نقوس المهدي
كاتب
لا شك أن الأدب بالمغرب كان شديد الصلة بدوله، يزدهر بازدهارها، ويضعف بأفولها. لكن – في العصر السعدي – نجد الأدب يقوى ويتماسك في جل أطواره التاريخية، ويمكن تقسيمها إلى أربعة:
I.- طور التأسيس (915- 961هـ).
II.- طور الاستقرار(961 – 986هـ).
III.- طور النهضة (986 – 1012هـ).
IV.- طور الفتن (1012-1069هـ). (1)
ومن هذه الأطوار نستجلي المراحل الأدبية العامة:
الأولى: مرحلة انتعاش المراكز الثقافية بعد خمول طوال عهد الوطاسيين.
الثانية: مراحل نهضة وازدهار خلال عهد أحمد المنصور خاصة.
الثالثة: مرحلة اجترار في عهد تنازع أولاد المنصور وأحفاده على السلطة.
الرابعة: مرحلة إنقاذ وبعث في عدد من الإمارات والزوايا (الدلاء، إيليغ، سلا...).
وتشكل هذه المراحل التحولات الثقافية التي عرفها العصر السعدي من أجل الحفاظ على اللغة العربية وثقافتها الأدبية.
ولدراسة أبرز المراحل والتحولات لابد من بحث البنيات العامة الفاعلة في الحركة الأدبية من خلال جملة من المعطيات:
1- من الحواضر الثقافية التي عرفها تاريخ المغرب حاضرة سوس – وهي مهد السعديين – فبالرغم من مشكلة اللغة والموقع الجغرافي والوضع الاجتماعي، (2) كان الإقبال كبيرا على العلوم الإسلامية واللسانية والأدبية، مثلما كان الجهاد ظاهرة استأثرت بالحياة الاجتماعية في الدفاع عن العقيدة والثغور، وقد أبرز ذلك أمرين:
الأول منهما: أن النهضة العلمية التي عرفتها حاضرة سوس بسائر مراكزها منذ القرن العاشر الهجري – بعد أن بذرت فيها ثمار مجالس الدراسة أيام بني مرين –(3) قد تميزت بأثر أدبي واضح في اللغة ترسلا وشعرا.
أما الثاني: فإن الجهاد أحد الدعائم التي أتاحت قيام السعديين، بعد أن كان ظاهرة اجتماعية أيام بين مرين.
ومع أن كلا الأمرين: القول والفعل: القول والفعل – وقد تكاملت عناصرهما – استطاعا أن يحققا نشاطا فعالا في الإبداع والوحدة الوطنية بتواز مع تفتعل بنيات أخرى حرصت حرصا شديدا على التواصل، مما يجعلها متسمة بالمعطيات الأدبية، في عصر خيم الفقه على مراكزه الثقافية، على نحو ما نجده في فاس من حفاظ – في خضم التحولات السياسية – على ميزتها المرتكزة على التعمق في دراسة الفقه المالكي. (4) في حين كانت المحمدية قد اضطلعت بدور هام في الدراسة الأدبية من خلال متون اللغة ودواوين الشعر وكتب الترسل. وقد أولى السعديون لعاصمتهم الأولى عناية بالغة جعل عهدهم بها مجال نهضة، بل كان عصرا ذهبيا متفوقا. (5)
2- وفي هذه البيئة نشأ السعديون، ووجدوا في تميزها فرص التثقيف، وتذوق الأدب، فكان محمد الشيخ أول أمير سعدي يحفظ ديوان المتنبي عن ظهر قلب، (6) وكان حفيده محمد بن عبد القادر شاعرا ومترسلا. (7) أما أحمد المنصور فقد أجمع المؤرخون على أنه كان ذا ثقافة عالية لتمرسه بعديد من العلوم والفنون أهلته إلى وضع تآليف وأشعار، (8) كما كان ابنه عبد العزيز مهتما بالأدب، (9) وكذا المامون الذي عقد المجالس الأدبية والمطارحات الشعرية، (10) كما أن زيدان ولع بقول الشعر. (11)
وبهمة الأمراء السعديين نشط الأدب سواء في بلاطهم أو في عامة المجالس، فكانت المسامرات والمطارحات سبلا إبداعية، ساهموا فيها بفعالية أظهرت مدى تأدبهم وتعظيمهم للأدباء وإكرامهم، ومن ثم، فقد جمعوا بين الثقافة الواسعة وشؤون السياسة والتدبير.
ولما كان عصر أحمد المنصور عصر نهضة في الإبداع السعدي، فقد انصبت في بوتقته المظاهر الأدبية السابقة – لتنصهر في بؤرة من أجل تحقيق نص إبداعي بمقوماته وخصائصه، وثمتئذ كانت شخصية أحمد المنصور أبرز دعائم عصره:
أ- لأنه خبير بفنون الشعر، فكان "إذا امتدح بنظم أو رفع إليه الشاعر كلمة يتدبر معانيها ويعرض على محك اختباره مبانيها، فإذا وجد لفظة ينظر إليها النقد بطرف خفي لخروجها عن سياج التأدب مع الله، ولو بأقل شيء مما لا يقدح في عقيدة، ولا يحدث وصمة في الدين، تورع عنها وخرج بالبراءة من عقدتها، وأمر بنبذها أو إدالتها بأسهل منها... وهذا أمر لا يجاريه في مضماره فرسان هذا الشأن". (12)
ب- وبفضل قريحته الأدبية "كثر تعاطي الآداب وحفظها وإنشاؤها، وتنافس الناس في كل ما ذكر، كل على قدر وسعه وطاقته". (13)
جـ- كما كان مشاركا في المجالس الأدبية، وغالبا ما كان شعره مثار معارضات تنحو نحو الطرافة والغرابة.
