر الكمال والورع فقد أتانا نظمك الذي عجز عن ألفاظه قاريها، فأسلم القوس إلى باريها، وكيف لا وقد رمى عنها، فلم تحط شريد الفهم..".*2*
ولم يخل الكتاب من الإشارات والمعلومات التاريخية التي جاءت متناثرة في ثناياه، وقد تضمنتها رسائل المؤلف إلى بعض أعلام عصره، فإن كان المقري قد اهتم تخصيصاً بمسائل الحديث والفقه والبلاغة والتلغيز والشعر والأخبار فلأنها بدون شك كانت تعتبر من المسائل المركزية، وأنها من الأهمية بحيث ينبغي الانطلاق من فهمها وتوضيحها قبل التصدي لأية مسألة أخرى، وعبر نقل هذه العلوم والمعارف التي كرس لها المؤلف جزءاً كبيراً من حياته، برهن أبو العباس المقري التلمساني كيف شارك المغاربة في تطور الحياة الفكرية والسياسية والثقافية والدينية في البلاد الإسلامية، كما يعود إليه الفضل في تعريف المغاربة بما كان يجري في المشرق من حركة علمية وأدبية، وتقريب ماكان يجري في المغرب إلى المشارقة، إضافة إلى أنَّه نبّه إلى نقاط التقاء كثيرة بين المذاهب الفكرية والدينية في العالم الإسلامي، حيث انطلق منها للبحث عن فهم أكثر شمولاً لما يجمع بينهما، بعيداً عن الصراعات السياسية والمذهبية، وأمور الحكم، وقد خلت الرحلة من كل ذلك، غير أن ما يلاحظ حول بناء الرحلة هو الانقطاع الغريب بين الموضوعات، فليس بها من مميزات الخطاب المتماسك شيء يذكر، يأخذ فيه البعض برقاب البعض الآخر، فلا يربط المتن خيط واصل، ولا يجمع المادة ناظم منسجم، وإنما يقوم بناؤها على تشكيل مادة نصيّة كان المؤلف يتلقاها من أقرانه العلماء من تقريظ أو مدح، أو ماكان يصدر عنه من إجازات ومدح وشكر، أو من تلغيز ومراسلات، كما أن هذه المادة النصية لا تخضع لأي بناء كرونولوجي أو جغرافي معين، حيث تبدأ الرحلة في الصفحة الأولى، بالحديث عن علماء مصر والحجاز وهي مرحلة لاحقة زمنياً في رحلة المقري وإنما كان تجميعها في مؤلف واحد خاضعاً لحس حاولنا تتبعه في المدونة فلم نقف على ما يوصل الأجزاء والفقرات والمواد، اللهم إلا المواضيع التي لا تكاد تخرج عن المحاور الآتية:
التقريظ - الإفتاء - الإجازات - أسئلة حول فنون البلاغة والنحو - التلغيز- المدح - المراسلات - النجوى.
كما يلاحظ تداخل كبير بين أخبار ورد ذكرها في نفح الطيب، أعيد ذكرها في الرحلة، وقد يرد تكرار الحادثة نفسها في نص الرحلة ذاتها، ولعل ذلك يعود إلى أنّ المؤلف كان يعتمد في تآليفه على الذاكرة والحفظ دون سواهما؛ فلم تكن معه في دار الهجرة (القاهرة) مستندات أو مصادر يرجع إليها، اللهم إلا ما علق بذاكرته من معلومات. ولا نستبعد من جهتنا أن يكون هذا التكرار نتيجة إرهاق أصاب الرجل بعد هذه الرحلة التي تميزت بكثرة الحركة والتأليف. بقي أن نقول إن أسلوب المقري في هذا الكتاب لا يختلف كثيراً عن أسلوبه في بقية كتبه ومخطوطاته، فقد حاز قصب السبق في فني المنظوم والمنثور، وذلك بشهادة معاصريه، كما أنه صاحب نثر علمي سلس التركيب، قريب المعنى، مجرد من أساليب الكناية والتورية وما شابهها. أما نثره الفني المسجع فهو متين التركيب، قوي البنيان، حسن الديباجة، جيد السبك، في حين امتاز نثره المرسل ببساطة التركيب، وقصر الجمل، وجزالة اللفظ. وعلى العموم فإن المقري كانت له اليد الطولى في تقدم فن النثر في وقت كاد الإنتاج العلمي يقتصر على شروح الفقه ومنامات التصوف.
المصادر والمراجع:
1-نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري شهاب الدين أحمد، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968.
2-رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، أبو العباس أحمد المقري، تحقيق: د.محمد بن معمر، مكتبة الرشاد للطباعة والنشر، الجزائر، 2004.
3-مجلة الفكر العربي، العدد الثاني والثلاثون، يونيو 1993، (عدد حول الاستشراق: التاريخ والمنهج والصورة).
4-الرحالة المسلمون الذين زاروا الصين خلال القرون الوسطى، رافئيل إسرائيلي، ترجمة: أبو بكر أحمد باقادر، مجلة دراسات شرقية، العددان"19/20، باريس، 2003، ص 58.
* جامعة وهران –الجزائر.
([2]) الرحالة المسلمون الذين زاروا الصين خلال القرون الوسطى، رافئيل إسرائيلي، ترجمة: أبو بكر أحمد باقادر، مجلة دراسات شرقية، العددان "19/20، باريس، 2003، ص58.
([3]) الرحالة المسلمون الذين زاروا الصين خلال القرون الوسطى، مرجع سابق، ص59-60.
([4]) الرحلة وكتب الرحلات الأوروبية إلى المشرق حتى نهاية القرن الثامن عشر،د.جبور الدويهي، مجلة الفكر العربي، العدد الثاني والثلاثون، يونيو 1983، ص 58.
([5]) المشرق في أدب الرحلة الفرنسيين بين حربي 1914 و1939، د.جان جبور، مجلة الفكر العربي، العدد 32، يونيو 1983، ص 70.
