جبران الشداني
كاتب
خلاصة الكلمة الشفوية لعرض نقدي: بمناسبة تكريم المبدع في لقاء" الكيسر"
*بعيدا عن محاولة الدخول في متاهات التعريف والتحديد، لما صار يعرف بالقصة القصيرة جدا ضمن أشكال الكتابة السردية المعاصرة،سواء من حيث تسميتها أو من حيث خصوصياتها النوعية اتصالا بامتدادات القصة القصيرة ، سأحاول التوقف عند النصوص من منطلق التسليم بالتصنيف الذي ارتضاه لها صاحبها، ذلك أن الانطلاق من تقييد مسبق للنوع ، قد يكون متكِئاً على اتجاه أو مذهب، وبالتالي قد يؤدي حتى دون النية في ذلك، إلى إقصاء كتابة مغايرة على الاختلاف في المنحى أو التصور.
*ننطلق من إمكانية مساءلة العالم السردي عند محمد فري في قصصه القصيرة جدا، اعتمادا على ما صدر مطبوعا نتيا مع الاستئناس بما تبقى منها مخطوطا سابقا أو لاحقا عليها.. في اتجاه تلمس شخصية الكاتب إنسانا ومبدعا، إنساناً باعتباره كائنا وجوديا ينفعل ويتفاعل مع محيطه بمختلف مستوياته وظاهره ومظاهره، و مبدعاً باعتبار اختياره السردَ سبيلا لتمثل العالم حواليه وتمثيل رؤيته له فنيا.
علما بأن لشخصية محمد فري، ما يمكن اعتباره تجربة نوعية إضافية، غير منفصلة عن التعبير باللغة، وأقصد بها تجربته مع التشكيل باللون، كفضاء للاستماع عبره لما يمكن أن يبقى بحاجة إلى تمثل ربما تكون اللغة غير قادرة على إيفائه حقـَه.
*بعيدا قدر الإمكان عن التورط في مغالق الاصطلاحات ذات الصلة بمقامات السيميولوحيا، دفعا للتعالم الذي يحول أحيانا دون التواصل المنشود، تحاول هذه المداخلة مقاربة العنوان عند الكاتب محمد فري، من حيث أبنيته و دلالاته و وظائفه، ارتباطا مع ما تحيل عليه اتصالا أو انفصالا ، ضمن فضاءات بعض نصوصه السردية.
*وقد تم التركيز أساسا على اثني عشر نصا، أغلبها مما لم يتم الاشتغال عليها نقديا، و أستحضر هنا تخصيصا ، الدراسة التحليلية والنقدية التي أنجزها أستاذنا محمد داني، بعنوان الكتابة والرهانات: قراءة في ومضات محمد فري
* قلمـ صيد ـ أجرة ـ مواجهة ـ برنامج ـ روزنامة ـ سور ـ متاهة ـ مقابلة ـ العصفور ـ اعتبار ـ يوم عادي ـ خصام ـ خطبة ـ الكاتب ـ إسعاف ـ نظرات ـ انتظار ـ غصة ـ حروف ـ شعر ـ بركة ـ التفاحة ـ خيط من النور ـ فطورـ بطاقة هوية ـ عينان ـ المحاضرة ـ اللوحة ـ نشيد ـ انتصار ـ ضجيج ـ غروب ـ الصلصال ـ تسوق ـ انفجار ـ أحلام ـ دمعة ـ وعود ـ شكوى.
حبات السبحة ـ ضغط ـ شمس ـ ساعة ـ تطاول ـ خطب ـ سخرية ـ معاندة ـ ظل ـ.
*
بنية القصة القصيرة جدا عند محمد فري:انطلاقا من تصور إطار للقراءة يتخذ محاور له:
النص الفكرة أم النص الصورة ؟
نص الإقناع بمخاطبة مستوى التلقي الذهني الفكري،
أم نص الإمتاع بمخاطبة التلقي الفني الجمالي؟
مرجعية النص بين التأمل الذاتي في الواقع ، و انعكاس الواقعي على الذات؟
بين الاتجاه الوصفي والاتجاه النقدي و الانتقادي في رصد حالات الانفعال والتفاعل بين الذات والواقع.
من الصدور عن التأثر بالخارجي إلى صياغة التأثير بالداخلي،أو من الالتقاط بالمشاهدة إلى التعبير بالرؤية.
تشكلن بعض النقط المسعفة بالتوقف:
الضمير السردي / شكل النص/ الجملة السردية و الحقل الدلالي المهيمن/ العنوان:
*تعود الهيمنة في القصة القصيرة جدا، لضمير الغائب، إحالة على وظيفة الحكي التي يتكفل بها السارد من منطلق رصده الفني للواقع، كي يقدم صورة عنه منظورا إليها طبعا من زاوية رؤيته لتحقيق رهان يتقصده، غير أن الكاتب محمد فري، وبالرغم من مسايرته لهذا الخط العام، سيعمل على تجاوز السارد الراصد رواية عن الواقع الموضوعي، إلى السارد الذاتي بأناه الفردية ضمن ذلك الواقع: قصة: شمس. ساعة.
وحين ينطلق السارد من ذاته، فإن الموضوع يتخذ منحى أقرب إلى الرؤية الفلسفية، فيشتغل على تمني استمرار الفجر وهو يتأمل الشمس في الصباح، و التمني المحمول على صعوبة التحقق إن لم يكن مستحيلا ، هاجس ذو بعد إنساني، مرجعه وجود النقيض الداعي إليه في الواقع بمختلف مستوياته.
