نقوس المهدي
كاتب
يحيى بن محمود الواسطي ( من القرن الثالث عشر ميلادي ) رسام عربي ولد في بلدة واسط في جنوب العراق بداية القرن الثالث عشر الميلادي . اختط نسخه عام 1237 م، من مقامات الحريري وزينها بمائة منمنمة من رسومه تعبر عن الخمسين مقامة (قصة). وكان عمله هذا أول عمل في التصوير العربي نعرف اسم مبدعه.
والكتاب محفوظ في المكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 5847 عربى. وتوجد نسخة أخرى من مقامات الحريري مزينة برسوم الواسطي في مكتبة سانت بطرسبرگ بروسيا، إلا أنها وقعت فريسة الإهمال وربما كان سبب ذلك حز رقاب المخلوقات الحية فيها بخطوط سود للدلالة على أنها ميتة كى لتتجنب المنع أو التحريم. وزوق أكثر من نسخة من مقامات الحريري وغيرها من امهات الكتب العربية ، ويعتبر مؤسس مدرسة بغداد للمنمنمات ويبرز كاستاذ فن شخصي بدلا من أن يخضع إلى القواعد والاصول الفنية التقليدية ،, وكان مثقف واسع الاطلاع وترجم الصور الذهنية إلى واقع ،,, عاصر جيلا من مفكري بلاد الرافدين امثال المؤرخ ابن الاثير والعالم ابن الرزار الجزريوالجغرافي ياقوت الحموي .. وغيرهم ..اقام معارض في مكتبات المدرسة المستنصرية ببغداد وأقتنيت لة اعمال فنية (مخطوطات) في الاندلس والمغرب العربي خصوصا من قبل ملوك الموحدين في مراكش
وكان الواسطي يستعمل الحبر الأسود ويخلطه ببقايا حرق ألياف الكافور ويمزجها بزيت الخردل وبعض الألوان الأخرى التي كان يقوم بتحضيرها بنفسه.[1]
وعمل رساما لدى الخليفةالمستنصر باللة العباسي ما بين عام 1242 - 1258 وزوق اكثر من نسخة منمقامات الحريري وغيرها من امهات الكتب العربية , ويعتبر مؤسس مدرسة بغدادللمنمنمات ويبرز كاستاذ فن شخصي بدلا من ان يخضع الى القواعد والاصولالفنية التقليدية ,, وكان مثقف واسع الاطلاع وترجم الصور الذهنيةالى واقع,,, عاصر جيلا من مفكري بلاد الرافدين امثال المؤرخ ابن الاثير والعالمابن الرزار الجزري والجغرافي ياقوت الحموي .. وغيرهم ..اقام معارض فيمكتبات الجامعة الستنصرية ببغداد وأقتنيت لة اعمال فنية في الاندلسوالمغرب العربي خصوصا من قبل ملوك الموحدين في مراكش[2]
كان الواسطي أحد أبرز مصوري المدرسة العربية التي ازدهرت في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وكانت أول نشأة هذه المدرسة في الفن العربي على يد فنانين من أتباع الكنيسة المسيحية الشرقية، ثم تأثر الفنانون المسلمون بأساليبهم الفنية بعد أن استقرت الفتوحات وتعلمــوا من أهل تلك البلدان الأساليب الفنية التي كانت موجودة عندهم. قام الواسطي برسم واحدة من مخطوطات مقامات الحريري، وهي في الأصل عمـل أدبي كتبـه أبو محمد القاسم بن علي بن محمد الحريري البصري، أحد علماء عصره.