أما تآليفه فهي جهد ملك بصير بشؤون الدولة والرعية، مثلما هي جهد مبدع حريص على نقاء فنه، ومما ذكره المؤرخون له:
* "المعارف في كل ما تحتاج إليه الخلائف": "ومضمنه علم السياسة، وهو غاية في بابه لم يؤلف مثله". (14)
* "العود أحمد": جمع فيه الأدعية المأثورة على النبي صلى الله عليه وسلم واتخذها أورادا يعكف عليها في خلواته وجلواته. (15)
* "الأشعار العلوية": جمعها من أمهات كتب الأدب والدواوين الشعرية، وهو تقييد صرفته عنه الفتن. (16)
* "تقييد في علم المعمى من فنون الشعر ومعرفته وأسمائه وأنواعه وألقابه". (17)
* "أشعاره"، وأغلبها مقطعات تربو أبياتها على المائة فيما اطلعنا عليه من مصادر. (18)
* "توقيفاته وتعليقاته على بعض أبيات مجموع شعري": "مظهر النور الباصر في أمداح الملك الناصر". (20)
وإذا كنا لا نتوفر الآن على مخطوطات جميع هذه المؤلفات، فإن معظمها كفيل بإبراز شخصية أحمد المنصور الأدبية، فهو "وإن كان في سائر العلوم علما تأتم الهداة به فهو في فن الأدب، الروض الذي لا تزال طيور أفكاره صادحة على أيكه، وشموس إحسانه بازغة من فلكه، وروحه الذكية سارحة في رياضه، كارعة في حياضه، لا تكاد دواوينه تفارق راحته، ولا يرى في غير واديه أنسه وراحته... أخذ من شرف الشعر باسمه، وتصرف على حكمه، آية في قرضه ونقده، وحله وعقده. حسن الاختراع، لطيف التوليد من غير نزاع، غريب المنزع بلا دفاع". (21)
3- ومن مظاهر عناية السعديين بالحركة الأدبية حرصهم على تأسيس الخزائن والمكتبات (22)، سواء باقتناء الكتب أو استنساخها (23)، أو الأمر بتأليفها (24)، حتى عد ذلك ظاهرة في هذا العصر لدى خاصته وعامته، اتسعت لها الحواضر والبوادي، وجلبت لها العديد من الكتب الأندلسية والمشرقية، بالإضافة إلى وفرة المؤلفات المغربية، مما كون تراثا ضخما لا نزال نحتفظ بالكثير من آثاره. وذلك يعكس حفاظ السعديين على التراث الحضاري للعالم العربي والإسلامي، الذي ما فتئنا نتواصل معه بدراسته وإنقاذ ذخائره.
ولا مراء في حضور الكتاب الأدبي ضمن قوائم هذه الخزائن والمكتبات التي عرفت تنوعا في مصادر المعرفة، وتعددا في الاهتمامات الثقافية. وقد أجلى ذلك – حقا – نهضة ثقافية ساهمت في إغناء الحضارة الإسلامية وتراثها الأدبي.
4- ولم يكن لهذا التراث أن تتدارس نصوصه وتشع أفكاره (25) لو لم تزدهر فنون الوراقة. فقد عرفت في العصر السعدي نشاطا ملحوظا بفضل عناية السعديين بأمور هذه الحرفة التي أقاموا لها مشيخة كان من بين رؤسائها عبد العزيز بن عبد الله السكتاني، (26) وإذا كنا لا نعرف أنظمة هذه الحرفة، فإن وجود أعلام اضطلعوا بالنسخ كعبد الله بن عمر بن عثمان، وإبراهيم بن محمد الغساني، وأحمد بن الحاج بنسودة، وأحمد الفزكاري وغيرهم. (27) أتاح لسوق الكتب ازدهار كبيرا، خاصة أن تدريس الخط بجامع الأشراف في مراكش كان عاملا هاما في انتشار هذه الحرفة وصناعتها. (28) وقد حفظت الوراقة السعدية العديد من المؤلفات للتراث العربي والمغربي من بينها كتب أدبية تعبر عن مدى الحركة الأدبية في العصر السعدي. (29)
5- وبانتشار الكتب كان التعليم شاملا في الحواضر والبوادي، وقد أتاح ذلك نشاطا علميا في عديد من المراكز التي تكاثر بها الطلبة والمدرسون نظرا لاستفادة السعديين من جهود المرينيين في تأسيسهم للمدارس بمراكز الشمال – خاصة، ولوجود القرويين التي ظلت تحافظ على مكانتها العلمية حتى إبان العصر السعدي نفسه، تلك المكانة التي تصدرت لها مراكش ومراكز الجنوب الكبرى كالمحمدية ودرعة وسجلماسة وفكيك، (30) فاستعادت إشعاعها العلمي بما أولاه لها السعديون من عناية حتى أصبحت مقصد العلماء والأدباء، وحين ضعف أمر السعديين كانت الزوايا الدلائية والناصرية والعياشية لا تزال تتيح التواصل بين العلماء، والاستمرار في التعليم والتدريس، والمحافظة على التراث.
6- ومن أسباب هذه الحركة الأمن والاستقرار اللذان مكنا المجتمع من ممارسة شؤونه الحضارية، فعرفت مجالس الدرس إقبالا شديدا، ونشط التأليف والإبداع، ولعل الوضع المالي رعى هذه الحركة – وخاصة أيام المنصور – فكانت "جوائزه وصلاته على القصائد الشعرية والنكث النثرية"، (31) وكذا إغداقه بسخاء على الطلبة والعلماء، كثيرة وهذا ما جعل عهده متميزا في تاريخ الدولة السعدية.
7- كما تفاعلت العناصر الثقافية المغربية والوافدة على المغرب والزائرة لبلاط السعديين، إذ ساهمت في تنشيط الحركة الثقافية بالإبداع الشعري أو الحضاري، فكانت قصائدهم ومساجلاتهم ومناظراتهم ظاهرة في المجالس السعدية، التي عرفت ألوانا من الجدة والطرافة. كما كانت "هناك ظاهرة أخرى تدل على اتساع الأفق الثقافي أيام السعديين، حيث انتشر الطرب والمرح، وأخذت الموسيقى الأندلسية طابعها النهائي في هذه البلاد بازدواج التلحين والإنشاد". (32)
لذلك كان المتتبع لهذه الحركة الثقافية يجد في تفاعل عناصرها المغربية والأندلسية والمغاربية والسودانية والمشرقية والأوربية سبيلا إلى خلق نهضة – لو استمرت – لتكاملت معالمها وانسجمت بنياتها، وتحقق تفتحها الحضاري الشامل. (33)
8- ولما كانت ظاهرة العصر السعدي تتجلى في الانتصارات التي حققها السعديون لتحرير الثغور المغربية، وللقضاء على الثورات الداخلية ولبسط السلطة على جنوب الصحراء والسودان الغربي، اتسم الفكر والأدب باستجابة قوية إلى الجهاد الذي أصبح يمثل المسألة الثقافية، إذ دونت تآليف عديدة نذكر من بينها: (34)
* "تنبيه الهمم العالية": لمحمد بن يجبش التازي.
* "لباب مراقي الجنة مما ورد في الجهاد والسنة" لعبد الهادي ابن طاهر الحسني. (35)
* "فلك السعادة الدائر بفضل الجهاد والشهادة" لعبد الهادي ابن طاهر الحسني. (36)
* "مطلب الفوز والفلاح في آداب طريق أهل الفضل والصلاح" لعيسى بن موسى البطوئي. (37)
* "الجواهر المختارة فيما وقفت عليه من النوازل بجبال غمارة" لعبد العزيز بن الحسن الزياتي. (38)
كما كان الإبداع في القصائد المادحة والمولديات والتهنئة بالفتوح... من أكثر الأنماط الشعرية تداولا، إذ حرصت على الدعوة إلى الجهاد، ووصف الحروب، وتمجيد البطولة، وتدعيم المقاومة، مما يشكل حضورا فعالا في تفاعل الواقع والفكر والإبداع في سبيل استمرار معطيات الأدب المغربي.
