8
* الخصيان عبر التاريخ
ظاهرة الخصاء لم تكن طارئة على الدولة العربية الإسلامية، بل موغلة في القدم، إذ ظهر الخصاء منذ العصور السابقة للميلاد في الحضارات السومرية والبابلية والآشورية والمصرية والإغريقية، وكان الملوك والأمراء يقتنون العبيد الخصيان في قصورهم ليأمنوا منهم على نسائهم وحريمهم.
الخصاء كان على نوعين، كلى باستئصال العضو والخصيتين (ويسمى جب وصاحبه مجبوب) وإخصاء جزئي باستئصال الخصيتين فقط. وخلال العملية كان يموت أغلب الغلمان ولذلك كان من يبقي منهم على قيد الحياة غالى الثمن.
وكانت أعمار الضحايا بين ثلاث وتسع سنوات، وتتم عملية الجب عادة في فصل الخريف، ثم يصبون على مكان البتر الزيت المغلي، ويتبعونه بمسحوق الحناء.
ثم يقوم الخاصي بوضع مِرْوَدْ رصاص بقدر فتحة البول تدخل بها لسدِّها، تستخرج عندما يريد الخصي التبول تسترجع بعد الانتهاء، ويبقى هذا المِرْوَدْ حتى يشفى المخصي ويلتئم الجرح، والغاية من هذا المرود هو عدم انغلاق فتحة البول عند التئام الجرح. (مصدر 1 )
ثم يدفنون الضحية في الأرض إلى ما فوق بطنه، وبعد يوم إلى يومين يستخرجونه من التراب، ويدهنون مكان الجرح بعجينة من الطين الإبليز والزيت.
.
الخصيان في فجر الإسلام
تسرى محمد بمارية القبطية بدون عقد وكتب بها قرآنا، فلما ولدت إبراهيم ورأته عائشة أبيضا لا يشبه سمار محمد، شك بالعبد مأبور الذي أرسله المقوقس معها ومع أختها سيرين، فأرسل عليا ليقتل مأبور فوجده مجبوباً (صحيح مسلم).
وأسلم عدد من الخصيان وتفقهوا في الدين الإسلامي إذ ان ابا مريم الخصي اعتنق الإسلام وأدرك النبي محمد وروى عنه الحديث.
أما في العهد الراشدي (11- 40هـ/632- 660م) تشير الرواية أنه في معركة اليرموك بين الروم والمسلمين كان قائد جيش الروم قد تم اخصائه ولقب ب: (شعلاب الخصي) الذي قاد مئة ألف جندي، وخصياً آخر كان يملكه هرقل الروم يلقب ب: (القيقلان الخصي)، وفي سنة 25ه/645م بعث هرقل الروم إلى الإسكندرية في مصر خصياً أسمه: معويل وقيل منديل، يقود مراكب بحرية بيزنطية فتصدى لهم عمرو بن العاص.
وفي ايام الخلافة الأموية (41-132ه/661-749م) ظهر استخدام الخصيان بشكل واضح وكبير، وقد أختلف المؤرخون بتحديد أول خليفة اتخذ الخصيان واستخدمهم في قصره، فمنهم من قال معاوية بن ابي سفيان، وكان من بينهم خصي اسمه: رفيق (نهاية الأرب في فنون الادب) فكان الخصيان يصاحبون معاوية أثناء جولاته التفقدية داخل القصر وخارجه بل وفي أثناء الدخول إلى حريمه داخل القصر، كما حدث عندما اصطحب معه أحد خصيانه المسمى ب: (خديج الخصي) ودخل على زوجته ميسون بنت بحدل الكلبية ام ولده يزيد.
.
وذهب البعض إلى القول بان يزيد بن معاوية (60- 63ه/679- 682م)هو أول من استخدم الخصيان الشخصيين له، وكان عنده خصي نال الحضوة لديه اسمه: (فتح)، وذكر بان واحداً من أسباب خلع أهل المدينة ليزيد بن معاوية هو مسامرته للخصيان، وكثرة ما ارتكبه من أعمال استنكروها عليه (مصدر 2 )
وفي أيام سليمان بن عبد الملك بن مروان (96– 99هـ/714-717م)، أمر بان يُجبُّ ذَكَر غلام وخصيتيه، لأنه سمعه يغني بالقرب من دار الحريم بقصره (مصدر 3)
.