وكان مدرساً في مسجد بني حرام في مدينة البصرة وقصـــة كتابة المقامات هي أن أبو محمد (الحريري) كان يجلس للدرس في المسجد فدخل رجل لفت مظهره انتباه الحاضرين فسأل من الرجل فقيل: هذا أبا زيد السروجي وقصوا عليه بعض أخباره فكتب مقامة واحدة صاغ فيها بأسلوب أدبي خاص واحدة من أخباره، فتداولها الناس حتى وصلت إلى الوزير شرف الدين أبا نصر أنوشروان بن خالد بن محمد القاشاني وكان وزير المسترشد بالله، [3](الخليفة العباسي) فاستدعاه وطلب منه كتابة غيرها فأتمها خمسين مقامة، حتى اشتهرت وذاع صيتها عن مقامات بديع الزمان الهمذاني. ما يهمنا في هذا المقام ليس ما حصل من قصة كتابة المقامات ولكن الأهم هو ما قام به واحد من أهم الفنانين العرب وهو يحي بن محمـود بن يحي بن أبي الحسن كوريها الواسطي والذي لم يبق من أثره إلا رسومه التي خطها في المقامات دون أن نعرف أي تفاصيل عن حياته ونشأته وتعلمه لفن الخط والرسم، والمخطوطة التي رسمها الواسطي موجودة الآن في ( مكتبة بولدون ) أو المكـتبة الأهلية بباريس (أهداها شخص كان يمتلكها يدعى شفر)، وهي هناك تحت رقم (5847) وتضم (94) رسماً ملوناً في (99) صفحة بمقاس (73سم × 28 سم[4]كانت مخطوطة الواسطي كما منتجات المدرسة العربية في بغداد تمثل شرحاً للنص المكتوب فيما يسمى اليوم بالرسوم التوضيحية، وكانت تتشابه مع مدرسة ايران التي ازدهرت في نفس العصر إلا أن الرسوم فيها كانت تزين الخزف ذو البريق المعدني. أما الصور التي رسمها الواسطي في مقامات الحريري فكانت تتميز بالدقة والمهـارة بل البراعة في التصوير وإظهار الحركة ، وتزيين الملابس بالزخارف والأزهار والمراوح النخلية، وكان يرسم الاشخاص بطريقة مبسطة وكأنها شخصيات كرتونية تحكي قصص المقامات.
وقد صور لنا الواسطي الحياة الاجتماعية تصويراً واقعياً لحياة العرب في القرن 13م، وهم في المسجد أو في الحقل أو في الصحراء أو في الخان أو في احتفالاتهم في الاعياد ومجالس لهوهم. وسجل بعض العادات عند العرب مثلا ما نشاهده في لوحة الكُتّاب وأبو زيد يعلم التلاميذ ومثال آخر صورة وقد ربط جمل الى شجرة من قدمه وأمسك برأسه رجل ليذبحه. ويمكننا أن [5]نلاحظ كيف تتسم الوجوه بالمسحة العربية في مدرسـة بغـداد وإحاطـة بعض الرؤوس بهالة دائرية، وفي رسوم يحي الواسطي نلاحظ ازدياد طول القامة واختلاف الوجوه عن بعضها ومحاولته رسم شخصيات المقامات، أبو زيد والحارث، ويكررها كما هي في لوحاته المختلفة. يصف ذلك عفيف بهنسي فيقول " اهتم الواسطي بتصوير الأشخاص مُمَيزاً بين الرجل والمرأة والشيخ والشاب والأمير والفقير ، وحاول أن يعطي ملامح ثابتة لأبطال المقامات كما اهتم بتصوير الجموع البشرية وأولع بتصوير الحيوانات خاصة الجمال والخيول ، كما استطاع تصوير الحياة في المدن وميزها عن الحياة في القرى.