9- وإن ما عرفه العصر السعدي من حركة أدبية كانت – دون شك – مظهرا من معالم النهضة لا تقل - عموما – عما ظهر آنذاك في أوربا في المجالات العلمية والحضارية، ولعل حرص المنصور – خاصة – على التواصل الحضاري بينه وبين أوربا يعكس مدى طموحه للحاق بنهضتها، (39) بالرغم مما لقيه من تعنت صليبي من لدن بعض دولها، فاهتم بتعريب بعض الكتب في مواضيع عليمة مختلفة. (40) كما أمر بتأليف بعض الكتب في الطب والصيدلية والتقنيات. (41) ولعل الهندسة المعمارية كانت أكثر العلوم ازدهارا، (42) فتشييد قصر البديع من أبرز المعالم الحضارية وصفا بالإبداع والانسجام والجمالية. (43)
10- ومن مظاهر هذه الحركة رحلة العلماء والأدباء إلى المشرق لا لتحصيل العلوم واستكمال المعارف فحسب، بل لحرص السعديين على نشر مآثرهم في الشرق العربي. فابن القاضي ينقل في رحلته العلمية الأصداء التي تركتها معركة وادي المخازن لدى المشارقة، وتوقهم إلى حضور المغرب لبيعة المنصور". (44) والتمكروتي يتلمس طموح السعديين إلى خلافة العالم الإسلامي عوض الأتراك الذين عليهم أن يؤدوا الأمانة لمن هم أحق بها ممن شرفت بهم الإمامة والخلافة. (45) كما كانت للحركة الأدبية بالمغرب
أصداء قوية في المشرق، فقد روى أدباؤه الكثير من الشعر السعدي وقرظوا بعض مؤلفاته. (46) وتعكس كتب التراجم المشرقية كثرة الأدباء السعديين التي تظهر مدى تواصل مؤلفيها معهم. (47)
11- لعل إشكالية البحث في الدرس الأدبي في المؤلفات المغربية تنبثق من كون الأدب بمفهومه الخاص لا يشكل إطارا علميا اجتماعيا يكسب صاحبه تقديرا ومكانة، لأن سيادة الدرس العلمي الديني نالت أكبر حظوة في التأليف والتصنيف. ومن ثم كانت الفهارس وغيرها لا تبرز إلا البنيات الأساسية التي تهيئ الطالب لنيل مرتبة العالم، أما الأدب تثقيفا أو إبداعا فلا يراعى إلماما.
ويمكن أن نتلمس بعض المظاهر التي تؤكد على حضور الأدب ومراعاة طبعه وقيمه، وذلك من خلال:
- كثرة الاستشهاد بالشعر. (48)
- شرح نصوص أدبية. (49)
- شيوع المطارحات الأدبية. (50)
- تحليات الأدباء في كتب التراجم وغيرها. (51)
- الحرص على قول الشعر. (53)
ومثل هذا الحضور يمثل رغبة الذات في البحث عن المقومات الجمالية والوجدانية في تلقي النص ونقده واختياره وإبداعه. ورغم ذلك، إن هذا الحضور لا شك أنه يقيم درسا، علما له مكانته وشيوخه وتصانيفه.
وإذا كان البحث عن الدرس الأدبي – سواء تعلق بالمؤلفات المدرسة أو بشيوخ التدريس – فإن المصادر لا تسعف الباحث بتفصيله – شأن الدرس العلمي – الديني، باستثناء إشارات قليلة متفرقة. (54) من بينها أن ابن غازي درس البردة، (54) من بينها أن ابن غازي درس البرد، (55) وعلي بن هارون أقرأ مقامات الحريري، (56) والحامدي شرح قصيدته الميمية في مدح محمد الشيخ، (57) وعبد العزيز الفشتالي درس مقصورة المكودي. (58)
ومن بينها إشارات عامة إلى شيوخ الأدب كعبد الله بن عبد الواحد الونشريسي، وأحمد المنجور، وعبد الواحد الحسني، (59) دون أن نعرف الكتب التي درسوها. وهي إشارات لا تمكن الباحث من رصد صورة عامة لدراسة الأدب، فغايتها – غالبا – تسعى إلى تلقين اللغة والأساليب دون أن تمارس تحليل المقومات الجمالية للنصوص الأدبية، ولعل المراكز الثقافية في الجنوب – خاصة – عرفت إقبالا أكثر من غيرها حيث تم تداول الكتب الأدبية ومدارستها. (60)
ومن ثم فدراسة الحركة الأدبية في العصر السعدي نتلمس مظاهرها خارج حلقات التدريس، وذلك من خلال معرفة بعض الكتب الأدبية – شعرا ونثرا – التي تداولها العلماء:
* "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" لابن بسام.
* "المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع" للسجلماسي.
* "الغيث المسجم في شرح لامية العجم" للصفدي.
* "خريدة القصر وجريدة العصر" للعماد الأصفهاني.
* "رفع الحجب المستورة في محاسن المقصورة" للشريف السبتي.
* "حلية المحاضرة في صناعة الشعر" للحاتمي.
* "كتاب الفصوص" لصاعد البغدادي.
* "العقد الفريد" لابن عبد ربه.
* "ديوان نزهة القلوب" للسجستاني.
* "تكملة ديوان ابن حمديس" للصقلي.
* "ديوان ابن هانئ". (61)
* "ديوان أبي فراس الحمداني". (62)
* "الموازنة بين أبي تمام والبحتري" للآمدي. (63)
وفي فهرس أحمد بن القاضي "رائد الفلاح بعوالي الأسانيد الصحاح" اهتمام بالدرس الأدبي، إذ يذكر في خاتمته كتب الآداب الإسلامية (كذا) يبلغ بها عددا وافرا. من بينها: (64)
• ديوان المتنبي. (65)
• كتاب الأشعار الستة.
• حماسة أبي تمام.
• "سقط الزند" للمعري.
• بردة البوصيري.
• شعر أبي إسحاق الألبيري.
• مقصورة ابن دريد.
• قصائد مسندة وإنشادات...
وهذه الكتب – ولعل غيرها كثير – تعبر عن الثقافة الأدبية السائدة في عصر اعتنى بالأدب العربي نقدا وتحليلا وإبداعا، ولا شك أنها كانت بنيات للأدب السعدي يستمد منها عطاءه ومقوماته.
1)اسم بعض الباحثين (حجي والمنوني) العصر السعدي إلى عهدين متميزين:
الأول: طور النشوء والإقبال (القرن العاشر الهجري).
