نقوس المهدي
كاتب
نحن مدينون للحسن الوزان بكثير من المعلومات المرتبطة بهذا الموضوع، والباقي عزم فيه الرجوع إلى بعض كتب التاريخ السياسي على قتلها فيما يخص العصر الو طاسي، كما تعين بحث عدد من كتب التراجم التي من شانها أن تلقي بعض الأضواء على شخصيات لها ارتباط بالموضوع:
1) رئيس الدولة: كان أول ما يهتم به السلطان الو طاسي بعد تنصيبه، أن يعين من أكابر شخصيات حاشيته مستشار رئيسا ويخص فيما يقول الوزان ثلث دخل دولته، كما يعين شخصية أخرى تجمع بين مهام الكتابة الخاصة ومرافقة الملك وخدمته، فضلا عن الإشراف على الخزانة، ثم يعين السلطان ضباط الحراس الخاص المؤلف من كتبة الفرسان، وهم يدورهم يشاركون في العملات العربية عند الاقتضاء، وفي الميدان القضائي والمالي يقوم بتعيين قضاة وجباة جدد.
أما في داخل القصر فان للسلطان قيما خاصا على نفقاته، كما انه يشرف على تزويد الجيش بالموؤنة، وهناك مشرف على الاصطبلات الملكية التي تتوفر على دواب كافية (جبال على الخصوص) لحمل المؤن للجيش، وقد وضع الطباخون ومساعدوهم تحت إدارة هذا السائس الذي يخضع بدوره للقيم.
أما الأحكام الصادرة على القصر، فيتولى السهر على تنفيذها قائد الحرس الخاص، الذي من مهامه، زيادة على إدارة الحرس المذكور، الإشراف على الموظفين المكلفين بتنفيذ الأحكام القضائية، والمصادرات، وحق اعتقال الشخصيات السامية، وتطبيق العقوبات عليهم، إذا صدر أمر سلطاني بذلك.
وهناك بطبيعة الحال عدد من خدم القصر، وفيهن عدد من السوداوات، كما يوجد بينهن مسيحيات من اسبانيا والبرتغال، وهناك حاجب كان يؤدي ما يقوم به مدير التشريفات اليوم، وكان يصحب السلطان دائما ويرشد الناس إلى أماكنهم في مجلس السلطان، ويشير غليهم بتناول الكلمة حسب مراتبهم.
وفي الحفلات التي يترأسها السلطان، يقوم المشرف على الحفلات (المزوار) بإخبار السعاة بموعد الحفلة ومكانها، فيقومون أولا بإخبار أقارب السلطان ثم القواد وقواد الرحى وسائر الفرسان، ويتم الحشد في ساحة المشور والأزقة المجاورة، ثم يتقدم الموكب حملة الرايات، يتلوهم الطبالون وسائس السلطان ومساعدوه ثم القيم الخاص ومساعدوه، فقواد الرحى، فالمزوار، فكتاب الملك، وأمين المال، والقاضي، وقائد الجيش وأخيرا، السلطان الذي يرافقه مستشار أو وزيره الأعظم مع بعض الأمراء، ويتحلق حول السلطان وحاشيته حراس مسلحون ثم يأتي بعد ذلك اخدم والخصيان والقواسة والبندقيون.
وإذا تنقل السلطان أي البادية نصب له مشور خاص من ثوب سميك، وهو ذو شكل مربع يبلغ طول كل من إضلاعه حوالي خمسة وثلاثين مترا أي ما يعادل مساحة 1225 مترا مربعا، ولكن من أركان هذا المشور العظيم برج تعلوه قبة مذهبة، وباب يحرسه الخصيان، ووسط هذا المشور تنصب خيام احدهما عبارة عن غرفة نوم للسلطان وحول المشور تنصب خيام الضباط والندماء المقربين، فخيام قواد الرحى المصنوعة من جلد المعز، وأخيرا خيام باقي الحاشية، أما دواب الموكب فتاتي بعيدا عن المعسكر، تنتصب دكاكين الجزارة والبقالة وباعة القديد، والصناع وكل هؤلاء يرافقون الجيش للتعامل معه خلال تنقلاته.
أما حرس المشور المذكور، فهم غير مسلحين، وقد وصفهم الحسن الوزان بالكسل، حيث أن عدم إخلاصهم، كثيرا ما كان سببا في تغرض المعسكرات للسرقة، بل ومحاولة الاعتداء على السلطان.
وقد اعترف الوطاسيون بالسيادة الرمزية للخليفة العثماني، كما نقشوا اسمه على السكة، ولذلك الغوا لقب أمير المؤمنين الذي كان قد سبق أن رجع إليه أبو الحسن المريني، وهكذا اكتفوا بلقب السلطان الذي كان قد احدث لأول مرة بالمغرب في عهد المنصور المريني.