و سنجد نفس الحضور القوي بعمق الرؤيا التي تشغل السارد، في قصة : ساعة، يعبر عن رفضه للتجدد في الزمن حين يكون بلا معنى، فيمسك بعقرب الساعة حانقا من غضبه على الإزعاج الذي يسببه له توالي دقات الساعة، لينجز فعلا يستطيعه، بإرجاع العقرب ساعة إلى الوراء، تعبيرا عن رغبة تسكن الإنسان على امتداد وجوده، إما حنينا لما ينوب عما آل إليه الزمن المعيش ، وإما نزوعا نحو تجديد الابتداء خوفا من بلوغ لحظة النهاية الحتمية.
و بخلاف ما يتجه نحوه الكاتب بضمير المتكلم من شؤون وجوده الخاص، سنجده في تعاطيه مع ضمير الغائب،
ـ إما منطلقا من حالاتٍ و وقائعَ معيشةٍ تتصل بالشأن العام في المجالات الاجتماعية و السياسية، فيلامس بعض ظواهره السلبية و المتجلية خاصة في سلوكات انحرافية لبعض النماذج ، يلامس، لأنه قد لا يتعدى في أحست الأحوال ، وصف ممارسة هي في الواقع حديث العامة، بحيث لا تجد في اللقطة المرصودة ما يضيف للمعنى المتداول عمقا يستفز القارئ بمغايرة موضوعية أو فنية. مثل قصص: خطب ـ ضغط ـ وعود ـ غصة ـ
و إما ملتجئا إلى الطبيعة بشكل قريب من الرومانسية، لتقديم الفكرة المراد التعبير عنها، عبر حوار يكون تارة بين الشمس والقمر، أو بين النهر والبحر، لكنها بالرغم من صورتها الفنية وقابليتها لتعدد القراءات التي لا تضيق بالمحدد و المعين كشأن الكاتب في النصوص التي يمتح فيها من الواقع، تبقى رهينة في تأويلاتها بالإحالة على الواقع هي الأخرى، إذ يحكمها تصور قبلي بحتمية ما، يعلن عنها الكاتب كانتصار القمر على الشمس بسحره، أو هزيمة النهر صاغرا أمام البحر، في قصتي: معاندة و تطاول .
و يبدو محمد فري في الحالتين الأخيرتين، أبعد ما يكون عن ذلك العمق الذي يعبر عنه حين يكون مناجيا نفسه فيما يتصل بمعاناة الوجود في بعده الكوني.
شكل النص/
يختار السارد محمد فري بينة الشكل العمودي لمتنه السردي،
فينتظم النص في أسطر كأنه قصيدة شعر حديثة، لتقصر إلى الكلمة الواحدة حرفا ـ ثم ـ أو تطول إلى تسع كلمات ـ في الظهيرة :
أقام حفلا بسيطا للأصدقاء و تلقى بعض الهدايا ـ
و يتنامى القصة القصيرة جدا عند محمد فري، حدثيا عبر متواليات من الجمل السردية الفعلية أساسا، غير أنها بالرغم من تمام المعنى فيها، تبقى منفتحة على الملحقات الواردة، من خلال ما يمكن تصوره أثناء التلقي، ليس فقط اعتمادا على الإيحاء بما يمكن أن يستحضره القارئ تبعا للمعنى المراد تصويره، ولكن انطلاقا من وضعيته ضمن السياق الذي يشكل وعيه بذاته، نتابع الظاهرة في نص:
غصة: خمسة أسطر بخمسة أفعال ـ
حروف: ستة أسطر بستة أفعال ـ
وعود ـ أربعة أسطر بأربعة أفعال ـ
صيد : أربعة اسطر بثلاثة أفعال ـ
برنامج :ثلاثة اسطر يثلاثة أفعال ـ ضغط ساعة ظل.
إن الأفعال بحكم انتهاء حدثيتها بالزمن المقيد في تلك النصوص تمثيلا ، رغم محاولة التنويع بالمضارع للدلالة على الاستمرار في زمنيتها، تبدو غير قادرة على الدفع بالحدث لاكتساب أبعاد تصبح معها القصة ممكنة الامتداد خارج اللحظة المرصودة بإحالة ضيقة على الفعلية.
وقد تم تأجيل مقاربة الرؤية السردية ، رغم أنها أولى في الاتصال بالضمير السردي، لعلاقة بين بنية الجملة الفعلية المهيمنة و اتجاه الكاتب باستمرار للتحكم في توجيه الحدث انطلاقا من إحالته على الماضي في الغالب، ربما دفعا لأي تأويل يرتهن لغير ذلك الماضي في متابعة الحدث.
و هنا لا بأس من تسجيل إمكانية الربط بين حرص الكاتب على الانتهاء بالحدث في الماضي وتردده في الظهور بالموقف المنحاز للدلالة التي يمكن أن يحبل بها النص في ذهن المتلقي.
و هنا يمكن ملاحظة المستوى الجمالي فنيا الذي تأخذ القصة القصيرة جدا عند محمد فري حين تركب التجريد في الصورة المثالية انطلاقا من رؤية :شمس ـ ساعةـ
في مقابل ما يكتبه صدورا عما يقترب من المشاهدة أو الرواية، بحيث تصبح القصة تنويعا على خطاب مروج له ، وقد لا يكون مما تم اختباره بعمق تلك الرؤية الأولى.
فتجد الكاتب، واضحا في رؤيته النقدية أو الانتقادية لمظاهر و سلوكات تعتبر سلبية ومحبطة لاستواء العالم، لكن في حدود الواقعي ضمن شهادات موازية على هامش أحداث قد تكون عابرة، لأنها في النهاية قد لا تصنع قصة قصيرة جدا، رغم نجاحها في جل آلياتها الكتابية من تكثيف قد لا يتجاوز الاقتصاد في اللغة أو احتزال مساحة بياض الحكي.
