نقوس المهدي
كاتب
تقرير أطـــروحـــة الــد كــتـــوراه التي تقدم بها الباحث عبد العزيز بلبكري في موضوع: علاقات المغرب الأقصى مع المشرق العربي بين عامي 1012 ه/ 1603م- 1246ه/1830م من خلال الرحلات الحجازية المغربية، (الاستمداد الروحي والتواصل الفكري) ” تحت إشراف الدكتور أحمد البوزيدي يوم الثلاثاء 11 مارس 2014م، قاعة اللغة العربية، كلية الآداب فاس ظهر المهراز جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس المغرب.
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الأمين.
السيد رئيس اللجنة الأستاذ الدكتور محمد أمين، السيد أحمد البوزيدي أستاذي المشرف شفاه الله وعفاه، السيد الدكتور جمال حيمر، السيد الدكتور محمد اليازيدي، الحضور الكريم…
أتشرف اليوم بالجلوس أمام لجنتكم العلمية الموقرة لعرض تقرير أطروحتي الجامعية التي وسمتها ب” علاقات المغرب الأقصى مع المشرق العربي بين عامي 1012 ه/ 1603م- 1246ه/1830م من خلال الرحلات الحجازية المغربية (الإستمداد الروحي والتواصل الفكري).
والحقيقة أن هذا اللقاء العلمي لا يكون فقط، بالنسبة للمرشح، مناسبة لعرض التصور العام لأطروحته من حيث الموضوع وأسباب الإختيار والخطوات المنهجية المتبعة والمصادر والمراجع المعتمدة وما توصل إليه من نتائج في الأخير، لكنه يكون مناسبة لتحميل التقرير الآمال التي يتطلع إليها هذا الباحث، وهي بذلك انعكاس للأمال الجمعية، في صيغة المفرد.
ومن هذه الزاوية، فإن التقرير يربط بين ما مضى وما يتطلع إليه هذا الباحث أو ذاك في المستقبل القريب أو البعيد، فبقدر ما تكون المناسبة لعرض ما تم إنجازه، تكون مناسبة للتفكير في المقبل من الزمن في علاقته مع الإهتمام العلمي الخاص لهذا الباحث المفترض.
إن العنوان التي ارتضيته لهذه الأطروحة ينسجم والتصور العام لموضوع وحدة البحث والتكوين:
“علاقات المغرب التاريخية مع بلدان المشرق العربي وإفريقيا جنوب الصحراء خلال التاريخ الحديث والمعاصر” إلا أنه يركز على حيز محدد من الفضاء الآفرو آسيوي المذكور، وهو المغرب الأقصى في علاقته بالمشرق العربي.
وانطلاقا من العرف العلمي لهذه المناسبة، فإنني سوف أتطرق في هذا التقرير، إلى العناصر المحورية التي تضيء بعض جوانبه الكبرى وتمفصلاته، عبر المؤشرات الجزئية التالية:
– الإشكاليات التي تعالجها الأطروحة
– أهمية الموضوع
– أسباب اختيار الموضوع
– الزمان والمكان في الموضوع
– نظرة عن المادة المصدرية.
– خطة البحث ومنهج الدراسة.
1- إشكالية الأطروحة
إن قراءتنا وملازمتنا للرحلات الحجازية المغربية المعتمدة لفترة طويلة، جعلتنا نلامس الإشكالية الكبرى التي يعالجها هذا النوع من الكتابة الرحلية، وهو ما حاولنا صياغته وفق التصور التالي:
– إذا كانت بلاد المغرب الأقصى، بمفهومها التاريخي الواسع، تعتبر جزءا من المنظومة العربية- الإسلامية، قد عرفت وصول وانتشار الدين الإسلامي مبكرا قرونا كثيرة قبل الزمن التاريخي التي تعالجه أطروحتنا فهل تعكس لنا هذه الرحلات الحجازية المغربية مستوى وحجم تعلق المغاربة بدينهم الإسلامي، سواء كانوا من حملة العلم بالحواضر أو من أهل البوادي؟ وما هي بعض مظاهر مساهمة سكانه في بناء حضارتها في جانبها الفكري ؟ وهل يمكن أن نعتبر فن كتابة الرحلة الحجازية اختصاصا مغربيا قحا على الأقل خلال زمن أطروحتنا ؟
إشكالية كبرى وأخرى فرعية، حاولت هذه الأطروحة المرتكزة على الرحلات الحجازية المغربية الإجابة عنها وفق ما توصل إليه جهد هذا الباحث…
2- أهمية الموضوع
يأخذ هذا الموضوع قيمته وأهميته من جوانب مختلفة منها بعده الحضاري ومنها جانبه المذهبي ومنها راهنيته السياسية؛ فبالنبسة للسبب الأول لم تنقطع العلاقات والصلات بين المشرق العربي والمغرب الأقصى منذ قرون بعيدة حيث جمعت الطرفان حضارات حوض البحر المتوسط المختلفة من فنيقية وقرطاجية ووندالية فضلا عن الحضارة الجديدة في ظل الإسلام، بل إن هذه الروابط التاريخية والحضارية قد تمتنت وتوطدت منذ وصول الدين الجديد إلى المغرب الأقصى مع الفاتحين العرب، وتوالي الفتوحات الإسلامية وما واكبها من هجرات بشرية، في صيغة أفراد أو جماعات.
وفيما يتعلق بالعنصر الثاني، فإن الدين الإسلامي على مذهبه السني المالكي ظل المؤطر المذهبي للمغرب الأقصى، على الرغم من فترات محدودة في الزمن عرفت فيه بعض المناطق انتشار بعض التوجهات المذهبية من قبيل الخوارج في سجلماسة، بينما ظل المشرق العربي وفيا، بشكل عام، للمذهب السني الشافعي أوالحنفي أو الحنبلي أو المالكي.
وفيما يخص العنصر الثالث فإن الفضائين الاثنين، المغرب الأقصى والمشرق العربي، يجتمعان في مجموعة من القواسم المشتركة منها ذات البعد الاقتصادي إذ تجمع الطرفان، أو على الأقل بعض مكوناتهما، أنشطة تجارية مختلفة، ومنها المرتبطة بالجانب العلمي بحكم تبادل الخبرات والتجارب في مجال الدراسة والتدريس والتكوين …، وأخرى متعلقة بالعنصر البشري كعمالة من المغرب إلى بعض دول الخليج خاصة.
وسواء تعلق الأمر بالسبب الأول أو الثاني أو الثالث فإن أركاب الحج المغربية لم تتوقف عن أداء مناسك الحج وزيارة قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على امتداد التاريخ الإسلامي إلا ما كان من فترات محدودة شكلت حالات استثنائية خلال فترات الفوضى والإضطرابات وانقطاع السبل في البر أو البر بحكم غياب الأمن.
3- أسباب اختيار الموضوع
يمكن إرجاع أسباب اختيار الموضوع إلى مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية؛ أما بخصوص الجانب الأول فإن ضرورة التأطير ضمن التصور العام لموضوع وحدة البحث والتكوين في تاريخ علاقات المغرب الأقصى مع بلدان المشرق العربي وإفريقيا جنوب الصحراء خلال التاريخ الحديث، جعلتي أتوجه باهتمامي إلى علاقات المغرب الأقصى مع المشرق العربي، أما بخصوص السبب الثاني فيتمثل في اهتمامي بالروابط المغربية- المشرقية وتاريخ علاقات الطرفين، ولعل تعلقي أيضا بهذا الجانب نابع من تجربتي، على بساطتها، في البحث عن المخطوط والإهتمام به ومنه المخطوط المرتبط بالرحلة والأنساب، ولن أجانب الصواب إذا قلت أن البحث في تاريخ الحج هو تحقيق لرغبة دفينة في زيارة هذه الأرض الطيبة، الحجاز، وأداء الفريضة، فيكون الحج والزيارة عن بعد قبل المباشرة إن شاء الله.
وارتباطا بالعنصرين، فإن الرغبة في خدمة التراث المكتوب، والدفين منه بصفة خاصة، حفزني أيضا على هذا التوجه ذي البعد التراثي الحضاري.
4- الإطار الزماني والمكاني للأطروحة
أما بالنسبة لعنصر الزمان فإن اختيارنا لهذا الفضاء الزماني يأخذ مصداقيته من القيمة التاريخية للحدث الذي يؤرخ له كل من تاريخ بداية زمن الأطروحة ونهايتها، وهما معا تاريخان مهمان بالنسبة لماضي المغرب.
إن اختيارنا لعام 1012ه/ 1603م، الذي يوافق سنة وفاة الخليفة أحمد المنصور السعدي، يشكل نقطة تحول في التاريخ المغربي الحديث حيث دخل المغرب، بعد وفاة السلطان المذكور، مرحلة من الصراع على السلطة بين أطراف عديدة تقاسمت خريطة البلاد، وجعلت حيزه الجغرافي فسيفسائيا تتصارع داخله زعامات محلية تغطي كل الخريطة، ستؤسس لتحول سياسي عميق بعد مدة من الزمن غير بعيدة.
أما التاريخ الثاني سنة 1246ه/ 1830م، فهو يوافق حدثا قلب أوضاع المغرب بعد مدة قصيرة، وأدخله في مسلسل التوسع الإمبريالي الممنهج إلى حين توقيع معاهدة فاس عام 1330ه/ 1912م، إنه تاريخ احتلال الجزائر، جارة المغرب، عام 1830م، الذي جاء في إطار الظاهرة التوسعية المذكورة وامتد إلى بلدنا في ظل سياسة ” بقعة الزيت ” التي سلكتها الدول الأوربية القوية خلال القرن 19م.
وبين التاريخ الأول والثاني، مدة مهمة تتجاوز القرنين من الزمن عرف المغرب في ظلها فترات من التدهور السياسي والركود الاقتصادي، وفترات أخرى من الإستقرار والإزدهار أسهمت في التطور الاجتماعي والفكري.
لقد عرف المغرب في ظل هذه المدة الطويلة فترات من الفوضى السياسية منها تلك التي وقعت بعد وفاة أحمد المنصور السعدي( ت 1012ه/ 1603م ) إلى حين بداية استقرار الأوضاع في ظل الإمارة العلوية الجديدة بتافيلالت على عهد مولاي امحمد بن الشريف العلوي( ت 1075ه )، وبعد وفاة المولاي إسماعيل بن الشريف عام 1139ه/ 1727م، وقعت فترة الفوضى السياسية التي دامت ثلاثين سنة( 1727- 1757م ) واستبد فيها عبيد البخاري بالسلطة والأمراء المتطلعين إلى الحكم، فكانوا يولون من يدفع لهم أكثر من المال، وقد عاش المغرب أيضا فترة أخرى من غياب الأمن في ظل حكم السلطان المولاي سليمان بحكم الثورات الداخلية التي فرضت على المخزن العلوي مواجهة بعض القبائل الثائرة والزوايا.
على أن هذه المدة الطويلة التي تؤطر بحثنا ( 1012ه/ 1603م- 1246ه/ 1830م ) قد شهدت فترات حكم عدة سلاطين عاش المغرب في ظلهم استقرارا واضحا امتد تأثيرها إلى ما هو اقتصادي واجتماعي فأثر فيهما وأثرا فيه.
وارتكاز زمن بحثنا على هذه المدة الطويلة، مكننا من ملامسة بعض عناصر الإستمرارية والقطيعة في تاريخ ركب الحاج المغربي، وما واكبه من تطورات في العلاقات المغربية – المشرقية من خلال فريضة الحج.
وارتباطا بعنصر الزمان، يأتي عنصر المكان الذي يحدد الإطار المكاني الجغرافي لموضوع دراستنا.
يمتد الفضاء الجغرافي الذي تقوم عليه أطروحتنا، على حيز مكاني واسع يشمل جهتين اثنتين من العالم العربي، الأولى تمثل المغرب الأقصى بمفهومه التاريخي الواسع وأجنحته ذات الإمتداد الأصيل في الجنوب الغربي والجنوب الشرقي من خلال منطقتي شنقيط وتوات.