2) ولي العهد: تركزت ولاية العهد في ذرية محمد الشيخ الثلاثة: محمد، وعلي، واحمد، إلا أن تولية علي الأولى على الرغم من أنها كانت بعهد من آخيه محمد البرتغالي، فان احمد الوطاسي سرعان ما نحاه عن الملك سنة 932 ه، واحمد هذا هو ولد محمد البرتغالي، وكان الذي تولى كتابة بيعته، هو الفقيه الونشريسي، وقد لعب دورا بارزا في البلاط الو طاسين وكان لولي العهد، وزيره الخاص مثلما كان الشأن في عهد المرابطين والموحدين والمرنيين.
3) الوزراء: استوزر الوطاسيون في معظم الأحيان أشخاصا من اقرب أقاربهم، كمحمد الحلو والناصر بن أبي زكاريا أخي محمد الشيخ، وكلاهما كان وزيرا لهذا الأخير، وكالمسعود بن الناصر ابن عم أبي عبد الله البرتغالي ووزيره، ومحمد ولد احمد الوطاسي ووزيره.
وكان هؤلاء الوزراء، يتولون مهام سياسية وحربية، فضلا عن أشرافهم على الأعمال الإدارية، كما كانوا يشاركون في قيادة الجيوش المحاربة، والظاهر أن الصقالية في هذا العهد لم يحظوا بوظائف وزارية سامية مثلما كان الأمر في عهد بني مرين.
4) القضاة: تقلصت سلطة القاضي في العصر الوطاسي بشكل ظاهر، حيث اقتصر على البث في القضايا الشرعية، وأحيلت القضايا المدنية والجنائية على الولاة، وهذا هو النظام الذي أحيته الحماية الفرنسية فيما بعد، حتى ضعفت دائرة اختصاص القضاة في الميدان الشرعي نفسه.
وكان القاضي الشرعي يعززه قاضي التوثيق الذي يتكلف بشؤون الزواج والطلاق والتحقيق في الشهادات ولم يكن يتقاضى راتبا رسميا، لان القضاة كانوا فقي الغالب يشتغلون بوظائف أخرى كالتدريس وخطبة الجمعة.
وكان المفتي بمثابة قاضي الاستئناف الذي يرجع إليه أما بقصد الاستشارة في مسالة قانونية أو لإعادة النظر في حكم قضائي.
وكان القاضي يتوفر على سجن يودع فيه المحكوم عليهم بأحكام خفية، أما القضايا الجنائية، فكان تنفيذ الأحكام فيها من اختصاص الوالي، وكذا البث فيها، وكانت العقوبة العادية في هذه الحالة هي الضرب بالسوط مائة فأكثر ثم تطويق المحكوم عليه سلسلة في عنقه، وقد يشرك في سلسلة الواحدة عدة متهمين ثم يطاق بهم عراة، إلا من لباس يستر عورتهم، ويصحبهم رئيس الشرطة والجلاد الذي يعلن الجريمة المنسوبة إلى المتهم بصوت عال. وكان للقضاة في المدن الكبرى نواب كما كان شان أيام بني مرين أيضا.
ومن قضاة الوطاسيين محمد ابن عبد الله اليفرتي وولده أبو عبد الله، ومحمد الرزيني الغماري قاضي تطوان المتوفى سنة 934ه ومحمد ابن عبد الرحمن الكراسي قاضي تطوان أيضا والمتوفى سنة 964ه وعبد الواحد الوتشريسي قاضي فاس الذي اغتيل سنة 955 ه بتدبير من السعديين.
أما الحسية في هذا العهد فقد انحطت رتبتها إلى درجة أنها بدأت تسند إلى أميين، فضلا عن أنها صارت موضع مساومة لدى القصر السلطاني، وكان محتسب فاس جانبا في نفس الوقت، وكان من اختصاصه مراقبة الأسعار والمجزرة، ومواد الاستهلاك، خصوصا الخبز الذي كان له وزن موحد، واللحم الذي كان يبين ثمنه في بطاقة يشاهدها الزبناء.
5) العمال: اتسعت سلطة العمال في هذا العهد، على حساب سلطة القضاة كما تقدم، وقد كانت العمالات أو اللاقاليم يومئذ سبعة هي: (1) تامسنا، ومن كبريات مدنها الرباط وأنفا (2) فاس وتمتد إلى سلا غربا ومن مدتها فاس وزرهون والمعمورة وسلا (3) ازغار (وتكون مع عمالة الهبط معظم منطقة الغرب الحالية) ومن مدنها القصر الكبير (4) الهبط وتكون باقي منطقة الغرب، مع منطقة غمارة، ومن مدنها طنجة وتطوان وأصيلا والبصرة (5) الريف ومن مدنها باريس وترغة (6) الحوز وهو يكون احواز فاس وتامسنا الجنوبية، ومن مدن هذا الإقليم صفروا وتازة، أما الإقليم السابع فيشكل الأجزاء الشرقية وهو أفقر الأقاليم المذكورة، ومن مدنه مليلية وتازوطا (حصن عظيم مريني).
أما اختصاص العمال، فكان يشمل السلطة الإدارية والعسكرية إلى جانب القضاء المدني الذي كان تنفيذ أحكامه يجري تحت إشراف العامل.
