نقوس المهدي
كاتب
لو مين
موت شيه بوه ماو
1
جاء مرة أخري ذلك الخطاب إلي شيه بوه ماو؛ أرسله الشخص نفسه الذي اعتاد أن يرسل أمثاله من قبل، يمكننا أن نعرف ذلك، من تلك الكلمات المكتوبة دائمًا بخط منمنم أسفل الظرف:"من تشين/نفس المدينة".
وضع لي فو هذا الخطاب في علبة الخطابات الموجودة بجانب يده اليسري، بعد أن أمسكه للحيظات، وتأمله بنظرات يشوبها القلق. عندما حسب لي فو بالتقريب عدد الخطابات "الميتة" التي أرسلها ذلك الشخص إلي شيه بوه ماو، اعتراه شعور بالذهول، جعله يتسمر مكانه. فقد وصل عددها إلي أكثر من ثلاثين جواباً، وقد تم إعدام بعض منها. وما يسمي بالخطاب "الميت"؛ هو الخطاب الذي لا يُسلم لأحد، أو يرد مرة أخري إلي من أرسله، نظرًا لعدم دقة الاسم والعنوان، أو جود أي أخطاء بهما، أو ما شابه ذلك من أسباب أخري كثيرة، ويطلق عليه بالتعبير المهني"خطاب غير قابل للتسليم". ألا يكون بذلك ميتا حقًا!
كانت مهمة لي فو هي إنقاذ تلك الخطابات، وبذل كل ما في وسعه لتسليمها إلي أصحابها؛ ولذلك فكانت خطابات المدينة كلها تتكدس عنده. لُقب لي فو بالموظف المثالي علي مستوي المقاطعة، فهو يعمل كساعي بريد منذ ثلاثين عامًا تقريبًا. ففي الثمانينيات، استطاع تسليم العديد من الخطابات التي لم يُستدل علي أصحابها، والتي كانت تُرسل من تايوان أو خارج الصين؛ لذلك كان كبار السن يرسلون له أوشحة حريرية تعبيرًا عن شكرهم له، حتي امتلأت جدران مكتبه بالأوشحة ولم يتبق مكان فارغ علي الحائط لتعليق المزيد منها، فحتي الممر المؤدي إلي الحمام لم يخل منها. ومن باب إطلاق العنان لموهبته هذه، ولمباشرة عمله بشكل أفضل، وأيضًا مراعاة لسنه، تم تخصيص منصب"إنقاذ الخطابات" من أجله.
اعتاد لي فو علي حمل دفتر صغير معه؛ ليدون فيه بدقة مراحل البحث عن كل خطاب، علي سبيل المثال: مفاتيح البحث عنه من البداية إلي النهاية، والأخطاء التي حالت بينه وبين وصوله إلي صاحبه. فكان يسأل موظفي الأحوال المدنية، ويجوب شوارع شتي. بل وحتي يستشير الناس الذين يمكنهم أن يفيدوه بمعرفتهم الواسعة ...الخ الخ. فقد ملأ عشرات الدفاتر الصغيرة علي مر سنوات عمله. وحتي الآن، إذا صادف شخصًا ما ذا معرفة واسعة، يخرج دفتره من حقيبته الخضراء الصغيرة، ويسأله عن بعض العناوين التي لا يعرفها، بل ويصغي إليه محدقًا فيه بتركيز شديد. لم يجد لي فو تفسيرًا واضحًا، لسر اهتمامه بهذا النوع من الخطابات؛ فربما لأنه يوصلها إلي أصحابها!.
ففي الثمانينيات كانت تتأثر مشاعره بها، وفي التسعينيات كان يبذل مجهودًا كبيرًا، أما الآن فيغمره شعور بالتعاطف معها. ويحاول بذل قصاري جهده لايصال هذا النوع من الخطابات إذا كانت مُرسلة من قبل أشخاص بسطاء، كبائع ورق يانصيب، عجلاتي أو طباخ. ولكن من المؤسف أن الأمر اختلف كثيرًا في السنوات الأخيرة عما كان عليه من قبل، فأضحي توصيل الخطابات بالنسبة له أشبه بجراح يداوي مريضًا مُصابًا بمرض عضال. فدائمًا ما يكون الكلام المطبوع علي الأظرف من الخارج أو الظاهر من خلال شبابيكها الشفافة، مطموس الملامح؛ لأنه يكون مغطي بختم "مدفوع الرسوم" الضخم. كما أن معظم الخطابات، تكون مجرد خطابات إخطار من إدارة الكلية لدفع رسوم الالتحاق بها، أو بطاقة لعميل مهم مُرسلة من قبل مركز تجميل، أو حتي استطلاع رآي لموقع سياحي ما علي شبكة الإنترنت؛ فثمانون أو تسعون بالمئة من الخطابات تكون مُرسلة إلي أشخاص مزيفين أو عناوين خاطئة. ويدرك لي فو جيدًا مصير مثل هذه الخطابات، في حالة استدلاله علي عناوينها الصحيحة، فلن تُرسل إليه وشاحات تقدير، أو توجه له كلمات شكر وعرفان، فبمجرد أن يسلمها لأصحابها ويلتفت، ستقطع وتلقي في صناديق القمامة؛ ولذلك فإن عدم إزعاج الناس يُعَد أمرًا كافيًا بالنسبة له. ما الذي يضمن للطبيب عدم انتحار المريض بعد مداواته؟؛ فهكذا كان يحاول لي فو إقناع نفسه بتجاهل الأمر. ففي المرة الأولي التي رأي فيها لي فو هذا العنوان:" 210006، (١) مدينة نان تچينغ، منطقة تشين خواي، رقم 21. يُسلم إلي: السيد شيه بوه ماو. الراسل: تشين/نفس المدينة". مكتوب بذلك الخط المنمنم، بُعث في صدره قدر من هيبة والإحترام، واستشف أنه خطاب شخصي، بل وشعر أنه مسئول عن تسليمه إلي صاحبه.
قضي لي فو عمره في التعامل مع الخطابات، حتي بلغ من العمر أرذله، وسيكون مسرورًا إذا حصل علي وسام رمزي، في نهاية حياته المهنية. حاول لي فو أن يقارن العناوين المكتوبة علي الظرف، بالمعلومات التي جمعها خلال سنوات عمله، من مصادر مختلفة. وأخَذ يبحث بالترتيب وبشكل مفصل عن أسماء الأماكن، المطابقة ومتجانسة النطق. وفي أثناء بحثه قابلته عناوين شتي؛ منها ما أثارت فضوله، ومنها عناوين تافهة لا قيمة لها، وأخري جعلته يشعر بالملل والضجر، وغيرها جعلته يهز رأسه ضاحكًا. ولكن بعد وقت طويل من البحث، اكتشف لي فو أن جميع الدلائل تشير إلي أنه أمام حالة مستعصية؛ لأنه لم يجد أي شيء يُدله علي عناوين الخطابات التي تُرسل إلي شيه بوه ماو، علي الرغم من كل ما دونه في دفاتره الصغيرة علي مدي ثلاثين عامًا، من أسماء أماكن ذهب إليها. لم تُحل مشكلة هذا الخطاب، فبعد أسبوعين رُد إليه خطاب مرسل إلي شيه بوه ماو، مما شغل باله، وزاد من دهشته. ومن ثم، فكل أسبوعين أو ثلاثه تقريبًا، تُرسل خطابات لشيه بوه ماو، بعناوين مختلفة لا يستدل عليها، وتكون كلها مكتوبة بنفس ذلك الخط المنمق الصغير، ومن أمثلة تلك العناوين:زقاق المئة قطة، شارع تشينع جوانغ يوان، شارع دي بو، شارع دجو باو، معبد آن له، شارع مدينة الزيت الكبير، متجر ساو خوا...... فهل إرسال تشين، لتلك الخطابات هو مجرد مكيدة؟
2
شيه بوه ماو هو صديق تشين إيي شين الجديد. تبدو كلمة"صديق"، كلمة غريبة بعض الشيء ؛ولكن إذا دققت النظر ستجد أن لها استخدامات عديدة ومتنوعة. كان الجميع في طفولتهم يلقبون "الصديق الصغير"، وحين يخاطب المذيع المشاهدين في التلفاز يقول لهم "أصدقائي المشاهدين"، ويُنادي البائع الزبائن في مراكز التسوق قائلاً :"صديقي المشتري"، وإذا كان الشخص غريبًا جديدًا في مكان ما يلقبونه "الصديق الجديد"، فإن كلمة صديق كلمة شائعة الاستخدام. فدائمًا ما نذهب مع "بعض الأصدقاء" لمشاهدة المباراة، أو لاحتساء الشاي، أما في ساحة العمل وماتحتويه من تبادل منافع أو خصومة، فنجد أن "كلمة صديق" مستخدمة أيضًا، وحتي قبل تشاجر الأطفال في الشارع، يمكنهم أن يتبادلوا اللوم قائلين هذا الصديق فعل كذا وكذا.. وطبعًا، هي كلمة تطلق أيضًا علي العلاقة التي تَجمع بين الرجل والمرأة، فيقال صديق أو صديقة. كما يوجد أيضا كلمة رفيق الكفاح؛ علي سبيل المثال الزعيم ماو زي دونغ وصديقه (2) تچيانغ تچيه شي... الخ الخ. خلاصة القول، فإن أصدقاء تشين إيي شين كثيرون جدًا، ويُعَد شيه بوه ماو واحدًا من أبرزهم. وقد تعرف عليه بفضل ابنته الصغيرة. إن ابنة تشين إيي شين والتي لم تتجاوز خمس سنوات بعد، لها صديق وهمي اسمه في يوه؛لا أحد يعرف إذا كان إنسانًا أم كائنا آخر، فحتي نوعه أو عمره غير معروفين. وكان تشين إيي شين يحسد ابنته علي هذا الصديق الحميم؛ لأنها كانت دائمًا ما تلقي عليه التحية أو تهمس متحدثة إليه، بل وتشاركه مشاعرها كلها؛ حتي وهي تشرب اللبن، تستيقظ من نومها، تلعب، أو وهي ذاهبة في طريقها إلي الحضانة، وحتي وهي تتناول طعامها أو تتنزه في حديقة الحيوان فهي تتحدث إليه.
لاحت فجأة إلي تشين إيي شين بعض الأفكار الجهنمية، والتي أستوحاها من ابنته. فعندما كان مستلقيًا علي الكنبة ذات يوم، وفتح عينيه فجأة، رأي الستائر تتطاير في الأُفق، وكأنه الموت يعكس ظلاله عليه. كما أن زميليه في العمل يجلسان وجها لوجه يضحكان علي شيء ما رآه علي الإنترنت. وصوت أوراق الكوتشينة المنبعث من الحجرة المجاورة، خافت ولكنه مؤثر. كان بهاتفه الجوال بضع رسائل لم تُقرأ بعد، ومن المحتمل أن يكون ضمنها رسائل من زوجته تسأله فيها، عمن منهما سيذهب لأخذ ابنته من الحضانة، أو رسائل إعلانات عن منتجات جديدة. وكانت شبابيك دردشة (3)ا QQ الخاصة بزملائه في المدرسة، وزملائه في الشركة وأصدقائه من بلدته، لا تتوقف عن اعطاء إشارات. وكانت صفحات كثيرة من (4)مدونة وي الخاصة به كانت مفتوحة.
فجأة اعتملت بداخل تشين إيي شين مشاعر طفولية جياشة، فهو أيضًا يريد أن يصبح له صديق خيالي مثل صديق ابنته الوهمي في يوه. كل شيء كان يسير كالمعتاد، تمامًا كمياه نهر متدفقة.
فتشين إيي شين يرغب بصديق يكون بصحبته دائمًا، يجعله صافي النفس والوجدان، ولا يراه أحد سواه. فعندما كان ينهض تشين إيي شين من علي الأريكة، خطر بباله اسم شيه بوه ماو، وبدون مقدمات وبشكل مفاجيء، انبثقت في مخيلته صورة لهذا الصديق؛ فهو آت من عصر قديم، من العصر الذي كان يعيش فيه (5) شيه آن أو عصر الشاعر (6) شيه لينغ يوين، بل وأنه يسكن في مكان ما في مدينة نان تچينغ، ومن حسن الحظ أنه بات صديقه. بعد ذلك شعر تشين إيي شين بتحسن شديد طوال اليوم. وكأن نكهة مختلفة قد أُضيفت لحياته، لم يتغير شيء مما كان يفعله أو يقوله، سوي أنه أصبح يتبادل آراءه ووجهات نظره مع صديقه الجديد شيه بوه ماو. فكلما تَذكر ابنته، ارتسمت علي شفتيه ابتسامة؛ لأنه يشعر بسعادة طفولية مثلها تمامًا. ففي اجتماعات العمل في الصباح، أو احتساء الخمر ليلاً، أو حتي عند إصابته بالأرق، جعلته يَتعرف أكثر علي شيه بوه ماو ويفهمه؛ فهو يَبلغ نفس عمره تقريبًا. ويعاني من التهاب في مفاصل الأكتاف. كما أنه يُحب قراءة الروايات التاريخية، ومشاهدة الأفلام الأجنبية وخاصة الرومانسية منها؛ لأن كليهما يؤثران فيه للغاية. ولكنه يسأم كثيرًا من بعض المواضيع التي تظهر له وهو يتصفح الإنترنت؛ كمؤشر الأسعار للمستهلكين، والأبراج، وغيرها من مواضيع مشابهة. كما أنه يحب التدخين ويشرب القليل من الخمر. لا يحب رؤية الناس الذين يرتدون (7)زي التانغ في المناسابات الرسمية، وأيضًا يستاء كثيرًا من أولئك الناس الذين يبدأون الحديث في الندوات، لإبداء تعليقاتهم وآرائهم.
لم يستطع تشن إيي شين تَجنب التفكير في ابنته، فكل مرة ترغب فيها اللعب لوقت أطول بالألعاب الموجودة علي جهاز الكومبيوتر، أو تأكل المزيد من (8)شوكلاتة فيريرو روشيه، أو تلبس فستانها الصيفي الجميل، تتناقش بصوت ناعم منخفض مع صديقها الوهمي في يوه، ثم تعلن عما سوف تفعله باسميهما. ليس من الغريب أن تكون طباع شيه بوه ماو قريبة جدًا من طباعه، وكأنهما فولة وانقسمت إلي نصفين. هز تشين إيي شين رأسه مبتسمًا، عندما استشف هذا من حال ابنته مع صديقها الوهمي.
3
انزعج موظفو مصلحة السجل المدني، من فرط ذهاب لي فو إلي هناك. إن العناوين التي يُرسل عليها الخطابات الموجهة إلي شيه بوه ماو، لا يُستدل عليها؛ لأن منها عناوين لأماكن أصبحت مزارات تاريخية، وبعضها قديم جدًا ولم يكن له أثر، حتي قبل إعلان جمهورية الصين الشعبية، وأخري قد تغيرت بسبب توسيع الشوارع، أو بسبب إنشاء شوارع أخري جديدة في السنوات العشر الأخيرة، وبعضها قد تحول إلي مدارس مهنية، وغيرها إلي مراكز إدارية، ومنها ما بُني مكانها مراكز تجارية مشهورة مثل (9) كارفور. تَبدلت ملامح الأماكن القديمة كلها، وحلت محلها أخري جديدة مختلفة. المعلومة الوحيدة التي استطاع أن يتوصل إليها لي فو بالنسبة للمرسل إليه:"شيه بوه ماو"؛ فقط هي أن بمدينة نان تچينغ أشخاصا، يحملون نفس الاسم، وعرف لي فو ذلك عندما ذَهب إلي السجل المدني ليسأل عن أي خيط يدله علي عنوان شيه بوه ماو، فحينها أخبرته بذلك موظفة عابسة الوجه تجلس أمام الحاسوب. فعندما رأت الفتاة، وجه لي فو قد انطفأ وبدا عليه الإحباط. هزت رأسها وسألته:"هل لشيه بوه ماو حساب علي الإنترنت؟، مدونة خاصة به؟، أو صورة تذكارية جماعية لتخرجه؟. يمكنك أن تستعين بمحرك بحث (10) "رو وانغ" في البحث عنه. فبغض النظر عن مكانه، فحتمًا سوف تجده، إذا كان لديه مثل هذه الأشياء علي شبكة الإنترنت". لم يستوعب لي فو تمامًا ما قالته الموظفة، ولكنه شكرها، ثم دَون العناوين الأربعة التي أعطتها إياه، وقرر أن يذهب للبحث عن شيه بوه ماو.