ولئن كان ( الواقع ) السياسي في الماضي القريب وحتى الآن قد غير الإنتماء الجغرافي لهذين الفضاءين المغربيين الأصيلين بحكم مخلفات ما بعد فترة الإستعمار وتركته، ن رحلاتنا الحجازية المغربية المعتمدة قد منحتنا أدلة تاريخية وسياسية أصيلة بانتماء المنطقتين للتراب المغربي، لأقول بخصوص الإقليمين:
بلاد شنقيط وتوات المغربيتان/ أي اغتيال للتاريخ ؟1
أما في جهة الشرق، فقد كانت منطقة تافنا حدا فاصلا بين المغرب والجزائر العثمانية واستمرت على عهد الجزائر تحت الحكم الفرنسي، فزكتها المعاهدات بين الطرفين منذ حكم المولاي إسماعيل وتجديدها على عهد السلاطين الذين توالوا على حكم المغرب بعده إلى حين عقد معاهدة للامغنية بين المغرب وفرنسا سنة 1845م على إثر هزيمة الجيش المخزني في معركة إيسلي عام 1844م، غير أن هذه المعاهدة لم ترسم الحدود وتعينها على امتداد خطها في اتجاه الجنوب بل تركتها دون تحديد لأمر مقصود يوفر المبرر للفرنسيين للتدخل في المغرب لاحقا وهو ما سيؤدي إلى اقتطاع الإقليمين السابقي الذكر من خريطة الجسم الترابي المغربي.
وتبقى الواجهتان الشمالية والغربية ذات حدود طبيعية بحكم انفتاحهما على البحر الأبيض المتوسط شمالا وعلى المحيط الأطلسي غربا اللتان لم تسلما بين الفينة والأخرى من التدخل الأجنبي المؤقت والمحدود، خلال فترة الدراسة.
وبخصوص الجهة الثانية من مجال الدراسة، فهي تتجلى في المشرق العربي بمكوناته الجغرافية المتمثلة في مصر والحجاز وبلاد الشام، وهي أقاليم كبرى ارتبطت بالمغرب الأقصى منذ الحضارات القديمة، وشكلت جميعا مظاهر عديدة للتلاقح الحضاري في ظل العالم المتوسطي بمفهومه البروديلي2 .
5- نظرة في الببلوغرافيا المعتمدة
إن ملامسة بعض جوانب هذا الموضوع تطلبت منا ضرورة البحث والتقصي والإنفتاح على مظان مختلفة شكلت الرحلة الحجازية المغربية عمودها الفقري.
وبالرجوع إلى الخزانة المغربية، نجدها قد امتازت بالتأليف الرحلى منذ القديم، وخاصة منه الرحلة الحجازية، وما رحلات الأوائل من قبيل أبي عبيد البكري والبلوي وابن رشيد السبتي وابن بطوطة وغيرهم إلا نماذج وازنة في هذا المجال، ولم ينقطع هذا الجنس من التأليف حتى وقتنا الحالي فما رحلة الأديب أحمد المديني3 ، وقبله رحلة عبد الرحمن بن زيدان ورحلة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي ورحلة محمد المختار السوسي وغيرهم، إلا استمرارية لهذا القبيل، وتواصل بين القديم والجديد.
وبين هذا القديم والجديد في التأليف الرحلي المغربي، يبقى المتن الرحلي المرتبط بزمن أطروحتنا فارضا نفسه، حاضرا بامتياز لاعتبارات عديدة أساسها الجانب الكيفي والجانب الكمي، ولعل جداول لائحة الرحلات الحجازية التي أوردتها الأطروحة في مواضيع مختلفة دليل على ما انتهينا إليه.
أما بخصوص الجانب الأول، فإن الرحلات الحجازية المغربية التي ألفت بين الفترة الممتدة من عام 1012ه/ 1603م حتى 1246ه/ 1830م، بزت نظيراتها السابقة في مضامينها بحكم القيمة العلمية لأصحابها لدرجة أن البعض اعتبر ” الرحلة العياشية” نموذجا ( كذب ما قبله وأعجز ما بعده)، ولا نعتقد أن ” الرحلة الناصرية الكبرى” لابن عبد السلام الناصري الدرعي كانت أقل قيمة من نظيرتها العياشية.
وعلى مستوى الكم، فن الرجوع إلى جرد الرحلات الحجازية المغربية التي دونت، وجدت أو ما تزال في حكم المفقود أو الضائع، ومقارنتها بفترات سابقة عن زمن البحث أو لاحقة عنه، تذهب بنا إلى ترجيح هذا التفوق الكمي.
إن الرحلة الحجازية المغربية شكلت الأساس المصدري لهذه الدراسة فقد أحصينا منها ما ينيف عن الثلاثين رحلة، منها المطبوع والمخطوط المتداول، مثل الرحلة العياشية والرحلة الناصرية إلى الديار النورانية والرحلة الناصرية الكبرى والصغرى…، ومنها المخطوط النادر مثل رحلة ابن الطيب الشرقي الصميلي، التي طبعت مؤخرا، وقطعة من رحلة أحمد الهلالي ورحلة محمد بن صالح الإدريسي الدرعي، ومنها ما هو متناثر ضمن مؤلفات أخرى كرحلة حمدون بن الحاج السلمي أو محمد التاودي بن سودة المري…
وتمنحنا هذه المتون الرحلية الحجازية المغربية معلومات متفاوتة عن موضوع اهتمامنا بحكم حجمها المتباين، وقيمة أصحابها العلمية المتفاوتة لكنها جميعا تجسد التعلق بالدين الإسلامي الذي تترجمه الرغبة في أداء مناسك الحج وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، والتردد على أولياء الله الصالحين الذين قضوا نحبهم، أو الأحياء منهم، بالزيارة والإتصال المباشر، أو بالزيارة عن بعد حسب الحال والمقام.
وفضلا عن هذه الصورة الروحانية، فإن هذه الرحلات الحجازية المغربية تمدنا بمعلومات مهمة، كما وكيفا، عن العلاقات الفكرية المغربية – المشرقية في تمظهراتها المختلفة من قراءة وإقراء، وإجازات وإنشادات، ومناظرات وتقارض، وتبادل للكتب بالشراء أو الاستعارة…
وقد تغاضينا عن التمثيل لبعض هذه الرحلات الحجازية المغربية في هذا التقرير حيث خصصنا لها حيزا مهما من عملنا هذا في إطار الفصل الثاني من القسم التمهيدي، الذي استغرق أكثر من 120 صفحة، فعرفنا فيه بهذه الرحلات المذكورة تأليفا وكاتبا ومصادر، ولم أتمكن من الوصول إلى بعض الدراسات المغربية التي اعتمدت كتب الرحلة عامة أو الرحلة الحجازية خاصة، وإن في جوانبها العلائقية العامة مع العالم الإسلامي، أو في داخل الركب الحجازي المغربي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وفكريا، من قبيل دراسة الأستاذ محمد ماكمان، والأستاذة نزهة عقيلي.
وفي هذا الصنف رجعنا إلى بعض الرحلات الحجازية غير المغربية4 التي أعملت ودونت في هذه الفترة من زمن اهتمامنا، وكان الغرض منها مقارنة بعض نصوصها ومضامينها العامة مع الرحلات الحجازية المغربية المعتمدة، وبهذا الخصوص رجعنا إلى” النفحة المسكية في الرحلة المكية ” لعبد الله بن حسين السويدي( 1174ه )، و” الرحلة الحجازية ” لأوليا جلبي التركي (كاتب جلبي: حاجي خليفة:ت 1657م )5 ، و” الحقيقة والمجاز” لعبد الغني النابلسي.
ورجعنا في هذا الصنف من التأليف الرحلي إلى الكثير من الدراسات والمقالات التي طرقت جانبا أو جوانب مختلفة من هذا الموضوع، ونذكر في هذا السياق بعض ما كتبه ثلة من الرواد المغاربة، وغير المغاربة، من قبيل محمد المنوني وعبد العزيز بن عبد الله وعبد الهادي التازي وعباس الجراري، وحمد الجاسر السعودي …أو المتأخرين المعاصرين من الباحثين المغاربة مثل الأستاذ البحاثة النسابة هاشم العلوي القاسمي وأساتذتي الدكاترة المحترمين أحمد البوزيدي وأحمد الأزمي ومحمد بوكبوط، وعبد الله الترغي المرابط وعبد السلام شقور وزهراء إخوان الشاذلي وعبد الحفيظ الطبايلي والمهدي السعيدي6 …، واستفدنا في هذا الباب من الشبكة العنكبوتية خاصة من مقالات الباحثين محمد بنعلي بو زيان وعبد القادر شرشار وسميرة أنساعد الجزائريين وغيرهم كثير7 ….
النوع الثاني من المصادر والمراجع المساعدة المعتمدة هي الفهارس والأثبات، ودورها مهم في الترجمة لأصحاب الرحلات المعتمدة، فهي تزودنا بمعلومات مهمة للتعريف بالرحالة المغاربة من حيث أصولهم السلالية الجغرافية، وبداياتهم العلمية وتطورهم في الزمان والمكان بالتلقي في مسقط الرأس ثم عند الإغتراب للتلقي في مركز حضري قريب أو بعيد وخاصة بفاس، وبعدها التصدي للتدريس، وذكر المقروءات وما حصل عليه صاحبها من إجازات، وما خلفه من مصنفات… ونذكر في هذا الصنف ” إتحاف الأخلاء بإجازات المشايخ الأجلاء” لأبي سالم العياشي، و”اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر ” للعياشي أيضا، و” فهرسة اليوسي” و” الفهرسة الكبرى والصغرى” لمحمد التاودي بن سودة و”العجالة ” لأحمد الهلالي… وكتاب ” فهرس الفهارس والأثبات” لعبد الحي الكتاني، و” فهارس علماء المغرب ” لعبد الله الترغي المرابط ….
النوع الثالث من المصادر المعتمدة، هي المدونات/ الكتب التاريخية، فهي لم تمنحنا بعض المعطيات التاريخية المرتبطة بمجال البحث وزمانه فقط، بل كثيرا ما كانت تنور بعض التراجم، وتوضح بعض الأحداث على امتداد طريق ركب الحاج المغربي، من المغرب إلى الحجاز والشام، وفي هذا الصنف نذكر ” تاريخ الضعيف “للرباطي، و” البستان الظريف” لأبي القاسم الزياني، و” نشر المثاني ” لليفرني، و” الإستقصا” للناصري، و” المعسول” للمختار السوسي، و” عجائب الآثار” للجبرتي، ” ومظاهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس” للجبرتي أيضا….ولم نعدم الرجوع إلى بعض الدراسات التاريخية المغربية وغير المغربية من قبيل ” التاريخ الاجتماعي لدرعة” للأستاذ أحمد البوزيدي و” درعة بين التنظيمات القبلية والحضور المخزني” للأستاذ أحمد البوزيدي أيضا، و”الطريقة التيجانية” للأستاذ الفاضل أحمد الأزمي، و” سفارة محمد بن عثمان المكناسي ومشاهداته في استانبول والشام والحجاز ( 1786- 1789م )” للأستاذ محمد بوكبوط، و”المغرب قبل الاستعمار” لمحمد المنصور، و”العالم العربي في التاريخ الحديث” لأسماعيل ياغي….
الصنف الرابع من الأصول المصدرية المعتمدة هو التراجم والطبقات، وقد أفادنا هذا الصنف في التعريف ببعض الأعلام التي ترجمنا لها، أو في تراجم الرحالة المغاربة المعتمدين، وفي هذا الإطار نذكر ” التقاط الدرر” لمحمد بن الطيب القادري، و”طبقات الحضيكي” لمحمد الحضيكي، و”الروضة المقصودة والحلل الممدودة في مآثر بني سودة” لسليمان الحوات، و” معجم الشيوخ ” للزبيدي، و” ألفية السند ” له أيضا، و” سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء بفاس” لمحمد بن جعفر الكتاني، و” إتحاف المطالع ” لعبد السلام بن سودة….
الصنف الخامس تمثل في ” فهارس الخزانات” ودورها مهم في تتبع أسماء المصنفات ونسخها ومضامينها العامة، وفي هذا السياق نذكر” دليل مؤرخ المغرب الأقصى”، و”كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية”، و” فهارس الخزانة الحسنية”، و”دليل كتب الزاوية الناصرية بتامكروت”، و” دليل الأطروحات والرسائل الجامعية “….