إن قارئ ومضات الكاتب محمد فري، يجد نفسه محاصرا بعدة تساؤلات تفضي إلى اختبار إضافته النوعية سرديا على مستوى كتابة القصة القصيرة جدا،
و قد تبدو تجربة الكاتب في هذا السياق، متأرجحة بين الانتصار حينا للنص الفكرة ، وأحيانا كثيرة للنص المشهد، ـ بين ثلاثين نصا سرديا قصيرا جدا، يمكن احتساب نصين أو ثلاثة من الفئة الأولى، بينما تبقى النصوص المهيمنة ذات طابع مشهدي مستندة لمجريات الواقع العيني.
وقد يكون لمرجعية النص السردي عند محمد فري ، أثر في هذا التوجه ، إذ يبدو أكثر ميلا إلى تلقي انعكاس الواقعي على الذات،منه إلى التأمل الذاتي في الواقع .
وتكون النتيجة اختيارالاتجاه الوصفي ذي الطابع النقدي أو الانتقادي في رصد حالات الانفعال والتفاعل بين الذات والواقع، في مرحلة معينة و ظرفية خاصة،
دون أن يعني ذلك غياب الابتكار في تخيل المادة الحكائية الذاهبة بعيدا في العمق الفكري والتأمل الذهني.
لأن الانطلاق من التأثر بالخارجي لصياغة التأثير بالداخلي،أو من الالتقاط بالمشاهدة إلى التعبير بالرؤية، قد لا يكون مرهونا دائما بالتصور الإيديولوجي أو الانتماء الثقافي للكاتب.
العنوان :
من ثقافة قراءة المتون إلى تجريب قراءة العناوين في مجاميع القصص القصيرة جدا خاصة.
*هل نقف أمام فهرس العناوين لملاحظة ما يصل بعضها ببعض تقاربا أو تباعدا، خاصة إذا كان العنوان الرئيس ضمنها؟
التساؤل عن أيهما الأسبق في الوجود، العنوان أم النص؟
*بمعنى ، هل يوضع العنوان باعتباره نواة قابلة للتشذير عبر المتن السردي ـ العنوان الفكرة المهيمنة على الحالة المولدة للنص؟ أم أن النص يكتب على الانسياب من إحساس أو تأثر انطلاقا من فكرة أو تصور، على أساس البحث لها أو له عن تجسيد أو صيغة ـ النص تمثيل عليها؟
بمعنى آخر، ثمة أهمية للتأمل في العنوان في علاقته بالنص السردي القصير جدا، تتجاوز أهمية تأمله في غيره من أشكال السرد، بحكم قيامه أساسا على التكثيف،بحيث يصبح العنوان محور الدلالة الكلية للنص،
هل يمكن التساؤل عن مدى تمثيل العناوين بحمولا تها الواردة معجميا أو دلاليا ـ الحقيقة والمجازـ لمستوى أو مستويات الوعي بالعالم عند الكاتب؟
*يمثل العنوان عتبة نصية تمهد لاختبار قدرة القارئ على مقاربة مدلوله اعتمادا على مرجعيته في الذاكرة النفسية والاجتماعية .
و قد يسعف تأمل بنية العنوان اللغوية أو البلاغية ، في توقع الحركة الداخلية للنص ، إذا كان ذا حمولة تجد مرجعها في الدلالات الاستعارية أو الرمزية، والتي تتجاوز تلك العلاقة الاعتباطية بين الدال والمدلول.
*يمكن النظر للعنوان على أنه عتبة سردية خارجية تبحث عن تأويل متعدد ، حيث تعتمد صيغته النحوية على التقدير، كخلفية للتعاقد المحتمل بين القارئ والكاتب وعملية الاستدعاء التى يتكفل بها المتلقي اعتمادا تقدير المحذوف من العنوان .
نفترض أن هناك عالما من الأفكار التي يسبح فيها الكاتب، بمرجعيته الثقافية والفكرية و الدينية والاجتماعية، بحيث تهيمن تفاعلاتها في وعيه ولاوعيه، فتوجه رؤيته للأشياء وتتحكم في صياغته للتعبيرات عنها باللغة وفق طقوس التلقي كما يختزنها الكاتب أو كما يتصور آفاقها في عملية التفاعل مع القارئ .
*هل لترتيب العناوين دلالته؟ تساؤل قد يبدو اعتباطيا، لأن تحميل الترتيب إيحاءات أو دلالات، قد يبقى من قبيل التكهنات غير القابلة للتدليل عليها بالتحليل، إلا بالتأويلات الخارج نصية.
مع ذلك، قد تكون لقراءة الترتيب متعة التلقي حين تكون حافزا على افتراضات ذات صلة بالمناخ العام لعوالم النصوص منفصلة أو متصلة.
*قد يجد البعض في الاشتغال على العنوان ـ العناوين، كثيرا من مظاهر التمحل التي تبتعد بالتلقي عن الارتباط بالنصوص المعالجة، ذلك أن الأمر ممكن من خلال التعامل مع عنوان خاص ارتباطا بنصه، لكنه قد يبدو مستعصيا من خلال التعاطي مع مجموعة من العناوين ، خاصة إذا كان وضعها على نسق معين من الترتيب اعتباطيا، ليست للكاتب يد فيه مثلا.
*لعل أبسط سؤال هو : ما مدى الاتصال أو الانفصال بين العنوان والنص
*هل تشكل العناوين معجميا حقلا أو حقولا دلالية؟
*ماهي إمكانية الاستنتاجات من متابعة بنياتها اللغوية :
الإفراد والجمع ، التنكير والتعريف، التذكير والتأنيث،الجامد والمشتق، البسيط و المركب، صيغ الأوزان
*هل تسعف العناوين مفردة أو مجتمعة في رسم ملامح أفق انتظارات المتلقي في وعي الكاتب بمقامات التلقي ؟
*هل تقدم العناوين إمكانية الانفتاح على تقديرات الغائب أو المعلق خارج العنوان؟ اتصالا بافتراضات واردة لما يسبقها أو ما يأتي بعدها، في ذهن المتلقي.