الثاني: طور الانحلال والإدبار (القرن الحادي عشر الهجري).
2) كيف نشأت التقاليد العلمية بسوس: لمحمد زنيبر، البحث العالمي ع 3 ص 1964 ص: 117.
3) سوس العالمة: لمحمد المختار السوسي ص: 60.
4) المراكز الثقافية المغربية أيام السعديين لمحمد حجي (البحث العلمي) ع: 6 س 2، 1965 ص: 43.
5) مترعات الكؤوس في بعض آثار أدباء سوس: لمحمد المختار السوسي ص: 33.
6) راجع حول أدبية محمد الشيخ:
- دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر: لمحمد بن عسكر الحسني، تحقيق محمد حجي ص: 88.
- المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور لأحمد بن القاضي، دراسة وتحقيق محمد زروق 286.
- نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي: محمد الصغير الوفراني، صححه السيد هوداس ص: 23- 24.
7) الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام: للعباس بن إبراهيم المراكشي. ص: 5/ 151.
8) راجع حول أدبية أحمد المنصور:
- مناهل الصفافي أخبار الملوك الشرفاء: لعبد العزيز الفشتالي حققه عبد الله كنون ص: 206- 220.
- المنتقى: - ص: 2/ 612.
- روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته بالحضرتين مراكش وفاس: لأحمد المقري، نشر عبد الوهاب بنمنصور ص: 34- 59.
9) الروضة: ص: 59.
10) الإعلام: ص: 5/ 223.
11) راجع: رائد الفلاح لعوالي الأسانيد الصحاح: لأحمد بن القاضي. مخطوط الاسكوريال.
12) المناهل: ص: 137، انظر نموذجا نقديا لذلك في: (مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا) دراسة وتحقيق عبد الكريم ص: 226 – 227، راجع: شعر عبد العزيز الفشتالي، جمع وتحقيق ودراسة نجاة المريني ص: 348.
13) المنتقى: ص: 1/ 251.
14) الروضة: ص: 57. راجع خطبته في المناهل ص: 217.
15) الروضة: ص. 57- 58، المناهل: 217- 218، والمصنف: مخطوط خ ح بالرباط 4911. راجع المنتقى: ص: 226 هامش (هـ) 30.
16) المناهل: ص: 219.
17) المناهل: ص: 207- 213، راجع نصه في: ن. م. ص.
18) كالروضة والمناهل والمنتقي.
19) ورد نصها في "أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة" لمحمد بنشريفة ص: 279- 289.
20) من إعداد محمد بنشريفة ص: 6- 87.
21) المناهل: ص: 206.
22) راجع في الموضوع:
- الحركة: ص: 182- 194.
السياسة والمجتمع في العصر السعدي. لإبراهيم حركات ص: 379- 383.
23) وجه أحمد المنصور مبعوثين إلى المشرق لشراء الكتب واستنساخها. انظر رسائل، 81 و182.
24) مثلما فعل أحمد المنصور مع بعض كتب ابن القاضي وعبد العزيز الفشتالي والماغوسي والنابغة والهوزالي... يقول المقري: "وقد ألف لخزانته – نصره الله – أكثر من مائة تأليف على ما أخبرت". ثم يعدد بعضها، الروضة: 69- 70.
25) جل الكتب التي كانت تدرس في العصر العلوي انتسخت في العصر السعدي، المنتقى: ص: 230.
26) تاريخ الوراقة المغربية: لمحمد المنوني ص: 78.
27) ن. م. ص: .
28) ن. م. ص: 78.
29) سنشير إلى بعضها في هذا المبحث.
30) راجع: الحركة: ج: 2.
31) المناهل: ص: 155/ المنتقى: ص: 251.
32) الحركة: ص: 56.
33) راجع حول جهود هذه العناصر: ن. م ص: 64- 77.
34) راجع حول التعريف بالتآليف الآتية: ن. م. ص: 198- 206 و 164 و214.
35) مخطوط الخزانة الحسنية 2993.
36) مخطوط الخزانة الحسنية 2992.
37) مخطوط الخزانة الحسنية 1667، ومخطوط الخزانة العامة 2613 ك.
38) مخطوط الخزانة العامة 66 ج.
39) راجع:
- المنتقى: ص: 55 و229 و251.
- الحركة: ص: 91 و157.
- المغرب في عهد الدولة السعدية: لعبد الكريم كريم ص: 321 – 323.
40) ظاهرة تعريبية في المغرب السعيدي: لمحمد المنوني، اللسان العربي، س 1 ع 1 يونيه 1964.
راجع لائحة الكتب المعربة في الحركة: ص: 163.
41) الحركة: ص: 162.
42) أساتذة الهندسة ومؤلفوها في المغرب السعدي: دعوة الحق س: 9. ع. 2 دسمبر 1965.
43) راجع: قصر البديع بمراكش: لعبد الهادي التازي.
44) المنتقى: ص: 2/ 846.
45) النفحة المسكية في السفارة التركية: لعلي الجزولي التمكروتي ص: 147.
46) راجع تقريظ القرافي والطبلاوي لشرح الماغوسي للامية الروضة: ص: 235 – 239.
47) راجع ص: 110- 11 من هذه الأطروحة.
48) راجع – المنتقى / المناهل / النزهة.
49) راجع ص: 63 – 65 من هذه الأطروحة.
50) الروضة: ص: 80 شعر: ص: 349.
51) راجع:
- المنتقى في أماكن متفرقة.
- مقامة محمد بن عيسى: رسائل سعدية تحقيق عبد الله كنون. 219 – 225. من هذه الأطروحة.
52) راجع: تاريخ الوراقة: ص: 75 – 109.
53) راجع: مصادر الشعر السعدي: ص: 74 – 122 من هذه الأطروحة.
54) راجع فهرس المنجور، وفهرس ابن القاضي رائد الفلاح: ن. م ص: 97- 100.
55) المراكز الثقافية المغربية أيام السعديين: لمحمد حجي، (البحث لعلمي) ع 6 ص: 50.
56) ن. م. ص: .
57) سوس العالمة: ص: 69 – 180.
58) المراكز الثقافية: ص: 50.
59) ن. م.
60) المراكز الثقافية: ص: 50.
61) راجع عن هذه الكتب ونساخها: تاريخ الوراقة المغربية: ص: 80- 93.
62) من تحبيس أحمد المنصور على خزانة القرويين رقمه 598.
63) نسخ عام 978. خ. القرويين ص: 464.
64) من رقم 541 – إلى 558. في ثلاثين صفحة من المخطوط، ومن صفحة 425 إلى 565 من النص المحقق المرقون. راجع صفحة: 99- 100 من هذه الأطروحة.