في أولي محطات بحثه عن شيه بوه ماو، دعونا نقول شيه بوه ماو الأول، قالت زوجته للي فو، بلهجة عدائية حادة، وهي تلوح في وجهه بمغرفة قَلي الطعام، أن شيه بوه ماو ليس لديه أصدقاء من الأصل، وهو الآن خارج البلاد في مهمة عمل، ثم أغلقت الباب بعنف في وجهه. أما شيه بوه ماو الثاني فهو مساعد مُدير محل متخصص في بيع الماركات المشهورة للمستلزمات الرياضية، يَضع في أُذنيه سماعات، ويبدو أنه يتواصل مع شخص ما سرًا من خلالها في أغلب وقته. فأخذ الرجل الخطاب بخفة بأصابعه، ثم غمز إلي بائعة جميلة بالمحل، قائلا:"يالها من مزحة سخيفة!". وعندما علم أن للي فو ابنا حديث العمل، تقمص في الحال دور البائع المحترف، وحاول إقناع لي فو بشراء حذاء كرة سلة جديد لابنه، وقال له أن هذا الحذاء يُباع في الصين وفي الأسواق الأمريكية في نفس الوقت، وأن يوجد منه عدد محدود جدًا، ومدبج بداخله بلوتوث لقياس السعرات الحرارية في الجسم، كما أن نعله مزود بوسادة هوائية، لتريح القدمين، ثم أضاف قائلا أن بوسعه منحه تخفيض 12٪.
أما شيه بوه ماو الثالث، فكان يعبر ملعبًا ضخمًا، حاملًا تلميذًا صغيرًا، ويجر حقيبة مدرسية ثقيلة. وعندما سمع أن هناك خطابًا له، أبطأت خطاه، وأحمرت وجنتاه، بل وأيضًا بدا عليه الوقار، ثم نظر إلي بعض زملائه الذين كانوا يقفون علي بعد خطوات منه، وسأل بصوت عال مسموع:"ممَن هذا الخطاب، هل أرسله تساو مينغ؟ أم ليو بانغ؟، فقد أرسلت لكل منهما خطابًا في نفس الوقت، وتراهنت مع كل منهما، أن الآخر سيرد علي خطابي أولاً، فمن المؤكد أن إحدهما قد رد علي خطابي! ولكن .....ما أرسلته كان عبر البريد الإلكتروني وليس خطابًا عاديًا عبر البريد". بعد انتهاء لي فو من عمله، عزم علي الذهاب للبحث عن شيه بوه ماو الرابع والأخير، والذي كان يسكن في شمال الصين بمنطقة للصناعات الكيميائية. لم يتوقع لي فو أن يكون الطريق شاقًا وطويلًا هكذا، وكأنه طريق لا نهاية له، وكادت السماء أن تظلم عليه. وعندما وصل لي فو وجد شيه بوه ماو يُحمي كلبه من فصيلة السامويد، ووسط صوت المجفف العالي، عبر له عن استيائه مستخدما لهجة تدل علي أنه شخص ذو خبرة، وقد مر بالكثير من التجارب في الحياة، وقال:" أصبحت طرق الخداع والغش الآن أكثر أناقة عن ذي قبل". أمازال يجرؤ علي كتابة خطابات! هل تعرف أمه من الأصل كيف تستخدم فرشاة الخط!، يالها من طريقة جديدة ومبتكرة!! من فضلك مزق هذا الخطاب بدلًا مني". أبتلع لي فو حزنه بداخله، ولم يخبر به أحدا. كانت زوجته دائماً ما توبخه بشكل فج وتسبه، بل وتصفه بأنه "مريض نفسي".أما ابنه فكان يخجل من أن يذكر وظيفته أمام الناس. وحتي زملاؤه في العمل فكانوا يختلفون عنه كثيرًا، معظمهم شباب، يحبون التحدث حول مباريات الإتحاد الأوروبي لكرة القدم، أو ألعاب الكمبيوتر، أو المكافآت التي سيحصلون عليها في العمل. فإذا ذهب وتحدث معهم حول موضوع "شيه بو ماو"، فسيختفون من أمامه كسرب من الطيور تلاشي في أحضان السماء. قرر لي فو أن يغير طريقة تفكيره، وأن يبحث عن "راسل الخطاب تشين" بدلًا من الُمرسل إليه شيه بوه ماو. كانت الحروف المكتوبة علي الظرف من الخارج متوسطة الحجم مما يجعلها مريحة للعينين عند قراءتها، فكان لي فو يحدق فيها، ويلمسها بلطف مرارًا وتكرارًا. ولكنه لم يتمكن من رؤية ما بداخل الظرف، تحت الضوء؛ لأن الظرف كان مصنوعًا من ورق الكرافت السميك، ولكن استطاع لي فو أن يخمن أن بداخله ورقتين أو ثلاثا. وفي هذه اللحظة مر زميله بجواره، وتهكم عليه قائلاً" افتحه وأنظر ما بداخله!". نعم... .يمكن أن يفتحه لي فو بكل سهولة ليري ما بداخله، وحينها سيعرف حقيقة الأمر، حتي بدون أن يترك أي أثر يدل علي أن هذا الخطاب سبق فتحه، فهو يعرف طريقة ما يعيد بها الشق الذي سيحدثه فتح الخطاب في الختم الموجود أعلي الظرف. ولكن لا يمكنه فعل ذلك، لا يمكنه أبدًا استغلال وظيفته في فتح الخطاب دون إذن وفي السر، ثم يقوم بطمس آثار ما فعله، ولكنه لايحب فعل مثل هذه الأمور علي الإطلاق، فعلي الرغم من أن هذا الخطاب يعد ميتًا ولم يستدل علي صاحبه، إلا أنه مازال خطابًا، له احترام وقوانين، وفتح الخطاب بهذه الطريقة سيكون نوعًا من الغش وعدم الأمانة من وجهة نظره. رفض لي فو أن يفتح الخطاب.
في وقت راحة الظهيرة، حمل لي فو حقيبته الخضراء الصغيرة، وركب دراجته باحثًا عن مكتبة موجودة بجنوب المدينة. فوجد واحدة في شارع تچين شا تچيانغ. ولكنها كانت تَعج بالطلاب عندما دخلها، كان الطلاب ينقون من بين أنواع الأقلام المختلفة: أقلام جرافيت، أقلام ماركر، أقلاما ملونة، وأقلاما ذات رائحة. وكان هناك بضع فتيات صغيرات حائرات في اختياراتهن بين الأشكال والرسومات الجذابة للكراسات والدفاتر الصغيرة، وحتي لي فو نفسه أعجبته تلك الدفاتر كثيرًا.
بحث لي فو مطولاً عما يريد شراءه ولكنه لم يعثر عليه، فسأل أحد بائعي المكتبة، فأشار له البائع إلي الجزء السفلي لرف عال. أخيرًا وجد لي فو الأظرف والأوراق المخصصة لكتابة الخطابات، ولكنه لم يحتر في الاختيار بينها؛ لأنه لم يكن هناك سوي نوعين فقط، عاديين جدًا، ورديئين أيضًا. لا حظ لي فو أن "تشين"، راسل ذاك الخطاب يستخدم نفس هذا النوع من الأظرف الموجودة، والمصنوعة من ورق الكرافت. لم يجد لي فو سببًا لشعوره المفاجيء بالتعاطف مع مرسل الخطاب؛ ربما لأنه يجلس مثله القرفصاء ليختار من بين هذه الأظرف القبيحةَ!، إنه حقًا أمر صعب. جلس لي فو القرفصاء في إحدي الزوايا الهادئة، حتي شعر بتنميل في قدميه. ولكنه لم يصادف أي زبائن آخرين. نعم لم "يصادف" أيا منهم. سبح لي فو في خياله، وأخذ يفكر إذا كانت هناك طريقة ما، تجعله يلتقي بمرسل الخطاب تشين. قرر أن يبحث عنه في أماكن أخري. عندما بحث لي فو عن أختام الطوابع الموجودة علي أظرف تلك الخطابات (ختم الطابع: هو الختم الذي يُطبع علي طابع البريد، ليوضح المكان الذي أرسل منه الخطاب)، اكتشف أن كل الأظرف هذه الخطابات تحمل الختم الخاص بمكتب بريد چونغ خوا مين، إلا خطابا واحدا. عادة ما يكون علي ختم الطابع أرقام صغيرة، فمن خلال هذه الأرقام يمكن تتبع الخطابات.
من الواضح أن هذه الخطابات قد وضعت في صناديق البريد الموجودة علي أبواب مكاتب البريد أو قاعات العمل. ذهب لي فو إلي مكتب البريد لأيام متتالية؛ وذلك لاقتراب موعد إرسال الخطاب التالي، فكان إما يجلس بهدوء علي إحدي الطاولات المخصصة لكتابة الخطابات في قاعة مكتب البريد، ويتفحص المارة. أو يقف في الشارع المواجه لمكتب البريد، محدقًا بعينيه إلي صناديق البريد، تمامًا كما يحدق الصقر بعينيه قبل أن ينقض علي فريسته. ولكنه سرعان ما أدرك أن ما يفعله لن يؤدي به إلي أي نتيجة. لأنه لا يوجد شخص بين الحضور مكتوب علي جبينه تشين، أو حتي يكتب خطابا منمق الكلمات بالفرشاة المخصصة لذلك، فكل شخص موجود يحتمل أن يكون هو أو لا يكون.
ذات يوم، انتظر لي فو حتي الساعة الخامسة والنصف مساءًا، وفجأة رأي موظف البريد يفتح صندوقًا صغيرًا للبريد، ويخرج منه خطابين فقط. فكان إحدهما مكتوبًا عليه بخط أكبر من حبات الفول، وموجهًا إلي مكتب شكاوي المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، (11) بمقاطعة تيچيانغ سو، كما كان هناك أيضًا كلمتان مكتوبتان بشكل خاطيء. أما الخطاب الثاني فلم يكن عليه ختم، وكان بداخله ورقة يانصيب قديمة مهلهلة. تنهد لي فو، واستشف أن تشين مرسل الخطاب شخص حذر وغير سهل بالمرة، يطارد شيه بوه ماو عن طريق إرسال هذه الخطابات، فلابد أن يكون هناك أمر ما خطير وضروري.
4
يرجع الفضل لابنة تشين إيي شين أيضًا، في أن تجعله يكتب أول خطاب حقيقي لشيه بوه ماو. عممت حضانة ابنته مؤخرًا، نظامًا تعليميًا يعرف باسم "منهج موتسري التعليمي"؛ وهو منهج يساعد الطفل علي إطلاق العنان لمهاراته وتطويرها. فمثلًا كان واجب ابنته اليوم، هو أن يحضر لها والداها ورقة، واثني عشر لونًا مختلفًا، ثم يتركاها ترسم ما يحلو لها بحرية. في المساء أصبح كل شيء في البيت مبعثرا وغير مرتب، فكانت الجرائد متناثرة علي الأرض، وابنة شين إيي شين تلعب مع صديقها الوهمي، حتي تعبت وغلبها النوم. فذهبت زوجة تشين إيي شين لتحمل الفتاة بينما كان هو يحاول ترتيب آثار الفوضي التي أحدثتها ابنته، وعندما كان يعيد الأشياء المبعثرة إلي أماكنها مرة أخري، التقط قلمًا من أقلام الألوان الموجودة، ولف رأس سنه القلم، فتدفق منه حبر كثيف أزرق نيلي اللون، وأخذ يكتب به علي الجريدة.
كان تشين إيي شين يستطيع أن يكتب الرموز بطريقة منمقة وجميلة، فقد سبق له وتعلم الخط الصيني علي يد أستاذ خط لمدة عامين ونصف عندما كان في الجامعة، ولكنه لم يستمر بسبب انشغاله بزواجه وظروف عمله أيضًا. وفجأة جعلته تلك الرموز الصينية التي كتبها علي الجريدة يشعر بوهج خافت لشعور قديم، فلم يتذكر أيام الجامعة أو الحنين إلي شبابه فحسب، بل تذكر أيضًا أنه قد قطع شوطًا كبيرًا في هذه الدنيا وتقدم به العمر، فانتابه شعور غريب.
اندهش تشين إيي شين كثيرًا، عندما اكتشف وهو يرمي تلك الجرائد القديمة، أن الرموز التي كتبها كلها علي الجريدة بالحبر الأزرق، ما هي إلا اسم شيه بوه ماو، بشكل متكرر. وكأن شيه بوه ماو قد سيطر علي تفكيره كليًا، بل وكأن لديه كلامًا كثيرًا يود أن يحكيه له. فقرر بعد تردد، أنه من الأفضل أن يفضي له بما يجول بخاطره، ويقول له عن الأشياء التي تشغل باله.
كان أول شيء فعله تشين إيي شين في اليوم التالي، هو أنه اشتري أوراقًا وأظرفًا مخصصة لكتابة الخطابات، لم تكن ذات جودة عالية، ولكنه لم يبال بذلك؛ لأن الأهم بالنسبة إليه هو فحوي الخطاب نفسه. عندما استلقي تشين إيي شين علي الأريكة وقت راحة الظهيرة، كان يفكر مترددًا، في محتوي الخطاب الذي سيرسله إلي شيه بوه ماو. ثم فجأة نهض من مكانه، وحول رنين جواله إلي صامت، وغير وضع حالته علي برامج الدردشة QQ إلي غير موجود، وخرج من كلتا صفحتي بريده الإلكتروني ومدونته الخاصة، ثم رفع سماعة التليفون ووضعها جانبًا، حتي لا يزعجه أحد. ومع ذلك لم يكن مافعله مُجديًا بالمرة؛ لأن عقله كان مازال خاويًا من الأفكار. جلس تشين إيي شين علي الأريكة ساهمًا، وبدون أن يشعر أخذ يكرمش بيده جلد الأريكة، فهو لا يعرف إذا كان يإمكانه اليوم كتابة ذلك الخطاب أم لا؟، لأنه لايدري إذا كان لديه ما يفصح به من كلمات لم يصرح بها لأحد من قبل؟ أم وجدانه خالٍ من الأصل؟. حقًا هو لا يُقارن بابنته. في النهاية لم يكتب شيئًا في الخطاب، فقط طوي ورقتين أو ثلاثًا فارغة، وأدخلها جيدًا في الظرف، ومع ذلك لم يشعر قلبه بأي أسي. فشيه بوه ماو صديق حميم له، وأمر مفروغ منه أن يفهم جيدًا ما يقصد أن يقوله له.
استخدم تشين إيي شين ختمًا لاصقًا، بينما كان يفكر بهدوء، في الطرق المختلفة لطي الخطاب. فمثلاً بعد أن يطويه ثلاث ثنيات عمودية، يطويه مرة أخري بشكل أفقي. ثم يعيد طيه مرة أخري بشكل عمودي. فعندما كان في المرحلة الإعدادية كان لديه زميل بارع في طي الورق، حتي إنه كان يصنع به أشكالاً معقدة كثيرة، ومن ضمنها شكل (12) طائر الكراكي. بل كان لديه أيضًا شغف شديد بطوابع البريد، فمنها ما يلصقه بالمقلوب ليعبرعن كلمة "أنا أحبك"، ويمكنه أن يضع طابعين متقابلين فيتحولان إلي كلمة "اشتقت إليك"، ويمكن أن يضع ثلاثة طوابع بشكل متتال، فتعبر عن جملة "انتظر ردك". وكان أيضًا لديه زميلة تطبع بشفتيها الملونة بالحمرة كأنه ختم للجواب، وكأنها تُرسل قبلة....... ففي الحقيقة لم يكن تشين إيي شين معجبًا بهذه الألعاب، ولكنه فقط كان يتذكرها، وكأنه يحيي ذكري أشياء مضت. كانت لحظة كتابة تشين إيي شين للعنوان الُمرسل عليه الجواب، من أسعد لحظاته؛ لأن حينها شعر بنشوة لا تضاهي، وكأنه شخص يحضر احتفالاً (بل هو في احتفال بالفعل). بمدينة نان تچينغ أسماء أماكن كثيرة قديمة محببة إلي قلبه، من ضمنها أماكن قد ذهب إليها لزيارة العديد من الأشخاص الذين يحبهم. أغمض تشين إيي شين عينيه لوهلة، وأخذ يستدعي أسماء شوارع وأزقة قديمة، لم تعد موجودة منذ زمن: ليو شيه، لي يو، جو خونغ چونغ، ووه تچينغ زي، كوين تسان، جان شي، چانغ جيه دونغ....، ثم كتب العنوان برضا علي الظرف، يبدو وكـأنه قد اخترع عنوانًا وهميًا، تمامًا كفكرة الخطاب كلها. كان يمسك بيده فرشاة خط مصنوعة من شعر الماعز؛ وقد أكلتها الحشرات بسبب عدم استخدامها لفترة طويلة، وأصبح بالكاد يمكن استخدامها. فبإمكانه شراء فرشاة جديدة بدلًا من هذه، ولكن تآكل الفرشاة القديمة بهذا الشكل، أمر مرح بالنسبة له؛ ربما لأن بها شيئا ناقصا غير مكتمل، تمامًا مثل ما يريد كتابته، فهو يريد أن يقول شيئًا ما، ولكنه لا يدري ما هو.