لماذا هذا الاتجاه في التعاطي مع العنوان عند القاص محمد فري؟
أثارتني هيمنة المفرد في تشكيل العنوان المتعدد الصيغ،وكان السؤال عن تلك الهيمنة مدخل البحث في بنياته، على أمل التوقف عند دلالتها و وظائفها الممكنة.
مبدئيا أتصور أن ميل الكاتب إلى ترجيح كفة عنوان على آخر، إنما يستجيب فيه لضرورة ذهنية، يتحقق معها التناسب بين العنوان كعتبة سردية، وبين الحمولة الدلالية المتوخاة بالصورة الفنية، إما على سبيل الإقناع بالفكرة التي يشتغل عليها النص ضمن استراتيجية صياغة التلقي المستهدف، و إما من أجل الإمتاع بمستوى وشكل من التخيل ينزاح في تعبيره السردي عن الرسالة، متوسلا بالكناية أو الرمز أو حتى الأسطورة.
من هنا كان منطلقي في مساءلتي للعنوان المفرد عند محمد فري وهيمنته في ومضاته، فقد نظرت إليه في البداية منعزلا عن النص، قبل ربطه بما وضع ليكون علامة عليه، ونصا موازيا له،بعد استثناء صيغة الجملة الاسمية، /خيط من نور/ بطاقة هوية/ )
هيمنة العنوان المفرد النكرة على المعرفة المؤنث مفردا أو جمعا على المذكر
المشتق على الجامد الاسم على الفعل بشكل مطلق / أوزان: مفاعلة ـ افتعال ـ انفعال .
- جملتان بالإضافة.
للتعريف وظيفة التعيين والتخصيص بهدف إخراج الخاص من العام، غير أنه في الدلالة أضيق مساحة من التنكير، لما يسمح به التنكير من انفتاح على التعميم من خلال فسح مجال التأويل أمام القارئ،(
ويتضح جليا تحيزها ضمن حقول دلالية مرتبطة بالأبعاد النفسية والاجتماعية والثقافية والطبيعية، مما يعكس – انطلاقا من تلك العناوين العتبات- تنوع المصادر التي يمتح منها محمد فري، ككائن عضوي متفاعل مع النسيج التحولي للبيئة التي ينتمي إليها و يعايشها.
ـ2ـ
محاولة التمثيل على تلك التساؤلات من صميم المتن السردي، و تحديدا من خلال عناوين ونصوص بعينها لتناسبها الكبير مع اتجاه القراءة:
قلمـ صيد ـ أجرة ـ مواجهة ـ برنامج ـ روزنامة ـ سور ـ متاهة ـ مقابلة ـ العصفور ـ اعتبار ـ يوم عادي ـ خصام ـ خطبة ـ الكاتب ـ إسعاف ـ نظرات ـ انتظار ـ غصة ـ حروف ـ شعر ـ بركة ـ التفاحة ـ خيط من النور ـ فطورـ بطاقة هوية ـ عينان ـ المحاضرة ـ اللوحة ـ نشيد ـ انتصار ـ ضجيج ـ غروب ـ الصلصال ـ تسوق ـ انفجار ـ أحلام ـ دمعة ـ وعود ـ شكوى.
حبات السبحة ـ ضغط ـ شمس ـ ساعة ـ تطاول ـ خطب ـ سخرية ـ معاندة ـ ظل ـ.
نماذج من ومضات محمد فري:
ظل
امتد الظل طويلا
ازداد امتدادا
سعد بانتشاره
أحس بامتلاكه الكون
عندما غابت الشمس
اكتشف أنه كان...
ظلا فقط
*
معاندة
قالت الشمس للقمر
" أنا أقوى منك "
علق القمر هادئا:
" أنا أكثر منك سحرا " !!
**
خطب
تتابع الخطباء على المنصة دون انقطاع
أحس الميكروفون بالملل
فتظاهر ... بالعطب !
***
تطاول
تطاول النهر يوما على البحر
خاطبه هذا الأخير:
" ستعود إلي صاغرا "
****
شمس
تأملت الشمس مليا هذا الصباح
و تمنيت
أن تظل فجرا باستمرار
*****
ساعة
أزعجتني دقات الساعة
وهي تعلن عن ساعة جديدة
أمسكت بالعقرب حانقا
وأرجعته ساعة إلى الوراء
******
ضغط
يفكرون...
يتهامسون...
يتساءلون في صمت
و عندما يلح عليهم السؤال
و يثقل عليهم الهمس
ينفجرون
) في نهاية أخرى(
يستسلمون....
*******
حروف
صعد الخطيب إلى المنبر
جذب الورقة من جيبه
فوجئ بالورقة بيضاء ناصعة
تلفت حوله
اكتشف أكوام الحروف قد تسربت منها
و تبعثرت على الأرض
********
وعود
وقف مرشح البرلمان يعرض مزايا مشروعه
انتظر تصفيقات الجمهور...
عم صمت ثقيل...
ثم....
تعالت قهقهات صاخبة
*********
صيد
ألقى الصياد صنارته إلى البحر
جذبها بعد لحظة
وجد بها...
علبة سردين.. من صنع أجنبي
**********
برنامج
في الصباح: نال الشهادة وفرح بنجاحه
في الظهيرة: أقام حفلا بسيطا للأصدقاء وتلقى بعض الهدايا
في المساء: اعتصم مع المحتجين وتلقى هدايا أخرى
****** *****
غصة
أحس بالجوع
تناول كسرة خبز
اتجهت بها يده نحو فمه
لاحظ عينا ترقبه..
فجأة...جمدت يده.