إحصاء أم إخصاء؟
كان عثمان بن حيان المري واليا على المدينة في عهد هِشام بن عبد الملك بن مروان (105– 125هـ/723-742م)، فوصله كتاب من هشام يأمره بإحصاء المخنثين (اي عدّهم) فصحف قاريء الكتاب فقرأها: خصاء المخنثين بالخاء(مصدر 4 )
الا ان هناك من يقول انه بالفعل أمر بإخصاء المخنثين إذ ما فائدة إحصاء، أي عدّ المخنثين بالنسبة للخليفة؟
.
وكان للخليفة عمر بن عبد العزيز(99- 101هـ/717-719م) مولى خصياً أسمه: (تليد)، ويقال انه مولى زبان بن عبد العزيز بن مروان (ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 11/36-37.).
ولعمر بن عبد العزيز خصيان عديدين هم: ابو أمية الخصي (شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي، تذكرة الحفاظ)، ومنصور الخصي، ومولىً له اسمه: مرثد الخصي .
وكان لمروان بن محمد (127- 132ه/738-749م) آخر خلفاء بني أمية مولى له أسمه: سعد الخصي.
.
الخصيان في الخلافة العباسية
أما في العصر العباسي (132-656ه/749-1258م) فقد برزت ظاهرة استخدام الخصيان في قصور الخلفاء بشكل كبير، وكان ذلك العصر أكثر العصور الإسلامية وضوحاً بما يتعلق بهذه الظاهر، لخدمة الحريم ونساء القصر عند الخلفاء وأرباب الدولة وأسيادهم.
دور القرآن في ظاهرة الخصيان:
وكانوا يأتمنونهم لانهم من غير ذوي ألأربة بالنساء (من غير ذوي الحاجة للنساء)، وبالغ الخلفاء باستخدامهم حتى بلغ عددهم الآلاف، فكان منهم في قصر المتوكل (232-247ه/846-861م) أربعة آلاف خصي.
وفي قصر المقتدر (295- 320ه/907-932م) تجاوز عددهم هذا الرقم كثيراً، إذ يقال إن عددهم اكثر من عشرة آلاف (ابو علي المحسن بن علي التنوخي، نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة) .
ولم يكن خلفاء بني العباس وحدهم من استخدم الخصيان ولم يقتصر تواجدهم على منطقة الشرق الإسلامي بل تشير النصوص التاريخية أن خلفاء بني أمية في الأندلس أكثروا منهم أيضا، ففي قصر الزهراء في قرطبة عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس بلغ عددهم العشرة آلاف خصي.(مصدر رقم 1 صفحة 174)
ورغم التحريم الظاهري على الإخصاء فقد احتال المسلمون بشرائهم مخصيين واستخدامهم واللواط بهم إذا قام غير المسلمين بعملية الإخصاء. إلا أن المقري في كتابه " نفح الطيب" (مصدر 5) يعترف ان المسلمين كانوا يقومون أيضا بالخصاء في الأندلس.
وفي الحلقات السابقة تعرفنا الى الكيفية التي كان يتعامل بها الأمين مع الخدم (الخصيان) والذي يفهم من النص انه استخدمهم لللهو والمرح، إذ ربما يمكن القول أنه استخدمهم لإشباع رغباته الجنسية، يوضح الطبري ذلك بالقول: "لما ملك الأمين ابتاع الخصيان، وغالى بهم، وصيرهم لخلوته ورفض النساء والجواري وأكد ابن الأثير ان الأمين استخدم الخصيان لشهواته وصيرهم لخلوته
.