([6])رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، أبوالعباس أحمد المقري، تحقيق: د.محمد بن معمر، مكتبة الرشاد، الجزائر، 2004، ص05.
([7]) المصدر السابق، ص 06.
([8]) نفح الطيب، المقري، دار صادر، ج1،ص 13.
([9]) المصدر السابق، ص 13 وما بعدها.
([10]) رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، ص 6.
([11]) المصدر السابق، ص 6.
([12]) رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، تحقيق: د.محمد بن معمر، ص 09.
([13]) المصدر السابق، ص 15.
([14]) ممن ترجم للمقري: ابن عبد الكريم محمد، المقري وكتابه نفح الطيب، دار مكتبة الحياة، بيروت (د.ت).
-الجنحاني الحبيب، المقري صاحب نفح الطيب، مطبعة النهضة، تونس، 1955.
-حسن محمد عبد الغني، المقري، صاحب نفح الطيب، مطبعة الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1966.
-بعض مقدمات المحققين لكتاب نفح الطيب، كمقدمة الدكتور: إحسان عباس(1968)، ومقدمة المحقق: مصطفى السقا وآخرين (1978).
([15]) رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، تحقيق: د.محمد بن معمر، ص10
([16])رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، ص51.
([17]) المصدر السابق، ص 10-11.
([18]) المصدر السابق، ص 72- 73.
([19]) المصدر السابق، ص 74.
([20]) رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، ص 72.
د. عبد القادر شرشار
أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني واحد من أعلام القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، سطعت فضيلته العلمية في تلمسان وفاس بالمغرب العربي، وذاعت في مصر والحجاز وبلاد الشام بالمشرق العربي إبان حكم العثمانيين الأتراك. وقد شهد له معاصروه بالإمامة والفضل، في الفقه وأصوله، وفي الحديث وعلوم القرآن، وفي علوم العربية، وتدل آثاره الحسان على علم وفهم، ورواية ودراية، وإتقان وإحسان، ويعتبر "كتاب الرحلة إلى المغرب والمشرق" من الآثار المفقودة لأبي العباس المقري لولا الهدية التي قدمتها حفيدة المستشرق الفرنسي جورج ديلفان سنة 1993م للمكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة، والمتمثلة في مجموعة من المخطوطات من بينها رحلة المقري هذه.
الدافع إلى الرحلة في الثقافات الإنسانية:
كان هم الناس عموماً في البلدان والأجناس المختلفة والأماكن والأزمان حب السفر والشغف بمعرفة العالم المحيط بهم، وعلى الرغم من محاولة هؤلاء اعتبار ذلك سعياً وراء غايات بذاتها، لكنهم في الحقيقة يكونون مدفوعين برغبة لا تعرف الحدود لفهم واستيعاب الآخر، الغريب، والمختلف، وإقحام الذات في ماهو أبعد من الآفاق المعروفة والولوج بها إلى فضاءات مجهولة وخرافية التفاصيل أحياناً. وربما علل الفاتحون العظام أمثال الاسكندر الأكبر، أو جنكيز خان أو نابليون أو شخصيات على طرازهم انجذابهم الجامح للغزو والفتوحات بالضرورة العسكرية والسياسية والاقتصادية، وذلك إخفاء لدوافعهم الشخصية في حب المغامرة.
وربما تستر بعض الرحالة العرب، ومنهم المقري عن ذكر الأسباب الحقيقية التي تدفعهم لذلك، كالفرار من إحباطات شخصية، أو مضايقات سياسية أو خوف من مصير مجهول. كل هذه الأسباب وغيرها يمكن أن يؤسس إلى فكرة الرحلة.
ليس في نيتنا في هذه المداخلة دراسة خطاب الرحالة المغاربة حول المشرق، فلقد وجدنا أن في التعريف بماهية الرحلة ومضمونها وتطور هذا المضمون، بالإضافة إلى التعريف بصاحب الرحلة وطبقته ودوافع انتقاله إلى المشرق مساهمة أولية لا غنى عنها قبل إبداء الرأي التقييمي في ما كتبه.
الرحلة والسفر في الثقافة العربية والإسلامية قبل النهضة:
يبدو أن الإنسان العربي المسلم متعطش بطبعه لمعرفة العالم، فهو شغوف بالذات لرصد تفاصيل الأعياد والمناسبات والعجائب التي تظهر غير ذات أهمية بالنسبة لنا اليوم، فقد احتوت كتب الرحلات العربية على موروث مهم، وصفوا فيه مسالك الطرق، وصنفوا الأماكن والحيوانات، والثقافات والبلدان التي عرفوها في العوالم التي حلوا بها أو تخيلوها، وقد يعكس بعضاً من ذلك شغفهم بسرد العجائب والغرائب، فحتى الرسائل التاريخية والجغرافية الخاصة بطبيعة الأماكن كانت موشاة بحوادث وأخبار عجيبة، فهي بدلاً من أن تكتفي بذكر الحقائق الموصوفة نجدها قد تعمدت أسلوب الإثارة الأدبية عند القارئ المثقف المتلقي لهذه الحكايات(*2*.
لقد تعود مؤلفو كتب التاريخ والجغرافيا والرحلات والعجائب على حشوها بوقائع غريبة، وأمور مذهلة، وكائنات خرافية، وقد قدمت الصين والهند والسند العجيبة والبعيدة موضوعاً طبيعياً لهذا النوع من الروايات، وهي القصص التي لا يمكن إثبات صحتها أو بطلانها، ولهذا صنفت مواضيعها في واحد من الأجناس الأدبية الآتية:
كتب الرحلات.
كتب العجائب.
كتب الفرج بعد الشدة والضيق.