لم يمض وقت طويل حتي باتت كتابة الرسائل عادة عند تشين إيي شين، فكانت الجوابات التي يرسلها مجرد ورق أبيض خال من الكلام، فكانت الفكرة التي يرنو إليها شاغفًا، هي تأليف عناوين وهمية، والتفكير في أخري قديمة لكل خطاب. فكان عندما يمسك بتلك الفرشاة المتآكلة، ذات شعيرات طرية وجافة، ويبدأ في كتابة العنوان بها علي الظرف، يصدر منها صوت رقيق يشبه صوت حفيف الأوراق، وكأنه يترك أثرًا صغيرًا في هذا الكون.
عندما خرج تشين إيي شين من بيته، ليضع هذا الخطاب في صندوق البريد، كان يبدو صندوق البريد وكـأنه فارغ. كانت الأجواء ممتلئة بالضجيج والصخب عندما ألقي الخطاب في صندوق البريد، فوضع أُذنه علي الصندوق من الخارج؛ ليستمع إلي صدي صوت الخطاب الرقيق وهو يلامس قاعه، وكأنه يستمع إلي صوت طوبة أُلقيت في قاع بئر قديم، فتهاوت في الفضاء، مستمرة في السقوط، حتي اصطدمت بالأرض واخترقتها، مجتازة غلافها الجوي، وصلت إلي الفضاء الخارجي، ثم أخذت تدور حول القمر، زحل والمشتري، ثم سبحت مع النجوم المتلألئة في الفضاء، فإن شيه بوه ماو ينتظر هذا الخطاب في مكان ما. كان تشين إيي شين مستمتعًا للغاية، بهذه المرحلة التي تتسم بالغرابة والانطلاق.
5
لم يغب عن ذاكرة لي فو أبدًا، أن في عام 87 أو 88 تقريباً، كان هناك جواب مُرسل لشخص اسمه" تشين چانغ جيه" (اسم شهرته: دزيه يينغ)، وكان مكتوبًا علي الظرف بالطول بضعة (13) رموز معقدة، أما علي الخلف، فقد كان مكتوباً عليه بخط رديء متعرج هذه العبارة:" يتوجه الجندي القديم من تايوان بالشكر إلي صاحب المثل العليا والسامية، الذي ساعدنا علي إيجاد أقاربنا وعائلتنا". ولكن كان عنوان هذا الجندي قد تغير منذ فترة كبيرة، حتي أصبح قصر ثقافة العمال، والذي لم يفتتح قَط، وتحول فيما بعد إلي مطعم، ضمن سلسلة مطاعم الوجبات السريعة. دَون لي فو هذه الواقعة في دفتره الصغير؛ لذلك فهو يتذكر جيدًا وبوضوح أنه قد عاني كثيرًا حينها، لأن موضوع هذا الخطاب استغرق منه خمسة أشهر من البحث المستمر. وفي النهاية عثر لي فو علي الشخص المُرسل إليه الخطاب، فكانت امرأة عجوزًا ترقد في أحد مستشفيات الرعاية، ضامرة مثل اللوفة، لا يتوقف لعابها عن السيل، فقد أُصيبت بمرض الخرف. كان ابنها الكبير ذو الوجه العابس، والمظهر غير المهندم، جالسًا بجانبها، حينما فتح الخطاب، وانهمرت دموعه فجأة، كشلال جار، بعدما قرأ بضعة سطور، ثم قال بصوت متقطع: "لماذا خدعتني؟،أنا عندي أب أليس كذلك؟". فهذا الموقف كان أشبه بمشهد من مسلسل تليفزيوني، أثر في لي فو كثيرًا وجعل قلبه يئن من فرط الألم.
عادة ما تحدث أشياء وأمور عديدة، في هذه الدنيا الكبيرة المضطربة، تفرق بين الناس؛ بين الزوجة وزوجها، الأشقاء، الأب وابنه، وحتي بين الأصدقاء وبعضهم، فإنه حقًا شيء قاس وغير هين. فهل فرقت الدنيا أيضًا بينك يا "تشين" وبين شيه بوه ماو؟، وهل شيه بوه ماو يدري أنك تبذل جهودًا مضنية في البحث عنه والوصول إليه؟، فأنا حقًا أريد أن أُساعدكما من كل قلبي، حتي يعثر كل منكما علي الآخر.
ذات ليلة، رأي لي فو منامًا رائعًا، فحلم أن صوته يدوي عاليًا في الأفق، من خلال مكبر الصوت :"الإذاعة تبحث عن شخص، الإذاعة الآن تبحث عن شخص، من فضلك يا رفيق شيه بوه ماو، احضر بسرعة إلي مكتب البريد". وكان مكبر الصوت هذا يشبه تمامًا تلك المكبرات التي كانت موجودة قديمًا في المصانع، المناجم، المدارس، والمناطق الريفية. من فضلك يا رفيق شيه بوه ماو......". أَدرك لي فو مغزي ذلك الحلم، بعد أن استيقظ من نومه. قد يكون شيه بوه ماو دخيلًا علي المدينة، ولذلك بياناته غير مسجلة بالسجل المدني هنا. استعاد لي فو طاقته من جديد، فهو علي أمل أن ينجح في توصيل هذا الخطاب إلي صاحبه، قبل خروجه علي المعاش. عندما دقق لي فو البحث عن العناوين المرسل إليها الخطابات الموجهة إلي شيه بوه ماو، اكتشف أن معظمها عناوين قديمة بجنوب مدينة نان . تچينغ: (14) معبد فو زيه. (15) منطقة نان بو، والبوابتان الشرقية والغربية، وكأن شيه بوه ماو يظهر ويختفي في تلك الأماكن.
بالطبع إن فكرة مكبر الصوت، فكرة غير واقعية بالمرة. كان لي فو دائمًا ما يري شخصًا في المحطة يحمل لوحة مكتوبًا عليها أسماء الأشخاص الذين ينتظرهم، كما كان هناك أيضًا بائع، يقف في قارعة الطريق يرفع بيديه لوحة إعلانات إلكترونية ملونة للإعلان عن ثلاجات. فاستوحي لي فو منهما تلك الفكرة، والتي رأي أن ليس بها ما يجعله يخجل من تنفيذها. فسرعان ما أحضر فرخين من الورق الأبيض، يبلغ حجم كل منهما 30 أو 40 سنتيمترا مربعا، وكتب عليهما بخط أسود كبير "شيه بوه ماو"، ثم ثقب ثقبين، ومرر حبلاً من خلالهما، وعلقمها علي كتفيه، حتي باتت اللوحة ظاهرة علي صدره وظهره، وهكذا يستطيع الناس رؤية الرموز الثلاثة المكتوبة علي اللوحة التي يعلقها سواء من الخلف أو الأمام، حتي ولو كانوا بعيدين عنه بمسافة كبيرة. ومع ذلك، فهو لا يدري إذا كان المارة في الشارع المتفرقين سيرًا علي الأرصفة، منومين مغناطيسًا، أم أنهم غير مهتمين بالأمر، أم أصابتهم نوبة من الكسل فمنعتهم من السؤال عن شيء لا يعنيهم بالمرة. جذب لي فو الأنظار إليه، في الشوارع التي تجول فيها كلها مثل: شارع تشانغ له، شارع سان شان، جسر شوي جوان، طريق حديقة جان، ومع ذلك لم يسأله حتي ولو شخص واحد عن الأمر. ومع ذلك لم تَفتر عزيمة لي فو قَط؛ لأنه كان مقتنعًا أن شيه بوه ماو شخص يستحق البحث عنه، وإلا ما كان "تشين مرسل الخطاب"، بذل كل هذا المجهود الضخم في كتابة هذا الكم من الخطابات له؟. فكان يفكر وهو يسير في طريقه، في الأشياء التي يحتاج إليها أي إنسان يعيش في مكان ما، فمثلًا ما هي الأماكن التي يحتاج الذهاب إليها، الأشياء التي يحتاج إلي شرائها، المأكولات التي يحب أن يأكلها، الأشياء التي يحب أن يراها أو التي يحتاجها......... فربما يحتاج الذهاب إلي مثل هذه الأماكن: فندق جاردينو، أو متجر سو جووه، أو ربما مكاتب خدمة العملاء التي تعمل طوال 24 ساعة، أو حتي مطاعم خوي وي المشهورة بتقديم أطباق البط الشهية. أو حتي الذهاب إلي محطة المترو، المستشفي، مطاعم خاي لاو المشهورة، أو حتي إلي شركة الصين للاتصالات. أي مكان سيذهب إليه، من المؤكد أنه سيكون داخل نطاق المدينة. فربما أيضًا يذهب كل يوم بعد الانتهاء من عمله للتنزه، فالجو جميل وصاف.
قد تُحفر الصخور بفعل قطرات الماء الصغيرة المتساقطة عليها، فجأة خطر علي بال لي فو هذا المثل. ففي طفولته، كان دائماً ما يجلس القرفصاء تحت (16) إفريز البيوت العتيقة، ويسرح في ملكوت الكون، ويتأمل طويلًا في الصخور التي تآكلت بفعل سقوط قطرات الماء المتتالية عليها. وأحيانًا كانت تهب رياح عاتية، فتهز الأحبال، وتقلب اللوحات، فيظهر منها ظهرها الأبيض الخالي من الكتابة. فكان يجوب الشوارع ماشيًا علي قدميه، عندما يشعر بالرياح تضرب وجهه الصغير. ارتسمت علي وجه لي فو ابتسامة ساخرة، عندما لاحت له صورة زوجته وهي تسبه قائلة:" يالك من مريض نفسي"، ثم قال بصوت خافت: "ربما ما تقوله حقيقي". فهو يعرف جيدًا أن لب الموضوع ليس البحث عن شيه بوه ماو، أو إعادة تلك الخطابات الميتة إلي الحياة مرة أخري. ففي الحقيقة الأمر، أن الذي دفعه للمشي في الشوارع القديمة والأزقة الصغيرة، حاملًا حقيبته الخضراء الصغيرة، هو شعوره بحزن لا يستطيع تفسيره، أو الإعراب عنه بكلمات.
6
كان تشين إيي شين يجلس في إحدي المقاهي، ينتظر صديقًا له، يعيش في الخارج لم يره منذ خمسة عشر عامًا. ولكنه كان يشعر بالضجر، لأن صديقه لم يأت بعد، بسبب تأخُر طيارته قليلًا. فصديقه هذا كان الأقرب إليه، ولكنه لم يره منذ أن كانا يسكنان في مساكن الطلاب بالجامعة. سحب تشين إيي شين ورقة، من الورق الذي كان موجودًا علي الطاولة، وأخذ يشخبط عليها بشكل عشوائي، وكـأنه يتبع منهج "مونتسري التعليمي" الذي تُطبقه حضانة ابنته. فهو لم يحب اللعب في هاتفه الجوال، أو تصفح مجلات الإعلانات السميكة المملة أو حتي قراءة بعض الكتب، لقتل شعوره بالملل وطول الوقت، بل اعتاد منذ زمن، أينما كان: في اجتماع، في ندوة، منتظرًا دوره في البنك، أو حتي في المحطة، أن يحمل ورقة وقلمًا ويسرح في عالم من الخطوط الذي يرسمها. فإن التفكير في أشكال الانتظار، جعله يطلق تنهيدة تملؤها الحسرة. إن الانتظار في الواقع، يشبه قطع البازل التي نضعها جنبًا إلي جنب. انتظار الأشخاص، انتظار الأشياء، انتظار العلاقات، انتظار تفسير، انتظار البداية والنهاية. فقد يبدو لنا أننا بإمكاننا اختيار هذه الاشكال من الانتظار أو تقريرها، تمامًا مثل اختيارنا للديمقراطية، وتقريرنا لمصيرنا، ولكن في الحقيقة أنها تكون مقررة سلفًا. فلابد أن النتيجة التي ننتظرها ستظهر لنا في وقت معين، ولكن لا مفر من انتظارها.
أخيرًا ظهر صديق شيه إيي شين، بينما كان هو يرسم علي الورق. الترحيب، مشاركة الذكريات الجميلة وما مضي، طلب الطعام، التنهد بحسرة، الشكوي أو التباهي. فهذه المواضيع، يمكن التحدث فيها دون انتهاء، كما يمكن التوقف عن التحدث فيها فجأة. ولأنها ليست مهمة للدرجة، فلن يكون ثمة فرق بين التحدث فيها وعدمه. فكل منهما كان مشغولًا، لذلك كان من الأفضل أن يتقابلا مجددًا في المساء لتبادل الحديث كما يحلو لهما. كما أنهما قررا دعوة بعض الأصدقاء المقربين لتناول الطعام، واحتساء القليل من الخمر. بقي تشين إيي شين في المقهي، بعد أن غادر صديقه، وحينها شعر بفراغ غريب يملأ قلبه، فراغ أكبر من الذي شعر به قبل. لم تتغير حالة تشين إيي شين، بل ازدادت سوءًا، حتي بعد لقائه بصديقه الحميم. ولكنه علي الرغم من ذلك لم يُبالِ، ونادي علي النادل ليحضر له الحساب.
أتته نادلة ذات شعر قصير، ترتدي نظارة سوداء الإطار، وناولته ورقة الحساب قائلة:"الحساب كله 145 (17)ي وان، ويوجد 12 ٪ خصما. فهل ستدفع نقدًا أم بالكارت يا سيدي؟". اختلس تشين إيي شين نظرة إلي شعرها الأصفر، والمنديل الصغير المربوط علي رأسها والصديري الأزرق سماوي اللون الذي ترتديه، والببيونة الخضراء المربوطة علي عنقها. فكان تشين إيي شين مغرمًا بمشاهدة الملابس الرسمية المتنوعة والمختلفة للعاملين بمختلف الأماكن، بدءًا من ملابس الأمن الواقف أمام الباب، إلي مدير النُدُلٌ الذي يقف علي باب قاعة الكاروكي، ويرتدي ملابس علي الطراز الغربي.
نَظرت إليه النادلة بابتسامة خافتة، وقالت له مترددة وهي تشير إلي الورق المكدس علي زاوية الطاولة: "أمازلت تريد هذا الورق؟.... شيه بوه ماو...!!!!". فجاوبها تشين إيي شين : "لا... لا "، وهو يلملم الورق بسرعة، دون أن يدرك ما قام بكتابته منذ قليل. ثم أضاف هذه جملة موضحًا لها:" إن شيه بوه ماو .....صديقي". فقالت الفتاة وقد بدت تعابير وجهها غريبة بعض الشيء: "أليس قريبًا من هنا؟". سحب تشين إيي شين النقود من جيبه ليدفع الحساب، وكان يهز رأسه، وهو يفكر في محتوي الخطاب القادم الذي سيرسله لشيه بوه ماو، لاسيما أنه نوي أن يكتب له عن الانتظار أو شيء من هذا القبيل. ولت الفتاة وجهها تجاه النافذة قائلة:"من المؤكد أنه هو. فالجميع هنا يعرفون شيه بوه ماو، فهو يمر من هذا الشارع نهاية نهار كل يوم". نظر تشين إيي شين ببطء في نفس الاتجاه الذي نظرت إليه الفتاة، وحينها أوشك قلبه علي التوقف، من تسارع دقاته المفاجيء.
كانت أوراق (18) شجر البارسول الصيني تتساقط مبعثرة علي كشك الجرائد والعجل القديم، الموجودين في الشارع المقابل للمقهي، ومع ذلك لم ينتبه تشين إيي شين إلي أن خريف هذا العام قد يكون قاسيًا. بدأ تشين إيي شين في كتابة تلك الخطابات إلي لشيه بوه ماو منذ عام تقريبًا، ومع مرور وقت من كتابة الرسائل هذه، خُلق لديه شعور قوي بالحماسة. فكتب له أنه علي وشك أن ينسي حبيبته التي رحلت عن الدنيا منذ زمن، وكتب وكأنه يطلق صرخات صامتة. وكتب أيضًا عن الناس من حوله، وكم هم يشبهون النمل، يعملون بشقاء طوال الوقت، في مقابل الحصول علي نقطة صغيرة من العسل. حتي إنه ذات ليلة، خفض فيها صوت التلفاز، وسلي نفسه بكتابة خطاب عن تناسل الحيوانات المفترسة في أفريقيا. فلا يعقل أن شيه بوه ماو قد تحول إلي شخصية حقيقية موجودة علي أرض الواقع، من فرط كتابة خطابات له.