وكان العامل يستخلص مبالغ هامة من الذعائر وكان على بعض التجار والصناع أن يودوا إليه ضريبة معينة عن كل سجين ثم اعتقاله، وكان صاحب الشرطة تحت إشرافه، أما العاصمة فقد خصص لها أربعة من أصحاب الشرطة، يتولون السهر على الأمن خاصة بالليل، وكانوا لا يتقاضون رواتب معينة، وإنما يحصلون من المعتقلين على ضرائب حسب مدة اعتقالهم، ونوع العقوبة المنفذة فيهم، وقد لقصبة فاس صاحب شرطة خاص
وفي هذا العهد بدا يطلق على بعض الولاة لقب قائد، خصوصا ولاة المراكز التابعة للعمال، والقائد في الواقع لقب إداري وعسكري خصصه الأتراك لولاتهم وضباطهم فضلا عن لقب الباشا وهو أعظم رتبة، والأغلب أن هذا الأخير لم يبدأ استعماله إلا في عهد السعديين.
وكانت تامسنا من أهم أقاليم المملكة، إذ كان يبلغ عدد مدنها حوالي أربعين، وعدد حصونها المعمورة حوالي ثلاثمائة: ومن اكبر قبائلها يومئذ زناتة وهوارة.
لما إقليم فاس كان يمتاز بجودة أراضيه الفلاحية ويتوفر على قرى عديدة في التلال والمرتفعات، أما السهول فقد قللت الحروب كثيرا من نشاطها وسكانها، وفي هذا الإقليم كان عدد من قبائل العرب يشتغل بالزراعة في الاقطاعات غالبا.
وكان إقليم الهبط يتوفر على مياه غزيرة ومدن عتيقة، وكانت ثرواته في الماضي السحيق أعظم شانا وقد ضعفت أهميته منذ الفتح الإسلامي بسبب الحروب الطاحنة والثورات التي كان مرحا لها.
وكان إقليم ازغار يمد اغمارة وفاس بالأقوات والماشية والجياد، وكان إلى ذلك الحين يتوفر على كثير من الغزلان، وعلى الرغم من هذا التقسيم، فقد كانت عدة مراكز خارجة عن نفوذ الدولة كمراكش وناحية الهبط وسبتة وطنجة وأسفي وتطوان وشفشاون ودبدو...الخ...
وقد تم تجديد تطوان 889ه وتولتها عائلة أبي الحسن النظري طيلة العهد الو طاسي، وكان أبو الحسن علي المنظري من قواد جيش أبي الأحمر بالأندلس، ثم وفد على محمد الشيخ قبيل سقوط غرناطة فإذن له في تجديد بناء تطوان في السنة المذكورة، ثم خلفه حفيده أبو عبد الله في أوائل القرن العاشر، وتزوج بالست الحرة، بنت الشيخ علي بن راشد حاكم شفشاون الذي تعاون كثيرا مع أسرة المنظري في الجهاد ضد البرتغال، وكان اسم الست الحرة عائشة وقد كانت تشارك زوجها مهام الحكم حسبما استنتجه الأستاذ داود في كتابه «تاريخ تطوان» وقد توفي زوجها حوالي سنة 935ه وتولت هي نفسها حكم تطوان بعد ذلك، وتزوجها احمد الو طاسي سنة 948ه، وبقيت هناك نائبة عنه حسب استنتاجات المصدر المذكور إلى أن استعادت عائلة المنظري الحكم سنة 949ه حيث تم إقصاء السيدة الحرة التي لا يعرف مصيرها بعد ذلك على التحقيق.
وبقرب تازا تقع دبدو، التي كانت تحكمها منذ عهد بني عائلة من بني ورتاجن، وظلت كذلك حتى عهد الوطاسيين وحاولت جيوش محمد الشيخ أن تستولي عليها مرة، وكانت الطريق إليها محفوفة بالمخاطر، حتى إذا بعدت عن كل نجدة محتملة هزمها الورتاجنيون بعد هجوم مفاجئ، ولكن محمد الشيخ قاد حملة جديدة بنفسه ضد دبدو سنة 904ه 1499م فلم يسع أميرها محمد الورتاجني إلا أن يعلن استسلام، بيد أن محمد الشيخ وخلفاءه تركوه وأسرته يتولون أمور هذه القصبة، ووثقوا صلاتهم بها عن طريق السهر، كما فعلوا مع إمارات أخرى.
ومن المؤكد أن حكم الوطاسيين فتح مجالا أوسع من ذي قبل بحكم العائلات واستبدادها حتى صار ذلك تقليدا فيما بعد.
وكانت شفشاون في يد بني راشد الذين ظلوا فيها منذ اختطاطها سنة 876ه إلى 969ه حيث طردهم السعديون.
6) الجيش: كان قواد الجيش يدعون بقواد الرحى، وكان السلطان يقطع كلا منهم حصنا أو قريتين، يكون خراجهما موردا شخصيا له، وليتمكن بفضله من الإنفاق على عدد معين من الفرسان الذين يتم تجنيدهم في الحروب، وهم في الواقع جنود نظاميون يظلون تحت إشراف قائد الرحى حتى في أيام السلم حيث يزودهم بكميات من القمح والزبدة واللحم وقليل من الدراهم فضلا عن كسوة سنوية، وكانت الجمال التي تحمل المؤن والذخائر يقودها أسرى مسيحيون.