لم تهتم مدرسة بغداد بتصوير مناظر الطبيعة ، ويظهر ذلك في المناظر البرية فيكتفى برسم شجرة أو شجرتين بأسلوب زخرفي مع رسم بعض الأعشاب على الأرض. وكانت تستخدم الألوان القوية من الأحمر والأصفر والأخضر والأرجوني والذهبي. وعند الواسطي لانراه يرسم شمسا ولا سحباً ولا جبالاً وانما يكتفي بهذا الخط الأخضر تحت الأقدام وأحيانا عندما يرسم شيئاً في البعد يضيف خطاً منحنياً في الخلف وكأنه تل يقف عليه الاشخاص. لقد أتقن الواسطي رسم العمائر الاسلامية التي كانت شائعة في العالم الاسلامي في تلك الحقبة الزمنيـة ، واستطـاع أن ينقـل عناصر زخـرفية في المساجد والقصور والكتاتيب والخانات،[6] فنجده يرسم القباب والمنابر والمآذن والزخارف المختلفة التي كانت تزين تلك العمائر. إن موضوعات الواسطي تتناول الطبيعة وحياة الناس اليومية والدينية والقضاة والولاة والخطباء والعمائر من الدخل والخارج. ولم يعد هناك شك في أن الواسطي كان أعظم مصوري مدرسة بغداد العراقية ويشدني في رسومه تلك القدرة الدقيقة في رسم الحيوانات من خيول وجمال وحمير نراها في مقدمة الصورة ومؤخرتها ونراها من جوانب مختلفة وفي مجموعات كبيرة . ومما يلفت النظر أيضاً أن الواسطي كان يراعي النسب أحياناً وأحياناً أخرى كان يهمل الاهتمام بالنسب في الرسم مما يدل على أن الواسطي كان يرسم بتلقائية وعفوية واضحة ولا نستطيع أن ننكر موهبته وأسلوبه الذي تشابه مع بعض أساليب رسم الكاريكاتير اليوم . ومن المؤسف أن تاريخ هذا الفنان ومولده ونشأته مجهول ولم تذكر المراجع [7]شيئاً عن ذلك فكان اسمه هو كل ما يبقى بعد صوره التي أبدعها في مخطوطة مقامات الحريري.لعل أهم ما يميز رسوم الواسطي هو التنوع في الموضوعات وحرصه على التكوين وإظهار الحركة والحساسية في توزيع الكتل والأجسام والمساحات على الصورة والإيقاع والتوازن ومحاولة الاستفادة من الفراغ. كل هذه الأمور هي التي تجعل من رسومه صور حية توحي بمعاني تغني عن الوصف، وتجعل المشاهد يرتاح لما يرى من دقة في الرسم الواقعي المتسم بالجانب الزخرفي . إن الزخرفية في رسوم الواسطي ليست إلا ميزة تميز مدرســة بغـداد كما تميز الفن الإسلامي عموما بالزخرفية فكان الجانب التزييني يدخل في الحساب مع الهدف الأول ألا وهو توضيح الصور الأدبية المحكية بصور توضيحية كاريكاتورية. [8]
[1] د. ثروت عكاشة "فن الواسطي من خلال مقامات الحريري"، دار الشروق، 1992.
[2]Les Maqâmât d'Al-Harîrî dans un superbe manuscrit enluminé de l'École de Bagdad, en 1237
[3] شاخت . جوزيف و س. أ . بوزورن ( مصنفاً) : تراث الاسلام ،ج1 ،ط2، ترجمة : د.حسن مؤنس و احسان صدقي ، مراجعة : د. فؤاد زكريا ، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الاداب ، الكويت ، 88 ، ص 405 - 407 .
[4] طارق بكر قزاز,فن الواسطي في المدرسة العربية,مجلة افاق عربية ,ع:19,ط,دار افاق,بغداد,ص120-121
[5] ـ الآغا ، وسماء محمد حسن: التكوين و عناصره التشكيلية و الجمالية في منمنمات يحيى بن محمود الواسطي ، دار الشوؤن الثقافية العامة ، العراق ، 2000 .ص45-60.