65) يذكر ابن القاضي سنده عن شيوخه عبر الوادياشي إلى أن يصل إلى أبي الطيب.
* دعوة الحق
العدد 307 رجب 1415/ دجنبر 1994
I.- طور التأسيس (915- 961هـ).
II.- طور الاستقرار(961 – 986هـ).
III.- طور النهضة (986 – 1012هـ).
IV.- طور الفتن (1012-1069هـ). (1)
ومن هذه الأطوار نستجلي المراحل الأدبية العامة:
الأولى: مرحلة انتعاش المراكز الثقافية بعد خمول طوال عهد الوطاسيين.
الثانية: مراحل نهضة وازدهار خلال عهد أحمد المنصور خاصة.
الثالثة: مرحلة اجترار في عهد تنازع أولاد المنصور وأحفاده على السلطة.
الرابعة: مرحلة إنقاذ وبعث في عدد من الإمارات والزوايا (الدلاء، إيليغ، سلا...).
وتشكل هذه المراحل التحولات الثقافية التي عرفها العصر السعدي من أجل الحفاظ على اللغة العربية وثقافتها الأدبية.
ولدراسة أبرز المراحل والتحولات لابد من بحث البنيات العامة الفاعلة في الحركة الأدبية من خلال جملة من المعطيات:
1- من الحواضر الثقافية التي عرفها تاريخ المغرب حاضرة سوس – وهي مهد السعديين – فبالرغم من مشكلة اللغة والموقع الجغرافي والوضع الاجتماعي، (2) كان الإقبال كبيرا على العلوم الإسلامية واللسانية والأدبية، مثلما كان الجهاد ظاهرة استأثرت بالحياة الاجتماعية في الدفاع عن العقيدة والثغور، وقد أبرز ذلك أمرين:
الأول منهما: أن النهضة العلمية التي عرفتها حاضرة سوس بسائر مراكزها منذ القرن العاشر الهجري – بعد أن بذرت فيها ثمار مجالس الدراسة أيام بني مرين –(3) قد تميزت بأثر أدبي واضح في اللغة ترسلا وشعرا.
أما الثاني: فإن الجهاد أحد الدعائم التي أتاحت قيام السعديين، بعد أن كان ظاهرة اجتماعية أيام بين مرين.
ومع أن كلا الأمرين: القول والفعل: القول والفعل – وقد تكاملت عناصرهما – استطاعا أن يحققا نشاطا فعالا في الإبداع والوحدة الوطنية بتواز مع تفتعل بنيات أخرى حرصت حرصا شديدا على التواصل، مما يجعلها متسمة بالمعطيات الأدبية، في عصر خيم الفقه على مراكزه الثقافية، على نحو ما نجده في فاس من حفاظ – في خضم التحولات السياسية – على ميزتها المرتكزة على التعمق في دراسة الفقه المالكي. (4) في حين كانت المحمدية قد اضطلعت بدور هام في الدراسة الأدبية من خلال متون اللغة ودواوين الشعر وكتب الترسل. وقد أولى السعديون لعاصمتهم الأولى عناية بالغة جعل عهدهم بها مجال نهضة، بل كان عصرا ذهبيا متفوقا. (5)
2- وفي هذه البيئة نشأ السعديون، ووجدوا في تميزها فرص التثقيف، وتذوق الأدب، فكان محمد الشيخ أول أمير سعدي يحفظ ديوان المتنبي عن ظهر قلب، (6) وكان حفيده محمد بن عبد القادر شاعرا ومترسلا. (7) أما أحمد المنصور فقد أجمع المؤرخون على أنه كان ذا ثقافة عالية لتمرسه بعديد من العلوم والفنون أهلته إلى وضع تآليف وأشعار، (8) كما كان ابنه عبد العزيز مهتما بالأدب، (9) وكذا المامون الذي عقد المجالس الأدبية والمطارحات الشعرية، (10) كما أن زيدان ولع بقول الشعر. (11)
وبهمة الأمراء السعديين نشط الأدب سواء في بلاطهم أو في عامة المجالس، فكانت المسامرات والمطارحات سبلا إبداعية، ساهموا فيها بفعالية أظهرت مدى تأدبهم وتعظيمهم للأدباء وإكرامهم، ومن ثم، فقد جمعوا بين الثقافة الواسعة وشؤون السياسة والتدبير.
ولما كان عصر أحمد المنصور عصر نهضة في الإبداع السعدي، فقد انصبت في بوتقته المظاهر الأدبية السابقة – لتنصهر في بؤرة من أجل تحقيق نص إبداعي بمقوماته وخصائصه، وثمتئذ كانت شخصية أحمد المنصور أبرز دعائم عصره:
أ- لأنه خبير بفنون الشعر، فكان "إذا امتدح بنظم أو رفع إليه الشاعر كلمة يتدبر معانيها ويعرض على محك اختباره مبانيها، فإذا وجد لفظة ينظر إليها النقد بطرف خفي لخروجها عن سياج التأدب مع الله، ولو بأقل شيء مما لا يقدح في عقيدة، ولا يحدث وصمة في الدين، تورع عنها وخرج بالبراءة من عقدتها، وأمر بنبذها أو إدالتها بأسهل منها... وهذا أمر لا يجاريه في مضماره فرسان هذا الشأن". (12)
ب- وبفضل قريحته الأدبية "كثر تعاطي الآداب وحفظها وإنشاؤها، وتنافس الناس في كل ما ذكر، كل على قدر وسعه وطاقته". (13)
جـ- كما كان مشاركا في المجالس الأدبية، وغالبا ما كان شعره مثار معارضات تنحو نحو الطرافة والغرابة.