إن الحماس الذي عرفه العرب المسلمون للفتح ومد صرح الدولة الإسلامية سرعان ما طغى عليه حبهم للثقافة والانفتاح على العالم والترحال. وكانت الدوافع الأولى للسفر والرحلة عند المسلمين هي حاجتهم الأساسية لشد الرحال نحو مكة لأداء فريضة الحج، خاصة مع توسع رقعة العالم الإسلامي، ثم ظهرت الحاجة بعد ذلك لزيارة العلماء والأولياء والصالحين للأخذ عنهم أو التبرك بمعرفتهم، فقد عرف عن المسلمين السفر طلباً للعلم، عملاً بالحديث الشريف: "اطلبوا العلم ولو بالصين"، كما كانت الرحلة من الدوافع المهمة التي ساهمت في تطور علم الحديث الذي تطلب من علمائه الأتقياء، أن يدققوا في تفاصيل ناقل الحديث، وأماكن سكناه، وخلفيته الأسرية، وأمانته الشخصية لتأكيد أهمية ومصداقية وموثوقية النص الذي أورد فيه الحديث، أدى هذا كله إلى الاهتمام بالكتابات الطوبوغرافية والجغرافية والتاريخية، وقد تطلبت هذه المجالات العلمية الجديدة قدراً كبيراً من السفر، وأنتجت جنساً أدبياً هو أدب "الرحلة"، كمادة أدبية في حياكة نسيج متين من الحقائق العلمية والثقافية والتاريخية مع زركشتها أحياناً بزخرف خيالي خصب كان الرحالون يطوعونه لأغراض معلنة أو خفية*3*.
ويمكن اعتبار كتاب الرحلة تدويناً دقيقاً يومياً للمشاهد والملاحظات، لكن هذا النوع من الإنتاج الفكري والأدبي والجغرافي الذي عظم انتشاره في فترة متقدمة من تاريخ الإسلام لم يكن واضح الحدود، فهو فعل كتابي مناسب لكل فن لأنه يمكن أن يُسكب فيه أي شيء من التوسيعات العلمية وفهارس المتاحف وحكايات القبائل وغيرها.*4*
وعلى الرغم من طغيان الطابع الوثائقي على هذا النوع من كتب الرحلات يبقى نوعاً من التعبير الأدبي الهجين والضبابي، لكن الاطلاع عليه يفضي إلى قيمة كبيرة قد تكون محصلة لمعارف جمة.*5*
الرحلة إلى المشرق:
على الرغم من ارتفاع مستوى الكتابة التاريخية العربية وكتب الجغرافيا، فإن المعرفة المغاربية الإسلامية عن المشرق، والعكس بقيت متناثرة، وقليلة الدقة، حيث كان أغلبها مثقلاً بالفجوات والأخبار الخاطئة أحياناً. لذلك كانت رحلة المقري للمغرب والمشرق خلال الحكم العثماني الفرصة المناسبة للمغاربة والمشارقة لأن يوسعوا اتصالهم، بعدما كانت هذه الاتصالات تعرف فترات انقطاع.
على هذا الأساس يكون هذا النمط من الرحلة تأريخاً غير رسمي، أتاحه هذا النوع من الكتابة (أدب الرحلة)، استطاع أن يقدم الكثير من المعلومات عن المغرب والمشرق، ساهمت بلا شك في التعريف بالمنطقتين على نطاق واسع، أكثر مما قدمته الأعمال التاريخية والجغرافية المتخصصة للطابع التوثيقي الذي اعتمدته.
يطرح كتاب الرحلة إلى المغرب والمشرق لأبي العباس أحمد المقري جملة من التساؤلات الفكرية حول نشر الفكر والآداب المغاربية المرتحل إلى بلاد المشرق، وضمن هذا السياق تكشف الرحلة ذلك التكامل الفكري والحضاري في مؤلفات الرحالة من خلال التواصل بين العلماء وطلاب العلم سواء عبر الرحلات أم عبر المراسلات والقراءات المختلفة، وفي الوقت ذاته تجلي الحرص الشديد لدى المقري على الاحتفاظ بهويته المغاربية على الرغم من التباين الحاصل أحياناً بين البيئتين: المشرقية والمغاربية في التكوين الثقافي، إن هذا الشعور (الإحساس المغاربي) كان القاسم المشترك لدى رحّالينا المغاربة على اختلاف موضوعاتهم وأسلوب كتاباتهم.
وحتى ظهور البعثات العلمية في القرن الثامن عشر، كانت الرحلة إلى المشرق نوعاً من التكملة لا غنى عنها لتربية طالب العلم وتكوينه الديني والمعرفي. كما كانت وسيلة للعالم للتعريف بعلمه ومهاراته.
وانطلاقاً من الأهمية التي نعلقها على كتاب رحلة المقري إلى المغرب والمشرق رأينا ضرورة تقديمه ببعض الإسهاب، لكننا مع ذلك لا نرى فائدة كبيرة من الاستعاضة بهذه القراءة عن العودة إلى نص الرحلة ذاتها.
كلمة عن المؤلف: مؤلف كتاب الرحلة هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد يحيى بن عبد الرحمن بن أبي العيش بن محمد المقري التلمساني، المولود سنة 986هـ/1578م، والمتوفى سنة 1041هـ/ 1631م.
ليس الهدف ها هنا، بسط القول عن حياة المقري، وإنما يمكن الاقتصار على أهم ما لابد منه، لأن حياة المقري مبسوطة في كثير من المصادر والمراجع، ويأتي في مقدمتها كتب المقري نفسه وهي نفح الطيب، وروضة الأس، وأزهار الرياض، وفتح المتعال، وكتاب الرحلة هذا.