سأل تشين إيي شين الفتاة قائلًا :"كيف عرفت أنه شيه بوه ماو؟ "، فأجابته:" منذ بضعة أشهر وهو يمر يوميًا من هنا، في الساعة السادسة تقريبًا، معلقًا لوحة كبيرة، مكتوبًا عليها شيه بوه ماو". كانت أصابع النادلة رقيقة، طويلة وجميلة الشكل وهي تلملم أطباق الطعام. أُصيب تشين إيي شين بحالة من الدهشة طوال اليوم، جعلته يفقد شعوره بجسده، وأصبحت عيناه تري كل شيء مزدوجًا وغير واضح، حتي لاحظت إحدي زميلاته ما ألم به، وقالت له بانزعاج ، إن وجهه شاحب جدًا ويبدو عليه الإعياء. فقد عاني بشدة طوال اليوم حتي انتهي من عمله، تمامًا كما كان يعاني عندما أخبرته الفتاة بموضوع شيه بوه ماو.
عاود تشين إيي شين الذهاب إلي نفس المقهي مرة أخري، ووقف منتصبًا كالجندي في الشارع المقابل له ، فجأة تذكر أنه علي موعد في المساء، مع أصدقائه لاحتساء الخمر وتناول الطعام، ولذلك فلن يستطيع قيادة سيارته. وقف تشين إيي شين لشراء الجرائد من الكشك الموجود في الشارع. وفجأة لمح رجلًا يمشي بين أمواج البشر في الشارع المقابل، ويعلق لافتة مكتوبًا عليها "شيه بوه ماو".
كان ذلك الرجل يبدو عليه أنه قد اجتاز منتصف العمر، كما أن اللافتة التي يحملها، كانت بيضاء ولكنها متسخة بعض الشيء، ومكتوب عليها ثلاثة رموز متناثرة غير منظمة. أخذ تشين إيي شين يحملق بعينيه حتي كادتا تخرجان من محجريهما. ولكنه تسمر في مكانه، ولم يناد هذا الرجل أو يذهب للبحث عنه، وكأن ساقيه قد تجمدتا أو كبلتا بحديد ثقيل. وأخذ يتتبع "شيه بوه ماو" وهو ينعطف إلي شارع آخر، بنظرات تملؤها الدهشة والخجل. فور ذلك، اتجه تشين إيي شين إلي فندق كبير شرق المدينة. وعندما وصل، كان صديقه الذي يعيش خارج البلاد، وصديقة أخري وزوجها، يجلسون علي المائدة متحمسين. اندمج شين إيي شين مع الجميع في احتساء الخمر، وكأنه استرد حيويته مرة أخري. وبعد تناول العشاء ذهب الجميع إلي صالة الكريوكي، فغنوا ورقصوا، وشربوا المزيد من الخمر. وغادروا المكان قرب بُزوغ الفجر.
كان علي مدخل الباب مجموعة من الأشخاص يترنحون من فرط ثملهم، فنظر إليهم تشين إيي شين، ثم نظر إلي صورته المعكوسة علي الحائط الزجاجي، فوجد أن ملامح وجهه شاردة وحائرة، وكأنه مُشرد هائم علي وجهه في الأرض، ليس لديه بيت أو مأوي يلجأ إليه. وفي طريق عودته إلي المنزل، قال تشين إيي شين لسائق التاكسي الذي كان يركب معه، بنفس مفعم برائحة الخمر، وبنغمة توحي بأنه ثمل:" هاها، اليوم قابلت صديقي القديم". قال له السائق بلا مبالاة:" حقًا، آلتقيت بصديقك القديم.....فهذا أمر غير سهل". ثم فتح زجاج نافذة السيارة قليلًا، وعلّي صوت المذياع.
كان تشين إيي شين ينظر من نافذة السيارة، فاغر الفم، وكأن الرياح تصفع وجوه المارة، فيكاد يري ملامحهم. كان يسند يده باِسْتِرْخاء علي فتحة النافذة، ثم فجأة داهمه الإحباط، وشعر ببعض الحزن، عندما استرجع مشهد الشخص الذي كان يحمل اللافتة البيضاء المكتوب عليها "شيه بوه ماو". فبغض النظر عن كونه رجلًا أم امرأة، عاقلًا أم مجنونًا، أو حتي إنسانًا أم عفريتاً، فيجب عليه أن يذهب للبحث عنه مرة أخري. تذكر تشين إيي شين الحكايات التي كان يقصها علي ابنته كل ليلة قبل أن تنام، فكان يحكي لها قصص أطفال وأساطير، كلها قصص خيالية، ولكنها غاية في الروعة. ولكنه يعرف جيدًا أن ليس هناك مثل هذه القصص في واقع الكبار.
لم يستطع تشين إيي شين النوم طوال الليل، لأنه كان يفكر في مصير كل من قلمه المتآكل، الخطاب الذي لم ينته من كتابته بعد، وزجاجة حبر(19)"يه دا چيه" نصف الممتلئة. فكل هذه الأدوات وسط ظلام دامس بمكتبه الآن، فكلما تذكر أنه لن يستخدمها مرة أخري، اغرورقت عيناه بالدموع، وازداد حزنًا؛ لأن ذلك يعني أن أمر شيه بوه ماو قد انتهي، ولن يعود له وجود، بل إنه سيتوقف عن كتابة تلك الخطابات له، فلم يكن الأمر سهلا، لكي يعثر علي صديق مثله.
7
أسدل الليل ستاره، بينما كان لي فو مارًا بنفس الشارع الموجود به ذلك المقهي، ويحمل اللافتة المكتوب عليها "شيه بوه ماو". وكان يفكر متعبًا في أن يومًا جديدًا قد أوشك علي الانتهاء، ولكن دون أي نتائج مثمرة. أرسل مدير لي فو إخطاراً للنقابة في صباح اليوم، يطلب منهم إرسال درع الموظف المثالي. وربت علي كتفه قائلاً له:" بعد أن تتقاعد، سنتخلص من كل هذه الخطابات التي تود أن تعيدها مرة أخري للحياة وتوصلها لأصحابها". فرد عليه لي فو مؤيدًا لما قاله: "بالطبع، يجب التخلص منها، فلا فائدة لها".
في الأيام التي كان يسير لي فو فيها في الشوارع، كان عادة ما يشاهد خطوات الناس العجلة، أو يشاهدهم وهم ينظرون إلي هواتفهم المحمولة بشغف، أو حتي يشاهدهم وهم يجلسون القرفصاء علي قارعة الطريق مقطبي الجباه. ولكن تعابير وجوههم وحركاتهم أزعجته كثيرًا، وجعلته يتذكر جريدة قرأها ذات مساء، ويتذكر تنهد الناس عندما يرتكبون أخطاء غير مقصودة بعضهم في حق بعض. تملكه شعور مسبق بالحزن الممزوج بشيء من الندم. فإذا باتت تلك الخطابات ميتة فعلًا، أو تم التخلص منها، فسيفني معها كل الكلام الذي يود أن يقوله مُرسل الخطاب تشين إلي شيه بوه ماو. فهو يريد أن يساعدهما حقًا!.
توقف لي فو برهة عند تقاطع الشارع الموجود به المقهي، عندما شعر بالعطش، وفكر في أن يعبر الشارع لشراء زجاجة ماء من كشك الجرائد المقابل، ولكنه سرعان ما تناسي الأمر، فمن الأفضل أن تظل شفتاه جافتين. حينئذ نَبت بقلبه شعور غريب، وكأنما كلما ازداد شقاؤه، أصبحت هناك نتيجة لما يفعل. قد عاني كثيرًا من أجل إيصال الجوابات الميتة التي كانت موجودة من قبل إلي أصحابها، فآلمته قدماه، وقطع بنطاله، وذهب إلي أماكن نائية، راكبًا دراجته دون أن تكون منتفخة العجل، ولكن في النهاية استطاع إعادة تلك الخطابات إلي الحياة.
كانت رياح الخريف تلطم وجه لي فو فتؤلمه، فقد بات الشتاء علي الأبواب. ولكن ذلك لم يوقفه عن جوب الشوارع طولًا وعرضًا. خاف لي فو ألا يري الناس اللافتة التي يعلقها، لأن الشمس أصبحت تغوص في باطن السماء، في وقت مبكرعن ذي قبل. وفجأة سمع لي فو شخصاً بجانبه، يقول بصوت يكاد أن يكون مسموعًا، وبنبرة يشوبها الشك:" آه، شيه بوه ماو؟". وعندما أدار وجهه، رأي رجلاً عاديًا يرتدي نظارة، يبدو عليه أنه في منتصف عمره. هذا هو الخامس. أي أنه خامس شخص يسأله عن "شيه بوه ماو"، بعد أيام عديدة من سيره في هذا الشارع. فهو لا ينوي أن يحكي له حكاية ذلك الخطاب من أولها، مثلما فعل مع الأربعة السابقين؛ لأنه خشي أن ينفد صبرهم، فيتركوه ويغادروا.
انشرح قلب لي فو، وسند اللافتة بيديه وهو يبتسم، فمن حسن حظه أنه لم يذهب لشراء زجاجة ماء ليروي بها ظمأه، ثم قال:" أنا لست شيه بوه ماو، ولكنني أبحث عنه. هل أنت شيه بوه ماو؟". كان وجه الرجل هذا غير واضح، بسبب الظلام وظلال الأشجار حينما سأله الرجل مرة أخري: "منذ متي وأنت تبحث عنه؟. "فكر لي فو برهة، قبل أن يجيبه مباشرة، ثم قرر أن يقول له إنه يبحث عنه منذ المرة الأولي التي تسلم فيها هذا الخطاب، فقال له:"منذ سنة وشهرين تقريبًا وأنا أبحث عنه". خرج الرجل من بين أفرع الأشجار التي كان يتواري خلفها، فباتت ملامحه أوضح، وقال:"هذا يعني أنك قد بدأت البحث عنه منذ خريف العام الماضي". رمقه الرجل بنظرة يملؤها التساؤل، ثم قال له وهو يعقب علي ما قاله بحركة فمه المفتوح:" هل شيه بوه ماو يعرف أنك تبحث عنه؟". ثم اختلس نظرة إلي اللافتة، ونظر إلي لي فو مرة أخري بوجه فاتر الملامح. فرد لي فو" لا، هو لا يعرف، في الحقيقة إنه لا يعرفني من الأساس". ثم قال مختصرًا لكلامه :"من فضلك، هل تعرفه أنت؟". فلي فو يعرف جيدًا أن هذا الكلام قد يثير ضحك الناس حينما يسمعونه. "لا فأنا لا أعرفه أيضًا، أنا أستفسر عن الأمر فحسب"، قال الرجل وهو يهز رأسه، ثم تنهد بلطف.
تغيرت ملامح لي فو فجأة، وبدا عليه شيء من الحزن. فهو حتمًا ليس مريضاً نفسياً، كما تتدعي زوجته. عندما رأي الرجل علي وشك المغادرة، تضاربت مشاعره واضطرب، فهو لا يعرف إذا كان الأمر يستدعي منه أن يقص عليه الحكاية من بدايتها أم لا، لذلك فسرعان ما قال لي فو:" في الحقيقة أنني أحاول مساعدة شخص في العثور عليه ......". من يكون الشخص الذي تساعده إذًا"، قال الرجل عائدًا خطوة إلي الوراء، وبدت نظراته بها شيء من الذهول الممزوج بالرعب. فقال لي فو: " أنا أساعد شخصاً لا أعرفه أيضًا، ولكنني أعرف الرجل الذي يبحث عن شيه بوه ماو؛ فهو يبحث عنه منذ فترة أطول من التي بدأت البحث عنه فيها". ومن أجل أن يوضح لي فو كلامه، بسط يديه الاثنتين، ونظر إلي كل منهما. بمجرد أن أُضيئت فوانيس الإنارة في الشوارع، أغلق ذلك الرجل عينيه تلقائيًا، وكأنه ابتلع كل مشاعره بداخله، ثم ولي وجههه نحو الشارع، وهو يقول بصوت خافت:"لا تتعب نفسك، فلن تجده." ربما يعرف هذا الرجل شيه بوه ماو، لكن لا يعلم الحقيقة سوي الله.
أزاح لي فو اللافتة بيده، لاخراج دفتره الصغير من حقيبته، ولكن كانت هناك نقود محشورة بين أوراقه، فأدخلها إلي الحقيبة. كان الرجل قد مضي وترك لي فو، دون أن ينبس بكلمة واحدة، أو حتي إنه لم يلق السلام عليه، بل التفت وراءه، ونظر إليه بسخرية. كان لي فو ممسكًا بحقيبته، يقلب فيها بيده، وكان مشغول البال يفكر، في الخطأ الذي وقع.
كان الليل قد أسدل ستاره، عندما رفع لي فو رأسه ونظر حوله، فلم يجد أحدًا. أنزل بحرص اللافتة التي يعلقها، وحدق فيها لوهلة، ثم مزقها حتي باتت قصاصات بيضاء صغيرة، وألقاها علي مضض في صندوق القمامة الموجود بجانب الطريق، وكأنه يودع شخصاً عزيزًا علي قلبه. ثم قال:" عذرًا شيه بوه ماو، قد فشلت في إنقاذ حياتك هذه المرة". وفي اللحظة التي سلك فيها لي فو طريق العودة إلي منزله، بخطوات واهنة بطيئة. فجأة هبت ريح باردة، حملت تلك القصاصات الصغيرة، ونثرتها في الأفق. ولكن لي فو لم يبال؛ لأن هذا آخر شتاء سيحاول فيه إنقاذ خطاب فيه أو توصيله إلي صاحبه. فيكفيه أنه شَعر بقدر من السعادة والامتنان، عندما لامست يده النقود الموجودة في حقيبته.
الهوامش
(١) مدينة نان تچينغ هي عاصمة مقاطعة تچانغ سو، وتعد مركزا تجاريا، سياسيا، وثقافيا. كما أنها واحدة من أقدم المدن في الصين حيث يرجع تاريخها إلي 6 آلاف سنة، وتقع شرقي الصين.(المترجمة)
(2) چيانغ تچيه شي: هو قائد سياسي وعسكري صيني، والمعروف بشيانغ كاي شيك، رأس الجوه مينغ دانغ أي الحزب الوطني الشعبي الصيني، إثر رحيل القائد سوين چونغ شان. (المترجمة)
(3) هو برنامج صيني للدردشة يوازي الياهو والهوت ميل. (المترجمة)QQ (2)
(4) مدونة وي: من أشهر المدونات الموجودة في الصين. (المترجمة)
(5) شيه آن: هو رجل دولة؛ قائد سياسي وعسكري، عاش في عصر أسرة تچين، في الفترة ما بين (320 - 385). (المترجمة).
(6) شيه لينغ يوين: هو شاعر صيني كبير عاش في عصر الأسرة الشمالية والجنوبية في الفترة ما بين (385-433). (المترجمة).
(7) زي التانغ : يعرف بالصينية باسم التانغ جوانغ (TANG ZHUANG )هو زي صيني تقليدي، ظهر في نهاية عصر أسرة تشينغ. (المترجمة).
(8) شوكلاتة فيريرو روشيه: نوع فاخر من الشوكلاتة الإيطالية. (المترجمة).
(9) كارفور:هي سلسلة مراكز تجارية عالمية، فرنسية الأصل. ( المترجمة).
(10) ور وانغ: هو محرك بحث كجوجل، ولكنه مصمم من أجل بحث الأشخاص بعضهم البعض. (المترجمة).
(11) مقاطعة تيچيانغ سو: تقع علي الساحل الشرقي لبحر الصين، ومن أشهر المدن فيها مدينة نان تچينغ .
فعل لي فو كل ما في وسعه، وسيكون أمرًا محزنًا للغاية، إذا فشل في العثور علي مرسل الخطابات، وإعادة هذه الخطابات مرة أخري إليه، هكذا كان يفكر.
(12) طائر الكراكي: هو طائر مائي طويل القدمين، يمكنه أن يعيش بالأماكن الباردة. (المترجمة)
(13) الرموز المعقدة: هي رموز أكثر تعقيدًا من حيث الشكل، والخطوط المكونة للرمز، ومازالت تستخدمها تايوان حتي الآن. (المترجمة)
(14) معبد فو زيه: يقع في مدينة نان تچينغ، وتم إنشاؤه في عصر أسرة سونغ عام 1034 ويعرف هذا المعبد أيضًا باسم معبد كونفشيوس، ويعد من أكبر أربعة معابد في الصين، وترجع أهميته إلي أنه كان المكان الذي يتعبد فيه الفيلسوف والمعلم الصيني الكبير كونفشيوس. (المترجمة)
(15) منطقة نان بو: هي منطقة أثرية وتاريخية، مبنية علي الطراز المعماري، لعصر أسرتي مينغ وتشينغ، وتقع في مدينة نان تچينغ. (المترجمة)
(16)الافريز: هو سقف يبرز خارج البناء، وهو عبارة عن جزءٍ بسيط مزخرف بيِّن الحِلْية المعماريَّة، ومعظم البيوت الصينية القديمة كان بها أفاريز.
(17) اليوان: عملة الصين الرسمية.
(18) البارسول الصيني: نوع من الشجر الصيني، أوراقه تشبه أوراق شجرة القبقب.
(19) يه دا چيه: ماركة مشهورة من الحبر الصيني.