**
سوف تتم مراجعة الكلمة لصياغة قراءة نقدية متكاملة.
*بعيدا عن محاولة الدخول في متاهات التعريف والتحديد، لما صار يعرف بالقصة القصيرة جدا ضمن أشكال الكتابة السردية المعاصرة،سواء من حيث تسميتها أو من حيث خصوصياتها النوعية اتصالا بامتدادات القصة القصيرة ، سأحاول التوقف عند النصوص من منطلق التسليم بالتصنيف الذي ارتضاه لها صاحبها، ذلك أن الانطلاق من تقييد مسبق للنوع ، قد يكون متكِئاً على اتجاه أو مذهب، وبالتالي قد يؤدي حتى دون النية في ذلك، إلى إقصاء كتابة مغايرة على الاختلاف في المنحى أو التصور.
*ننطلق من إمكانية مساءلة العالم السردي عند محمد فري في قصصه القصيرة جدا، اعتمادا على ما صدر مطبوعا نتيا مع الاستئناس بما تبقى منها مخطوطا سابقا أو لاحقا عليها.. في اتجاه تلمس شخصية الكاتب إنسانا ومبدعا، إنساناً باعتباره كائنا وجوديا ينفعل ويتفاعل مع محيطه بمختلف مستوياته وظاهره ومظاهره، و مبدعاً باعتبار اختياره السردَ سبيلا لتمثل العالم حواليه وتمثيل رؤيته له فنيا.
علما بأن لشخصية محمد فري، ما يمكن اعتباره تجربة نوعية إضافية، غير منفصلة عن التعبير باللغة، وأقصد بها تجربته مع التشكيل باللون، كفضاء للاستماع عبره لما يمكن أن يبقى بحاجة إلى تمثل ربما تكون اللغة غير قادرة على إيفائه حقـَه.
*بعيدا قدر الإمكان عن التورط في مغالق الاصطلاحات ذات الصلة بمقامات السيميولوحيا، دفعا للتعالم الذي يحول أحيانا دون التواصل المنشود، تحاول هذه المداخلة مقاربة العنوان عند الكاتب محمد فري، من حيث أبنيته و دلالاته و وظائفه، ارتباطا مع ما تحيل عليه اتصالا أو انفصالا ، ضمن فضاءات بعض نصوصه السردية.
*وقد تم التركيز أساسا على اثني عشر نصا، أغلبها مما لم يتم الاشتغال عليها نقديا، و أستحضر هنا تخصيصا ، الدراسة التحليلية والنقدية التي أنجزها أستاذنا محمد داني، بعنوان الكتابة والرهانات: قراءة في ومضات محمد فري
* قلمـ صيد ـ أجرة ـ مواجهة ـ برنامج ـ روزنامة ـ سور ـ متاهة ـ مقابلة ـ العصفور ـ اعتبار ـ يوم عادي ـ خصام ـ خطبة ـ الكاتب ـ إسعاف ـ نظرات ـ انتظار ـ غصة ـ حروف ـ شعر ـ بركة ـ التفاحة ـ خيط من النور ـ فطورـ بطاقة هوية ـ عينان ـ المحاضرة ـ اللوحة ـ نشيد ـ انتصار ـ ضجيج ـ غروب ـ الصلصال ـ تسوق ـ انفجار ـ أحلام ـ دمعة ـ وعود ـ شكوى.
حبات السبحة ـ ضغط ـ شمس ـ ساعة ـ تطاول ـ خطب ـ سخرية ـ معاندة ـ ظل ـ.
*
بنية القصة القصيرة جدا عند محمد فري:انطلاقا من تصور إطار للقراءة يتخذ محاور له:
النص الفكرة أم النص الصورة ؟
نص الإقناع بمخاطبة مستوى التلقي الذهني الفكري،
أم نص الإمتاع بمخاطبة التلقي الفني الجمالي؟
مرجعية النص بين التأمل الذاتي في الواقع ، و انعكاس الواقعي على الذات؟
بين الاتجاه الوصفي والاتجاه النقدي و الانتقادي في رصد حالات الانفعال والتفاعل بين الذات والواقع.
من الصدور عن التأثر بالخارجي إلى صياغة التأثير بالداخلي،أو من الالتقاط بالمشاهدة إلى التعبير بالرؤية.
تشكلن بعض النقط المسعفة بالتوقف:
الضمير السردي / شكل النص/ الجملة السردية و الحقل الدلالي المهيمن/ العنوان:
*تعود الهيمنة في القصة القصيرة جدا، لضمير الغائب، إحالة على وظيفة الحكي التي يتكفل بها السارد من منطلق رصده الفني للواقع، كي يقدم صورة عنه منظورا إليها طبعا من زاوية رؤيته لتحقيق رهان يتقصده، غير أن الكاتب محمد فري، وبالرغم من مسايرته لهذا الخط العام، سيعمل على تجاوز السارد الراصد رواية عن الواقع الموضوعي، إلى السارد الذاتي بأناه الفردية ضمن ذلك الواقع: قصة: شمس. ساعة.
وحين ينطلق السارد من ذاته، فإن الموضوع يتخذ منحى أقرب إلى الرؤية الفلسفية، فيشتغل على تمني استمرار الفجر وهو يتأمل الشمس في الصباح، و التمني المحمول على صعوبة التحقق إن لم يكن مستحيلا ، هاجس ذو بعد إنساني، مرجعه وجود النقيض الداعي إليه في الواقع بمختلف مستوياته.