وكان الجيش النظامي يتكون من ستة ألاف فارس من المرتزقة، بالإضافة إلى خمسمائة بندقي وخمسمائة قواس وكلهم على استعداد دائم للحرب، وهم غير الصنف الذي تقدم ذكره.
وعدا الفريق المحارب، كان هناك بطبيعة الحال، من يشتغل بالطبخ والتنظيف وتموين الدواب وما إلى ذلك من لوازم الجيش، كما أن هناك فرقة من الطبالة الذين كانوا يحملون الطبولا من النحاس عظيمة الحجم، على جياد أصيلة، ويحافظون عليها اشد المحافظة.
وفي عهد الوطاسيين بدأ استعمال المدافع والبنادق ولو أن الأسلحة التقليدية ظلت مستعملة إلى جانبها. وقد أتقن الوطاسيون فن الحصار هجوما ودفاعا، فقد تمكن محمد الشيخ من حصار فاس مدة سنتين قبل أن يستولى عليها، كما أن حصار أصيلا اشعر مدة طويلة حتى تمكن الجيش الوطاسي من اقتحامها سنة914ه وجرى بها قتال شديد داخل الأزقة والأسواق، وكانت تحت حكم البرتغال.
وكان الجيش يتكون من عناصر كثيرة: بربر وعرب وعلوج، وكان العرب والبربر من قبائل مختلفة، أما القيادة فكان يتولاها في الغالب شخصيات سامية وربما قاد الحملات السلطان نفسه.
وللجيش فرقة خاصة من حملة الرايات، وإذا ساروا تركوها ملفوفة وتنشر منها واحدة تكون في المقدمة وترفع إلى أعلى لندل الملك وحاشيته وجيشه على الطرق، وتقودهم عبر الغابات والأنهار والمسالك، فضلا عما لها من دور معنوي في جمع شمل الجيش وتشجيعه على القتال.
7) النظام المالي: ظلت مهمة الجباة كذي قبل، هي استخلاص الضرائب من السكان وتقديم حساباتها إلى القصر السلطاني الذي يتولى مباشرة فرض ضرائب جدد أو إلغائها، ويتوفر القصر على خمسين فارسا مهمتهم الإخبار بالضرائب المقررة. أما استخلاص المكس بالأبواب، فيتولاه شخص يشتري هو نفسه حتى استخلاص المكس من السلطان، في المكان المعين له، مقابل مبلغ محدد، وقد يشتري شخص واحد مجموع حق استخلاص المكس بالمغرب (أو على الأصح بالمراكز الخاضعة للدولة).
وكان لهذا النظام سوابق في دول الشرق الإسلامي كالفاطميين وغيرهم كمما كان يؤدي غالبا إلى عجز الجياة عن الإيفاء بتعهداتهم، فتعمد الدولة إلى مصادرتهم وتشريدهم ومن أمثلة ذلك أن أبا العباس احمد الوطاسي عين على امكاس المغرب رجلا يدعى المنجور الإسلامي، وكان يقدم إلى الدولة عن مكس فاس وحدها ألف دينار سنويا، ولكن عجزه عن الإيفاء بها أدى بالسلطان إلى أن ينكبه ويصادر أمواله.
وكان الشخص الذي يتولى مهمة الجباية بفاس هو المحتسب الذي كان عليه أن يؤدي إلى الخزانة الملكية ثلاثين دينارا يوميا، ويتعين عليه أن يقيم على أبواب المدينة حراسا وكتبة يتقاضون تعويضات حسب البضائع الداخلية.
وكثير من الترتيبات المستعملة الآن بالمغرب، كانت تطبق تقريبا بنفس الكيفية في العهد الوطاسي، من ذلك أن حراس الأبواب كانوا يذهبون كما يفعل الدركيون اليوم إلى خارج المدينة، للقيام بتفتيشات مباغتة للسلع التي تدخل بها الدواب إلى المدينة، ومتى ثبت أن التصريح بالبضائع غير مطابق لنتيجة التفتيش، تعين على التاجر أن يؤدي المكس مضاعفا.
وكانت مواد الاستهلاك الرئيسية من قمح وحطب ودجاج وبقر، معفاة من الضرائب بينما يؤدي مبلغ معين عن كل كبش ذبح بالمجزرة وكذا عن الثياب المستوردة من أوربا.
هذه لمحة موجزة عن نظام الحكم في عهد الوطاسيين الذين لا بصور التاريخ السياسي أيامهم إلا كفترة مظلمة تسودها الفتن والقلاقل، وما أسوأ تاريخ المغرب حظا لدى أكثر من القوا فيه، فقد لاحظنا من خلال هذا العرض المختصر أن إجراءات الحكم في جملتها أيام الوطاسيين لم تكن تخلو من تنظيم مهما كان من عيوبه.