ومن المصادر التي ترجمت للمقري، خلاصة الأثر للمحبي، ورحلة العياشي، وصفوة من انتشر لمحمد الأفراني، ونشر المثاني للقادري وغيرها. أما المراجع الحديثة فمنها أطروحة المقري وكتابه نفح الطيب لمحمد بن عبد الكريم،وكتاب المقري صاحب نفح الطيب للجنحاني، وتراجم إسلامية لعبد الله عنان، والمقري لعثمان الكعاك، والزاوية الدلائلية لمحمد حجي، وتحقيق كتاب الرحلة لمحمد بن معمر.*6*
والمقري ابن عائلة وابن مدينة على حد تعبير الدكتور محمد بن معمر، فهو ابن عائلة المقري ذات التاريخ العريق التي تعود أصولها إلى القبيلة العربية الشهيرة وهي قريش، وقد أثبت قرشية هذه العائلة المقري نفسه وابن الخطيب وابن خلدون وابن الأحمر وابن مرزوق.
ثم إن المقري ابن مدينة هي تلمسان (الجزائر) حيث ولد ونشأ وقرأ وتعلم، وكانت المدينة عاصمة للدولة الزيانية لعدة قرون قبل مجيء العثمانيين، فاشتهرت برصيدها الثقافي الكبير لكثرة علمائها، وتنوع علومها، وتعدد مكتباتها، ووفرة مدارسها. وفي التاريخ الذي ولد فيه المؤلف كان قد مر على دخول الأتراك العثمانيين المدينة ثلاثة عقود من الزمن، الأمر الذي أفقدها أهميتها العلمية والسياسية، بسبب معاملة الأتراك لأهلها، وكذلك الحروب والفتن الداخلية التي كانت قد عرفتها الدولة الزيانية في أخريات أيامها، وعلاقتها بالإسبان في وهران، وضغط بني وطاس ثم السعديين عليها من الغرب والعثمانيين من الشرق، كل ذلك دفع الكثير من علمائها وأدبائها وشرفائها ممن فقدوا الشعور بالراحة إلى الهجرة منها شرقاً وغرباً، وقد اكتفى المقري بالأخذ عمن بقي من العلماء والفقهاء مقيماً لم يهاجر.*7*
وفي الثالثة والعشرين من عمره غادر تلمسان قاصداً مدينة فاس التي حل بها في صفر سنة 1009 هـ، ومنها إلى مراكش حيث اتصل بأبي العباس أحمد المنصور الذهبي، أشهر سلاطين السعديين وقمة مجدهم ووساطة عقد ملكهم، الذي اشتهر بعظائم الأعمال، وكانت فكرة حكمه من أزهى فترات التاريخ السعدي سياسياً واقتصادياً وثقافياً. *8*
ومكث المقري هناك متنقلاً بين فاس ومراكش، عايش خلالها أحداثاً سياسية بارزة في تاريخ المغرب، من أهمها وأشهرها أزمة العرائش، فبعد موت المنصور الذهبي دخل المغرب الأقصى مرحلة اتسمت بالصراع والتطاحن حول العرش بين الأبناء الثلاثة: أبو عبد الله محمد الشيخ المأمون، وأبو فارس عبد الله الواثق، وزيدان الناصر. وفي خضم الصراع بين الأخوة الأمراء استفحل أمر الأمير زيدان الذي تكلم به أهل فاس وسائر بلاد المغرب في الوقت الذي ازدادت فيه سمعة المأمون سوءً، إذ رفضته القلوب وضاق أهل فاس بشؤمه ذرعاً.*9*
وبسبب هذه العزلة انتقل المأمون إلى العرائش ومنها إلى القصر الكبير، وهناك اتخذ قراره الخطير وهو طلب النجدة من نصارى الإسبان لتمكينه من العرش. ولما خاف المأمون الفضيحة وإنكار الخاصة والعامة عليه صنعته، احتال وكتب في ذلك سؤالاً إلى علماء فاس وغيرها يطلب فتوى تجيز له فدي أولاده من أيدي الكفار. فانقسم الفقهاء والعلماء في موقفهم من هذه الفتوى إلى طوائف ثلاث بين مبيح للمأمون ما فعل اتقاء لشره وخوفاً من بطشه، وبين منكر عليه عمله ومغلظ له في الملام، وبين مختف عن الأنظار حتى تصدر الفتوى عن غيره، وكان المقري من الطائفة التي اختفت*10*.
وقد قدرت العامة والخاصة في فاس هذا الموقف من المقري واعتبرته تصرفاً شرعياً وازداد احترامها له.و بعد مدة من هذه الفتنة رقي إلى أعلى منصب في جامع القرويين وذلك سنة 1022 هـ تاريخ وفاة الشيخ أبي عبد الله محمد الهواري خطيب الجامع. غير أن المقري أحسّ بأن الأمور تسير على غير ما يرام بسبب التطورات الخطيرة التي عرفها المغرب الأقصى، لذلك قرر الرحيل، سيما وأنه اتهم بالميل إلى عرب الشراقة. ففي أواخر سنة 1027هـ/ غادر المغرب الذي أصبح أمنه منعدماً وأوضاعه متدهورة، تاركاً وراءه زوجته وابنته وخزانة كتبه، بعد أن قضى فيه أربعة عشر عاماً.*11*
ومن ميناء تطوان ركب السفينة التي عرجت به على الجزائر وتونس فسوسة وصولاً إلى الإسكندرية ومنها إلى القاهرة التي دخلها في رجب من عام 1028هـ، وفي ذي القعدة من السنة نفسها توجه صوب مكة المكرمة وأدى العمرة وبقي هناك ينتظر موسم الحج، وبعد أداء الفريضة توجه إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي شهر محرم من 1029هـ/ 1620م عاد المقري من الحرمين الشريفين إلى مصر.
ومنذ ذلك التاريخ أخذ يكرر السفر من القاهرة إلى الحرمين الشريفين وبيت المقدس ودمشق، فكان دخوله إلى مكة المكرمة للحج خمس مرات، وزيارته للمدينة المنورة سبع مرات، أما بيت المقدس فقد سافر إليه ثلاث مرات، وأما دمشق فقد رحل إليها مرتين، وعند عزمه العودة إليها والاستقرار بها في المرة الثالثة وافاه الأجل، فيكون المقري قد قضى حوالي أربعة عشر عاماً متنقلاًًً بين مصر والحجاز والشام، كلها في طاعة الله وعبادته وتدريس العلم والتأليف ووضع المصنفات المختلفة حتى وافته المنية سنة 1041هـ/ 1632م بالقاهرة.