[6] اتنغهاوزن ، ريتشارد : التصوير عند العرب ، ترجمة : عيسى سلمان ، مطبعة الاديب البغدادية ، وزارة الاعلام العراقية ، السلسلة الفنية /23، بغداد- 1974 ، ص 60 . البصري، سعد : الخصائص الفنية للنصب الوطنية في المدينة العراقية ، اطروحة دكتوراه (غير منشورة) جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة 1994، ص 8
[7] فارس, بشر: منمنمة دينية تمثل الرسول من اسلوب التصوير العربي البغدادي ، ج51 ، منشورات المجمع العلمي المصري ، مطبعة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية ، القاهرة ، 1948 .ص23-40
[8] طارق بكر قزاز,مصدر سابق,ص120-121
والكتاب محفوظ في المكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 5847 عربى. وتوجد نسخة أخرى من مقامات الحريري مزينة برسوم الواسطي في مكتبة سانت بطرسبرگ بروسيا، إلا أنها وقعت فريسة الإهمال وربما كان سبب ذلك حز رقاب المخلوقات الحية فيها بخطوط سود للدلالة على أنها ميتة كى لتتجنب المنع أو التحريم. وزوق أكثر من نسخة من مقامات الحريري وغيرها من امهات الكتب العربية ، ويعتبر مؤسس مدرسة بغداد للمنمنمات ويبرز كاستاذ فن شخصي بدلا من أن يخضع إلى القواعد والاصول الفنية التقليدية ،, وكان مثقف واسع الاطلاع وترجم الصور الذهنية إلى واقع ،,, عاصر جيلا من مفكري بلاد الرافدين امثال المؤرخ ابن الاثير والعالم ابن الرزار الجزريوالجغرافي ياقوت الحموي .. وغيرهم ..اقام معارض في مكتبات المدرسة المستنصرية ببغداد وأقتنيت لة اعمال فنية (مخطوطات) في الاندلس والمغرب العربي خصوصا من قبل ملوك الموحدين في مراكش
وكان الواسطي يستعمل الحبر الأسود ويخلطه ببقايا حرق ألياف الكافور ويمزجها بزيت الخردل وبعض الألوان الأخرى التي كان يقوم بتحضيرها بنفسه.[1]
وعمل رساما لدى الخليفةالمستنصر باللة العباسي ما بين عام 1242 - 1258 وزوق اكثر من نسخة منمقامات الحريري وغيرها من امهات الكتب العربية , ويعتبر مؤسس مدرسة بغدادللمنمنمات ويبرز كاستاذ فن شخصي بدلا من ان يخضع الى القواعد والاصولالفنية التقليدية ,, وكان مثقف واسع الاطلاع وترجم الصور الذهنيةالى واقع,,, عاصر جيلا من مفكري بلاد الرافدين امثال المؤرخ ابن الاثير والعالمابن الرزار الجزري والجغرافي ياقوت الحموي .. وغيرهم ..اقام معارض فيمكتبات الجامعة الستنصرية ببغداد وأقتنيت لة اعمال فنية في الاندلسوالمغرب العربي خصوصا من قبل ملوك الموحدين في مراكش[2]
كان الواسطي أحد أبرز مصوري المدرسة العربية التي ازدهرت في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وكانت أول نشأة هذه المدرسة في الفن العربي على يد فنانين من أتباع الكنيسة المسيحية الشرقية، ثم تأثر الفنانون المسلمون بأساليبهم الفنية بعد أن استقرت الفتوحات وتعلمــوا من أهل تلك البلدان الأساليب الفنية التي كانت موجودة عندهم. قام الواسطي برسم واحدة من مخطوطات مقامات الحريري، وهي في الأصل عمـل أدبي كتبـه أبو محمد القاسم بن علي بن محمد الحريري البصري، أحد علماء عصره.