المخصي في الإسلام: من "عقيق" إلى شيخ واستاذ وآغا وسلطان
في العصور الإسلامية المبكرة كانت خصي لفظة مهينة تعني: الخادم، كان يطلق عليهم اسم الخصيان من باب التشهير والاستخفاف بهم، وأكد ذلك المسعودي إن العامة كانوا يستهزئون بهم في الشوارع ويقولون:
"ياعقيق، صب ماء واطرح دقيق،
ياعاق، ياطويل الساق"
.
إلا أنهم شيئاً فشيئاً أطلق عليهم في العصور العباسية المتأخرة أسم: المعلم أو الشيخ، بل تجاوز الأمر أكثر من ذلك حتى أصبحوا يسمون بالطواشية ويطلق على كبيرهم وصاحب النفوذ منهم لقب: الأستاذ.
لؤلؤ بن عبدالله ابو محمد الخصي، وكان مولى ابو الجيش خمارويه بن احمد بن طولون، تفقه في الدين وحدّث عن جماعة من العلماء بعد رحلة قام بها إلى دمشق، ومن المتفقهين في الدين سريع بن عبدالله الواسطي الخصي، كنيته ابو عبدالله الجمّال الخصي، والشيخ محمد بن علي بن محمد المهند السقا الخصي، اهتم "بالعلوم" الدينية خصوصاً الحديث منها، وعلقمة بن عبدالله الخصي التميمي الذي تفقه بالدين و"علم" الحديث.
وفي دولة المماليك كان يطلق عليهم (الأغوات) مفردها أغا وتعني الكبير اذ أصبح لهم دور في عزل وتولية العديد من شاغلي المناصب، فاصبحوا يرفعون ويخفضون.
.
وممن تدرج في المناصب العسكرية في الدولة الإسلامية هو القائد التركي مؤنس الخادم، وهو أحد الخصيان الموجودين في جيش الخلافة العباسية أيام التسلط التركي (247- 256ه/861-869م)
وكان لبعض الخصيان الدور الفاعل في بناء أو تأسيس مُدن معينة، ومثالنا على ذلك هو ما حدث سنة 171هـ/787م إذ عمل فرج الخصي على القيام ببناء مدينة طرسوس ايام خلافة هارون الرشيد.
.
كافور الإخشيدي أشهر الخصيان
وهناك من «الخصيان» من وصل الى سدة الحكم مثل كافور الاخشيدي الذي استعبد من النوبة، ثم علّمه ودرّسه وأكسبه كل علوم السياسة وفنون الحرب والي مصر آنذك (الاخشيد) قبل أن يعينه مربياً لأولاده، إلاّ أن «كافور» صرف الأبناء عن الحكم بالملاهي والملذات بعد موت والدهم؛ ليظفر بالحكم، ثم قاد حروباً شرسة وصل بها إلى حلب في سوريا، وكانت له قصة مخلدة مع الشاعر المتنبي بعدما خذله كافور الذي وعده بالعطايا والهبات؛ فهجاه أبو الطيب المتنبي بواحدة من أشهر قصائد الهجاء في التاريخ
.
الخصي كعقاب في العصر العباسي
وفي عصر العباسيين عذب غلام سندي أيام الخليفة الهادي (169– 170هـ/785-786م) باشد العذاب وأمر بطرد وإخراج كل سندي من أراضي الخلافة العباسية، وسبب ذلك ان احد أبناء المهلب بن أبي صفرة في المنصورة من بلاد السند، وجد زوجته مع غلامه السندي في وضع مريب، فعمل على جبّ ذكر الغلام السندي، وانتقاما لنفسه قام الغلام بخطف ولدين لسيده وصعد بهما أعلى الدار، وهدد سيده بانه سيرمي بهما إن لم يَجُبَّ ذَكَر نفسه (قضيبه)، وبعد اصرار من ذلك السندي نفذ سيده المهلبي ما طلب منه وجبَّ ذَكَره أمام الغلام إلا إن ذلك السندي لم يسلِّم الولدين بل رمى بهما من اعلى الدار فماتا من وقتهما (المسعودي مروج الذهب، 2/258؛ الشالجي، موسوعة العذاب، 4/64)
ويذكر التاريخ عمليات القطع وعصر الخصيتين كعقاب وضربها حتى الموت، يمكن الإطلاع في مصدر 2 ص 187 على أمثلة منها. واخذ الافرنج بعد دخولهم حلب سنة 518هـ/1124م يطبقون عملية الجب للذكر والخصيتين، فكانوا إذا اسروا احد المسلمين يقومون بقطع يديه ومذاكيره (الذهبي، سير اعلام النبلاء، 1/457)
وعندما لاط احد معلمي الصبيان يحيى بن ابي سعد البصري سنة 600هـ/1203م بصبي كان يعلمه الخط، أحضر جميع معلمين الصبيان ببغداد وتم خصاؤه ومن ثم حمله إلى المارستان (المستشفى) (ابن الدبيثي، الجامع المختصر، 121؛ الشالجي، موسوعة العذاب، 4/65.)