وقد ترك المقري وراءه ثروة هائلة من المؤلفات التي كتبها بتلمسان وفاس ومصر والحجاز والشام في فنون الأدب والتاريخ و الفقه والعقائد، وهي تقارب الأربعين تأليفاً حسب ما أحصاه محمد بن عبد الكريم صاحب "المقري وكتابه نفح الطيب"، و أوردها المحقق في مقدمته.
كتاب رحلة المقري إلى المغرب والمشرق:
ليس ثمة أدنى شك في أن هذا الكتاب من وضع أبي العباس أحمد المقري، إذ لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من ذكره أو الإشارة إليه، سواء من خلال توقيعاته في آخر رسائله وقصائده التي كان يبعث بها إلى غيره، أو ماكان يبعثه غيره إليه، أو في سياق الحديث عن نفسه.*12*
ويذكر محقق الرحلة الدكتور محمد بن معمر أن المخطوط قبل أن يؤول إلى جورج ديلفان كان في مكتبة الشيخ حميدة بن محمد العمالي وهو ما يستفاد من التوقيع المقيد على إحدى صفحات المخطوط بخط وحبر مخالف.*13*والشيخ العمالي من مواليد العاصمة في بداية القرن التاسع عشر، تتلمذ لعلماء عصره أمثال محمد بن الشاهد ومصطفى الكبابطي وحمودة المقايسي وأحمد بن الكاهية ومحمد الصالح الضوي وغيرهم، تولى مناصب شرعي سامية ووظائف دينية عالية، منها القضاء والفتوى والإمامة والتدريس، وكان جمّاعة للكتب مشهوراً بين العلماء باقتناء نفائسها ونوادر المخطوطات حتى صار مضرب الأمثال في ذلك بين علماء المغرب. توفي سنة 1873م بالجزائر العاصمة.
ونسجل خطوة جديدة مع تحقيق كتاب الرحلة في فهم المقري، حيث استوفى المحقق الدكتور محمد بن معمر شروط التحقيق الضرورية، وقد تطلب هذا العمل الشاق من الباحث جهداً غير يسير لترتيب المادة وتبويبها خاصة إذا علمنا أن المخطوط المعتمد عليه مبتور، حيث فقدت بدايته ونهايته مما حدا بالمحقق إلى إجراء تصميم جديد في ترتيب المادة فوضع عناوين وأرقاماً، وبوب المتن، فأعطاه وجهاً لائقاً يسرّ قراءته، بالإضافة إلى تدبيج مقدمة وافية عن المؤلف والعصر، والمدونة المحققة وأسلوب الكتابة وغيرها من الأمور الضرورية في هذا المجال.
ونقدر بشكل خاص المحاولة المنهجية للمحقق الهادفة إلى تسهيل القراءة بما وفره من فهارس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وفهارس للأعلام وأخرى للأماكن والبلدان، وبما أثبته من مصادر ومراجع للتحقيق، وكلها أمور تشهد على جدية هذا الباحث وحرصه على الدقة العلمية في ثبت المعلومات ومناقشتها وتخريج بعضها بشكل ينمّ عن ذكاء حادّ.
عنوان الكتاب:
أما فيما يخص عنوان الكتاب، وهو رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، يذكر المحقق في المقدمة أنه لم يعثر على كتاب بهذا العنوان ضمن قائمة مؤلفات المقري التي وضعها مترجموه القدامى والمحدثون، كما انعدمت الإشارة إلى أي عنوان في ثنايا الرحلة من طرف المؤلف. ويؤكد هذا الإشكال محقق الرحلة الذي اعتمد نسخة واحدة في التحقيق مبتورة البداية والنهاية، إلا أن مايمكن الاطمئنان إليه هو أن كتباً أخرى للمؤلف لا تزال في حكم المفقود، وأن بعض عناوينها تبعث على احتمال تطابقها مع محتوى الرحلة مثل كتاب الغث والسمين والرث والثمين، والبدأة والنشأة، وغيرهما.
يستفاد من محتوى الكتاب أنه من المؤلفات الأخيرة التي وضعها المقري، حيث ذكر أن أحمد ابن شاهين وهو الذي اقترح عليه تأليف كتاب نفح الطيب، قد استدعاه إلى بيته في محرم سنة 1041هـ حين زار دمشق للمرة الثانية، قبل عودته إلى القاهرة ووفاته بها في جمادى الثانية من السنة نفسها، فالمدة الواقعة بين التاريخ الوارد في الكتاب وبين تاريخ وفاته أقل من خمسة أشهر، ويبدو أن أخبار المقري قد انقطعت ابتداء من أواخر ربيع الأول سنة 1041هـ وهو التاريخ الذي بعث فيه رسالة إلى شيخه محمد الدلائي صاحب الزاوية الدلائية.
يحتوي كتاب الرحلة على معلومات هامة، تتعلق بحياة المقري الشخصية في تلمسان والمغرب الأقصى ومصر والشام والحجاز، يعالج في الرحلة الحياة الثقافية والأدبية في عصره، وتتضمن الرحلة معلومات تاريخية عن بلاد المغرب وأرض الحجاز واليمن، وبعض القضايا الفقهية والعقدية وغير ذلك.