جــنة حبهــا العاصــي
حمــص لمن حـل بها جنة = يـدنوا لديهــا الأمل القاصي
حل بها "العاصي" إلا فأعجبوا = من جنة حـل بها العاصي
عن المقرئ في نفح الطيب
دعوة الحق
74 العدد
1) رئيس الدولة: كان أول ما يهتم به السلطان الو طاسي بعد تنصيبه، أن يعين من أكابر شخصيات حاشيته مستشار رئيسا ويخص فيما يقول الوزان ثلث دخل دولته، كما يعين شخصية أخرى تجمع بين مهام الكتابة الخاصة ومرافقة الملك وخدمته، فضلا عن الإشراف على الخزانة، ثم يعين السلطان ضباط الحراس الخاص المؤلف من كتبة الفرسان، وهم يدورهم يشاركون في العملات العربية عند الاقتضاء، وفي الميدان القضائي والمالي يقوم بتعيين قضاة وجباة جدد.
أما في داخل القصر فان للسلطان قيما خاصا على نفقاته، كما انه يشرف على تزويد الجيش بالموؤنة، وهناك مشرف على الاصطبلات الملكية التي تتوفر على دواب كافية (جبال على الخصوص) لحمل المؤن للجيش، وقد وضع الطباخون ومساعدوهم تحت إدارة هذا السائس الذي يخضع بدوره للقيم.
أما الأحكام الصادرة على القصر، فيتولى السهر على تنفيذها قائد الحرس الخاص، الذي من مهامه، زيادة على إدارة الحرس المذكور، الإشراف على الموظفين المكلفين بتنفيذ الأحكام القضائية، والمصادرات، وحق اعتقال الشخصيات السامية، وتطبيق العقوبات عليهم، إذا صدر أمر سلطاني بذلك.
وهناك بطبيعة الحال عدد من خدم القصر، وفيهن عدد من السوداوات، كما يوجد بينهن مسيحيات من اسبانيا والبرتغال، وهناك حاجب كان يؤدي ما يقوم به مدير التشريفات اليوم، وكان يصحب السلطان دائما ويرشد الناس إلى أماكنهم في مجلس السلطان، ويشير غليهم بتناول الكلمة حسب مراتبهم.
وفي الحفلات التي يترأسها السلطان، يقوم المشرف على الحفلات (المزوار) بإخبار السعاة بموعد الحفلة ومكانها، فيقومون أولا بإخبار أقارب السلطان ثم القواد وقواد الرحى وسائر الفرسان، ويتم الحشد في ساحة المشور والأزقة المجاورة، ثم يتقدم الموكب حملة الرايات، يتلوهم الطبالون وسائس السلطان ومساعدوه ثم القيم الخاص ومساعدوه، فقواد الرحى، فالمزوار، فكتاب الملك، وأمين المال، والقاضي، وقائد الجيش وأخيرا، السلطان الذي يرافقه مستشار أو وزيره الأعظم مع بعض الأمراء، ويتحلق حول السلطان وحاشيته حراس مسلحون ثم يأتي بعد ذلك اخدم والخصيان والقواسة والبندقيون.
وإذا تنقل السلطان أي البادية نصب له مشور خاص من ثوب سميك، وهو ذو شكل مربع يبلغ طول كل من إضلاعه حوالي خمسة وثلاثين مترا أي ما يعادل مساحة 1225 مترا مربعا، ولكن من أركان هذا المشور العظيم برج تعلوه قبة مذهبة، وباب يحرسه الخصيان، ووسط هذا المشور تنصب خيام احدهما عبارة عن غرفة نوم للسلطان وحول المشور تنصب خيام الضباط والندماء المقربين، فخيام قواد الرحى المصنوعة من جلد المعز، وأخيرا خيام باقي الحاشية، أما دواب الموكب فتاتي بعيدا عن المعسكر، تنتصب دكاكين الجزارة والبقالة وباعة القديد، والصناع وكل هؤلاء يرافقون الجيش للتعامل معه خلال تنقلاته.
أما حرس المشور المذكور، فهم غير مسلحين، وقد وصفهم الحسن الوزان بالكسل، حيث أن عدم إخلاصهم، كثيرا ما كان سببا في تغرض المعسكرات للسرقة، بل ومحاولة الاعتداء على السلطان.
وقد اعترف الوطاسيون بالسيادة الرمزية للخليفة العثماني، كما نقشوا اسمه على السكة، ولذلك الغوا لقب أمير المؤمنين الذي كان قد سبق أن رجع إليه أبو الحسن المريني، وهكذا اكتفوا بلقب السلطان الذي كان قد احدث لأول مرة بالمغرب في عهد المنصور المريني.
2) ولي العهد: تركزت ولاية العهد في ذرية محمد الشيخ الثلاثة: محمد، وعلي، واحمد، إلا أن تولية علي الأولى على الرغم من أنها كانت بعهد من آخيه محمد البرتغالي، فان احمد الوطاسي سرعان ما نحاه عن الملك سنة 932 ه، واحمد هذا هو ولد محمد البرتغالي، وكان الذي تولى كتابة بيعته، هو الفقيه الونشريسي، وقد لعب دورا بارزا في البلاط الو طاسين وكان لولي العهد، وزيره الخاص مثلما كان الشأن في عهد المرابطين والموحدين والمرنيين.