وقام خمسة من الخدم بمهاجمة الملك المعز آيبك في مصر، عندما كان يغتسل في الحمام وربطوا مذاكيره بخيط وسحبوه حتى مات وكان ذلك في عام 656هـ/1258م (ابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة، 1/91.)
.
لواط الخصيان ومجاراة الفقه الإسلامي للظاهرة
ظاهرة استخدام الخصيان في البيوت وشيوع ظاهرة اللواط وكثرتها أدت إلى مناقشة هذه الظاهرة من قبل الفقهاء والانقسام فيما بينهم إلى قسمين، حيث ان القرون السابقة اتفق الفقهاء بان اللواط عليه الحدّ، وهذا يدل دلالة واضحة على شيوع اللواط في القرن الرابع الهجري والقرون التي تلته، اذ ان اللواط بالغلمان أصبح ظاهرة واضحة خلال القرن المذكور لظهوره في أوساط المجتمع؛ لهذا وجد الفقهاء أنفسهم أمام اللاخيار في مناقشة هذه الظاهرة السلبية التي تفشّت بين أوساط المجتمع بشكل عام، وكبار الدولة ومسؤوليها بشكل خاص.
.
وكما أسلفنا انتشرت ظاهرة التشبب بالغلمان الخصيان من قبل الشعراء، والغريب ان هناك بعض الشعراء الموصوفين بالرزانة والاتزان كانوا يتشببون بالغلمان، ومنهم ابو فراس الحمداني الذي قال:
سكرت من لحظة لا من مدامنه ......ومال بالنوم عن عيني تمايله
فما السلاف دهتني بل سوالفه.......ولا الشمول ازدهني بل شمائله
ألوى بعزمي أصدغٌ لوين له... وعال صبري ما تحتوي غلائله
.
الخصيان في الخلافة الفاطمية
في ايام الفاطميين كان الخليفة العزيز بالله الفاطمي يملك غلاماً ابيضاً خصياً اسمه: ابو الفتوح برجوان، وقد رباه في داره، وولاه أمر قصوره، وكان يثق به ثقة كبيرة إلى الدرجة التي أوصاه عندما حان أجله بابنه الحاكم بأمر الله، ودبّر برجوان الخصي الأمور، فأصبح الواسطة بين عامة الشعب والحاكم الجديد.
إلا أنه تمرد على سيده الحاكم بامر الله وتعامل معه بالإذلال وسيطر ذلك الخصي على الأمور كلها، ويبدو انه كان يعامل الجميع بهذه الطريقة الامر الذي ادى الى قتل ذلك الخصي بسكّين من قِبَل عدد من الخدم الذين تعاونوا عليه.
وعضد الدولة الفاطمي لم ينل ثقته إلا خصي زنجي أسود اسمه: (شكر)، فأصبح شكر الخصي متنفذاً في كل مفاصل الدولة وشؤونها، حتى أصبح الرجل الثاني في الدولة، بالرغم من أن عضد الدولة كان لديه أولاد لم يستطع أحد منهم الدخول على والده عضد الدولة في أيام مرضه الذي توفى فيه.