و سنجد نفس الحضور القوي بعمق الرؤيا التي تشغل السارد، في قصة : ساعة، يعبر عن رفضه للتجدد في الزمن حين يكون بلا معنى، فيمسك بعقرب الساعة حانقا من غضبه على الإزعاج الذي يسببه له توالي دقات الساعة، لينجز فعلا يستطيعه، بإرجاع العقرب ساعة إلى الوراء، تعبيرا عن رغبة تسكن الإنسان على امتداد وجوده، إما حنينا لما ينوب عما آل إليه الزمن المعيش ، وإما نزوعا نحو تجديد الابتداء خوفا من بلوغ لحظة النهاية الحتمية.
و بخلاف ما يتجه نحوه الكاتب بضمير المتكلم من شؤون وجوده الخاص، سنجده في تعاطيه مع ضمير الغائب،
ـ إما منطلقا من حالاتٍ و وقائعَ معيشةٍ تتصل بالشأن العام في المجالات الاجتماعية و السياسية، فيلامس بعض ظواهره السلبية و المتجلية خاصة في سلوكات انحرافية لبعض النماذج ، يلامس، لأنه قد لا يتعدى في أحست الأحوال ، وصف ممارسة هي في الواقع حديث العامة، بحيث لا تجد في اللقطة المرصودة ما يضيف للمعنى المتداول عمقا يستفز القارئ بمغايرة موضوعية أو فنية. مثل قصص: خطب ـ ضغط ـ وعود ـ غصة ـ
و إما ملتجئا إلى الطبيعة بشكل قريب من الرومانسية، لتقديم الفكرة المراد التعبير عنها، عبر حوار يكون تارة بين الشمس والقمر، أو بين النهر والبحر، لكنها بالرغم من صورتها الفنية وقابليتها لتعدد القراءات التي لا تضيق بالمحدد و المعين كشأن الكاتب في النصوص التي يمتح فيها من الواقع، تبقى رهينة في تأويلاتها بالإحالة على الواقع هي الأخرى، إذ يحكمها تصور قبلي بحتمية ما، يعلن عنها الكاتب كانتصار القمر على الشمس بسحره، أو هزيمة النهر صاغرا أمام البحر، في قصتي: معاندة و تطاول .
و يبدو محمد فري في الحالتين الأخيرتين، أبعد ما يكون عن ذلك العمق الذي يعبر عنه حين يكون مناجيا نفسه فيما يتصل بمعاناة الوجود في بعده الكوني.
شكل النص/
يختار السارد محمد فري بينة الشكل العمودي لمتنه السردي،
فينتظم النص في أسطر كأنه قصيدة شعر حديثة، لتقصر إلى الكلمة الواحدة حرفا ـ ثم ـ أو تطول إلى تسع كلمات ـ في الظهيرة :
أقام حفلا بسيطا للأصدقاء و تلقى بعض الهدايا ـ
و يتنامى القصة القصيرة جدا عند محمد فري، حدثيا عبر متواليات من الجمل السردية الفعلية أساسا، غير أنها بالرغم من تمام المعنى فيها، تبقى منفتحة على الملحقات الواردة، من خلال ما يمكن تصوره أثناء التلقي، ليس فقط اعتمادا على الإيحاء بما يمكن أن يستحضره القارئ تبعا للمعنى المراد تصويره، ولكن انطلاقا من وضعيته ضمن السياق الذي يشكل وعيه بذاته، نتابع الظاهرة في نص:
غصة: خمسة أسطر بخمسة أفعال ـ
حروف: ستة أسطر بستة أفعال ـ
وعود ـ أربعة أسطر بأربعة أفعال ـ
صيد : أربعة اسطر بثلاثة أفعال ـ
برنامج :ثلاثة اسطر يثلاثة أفعال ـ ضغط ساعة ظل.
إن الأفعال بحكم انتهاء حدثيتها بالزمن المقيد في تلك النصوص تمثيلا ، رغم محاولة التنويع بالمضارع للدلالة على الاستمرار في زمنيتها، تبدو غير قادرة على الدفع بالحدث لاكتساب أبعاد تصبح معها القصة ممكنة الامتداد خارج اللحظة المرصودة بإحالة ضيقة على الفعلية.
وقد تم تأجيل مقاربة الرؤية السردية ، رغم أنها أولى في الاتصال بالضمير السردي، لعلاقة بين بنية الجملة الفعلية المهيمنة و اتجاه الكاتب باستمرار للتحكم في توجيه الحدث انطلاقا من إحالته على الماضي في الغالب، ربما دفعا لأي تأويل يرتهن لغير ذلك الماضي في متابعة الحدث.
و هنا لا بأس من تسجيل إمكانية الربط بين حرص الكاتب على الانتهاء بالحدث في الماضي وتردده في الظهور بالموقف المنحاز للدلالة التي يمكن أن يحبل بها النص في ذهن المتلقي.
و هنا يمكن ملاحظة المستوى الجمالي فنيا الذي تأخذ القصة القصيرة جدا عند محمد فري حين تركب التجريد في الصورة المثالية انطلاقا من رؤية :شمس ـ ساعةـ
في مقابل ما يكتبه صدورا عما يقترب من المشاهدة أو الرواية، بحيث تصبح القصة تنويعا على خطاب مروج له ، وقد لا يكون مما تم اختباره بعمق تلك الرؤية الأولى.
فتجد الكاتب، واضحا في رؤيته النقدية أو الانتقادية لمظاهر و سلوكات تعتبر سلبية ومحبطة لاستواء العالم، لكن في حدود الواقعي ضمن شهادات موازية على هامش أحداث قد تكون عابرة، لأنها في النهاية قد لا تصنع قصة قصيرة جدا، رغم نجاحها في جل آلياتها الكتابية من تكثيف قد لا يتجاوز الاقتصاد في اللغة أو احتزال مساحة بياض الحكي.