أما تآليفه فهي جهد ملك بصير بشؤون الدولة والرعية، مثلما هي جهد مبدع حريص على نقاء فنه، ومما ذكره المؤرخون له:
* "المعارف في كل ما تحتاج إليه الخلائف": "ومضمنه علم السياسة، وهو غاية في بابه لم يؤلف مثله". (14)
* "العود أحمد": جمع فيه الأدعية المأثورة على النبي صلى الله عليه وسلم واتخذها أورادا يعكف عليها في خلواته وجلواته. (15)
* "الأشعار العلوية": جمعها من أمهات كتب الأدب والدواوين الشعرية، وهو تقييد صرفته عنه الفتن. (16)
* "تقييد في علم المعمى من فنون الشعر ومعرفته وأسمائه وأنواعه وألقابه". (17)
* "أشعاره"، وأغلبها مقطعات تربو أبياتها على المائة فيما اطلعنا عليه من مصادر. (18)
* "توقيفاته وتعليقاته على بعض أبيات مجموع شعري": "مظهر النور الباصر في أمداح الملك الناصر". (20)
وإذا كنا لا نتوفر الآن على مخطوطات جميع هذه المؤلفات، فإن معظمها كفيل بإبراز شخصية أحمد المنصور الأدبية، فهو "وإن كان في سائر العلوم علما تأتم الهداة به فهو في فن الأدب، الروض الذي لا تزال طيور أفكاره صادحة على أيكه، وشموس إحسانه بازغة من فلكه، وروحه الذكية سارحة في رياضه، كارعة في حياضه، لا تكاد دواوينه تفارق راحته، ولا يرى في غير واديه أنسه وراحته... أخذ من شرف الشعر باسمه، وتصرف على حكمه، آية في قرضه ونقده، وحله وعقده. حسن الاختراع، لطيف التوليد من غير نزاع، غريب المنزع بلا دفاع". (21)
3- ومن مظاهر عناية السعديين بالحركة الأدبية حرصهم على تأسيس الخزائن والمكتبات (22)، سواء باقتناء الكتب أو استنساخها (23)، أو الأمر بتأليفها (24)، حتى عد ذلك ظاهرة في هذا العصر لدى خاصته وعامته، اتسعت لها الحواضر والبوادي، وجلبت لها العديد من الكتب الأندلسية والمشرقية، بالإضافة إلى وفرة المؤلفات المغربية، مما كون تراثا ضخما لا نزال نحتفظ بالكثير من آثاره. وذلك يعكس حفاظ السعديين على التراث الحضاري للعالم العربي والإسلامي، الذي ما فتئنا نتواصل معه بدراسته وإنقاذ ذخائره.
ولا مراء في حضور الكتاب الأدبي ضمن قوائم هذه الخزائن والمكتبات التي عرفت تنوعا في مصادر المعرفة، وتعددا في الاهتمامات الثقافية. وقد أجلى ذلك – حقا – نهضة ثقافية ساهمت في إغناء الحضارة الإسلامية وتراثها الأدبي.
4- ولم يكن لهذا التراث أن تتدارس نصوصه وتشع أفكاره (25) لو لم تزدهر فنون الوراقة. فقد عرفت في العصر السعدي نشاطا ملحوظا بفضل عناية السعديين بأمور هذه الحرفة التي أقاموا لها مشيخة كان من بين رؤسائها عبد العزيز بن عبد الله السكتاني، (26) وإذا كنا لا نعرف أنظمة هذه الحرفة، فإن وجود أعلام اضطلعوا بالنسخ كعبد الله بن عمر بن عثمان، وإبراهيم بن محمد الغساني، وأحمد بن الحاج بنسودة، وأحمد الفزكاري وغيرهم. (27) أتاح لسوق الكتب ازدهار كبيرا، خاصة أن تدريس الخط بجامع الأشراف في مراكش كان عاملا هاما في انتشار هذه الحرفة وصناعتها. (28) وقد حفظت الوراقة السعدية العديد من المؤلفات للتراث العربي والمغربي من بينها كتب أدبية تعبر عن مدى الحركة الأدبية في العصر السعدي. (29)
5- وبانتشار الكتب كان التعليم شاملا في الحواضر والبوادي، وقد أتاح ذلك نشاطا علميا في عديد من المراكز التي تكاثر بها الطلبة والمدرسون نظرا لاستفادة السعديين من جهود المرينيين في تأسيسهم للمدارس بمراكز الشمال – خاصة، ولوجود القرويين التي ظلت تحافظ على مكانتها العلمية حتى إبان العصر السعدي نفسه، تلك المكانة التي تصدرت لها مراكش ومراكز الجنوب الكبرى كالمحمدية ودرعة وسجلماسة وفكيك، (30) فاستعادت إشعاعها العلمي بما أولاه لها السعديون من عناية حتى أصبحت مقصد العلماء والأدباء، وحين ضعف أمر السعديين كانت الزوايا الدلائية والناصرية والعياشية لا تزال تتيح التواصل بين العلماء، والاستمرار في التعليم والتدريس، والمحافظة على التراث.
6- ومن أسباب هذه الحركة الأمن والاستقرار اللذان مكنا المجتمع من ممارسة شؤونه الحضارية، فعرفت مجالس الدرس إقبالا شديدا، ونشط التأليف والإبداع، ولعل الوضع المالي رعى هذه الحركة – وخاصة أيام المنصور – فكانت "جوائزه وصلاته على القصائد الشعرية والنكث النثرية"، (31) وكذا إغداقه بسخاء على الطلبة والعلماء، كثيرة وهذا ما جعل عهده متميزا في تاريخ الدولة السعدية.
7- كما تفاعلت العناصر الثقافية المغربية والوافدة على المغرب والزائرة لبلاط السعديين، إذ ساهمت في تنشيط الحركة الثقافية بالإبداع الشعري أو الحضاري، فكانت قصائدهم ومساجلاتهم ومناظراتهم ظاهرة في المجالس السعدية، التي عرفت ألوانا من الجدة والطرافة. كما كانت "هناك ظاهرة أخرى تدل على اتساع الأفق الثقافي أيام السعديين، حيث انتشر الطرب والمرح، وأخذت الموسيقى الأندلسية طابعها النهائي في هذه البلاد بازدواج التلحين والإنشاد". (32)
لذلك كان المتتبع لهذه الحركة الثقافية يجد في تفاعل عناصرها المغربية والأندلسية والمغاربية والسودانية والمشرقية والأوربية سبيلا إلى خلق نهضة – لو استمرت – لتكاملت معالمها وانسجمت بنياتها، وتحقق تفتحها الحضاري الشامل. (33)
8- ولما كانت ظاهرة العصر السعدي تتجلى في الانتصارات التي حققها السعديون لتحرير الثغور المغربية، وللقضاء على الثورات الداخلية ولبسط السلطة على جنوب الصحراء والسودان الغربي، اتسم الفكر والأدب باستجابة قوية إلى الجهاد الذي أصبح يمثل المسألة الثقافية، إذ دونت تآليف عديدة نذكر من بينها: (34)
* "تنبيه الهمم العالية": لمحمد بن يجبش التازي.
* "لباب مراقي الجنة مما ورد في الجهاد والسنة" لعبد الهادي ابن طاهر الحسني. (35)
* "فلك السعادة الدائر بفضل الجهاد والشهادة" لعبد الهادي ابن طاهر الحسني. (36)
* "مطلب الفوز والفلاح في آداب طريق أهل الفضل والصلاح" لعيسى بن موسى البطوئي. (37)
* "الجواهر المختارة فيما وقفت عليه من النوازل بجبال غمارة" لعبد العزيز بن الحسن الزياتي. (38)
كما كان الإبداع في القصائد المادحة والمولديات والتهنئة بالفتوح... من أكثر الأنماط الشعرية تداولا، إذ حرصت على الدعوة إلى الجهاد، ووصف الحروب، وتمجيد البطولة، وتدعيم المقاومة، مما يشكل حضورا فعالا في تفاعل الواقع والفكر والإبداع في سبيل استمرار معطيات الأدب المغربي.