موت شيه بوه ماو
1
جاء مرة أخري ذلك الخطاب إلي شيه بوه ماو؛ أرسله الشخص نفسه الذي اعتاد أن يرسل أمثاله من قبل، يمكننا أن نعرف ذلك، من تلك الكلمات المكتوبة دائمًا بخط منمنم أسفل الظرف:"من تشين/نفس المدينة".
وضع لي فو هذا الخطاب في علبة الخطابات الموجودة بجانب يده اليسري، بعد أن أمسكه للحيظات، وتأمله بنظرات يشوبها القلق. عندما حسب لي فو بالتقريب عدد الخطابات "الميتة" التي أرسلها ذلك الشخص إلي شيه بوه ماو، اعتراه شعور بالذهول، جعله يتسمر مكانه. فقد وصل عددها إلي أكثر من ثلاثين جواباً، وقد تم إعدام بعض منها. وما يسمي بالخطاب "الميت"؛ هو الخطاب الذي لا يُسلم لأحد، أو يرد مرة أخري إلي من أرسله، نظرًا لعدم دقة الاسم والعنوان، أو جود أي أخطاء بهما، أو ما شابه ذلك من أسباب أخري كثيرة، ويطلق عليه بالتعبير المهني"خطاب غير قابل للتسليم". ألا يكون بذلك ميتا حقًا!
كانت مهمة لي فو هي إنقاذ تلك الخطابات، وبذل كل ما في وسعه لتسليمها إلي أصحابها؛ ولذلك فكانت خطابات المدينة كلها تتكدس عنده. لُقب لي فو بالموظف المثالي علي مستوي المقاطعة، فهو يعمل كساعي بريد منذ ثلاثين عامًا تقريبًا. ففي الثمانينيات، استطاع تسليم العديد من الخطابات التي لم يُستدل علي أصحابها، والتي كانت تُرسل من تايوان أو خارج الصين؛ لذلك كان كبار السن يرسلون له أوشحة حريرية تعبيرًا عن شكرهم له، حتي امتلأت جدران مكتبه بالأوشحة ولم يتبق مكان فارغ علي الحائط لتعليق المزيد منها، فحتي الممر المؤدي إلي الحمام لم يخل منها. ومن باب إطلاق العنان لموهبته هذه، ولمباشرة عمله بشكل أفضل، وأيضًا مراعاة لسنه، تم تخصيص منصب"إنقاذ الخطابات" من أجله.
اعتاد لي فو علي حمل دفتر صغير معه؛ ليدون فيه بدقة مراحل البحث عن كل خطاب، علي سبيل المثال: مفاتيح البحث عنه من البداية إلي النهاية، والأخطاء التي حالت بينه وبين وصوله إلي صاحبه. فكان يسأل موظفي الأحوال المدنية، ويجوب شوارع شتي. بل وحتي يستشير الناس الذين يمكنهم أن يفيدوه بمعرفتهم الواسعة ...الخ الخ. فقد ملأ عشرات الدفاتر الصغيرة علي مر سنوات عمله. وحتي الآن، إذا صادف شخصًا ما ذا معرفة واسعة، يخرج دفتره من حقيبته الخضراء الصغيرة، ويسأله عن بعض العناوين التي لا يعرفها، بل ويصغي إليه محدقًا فيه بتركيز شديد. لم يجد لي فو تفسيرًا واضحًا، لسر اهتمامه بهذا النوع من الخطابات؛ فربما لأنه يوصلها إلي أصحابها!.
ففي الثمانينيات كانت تتأثر مشاعره بها، وفي التسعينيات كان يبذل مجهودًا كبيرًا، أما الآن فيغمره شعور بالتعاطف معها. ويحاول بذل قصاري جهده لايصال هذا النوع من الخطابات إذا كانت مُرسلة من قبل أشخاص بسطاء، كبائع ورق يانصيب، عجلاتي أو طباخ. ولكن من المؤسف أن الأمر اختلف كثيرًا في السنوات الأخيرة عما كان عليه من قبل، فأضحي توصيل الخطابات بالنسبة له أشبه بجراح يداوي مريضًا مُصابًا بمرض عضال. فدائمًا ما يكون الكلام المطبوع علي الأظرف من الخارج أو الظاهر من خلال شبابيكها الشفافة، مطموس الملامح؛ لأنه يكون مغطي بختم "مدفوع الرسوم" الضخم. كما أن معظم الخطابات، تكون مجرد خطابات إخطار من إدارة الكلية لدفع رسوم الالتحاق بها، أو بطاقة لعميل مهم مُرسلة من قبل مركز تجميل، أو حتي استطلاع رآي لموقع سياحي ما علي شبكة الإنترنت؛ فثمانون أو تسعون بالمئة من الخطابات تكون مُرسلة إلي أشخاص مزيفين أو عناوين خاطئة. ويدرك لي فو جيدًا مصير مثل هذه الخطابات، في حالة استدلاله علي عناوينها الصحيحة، فلن تُرسل إليه وشاحات تقدير، أو توجه له كلمات شكر وعرفان، فبمجرد أن يسلمها لأصحابها ويلتفت، ستقطع وتلقي في صناديق القمامة؛ ولذلك فإن عدم إزعاج الناس يُعَد أمرًا كافيًا بالنسبة له. ما الذي يضمن للطبيب عدم انتحار المريض بعد مداواته؟؛ فهكذا كان يحاول لي فو إقناع نفسه بتجاهل الأمر. ففي المرة الأولي التي رأي فيها لي فو هذا العنوان:" 210006، (١) مدينة نان تچينغ، منطقة تشين خواي، رقم 21. يُسلم إلي: السيد شيه بوه ماو. الراسل: تشين/نفس المدينة". مكتوب بذلك الخط المنمنم، بُعث في صدره قدر من هيبة والإحترام، واستشف أنه خطاب شخصي، بل وشعر أنه مسئول عن تسليمه إلي صاحبه.
قضي لي فو عمره في التعامل مع الخطابات، حتي بلغ من العمر أرذله، وسيكون مسرورًا إذا حصل علي وسام رمزي، في نهاية حياته المهنية. حاول لي فو أن يقارن العناوين المكتوبة علي الظرف، بالمعلومات التي جمعها خلال سنوات عمله، من مصادر مختلفة. وأخَذ يبحث بالترتيب وبشكل مفصل عن أسماء الأماكن، المطابقة ومتجانسة النطق. وفي أثناء بحثه قابلته عناوين شتي؛ منها ما أثارت فضوله، ومنها عناوين تافهة لا قيمة لها، وأخري جعلته يشعر بالملل والضجر، وغيرها جعلته يهز رأسه ضاحكًا. ولكن بعد وقت طويل من البحث، اكتشف لي فو أن جميع الدلائل تشير إلي أنه أمام حالة مستعصية؛ لأنه لم يجد أي شيء يُدله علي عناوين الخطابات التي تُرسل إلي شيه بوه ماو، علي الرغم من كل ما دونه في دفاتره الصغيرة علي مدي ثلاثين عامًا، من أسماء أماكن ذهب إليها. لم تُحل مشكلة هذا الخطاب، فبعد أسبوعين رُد إليه خطاب مرسل إلي شيه بوه ماو، مما شغل باله، وزاد من دهشته. ومن ثم، فكل أسبوعين أو ثلاثه تقريبًا، تُرسل خطابات لشيه بوه ماو، بعناوين مختلفة لا يستدل عليها، وتكون كلها مكتوبة بنفس ذلك الخط المنمق الصغير، ومن أمثلة تلك العناوين:زقاق المئة قطة، شارع تشينع جوانغ يوان، شارع دي بو، شارع دجو باو، معبد آن له، شارع مدينة الزيت الكبير، متجر ساو خوا...... فهل إرسال تشين، لتلك الخطابات هو مجرد مكيدة؟
2
شيه بوه ماو هو صديق تشين إيي شين الجديد. تبدو كلمة"صديق"، كلمة غريبة بعض الشيء ؛ولكن إذا دققت النظر ستجد أن لها استخدامات عديدة ومتنوعة. كان الجميع في طفولتهم يلقبون "الصديق الصغير"، وحين يخاطب المذيع المشاهدين في التلفاز يقول لهم "أصدقائي المشاهدين"، ويُنادي البائع الزبائن في مراكز التسوق قائلاً :"صديقي المشتري"، وإذا كان الشخص غريبًا جديدًا في مكان ما يلقبونه "الصديق الجديد"، فإن كلمة صديق كلمة شائعة الاستخدام. فدائمًا ما نذهب مع "بعض الأصدقاء" لمشاهدة المباراة، أو لاحتساء الشاي، أما في ساحة العمل وماتحتويه من تبادل منافع أو خصومة، فنجد أن "كلمة صديق" مستخدمة أيضًا، وحتي قبل تشاجر الأطفال في الشارع، يمكنهم أن يتبادلوا اللوم قائلين هذا الصديق فعل كذا وكذا.. وطبعًا، هي كلمة تطلق أيضًا علي العلاقة التي تَجمع بين الرجل والمرأة، فيقال صديق أو صديقة. كما يوجد أيضا كلمة رفيق الكفاح؛ علي سبيل المثال الزعيم ماو زي دونغ وصديقه (2) تچيانغ تچيه شي... الخ الخ. خلاصة القول، فإن أصدقاء تشين إيي شين كثيرون جدًا، ويُعَد شيه بوه ماو واحدًا من أبرزهم. وقد تعرف عليه بفضل ابنته الصغيرة. إن ابنة تشين إيي شين والتي لم تتجاوز خمس سنوات بعد، لها صديق وهمي اسمه في يوه؛لا أحد يعرف إذا كان إنسانًا أم كائنا آخر، فحتي نوعه أو عمره غير معروفين. وكان تشين إيي شين يحسد ابنته علي هذا الصديق الحميم؛ لأنها كانت دائمًا ما تلقي عليه التحية أو تهمس متحدثة إليه، بل وتشاركه مشاعرها كلها؛ حتي وهي تشرب اللبن، تستيقظ من نومها، تلعب، أو وهي ذاهبة في طريقها إلي الحضانة، وحتي وهي تتناول طعامها أو تتنزه في حديقة الحيوان فهي تتحدث إليه.
لاحت فجأة إلي تشين إيي شين بعض الأفكار الجهنمية، والتي أستوحاها من ابنته. فعندما كان مستلقيًا علي الكنبة ذات يوم، وفتح عينيه فجأة، رأي الستائر تتطاير في الأُفق، وكأنه الموت يعكس ظلاله عليه. كما أن زميليه في العمل يجلسان وجها لوجه يضحكان علي شيء ما رآه علي الإنترنت. وصوت أوراق الكوتشينة المنبعث من الحجرة المجاورة، خافت ولكنه مؤثر. كان بهاتفه الجوال بضع رسائل لم تُقرأ بعد، ومن المحتمل أن يكون ضمنها رسائل من زوجته تسأله فيها، عمن منهما سيذهب لأخذ ابنته من الحضانة، أو رسائل إعلانات عن منتجات جديدة. وكانت شبابيك دردشة (3)ا QQ الخاصة بزملائه في المدرسة، وزملائه في الشركة وأصدقائه من بلدته، لا تتوقف عن اعطاء إشارات. وكانت صفحات كثيرة من (4)مدونة وي الخاصة به كانت مفتوحة.
فجأة اعتملت بداخل تشين إيي شين مشاعر طفولية جياشة، فهو أيضًا يريد أن يصبح له صديق خيالي مثل صديق ابنته الوهمي في يوه. كل شيء كان يسير كالمعتاد، تمامًا كمياه نهر متدفقة.
فتشين إيي شين يرغب بصديق يكون بصحبته دائمًا، يجعله صافي النفس والوجدان، ولا يراه أحد سواه. فعندما كان ينهض تشين إيي شين من علي الأريكة، خطر بباله اسم شيه بوه ماو، وبدون مقدمات وبشكل مفاجيء، انبثقت في مخيلته صورة لهذا الصديق؛ فهو آت من عصر قديم، من العصر الذي كان يعيش فيه (5) شيه آن أو عصر الشاعر (6) شيه لينغ يوين، بل وأنه يسكن في مكان ما في مدينة نان تچينغ، ومن حسن الحظ أنه بات صديقه. بعد ذلك شعر تشين إيي شين بتحسن شديد طوال اليوم. وكأن نكهة مختلفة قد أُضيفت لحياته، لم يتغير شيء مما كان يفعله أو يقوله، سوي أنه أصبح يتبادل آراءه ووجهات نظره مع صديقه الجديد شيه بوه ماو. فكلما تَذكر ابنته، ارتسمت علي شفتيه ابتسامة؛ لأنه يشعر بسعادة طفولية مثلها تمامًا. ففي اجتماعات العمل في الصباح، أو احتساء الخمر ليلاً، أو حتي عند إصابته بالأرق، جعلته يَتعرف أكثر علي شيه بوه ماو ويفهمه؛ فهو يَبلغ نفس عمره تقريبًا. ويعاني من التهاب في مفاصل الأكتاف. كما أنه يُحب قراءة الروايات التاريخية، ومشاهدة الأفلام الأجنبية وخاصة الرومانسية منها؛ لأن كليهما يؤثران فيه للغاية. ولكنه يسأم كثيرًا من بعض المواضيع التي تظهر له وهو يتصفح الإنترنت؛ كمؤشر الأسعار للمستهلكين، والأبراج، وغيرها من مواضيع مشابهة. كما أنه يحب التدخين ويشرب القليل من الخمر. لا يحب رؤية الناس الذين يرتدون (7)زي التانغ في المناسابات الرسمية، وأيضًا يستاء كثيرًا من أولئك الناس الذين يبدأون الحديث في الندوات، لإبداء تعليقاتهم وآرائهم.
لم يستطع تشن إيي شين تَجنب التفكير في ابنته، فكل مرة ترغب فيها اللعب لوقت أطول بالألعاب الموجودة علي جهاز الكومبيوتر، أو تأكل المزيد من (8)شوكلاتة فيريرو روشيه، أو تلبس فستانها الصيفي الجميل، تتناقش بصوت ناعم منخفض مع صديقها الوهمي في يوه، ثم تعلن عما سوف تفعله باسميهما. ليس من الغريب أن تكون طباع شيه بوه ماو قريبة جدًا من طباعه، وكأنهما فولة وانقسمت إلي نصفين. هز تشين إيي شين رأسه مبتسمًا، عندما استشف هذا من حال ابنته مع صديقها الوهمي.
3
انزعج موظفو مصلحة السجل المدني، من فرط ذهاب لي فو إلي هناك. إن العناوين التي يُرسل عليها الخطابات الموجهة إلي شيه بوه ماو، لا يُستدل عليها؛ لأن منها عناوين لأماكن أصبحت مزارات تاريخية، وبعضها قديم جدًا ولم يكن له أثر، حتي قبل إعلان جمهورية الصين الشعبية، وأخري قد تغيرت بسبب توسيع الشوارع، أو بسبب إنشاء شوارع أخري جديدة في السنوات العشر الأخيرة، وبعضها قد تحول إلي مدارس مهنية، وغيرها إلي مراكز إدارية، ومنها ما بُني مكانها مراكز تجارية مشهورة مثل (9) كارفور. تَبدلت ملامح الأماكن القديمة كلها، وحلت محلها أخري جديدة مختلفة. المعلومة الوحيدة التي استطاع أن يتوصل إليها لي فو بالنسبة للمرسل إليه:"شيه بوه ماو"؛ فقط هي أن بمدينة نان تچينغ أشخاصا، يحملون نفس الاسم، وعرف لي فو ذلك عندما ذَهب إلي السجل المدني ليسأل عن أي خيط يدله علي عنوان شيه بوه ماو، فحينها أخبرته بذلك موظفة عابسة الوجه تجلس أمام الحاسوب. فعندما رأت الفتاة، وجه لي فو قد انطفأ وبدا عليه الإحباط. هزت رأسها وسألته:"هل لشيه بوه ماو حساب علي الإنترنت؟، مدونة خاصة به؟، أو صورة تذكارية جماعية لتخرجه؟. يمكنك أن تستعين بمحرك بحث (10) "رو وانغ" في البحث عنه. فبغض النظر عن مكانه، فحتمًا سوف تجده، إذا كان لديه مثل هذه الأشياء علي شبكة الإنترنت". لم يستوعب لي فو تمامًا ما قالته الموظفة، ولكنه شكرها، ثم دَون العناوين الأربعة التي أعطتها إياه، وقرر أن يذهب للبحث عن شيه بوه ماو.