ولم نسجل في هذه السطور، في الواقع، إلا النزر اليسير مما رجعنا إليه من المصادر والمراجع المختلفة المشارب والتخصصات، ولم نشر إلى الحالات الخاصة من بعض المصنفات كالقواميس والمعاجم من قبيل “القاموس المحيط” لابن منظور…أو كتب الجغرافيا مثل كتاب ” وصف إفريقيا ” للحسن الوزان الشهير بليون الإفريقي…
6- خطة ومنهج الدراسة
لقد ساعدتنا هذه الببلوغرافيا المتنوعة، بعد مدة مهمة من التنقيب والبحث، في بناء الموضوع بالصورة التي انتهى إليها وفق ما يلي:
*- القسم التمهيدي: في مشروعية الحج والتأطير التاريخي والتعريف بالرحلات الحجازية المغربية
شغل هذا القسم حوالي 170 صفحة، وقسمته إلى ثلاثة فصول، أولهما يشير إلى مشروعية الحج في الإسلام وكتب مناسك الحج، وثانيها أرضية سياسية وتأطير تاريخي للمرحلة المدروسة بالمغرب الأقصى والمشرق العربي بمكوناته الإدارية المختلفة، فأشرنا إلى بعض الأحداث التاريخية التي زامنت أو مهدت للتاريخ المغربي السعدي – العلوي، أو بالمشرق العربي بمصر والحجاز والشام واليمن خلال زمن الدراسة، وثالثها خصصناه للتعريف بالرحلات الحجازية المغربية المعتمدة في هذه الأطروحة، متبعا خطة عرفنا من خلالها بالكاتب أي الرحالة، والكتاب/ الرحلة، وصفا خارجيا وداخيا، ثم المصادر المعتمدة في هذه الرحلات، وهو الفصل الذي استهلك أكثر صفحات هذا القسم حيث تجاوزت عدديا 100 صفحة.
*- أما القسم الثاني: الإستمداد الروحي بين المغرب الأقصى والمشرق العربي، فقد قسمته بدوره إلى أربعة فصول:
**- الفصل الأول سميته : مكة المكرمة ومكانتها الروحية عند المسلمين، وتناولت فيه بعض العناصر الفرعية من خلال ثلاثة مباحث أولها الكعبة المشرفة بين التأسيس والتطور، ثانيها التجليات الروحية للمغاربة قبل المشرق العربي، ثالثها أدبيات الشوق إلى الكعبة المشرفة، وقسمت هذا المبحث الأخير إلى عناصر جزئية هي:
– استمداد المغاربة الروحي عند الإقتراب من مكة المكرمة والحرم المكي.
– عند دخول مكة ومقابلة الكعبة المشرفة
– عند مغادرة الكعبة المشرفة ومكة.
الفصل الثاني: وسمته بالمدينة المنورة ومكانتها الروحية عند المسلمين، وقد قسمته بدوره إلى مبحثين اثنين، أولهما المسجد النبوي بين التأسيس والتطور، ثانيهما أدبيات الشوق إلى المسجد النبوي والروضة الشريفة، وتناولت هذا المبحث الثاني من ثلاثة زوايا:
– تجليات الإستمداد قبل دخول المدينة المنورة والمسجد النبوي.
– لحظة مواجهة روضته الشريفة.
– لحظة فراق قبره الشريف.
الفصل الثالث وجاء تحت عنوان: القدس الشريف واستمداد المغاربة الروحي، وجاء بدوره في مبحثين اثنين، الأول هو: القدس والصخرة الشريفة بين التأسيس والتطور، ثانيهما المسجد الأقصى والإستمداد الروحي عند المغاربة.
الفصل الرابع وتطرقت فيه للتصوف باعتباره مظهرا من مظاهر هذا التواصل الروحي المغربي- المشرقي، وقسمته بدوره إلى مبحثين، أولهما أرضية تاريخية للتصوف بالمغرب، ثانيهما الصلات الروحية المغربية- المشرقية من خلال التصوف.
*- القسم الثالث: التواصل الفكري بين المغرب الأقصى والمشرق العربي
وقسمته إلى فصول أربعة، وهي:
– الفصل الأول: تحت اسم القراءة والإقراء، وقسمته إلى مبحثين، الأول قراءة المغاربة على المشارقة، والثاني إقراء المغاربة للمشارقة، محترما في مختلف المراحل مسألة التتابع الزمني والمجالي.
– الفصل الثاني: الإجازة مظهر للتواصل الفكري المغربي- المشرقي، وجاء في مبحثين، أولهما الإجازة بين التعريف والتطور التاريخي، الثاني الإجازة مظهر للتواصل الفكري المغربي- المشرقي.
– الفصل الثالث:المناظرات والإنشادات مظهر للتواصل الفكري المغربي- المشرقي، وقسم بدوره إلى مبحث أول تحت عنوان: المناظرات شكل من أشكال التواصل الفكري بين المغرب الأقصى والمشرق العربي، والثاني اسمه الإنشادات أحد مظاهر التلاقح الفكري المغربي- المشرقي.
– الفصل الرابع: التقارض وتبادل الكتب، وقسمته إلى ثلاثة مباحث، الأول خاص بالتقارض كشكل من أشكال التواصل الفكري، والثاني تبادل الكتب بين علماء الفضاءين، والثالث يتمثل في شراء الكتب.
وقد حاولت في كل عنصر من هذه العناصر الكبرى أو الصغرى أو الجزئية أن يكون المتن الرحلي الحجازي المغربي أساس الدراسة وأرضيته، على أن هذا التقيد وفق ما يقتضيه العنوان واحترامه في إطار المنهجية العلمية الأكاديمية، لم يمنعنا من الإنفتاح على مصادر أخرى مكملة، وتيسر في نفس التوجه الموضوعاتي من قبيل الرحلات الحجازية لبعض المشارقة.
وختمت هذا العمل بمجموعة من الملاحق قسمتها إلى أقسام منها ملحق خاص بالخرائط التي اتبعت فيها الخط المفترض لسير رحالاتها سواء في البر أو البحر مركزا على أهم المحطات، وهي المحطات التي تواتر نزول الأركاب المغربية فيها.
على أنني لم أضع خرائط لكل الرحلات الحجازية المغربية المعتمدة لاعتبارات موضوعية منها غياب متون بعض الرحلات من قبيل رحلة التاودي بنسودة المري الفاسي وحمدون بن الحاج السلمي الفاسي، أو لصعوبة تتبع مسار الرحلة كحالة رحلة أحمد المقري أو رحلة محمد بن محمد الدلائي أو عبد العزيز المغراوي.
والملاحظ في مسار هذه الرحلات، هو تقطع بعضها حيث اعتمدت على ما ورد عند بعضها الذي ابتدأ حديثه في كتابه عن الطريق من القاهرة وهي حالة التمراوي السوسي، أو التي انتهت في محطة غير نهائية، على الأقل في حدود ما هو بين أيدينا من متن الرحلة، كحالة أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي، أو انتهى إلى الحجاز وتلك حالة رحلة الإسحاقي الشرقي.
الملحق الثاني كان مجال اهتمامه نصوص الرحلات الحجازية المغربية، وقصدت منه أولا توثيقها وكتابتها بطريقة عصرية سهلة لجعلها بين يدي الباحث والمهتم بها، وثانيا التمثيل لبعض الرحلات غير الطويلة حجما، والمتنوعة جنسا أدبيا، والمختلفة تاريخا وجغرافيا، فأوردت في هذا الباب منها ما هو مخطوط خاصة ومنها ما هو مطبوع محدود التداول مثل رحلة محمد الدلائي ورحلة عبد الرحمن التواتي المغربي.
الملحق الثالث خصصته للإجازات، وعملت فيه على التمثيل لبعض الإجازات تفاديا للإطالة في المتن وتوثيقا لها لإفادة الباحث والمهتم، وقد حاولت التنويع فيها حسب الإتجاهين مشرقي – مغربي ثم مغربي- مشرقي، وحسب تاريخها لتغطية فترات البحث قدر الإمكان وحسب مجالها الجغرافي لتشمل خريطة المغرب الأقصى ومكونات المشرق العربي من مصر إلى الحجاز إلى بلاد الشام.
منحتنا السطور السابقة إشارات مختصرة عن مضمون الأطروحة ومادتها المصدرية والمرجعية، إلا أن هذه المادة على تنوعها وتباينها في الزمان والمكان، كان من الضروري تأطيرها وفق منهج يستثمر معلوماتها ويوظف محتوياتها بالشكل الذي ينور مختلف جوانبها ويخضعها لتصور متكامل الجوانب منهجيا.
وانطلاقا من هذه الإشارة المرتبطة بالمنهج المتبع، فإننا اتبعنا المنهج التاريخي الذي يقوم على عنصر الزمان وتنبني ضوابطه المنهجية عليه.
لقد حاولنا على امتداد هذا الحيز الزماني الواسع احترام عنصر التاريخ في تطوره التعاقبي وتسلسله الحدثي بالشكل الذي يربط اللاحق بالسابق فكانت انطلاقتنا من عام 1012ه/ 1603م وانتقلنا بشكل تدريجي في الزمن الماضي إلى حين نهاية زمن الأطروحة سنة 1246ه/ 1830م.
على أن هذا الترابط في الزمان والإستمرارية في التحولات الكبرى لا يعني ضرورة تغطية كل فترة زمنية، لحظة بعد أخرى، من التاريخ الحديث الذي يحدد زمن بحثنا إذ غابت المادة المصدرية الرحلية أحيانا مما استوجب القفز على بعضها والإرتباط أكثر بزمن ما هو بين أيدينا من الرحلات.
وبموازاة مع المنهج التاريخي، وضفنا المنهج المقارن، وقد دعتنا إلى ذلك ضرورة اللجوء إلى المقارنة، بين الفينة والأخرى، بين المتون الرحلية المعتمدة، سواء في جانبها الكمي أو الكيفي، وأحيانا مع بعض الرحلات الحجازية غير المغربية.
صحيح أن مسألة المقارنة في سياق العلوم الإنسانية تبقى مسألة نسبية بالنظر للطابع الشخصي الذي يطغى عليها، وقيامها على التصورات والتمثلات غير المنضبطة بشكل مدقق وحاد إلا أن هذا المنهج المقارن يمكننا من تصور أولي وتقييم للذات مقارنة مع الآخر.
وفي هذا السياق، جاء انفتاحنا على بعض التجارب التأليفية الأخرى البعيدة عن الفضاء المغربي فلاحظنا تقاربها في طريقة التناول وفي المواضيع المطروقة وفي ذات الإهتمامات سواء فيما هو فكري أو فيما هو روحي.
وبخصوص نفس المنهج المقارن أيضا، حاولنا اللجوء إلى عملية الإختزال لبعض المعطيات الشخصية لأرباب الرحلات المعتمدة من خلال الجداول، أو بالنسبة لمتونهم الرحلية كما وكيفا، فميزنا بين مستويات مفتاوتة، ودرجات متباينة، وانتهينا إلى عناصر الإستمرارية في جوانب عديدة من المتن الرحلي المغربي، وأخرى شكلت عناصر تحول فيها؛ فبخصوص الجانب الأول زكت هذه الرحلات ارتباط الإنسان المغربي بدينه الإسلامي وحبه الشديد لخالقه وارتباطه الكبير بصاحب دعوته محمد عليه الصلاة والسلام، وبمغربيته ووطنيته ، كما أشارت إلى الإحساس العميق، بنفس الإنتماء، الذي يحسه المغربي وهو في المشرق بحكم الإنتماء لنفس المنظومة الحضارية الإسلامية بغض النظر عن مكان الوجود من ( دار الإسلام )، ودعمت هذه الرحلات الحجازية خاصية التعدد في مظاهر التلاقح والتواصل الروحي والفكري بأشكاله وآلياته المختلفة. وتعرضت هذه الرحلات أيضا لمسألة كثيرا ما أرقت أركاب الحجيج وهي الصعوبات الطبيعية، خاصة مشكل العطش والبرد والصعوبات التضاريسية، إلى جانب مشكل قطع الطرق بسبب اعتداءات الأعراب وفرضهم الغرامات على الحجاج في الطرق البرية وخطر القرصنة والغرق في الطريق البحري، ناهيك عن انتشار بعض الأوبئة بين الفينة والأخرى.