9- وإن ما عرفه العصر السعدي من حركة أدبية كانت – دون شك – مظهرا من معالم النهضة لا تقل - عموما – عما ظهر آنذاك في أوربا في المجالات العلمية والحضارية، ولعل حرص المنصور – خاصة – على التواصل الحضاري بينه وبين أوربا يعكس مدى طموحه للحاق بنهضتها، (39) بالرغم مما لقيه من تعنت صليبي من لدن بعض دولها، فاهتم بتعريب بعض الكتب في مواضيع عليمة مختلفة. (40) كما أمر بتأليف بعض الكتب في الطب والصيدلية والتقنيات. (41) ولعل الهندسة المعمارية كانت أكثر العلوم ازدهارا، (42) فتشييد قصر البديع من أبرز المعالم الحضارية وصفا بالإبداع والانسجام والجمالية. (43)
10- ومن مظاهر هذه الحركة رحلة العلماء والأدباء إلى المشرق لا لتحصيل العلوم واستكمال المعارف فحسب، بل لحرص السعديين على نشر مآثرهم في الشرق العربي. فابن القاضي ينقل في رحلته العلمية الأصداء التي تركتها معركة وادي المخازن لدى المشارقة، وتوقهم إلى حضور المغرب لبيعة المنصور". (44) والتمكروتي يتلمس طموح السعديين إلى خلافة العالم الإسلامي عوض الأتراك الذين عليهم أن يؤدوا الأمانة لمن هم أحق بها ممن شرفت بهم الإمامة والخلافة. (45) كما كانت للحركة الأدبية بالمغرب
أصداء قوية في المشرق، فقد روى أدباؤه الكثير من الشعر السعدي وقرظوا بعض مؤلفاته. (46) وتعكس كتب التراجم المشرقية كثرة الأدباء السعديين التي تظهر مدى تواصل مؤلفيها معهم. (47)
11- لعل إشكالية البحث في الدرس الأدبي في المؤلفات المغربية تنبثق من كون الأدب بمفهومه الخاص لا يشكل إطارا علميا اجتماعيا يكسب صاحبه تقديرا ومكانة، لأن سيادة الدرس العلمي الديني نالت أكبر حظوة في التأليف والتصنيف. ومن ثم كانت الفهارس وغيرها لا تبرز إلا البنيات الأساسية التي تهيئ الطالب لنيل مرتبة العالم، أما الأدب تثقيفا أو إبداعا فلا يراعى إلماما.
ويمكن أن نتلمس بعض المظاهر التي تؤكد على حضور الأدب ومراعاة طبعه وقيمه، وذلك من خلال:
- كثرة الاستشهاد بالشعر. (48)
- شرح نصوص أدبية. (49)
- شيوع المطارحات الأدبية. (50)
- تحليات الأدباء في كتب التراجم وغيرها. (51)
- الحرص على قول الشعر. (53)
ومثل هذا الحضور يمثل رغبة الذات في البحث عن المقومات الجمالية والوجدانية في تلقي النص ونقده واختياره وإبداعه. ورغم ذلك، إن هذا الحضور لا شك أنه يقيم درسا، علما له مكانته وشيوخه وتصانيفه.
وإذا كان البحث عن الدرس الأدبي – سواء تعلق بالمؤلفات المدرسة أو بشيوخ التدريس – فإن المصادر لا تسعف الباحث بتفصيله – شأن الدرس العلمي – الديني، باستثناء إشارات قليلة متفرقة. (54) من بينها أن ابن غازي درس البردة، (54) من بينها أن ابن غازي درس البرد، (55) وعلي بن هارون أقرأ مقامات الحريري، (56) والحامدي شرح قصيدته الميمية في مدح محمد الشيخ، (57) وعبد العزيز الفشتالي درس مقصورة المكودي. (58)
ومن بينها إشارات عامة إلى شيوخ الأدب كعبد الله بن عبد الواحد الونشريسي، وأحمد المنجور، وعبد الواحد الحسني، (59) دون أن نعرف الكتب التي درسوها. وهي إشارات لا تمكن الباحث من رصد صورة عامة لدراسة الأدب، فغايتها – غالبا – تسعى إلى تلقين اللغة والأساليب دون أن تمارس تحليل المقومات الجمالية للنصوص الأدبية، ولعل المراكز الثقافية في الجنوب – خاصة – عرفت إقبالا أكثر من غيرها حيث تم تداول الكتب الأدبية ومدارستها. (60)
ومن ثم فدراسة الحركة الأدبية في العصر السعدي نتلمس مظاهرها خارج حلقات التدريس، وذلك من خلال معرفة بعض الكتب الأدبية – شعرا ونثرا – التي تداولها العلماء:
* "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" لابن بسام.
* "المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع" للسجلماسي.
* "الغيث المسجم في شرح لامية العجم" للصفدي.
* "خريدة القصر وجريدة العصر" للعماد الأصفهاني.
* "رفع الحجب المستورة في محاسن المقصورة" للشريف السبتي.
* "حلية المحاضرة في صناعة الشعر" للحاتمي.
* "كتاب الفصوص" لصاعد البغدادي.
* "العقد الفريد" لابن عبد ربه.
* "ديوان نزهة القلوب" للسجستاني.
* "تكملة ديوان ابن حمديس" للصقلي.
* "ديوان ابن هانئ". (61)
* "ديوان أبي فراس الحمداني". (62)
* "الموازنة بين أبي تمام والبحتري" للآمدي. (63)
وفي فهرس أحمد بن القاضي "رائد الفلاح بعوالي الأسانيد الصحاح" اهتمام بالدرس الأدبي، إذ يذكر في خاتمته كتب الآداب الإسلامية (كذا) يبلغ بها عددا وافرا. من بينها: (64)
• ديوان المتنبي. (65)
• كتاب الأشعار الستة.
• حماسة أبي تمام.
• "سقط الزند" للمعري.
• بردة البوصيري.
• شعر أبي إسحاق الألبيري.
• مقصورة ابن دريد.
• قصائد مسندة وإنشادات...
وهذه الكتب – ولعل غيرها كثير – تعبر عن الثقافة الأدبية السائدة في عصر اعتنى بالأدب العربي نقدا وتحليلا وإبداعا، ولا شك أنها كانت بنيات للأدب السعدي يستمد منها عطاءه ومقوماته.
1)اسم بعض الباحثين (حجي والمنوني) العصر السعدي إلى عهدين متميزين:
الأول: طور النشوء والإقبال (القرن العاشر الهجري).
الثاني: طور الانحلال والإدبار (القرن الحادي عشر الهجري).