3) الوزراء: استوزر الوطاسيون في معظم الأحيان أشخاصا من اقرب أقاربهم، كمحمد الحلو والناصر بن أبي زكاريا أخي محمد الشيخ، وكلاهما كان وزيرا لهذا الأخير، وكالمسعود بن الناصر ابن عم أبي عبد الله البرتغالي ووزيره، ومحمد ولد احمد الوطاسي ووزيره.
وكان هؤلاء الوزراء، يتولون مهام سياسية وحربية، فضلا عن أشرافهم على الأعمال الإدارية، كما كانوا يشاركون في قيادة الجيوش المحاربة، والظاهر أن الصقالية في هذا العهد لم يحظوا بوظائف وزارية سامية مثلما كان الأمر في عهد بني مرين.
4) القضاة: تقلصت سلطة القاضي في العصر الوطاسي بشكل ظاهر، حيث اقتصر على البث في القضايا الشرعية، وأحيلت القضايا المدنية والجنائية على الولاة، وهذا هو النظام الذي أحيته الحماية الفرنسية فيما بعد، حتى ضعفت دائرة اختصاص القضاة في الميدان الشرعي نفسه.
وكان القاضي الشرعي يعززه قاضي التوثيق الذي يتكلف بشؤون الزواج والطلاق والتحقيق في الشهادات ولم يكن يتقاضى راتبا رسميا، لان القضاة كانوا فقي الغالب يشتغلون بوظائف أخرى كالتدريس وخطبة الجمعة.
وكان المفتي بمثابة قاضي الاستئناف الذي يرجع إليه أما بقصد الاستشارة في مسالة قانونية أو لإعادة النظر في حكم قضائي.
وكان القاضي يتوفر على سجن يودع فيه المحكوم عليهم بأحكام خفية، أما القضايا الجنائية، فكان تنفيذ الأحكام فيها من اختصاص الوالي، وكذا البث فيها، وكانت العقوبة العادية في هذه الحالة هي الضرب بالسوط مائة فأكثر ثم تطويق المحكوم عليه سلسلة في عنقه، وقد يشرك في سلسلة الواحدة عدة متهمين ثم يطاق بهم عراة، إلا من لباس يستر عورتهم، ويصحبهم رئيس الشرطة والجلاد الذي يعلن الجريمة المنسوبة إلى المتهم بصوت عال. وكان للقضاة في المدن الكبرى نواب كما كان شان أيام بني مرين أيضا.
ومن قضاة الوطاسيين محمد ابن عبد الله اليفرتي وولده أبو عبد الله، ومحمد الرزيني الغماري قاضي تطوان المتوفى سنة 934ه ومحمد ابن عبد الرحمن الكراسي قاضي تطوان أيضا والمتوفى سنة 964ه وعبد الواحد الوتشريسي قاضي فاس الذي اغتيل سنة 955 ه بتدبير من السعديين.
أما الحسية في هذا العهد فقد انحطت رتبتها إلى درجة أنها بدأت تسند إلى أميين، فضلا عن أنها صارت موضع مساومة لدى القصر السلطاني، وكان محتسب فاس جانبا في نفس الوقت، وكان من اختصاصه مراقبة الأسعار والمجزرة، ومواد الاستهلاك، خصوصا الخبز الذي كان له وزن موحد، واللحم الذي كان يبين ثمنه في بطاقة يشاهدها الزبناء.
5) العمال: اتسعت سلطة العمال في هذا العهد، على حساب سلطة القضاة كما تقدم، وقد كانت العمالات أو اللاقاليم يومئذ سبعة هي: (1) تامسنا، ومن كبريات مدنها الرباط وأنفا (2) فاس وتمتد إلى سلا غربا ومن مدتها فاس وزرهون والمعمورة وسلا (3) ازغار (وتكون مع عمالة الهبط معظم منطقة الغرب الحالية) ومن مدنها القصر الكبير (4) الهبط وتكون باقي منطقة الغرب، مع منطقة غمارة، ومن مدنها طنجة وتطوان وأصيلا والبصرة (5) الريف ومن مدنها باريس وترغة (6) الحوز وهو يكون احواز فاس وتامسنا الجنوبية، ومن مدن هذا الإقليم صفروا وتازة، أما الإقليم السابع فيشكل الأجزاء الشرقية وهو أفقر الأقاليم المذكورة، ومن مدنه مليلية وتازوطا (حصن عظيم مريني).
أما اختصاص العمال، فكان يشمل السلطة الإدارية والعسكرية إلى جانب القضاء المدني الذي كان تنفيذ أحكامه يجري تحت إشراف العامل.