أما بخصوص عناصر التباين فمنها تغير طرق ركب الحاج حيث تراجع الطريق الصحراوي لصالح اتجاه الشمال نحو الطريق البحري.
واعتمدت أيضا، وإن بدرجة محدودة وحسب السياق، المنهج الكمي لتقييم
بعض الظواهر القابلة التقييم الكمي من قبيل تعداد الإجازات في الرحلات
الحجازية المغربية المعتمدة، واختصار بعض المعطيات المرتبطة بها، في
بعض الجداول، وكذا في مقارنة بعض جوانب أصحاب الرحلات
الحجازية مثل أعداد حجاتهم وأعمارهم خلال الحجة الأولى والثانية، وعدد
الأيام في كل رحلة رحلة خلال الذهاب والإياب، وحجم الصفحات من
كتب الرحلات في الذهاب وعند الرجوع…
خلاصات واستنتاجات
يعتبر البحث والتنقيب في التراث المكتوب من العلامات المضيئة في البحث التاريخي عند الشعوب، ومطلبا موضوعيا للحفاظ عليه من الضياع والنسيان، وأداة لتعريف الخلف بالسلف وما بدلوه من مجهول في الحفاظ على الكيان الحضاري لأي بلد كان ومنه المغرب الأقصى.
وتمثل الرحلات الحجازية المغربية بعضا من هذا الرصيد المعرفي المكتوب فقد حافظت الخزانة التراثية المغربية على رصيد مهم منها، على امتداد قرون كثيرة، ضاع بعض منه، وما زال بعض آخر مجهول المصير ينتظر من يميط اللثام عنه وينقده من الموت والضياع النهائي…
لقد مكنتنا هذه التجربة، من خلال هذا العمل الأكاديمي، من التعرف على عدد مهم من هذه الرحلات الحجازية المغربية، ومن خلالها بعض جوانب التواصل المغربي- المشرقي، الذي لم ينقطع، وإن اعترته بعض التعثرات أحيانا لأسباب عديدة، واتخذ صيغا وأشكالا مختلفة تمثلت فيما هو روحي وما هو فكري، اتخذ كل منهما مظاهر عديدة، بل هناك أشكال تواصل أخرى تتجاوز مجال اهتمام هذه الأطروحة كالمجال التجاري والاجتماعي وغيرهما.
أما بالنسبة للجانب الأول، فقد تجلى في جاذبية مكة المكرمة، بما حوته من معالم ميزها الله عن غيرها بها، منها الحرم المكي وباقي المناسك الأخرى، في هذه المدينة، وفي محيطها القريب والبعيد.
إن ارتباطنا بهذا الموضوع لمدة زمنية مهمة، جعلنا نلاحظ ونتتبع الإحساس الذي يختلج نفسية الحاج منذ فراق الأهل والبلاد لأول مرة، وهو إحساس لا يخففه إلا الإقبال على الكعبة المشرفة وزيارة قبر الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وزيارة شهداء الإسلام الأوائل، وأهل الخير والصلاح والعلم على امتداد طريق الحاج المغربي.
وفي هذا الإطار، لا يمكن إلا أن نؤكد هذا الحضور الروحي بالنسبة للإنسان المغربي منذ بداية طريق الحج إلى حين عودته إلى مسقط رأسه، فكل محطة أونزل إلا ورد بخصوصه قول مأثور أو فيه مدفن رجل صالح أو ولي من أهل الله أو عالم فقيه … أما المحطات الكبرى خاصة منذ القاهرة فإنها مبتغى كل مسلم ومطمح كل مؤمن، اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، لدرجة أن أبا سالم العياشي قد قال عنها بأن دائرة الخيال عنها أوسع من دائرة الحقيقة، حيث نجد فيها ما لا يتصور، ناهيك عن مشاعر مكة المكرمة ومزارات المدينة المنورة.
أما بخصوص الجانب الثاني الفكري، فهو بدوره يعكس تلك العلاقات الحميمية التي جمعت المغرب بالمشرق، واتخذت صيغا مختلفة، منها القراءة والإقراء، والإجازات والمناظرات والإنشادات والتقارظ وتبادل الكتب، وهي أشكال متباينة في النمط، مختلفة في المبنى، لكنها متحدة في الجوهر إذ تمثل آليات من آليات التواصل ضمن المكون العربي الإسلامي الذي يؤطر هذه العلاقات، ويدعم جانبها الحضاري.
وبحكم أن المغاربة كانوا عابرين للبلاد المشرقية، حالين بها لأجل محدد، فقد أثبتوا أن عبورهم لم يكن ليمر دون تخليد أثرهم هنا أو هناك، فدرسوا غيرهم، وكتبوا الإجازات لأقرانهم من العلماء، وحتى من فاقهم علما، فضلا عمن هو دونهم، وناظروا غيرهم من العلماء المشارقة وأفحموهم أحيانا نموذج ذلك مسألة الدخان التي أثارت الكثير من الجدال الفقهي من جهة إلى أخرى.
على أننا، ونحن في السطور الأخيرة من تقرير هذه الأطروحة التي رافقناها وسايرناها مدة مديدة، لا بد أن نشير إلى بعض الملاحظات التي قد لا تكون نتائج جديدة تفرد بها هذا العمل، ومنها:
– اكتشاف بعض النصوص الرحلية الحجازية المغربية الجديدة تتمثل في الرحلة الحجازية لأحمد بن عبد العزيز الهلالي، أو على الأقل، التأكيد على وجود نصها الأصلي، وإن لم نعرف منه حتى الآن سوى قطعة صغيرة، وقد تم إصدار نفس القطعة من رحلة الهلالي المتوفرة لدينا من طرف باحث من مدينة وجدة، ثم الرحلة الحجازية لعبد الرحمن بن عمر التواتي المغربي الذي حج سنة 1188ه ووافته المنية بمصر.
– تراجع الطريق الصحراوي الداخلي لصالح طريق الشمال القريب نسبيا من الواجهة المتوسطية خاصة كلما زاد الابتعاد عن المغرب الأقصى.
– وجود كم هائل من المتون الرحلة الحجازية المغربية التي تحتاج إلى الكشف والتنقيب عنها ودراستها لاستخراج مضامينها العامة.
– الشخصية الحضارية للمغرب الأقصى في مختلف الجوانب ومنها أصالة الرحلة الحجازية المغربية التي ميزت الثقافة المغربية بخصوصيتها وجعلت الرحلة الحجازية اختصاصا مغربيا أعطاه فرادته وتميزه عن غيره من باقي البلاد الإسلامية شرقا وغربا.
– مشكلة النهب واللصوصية التي حضرت في المتن الرحلي المغربي مما يعكس ضعف السلطة الحاكمة أحيانا وتراجع سلطتها كلما تم الابتعاد عن المراكز الحضرية وان كان هذا الجانب الاجتماعي خارجا عن مجال اهتمامنا لذلك لم نشر إليه إلا إشارات عابرة.
– استمرار بعض التفسيرات الغيبية أحيانا لبعض الظواهر الطبيعية عند الرحالة المغاربة، على امتداد فترة التاريخ التي يغطيها البحث، من قبيل رؤية قبس من نار كلما زاد الإقتراب من المدينة المنورة، دون محاولة تفسير ذلك بشكل عقلاني مقبول إلا في القليل من الأحيان كحالة أبي سالم العياشي لكن استحضار طبيعة العقلية السائدة يجعل تأويل هذه التفسيرات وفق تبريراتها الآنية والناقدة مقبولة .
– إحياء التراث المكتوب والإهتمام به ضرورة ملحة وأكيدة حفاظا وحماية للكينونة المغربية.
ومهما يكن، فإن هذا العمل لا يمثل إلا مساهمة بسيطة عالجت بعض جوانب العلاقات الروحية والفكرية بين مكونات المنظومة الإسلامية خلال التاريخ الحديث، التي هي جناحي العالم الإسلامي المشرق العربي والمغرب الأقصى، وهو موضوع تواترت فيه بعض الدراسات لكن اعتمادا على المؤلفات التاريخية والدراسات الأدبية … في حين كان العمود الفقري لهذه الأطروحة هو الرحلات الحجازية والمغربية منها بالأخص دون أن يعني ذلك عدم الإنفتاح أحيانا على نماذج غير مغربية على سبيل المقارنة لظاهرة معينة.
ومهما وصل إليه هذا العمل العلمي من مستوى، وانتهى إليه من مجهود، وتوصل إليه من جديد، إن تحقق فعلا، فإنه يبقى لبنة ومحاولة في بناء صرح البحث التاريخي بالجامعة المغربية، يتمم بعضه وينير طريق غيره، لكنه يفتح أسئلة جديدة قد أكون انتبهت إلى بعضها، ولا شك إنني جانبت غيرها، وهو لا يخلو من أخطاء رغم أنني بذلت الجهد لتصويب ما توصلت إليه في النسخة التي هي بين أيدي أساتذتي الأجلاء سواء المطبعية أو التقنية من قبيل اختلاف بعض الهوامش عن صفحاتها الأصلية
وفي نهاية هذا التقرير، أجدد شكري الخالص لأستاذي الفاضل الدكتور أحمد البوزيدي على قبوله الإشراف على هذه الأطروحة، وتحمله عناء التصحيح والتصويب والتقويم لكثير من الهفوات، وعلى إبدائه العديد من الملاحظات المنهجية التي استوجبتها قراءته لهذا العمل العلمي، فله الشكر التام والإمتنان الكبير، والشكر موصول أيضا لكل الأساتذة الأجلاء الذين قبلوا مناقشة هذه الأطروحة وتحملوا عناء قراءتها، رغم المشاغل الكثيرة، والالتزامات العديدة، الدكتور محمد أمين والدكتور محمد اليازيدي والدكتور جمال حيمر.
ولن تفوتني الفرصة في هذه المناسبة العلمية أيضا، دون أن أجدد تشكراتي لكل من ساعدني من قريب أو من بعيد في إنجاز هذا البحث بالتشجيع والنصح وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور أستاذي مولاي هاشم بن المهدي بن هاشم القاسمي العلوي، وعائلتي الصغيرة وعلى رأسها والدتي أمد الله في عمرها وأم الأبناء ورفيقة الحياة وأشقائي كل واحد باسمه وكل العائلة الكبيرة والعائلة العلمية .
وبالله التوفيق والسلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
الهوامش:
1- وقد استعرت هذه الصيغة من عمل الأستاذ أحمد الأزمي: بلاد شنقيط المغربية/ أي اغتيال للتاريخ ؟ : الطريقة التيجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن 19، كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس المغرب، السنة الجامعية 1999- 2000م، مرقونة، 1/ 175.
2-Fernand Braudel, LA Méditerranée et le monde méditerranéen à l’ époque de Philippe П,-1- la part du milieu, Armand Colin, Paris France,1996.
3- المديني أحمد، الرحلة إلى بلاد الله، مطبعة المعارف الرباط المغرب، 2010م، عن حجته لعام 1430ه/ 2009م، وقد كان الأديب المغربي المعاصر، المديني، قد نشرها عبر حلقات في جريدة ( المساء ) المغربية تحت اسم: الرحلة إلى الله.
4- لم يقتصر التأليف في الرحلة الحجازية أو الرحلة الحجية، على المغاربة والعرب المشارقة بل ألف علماء شعوب اسلامية كثيرة في هذ النوع من الكتابة، نذكر منهم بعض الأتراك مثل ايليا جلبي (حجة عام 1631م)، ويوسف نابي ( حجة سنة 1678م )، وعبد الرحمن حبري، ومحمد أديب الذي حج سنة 1779م)، يرجع الى: بنحادة عبد الرحيم، العثمانيون المؤسسات والاقتصاد والثقافة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب،ط1/ 1429ه-2008م، صص 245- 250؛ ونجد في الشبكة العنكبوتية مجموعة من الدراسات والمقالات المرتبطة بالرحلات الحجازية التي ألفها الايرانيون في فترات زمنية متباينة ……
5- بنحادة عبد الرحيم، العثمانيون المؤسسات والاقتصاد والثقافة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب،ط1/ 1429ه-2008م ، صص245- 247.
6- نشرت مقالاتهم في بعض المجلات الوطنية بالمغرب من قبيل دعوة الحق والبحث العملي ومجلة أمل….، وكان بعضها مثار مشاركات مغربية أو عربية من قبيل ندوة مكة عاصمة الثقافة العربية….