إن قارئ ومضات الكاتب محمد فري، يجد نفسه محاصرا بعدة تساؤلات تفضي إلى اختبار إضافته النوعية سرديا على مستوى كتابة القصة القصيرة جدا،
و قد تبدو تجربة الكاتب في هذا السياق، متأرجحة بين الانتصار حينا للنص الفكرة ، وأحيانا كثيرة للنص المشهد، ـ بين ثلاثين نصا سرديا قصيرا جدا، يمكن احتساب نصين أو ثلاثة من الفئة الأولى، بينما تبقى النصوص المهيمنة ذات طابع مشهدي مستندة لمجريات الواقع العيني.
وقد يكون لمرجعية النص السردي عند محمد فري ، أثر في هذا التوجه ، إذ يبدو أكثر ميلا إلى تلقي انعكاس الواقعي على الذات،منه إلى التأمل الذاتي في الواقع .
وتكون النتيجة اختيارالاتجاه الوصفي ذي الطابع النقدي أو الانتقادي في رصد حالات الانفعال والتفاعل بين الذات والواقع، في مرحلة معينة و ظرفية خاصة،
دون أن يعني ذلك غياب الابتكار في تخيل المادة الحكائية الذاهبة بعيدا في العمق الفكري والتأمل الذهني.
لأن الانطلاق من التأثر بالخارجي لصياغة التأثير بالداخلي،أو من الالتقاط بالمشاهدة إلى التعبير بالرؤية، قد لا يكون مرهونا دائما بالتصور الإيديولوجي أو الانتماء الثقافي للكاتب.
العنوان :
من ثقافة قراءة المتون إلى تجريب قراءة العناوين في مجاميع القصص القصيرة جدا خاصة.
*هل نقف أمام فهرس العناوين لملاحظة ما يصل بعضها ببعض تقاربا أو تباعدا، خاصة إذا كان العنوان الرئيس ضمنها؟
التساؤل عن أيهما الأسبق في الوجود، العنوان أم النص؟
*بمعنى ، هل يوضع العنوان باعتباره نواة قابلة للتشذير عبر المتن السردي ـ العنوان الفكرة المهيمنة على الحالة المولدة للنص؟ أم أن النص يكتب على الانسياب من إحساس أو تأثر انطلاقا من فكرة أو تصور، على أساس البحث لها أو له عن تجسيد أو صيغة ـ النص تمثيل عليها؟
بمعنى آخر، ثمة أهمية للتأمل في العنوان في علاقته بالنص السردي القصير جدا، تتجاوز أهمية تأمله في غيره من أشكال السرد، بحكم قيامه أساسا على التكثيف،بحيث يصبح العنوان محور الدلالة الكلية للنص،
هل يمكن التساؤل عن مدى تمثيل العناوين بحمولا تها الواردة معجميا أو دلاليا ـ الحقيقة والمجازـ لمستوى أو مستويات الوعي بالعالم عند الكاتب؟
*يمثل العنوان عتبة نصية تمهد لاختبار قدرة القارئ على مقاربة مدلوله اعتمادا على مرجعيته في الذاكرة النفسية والاجتماعية .
و قد يسعف تأمل بنية العنوان اللغوية أو البلاغية ، في توقع الحركة الداخلية للنص ، إذا كان ذا حمولة تجد مرجعها في الدلالات الاستعارية أو الرمزية، والتي تتجاوز تلك العلاقة الاعتباطية بين الدال والمدلول.
*يمكن النظر للعنوان على أنه عتبة سردية خارجية تبحث عن تأويل متعدد ، حيث تعتمد صيغته النحوية على التقدير، كخلفية للتعاقد المحتمل بين القارئ والكاتب وعملية الاستدعاء التى يتكفل بها المتلقي اعتمادا تقدير المحذوف من العنوان .
نفترض أن هناك عالما من الأفكار التي يسبح فيها الكاتب، بمرجعيته الثقافية والفكرية و الدينية والاجتماعية، بحيث تهيمن تفاعلاتها في وعيه ولاوعيه، فتوجه رؤيته للأشياء وتتحكم في صياغته للتعبيرات عنها باللغة وفق طقوس التلقي كما يختزنها الكاتب أو كما يتصور آفاقها في عملية التفاعل مع القارئ .
*هل لترتيب العناوين دلالته؟ تساؤل قد يبدو اعتباطيا، لأن تحميل الترتيب إيحاءات أو دلالات، قد يبقى من قبيل التكهنات غير القابلة للتدليل عليها بالتحليل، إلا بالتأويلات الخارج نصية.
مع ذلك، قد تكون لقراءة الترتيب متعة التلقي حين تكون حافزا على افتراضات ذات صلة بالمناخ العام لعوالم النصوص منفصلة أو متصلة.
*قد يجد البعض في الاشتغال على العنوان ـ العناوين، كثيرا من مظاهر التمحل التي تبتعد بالتلقي عن الارتباط بالنصوص المعالجة، ذلك أن الأمر ممكن من خلال التعامل مع عنوان خاص ارتباطا بنصه، لكنه قد يبدو مستعصيا من خلال التعاطي مع مجموعة من العناوين ، خاصة إذا كان وضعها على نسق معين من الترتيب اعتباطيا، ليست للكاتب يد فيه مثلا.
*لعل أبسط سؤال هو : ما مدى الاتصال أو الانفصال بين العنوان والنص
*هل تشكل العناوين معجميا حقلا أو حقولا دلالية؟
*ماهي إمكانية الاستنتاجات من متابعة بنياتها اللغوية :
الإفراد والجمع ، التنكير والتعريف، التذكير والتأنيث،الجامد والمشتق، البسيط و المركب، صيغ الأوزان
*هل تسعف العناوين مفردة أو مجتمعة في رسم ملامح أفق انتظارات المتلقي في وعي الكاتب بمقامات التلقي ؟
*هل تقدم العناوين إمكانية الانفتاح على تقديرات الغائب أو المعلق خارج العنوان؟ اتصالا بافتراضات واردة لما يسبقها أو ما يأتي بعدها، في ذهن المتلقي.