في أولي محطات بحثه عن شيه بوه ماو، دعونا نقول شيه بوه ماو الأول، قالت زوجته للي فو، بلهجة عدائية حادة، وهي تلوح في وجهه بمغرفة قَلي الطعام، أن شيه بوه ماو ليس لديه أصدقاء من الأصل، وهو الآن خارج البلاد في مهمة عمل، ثم أغلقت الباب بعنف في وجهه. أما شيه بوه ماو الثاني فهو مساعد مُدير محل متخصص في بيع الماركات المشهورة للمستلزمات الرياضية، يَضع في أُذنيه سماعات، ويبدو أنه يتواصل مع شخص ما سرًا من خلالها في أغلب وقته. فأخذ الرجل الخطاب بخفة بأصابعه، ثم غمز إلي بائعة جميلة بالمحل، قائلا:"يالها من مزحة سخيفة!". وعندما علم أن للي فو ابنا حديث العمل، تقمص في الحال دور البائع المحترف، وحاول إقناع لي فو بشراء حذاء كرة سلة جديد لابنه، وقال له أن هذا الحذاء يُباع في الصين وفي الأسواق الأمريكية في نفس الوقت، وأن يوجد منه عدد محدود جدًا، ومدبج بداخله بلوتوث لقياس السعرات الحرارية في الجسم، كما أن نعله مزود بوسادة هوائية، لتريح القدمين، ثم أضاف قائلا أن بوسعه منحه تخفيض 12٪.
أما شيه بوه ماو الثالث، فكان يعبر ملعبًا ضخمًا، حاملًا تلميذًا صغيرًا، ويجر حقيبة مدرسية ثقيلة. وعندما سمع أن هناك خطابًا له، أبطأت خطاه، وأحمرت وجنتاه، بل وأيضًا بدا عليه الوقار، ثم نظر إلي بعض زملائه الذين كانوا يقفون علي بعد خطوات منه، وسأل بصوت عال مسموع:"ممَن هذا الخطاب، هل أرسله تساو مينغ؟ أم ليو بانغ؟، فقد أرسلت لكل منهما خطابًا في نفس الوقت، وتراهنت مع كل منهما، أن الآخر سيرد علي خطابي أولاً، فمن المؤكد أن إحدهما قد رد علي خطابي! ولكن .....ما أرسلته كان عبر البريد الإلكتروني وليس خطابًا عاديًا عبر البريد". بعد انتهاء لي فو من عمله، عزم علي الذهاب للبحث عن شيه بوه ماو الرابع والأخير، والذي كان يسكن في شمال الصين بمنطقة للصناعات الكيميائية. لم يتوقع لي فو أن يكون الطريق شاقًا وطويلًا هكذا، وكأنه طريق لا نهاية له، وكادت السماء أن تظلم عليه. وعندما وصل لي فو وجد شيه بوه ماو يُحمي كلبه من فصيلة السامويد، ووسط صوت المجفف العالي، عبر له عن استيائه مستخدما لهجة تدل علي أنه شخص ذو خبرة، وقد مر بالكثير من التجارب في الحياة، وقال:" أصبحت طرق الخداع والغش الآن أكثر أناقة عن ذي قبل". أمازال يجرؤ علي كتابة خطابات! هل تعرف أمه من الأصل كيف تستخدم فرشاة الخط!، يالها من طريقة جديدة ومبتكرة!! من فضلك مزق هذا الخطاب بدلًا مني". أبتلع لي فو حزنه بداخله، ولم يخبر به أحدا. كانت زوجته دائماً ما توبخه بشكل فج وتسبه، بل وتصفه بأنه "مريض نفسي".أما ابنه فكان يخجل من أن يذكر وظيفته أمام الناس. وحتي زملاؤه في العمل فكانوا يختلفون عنه كثيرًا، معظمهم شباب، يحبون التحدث حول مباريات الإتحاد الأوروبي لكرة القدم، أو ألعاب الكمبيوتر، أو المكافآت التي سيحصلون عليها في العمل. فإذا ذهب وتحدث معهم حول موضوع "شيه بو ماو"، فسيختفون من أمامه كسرب من الطيور تلاشي في أحضان السماء. قرر لي فو أن يغير طريقة تفكيره، وأن يبحث عن "راسل الخطاب تشين" بدلًا من الُمرسل إليه شيه بوه ماو. كانت الحروف المكتوبة علي الظرف من الخارج متوسطة الحجم مما يجعلها مريحة للعينين عند قراءتها، فكان لي فو يحدق فيها، ويلمسها بلطف مرارًا وتكرارًا. ولكنه لم يتمكن من رؤية ما بداخل الظرف، تحت الضوء؛ لأن الظرف كان مصنوعًا من ورق الكرافت السميك، ولكن استطاع لي فو أن يخمن أن بداخله ورقتين أو ثلاثا. وفي هذه اللحظة مر زميله بجواره، وتهكم عليه قائلاً" افتحه وأنظر ما بداخله!". نعم... .يمكن أن يفتحه لي فو بكل سهولة ليري ما بداخله، وحينها سيعرف حقيقة الأمر، حتي بدون أن يترك أي أثر يدل علي أن هذا الخطاب سبق فتحه، فهو يعرف طريقة ما يعيد بها الشق الذي سيحدثه فتح الخطاب في الختم الموجود أعلي الظرف. ولكن لا يمكنه فعل ذلك، لا يمكنه أبدًا استغلال وظيفته في فتح الخطاب دون إذن وفي السر، ثم يقوم بطمس آثار ما فعله، ولكنه لايحب فعل مثل هذه الأمور علي الإطلاق، فعلي الرغم من أن هذا الخطاب يعد ميتًا ولم يستدل علي صاحبه، إلا أنه مازال خطابًا، له احترام وقوانين، وفتح الخطاب بهذه الطريقة سيكون نوعًا من الغش وعدم الأمانة من وجهة نظره. رفض لي فو أن يفتح الخطاب.
في وقت راحة الظهيرة، حمل لي فو حقيبته الخضراء الصغيرة، وركب دراجته باحثًا عن مكتبة موجودة بجنوب المدينة. فوجد واحدة في شارع تچين شا تچيانغ. ولكنها كانت تَعج بالطلاب عندما دخلها، كان الطلاب ينقون من بين أنواع الأقلام المختلفة: أقلام جرافيت، أقلام ماركر، أقلاما ملونة، وأقلاما ذات رائحة. وكان هناك بضع فتيات صغيرات حائرات في اختياراتهن بين الأشكال والرسومات الجذابة للكراسات والدفاتر الصغيرة، وحتي لي فو نفسه أعجبته تلك الدفاتر كثيرًا.
بحث لي فو مطولاً عما يريد شراءه ولكنه لم يعثر عليه، فسأل أحد بائعي المكتبة، فأشار له البائع إلي الجزء السفلي لرف عال. أخيرًا وجد لي فو الأظرف والأوراق المخصصة لكتابة الخطابات، ولكنه لم يحتر في الاختيار بينها؛ لأنه لم يكن هناك سوي نوعين فقط، عاديين جدًا، ورديئين أيضًا. لا حظ لي فو أن "تشين"، راسل ذاك الخطاب يستخدم نفس هذا النوع من الأظرف الموجودة، والمصنوعة من ورق الكرافت. لم يجد لي فو سببًا لشعوره المفاجيء بالتعاطف مع مرسل الخطاب؛ ربما لأنه يجلس مثله القرفصاء ليختار من بين هذه الأظرف القبيحةَ!، إنه حقًا أمر صعب. جلس لي فو القرفصاء في إحدي الزوايا الهادئة، حتي شعر بتنميل في قدميه. ولكنه لم يصادف أي زبائن آخرين. نعم لم "يصادف" أيا منهم. سبح لي فو في خياله، وأخذ يفكر إذا كانت هناك طريقة ما، تجعله يلتقي بمرسل الخطاب تشين. قرر أن يبحث عنه في أماكن أخري. عندما بحث لي فو عن أختام الطوابع الموجودة علي أظرف تلك الخطابات (ختم الطابع: هو الختم الذي يُطبع علي طابع البريد، ليوضح المكان الذي أرسل منه الخطاب)، اكتشف أن كل الأظرف هذه الخطابات تحمل الختم الخاص بمكتب بريد چونغ خوا مين، إلا خطابا واحدا. عادة ما يكون علي ختم الطابع أرقام صغيرة، فمن خلال هذه الأرقام يمكن تتبع الخطابات.
من الواضح أن هذه الخطابات قد وضعت في صناديق البريد الموجودة علي أبواب مكاتب البريد أو قاعات العمل. ذهب لي فو إلي مكتب البريد لأيام متتالية؛ وذلك لاقتراب موعد إرسال الخطاب التالي، فكان إما يجلس بهدوء علي إحدي الطاولات المخصصة لكتابة الخطابات في قاعة مكتب البريد، ويتفحص المارة. أو يقف في الشارع المواجه لمكتب البريد، محدقًا بعينيه إلي صناديق البريد، تمامًا كما يحدق الصقر بعينيه قبل أن ينقض علي فريسته. ولكنه سرعان ما أدرك أن ما يفعله لن يؤدي به إلي أي نتيجة. لأنه لا يوجد شخص بين الحضور مكتوب علي جبينه تشين، أو حتي يكتب خطابا منمق الكلمات بالفرشاة المخصصة لذلك، فكل شخص موجود يحتمل أن يكون هو أو لا يكون.
ذات يوم، انتظر لي فو حتي الساعة الخامسة والنصف مساءًا، وفجأة رأي موظف البريد يفتح صندوقًا صغيرًا للبريد، ويخرج منه خطابين فقط. فكان إحدهما مكتوبًا عليه بخط أكبر من حبات الفول، وموجهًا إلي مكتب شكاوي المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، (11) بمقاطعة تيچيانغ سو، كما كان هناك أيضًا كلمتان مكتوبتان بشكل خاطيء. أما الخطاب الثاني فلم يكن عليه ختم، وكان بداخله ورقة يانصيب قديمة مهلهلة. تنهد لي فو، واستشف أن تشين مرسل الخطاب شخص حذر وغير سهل بالمرة، يطارد شيه بوه ماو عن طريق إرسال هذه الخطابات، فلابد أن يكون هناك أمر ما خطير وضروري.
4
يرجع الفضل لابنة تشين إيي شين أيضًا، في أن تجعله يكتب أول خطاب حقيقي لشيه بوه ماو. عممت حضانة ابنته مؤخرًا، نظامًا تعليميًا يعرف باسم "منهج موتسري التعليمي"؛ وهو منهج يساعد الطفل علي إطلاق العنان لمهاراته وتطويرها. فمثلًا كان واجب ابنته اليوم، هو أن يحضر لها والداها ورقة، واثني عشر لونًا مختلفًا، ثم يتركاها ترسم ما يحلو لها بحرية. في المساء أصبح كل شيء في البيت مبعثرا وغير مرتب، فكانت الجرائد متناثرة علي الأرض، وابنة شين إيي شين تلعب مع صديقها الوهمي، حتي تعبت وغلبها النوم. فذهبت زوجة تشين إيي شين لتحمل الفتاة بينما كان هو يحاول ترتيب آثار الفوضي التي أحدثتها ابنته، وعندما كان يعيد الأشياء المبعثرة إلي أماكنها مرة أخري، التقط قلمًا من أقلام الألوان الموجودة، ولف رأس سنه القلم، فتدفق منه حبر كثيف أزرق نيلي اللون، وأخذ يكتب به علي الجريدة.
كان تشين إيي شين يستطيع أن يكتب الرموز بطريقة منمقة وجميلة، فقد سبق له وتعلم الخط الصيني علي يد أستاذ خط لمدة عامين ونصف عندما كان في الجامعة، ولكنه لم يستمر بسبب انشغاله بزواجه وظروف عمله أيضًا. وفجأة جعلته تلك الرموز الصينية التي كتبها علي الجريدة يشعر بوهج خافت لشعور قديم، فلم يتذكر أيام الجامعة أو الحنين إلي شبابه فحسب، بل تذكر أيضًا أنه قد قطع شوطًا كبيرًا في هذه الدنيا وتقدم به العمر، فانتابه شعور غريب.
اندهش تشين إيي شين كثيرًا، عندما اكتشف وهو يرمي تلك الجرائد القديمة، أن الرموز التي كتبها كلها علي الجريدة بالحبر الأزرق، ما هي إلا اسم شيه بوه ماو، بشكل متكرر. وكأن شيه بوه ماو قد سيطر علي تفكيره كليًا، بل وكأن لديه كلامًا كثيرًا يود أن يحكيه له. فقرر بعد تردد، أنه من الأفضل أن يفضي له بما يجول بخاطره، ويقول له عن الأشياء التي تشغل باله.
كان أول شيء فعله تشين إيي شين في اليوم التالي، هو أنه اشتري أوراقًا وأظرفًا مخصصة لكتابة الخطابات، لم تكن ذات جودة عالية، ولكنه لم يبال بذلك؛ لأن الأهم بالنسبة إليه هو فحوي الخطاب نفسه. عندما استلقي تشين إيي شين علي الأريكة وقت راحة الظهيرة، كان يفكر مترددًا، في محتوي الخطاب الذي سيرسله إلي شيه بوه ماو. ثم فجأة نهض من مكانه، وحول رنين جواله إلي صامت، وغير وضع حالته علي برامج الدردشة QQ إلي غير موجود، وخرج من كلتا صفحتي بريده الإلكتروني ومدونته الخاصة، ثم رفع سماعة التليفون ووضعها جانبًا، حتي لا يزعجه أحد. ومع ذلك لم يكن مافعله مُجديًا بالمرة؛ لأن عقله كان مازال خاويًا من الأفكار. جلس تشين إيي شين علي الأريكة ساهمًا، وبدون أن يشعر أخذ يكرمش بيده جلد الأريكة، فهو لا يعرف إذا كان يإمكانه اليوم كتابة ذلك الخطاب أم لا؟، لأنه لايدري إذا كان لديه ما يفصح به من كلمات لم يصرح بها لأحد من قبل؟ أم وجدانه خالٍ من الأصل؟. حقًا هو لا يُقارن بابنته. في النهاية لم يكتب شيئًا في الخطاب، فقط طوي ورقتين أو ثلاثًا فارغة، وأدخلها جيدًا في الظرف، ومع ذلك لم يشعر قلبه بأي أسي. فشيه بوه ماو صديق حميم له، وأمر مفروغ منه أن يفهم جيدًا ما يقصد أن يقوله له.
استخدم تشين إيي شين ختمًا لاصقًا، بينما كان يفكر بهدوء، في الطرق المختلفة لطي الخطاب. فمثلاً بعد أن يطويه ثلاث ثنيات عمودية، يطويه مرة أخري بشكل أفقي. ثم يعيد طيه مرة أخري بشكل عمودي. فعندما كان في المرحلة الإعدادية كان لديه زميل بارع في طي الورق، حتي إنه كان يصنع به أشكالاً معقدة كثيرة، ومن ضمنها شكل (12) طائر الكراكي. بل كان لديه أيضًا شغف شديد بطوابع البريد، فمنها ما يلصقه بالمقلوب ليعبرعن كلمة "أنا أحبك"، ويمكنه أن يضع طابعين متقابلين فيتحولان إلي كلمة "اشتقت إليك"، ويمكن أن يضع ثلاثة طوابع بشكل متتال، فتعبر عن جملة "انتظر ردك". وكان أيضًا لديه زميلة تطبع بشفتيها الملونة بالحمرة كأنه ختم للجواب، وكأنها تُرسل قبلة....... ففي الحقيقة لم يكن تشين إيي شين معجبًا بهذه الألعاب، ولكنه فقط كان يتذكرها، وكأنه يحيي ذكري أشياء مضت. كانت لحظة كتابة تشين إيي شين للعنوان الُمرسل عليه الجواب، من أسعد لحظاته؛ لأن حينها شعر بنشوة لا تضاهي، وكأنه شخص يحضر احتفالاً (بل هو في احتفال بالفعل). بمدينة نان تچينغ أسماء أماكن كثيرة قديمة محببة إلي قلبه، من ضمنها أماكن قد ذهب إليها لزيارة العديد من الأشخاص الذين يحبهم. أغمض تشين إيي شين عينيه لوهلة، وأخذ يستدعي أسماء شوارع وأزقة قديمة، لم تعد موجودة منذ زمن: ليو شيه، لي يو، جو خونغ چونغ، ووه تچينغ زي، كوين تسان، جان شي، چانغ جيه دونغ....، ثم كتب العنوان برضا علي الظرف، يبدو وكـأنه قد اخترع عنوانًا وهميًا، تمامًا كفكرة الخطاب كلها. كان يمسك بيده فرشاة خط مصنوعة من شعر الماعز؛ وقد أكلتها الحشرات بسبب عدم استخدامها لفترة طويلة، وأصبح بالكاد يمكن استخدامها. فبإمكانه شراء فرشاة جديدة بدلًا من هذه، ولكن تآكل الفرشاة القديمة بهذا الشكل، أمر مرح بالنسبة له؛ ربما لأن بها شيئا ناقصا غير مكتمل، تمامًا مثل ما يريد كتابته، فهو يريد أن يقول شيئًا ما، ولكنه لا يدري ما هو.