وعندما راودت الوساوس ولده الأكبر عند طول المدة التي احتجب فيها أبيه، وشكّ بأن أبيه ميتاً، وأن الخصي يخفي خبر موته، هجم على الموضع الذي فيه أبيه فوجده حياً، إلا أن والده استنكر عليه فعله هذا ونهره وعاقبه على صنيعه ونفاه إلى كرمان.
.
الخصيان في الأندلس
ورد في الحلقة السابقة ابن حزم والمعتمد بن عباد وابن قزمان وعشقهم الغلمان، نكمل مع الخصيان.
الخليفة الأموي في الأندلس محمد بن عبد الجبار الملقب ب: المهدي (ت:400ه/1010م)، عشق غلام خصي، وكان الخصي قد اهدى للمهدي قضيب من آس، فقال المهدي متغزلا فيه:
أهديت شبه قوامك الميّاس..........غصنا رطيبا ناعما من آس
وكانما يحكيك في حركاته......وكأنما تحكيه في الأنفاس
والعجيب ان هناك من الأعلام من تغنى باللواط بالخصيان والغلمان، ففي الأندلس أيام عهد المرابطين قال ابن عائشة الاندلسي- احد الأدباء المعاصرين - لابن خفاجة، أبياتا شعرية يصف فيها مجلسا له مع غلام يعشقه، فقال:
لله ليل بات عندي به .......طوع يدي من مهجتي في يديه
وبت اقيه كؤوس الطلا .......ولم ازل اسر شوقا اليه
عاطيته حمراء ممزوجة...... كأنما تعصر من وجنتيه
وفي العهد الموحدي في الاندلس سجلت ظاهرة التشبب بالغلمان حضورا ايضا وعلى الصعيد الرسمي، اذ اعاب ابن بسام الشنتريني (ت:542ه/1147م) على الوزير ابن عبدون (ت:520ه/1126م)، بانه كان في صباه يتعشقه رجل يقال له ابن مناذر( الذخيرة لإين بسام 1/144)
احتار بين لواط عيسى (ع) أو محمد (ص)
كان خطيب جامع قرطبة ابو جعفر احمد بن يحيى الحميري الوزغي (ت:610هـ/1213م)، يعشق غلاما اسمه: عيسى، الا انه أعجب بغلام جاءه يقرأ عليه واسمه: محمد، فعشقه، وانجذب قلبه اليه، فقال:
تبدلت من عيسى بحب محمد......هديت ولولا الله ماكنت اهتدي
وما عن ملال كان ذاك وانما.....شريعة عيسى عطلت بمحمد (ابن سعيد، المغرب، 1/220)
.
الخصيان ولواط بني عثمان
استعمل العثمانيون الغلمان لتكوين فرقة المشاة الإنكشارية، فقد ضمّ جيش الإنكشارية إليه الأولاد المسيحيين خلال الغزوات والمعارك، حيث تم أخذ الأطفال من بين أهاليهم وأجبروا على اعتناق الإسلام، بموجب قانون (الدفشرية)، الذي يستند إلى ضريبة إسلامية شرعية أسموها " ضريبة الغلمان"، واستمر الإنكشارية من عام 1341 حتى 1826، وارتبطوا بالطريقة الصوفية البكتاشية على اسم الشيخ الصوفي الذي باركهم واسمه محمد بكتاش.
.
كان حكام الولايات يختارون أجمل الأطفال الرقيق ويقومون بخصائهم ويرسلونها هدايا للسلطان العثماني، وكان عملاء السلطان العثماني يتعاملون مع عصابات خطف الأطفال في أواسط أوروبا، حيث كانت تجرى لهم عمليات الخصاء بمعرفة آسريهم، ثم يباعون إلى السلطان العثماني ليضعهم في خدمة الحريم (او الحرملك) وما يفيض عن حاجته يتم تصديره إلى الأسواق في الولايات ليباع رقيقا.
والخصيان كانوا نوعين حسب اللون: الخصيان البيض ويأتون بهم من البلاد الأوروبية التي احتلوها، وبعد ذلك جيء بالخصيان السود في حكم الخليفة مراد الثالث، وكان الخصيان السود يحمون الحريم ويشرفون على شؤونهن، أما الخصيان البيض فمهمتهم خدمة الخليفة والسهر على راحته.