لماذا هذا الاتجاه في التعاطي مع العنوان عند القاص محمد فري؟
أثارتني هيمنة المفرد في تشكيل العنوان المتعدد الصيغ،وكان السؤال عن تلك الهيمنة مدخل البحث في بنياته، على أمل التوقف عند دلالتها و وظائفها الممكنة.
مبدئيا أتصور أن ميل الكاتب إلى ترجيح كفة عنوان على آخر، إنما يستجيب فيه لضرورة ذهنية، يتحقق معها التناسب بين العنوان كعتبة سردية، وبين الحمولة الدلالية المتوخاة بالصورة الفنية، إما على سبيل الإقناع بالفكرة التي يشتغل عليها النص ضمن استراتيجية صياغة التلقي المستهدف، و إما من أجل الإمتاع بمستوى وشكل من التخيل ينزاح في تعبيره السردي عن الرسالة، متوسلا بالكناية أو الرمز أو حتى الأسطورة.
من هنا كان منطلقي في مساءلتي للعنوان المفرد عند محمد فري وهيمنته في ومضاته، فقد نظرت إليه في البداية منعزلا عن النص، قبل ربطه بما وضع ليكون علامة عليه، ونصا موازيا له،بعد استثناء صيغة الجملة الاسمية، /خيط من نور/ بطاقة هوية/ )
هيمنة العنوان المفرد النكرة على المعرفة المؤنث مفردا أو جمعا على المذكر
المشتق على الجامد الاسم على الفعل بشكل مطلق / أوزان: مفاعلة ـ افتعال ـ انفعال .
- جملتان بالإضافة.
للتعريف وظيفة التعيين والتخصيص بهدف إخراج الخاص من العام، غير أنه في الدلالة أضيق مساحة من التنكير، لما يسمح به التنكير من انفتاح على التعميم من خلال فسح مجال التأويل أمام القارئ،(
ويتضح جليا تحيزها ضمن حقول دلالية مرتبطة بالأبعاد النفسية والاجتماعية والثقافية والطبيعية، مما يعكس – انطلاقا من تلك العناوين العتبات- تنوع المصادر التي يمتح منها محمد فري، ككائن عضوي متفاعل مع النسيج التحولي للبيئة التي ينتمي إليها و يعايشها.
ـ2ـ
محاولة التمثيل على تلك التساؤلات من صميم المتن السردي، و تحديدا من خلال عناوين ونصوص بعينها لتناسبها الكبير مع اتجاه القراءة:
قلمـ صيد ـ أجرة ـ مواجهة ـ برنامج ـ روزنامة ـ سور ـ متاهة ـ مقابلة ـ العصفور ـ اعتبار ـ يوم عادي ـ خصام ـ خطبة ـ الكاتب ـ إسعاف ـ نظرات ـ انتظار ـ غصة ـ حروف ـ شعر ـ بركة ـ التفاحة ـ خيط من النور ـ فطورـ بطاقة هوية ـ عينان ـ المحاضرة ـ اللوحة ـ نشيد ـ انتصار ـ ضجيج ـ غروب ـ الصلصال ـ تسوق ـ انفجار ـ أحلام ـ دمعة ـ وعود ـ شكوى.
حبات السبحة ـ ضغط ـ شمس ـ ساعة ـ تطاول ـ خطب ـ سخرية ـ معاندة ـ ظل ـ.
نماذج من ومضات محمد فري:
ظل
امتد الظل طويلا
ازداد امتدادا
سعد بانتشاره
أحس بامتلاكه الكون
عندما غابت الشمس
اكتشف أنه كان...
ظلا فقط
*
معاندة
قالت الشمس للقمر
" أنا أقوى منك "
علق القمر هادئا:
" أنا أكثر منك سحرا " !!
**
خطب
تتابع الخطباء على المنصة دون انقطاع
أحس الميكروفون بالملل
فتظاهر ... بالعطب !
***
تطاول
تطاول النهر يوما على البحر
خاطبه هذا الأخير:
" ستعود إلي صاغرا "
****
شمس
تأملت الشمس مليا هذا الصباح
و تمنيت
أن تظل فجرا باستمرار
*****
ساعة
أزعجتني دقات الساعة
وهي تعلن عن ساعة جديدة
أمسكت بالعقرب حانقا
وأرجعته ساعة إلى الوراء
******
ضغط
يفكرون...
يتهامسون...
يتساءلون في صمت
و عندما يلح عليهم السؤال
و يثقل عليهم الهمس
ينفجرون
) في نهاية أخرى(
يستسلمون....
*******
حروف
صعد الخطيب إلى المنبر
جذب الورقة من جيبه
فوجئ بالورقة بيضاء ناصعة
تلفت حوله
اكتشف أكوام الحروف قد تسربت منها
و تبعثرت على الأرض
********
وعود
وقف مرشح البرلمان يعرض مزايا مشروعه
انتظر تصفيقات الجمهور...
عم صمت ثقيل...
ثم....
تعالت قهقهات صاخبة
*********
صيد
ألقى الصياد صنارته إلى البحر
جذبها بعد لحظة
وجد بها...
علبة سردين.. من صنع أجنبي
**********
برنامج
في الصباح: نال الشهادة وفرح بنجاحه
في الظهيرة: أقام حفلا بسيطا للأصدقاء وتلقى بعض الهدايا
في المساء: اعتصم مع المحتجين وتلقى هدايا أخرى
****** *****
غصة
أحس بالجوع
تناول كسرة خبز
اتجهت بها يده نحو فمه
لاحظ عينا ترقبه..
فجأة...جمدت يده.
**
سوف تتم مراجعة الكلمة لصياغة قراءة نقدية متكاملة.