وما يلاحظ عموماً هو أن الرحلة لم تكن مجرد مشاهدات سياحية كما هو الشأن في أدب الرحلات، ولم تكن أيضاً صادرة عن حاجة سياسية أو طائفية وإن خالطت الرؤية الذاتية التي اتسعت عبر الرحلة لتغدو معبرة عن السياسة والاجتماع، فالمقري لم يعن كثيراً بوصف ما شاهده من مظاهر العمران في المدن التي زارها في المشرق أو المغرب، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المظاهر أضحت من الأمور المعروفة لدى الناس؛ فلا تصوير للمؤسسات السياسية أو الاقتصادية، ولا وصف للشوارع والحدائق والساحات العامة، وإنما التفت المقري إلى أعمق من ذلك، إلى مظاهر الحياة العلمية، فوصفها وصفاً ينم عن خبرة وثقافة عاليين لم نلمسهما عند من سبقه من الرحالين.
جديد ما يتضمنه كتاب الرحلة:
يتمثل جديد ما يتضمنه كتاب الرحلة في خصوصية المعلومات المتصلة بجانب تتعلق بحياة المؤلف الشخصية، الأمر الذي يجعل طروحات مترجميه في حاجة إلى مراجعة وتدقيق، فقد ذكر مترجموه القدامى والمحدثون*14*مثلاً أنه بنى بامرأتين فقط وهما زوجته المغربية التي بنى بها أيام إقامته في فاس وولدت له أنثى سنة 1026هـ كما أخبرنا في هذه الرحلة، وحين رحل إلى المشرق ترك المرأة وابنتها ولم يعد إليهما، وأما الزوجة الثانية فهي مصرية من عائلة السادات الوفائيين وقد بنى بها عندما استقر في القاهرة. غير أن نصوص الرحلة تفيد بأنه تزوج بثلاثة نساء وليس اثنتين فقط، فقد بنى قبل المغربية والمصرية بامرأة تلمسانية وهي بنت المفتي محمد بن عبد الرحمن بن جلال التلمساني مفتي تلمسان وفاس، ولم يخبرنا المؤلف فيما إذا كان زواجه منها قد تم بتلمسان أو ي مدينة فاس وتاريخ ذلك*15*.
وأما أولاده فقد أخبرنا مترجموه أن المقري لم يرزق طوال حياته سوى بأنثيين فقط، بنت المغربية والتي عاشت حتى تزوجت، وبنت المصرية التي توفيت صغيرة، وأنه لم ينجب ذكراً، ولكن نصوص الرحلة تثبت العكس، فهي تؤكد أنه رزق بذكر من زوجته المصرية واسمه محمد المكي، وقد وردت الإشارة إلى ذلك في ثلاثة مواطن من الرحلة، وقد مات ولده صغيراً وقد تلقى المقري سيلاً من رسائل التعزية أورد بعضها المتعلق بابنته في نفح الطيب.
أما عن أسباب رحلته من المغرب الأقصى إلى المشرق، فقد اضطربت حولها الآراء واختلفت الأقوال وإن كانت في مجملها تتفق على أنها سياسية، ومنها أن سلطان المغرب هو الذي أجبر المقري على مغادرة المدينة، وأنه خرج متخفياً، وهو رأي غير سديد بدليل ما ورد في الرحلة من أن المؤلف هو الذي استأذن ملك المغرب صاحب فاس وهو الغالب بالله عبد الله بن المأمون في السماح له بالرحيل. وقد أذن له في ذلك وكتب في شأنه رسالة من إنشاء محمد بن أحمد الفاسي*16*إلى سلطان الحجاز شريف مكة يخبره عن قدوم المؤلف إليه ويبلغه عن علمه وفضله ومكانته ويوصيه به خيراً*17*.
كما أن هناك مسألة هامة تتعلق بنزول المقري مدينة الجزائر وتونس وسوسة واتصاله بعلماء هذه المدن وهو في طريق الرحلة من المغرب صوب المشرق. وباستثناء إشارة المقري في منظومته فتح المتعال إلى أنه نزل بهذه المدن فإن بقية المصادر لم تشر إلى ذلك قط، لكن نصوص الرحلة تؤكد لنا نزوله بهذه المدن واتصاله بعلمائها وتواريخ ذلك، إذ يخبرنا المقري أنه نزل بالجزائر العاصمة يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 1027 هـ، حيث خرج إلى رأس تافورة صحبة جماعة من الأعيان منهم مفتي الحنفية الخطيب محمود بن حسين بن قرمان، والشاعر الأديب محمد بن راس العين الذي تبادل معه نظم الشعر بمناسبة هذا الاجتماع، كما التقى بعالم الجزائر وفقيهها الشيخ سعيد قدورة (ت 1066هـ)، الذي كان قد رافقه في الأخذ عن عمه سعيد المقري.
وأثناء هذا اللقاء لا غز سعيد قدورة المؤلف في لفظ القوس نثراً فأجابه، كما لاغزه في لفظ الصنّبر بتسعة أبيات، وأجابه المؤلف بأحد عشر بيتاً في حل هذا اللغز*18*.