7- وأغلب مقالات هؤلاء الباحثين نشرت في مجلات مغربية أو عربية مثل مجلة ” دعوة الحق ” التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، أو مجلة ” التاريخ العربي” الصادرة عن اتحاد كتاب العرب بدمشق سوريا ….
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الأمين.
السيد رئيس اللجنة الأستاذ الدكتور محمد أمين، السيد أحمد البوزيدي أستاذي المشرف شفاه الله وعفاه، السيد الدكتور جمال حيمر، السيد الدكتور محمد اليازيدي، الحضور الكريم…
أتشرف اليوم بالجلوس أمام لجنتكم العلمية الموقرة لعرض تقرير أطروحتي الجامعية التي وسمتها ب” علاقات المغرب الأقصى مع المشرق العربي بين عامي 1012 ه/ 1603م- 1246ه/1830م من خلال الرحلات الحجازية المغربية (الإستمداد الروحي والتواصل الفكري).
والحقيقة أن هذا اللقاء العلمي لا يكون فقط، بالنسبة للمرشح، مناسبة لعرض التصور العام لأطروحته من حيث الموضوع وأسباب الإختيار والخطوات المنهجية المتبعة والمصادر والمراجع المعتمدة وما توصل إليه من نتائج في الأخير، لكنه يكون مناسبة لتحميل التقرير الآمال التي يتطلع إليها هذا الباحث، وهي بذلك انعكاس للأمال الجمعية، في صيغة المفرد.
ومن هذه الزاوية، فإن التقرير يربط بين ما مضى وما يتطلع إليه هذا الباحث أو ذاك في المستقبل القريب أو البعيد، فبقدر ما تكون المناسبة لعرض ما تم إنجازه، تكون مناسبة للتفكير في المقبل من الزمن في علاقته مع الإهتمام العلمي الخاص لهذا الباحث المفترض.
إن العنوان التي ارتضيته لهذه الأطروحة ينسجم والتصور العام لموضوع وحدة البحث والتكوين:
“علاقات المغرب التاريخية مع بلدان المشرق العربي وإفريقيا جنوب الصحراء خلال التاريخ الحديث والمعاصر” إلا أنه يركز على حيز محدد من الفضاء الآفرو آسيوي المذكور، وهو المغرب الأقصى في علاقته بالمشرق العربي.
وانطلاقا من العرف العلمي لهذه المناسبة، فإنني سوف أتطرق في هذا التقرير، إلى العناصر المحورية التي تضيء بعض جوانبه الكبرى وتمفصلاته، عبر المؤشرات الجزئية التالية:
– الإشكاليات التي تعالجها الأطروحة
– أهمية الموضوع
– أسباب اختيار الموضوع
– الزمان والمكان في الموضوع
– نظرة عن المادة المصدرية.
– خطة البحث ومنهج الدراسة.
1- إشكالية الأطروحة
إن قراءتنا وملازمتنا للرحلات الحجازية المغربية المعتمدة لفترة طويلة، جعلتنا نلامس الإشكالية الكبرى التي يعالجها هذا النوع من الكتابة الرحلية، وهو ما حاولنا صياغته وفق التصور التالي:
– إذا كانت بلاد المغرب الأقصى، بمفهومها التاريخي الواسع، تعتبر جزءا من المنظومة العربية- الإسلامية، قد عرفت وصول وانتشار الدين الإسلامي مبكرا قرونا كثيرة قبل الزمن التاريخي التي تعالجه أطروحتنا فهل تعكس لنا هذه الرحلات الحجازية المغربية مستوى وحجم تعلق المغاربة بدينهم الإسلامي، سواء كانوا من حملة العلم بالحواضر أو من أهل البوادي؟ وما هي بعض مظاهر مساهمة سكانه في بناء حضارتها في جانبها الفكري ؟ وهل يمكن أن نعتبر فن كتابة الرحلة الحجازية اختصاصا مغربيا قحا على الأقل خلال زمن أطروحتنا ؟
إشكالية كبرى وأخرى فرعية، حاولت هذه الأطروحة المرتكزة على الرحلات الحجازية المغربية الإجابة عنها وفق ما توصل إليه جهد هذا الباحث…
2- أهمية الموضوع
يأخذ هذا الموضوع قيمته وأهميته من جوانب مختلفة منها بعده الحضاري ومنها جانبه المذهبي ومنها راهنيته السياسية؛ فبالنبسة للسبب الأول لم تنقطع العلاقات والصلات بين المشرق العربي والمغرب الأقصى منذ قرون بعيدة حيث جمعت الطرفان حضارات حوض البحر المتوسط المختلفة من فنيقية وقرطاجية ووندالية فضلا عن الحضارة الجديدة في ظل الإسلام، بل إن هذه الروابط التاريخية والحضارية قد تمتنت وتوطدت منذ وصول الدين الجديد إلى المغرب الأقصى مع الفاتحين العرب، وتوالي الفتوحات الإسلامية وما واكبها من هجرات بشرية، في صيغة أفراد أو جماعات.
وفيما يتعلق بالعنصر الثاني، فإن الدين الإسلامي على مذهبه السني المالكي ظل المؤطر المذهبي للمغرب الأقصى، على الرغم من فترات محدودة في الزمن عرفت فيه بعض المناطق انتشار بعض التوجهات المذهبية من قبيل الخوارج في سجلماسة، بينما ظل المشرق العربي وفيا، بشكل عام، للمذهب السني الشافعي أوالحنفي أو الحنبلي أو المالكي.
وفيما يخص العنصر الثالث فإن الفضائين الاثنين، المغرب الأقصى والمشرق العربي، يجتمعان في مجموعة من القواسم المشتركة منها ذات البعد الاقتصادي إذ تجمع الطرفان، أو على الأقل بعض مكوناتهما، أنشطة تجارية مختلفة، ومنها المرتبطة بالجانب العلمي بحكم تبادل الخبرات والتجارب في مجال الدراسة والتدريس والتكوين …، وأخرى متعلقة بالعنصر البشري كعمالة من المغرب إلى بعض دول الخليج خاصة.
وسواء تعلق الأمر بالسبب الأول أو الثاني أو الثالث فإن أركاب الحج المغربية لم تتوقف عن أداء مناسك الحج وزيارة قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على امتداد التاريخ الإسلامي إلا ما كان من فترات محدودة شكلت حالات استثنائية خلال فترات الفوضى والإضطرابات وانقطاع السبل في البر أو البر بحكم غياب الأمن.
3- أسباب اختيار الموضوع
يمكن إرجاع أسباب اختيار الموضوع إلى مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية؛ أما بخصوص الجانب الأول فإن ضرورة التأطير ضمن التصور العام لموضوع وحدة البحث والتكوين في تاريخ علاقات المغرب الأقصى مع بلدان المشرق العربي وإفريقيا جنوب الصحراء خلال التاريخ الحديث، جعلتي أتوجه باهتمامي إلى علاقات المغرب الأقصى مع المشرق العربي، أما بخصوص السبب الثاني فيتمثل في اهتمامي بالروابط المغربية- المشرقية وتاريخ علاقات الطرفين، ولعل تعلقي أيضا بهذا الجانب نابع من تجربتي، على بساطتها، في البحث عن المخطوط والإهتمام به ومنه المخطوط المرتبط بالرحلة والأنساب، ولن أجانب الصواب إذا قلت أن البحث في تاريخ الحج هو تحقيق لرغبة دفينة في زيارة هذه الأرض الطيبة، الحجاز، وأداء الفريضة، فيكون الحج والزيارة عن بعد قبل المباشرة إن شاء الله.
وارتباطا بالعنصرين، فإن الرغبة في خدمة التراث المكتوب، والدفين منه بصفة خاصة، حفزني أيضا على هذا التوجه ذي البعد التراثي الحضاري.
4- الإطار الزماني والمكاني للأطروحة
أما بالنسبة لعنصر الزمان فإن اختيارنا لهذا الفضاء الزماني يأخذ مصداقيته من القيمة التاريخية للحدث الذي يؤرخ له كل من تاريخ بداية زمن الأطروحة ونهايتها، وهما معا تاريخان مهمان بالنسبة لماضي المغرب.
إن اختيارنا لعام 1012ه/ 1603م، الذي يوافق سنة وفاة الخليفة أحمد المنصور السعدي، يشكل نقطة تحول في التاريخ المغربي الحديث حيث دخل المغرب، بعد وفاة السلطان المذكور، مرحلة من الصراع على السلطة بين أطراف عديدة تقاسمت خريطة البلاد، وجعلت حيزه الجغرافي فسيفسائيا تتصارع داخله زعامات محلية تغطي كل الخريطة، ستؤسس لتحول سياسي عميق بعد مدة من الزمن غير بعيدة.
أما التاريخ الثاني سنة 1246ه/ 1830م، فهو يوافق حدثا قلب أوضاع المغرب بعد مدة قصيرة، وأدخله في مسلسل التوسع الإمبريالي الممنهج إلى حين توقيع معاهدة فاس عام 1330ه/ 1912م، إنه تاريخ احتلال الجزائر، جارة المغرب، عام 1830م، الذي جاء في إطار الظاهرة التوسعية المذكورة وامتد إلى بلدنا في ظل سياسة ” بقعة الزيت ” التي سلكتها الدول الأوربية القوية خلال القرن 19م.
وبين التاريخ الأول والثاني، مدة مهمة تتجاوز القرنين من الزمن عرف المغرب في ظلها فترات من التدهور السياسي والركود الاقتصادي، وفترات أخرى من الإستقرار والإزدهار أسهمت في التطور الاجتماعي والفكري.
لقد عرف المغرب في ظل هذه المدة الطويلة فترات من الفوضى السياسية منها تلك التي وقعت بعد وفاة أحمد المنصور السعدي( ت 1012ه/ 1603م ) إلى حين بداية استقرار الأوضاع في ظل الإمارة العلوية الجديدة بتافيلالت على عهد مولاي امحمد بن الشريف العلوي( ت 1075ه )، وبعد وفاة المولاي إسماعيل بن الشريف عام 1139ه/ 1727م، وقعت فترة الفوضى السياسية التي دامت ثلاثين سنة( 1727- 1757م ) واستبد فيها عبيد البخاري بالسلطة والأمراء المتطلعين إلى الحكم، فكانوا يولون من يدفع لهم أكثر من المال، وقد عاش المغرب أيضا فترة أخرى من غياب الأمن في ظل حكم السلطان المولاي سليمان بحكم الثورات الداخلية التي فرضت على المخزن العلوي مواجهة بعض القبائل الثائرة والزوايا.
على أن هذه المدة الطويلة التي تؤطر بحثنا ( 1012ه/ 1603م- 1246ه/ 1830م ) قد شهدت فترات حكم عدة سلاطين عاش المغرب في ظلهم استقرارا واضحا امتد تأثيرها إلى ما هو اقتصادي واجتماعي فأثر فيهما وأثرا فيه.
وارتكاز زمن بحثنا على هذه المدة الطويلة، مكننا من ملامسة بعض عناصر الإستمرارية والقطيعة في تاريخ ركب الحاج المغربي، وما واكبه من تطورات في العلاقات المغربية – المشرقية من خلال فريضة الحج.
وارتباطا بعنصر الزمان، يأتي عنصر المكان الذي يحدد الإطار المكاني الجغرافي لموضوع دراستنا.
يمتد الفضاء الجغرافي الذي تقوم عليه أطروحتنا، على حيز مكاني واسع يشمل جهتين اثنتين من العالم العربي، الأولى تمثل المغرب الأقصى بمفهومه التاريخي الواسع وأجنحته ذات الإمتداد الأصيل في الجنوب الغربي والجنوب الشرقي من خلال منطقتي شنقيط وتوات.