وكان مدرساً في مسجد بني حرام في مدينة البصرة وقصـــة كتابة المقامات هي أن أبو محمد (الحريري) كان يجلس للدرس في المسجد فدخل رجل لفت مظهره انتباه الحاضرين فسأل من الرجل فقيل: هذا أبا زيد السروجي وقصوا عليه بعض أخباره فكتب مقامة واحدة صاغ فيها بأسلوب أدبي خاص واحدة من أخباره، فتداولها الناس حتى وصلت إلى الوزير شرف الدين أبا نصر أنوشروان بن خالد بن محمد القاشاني وكان وزير المسترشد بالله، [3](الخليفة العباسي) فاستدعاه وطلب منه كتابة غيرها فأتمها خمسين مقامة، حتى اشتهرت وذاع صيتها عن مقامات بديع الزمان الهمذاني. ما يهمنا في هذا المقام ليس ما حصل من قصة كتابة المقامات ولكن الأهم هو ما قام به واحد من أهم الفنانين العرب وهو يحي بن محمـود بن يحي بن أبي الحسن كوريها الواسطي والذي لم يبق من أثره إلا رسومه التي خطها في المقامات دون أن نعرف أي تفاصيل عن حياته ونشأته وتعلمه لفن الخط والرسم، والمخطوطة التي رسمها الواسطي موجودة الآن في ( مكتبة بولدون ) أو المكـتبة الأهلية بباريس (أهداها شخص كان يمتلكها يدعى شفر)، وهي هناك تحت رقم (5847) وتضم (94) رسماً ملوناً في (99) صفحة بمقاس (73سم × 28 سم[4]كانت مخطوطة الواسطي كما منتجات المدرسة العربية في بغداد تمثل شرحاً للنص المكتوب فيما يسمى اليوم بالرسوم التوضيحية، وكانت تتشابه مع مدرسة ايران التي ازدهرت في نفس العصر إلا أن الرسوم فيها كانت تزين الخزف ذو البريق المعدني. أما الصور التي رسمها الواسطي في مقامات الحريري فكانت تتميز بالدقة والمهـارة بل البراعة في التصوير وإظهار الحركة ، وتزيين الملابس بالزخارف والأزهار والمراوح النخلية، وكان يرسم الاشخاص بطريقة مبسطة وكأنها شخصيات كرتونية تحكي قصص المقامات.
وقد صور لنا الواسطي الحياة الاجتماعية تصويراً واقعياً لحياة العرب في القرن 13م، وهم في المسجد أو في الحقل أو في الصحراء أو في الخان أو في احتفالاتهم في الاعياد ومجالس لهوهم. وسجل بعض العادات عند العرب مثلا ما نشاهده في لوحة الكُتّاب وأبو زيد يعلم التلاميذ ومثال آخر صورة وقد ربط جمل الى شجرة من قدمه وأمسك برأسه رجل ليذبحه. ويمكننا أن [5]نلاحظ كيف تتسم الوجوه بالمسحة العربية في مدرسـة بغـداد وإحاطـة بعض الرؤوس بهالة دائرية، وفي رسوم يحي الواسطي نلاحظ ازدياد طول القامة واختلاف الوجوه عن بعضها ومحاولته رسم شخصيات المقامات، أبو زيد والحارث، ويكررها كما هي في لوحاته المختلفة. يصف ذلك عفيف بهنسي فيقول " اهتم الواسطي بتصوير الأشخاص مُمَيزاً بين الرجل والمرأة والشيخ والشاب والأمير والفقير ، وحاول أن يعطي ملامح ثابتة لأبطال المقامات كما اهتم بتصوير الجموع البشرية وأولع بتصوير الحيوانات خاصة الجمال والخيول ، كما استطاع تصوير الحياة في المدن وميزها عن الحياة في القرى.