وكان العامل يستخلص مبالغ هامة من الذعائر وكان على بعض التجار والصناع أن يودوا إليه ضريبة معينة عن كل سجين ثم اعتقاله، وكان صاحب الشرطة تحت إشرافه، أما العاصمة فقد خصص لها أربعة من أصحاب الشرطة، يتولون السهر على الأمن خاصة بالليل، وكانوا لا يتقاضون رواتب معينة، وإنما يحصلون من المعتقلين على ضرائب حسب مدة اعتقالهم، ونوع العقوبة المنفذة فيهم، وقد لقصبة فاس صاحب شرطة خاص
وفي هذا العهد بدا يطلق على بعض الولاة لقب قائد، خصوصا ولاة المراكز التابعة للعمال، والقائد في الواقع لقب إداري وعسكري خصصه الأتراك لولاتهم وضباطهم فضلا عن لقب الباشا وهو أعظم رتبة، والأغلب أن هذا الأخير لم يبدأ استعماله إلا في عهد السعديين.
وكانت تامسنا من أهم أقاليم المملكة، إذ كان يبلغ عدد مدنها حوالي أربعين، وعدد حصونها المعمورة حوالي ثلاثمائة: ومن اكبر قبائلها يومئذ زناتة وهوارة.
لما إقليم فاس كان يمتاز بجودة أراضيه الفلاحية ويتوفر على قرى عديدة في التلال والمرتفعات، أما السهول فقد قللت الحروب كثيرا من نشاطها وسكانها، وفي هذا الإقليم كان عدد من قبائل العرب يشتغل بالزراعة في الاقطاعات غالبا.
وكان إقليم الهبط يتوفر على مياه غزيرة ومدن عتيقة، وكانت ثرواته في الماضي السحيق أعظم شانا وقد ضعفت أهميته منذ الفتح الإسلامي بسبب الحروب الطاحنة والثورات التي كان مرحا لها.
وكان إقليم ازغار يمد اغمارة وفاس بالأقوات والماشية والجياد، وكان إلى ذلك الحين يتوفر على كثير من الغزلان، وعلى الرغم من هذا التقسيم، فقد كانت عدة مراكز خارجة عن نفوذ الدولة كمراكش وناحية الهبط وسبتة وطنجة وأسفي وتطوان وشفشاون ودبدو...الخ...
وقد تم تجديد تطوان 889ه وتولتها عائلة أبي الحسن النظري طيلة العهد الو طاسي، وكان أبو الحسن علي المنظري من قواد جيش أبي الأحمر بالأندلس، ثم وفد على محمد الشيخ قبيل سقوط غرناطة فإذن له في تجديد بناء تطوان في السنة المذكورة، ثم خلفه حفيده أبو عبد الله في أوائل القرن العاشر، وتزوج بالست الحرة، بنت الشيخ علي بن راشد حاكم شفشاون الذي تعاون كثيرا مع أسرة المنظري في الجهاد ضد البرتغال، وكان اسم الست الحرة عائشة وقد كانت تشارك زوجها مهام الحكم حسبما استنتجه الأستاذ داود في كتابه «تاريخ تطوان» وقد توفي زوجها حوالي سنة 935ه وتولت هي نفسها حكم تطوان بعد ذلك، وتزوجها احمد الو طاسي سنة 948ه، وبقيت هناك نائبة عنه حسب استنتاجات المصدر المذكور إلى أن استعادت عائلة المنظري الحكم سنة 949ه حيث تم إقصاء السيدة الحرة التي لا يعرف مصيرها بعد ذلك على التحقيق.
وبقرب تازا تقع دبدو، التي كانت تحكمها منذ عهد بني عائلة من بني ورتاجن، وظلت كذلك حتى عهد الوطاسيين وحاولت جيوش محمد الشيخ أن تستولي عليها مرة، وكانت الطريق إليها محفوفة بالمخاطر، حتى إذا بعدت عن كل نجدة محتملة هزمها الورتاجنيون بعد هجوم مفاجئ، ولكن محمد الشيخ قاد حملة جديدة بنفسه ضد دبدو سنة 904ه 1499م فلم يسع أميرها محمد الورتاجني إلا أن يعلن استسلام، بيد أن محمد الشيخ وخلفاءه تركوه وأسرته يتولون أمور هذه القصبة، ووثقوا صلاتهم بها عن طريق السهر، كما فعلوا مع إمارات أخرى.
ومن المؤكد أن حكم الوطاسيين فتح مجالا أوسع من ذي قبل بحكم العائلات واستبدادها حتى صار ذلك تقليدا فيما بعد.
وكانت شفشاون في يد بني راشد الذين ظلوا فيها منذ اختطاطها سنة 876ه إلى 969ه حيث طردهم السعديون.
6) الجيش: كان قواد الجيش يدعون بقواد الرحى، وكان السلطان يقطع كلا منهم حصنا أو قريتين، يكون خراجهما موردا شخصيا له، وليتمكن بفضله من الإنفاق على عدد معين من الفرسان الذين يتم تجنيدهم في الحروب، وهم في الواقع جنود نظاميون يظلون تحت إشراف قائد الرحى حتى في أيام السلم حيث يزودهم بكميات من القمح والزبدة واللحم وقليل من الدراهم فضلا عن كسوة سنوية، وكانت الجمال التي تحمل المؤن والذخائر يقودها أسرى مسيحيون.