ولئن كان ( الواقع ) السياسي في الماضي القريب وحتى الآن قد غير الإنتماء الجغرافي لهذين الفضاءين المغربيين الأصيلين بحكم مخلفات ما بعد فترة الإستعمار وتركته، ن رحلاتنا الحجازية المغربية المعتمدة قد منحتنا أدلة تاريخية وسياسية أصيلة بانتماء المنطقتين للتراب المغربي، لأقول بخصوص الإقليمين:
بلاد شنقيط وتوات المغربيتان/ أي اغتيال للتاريخ ؟1
أما في جهة الشرق، فقد كانت منطقة تافنا حدا فاصلا بين المغرب والجزائر العثمانية واستمرت على عهد الجزائر تحت الحكم الفرنسي، فزكتها المعاهدات بين الطرفين منذ حكم المولاي إسماعيل وتجديدها على عهد السلاطين الذين توالوا على حكم المغرب بعده إلى حين عقد معاهدة للامغنية بين المغرب وفرنسا سنة 1845م على إثر هزيمة الجيش المخزني في معركة إيسلي عام 1844م، غير أن هذه المعاهدة لم ترسم الحدود وتعينها على امتداد خطها في اتجاه الجنوب بل تركتها دون تحديد لأمر مقصود يوفر المبرر للفرنسيين للتدخل في المغرب لاحقا وهو ما سيؤدي إلى اقتطاع الإقليمين السابقي الذكر من خريطة الجسم الترابي المغربي.
وتبقى الواجهتان الشمالية والغربية ذات حدود طبيعية بحكم انفتاحهما على البحر الأبيض المتوسط شمالا وعلى المحيط الأطلسي غربا اللتان لم تسلما بين الفينة والأخرى من التدخل الأجنبي المؤقت والمحدود، خلال فترة الدراسة.
وبخصوص الجهة الثانية من مجال الدراسة، فهي تتجلى في المشرق العربي بمكوناته الجغرافية المتمثلة في مصر والحجاز وبلاد الشام، وهي أقاليم كبرى ارتبطت بالمغرب الأقصى منذ الحضارات القديمة، وشكلت جميعا مظاهر عديدة للتلاقح الحضاري في ظل العالم المتوسطي بمفهومه البروديلي2 .
5- نظرة في الببلوغرافيا المعتمدة
إن ملامسة بعض جوانب هذا الموضوع تطلبت منا ضرورة البحث والتقصي والإنفتاح على مظان مختلفة شكلت الرحلة الحجازية المغربية عمودها الفقري.
وبالرجوع إلى الخزانة المغربية، نجدها قد امتازت بالتأليف الرحلى منذ القديم، وخاصة منه الرحلة الحجازية، وما رحلات الأوائل من قبيل أبي عبيد البكري والبلوي وابن رشيد السبتي وابن بطوطة وغيرهم إلا نماذج وازنة في هذا المجال، ولم ينقطع هذا الجنس من التأليف حتى وقتنا الحالي فما رحلة الأديب أحمد المديني3 ، وقبله رحلة عبد الرحمن بن زيدان ورحلة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي ورحلة محمد المختار السوسي وغيرهم، إلا استمرارية لهذا القبيل، وتواصل بين القديم والجديد.
وبين هذا القديم والجديد في التأليف الرحلي المغربي، يبقى المتن الرحلي المرتبط بزمن أطروحتنا فارضا نفسه، حاضرا بامتياز لاعتبارات عديدة أساسها الجانب الكيفي والجانب الكمي، ولعل جداول لائحة الرحلات الحجازية التي أوردتها الأطروحة في مواضيع مختلفة دليل على ما انتهينا إليه.
أما بخصوص الجانب الأول، فإن الرحلات الحجازية المغربية التي ألفت بين الفترة الممتدة من عام 1012ه/ 1603م حتى 1246ه/ 1830م، بزت نظيراتها السابقة في مضامينها بحكم القيمة العلمية لأصحابها لدرجة أن البعض اعتبر ” الرحلة العياشية” نموذجا ( كذب ما قبله وأعجز ما بعده)، ولا نعتقد أن ” الرحلة الناصرية الكبرى” لابن عبد السلام الناصري الدرعي كانت أقل قيمة من نظيرتها العياشية.
وعلى مستوى الكم، فن الرجوع إلى جرد الرحلات الحجازية المغربية التي دونت، وجدت أو ما تزال في حكم المفقود أو الضائع، ومقارنتها بفترات سابقة عن زمن البحث أو لاحقة عنه، تذهب بنا إلى ترجيح هذا التفوق الكمي.
إن الرحلة الحجازية المغربية شكلت الأساس المصدري لهذه الدراسة فقد أحصينا منها ما ينيف عن الثلاثين رحلة، منها المطبوع والمخطوط المتداول، مثل الرحلة العياشية والرحلة الناصرية إلى الديار النورانية والرحلة الناصرية الكبرى والصغرى…، ومنها المخطوط النادر مثل رحلة ابن الطيب الشرقي الصميلي، التي طبعت مؤخرا، وقطعة من رحلة أحمد الهلالي ورحلة محمد بن صالح الإدريسي الدرعي، ومنها ما هو متناثر ضمن مؤلفات أخرى كرحلة حمدون بن الحاج السلمي أو محمد التاودي بن سودة المري…
وتمنحنا هذه المتون الرحلية الحجازية المغربية معلومات متفاوتة عن موضوع اهتمامنا بحكم حجمها المتباين، وقيمة أصحابها العلمية المتفاوتة لكنها جميعا تجسد التعلق بالدين الإسلامي الذي تترجمه الرغبة في أداء مناسك الحج وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، والتردد على أولياء الله الصالحين الذين قضوا نحبهم، أو الأحياء منهم، بالزيارة والإتصال المباشر، أو بالزيارة عن بعد حسب الحال والمقام.
وفضلا عن هذه الصورة الروحانية، فإن هذه الرحلات الحجازية المغربية تمدنا بمعلومات مهمة، كما وكيفا، عن العلاقات الفكرية المغربية – المشرقية في تمظهراتها المختلفة من قراءة وإقراء، وإجازات وإنشادات، ومناظرات وتقارض، وتبادل للكتب بالشراء أو الاستعارة…
وقد تغاضينا عن التمثيل لبعض هذه الرحلات الحجازية المغربية في هذا التقرير حيث خصصنا لها حيزا مهما من عملنا هذا في إطار الفصل الثاني من القسم التمهيدي، الذي استغرق أكثر من 120 صفحة، فعرفنا فيه بهذه الرحلات المذكورة تأليفا وكاتبا ومصادر، ولم أتمكن من الوصول إلى بعض الدراسات المغربية التي اعتمدت كتب الرحلة عامة أو الرحلة الحجازية خاصة، وإن في جوانبها العلائقية العامة مع العالم الإسلامي، أو في داخل الركب الحجازي المغربي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وفكريا، من قبيل دراسة الأستاذ محمد ماكمان، والأستاذة نزهة عقيلي.
وفي هذا الصنف رجعنا إلى بعض الرحلات الحجازية غير المغربية4 التي أعملت ودونت في هذه الفترة من زمن اهتمامنا، وكان الغرض منها مقارنة بعض نصوصها ومضامينها العامة مع الرحلات الحجازية المغربية المعتمدة، وبهذا الخصوص رجعنا إلى” النفحة المسكية في الرحلة المكية ” لعبد الله بن حسين السويدي( 1174ه )، و” الرحلة الحجازية ” لأوليا جلبي التركي (كاتب جلبي: حاجي خليفة:ت 1657م )5 ، و” الحقيقة والمجاز” لعبد الغني النابلسي.
ورجعنا في هذا الصنف من التأليف الرحلي إلى الكثير من الدراسات والمقالات التي طرقت جانبا أو جوانب مختلفة من هذا الموضوع، ونذكر في هذا السياق بعض ما كتبه ثلة من الرواد المغاربة، وغير المغاربة، من قبيل محمد المنوني وعبد العزيز بن عبد الله وعبد الهادي التازي وعباس الجراري، وحمد الجاسر السعودي …أو المتأخرين المعاصرين من الباحثين المغاربة مثل الأستاذ البحاثة النسابة هاشم العلوي القاسمي وأساتذتي الدكاترة المحترمين أحمد البوزيدي وأحمد الأزمي ومحمد بوكبوط، وعبد الله الترغي المرابط وعبد السلام شقور وزهراء إخوان الشاذلي وعبد الحفيظ الطبايلي والمهدي السعيدي6 …، واستفدنا في هذا الباب من الشبكة العنكبوتية خاصة من مقالات الباحثين محمد بنعلي بو زيان وعبد القادر شرشار وسميرة أنساعد الجزائريين وغيرهم كثير7 ….
النوع الثاني من المصادر والمراجع المساعدة المعتمدة هي الفهارس والأثبات، ودورها مهم في الترجمة لأصحاب الرحلات المعتمدة، فهي تزودنا بمعلومات مهمة للتعريف بالرحالة المغاربة من حيث أصولهم السلالية الجغرافية، وبداياتهم العلمية وتطورهم في الزمان والمكان بالتلقي في مسقط الرأس ثم عند الإغتراب للتلقي في مركز حضري قريب أو بعيد وخاصة بفاس، وبعدها التصدي للتدريس، وذكر المقروءات وما حصل عليه صاحبها من إجازات، وما خلفه من مصنفات… ونذكر في هذا الصنف ” إتحاف الأخلاء بإجازات المشايخ الأجلاء” لأبي سالم العياشي، و”اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر ” للعياشي أيضا، و” فهرسة اليوسي” و” الفهرسة الكبرى والصغرى” لمحمد التاودي بن سودة و”العجالة ” لأحمد الهلالي… وكتاب ” فهرس الفهارس والأثبات” لعبد الحي الكتاني، و” فهارس علماء المغرب ” لعبد الله الترغي المرابط ….
النوع الثالث من المصادر المعتمدة، هي المدونات/ الكتب التاريخية، فهي لم تمنحنا بعض المعطيات التاريخية المرتبطة بمجال البحث وزمانه فقط، بل كثيرا ما كانت تنور بعض التراجم، وتوضح بعض الأحداث على امتداد طريق ركب الحاج المغربي، من المغرب إلى الحجاز والشام، وفي هذا الصنف نذكر ” تاريخ الضعيف “للرباطي، و” البستان الظريف” لأبي القاسم الزياني، و” نشر المثاني ” لليفرني، و” الإستقصا” للناصري، و” المعسول” للمختار السوسي، و” عجائب الآثار” للجبرتي، ” ومظاهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس” للجبرتي أيضا….ولم نعدم الرجوع إلى بعض الدراسات التاريخية المغربية وغير المغربية من قبيل ” التاريخ الاجتماعي لدرعة” للأستاذ أحمد البوزيدي و” درعة بين التنظيمات القبلية والحضور المخزني” للأستاذ أحمد البوزيدي أيضا، و”الطريقة التيجانية” للأستاذ الفاضل أحمد الأزمي، و” سفارة محمد بن عثمان المكناسي ومشاهداته في استانبول والشام والحجاز ( 1786- 1789م )” للأستاذ محمد بوكبوط، و”المغرب قبل الاستعمار” لمحمد المنصور، و”العالم العربي في التاريخ الحديث” لأسماعيل ياغي….
الصنف الرابع من الأصول المصدرية المعتمدة هو التراجم والطبقات، وقد أفادنا هذا الصنف في التعريف ببعض الأعلام التي ترجمنا لها، أو في تراجم الرحالة المغاربة المعتمدين، وفي هذا الإطار نذكر ” التقاط الدرر” لمحمد بن الطيب القادري، و”طبقات الحضيكي” لمحمد الحضيكي، و”الروضة المقصودة والحلل الممدودة في مآثر بني سودة” لسليمان الحوات، و” معجم الشيوخ ” للزبيدي، و” ألفية السند ” له أيضا، و” سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء بفاس” لمحمد بن جعفر الكتاني، و” إتحاف المطالع ” لعبد السلام بن سودة….
الصنف الخامس تمثل في ” فهارس الخزانات” ودورها مهم في تتبع أسماء المصنفات ونسخها ومضامينها العامة، وفي هذا السياق نذكر” دليل مؤرخ المغرب الأقصى”، و”كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية”، و” فهارس الخزانة الحسنية”، و”دليل كتب الزاوية الناصرية بتامكروت”، و” دليل الأطروحات والرسائل الجامعية “….