لم تهتم مدرسة بغداد بتصوير مناظر الطبيعة ، ويظهر ذلك في المناظر البرية فيكتفى برسم شجرة أو شجرتين بأسلوب زخرفي مع رسم بعض الأعشاب على الأرض. وكانت تستخدم الألوان القوية من الأحمر والأصفر والأخضر والأرجوني والذهبي. وعند الواسطي لانراه يرسم شمسا ولا سحباً ولا جبالاً وانما يكتفي بهذا الخط الأخضر تحت الأقدام وأحيانا عندما يرسم شيئاً في البعد يضيف خطاً منحنياً في الخلف وكأنه تل يقف عليه الاشخاص. لقد أتقن الواسطي رسم العمائر الاسلامية التي كانت شائعة في العالم الاسلامي في تلك الحقبة الزمنيـة ، واستطـاع أن ينقـل عناصر زخـرفية في المساجد والقصور والكتاتيب والخانات،[6] فنجده يرسم القباب والمنابر والمآذن والزخارف المختلفة التي كانت تزين تلك العمائر. إن موضوعات الواسطي تتناول الطبيعة وحياة الناس اليومية والدينية والقضاة والولاة والخطباء والعمائر من الدخل والخارج. ولم يعد هناك شك في أن الواسطي كان أعظم مصوري مدرسة بغداد العراقية ويشدني في رسومه تلك القدرة الدقيقة في رسم الحيوانات من خيول وجمال وحمير نراها في مقدمة الصورة ومؤخرتها ونراها من جوانب مختلفة وفي مجموعات كبيرة . ومما يلفت النظر أيضاً أن الواسطي كان يراعي النسب أحياناً وأحياناً أخرى كان يهمل الاهتمام بالنسب في الرسم مما يدل على أن الواسطي كان يرسم بتلقائية وعفوية واضحة ولا نستطيع أن ننكر موهبته وأسلوبه الذي تشابه مع بعض أساليب رسم الكاريكاتير اليوم . ومن المؤسف أن تاريخ هذا الفنان ومولده ونشأته مجهول ولم تذكر المراجع [7]شيئاً عن ذلك فكان اسمه هو كل ما يبقى بعد صوره التي أبدعها في مخطوطة مقامات الحريري.لعل أهم ما يميز رسوم الواسطي هو التنوع في الموضوعات وحرصه على التكوين وإظهار الحركة والحساسية في توزيع الكتل والأجسام والمساحات على الصورة والإيقاع والتوازن ومحاولة الاستفادة من الفراغ. كل هذه الأمور هي التي تجعل من رسومه صور حية توحي بمعاني تغني عن الوصف، وتجعل المشاهد يرتاح لما يرى من دقة في الرسم الواقعي المتسم بالجانب الزخرفي . إن الزخرفية في رسوم الواسطي ليست إلا ميزة تميز مدرســة بغـداد كما تميز الفن الإسلامي عموما بالزخرفية فكان الجانب التزييني يدخل في الحساب مع الهدف الأول ألا وهو توضيح الصور الأدبية المحكية بصور توضيحية كاريكاتورية. [8]
[1] د. ثروت عكاشة "فن الواسطي من خلال مقامات الحريري"، دار الشروق، 1992.
[2]Les Maqâmât d'Al-Harîrî dans un superbe manuscrit enluminé de l'École de Bagdad, en 1237
[3] شاخت . جوزيف و س. أ . بوزورن ( مصنفاً) : تراث الاسلام ،ج1 ،ط2، ترجمة : د.حسن مؤنس و احسان صدقي ، مراجعة : د. فؤاد زكريا ، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الاداب ، الكويت ، 88 ، ص 405 - 407 .
[4] طارق بكر قزاز,فن الواسطي في المدرسة العربية,مجلة افاق عربية ,ع:19,ط,دار افاق,بغداد,ص120-121
[5] ـ الآغا ، وسماء محمد حسن: التكوين و عناصره التشكيلية و الجمالية في منمنمات يحيى بن محمود الواسطي ، دار الشوؤن الثقافية العامة ، العراق ، 2000 .ص45-60.
[6] اتنغهاوزن ، ريتشارد : التصوير عند العرب ، ترجمة : عيسى سلمان ، مطبعة الاديب البغدادية ، وزارة الاعلام العراقية ، السلسلة الفنية /23، بغداد- 1974 ، ص 60 . البصري، سعد : الخصائص الفنية للنصب الوطنية في المدينة العراقية ، اطروحة دكتوراه (غير منشورة) جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة 1994، ص 8
[7] فارس, بشر: منمنمة دينية تمثل الرسول من اسلوب التصوير العربي البغدادي ، ج51 ، منشورات المجمع العلمي المصري ، مطبعة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية ، القاهرة ، 1948 .ص23-40
[8] طارق بكر قزاز,مصدر سابق,ص120-121