ومن جملة ما قال المقري في مدح مدينة الجزائر المحروسة وعلمائها:*19*
جزائر الغرب لا تطرقك أحزان = يا بهجة الجهر طابت منك أزمان
وزادك الله يا أرض الجهاد عُلى = فكم علا فيك إسلام وإيمان
وصانك الله من كيد العدى وغدا = للنصر والعز في مغناك إدمان
وزانك الله بالشيخ الذي بهرت =علومه أوحد العليا سليمان
فاعذر محباً قصير الباع مغتربا = عن معهد الأنس والأحباب قد بانوا
ثم غادر مدينة الجزائر وركب البحر متوجهاً إلى تونس، ولما وصلها اتصل بالشيخ أبي عبد الله محمد تاج العارفين بن أبي بكر العثماني التونسي إمام وخطيب جامع الزيتونة، وقبل أن يقدم عليه كتب إليه يطلب منه الإجازة، فأجابه المقري مجيزاً في قصيدة فاقت الأربعين بيتاً وذلك في شهر صفر من سنة 1028هـ، وهو على وشك أن يركب البحر مواصلاً رحلته نحو مصر. وقد أخبرنا المقري في نفح الطيب أن السفينة ظلت على حذر شديد أثناء مدة السفر من قراصنة الإفرنج خصوصاً أهل مالطة الذين كانوا يطاردون مراكب المسلمين في عرض البحر الأبيض المتوسط، وأن وصوله إلى مصر كان بعد خوض بحار، يدهش فيها الفكر ويحار، وأما عن تاريخ دخول مصر فقد أخبرنا في نفح الطيب أن ذلك كان في رجب سنة 1028هـ، وهو ما أكده تلميذه عبد الباقي الحنبلي حين أشار إلى أن المقري لما دخل رجب افتتح البخاري فأتى بما هو أعجب وكان حافظاً أديباً. غير أن كتاب الرحلة يعطي تفاصيل أكثر ويزيل بعض اللبس حين يثبت أن المقري حل بالإسكندرية، بعد رحلته الشاقة في البحر في شهر جمادى الأولى 1028هـ، وتكون كلمة مصر الواردة في النفح وفي نص الحنبلي إنما تعني القاهرة وليس القطر المصري، وعليه فلا تناقض بين النصين وقد ورد في الرحلة أنه قبل دخوله القاهرة أكمل تأليف كتابه إتحاف المغرم المغرى بتكميل شرح الصغرى وهو من العقائد.
كما يحتوي كتاب الرحلة على مخاطبات ومكاتبات ومساجلات ومراسلات المؤلف مع أعيان عصره، من فحول الأدباء والشعراء، والعلماء والفقهاء، والقضاة والأمراء ورجال الإفتاء من المغرب العربي ومصر وأرض الحجاز وبلاد الشام، ومن هؤلاء: محمد بن يوسف الكلشني، وإبراهيم بن محمد الأكرمي، ومحمد بن علي الحريري، وابو بكر الدلائي وابنه محمد، وفتح الله بن محمد البيلوني، ومحمد بن راس العين، وسعيد قدورة، وأيوب بن أحمد الخلوتي، وأحمد شهاب الدين الغنيمي، وغيرهم من الأعلام الأعيان الذين حفلت بهم الرحلة.
كما يتضمن كتاب الرحلة مظهراً من مظاهر النشاط الثقافي للمؤلف، وهو المتمثل في إجازاته النظمية والنثرية التي أجاز بها طلبته وعلماء عصره، وقد فاقت العشرين إجازة، أما عن إجازات العلماء له، فقد تضمن الكتاب إجازة واحدة في هذا الشأن، وتتعلق بإجازة الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوارث الصيفي المالكي المصري للمقري، وجاءت مطولة ومؤرخة في شهر ربيع الأول سنة 1029هـ.
كما يحتوي كتاب الرحلة على مجموعة كبيرة من القصائد والمقطوعات من نظم المقري وبعض أدباء عصره، والكثير منها جاء في فن المدح سواء أكان المؤلف مادحاً أم ممدوحاً، ويبدو أن هذه الظاهرة موجودة في باقي كتب المؤلف. ومن الفنون التي شاعت في عصر المؤلف ظاهرة التلغيز نظماً ونثراً، وقد احتوى الكتاب على بعض النماذج من هذه الظاهرة. وممن لاغز المقري عالم الجزائر وفقيهها سعيد قدورة، وإبراهيم السحوري، وعلي بن أحمد الفاسي في لفظ أمس، ومحمد بن عبد الرحمن الأعمش في كلمة رمضان.
ومما جاء حول لغز سعيد قدورة مايلي: "كتب إلي مفتي الجزائر وعالمها وإمامها وخطيبها الأخ في الله سيدي سعيد الشهير بقدورة حفظه الله/ملغزاً في القوس:
يا بارعاً أربى على ذوي النهى = ولامعاً يسمو على نجم السهى
لفظ تراه في كتاب الله = أتى مثنى يا أخا انتباه
ولم يثن فيه واصطحبه =في السفر المبرور تستطبه
فأجابه المؤلف بما نصه:
الحمد لله الذي ألهما = لحل مُشْكلٍ عَرَا وأفهما
وصلواته على المُقَرَّبِ = كقاب قوسين النبيِّ العربي
ثم الرضى عن صحبه وعترتِهْ = الفائزين بمزايا إثرته
ووارثيه علماء الملة = السعداء العاملين الجلة
وبعد:
يا صدر الكمال والورع فقد أتانا نظمك الذي عجز عن ألفاظه قاريها، فأسلم القوس إلى باريها، وكيف لا وقد رمى عنها، فلم تحط شريد الفهم..".*2*
ولم يخل الكتاب من الإشارات والمعلومات التاريخية التي جاءت متناثرة في ثناياه، وقد تضمنتها رسائل المؤلف إلى بعض أعلام عصره، فإن كان المقري قد اهتم تخصيصاً بمسائل الحديث والفقه والبلاغة والتلغيز والشعر والأخبار فلأنها بدون شك كانت تعتبر من المسائل المركزية، وأنها من الأهمية بحيث ينبغي الانطلاق من فهمها وتوضيحها قبل التصدي لأية مسألة أخرى، وعبر نقل هذه العلوم والمعارف التي كرس لها المؤلف جزءاً كبيراً من حياته، برهن أبو العباس المقري التلمساني كيف شارك المغاربة في تطور الحياة الفكرية والسياسية والثقافية والدينية في البلاد الإسلامية، كما يعود إليه الفضل في تعريف المغاربة بما كان يجري في المشرق من حركة علمية وأدبية، وتقريب ماكان يجري في المغرب إلى المشارقة، إضافة إلى أنَّه نبّه إلى نقاط التقاء كثيرة بين المذاهب الفكرية والدينية في العالم الإسلامي، حيث انطلق منها للبحث عن فهم أكثر شمولاً لما يجمع بينهما، بعيداً عن الصراعات السياسية والمذهبية، وأمور الحكم، وقد خلت الرحلة من كل ذلك، غير أن ما يلاحظ حول بناء الرحلة هو الانقطاع الغريب بين الموضوعات، فليس بها من مميزات الخطاب المتماسك شيء يذكر، يأخذ فيه البعض برقاب البعض الآخر، فلا يربط المتن خيط واصل، ولا يجمع المادة ناظم منسجم، وإنما يقوم بناؤها على تشكيل مادة نصيّة كان المؤلف يتلقاها من أقرانه العلماء من تقريظ أو مدح، أو ماكان يصدر عنه من إجازات ومدح وشكر، أو من تلغيز ومراسلات، كما أن هذه المادة النصية لا تخضع لأي بناء كرونولوجي أو جغرافي معين، حيث تبدأ الرحلة في الصفحة الأولى، بالحديث عن علماء مصر والحجاز وهي مرحلة لاحقة زمنياً في رحلة المقري وإنما كان تجميعها في مؤلف واحد خاضعاً لحس حاولنا تتبعه في المدونة فلم نقف على ما يوصل الأجزاء والفقرات والمواد، اللهم إلا المواضيع التي لا تكاد تخرج عن المحاور الآتية:
التقريظ - الإفتاء - الإجازات - أسئلة حول فنون البلاغة والنحو - التلغيز- المدح - المراسلات - النجوى.