ولم نسجل في هذه السطور، في الواقع، إلا النزر اليسير مما رجعنا إليه من المصادر والمراجع المختلفة المشارب والتخصصات، ولم نشر إلى الحالات الخاصة من بعض المصنفات كالقواميس والمعاجم من قبيل “القاموس المحيط” لابن منظور…أو كتب الجغرافيا مثل كتاب ” وصف إفريقيا ” للحسن الوزان الشهير بليون الإفريقي…
6- خطة ومنهج الدراسة
لقد ساعدتنا هذه الببلوغرافيا المتنوعة، بعد مدة مهمة من التنقيب والبحث، في بناء الموضوع بالصورة التي انتهى إليها وفق ما يلي:
*- القسم التمهيدي: في مشروعية الحج والتأطير التاريخي والتعريف بالرحلات الحجازية المغربية
شغل هذا القسم حوالي 170 صفحة، وقسمته إلى ثلاثة فصول، أولهما يشير إلى مشروعية الحج في الإسلام وكتب مناسك الحج، وثانيها أرضية سياسية وتأطير تاريخي للمرحلة المدروسة بالمغرب الأقصى والمشرق العربي بمكوناته الإدارية المختلفة، فأشرنا إلى بعض الأحداث التاريخية التي زامنت أو مهدت للتاريخ المغربي السعدي – العلوي، أو بالمشرق العربي بمصر والحجاز والشام واليمن خلال زمن الدراسة، وثالثها خصصناه للتعريف بالرحلات الحجازية المغربية المعتمدة في هذه الأطروحة، متبعا خطة عرفنا من خلالها بالكاتب أي الرحالة، والكتاب/ الرحلة، وصفا خارجيا وداخيا، ثم المصادر المعتمدة في هذه الرحلات، وهو الفصل الذي استهلك أكثر صفحات هذا القسم حيث تجاوزت عدديا 100 صفحة.
*- أما القسم الثاني: الإستمداد الروحي بين المغرب الأقصى والمشرق العربي، فقد قسمته بدوره إلى أربعة فصول:
**- الفصل الأول سميته : مكة المكرمة ومكانتها الروحية عند المسلمين، وتناولت فيه بعض العناصر الفرعية من خلال ثلاثة مباحث أولها الكعبة المشرفة بين التأسيس والتطور، ثانيها التجليات الروحية للمغاربة قبل المشرق العربي، ثالثها أدبيات الشوق إلى الكعبة المشرفة، وقسمت هذا المبحث الأخير إلى عناصر جزئية هي:
– استمداد المغاربة الروحي عند الإقتراب من مكة المكرمة والحرم المكي.
– عند دخول مكة ومقابلة الكعبة المشرفة
– عند مغادرة الكعبة المشرفة ومكة.
الفصل الثاني: وسمته بالمدينة المنورة ومكانتها الروحية عند المسلمين، وقد قسمته بدوره إلى مبحثين اثنين، أولهما المسجد النبوي بين التأسيس والتطور، ثانيهما أدبيات الشوق إلى المسجد النبوي والروضة الشريفة، وتناولت هذا المبحث الثاني من ثلاثة زوايا:
– تجليات الإستمداد قبل دخول المدينة المنورة والمسجد النبوي.
– لحظة مواجهة روضته الشريفة.
– لحظة فراق قبره الشريف.
الفصل الثالث وجاء تحت عنوان: القدس الشريف واستمداد المغاربة الروحي، وجاء بدوره في مبحثين اثنين، الأول هو: القدس والصخرة الشريفة بين التأسيس والتطور، ثانيهما المسجد الأقصى والإستمداد الروحي عند المغاربة.
الفصل الرابع وتطرقت فيه للتصوف باعتباره مظهرا من مظاهر هذا التواصل الروحي المغربي- المشرقي، وقسمته بدوره إلى مبحثين، أولهما أرضية تاريخية للتصوف بالمغرب، ثانيهما الصلات الروحية المغربية- المشرقية من خلال التصوف.
*- القسم الثالث: التواصل الفكري بين المغرب الأقصى والمشرق العربي
وقسمته إلى فصول أربعة، وهي:
– الفصل الأول: تحت اسم القراءة والإقراء، وقسمته إلى مبحثين، الأول قراءة المغاربة على المشارقة، والثاني إقراء المغاربة للمشارقة، محترما في مختلف المراحل مسألة التتابع الزمني والمجالي.
– الفصل الثاني: الإجازة مظهر للتواصل الفكري المغربي- المشرقي، وجاء في مبحثين، أولهما الإجازة بين التعريف والتطور التاريخي، الثاني الإجازة مظهر للتواصل الفكري المغربي- المشرقي.
– الفصل الثالث:المناظرات والإنشادات مظهر للتواصل الفكري المغربي- المشرقي، وقسم بدوره إلى مبحث أول تحت عنوان: المناظرات شكل من أشكال التواصل الفكري بين المغرب الأقصى والمشرق العربي، والثاني اسمه الإنشادات أحد مظاهر التلاقح الفكري المغربي- المشرقي.
– الفصل الرابع: التقارض وتبادل الكتب، وقسمته إلى ثلاثة مباحث، الأول خاص بالتقارض كشكل من أشكال التواصل الفكري، والثاني تبادل الكتب بين علماء الفضاءين، والثالث يتمثل في شراء الكتب.
وقد حاولت في كل عنصر من هذه العناصر الكبرى أو الصغرى أو الجزئية أن يكون المتن الرحلي الحجازي المغربي أساس الدراسة وأرضيته، على أن هذا التقيد وفق ما يقتضيه العنوان واحترامه في إطار المنهجية العلمية الأكاديمية، لم يمنعنا من الإنفتاح على مصادر أخرى مكملة، وتيسر في نفس التوجه الموضوعاتي من قبيل الرحلات الحجازية لبعض المشارقة.
وختمت هذا العمل بمجموعة من الملاحق قسمتها إلى أقسام منها ملحق خاص بالخرائط التي اتبعت فيها الخط المفترض لسير رحالاتها سواء في البر أو البحر مركزا على أهم المحطات، وهي المحطات التي تواتر نزول الأركاب المغربية فيها.
على أنني لم أضع خرائط لكل الرحلات الحجازية المغربية المعتمدة لاعتبارات موضوعية منها غياب متون بعض الرحلات من قبيل رحلة التاودي بنسودة المري الفاسي وحمدون بن الحاج السلمي الفاسي، أو لصعوبة تتبع مسار الرحلة كحالة رحلة أحمد المقري أو رحلة محمد بن محمد الدلائي أو عبد العزيز المغراوي.
والملاحظ في مسار هذه الرحلات، هو تقطع بعضها حيث اعتمدت على ما ورد عند بعضها الذي ابتدأ حديثه في كتابه عن الطريق من القاهرة وهي حالة التمراوي السوسي، أو التي انتهت في محطة غير نهائية، على الأقل في حدود ما هو بين أيدينا من متن الرحلة، كحالة أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي، أو انتهى إلى الحجاز وتلك حالة رحلة الإسحاقي الشرقي.
الملحق الثاني كان مجال اهتمامه نصوص الرحلات الحجازية المغربية، وقصدت منه أولا توثيقها وكتابتها بطريقة عصرية سهلة لجعلها بين يدي الباحث والمهتم بها، وثانيا التمثيل لبعض الرحلات غير الطويلة حجما، والمتنوعة جنسا أدبيا، والمختلفة تاريخا وجغرافيا، فأوردت في هذا الباب منها ما هو مخطوط خاصة ومنها ما هو مطبوع محدود التداول مثل رحلة محمد الدلائي ورحلة عبد الرحمن التواتي المغربي.
الملحق الثالث خصصته للإجازات، وعملت فيه على التمثيل لبعض الإجازات تفاديا للإطالة في المتن وتوثيقا لها لإفادة الباحث والمهتم، وقد حاولت التنويع فيها حسب الإتجاهين مشرقي – مغربي ثم مغربي- مشرقي، وحسب تاريخها لتغطية فترات البحث قدر الإمكان وحسب مجالها الجغرافي لتشمل خريطة المغرب الأقصى ومكونات المشرق العربي من مصر إلى الحجاز إلى بلاد الشام.
منحتنا السطور السابقة إشارات مختصرة عن مضمون الأطروحة ومادتها المصدرية والمرجعية، إلا أن هذه المادة على تنوعها وتباينها في الزمان والمكان، كان من الضروري تأطيرها وفق منهج يستثمر معلوماتها ويوظف محتوياتها بالشكل الذي ينور مختلف جوانبها ويخضعها لتصور متكامل الجوانب منهجيا.
وانطلاقا من هذه الإشارة المرتبطة بالمنهج المتبع، فإننا اتبعنا المنهج التاريخي الذي يقوم على عنصر الزمان وتنبني ضوابطه المنهجية عليه.
لقد حاولنا على امتداد هذا الحيز الزماني الواسع احترام عنصر التاريخ في تطوره التعاقبي وتسلسله الحدثي بالشكل الذي يربط اللاحق بالسابق فكانت انطلاقتنا من عام 1012ه/ 1603م وانتقلنا بشكل تدريجي في الزمن الماضي إلى حين نهاية زمن الأطروحة سنة 1246ه/ 1830م.
على أن هذا الترابط في الزمان والإستمرارية في التحولات الكبرى لا يعني ضرورة تغطية كل فترة زمنية، لحظة بعد أخرى، من التاريخ الحديث الذي يحدد زمن بحثنا إذ غابت المادة المصدرية الرحلية أحيانا مما استوجب القفز على بعضها والإرتباط أكثر بزمن ما هو بين أيدينا من الرحلات.
وبموازاة مع المنهج التاريخي، وضفنا المنهج المقارن، وقد دعتنا إلى ذلك ضرورة اللجوء إلى المقارنة، بين الفينة والأخرى، بين المتون الرحلية المعتمدة، سواء في جانبها الكمي أو الكيفي، وأحيانا مع بعض الرحلات الحجازية غير المغربية.
صحيح أن مسألة المقارنة في سياق العلوم الإنسانية تبقى مسألة نسبية بالنظر للطابع الشخصي الذي يطغى عليها، وقيامها على التصورات والتمثلات غير المنضبطة بشكل مدقق وحاد إلا أن هذا المنهج المقارن يمكننا من تصور أولي وتقييم للذات مقارنة مع الآخر.
وفي هذا السياق، جاء انفتاحنا على بعض التجارب التأليفية الأخرى البعيدة عن الفضاء المغربي فلاحظنا تقاربها في طريقة التناول وفي المواضيع المطروقة وفي ذات الإهتمامات سواء فيما هو فكري أو فيما هو روحي.
وبخصوص نفس المنهج المقارن أيضا، حاولنا اللجوء إلى عملية الإختزال لبعض المعطيات الشخصية لأرباب الرحلات المعتمدة من خلال الجداول، أو بالنسبة لمتونهم الرحلية كما وكيفا، فميزنا بين مستويات مفتاوتة، ودرجات متباينة، وانتهينا إلى عناصر الإستمرارية في جوانب عديدة من المتن الرحلي المغربي، وأخرى شكلت عناصر تحول فيها؛ فبخصوص الجانب الأول زكت هذه الرحلات ارتباط الإنسان المغربي بدينه الإسلامي وحبه الشديد لخالقه وارتباطه الكبير بصاحب دعوته محمد عليه الصلاة والسلام، وبمغربيته ووطنيته ، كما أشارت إلى الإحساس العميق، بنفس الإنتماء، الذي يحسه المغربي وهو في المشرق بحكم الإنتماء لنفس المنظومة الحضارية الإسلامية بغض النظر عن مكان الوجود من ( دار الإسلام )، ودعمت هذه الرحلات الحجازية خاصية التعدد في مظاهر التلاقح والتواصل الروحي والفكري بأشكاله وآلياته المختلفة. وتعرضت هذه الرحلات أيضا لمسألة كثيرا ما أرقت أركاب الحجيج وهي الصعوبات الطبيعية، خاصة مشكل العطش والبرد والصعوبات التضاريسية، إلى جانب مشكل قطع الطرق بسبب اعتداءات الأعراب وفرضهم الغرامات على الحجاج في الطرق البرية وخطر القرصنة والغرق في الطريق البحري، ناهيك عن انتشار بعض الأوبئة بين الفينة والأخرى.
أما بخصوص عناصر التباين فمنها تغير طرق ركب الحاج حيث تراجع الطريق الصحراوي لصالح اتجاه الشمال نحو الطريق البحري.