وكانت أعمارهم تتراوح بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، وكانت ممارسة اللواط معهم امرأ عاديا. ( مصدر 6)
وكان في الأندلس مراكز أخري للخصاء بالقرب من قرطبة أما الخصيان السود فكان مركزهم في مصر. إذ كانت قوافل العبيد يؤتي بها من دارفور وكردفان في رحلة تستغرق أربعين يوما حتى أسيوط. وكانت القافلة تضم حوالي خمسة ألاف من العبيد.
وفي فترة ضعف السلاطين العثمانيين تزايد نفوذ زعماء الخصيان إلى درجة أن رئيس الخصيان السود في عهد السلطان محمد الرابع كان هو الذى رشح محمد كوبريلي ليتولى منصب الصدر الأعظم، وهو من أعظم القادة فى الدولة العثمانية.
.
التسري بملك اليمين
كانت عادة أول 7 سلاطين (من 1299 حتى 1421) أن يتزوجوا أميرات مسلمات أو نصرانيات، وكان السلطان خلال كل جولة على الحريم يتزوج مثنى وثلاث ورباع، وآخر من سار على هذا النهج كان السلطان محمد الفاتح.
أما من جاء بعده فقد هجروا عادة الزواج واكتفوا بالسُّريّات (كما تسرى محمد بمارية القبطية بدون عقد) لا يتخذون منهن أكثر من أربع في أول الأمر، ثم زاد العدد، وكان لقب السُّريّة (القادن)
والحريم هو الجزء من القصر السلطاني الذي تسكنه نساء السلطان ومحظياته وأطفالهن الصغار وبعض الخصيان الذين يقومون بخدمتهن.
كانت نساء الحريم من الجواري الأجنبيات، وكن في غالبيتهن من الأوروبيات اللواتي أسرن في الحروب التي خاضتها الجيوش العثمانية ضد الدول الأوروبية.
وقد اشتهرت من هؤلاء الجواري الأوربيات الأصل: خرم سلطانه سرية السلطان سليمان القانوني التي عرفها الأوربيون باسم روكسلانا، والتي كانت من أصل روسي. ثم والدة السلطان محمد الثالث التي كانت من سبايا البندقية، ووالدة مراد الرابع وابراهيم التي كانت سبيّة يونانية.
ومنذ نهاية القرن السادس عشر اتجهت تجارة الجواري إلى القوقاز وأخذت أعداد كبيرة من الجواري القوقازيات تتدفق على العاصمة العثمانية ومنها إلى القصر السلطاني.
.
طمس تاريخ الغلمان والخصيان واللواط
يقول جوزيف مسعد (أستاذ سياسة العرب الحديثة وتاريخ الأفكار في جامعة كولومبيا) في كتابه الشهير «اشتهاء العرب» (مصدر 7 روابط للكتاب) الصادر بالإنكليزية سنة 2007 بأن القراءة المتفحصة للفكر العربي حول تاريخه الجنسي غالباً ما وقعت في فخ البحث عن النقاء والتفوق الأخلاقي للشرق.
وقد توضّح هذا الأمر لمسعد من خلال رصده المحاولات الدؤوبة لمحو الأدلة على وجود اللواط وعشق الغلمان وإزالتها نهائياً في الطبعات الجديدة من كتب التراث. (مصدر 8)
فمثلا نجد، أنه بينما كانت الطبعة العربية من «ألف ليلة وليلة» لعام 1836 تتضمن قصصا عن الشواذ، كحكايات الشاعر أبي نواس مع الغلمان الثلاثة، فإن طبعة 1930حذفتها نهائيا. وبأسلوب مماثل، ففي حين كانت الأعمال الشعرية لأبي نواس المطبوعة عام 1898 والمعادة طباعتها عام 1905 تضم غزلياته في الغلمان، فإن طبعة عام 1937 سوف تستبعد معظمها.