لم يمض وقت طويل حتي باتت كتابة الرسائل عادة عند تشين إيي شين، فكانت الجوابات التي يرسلها مجرد ورق أبيض خال من الكلام، فكانت الفكرة التي يرنو إليها شاغفًا، هي تأليف عناوين وهمية، والتفكير في أخري قديمة لكل خطاب. فكان عندما يمسك بتلك الفرشاة المتآكلة، ذات شعيرات طرية وجافة، ويبدأ في كتابة العنوان بها علي الظرف، يصدر منها صوت رقيق يشبه صوت حفيف الأوراق، وكأنه يترك أثرًا صغيرًا في هذا الكون.
عندما خرج تشين إيي شين من بيته، ليضع هذا الخطاب في صندوق البريد، كان يبدو صندوق البريد وكـأنه فارغ. كانت الأجواء ممتلئة بالضجيج والصخب عندما ألقي الخطاب في صندوق البريد، فوضع أُذنه علي الصندوق من الخارج؛ ليستمع إلي صدي صوت الخطاب الرقيق وهو يلامس قاعه، وكأنه يستمع إلي صوت طوبة أُلقيت في قاع بئر قديم، فتهاوت في الفضاء، مستمرة في السقوط، حتي اصطدمت بالأرض واخترقتها، مجتازة غلافها الجوي، وصلت إلي الفضاء الخارجي، ثم أخذت تدور حول القمر، زحل والمشتري، ثم سبحت مع النجوم المتلألئة في الفضاء، فإن شيه بوه ماو ينتظر هذا الخطاب في مكان ما. كان تشين إيي شين مستمتعًا للغاية، بهذه المرحلة التي تتسم بالغرابة والانطلاق.
5
لم يغب عن ذاكرة لي فو أبدًا، أن في عام 87 أو 88 تقريباً، كان هناك جواب مُرسل لشخص اسمه" تشين چانغ جيه" (اسم شهرته: دزيه يينغ)، وكان مكتوبًا علي الظرف بالطول بضعة (13) رموز معقدة، أما علي الخلف، فقد كان مكتوباً عليه بخط رديء متعرج هذه العبارة:" يتوجه الجندي القديم من تايوان بالشكر إلي صاحب المثل العليا والسامية، الذي ساعدنا علي إيجاد أقاربنا وعائلتنا". ولكن كان عنوان هذا الجندي قد تغير منذ فترة كبيرة، حتي أصبح قصر ثقافة العمال، والذي لم يفتتح قَط، وتحول فيما بعد إلي مطعم، ضمن سلسلة مطاعم الوجبات السريعة. دَون لي فو هذه الواقعة في دفتره الصغير؛ لذلك فهو يتذكر جيدًا وبوضوح أنه قد عاني كثيرًا حينها، لأن موضوع هذا الخطاب استغرق منه خمسة أشهر من البحث المستمر. وفي النهاية عثر لي فو علي الشخص المُرسل إليه الخطاب، فكانت امرأة عجوزًا ترقد في أحد مستشفيات الرعاية، ضامرة مثل اللوفة، لا يتوقف لعابها عن السيل، فقد أُصيبت بمرض الخرف. كان ابنها الكبير ذو الوجه العابس، والمظهر غير المهندم، جالسًا بجانبها، حينما فتح الخطاب، وانهمرت دموعه فجأة، كشلال جار، بعدما قرأ بضعة سطور، ثم قال بصوت متقطع: "لماذا خدعتني؟،أنا عندي أب أليس كذلك؟". فهذا الموقف كان أشبه بمشهد من مسلسل تليفزيوني، أثر في لي فو كثيرًا وجعل قلبه يئن من فرط الألم.
عادة ما تحدث أشياء وأمور عديدة، في هذه الدنيا الكبيرة المضطربة، تفرق بين الناس؛ بين الزوجة وزوجها، الأشقاء، الأب وابنه، وحتي بين الأصدقاء وبعضهم، فإنه حقًا شيء قاس وغير هين. فهل فرقت الدنيا أيضًا بينك يا "تشين" وبين شيه بوه ماو؟، وهل شيه بوه ماو يدري أنك تبذل جهودًا مضنية في البحث عنه والوصول إليه؟، فأنا حقًا أريد أن أُساعدكما من كل قلبي، حتي يعثر كل منكما علي الآخر.
ذات ليلة، رأي لي فو منامًا رائعًا، فحلم أن صوته يدوي عاليًا في الأفق، من خلال مكبر الصوت :"الإذاعة تبحث عن شخص، الإذاعة الآن تبحث عن شخص، من فضلك يا رفيق شيه بوه ماو، احضر بسرعة إلي مكتب البريد". وكان مكبر الصوت هذا يشبه تمامًا تلك المكبرات التي كانت موجودة قديمًا في المصانع، المناجم، المدارس، والمناطق الريفية. من فضلك يا رفيق شيه بوه ماو......". أَدرك لي فو مغزي ذلك الحلم، بعد أن استيقظ من نومه. قد يكون شيه بوه ماو دخيلًا علي المدينة، ولذلك بياناته غير مسجلة بالسجل المدني هنا. استعاد لي فو طاقته من جديد، فهو علي أمل أن ينجح في توصيل هذا الخطاب إلي صاحبه، قبل خروجه علي المعاش. عندما دقق لي فو البحث عن العناوين المرسل إليها الخطابات الموجهة إلي شيه بوه ماو، اكتشف أن معظمها عناوين قديمة بجنوب مدينة نان . تچينغ: (14) معبد فو زيه. (15) منطقة نان بو، والبوابتان الشرقية والغربية، وكأن شيه بوه ماو يظهر ويختفي في تلك الأماكن.
بالطبع إن فكرة مكبر الصوت، فكرة غير واقعية بالمرة. كان لي فو دائمًا ما يري شخصًا في المحطة يحمل لوحة مكتوبًا عليها أسماء الأشخاص الذين ينتظرهم، كما كان هناك أيضًا بائع، يقف في قارعة الطريق يرفع بيديه لوحة إعلانات إلكترونية ملونة للإعلان عن ثلاجات. فاستوحي لي فو منهما تلك الفكرة، والتي رأي أن ليس بها ما يجعله يخجل من تنفيذها. فسرعان ما أحضر فرخين من الورق الأبيض، يبلغ حجم كل منهما 30 أو 40 سنتيمترا مربعا، وكتب عليهما بخط أسود كبير "شيه بوه ماو"، ثم ثقب ثقبين، ومرر حبلاً من خلالهما، وعلقمها علي كتفيه، حتي باتت اللوحة ظاهرة علي صدره وظهره، وهكذا يستطيع الناس رؤية الرموز الثلاثة المكتوبة علي اللوحة التي يعلقها سواء من الخلف أو الأمام، حتي ولو كانوا بعيدين عنه بمسافة كبيرة. ومع ذلك، فهو لا يدري إذا كان المارة في الشارع المتفرقين سيرًا علي الأرصفة، منومين مغناطيسًا، أم أنهم غير مهتمين بالأمر، أم أصابتهم نوبة من الكسل فمنعتهم من السؤال عن شيء لا يعنيهم بالمرة. جذب لي فو الأنظار إليه، في الشوارع التي تجول فيها كلها مثل: شارع تشانغ له، شارع سان شان، جسر شوي جوان، طريق حديقة جان، ومع ذلك لم يسأله حتي ولو شخص واحد عن الأمر. ومع ذلك لم تَفتر عزيمة لي فو قَط؛ لأنه كان مقتنعًا أن شيه بوه ماو شخص يستحق البحث عنه، وإلا ما كان "تشين مرسل الخطاب"، بذل كل هذا المجهود الضخم في كتابة هذا الكم من الخطابات له؟. فكان يفكر وهو يسير في طريقه، في الأشياء التي يحتاج إليها أي إنسان يعيش في مكان ما، فمثلًا ما هي الأماكن التي يحتاج الذهاب إليها، الأشياء التي يحتاج إلي شرائها، المأكولات التي يحب أن يأكلها، الأشياء التي يحب أن يراها أو التي يحتاجها......... فربما يحتاج الذهاب إلي مثل هذه الأماكن: فندق جاردينو، أو متجر سو جووه، أو ربما مكاتب خدمة العملاء التي تعمل طوال 24 ساعة، أو حتي مطاعم خوي وي المشهورة بتقديم أطباق البط الشهية. أو حتي الذهاب إلي محطة المترو، المستشفي، مطاعم خاي لاو المشهورة، أو حتي إلي شركة الصين للاتصالات. أي مكان سيذهب إليه، من المؤكد أنه سيكون داخل نطاق المدينة. فربما أيضًا يذهب كل يوم بعد الانتهاء من عمله للتنزه، فالجو جميل وصاف.
قد تُحفر الصخور بفعل قطرات الماء الصغيرة المتساقطة عليها، فجأة خطر علي بال لي فو هذا المثل. ففي طفولته، كان دائماً ما يجلس القرفصاء تحت (16) إفريز البيوت العتيقة، ويسرح في ملكوت الكون، ويتأمل طويلًا في الصخور التي تآكلت بفعل سقوط قطرات الماء المتتالية عليها. وأحيانًا كانت تهب رياح عاتية، فتهز الأحبال، وتقلب اللوحات، فيظهر منها ظهرها الأبيض الخالي من الكتابة. فكان يجوب الشوارع ماشيًا علي قدميه، عندما يشعر بالرياح تضرب وجهه الصغير. ارتسمت علي وجه لي فو ابتسامة ساخرة، عندما لاحت له صورة زوجته وهي تسبه قائلة:" يالك من مريض نفسي"، ثم قال بصوت خافت: "ربما ما تقوله حقيقي". فهو يعرف جيدًا أن لب الموضوع ليس البحث عن شيه بوه ماو، أو إعادة تلك الخطابات الميتة إلي الحياة مرة أخري. ففي الحقيقة الأمر، أن الذي دفعه للمشي في الشوارع القديمة والأزقة الصغيرة، حاملًا حقيبته الخضراء الصغيرة، هو شعوره بحزن لا يستطيع تفسيره، أو الإعراب عنه بكلمات.
6
كان تشين إيي شين يجلس في إحدي المقاهي، ينتظر صديقًا له، يعيش في الخارج لم يره منذ خمسة عشر عامًا. ولكنه كان يشعر بالضجر، لأن صديقه لم يأت بعد، بسبب تأخُر طيارته قليلًا. فصديقه هذا كان الأقرب إليه، ولكنه لم يره منذ أن كانا يسكنان في مساكن الطلاب بالجامعة. سحب تشين إيي شين ورقة، من الورق الذي كان موجودًا علي الطاولة، وأخذ يشخبط عليها بشكل عشوائي، وكـأنه يتبع منهج "مونتسري التعليمي" الذي تُطبقه حضانة ابنته. فهو لم يحب اللعب في هاتفه الجوال، أو تصفح مجلات الإعلانات السميكة المملة أو حتي قراءة بعض الكتب، لقتل شعوره بالملل وطول الوقت، بل اعتاد منذ زمن، أينما كان: في اجتماع، في ندوة، منتظرًا دوره في البنك، أو حتي في المحطة، أن يحمل ورقة وقلمًا ويسرح في عالم من الخطوط الذي يرسمها. فإن التفكير في أشكال الانتظار، جعله يطلق تنهيدة تملؤها الحسرة. إن الانتظار في الواقع، يشبه قطع البازل التي نضعها جنبًا إلي جنب. انتظار الأشخاص، انتظار الأشياء، انتظار العلاقات، انتظار تفسير، انتظار البداية والنهاية. فقد يبدو لنا أننا بإمكاننا اختيار هذه الاشكال من الانتظار أو تقريرها، تمامًا مثل اختيارنا للديمقراطية، وتقريرنا لمصيرنا، ولكن في الحقيقة أنها تكون مقررة سلفًا. فلابد أن النتيجة التي ننتظرها ستظهر لنا في وقت معين، ولكن لا مفر من انتظارها.
أخيرًا ظهر صديق شيه إيي شين، بينما كان هو يرسم علي الورق. الترحيب، مشاركة الذكريات الجميلة وما مضي، طلب الطعام، التنهد بحسرة، الشكوي أو التباهي. فهذه المواضيع، يمكن التحدث فيها دون انتهاء، كما يمكن التوقف عن التحدث فيها فجأة. ولأنها ليست مهمة للدرجة، فلن يكون ثمة فرق بين التحدث فيها وعدمه. فكل منهما كان مشغولًا، لذلك كان من الأفضل أن يتقابلا مجددًا في المساء لتبادل الحديث كما يحلو لهما. كما أنهما قررا دعوة بعض الأصدقاء المقربين لتناول الطعام، واحتساء القليل من الخمر. بقي تشين إيي شين في المقهي، بعد أن غادر صديقه، وحينها شعر بفراغ غريب يملأ قلبه، فراغ أكبر من الذي شعر به قبل. لم تتغير حالة تشين إيي شين، بل ازدادت سوءًا، حتي بعد لقائه بصديقه الحميم. ولكنه علي الرغم من ذلك لم يُبالِ، ونادي علي النادل ليحضر له الحساب.
أتته نادلة ذات شعر قصير، ترتدي نظارة سوداء الإطار، وناولته ورقة الحساب قائلة:"الحساب كله 145 (17)ي وان، ويوجد 12 ٪ خصما. فهل ستدفع نقدًا أم بالكارت يا سيدي؟". اختلس تشين إيي شين نظرة إلي شعرها الأصفر، والمنديل الصغير المربوط علي رأسها والصديري الأزرق سماوي اللون الذي ترتديه، والببيونة الخضراء المربوطة علي عنقها. فكان تشين إيي شين مغرمًا بمشاهدة الملابس الرسمية المتنوعة والمختلفة للعاملين بمختلف الأماكن، بدءًا من ملابس الأمن الواقف أمام الباب، إلي مدير النُدُلٌ الذي يقف علي باب قاعة الكاروكي، ويرتدي ملابس علي الطراز الغربي.
نَظرت إليه النادلة بابتسامة خافتة، وقالت له مترددة وهي تشير إلي الورق المكدس علي زاوية الطاولة: "أمازلت تريد هذا الورق؟.... شيه بوه ماو...!!!!". فجاوبها تشين إيي شين : "لا... لا "، وهو يلملم الورق بسرعة، دون أن يدرك ما قام بكتابته منذ قليل. ثم أضاف هذه جملة موضحًا لها:" إن شيه بوه ماو .....صديقي". فقالت الفتاة وقد بدت تعابير وجهها غريبة بعض الشيء: "أليس قريبًا من هنا؟". سحب تشين إيي شين النقود من جيبه ليدفع الحساب، وكان يهز رأسه، وهو يفكر في محتوي الخطاب القادم الذي سيرسله لشيه بوه ماو، لاسيما أنه نوي أن يكتب له عن الانتظار أو شيء من هذا القبيل. ولت الفتاة وجهها تجاه النافذة قائلة:"من المؤكد أنه هو. فالجميع هنا يعرفون شيه بوه ماو، فهو يمر من هذا الشارع نهاية نهار كل يوم". نظر تشين إيي شين ببطء في نفس الاتجاه الذي نظرت إليه الفتاة، وحينها أوشك قلبه علي التوقف، من تسارع دقاته المفاجيء.
كانت أوراق (18) شجر البارسول الصيني تتساقط مبعثرة علي كشك الجرائد والعجل القديم، الموجودين في الشارع المقابل للمقهي، ومع ذلك لم ينتبه تشين إيي شين إلي أن خريف هذا العام قد يكون قاسيًا. بدأ تشين إيي شين في كتابة تلك الخطابات إلي لشيه بوه ماو منذ عام تقريبًا، ومع مرور وقت من كتابة الرسائل هذه، خُلق لديه شعور قوي بالحماسة. فكتب له أنه علي وشك أن ينسي حبيبته التي رحلت عن الدنيا منذ زمن، وكتب وكأنه يطلق صرخات صامتة. وكتب أيضًا عن الناس من حوله، وكم هم يشبهون النمل، يعملون بشقاء طوال الوقت، في مقابل الحصول علي نقطة صغيرة من العسل. حتي إنه ذات ليلة، خفض فيها صوت التلفاز، وسلي نفسه بكتابة خطاب عن تناسل الحيوانات المفترسة في أفريقيا. فلا يعقل أن شيه بوه ماو قد تحول إلي شخصية حقيقية موجودة علي أرض الواقع، من فرط كتابة خطابات له.