واعتمدت أيضا، وإن بدرجة محدودة وحسب السياق، المنهج الكمي لتقييم
بعض الظواهر القابلة التقييم الكمي من قبيل تعداد الإجازات في الرحلات
الحجازية المغربية المعتمدة، واختصار بعض المعطيات المرتبطة بها، في
بعض الجداول، وكذا في مقارنة بعض جوانب أصحاب الرحلات
الحجازية مثل أعداد حجاتهم وأعمارهم خلال الحجة الأولى والثانية، وعدد
الأيام في كل رحلة رحلة خلال الذهاب والإياب، وحجم الصفحات من
كتب الرحلات في الذهاب وعند الرجوع…
خلاصات واستنتاجات
يعتبر البحث والتنقيب في التراث المكتوب من العلامات المضيئة في البحث التاريخي عند الشعوب، ومطلبا موضوعيا للحفاظ عليه من الضياع والنسيان، وأداة لتعريف الخلف بالسلف وما بدلوه من مجهول في الحفاظ على الكيان الحضاري لأي بلد كان ومنه المغرب الأقصى.
وتمثل الرحلات الحجازية المغربية بعضا من هذا الرصيد المعرفي المكتوب فقد حافظت الخزانة التراثية المغربية على رصيد مهم منها، على امتداد قرون كثيرة، ضاع بعض منه، وما زال بعض آخر مجهول المصير ينتظر من يميط اللثام عنه وينقده من الموت والضياع النهائي…
لقد مكنتنا هذه التجربة، من خلال هذا العمل الأكاديمي، من التعرف على عدد مهم من هذه الرحلات الحجازية المغربية، ومن خلالها بعض جوانب التواصل المغربي- المشرقي، الذي لم ينقطع، وإن اعترته بعض التعثرات أحيانا لأسباب عديدة، واتخذ صيغا وأشكالا مختلفة تمثلت فيما هو روحي وما هو فكري، اتخذ كل منهما مظاهر عديدة، بل هناك أشكال تواصل أخرى تتجاوز مجال اهتمام هذه الأطروحة كالمجال التجاري والاجتماعي وغيرهما.
أما بالنسبة للجانب الأول، فقد تجلى في جاذبية مكة المكرمة، بما حوته من معالم ميزها الله عن غيرها بها، منها الحرم المكي وباقي المناسك الأخرى، في هذه المدينة، وفي محيطها القريب والبعيد.
إن ارتباطنا بهذا الموضوع لمدة زمنية مهمة، جعلنا نلاحظ ونتتبع الإحساس الذي يختلج نفسية الحاج منذ فراق الأهل والبلاد لأول مرة، وهو إحساس لا يخففه إلا الإقبال على الكعبة المشرفة وزيارة قبر الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وزيارة شهداء الإسلام الأوائل، وأهل الخير والصلاح والعلم على امتداد طريق الحاج المغربي.
وفي هذا الإطار، لا يمكن إلا أن نؤكد هذا الحضور الروحي بالنسبة للإنسان المغربي منذ بداية طريق الحج إلى حين عودته إلى مسقط رأسه، فكل محطة أونزل إلا ورد بخصوصه قول مأثور أو فيه مدفن رجل صالح أو ولي من أهل الله أو عالم فقيه … أما المحطات الكبرى خاصة منذ القاهرة فإنها مبتغى كل مسلم ومطمح كل مؤمن، اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، لدرجة أن أبا سالم العياشي قد قال عنها بأن دائرة الخيال عنها أوسع من دائرة الحقيقة، حيث نجد فيها ما لا يتصور، ناهيك عن مشاعر مكة المكرمة ومزارات المدينة المنورة.
أما بخصوص الجانب الثاني الفكري، فهو بدوره يعكس تلك العلاقات الحميمية التي جمعت المغرب بالمشرق، واتخذت صيغا مختلفة، منها القراءة والإقراء، والإجازات والمناظرات والإنشادات والتقارظ وتبادل الكتب، وهي أشكال متباينة في النمط، مختلفة في المبنى، لكنها متحدة في الجوهر إذ تمثل آليات من آليات التواصل ضمن المكون العربي الإسلامي الذي يؤطر هذه العلاقات، ويدعم جانبها الحضاري.
وبحكم أن المغاربة كانوا عابرين للبلاد المشرقية، حالين بها لأجل محدد، فقد أثبتوا أن عبورهم لم يكن ليمر دون تخليد أثرهم هنا أو هناك، فدرسوا غيرهم، وكتبوا الإجازات لأقرانهم من العلماء، وحتى من فاقهم علما، فضلا عمن هو دونهم، وناظروا غيرهم من العلماء المشارقة وأفحموهم أحيانا نموذج ذلك مسألة الدخان التي أثارت الكثير من الجدال الفقهي من جهة إلى أخرى.
على أننا، ونحن في السطور الأخيرة من تقرير هذه الأطروحة التي رافقناها وسايرناها مدة مديدة، لا بد أن نشير إلى بعض الملاحظات التي قد لا تكون نتائج جديدة تفرد بها هذا العمل، ومنها:
– اكتشاف بعض النصوص الرحلية الحجازية المغربية الجديدة تتمثل في الرحلة الحجازية لأحمد بن عبد العزيز الهلالي، أو على الأقل، التأكيد على وجود نصها الأصلي، وإن لم نعرف منه حتى الآن سوى قطعة صغيرة، وقد تم إصدار نفس القطعة من رحلة الهلالي المتوفرة لدينا من طرف باحث من مدينة وجدة، ثم الرحلة الحجازية لعبد الرحمن بن عمر التواتي المغربي الذي حج سنة 1188ه ووافته المنية بمصر.
– تراجع الطريق الصحراوي الداخلي لصالح طريق الشمال القريب نسبيا من الواجهة المتوسطية خاصة كلما زاد الابتعاد عن المغرب الأقصى.
– وجود كم هائل من المتون الرحلة الحجازية المغربية التي تحتاج إلى الكشف والتنقيب عنها ودراستها لاستخراج مضامينها العامة.
– الشخصية الحضارية للمغرب الأقصى في مختلف الجوانب ومنها أصالة الرحلة الحجازية المغربية التي ميزت الثقافة المغربية بخصوصيتها وجعلت الرحلة الحجازية اختصاصا مغربيا أعطاه فرادته وتميزه عن غيره من باقي البلاد الإسلامية شرقا وغربا.
– مشكلة النهب واللصوصية التي حضرت في المتن الرحلي المغربي مما يعكس ضعف السلطة الحاكمة أحيانا وتراجع سلطتها كلما تم الابتعاد عن المراكز الحضرية وان كان هذا الجانب الاجتماعي خارجا عن مجال اهتمامنا لذلك لم نشر إليه إلا إشارات عابرة.
– استمرار بعض التفسيرات الغيبية أحيانا لبعض الظواهر الطبيعية عند الرحالة المغاربة، على امتداد فترة التاريخ التي يغطيها البحث، من قبيل رؤية قبس من نار كلما زاد الإقتراب من المدينة المنورة، دون محاولة تفسير ذلك بشكل عقلاني مقبول إلا في القليل من الأحيان كحالة أبي سالم العياشي لكن استحضار طبيعة العقلية السائدة يجعل تأويل هذه التفسيرات وفق تبريراتها الآنية والناقدة مقبولة .
– إحياء التراث المكتوب والإهتمام به ضرورة ملحة وأكيدة حفاظا وحماية للكينونة المغربية.
ومهما يكن، فإن هذا العمل لا يمثل إلا مساهمة بسيطة عالجت بعض جوانب العلاقات الروحية والفكرية بين مكونات المنظومة الإسلامية خلال التاريخ الحديث، التي هي جناحي العالم الإسلامي المشرق العربي والمغرب الأقصى، وهو موضوع تواترت فيه بعض الدراسات لكن اعتمادا على المؤلفات التاريخية والدراسات الأدبية … في حين كان العمود الفقري لهذه الأطروحة هو الرحلات الحجازية والمغربية منها بالأخص دون أن يعني ذلك عدم الإنفتاح أحيانا على نماذج غير مغربية على سبيل المقارنة لظاهرة معينة.
ومهما وصل إليه هذا العمل العلمي من مستوى، وانتهى إليه من مجهود، وتوصل إليه من جديد، إن تحقق فعلا، فإنه يبقى لبنة ومحاولة في بناء صرح البحث التاريخي بالجامعة المغربية، يتمم بعضه وينير طريق غيره، لكنه يفتح أسئلة جديدة قد أكون انتبهت إلى بعضها، ولا شك إنني جانبت غيرها، وهو لا يخلو من أخطاء رغم أنني بذلت الجهد لتصويب ما توصلت إليه في النسخة التي هي بين أيدي أساتذتي الأجلاء سواء المطبعية أو التقنية من قبيل اختلاف بعض الهوامش عن صفحاتها الأصلية
وفي نهاية هذا التقرير، أجدد شكري الخالص لأستاذي الفاضل الدكتور أحمد البوزيدي على قبوله الإشراف على هذه الأطروحة، وتحمله عناء التصحيح والتصويب والتقويم لكثير من الهفوات، وعلى إبدائه العديد من الملاحظات المنهجية التي استوجبتها قراءته لهذا العمل العلمي، فله الشكر التام والإمتنان الكبير، والشكر موصول أيضا لكل الأساتذة الأجلاء الذين قبلوا مناقشة هذه الأطروحة وتحملوا عناء قراءتها، رغم المشاغل الكثيرة، والالتزامات العديدة، الدكتور محمد أمين والدكتور محمد اليازيدي والدكتور جمال حيمر.
ولن تفوتني الفرصة في هذه المناسبة العلمية أيضا، دون أن أجدد تشكراتي لكل من ساعدني من قريب أو من بعيد في إنجاز هذا البحث بالتشجيع والنصح وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور أستاذي مولاي هاشم بن المهدي بن هاشم القاسمي العلوي، وعائلتي الصغيرة وعلى رأسها والدتي أمد الله في عمرها وأم الأبناء ورفيقة الحياة وأشقائي كل واحد باسمه وكل العائلة الكبيرة والعائلة العلمية .
وبالله التوفيق والسلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
الهوامش:
1- وقد استعرت هذه الصيغة من عمل الأستاذ أحمد الأزمي: بلاد شنقيط المغربية/ أي اغتيال للتاريخ ؟ : الطريقة التيجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن 19، كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس المغرب، السنة الجامعية 1999- 2000م، مرقونة، 1/ 175.
2-Fernand Braudel, LA Méditerranée et le monde méditerranéen à l’ époque de Philippe П,-1- la part du milieu, Armand Colin, Paris France,1996.
3- المديني أحمد، الرحلة إلى بلاد الله، مطبعة المعارف الرباط المغرب، 2010م، عن حجته لعام 1430ه/ 2009م، وقد كان الأديب المغربي المعاصر، المديني، قد نشرها عبر حلقات في جريدة ( المساء ) المغربية تحت اسم: الرحلة إلى الله.
4- لم يقتصر التأليف في الرحلة الحجازية أو الرحلة الحجية، على المغاربة والعرب المشارقة بل ألف علماء شعوب اسلامية كثيرة في هذ النوع من الكتابة، نذكر منهم بعض الأتراك مثل ايليا جلبي (حجة عام 1631م)، ويوسف نابي ( حجة سنة 1678م )، وعبد الرحمن حبري، ومحمد أديب الذي حج سنة 1779م)، يرجع الى: بنحادة عبد الرحيم، العثمانيون المؤسسات والاقتصاد والثقافة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب،ط1/ 1429ه-2008م، صص 245- 250؛ ونجد في الشبكة العنكبوتية مجموعة من الدراسات والمقالات المرتبطة بالرحلات الحجازية التي ألفها الايرانيون في فترات زمنية متباينة ……
5- بنحادة عبد الرحيم، العثمانيون المؤسسات والاقتصاد والثقافة، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب،ط1/ 1429ه-2008م ، صص245- 247.
6- نشرت مقالاتهم في بعض المجلات الوطنية بالمغرب من قبيل دعوة الحق والبحث العملي ومجلة أمل….، وكان بعضها مثار مشاركات مغربية أو عربية من قبيل ندوة مكة عاصمة الثقافة العربية….
7- وأغلب مقالات هؤلاء الباحثين نشرت في مجلات مغربية أو عربية مثل مجلة ” دعوة الحق ” التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، أو مجلة ” التاريخ العربي” الصادرة عن اتحاد كتاب العرب بدمشق سوريا ….