وكان الجيش النظامي يتكون من ستة ألاف فارس من المرتزقة، بالإضافة إلى خمسمائة بندقي وخمسمائة قواس وكلهم على استعداد دائم للحرب، وهم غير الصنف الذي تقدم ذكره.
وعدا الفريق المحارب، كان هناك بطبيعة الحال، من يشتغل بالطبخ والتنظيف وتموين الدواب وما إلى ذلك من لوازم الجيش، كما أن هناك فرقة من الطبالة الذين كانوا يحملون الطبولا من النحاس عظيمة الحجم، على جياد أصيلة، ويحافظون عليها اشد المحافظة.
وفي عهد الوطاسيين بدأ استعمال المدافع والبنادق ولو أن الأسلحة التقليدية ظلت مستعملة إلى جانبها. وقد أتقن الوطاسيون فن الحصار هجوما ودفاعا، فقد تمكن محمد الشيخ من حصار فاس مدة سنتين قبل أن يستولى عليها، كما أن حصار أصيلا اشعر مدة طويلة حتى تمكن الجيش الوطاسي من اقتحامها سنة914ه وجرى بها قتال شديد داخل الأزقة والأسواق، وكانت تحت حكم البرتغال.
وكان الجيش يتكون من عناصر كثيرة: بربر وعرب وعلوج، وكان العرب والبربر من قبائل مختلفة، أما القيادة فكان يتولاها في الغالب شخصيات سامية وربما قاد الحملات السلطان نفسه.
وللجيش فرقة خاصة من حملة الرايات، وإذا ساروا تركوها ملفوفة وتنشر منها واحدة تكون في المقدمة وترفع إلى أعلى لندل الملك وحاشيته وجيشه على الطرق، وتقودهم عبر الغابات والأنهار والمسالك، فضلا عما لها من دور معنوي في جمع شمل الجيش وتشجيعه على القتال.
7) النظام المالي: ظلت مهمة الجباة كذي قبل، هي استخلاص الضرائب من السكان وتقديم حساباتها إلى القصر السلطاني الذي يتولى مباشرة فرض ضرائب جدد أو إلغائها، ويتوفر القصر على خمسين فارسا مهمتهم الإخبار بالضرائب المقررة. أما استخلاص المكس بالأبواب، فيتولاه شخص يشتري هو نفسه حتى استخلاص المكس من السلطان، في المكان المعين له، مقابل مبلغ محدد، وقد يشتري شخص واحد مجموع حق استخلاص المكس بالمغرب (أو على الأصح بالمراكز الخاضعة للدولة).
وكان لهذا النظام سوابق في دول الشرق الإسلامي كالفاطميين وغيرهم كمما كان يؤدي غالبا إلى عجز الجياة عن الإيفاء بتعهداتهم، فتعمد الدولة إلى مصادرتهم وتشريدهم ومن أمثلة ذلك أن أبا العباس احمد الوطاسي عين على امكاس المغرب رجلا يدعى المنجور الإسلامي، وكان يقدم إلى الدولة عن مكس فاس وحدها ألف دينار سنويا، ولكن عجزه عن الإيفاء بها أدى بالسلطان إلى أن ينكبه ويصادر أمواله.
وكان الشخص الذي يتولى مهمة الجباية بفاس هو المحتسب الذي كان عليه أن يؤدي إلى الخزانة الملكية ثلاثين دينارا يوميا، ويتعين عليه أن يقيم على أبواب المدينة حراسا وكتبة يتقاضون تعويضات حسب البضائع الداخلية.
وكثير من الترتيبات المستعملة الآن بالمغرب، كانت تطبق تقريبا بنفس الكيفية في العهد الوطاسي، من ذلك أن حراس الأبواب كانوا يذهبون كما يفعل الدركيون اليوم إلى خارج المدينة، للقيام بتفتيشات مباغتة للسلع التي تدخل بها الدواب إلى المدينة، ومتى ثبت أن التصريح بالبضائع غير مطابق لنتيجة التفتيش، تعين على التاجر أن يؤدي المكس مضاعفا.
وكانت مواد الاستهلاك الرئيسية من قمح وحطب ودجاج وبقر، معفاة من الضرائب بينما يؤدي مبلغ معين عن كل كبش ذبح بالمجزرة وكذا عن الثياب المستوردة من أوربا.
هذه لمحة موجزة عن نظام الحكم في عهد الوطاسيين الذين لا بصور التاريخ السياسي أيامهم إلا كفترة مظلمة تسودها الفتن والقلاقل، وما أسوأ تاريخ المغرب حظا لدى أكثر من القوا فيه، فقد لاحظنا من خلال هذا العرض المختصر أن إجراءات الحكم في جملتها أيام الوطاسيين لم تكن تخلو من تنظيم مهما كان من عيوبه.
جــنة حبهــا العاصــي
حمــص لمن حـل بها جنة = يـدنوا لديهــا الأمل القاصي
حل بها "العاصي" إلا فأعجبوا = من جنة حـل بها العاصي
عن المقرئ في نفح الطيب
دعوة الحق
74 العدد