سأل تشين إيي شين الفتاة قائلًا :"كيف عرفت أنه شيه بوه ماو؟ "، فأجابته:" منذ بضعة أشهر وهو يمر يوميًا من هنا، في الساعة السادسة تقريبًا، معلقًا لوحة كبيرة، مكتوبًا عليها شيه بوه ماو". كانت أصابع النادلة رقيقة، طويلة وجميلة الشكل وهي تلملم أطباق الطعام. أُصيب تشين إيي شين بحالة من الدهشة طوال اليوم، جعلته يفقد شعوره بجسده، وأصبحت عيناه تري كل شيء مزدوجًا وغير واضح، حتي لاحظت إحدي زميلاته ما ألم به، وقالت له بانزعاج ، إن وجهه شاحب جدًا ويبدو عليه الإعياء. فقد عاني بشدة طوال اليوم حتي انتهي من عمله، تمامًا كما كان يعاني عندما أخبرته الفتاة بموضوع شيه بوه ماو.
عاود تشين إيي شين الذهاب إلي نفس المقهي مرة أخري، ووقف منتصبًا كالجندي في الشارع المقابل له ، فجأة تذكر أنه علي موعد في المساء، مع أصدقائه لاحتساء الخمر وتناول الطعام، ولذلك فلن يستطيع قيادة سيارته. وقف تشين إيي شين لشراء الجرائد من الكشك الموجود في الشارع. وفجأة لمح رجلًا يمشي بين أمواج البشر في الشارع المقابل، ويعلق لافتة مكتوبًا عليها "شيه بوه ماو".
كان ذلك الرجل يبدو عليه أنه قد اجتاز منتصف العمر، كما أن اللافتة التي يحملها، كانت بيضاء ولكنها متسخة بعض الشيء، ومكتوب عليها ثلاثة رموز متناثرة غير منظمة. أخذ تشين إيي شين يحملق بعينيه حتي كادتا تخرجان من محجريهما. ولكنه تسمر في مكانه، ولم يناد هذا الرجل أو يذهب للبحث عنه، وكأن ساقيه قد تجمدتا أو كبلتا بحديد ثقيل. وأخذ يتتبع "شيه بوه ماو" وهو ينعطف إلي شارع آخر، بنظرات تملؤها الدهشة والخجل. فور ذلك، اتجه تشين إيي شين إلي فندق كبير شرق المدينة. وعندما وصل، كان صديقه الذي يعيش خارج البلاد، وصديقة أخري وزوجها، يجلسون علي المائدة متحمسين. اندمج شين إيي شين مع الجميع في احتساء الخمر، وكأنه استرد حيويته مرة أخري. وبعد تناول العشاء ذهب الجميع إلي صالة الكريوكي، فغنوا ورقصوا، وشربوا المزيد من الخمر. وغادروا المكان قرب بُزوغ الفجر.
كان علي مدخل الباب مجموعة من الأشخاص يترنحون من فرط ثملهم، فنظر إليهم تشين إيي شين، ثم نظر إلي صورته المعكوسة علي الحائط الزجاجي، فوجد أن ملامح وجهه شاردة وحائرة، وكأنه مُشرد هائم علي وجهه في الأرض، ليس لديه بيت أو مأوي يلجأ إليه. وفي طريق عودته إلي المنزل، قال تشين إيي شين لسائق التاكسي الذي كان يركب معه، بنفس مفعم برائحة الخمر، وبنغمة توحي بأنه ثمل:" هاها، اليوم قابلت صديقي القديم". قال له السائق بلا مبالاة:" حقًا، آلتقيت بصديقك القديم.....فهذا أمر غير سهل". ثم فتح زجاج نافذة السيارة قليلًا، وعلّي صوت المذياع.
كان تشين إيي شين ينظر من نافذة السيارة، فاغر الفم، وكأن الرياح تصفع وجوه المارة، فيكاد يري ملامحهم. كان يسند يده باِسْتِرْخاء علي فتحة النافذة، ثم فجأة داهمه الإحباط، وشعر ببعض الحزن، عندما استرجع مشهد الشخص الذي كان يحمل اللافتة البيضاء المكتوب عليها "شيه بوه ماو". فبغض النظر عن كونه رجلًا أم امرأة، عاقلًا أم مجنونًا، أو حتي إنسانًا أم عفريتاً، فيجب عليه أن يذهب للبحث عنه مرة أخري. تذكر تشين إيي شين الحكايات التي كان يقصها علي ابنته كل ليلة قبل أن تنام، فكان يحكي لها قصص أطفال وأساطير، كلها قصص خيالية، ولكنها غاية في الروعة. ولكنه يعرف جيدًا أن ليس هناك مثل هذه القصص في واقع الكبار.
لم يستطع تشين إيي شين النوم طوال الليل، لأنه كان يفكر في مصير كل من قلمه المتآكل، الخطاب الذي لم ينته من كتابته بعد، وزجاجة حبر(19)"يه دا چيه" نصف الممتلئة. فكل هذه الأدوات وسط ظلام دامس بمكتبه الآن، فكلما تذكر أنه لن يستخدمها مرة أخري، اغرورقت عيناه بالدموع، وازداد حزنًا؛ لأن ذلك يعني أن أمر شيه بوه ماو قد انتهي، ولن يعود له وجود، بل إنه سيتوقف عن كتابة تلك الخطابات له، فلم يكن الأمر سهلا، لكي يعثر علي صديق مثله.
7
أسدل الليل ستاره، بينما كان لي فو مارًا بنفس الشارع الموجود به ذلك المقهي، ويحمل اللافتة المكتوب عليها "شيه بوه ماو". وكان يفكر متعبًا في أن يومًا جديدًا قد أوشك علي الانتهاء، ولكن دون أي نتائج مثمرة. أرسل مدير لي فو إخطاراً للنقابة في صباح اليوم، يطلب منهم إرسال درع الموظف المثالي. وربت علي كتفه قائلاً له:" بعد أن تتقاعد، سنتخلص من كل هذه الخطابات التي تود أن تعيدها مرة أخري للحياة وتوصلها لأصحابها". فرد عليه لي فو مؤيدًا لما قاله: "بالطبع، يجب التخلص منها، فلا فائدة لها".
في الأيام التي كان يسير لي فو فيها في الشوارع، كان عادة ما يشاهد خطوات الناس العجلة، أو يشاهدهم وهم ينظرون إلي هواتفهم المحمولة بشغف، أو حتي يشاهدهم وهم يجلسون القرفصاء علي قارعة الطريق مقطبي الجباه. ولكن تعابير وجوههم وحركاتهم أزعجته كثيرًا، وجعلته يتذكر جريدة قرأها ذات مساء، ويتذكر تنهد الناس عندما يرتكبون أخطاء غير مقصودة بعضهم في حق بعض. تملكه شعور مسبق بالحزن الممزوج بشيء من الندم. فإذا باتت تلك الخطابات ميتة فعلًا، أو تم التخلص منها، فسيفني معها كل الكلام الذي يود أن يقوله مُرسل الخطاب تشين إلي شيه بوه ماو. فهو يريد أن يساعدهما حقًا!.
توقف لي فو برهة عند تقاطع الشارع الموجود به المقهي، عندما شعر بالعطش، وفكر في أن يعبر الشارع لشراء زجاجة ماء من كشك الجرائد المقابل، ولكنه سرعان ما تناسي الأمر، فمن الأفضل أن تظل شفتاه جافتين. حينئذ نَبت بقلبه شعور غريب، وكأنما كلما ازداد شقاؤه، أصبحت هناك نتيجة لما يفعل. قد عاني كثيرًا من أجل إيصال الجوابات الميتة التي كانت موجودة من قبل إلي أصحابها، فآلمته قدماه، وقطع بنطاله، وذهب إلي أماكن نائية، راكبًا دراجته دون أن تكون منتفخة العجل، ولكن في النهاية استطاع إعادة تلك الخطابات إلي الحياة.
كانت رياح الخريف تلطم وجه لي فو فتؤلمه، فقد بات الشتاء علي الأبواب. ولكن ذلك لم يوقفه عن جوب الشوارع طولًا وعرضًا. خاف لي فو ألا يري الناس اللافتة التي يعلقها، لأن الشمس أصبحت تغوص في باطن السماء، في وقت مبكرعن ذي قبل. وفجأة سمع لي فو شخصاً بجانبه، يقول بصوت يكاد أن يكون مسموعًا، وبنبرة يشوبها الشك:" آه، شيه بوه ماو؟". وعندما أدار وجهه، رأي رجلاً عاديًا يرتدي نظارة، يبدو عليه أنه في منتصف عمره. هذا هو الخامس. أي أنه خامس شخص يسأله عن "شيه بوه ماو"، بعد أيام عديدة من سيره في هذا الشارع. فهو لا ينوي أن يحكي له حكاية ذلك الخطاب من أولها، مثلما فعل مع الأربعة السابقين؛ لأنه خشي أن ينفد صبرهم، فيتركوه ويغادروا.
انشرح قلب لي فو، وسند اللافتة بيديه وهو يبتسم، فمن حسن حظه أنه لم يذهب لشراء زجاجة ماء ليروي بها ظمأه، ثم قال:" أنا لست شيه بوه ماو، ولكنني أبحث عنه. هل أنت شيه بوه ماو؟". كان وجه الرجل هذا غير واضح، بسبب الظلام وظلال الأشجار حينما سأله الرجل مرة أخري: "منذ متي وأنت تبحث عنه؟. "فكر لي فو برهة، قبل أن يجيبه مباشرة، ثم قرر أن يقول له إنه يبحث عنه منذ المرة الأولي التي تسلم فيها هذا الخطاب، فقال له:"منذ سنة وشهرين تقريبًا وأنا أبحث عنه". خرج الرجل من بين أفرع الأشجار التي كان يتواري خلفها، فباتت ملامحه أوضح، وقال:"هذا يعني أنك قد بدأت البحث عنه منذ خريف العام الماضي". رمقه الرجل بنظرة يملؤها التساؤل، ثم قال له وهو يعقب علي ما قاله بحركة فمه المفتوح:" هل شيه بوه ماو يعرف أنك تبحث عنه؟". ثم اختلس نظرة إلي اللافتة، ونظر إلي لي فو مرة أخري بوجه فاتر الملامح. فرد لي فو" لا، هو لا يعرف، في الحقيقة إنه لا يعرفني من الأساس". ثم قال مختصرًا لكلامه :"من فضلك، هل تعرفه أنت؟". فلي فو يعرف جيدًا أن هذا الكلام قد يثير ضحك الناس حينما يسمعونه. "لا فأنا لا أعرفه أيضًا، أنا أستفسر عن الأمر فحسب"، قال الرجل وهو يهز رأسه، ثم تنهد بلطف.
تغيرت ملامح لي فو فجأة، وبدا عليه شيء من الحزن. فهو حتمًا ليس مريضاً نفسياً، كما تتدعي زوجته. عندما رأي الرجل علي وشك المغادرة، تضاربت مشاعره واضطرب، فهو لا يعرف إذا كان الأمر يستدعي منه أن يقص عليه الحكاية من بدايتها أم لا، لذلك فسرعان ما قال لي فو:" في الحقيقة أنني أحاول مساعدة شخص في العثور عليه ......". من يكون الشخص الذي تساعده إذًا"، قال الرجل عائدًا خطوة إلي الوراء، وبدت نظراته بها شيء من الذهول الممزوج بالرعب. فقال لي فو: " أنا أساعد شخصاً لا أعرفه أيضًا، ولكنني أعرف الرجل الذي يبحث عن شيه بوه ماو؛ فهو يبحث عنه منذ فترة أطول من التي بدأت البحث عنه فيها". ومن أجل أن يوضح لي فو كلامه، بسط يديه الاثنتين، ونظر إلي كل منهما. بمجرد أن أُضيئت فوانيس الإنارة في الشوارع، أغلق ذلك الرجل عينيه تلقائيًا، وكأنه ابتلع كل مشاعره بداخله، ثم ولي وجههه نحو الشارع، وهو يقول بصوت خافت:"لا تتعب نفسك، فلن تجده." ربما يعرف هذا الرجل شيه بوه ماو، لكن لا يعلم الحقيقة سوي الله.
أزاح لي فو اللافتة بيده، لاخراج دفتره الصغير من حقيبته، ولكن كانت هناك نقود محشورة بين أوراقه، فأدخلها إلي الحقيبة. كان الرجل قد مضي وترك لي فو، دون أن ينبس بكلمة واحدة، أو حتي إنه لم يلق السلام عليه، بل التفت وراءه، ونظر إليه بسخرية. كان لي فو ممسكًا بحقيبته، يقلب فيها بيده، وكان مشغول البال يفكر، في الخطأ الذي وقع.
كان الليل قد أسدل ستاره، عندما رفع لي فو رأسه ونظر حوله، فلم يجد أحدًا. أنزل بحرص اللافتة التي يعلقها، وحدق فيها لوهلة، ثم مزقها حتي باتت قصاصات بيضاء صغيرة، وألقاها علي مضض في صندوق القمامة الموجود بجانب الطريق، وكأنه يودع شخصاً عزيزًا علي قلبه. ثم قال:" عذرًا شيه بوه ماو، قد فشلت في إنقاذ حياتك هذه المرة". وفي اللحظة التي سلك فيها لي فو طريق العودة إلي منزله، بخطوات واهنة بطيئة. فجأة هبت ريح باردة، حملت تلك القصاصات الصغيرة، ونثرتها في الأفق. ولكن لي فو لم يبال؛ لأن هذا آخر شتاء سيحاول فيه إنقاذ خطاب فيه أو توصيله إلي صاحبه. فيكفيه أنه شَعر بقدر من السعادة والامتنان، عندما لامست يده النقود الموجودة في حقيبته.
الهوامش
(١) مدينة نان تچينغ هي عاصمة مقاطعة تچانغ سو، وتعد مركزا تجاريا، سياسيا، وثقافيا. كما أنها واحدة من أقدم المدن في الصين حيث يرجع تاريخها إلي 6 آلاف سنة، وتقع شرقي الصين.(المترجمة)
(2) چيانغ تچيه شي: هو قائد سياسي وعسكري صيني، والمعروف بشيانغ كاي شيك، رأس الجوه مينغ دانغ أي الحزب الوطني الشعبي الصيني، إثر رحيل القائد سوين چونغ شان. (المترجمة)
(3) هو برنامج صيني للدردشة يوازي الياهو والهوت ميل. (المترجمة)QQ (2)
(4) مدونة وي: من أشهر المدونات الموجودة في الصين. (المترجمة)
(5) شيه آن: هو رجل دولة؛ قائد سياسي وعسكري، عاش في عصر أسرة تچين، في الفترة ما بين (320 - 385). (المترجمة).
(6) شيه لينغ يوين: هو شاعر صيني كبير عاش في عصر الأسرة الشمالية والجنوبية في الفترة ما بين (385-433). (المترجمة).
(7) زي التانغ : يعرف بالصينية باسم التانغ جوانغ (TANG ZHUANG )هو زي صيني تقليدي، ظهر في نهاية عصر أسرة تشينغ. (المترجمة).
(8) شوكلاتة فيريرو روشيه: نوع فاخر من الشوكلاتة الإيطالية. (المترجمة).
(9) كارفور:هي سلسلة مراكز تجارية عالمية، فرنسية الأصل. ( المترجمة).
(10) ور وانغ: هو محرك بحث كجوجل، ولكنه مصمم من أجل بحث الأشخاص بعضهم البعض. (المترجمة).
(11) مقاطعة تيچيانغ سو: تقع علي الساحل الشرقي لبحر الصين، ومن أشهر المدن فيها مدينة نان تچينغ .
فعل لي فو كل ما في وسعه، وسيكون أمرًا محزنًا للغاية، إذا فشل في العثور علي مرسل الخطابات، وإعادة هذه الخطابات مرة أخري إليه، هكذا كان يفكر.
(12) طائر الكراكي: هو طائر مائي طويل القدمين، يمكنه أن يعيش بالأماكن الباردة. (المترجمة)
(13) الرموز المعقدة: هي رموز أكثر تعقيدًا من حيث الشكل، والخطوط المكونة للرمز، ومازالت تستخدمها تايوان حتي الآن. (المترجمة)
(14) معبد فو زيه: يقع في مدينة نان تچينغ، وتم إنشاؤه في عصر أسرة سونغ عام 1034 ويعرف هذا المعبد أيضًا باسم معبد كونفشيوس، ويعد من أكبر أربعة معابد في الصين، وترجع أهميته إلي أنه كان المكان الذي يتعبد فيه الفيلسوف والمعلم الصيني الكبير كونفشيوس. (المترجمة)
(15) منطقة نان بو: هي منطقة أثرية وتاريخية، مبنية علي الطراز المعماري، لعصر أسرتي مينغ وتشينغ، وتقع في مدينة نان تچينغ. (المترجمة)
(16)الافريز: هو سقف يبرز خارج البناء، وهو عبارة عن جزءٍ بسيط مزخرف بيِّن الحِلْية المعماريَّة، ومعظم البيوت الصينية القديمة كان بها أفاريز.
(17) اليوان: عملة الصين الرسمية.
(18) البارسول الصيني: نوع من الشجر الصيني، أوراقه تشبه أوراق شجرة القبقب.
(19) يه دا چيه: ماركة مشهورة من الحبر الصيني.