كما تبين لمسعد أن شخصية الشاعر العباسي أبي نواس وممارساته الإيروتيكية قد شكلت حالة «قلق حضارية» عند المفكرين العرب في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، والذين سعوا من خلال تبرئة ساحة أبي نواس من هذا السلوكيات، أو ربط هذه الممارسات بأصوله الفارسية، إلى الرد على الاستشراق – حالة أحمد أمين– لمصلحة الحضارة العربية الإسلامية عن طريق تصفية إرثها العباسي من أوجه الانحلال تلك.
وفي الفصل الثاني: (البحث عن الشهوات المفقودة) (مصدر 9)
سعى إلى استكشاف الطريقة التي جرت من خلالها كتابة تاريخ حضارة العرب والشهوات الجنسية العربية، الدروس التي استخلصت منه. وذلك بتناول مجموعة أعمال لكتاب ليبراليين، و"أصوليين"، ومفكرين اشتراكيين...مثل صلاح الدين المنجد، وعبد اللطيف شرارة، وصادق جلال العظم، وسيد قطب، وسلامة موسى، وعبد الوهاب بوحديبة، ونوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي.
يقول:
في الإطار الإسلاموي يُعد سيد قطب أول كاتب تصدى للجنس المعاصر في الغرب. وكانت ملاحظاته عن الحرية الجنسية والتسامح مع المثليين في أمريكا مستلهمة من أفلام هوليود؛ لأنها لم تكن كذلك وقتها. انشغل قطب بشيوع الشذوذ الجنسي ورده إلى الاختلاط بين الجنسين، وهو يعكس بذلك حجة المستشرقين التي ترى شيوعه في العالم الإسلام بسبب الفصل بين الجنسين.
أما في الإطار العلماني؛ فقد تأثر سلامة موسى في كتاباته الجنسية بفرويد، وداروين، ونيتشه وغيرهم. استفظع الشذوذ الجنسي، وتناوله من زاوية طبقية في المجتمع المصري، ورأى أن سببه هو الفصل بين الجنسين، وذهب إلى أن الرقص أفضل علاج له. ورغب في تسوية الممارسات الجنسية المصرية حتى تعكس الحاضر الأوروبي. وكان موسى ممن شنعوا على أبي نواس وأدانوا الحضارة العباسية، ونسبوا لها الشذوذ المعاصر.
...
.
يتبع
.
.
■■■■■■■■■■■■■■■■
مجموعة حوار المعتقدات والإيديولوجيات
فهرس المجموعة
Saleem Salem
-------------------------------------
مصادر الحلقة الثامنة
(1)
http://bit.ly/2quiSZk : مجلة كلية التربية الأساسية جامعة بابل اذار 2014 عدد 15
نقلا عن المقدسي، أبو عبد الله محمد بن احمد، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط2، مطبعة بريل، ليدن، 1906م، 242-243.
(2) نفس المصدر السابق صفحة 173-174
(3) الهمداني، محمد بن عبد الملك، تكملة تاريخ الطبري، تحقيق: البرت يوسف كنعان، بيروت، 1959، 1/6؛ الشالجي، موسوعة العذاب، 4/63.
(4)
FPhiwanhiwan : الجاحظ، كتاب الحيوان، جزء واحد صفحة 121-122 (الرابط مباشرة للصفحة)
(5)
http://bit.ly/2rJMVAO : المقري، كتاب نفح الطيب
(6)
Male sexual quirks among the Ottomans
(7)
اشتهاء العرب اشتهاء العرب ، جوزف مسعد.... وعلى موقع (Google Reads)
Desiring Arabs by Joseph A. Massad
(8)
جوزيف مسعد والكشف عن سياسات الشهوة الكولونيالية في الفكر العربي الحديث قراءة نقدية لكتاب جوزيف مسعد (اشتهاء العرب) في صحيفة القدس العربي لمحمد تركي
(9)
قراءة في كتاب «اشتهاء العرب» قراءة نقدية لكتاب جوزيف مسعد (اشتهاء العرب) لايمن عيسى أحمد