مقامات منقول - رأي الحصري في بديع الزمان الهمذاني

وهذا اسمٌ وافق مُسَمَاه، ولفظ طابقَ مَعْناه، وكلام غَضُّ المكاسر، أنِيق الجواهر، يكادُ الهواء يسرقه لُطْفاً، والهوى يعْشَقَه ظَرْفاً. ولمّا رأى أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أغْرب بأربعين حديثاً، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، واستنخبها من معادِن فِكْرِه، وأبداها للأَبصار والبَصائر، وأهداها للأفكارِ والضمائر، في معارض أعجمية، وألفاظ حُوشِية، فجاء أكثرُ ما أظْهر تَنْبُو عن قبوله الطباعُ، ولا ترفعُ له حُجُبَهَا الأسماعُ، وتوسَع فيها؛ إذ صرَف ألفاظَها ومعانيها، في وجوه مختلفة، وضروس متصرّفة، عارضها لأربعمائة مقامة في الكُدْيَة، تذوب ظَرْفاً، وتقطر حُسْناً، لا مناسبةَ بين المقامتين لفظاً ولا معنى، وعطف مُسَاجلتها، ووقَفَ مناقلتها، بين رجلين سمَى أحدهما عيسى بن هشام والآخرَ أبا الفتح الإسكندري، وجعلهما يتهاديان الدّر، ويتنافثان السحر، في معانٍ تُضْحِكُ الحزين، وتحرّك الرَصِينَ، يتطلع منها كل طريفة، ويُوقِفُ منها على كلِّ لطيفة، وربما أفرد أحَدهما بالحكاية، وخصَ أحدهما بالرواية؛ وسأذكر منها ما لا يُخِل طولُه بالشرط المعقود، ولا ينافي حصولُه الغرضَ المقصود.


النص وارد في زهر الاداب وثمر الالباب



* عن مدونة بلال عبد الهادي

المقامات.jpg
 
أعلى