2) كيف نشأت التقاليد العلمية بسوس: لمحمد زنيبر، البحث العالمي ع 3 ص 1964 ص: 117.
3) سوس العالمة: لمحمد المختار السوسي ص: 60.
4) المراكز الثقافية المغربية أيام السعديين لمحمد حجي (البحث العلمي) ع: 6 س 2، 1965 ص: 43.
5) مترعات الكؤوس في بعض آثار أدباء سوس: لمحمد المختار السوسي ص: 33.
6) راجع حول أدبية محمد الشيخ:
- دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر: لمحمد بن عسكر الحسني، تحقيق محمد حجي ص: 88.
- المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور لأحمد بن القاضي، دراسة وتحقيق محمد زروق 286.
- نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي: محمد الصغير الوفراني، صححه السيد هوداس ص: 23- 24.
7) الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام: للعباس بن إبراهيم المراكشي. ص: 5/ 151.
8) راجع حول أدبية أحمد المنصور:
- مناهل الصفافي أخبار الملوك الشرفاء: لعبد العزيز الفشتالي حققه عبد الله كنون ص: 206- 220.
- المنتقى: - ص: 2/ 612.
- روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته بالحضرتين مراكش وفاس: لأحمد المقري، نشر عبد الوهاب بنمنصور ص: 34- 59.
9) الروضة: ص: 59.
10) الإعلام: ص: 5/ 223.
11) راجع: رائد الفلاح لعوالي الأسانيد الصحاح: لأحمد بن القاضي. مخطوط الاسكوريال.
12) المناهل: ص: 137، انظر نموذجا نقديا لذلك في: (مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا) دراسة وتحقيق عبد الكريم ص: 226 – 227، راجع: شعر عبد العزيز الفشتالي، جمع وتحقيق ودراسة نجاة المريني ص: 348.
13) المنتقى: ص: 1/ 251.
14) الروضة: ص: 57. راجع خطبته في المناهل ص: 217.
15) الروضة: ص. 57- 58، المناهل: 217- 218، والمصنف: مخطوط خ ح بالرباط 4911. راجع المنتقى: ص: 226 هامش (هـ) 30.
16) المناهل: ص: 219.
17) المناهل: ص: 207- 213، راجع نصه في: ن. م. ص.
18) كالروضة والمناهل والمنتقي.
19) ورد نصها في "أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة" لمحمد بنشريفة ص: 279- 289.
20) من إعداد محمد بنشريفة ص: 6- 87.
21) المناهل: ص: 206.
22) راجع في الموضوع:
- الحركة: ص: 182- 194.
السياسة والمجتمع في العصر السعدي. لإبراهيم حركات ص: 379- 383.
23) وجه أحمد المنصور مبعوثين إلى المشرق لشراء الكتب واستنساخها. انظر رسائل، 81 و182.
24) مثلما فعل أحمد المنصور مع بعض كتب ابن القاضي وعبد العزيز الفشتالي والماغوسي والنابغة والهوزالي... يقول المقري: "وقد ألف لخزانته – نصره الله – أكثر من مائة تأليف على ما أخبرت". ثم يعدد بعضها، الروضة: 69- 70.
25) جل الكتب التي كانت تدرس في العصر العلوي انتسخت في العصر السعدي، المنتقى: ص: 230.
26) تاريخ الوراقة المغربية: لمحمد المنوني ص: 78.
27) ن. م. ص: .
28) ن. م. ص: 78.
29) سنشير إلى بعضها في هذا المبحث.
30) راجع: الحركة: ج: 2.
31) المناهل: ص: 155/ المنتقى: ص: 251.
32) الحركة: ص: 56.
33) راجع حول جهود هذه العناصر: ن. م ص: 64- 77.
34) راجع حول التعريف بالتآليف الآتية: ن. م. ص: 198- 206 و 164 و214.
35) مخطوط الخزانة الحسنية 2993.
36) مخطوط الخزانة الحسنية 2992.
37) مخطوط الخزانة الحسنية 1667، ومخطوط الخزانة العامة 2613 ك.
38) مخطوط الخزانة العامة 66 ج.
39) راجع:
- المنتقى: ص: 55 و229 و251.
- الحركة: ص: 91 و157.
- المغرب في عهد الدولة السعدية: لعبد الكريم كريم ص: 321 – 323.
40) ظاهرة تعريبية في المغرب السعيدي: لمحمد المنوني، اللسان العربي، س 1 ع 1 يونيه 1964.
راجع لائحة الكتب المعربة في الحركة: ص: 163.
41) الحركة: ص: 162.
42) أساتذة الهندسة ومؤلفوها في المغرب السعدي: دعوة الحق س: 9. ع. 2 دسمبر 1965.
43) راجع: قصر البديع بمراكش: لعبد الهادي التازي.
44) المنتقى: ص: 2/ 846.
45) النفحة المسكية في السفارة التركية: لعلي الجزولي التمكروتي ص: 147.
46) راجع تقريظ القرافي والطبلاوي لشرح الماغوسي للامية الروضة: ص: 235 – 239.
47) راجع ص: 110- 11 من هذه الأطروحة.
48) راجع – المنتقى / المناهل / النزهة.
49) راجع ص: 63 – 65 من هذه الأطروحة.
50) الروضة: ص: 80 شعر: ص: 349.
51) راجع:
- المنتقى في أماكن متفرقة.
- مقامة محمد بن عيسى: رسائل سعدية تحقيق عبد الله كنون. 219 – 225. من هذه الأطروحة.
52) راجع: تاريخ الوراقة: ص: 75 – 109.
53) راجع: مصادر الشعر السعدي: ص: 74 – 122 من هذه الأطروحة.
54) راجع فهرس المنجور، وفهرس ابن القاضي رائد الفلاح: ن. م ص: 97- 100.
55) المراكز الثقافية المغربية أيام السعديين: لمحمد حجي، (البحث لعلمي) ع 6 ص: 50.
56) ن. م. ص: .
57) سوس العالمة: ص: 69 – 180.
58) المراكز الثقافية: ص: 50.
59) ن. م.
60) المراكز الثقافية: ص: 50.
61) راجع عن هذه الكتب ونساخها: تاريخ الوراقة المغربية: ص: 80- 93.
62) من تحبيس أحمد المنصور على خزانة القرويين رقمه 598.
63) نسخ عام 978. خ. القرويين ص: 464.
64) من رقم 541 – إلى 558. في ثلاثين صفحة من المخطوط، ومن صفحة 425 إلى 565 من النص المحقق المرقون. راجع صفحة: 99- 100 من هذه الأطروحة.
65) يذكر ابن القاضي سنده عن شيوخه عبر الوادياشي إلى أن يصل إلى أبي الطيب.
* دعوة الحق
العدد 307 رجب 1415/ دجنبر 1994