كما يلاحظ تداخل كبير بين أخبار ورد ذكرها في نفح الطيب، أعيد ذكرها في الرحلة، وقد يرد تكرار الحادثة نفسها في نص الرحلة ذاتها، ولعل ذلك يعود إلى أنّ المؤلف كان يعتمد في تآليفه على الذاكرة والحفظ دون سواهما؛ فلم تكن معه في دار الهجرة (القاهرة) مستندات أو مصادر يرجع إليها، اللهم إلا ما علق بذاكرته من معلومات. ولا نستبعد من جهتنا أن يكون هذا التكرار نتيجة إرهاق أصاب الرجل بعد هذه الرحلة التي تميزت بكثرة الحركة والتأليف. بقي أن نقول إن أسلوب المقري في هذا الكتاب لا يختلف كثيراً عن أسلوبه في بقية كتبه ومخطوطاته، فقد حاز قصب السبق في فني المنظوم والمنثور، وذلك بشهادة معاصريه، كما أنه صاحب نثر علمي سلس التركيب، قريب المعنى، مجرد من أساليب الكناية والتورية وما شابهها. أما نثره الفني المسجع فهو متين التركيب، قوي البنيان، حسن الديباجة، جيد السبك، في حين امتاز نثره المرسل ببساطة التركيب، وقصر الجمل، وجزالة اللفظ. وعلى العموم فإن المقري كانت له اليد الطولى في تقدم فن النثر في وقت كاد الإنتاج العلمي يقتصر على شروح الفقه ومنامات التصوف.
المصادر والمراجع:
1-نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري شهاب الدين أحمد، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968.
2-رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، أبو العباس أحمد المقري، تحقيق: د.محمد بن معمر، مكتبة الرشاد للطباعة والنشر، الجزائر، 2004.
3-مجلة الفكر العربي، العدد الثاني والثلاثون، يونيو 1993، (عدد حول الاستشراق: التاريخ والمنهج والصورة).
4-الرحالة المسلمون الذين زاروا الصين خلال القرون الوسطى، رافئيل إسرائيلي، ترجمة: أبو بكر أحمد باقادر، مجلة دراسات شرقية، العددان"19/20، باريس، 2003، ص 58.
* جامعة وهران –الجزائر.
([2]) الرحالة المسلمون الذين زاروا الصين خلال القرون الوسطى، رافئيل إسرائيلي، ترجمة: أبو بكر أحمد باقادر، مجلة دراسات شرقية، العددان "19/20، باريس، 2003، ص58.
([3]) الرحالة المسلمون الذين زاروا الصين خلال القرون الوسطى، مرجع سابق، ص59-60.
([4]) الرحلة وكتب الرحلات الأوروبية إلى المشرق حتى نهاية القرن الثامن عشر،د.جبور الدويهي، مجلة الفكر العربي، العدد الثاني والثلاثون، يونيو 1983، ص 58.
([5]) المشرق في أدب الرحلة الفرنسيين بين حربي 1914 و1939، د.جان جبور، مجلة الفكر العربي، العدد 32، يونيو 1983، ص 70.
([6])رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، أبوالعباس أحمد المقري، تحقيق: د.محمد بن معمر، مكتبة الرشاد، الجزائر، 2004، ص05.
([7]) المصدر السابق، ص 06.
([8]) نفح الطيب، المقري، دار صادر، ج1،ص 13.
([9]) المصدر السابق، ص 13 وما بعدها.
([10]) رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، ص 6.
([11]) المصدر السابق، ص 6.
([12]) رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، تحقيق: د.محمد بن معمر، ص 09.
([13]) المصدر السابق، ص 15.
([14]) ممن ترجم للمقري: ابن عبد الكريم محمد، المقري وكتابه نفح الطيب، دار مكتبة الحياة، بيروت (د.ت).
-الجنحاني الحبيب، المقري صاحب نفح الطيب، مطبعة النهضة، تونس، 1955.
-حسن محمد عبد الغني، المقري، صاحب نفح الطيب، مطبعة الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1966.
-بعض مقدمات المحققين لكتاب نفح الطيب، كمقدمة الدكتور: إحسان عباس(1968)، ومقدمة المحقق: مصطفى السقا وآخرين (1978).
([15]) رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، تحقيق: د.محمد بن معمر، ص10
([16])رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، ص51.
([17]) المصدر السابق، ص 10-11.
([18]) المصدر السابق، ص 72- 73.
([19]) المصدر السابق، ص 74.
([20]) رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، ص 72.
د. عبد القادر شرشار