نقوس المهدي
كاتب
- " إحكِ لي قصة يا إليا إبراموفج "
هكذا قلتُ ونحن نستلقي على الرمال الذهبية الدافئة بعد أن اخترقا الأرض الرخوة التي غطاها الحصى على ساحل " ألوبكا "
دفع إليا قبعته إلى الخلف كعادته وفكر مليا قبل أن يجيب . كان شخصا بدينا قصيرا من منطقة القِرِم ذا وجه سفعته الشمس وعينين مرحتين . إبتسم بمكر وغرق في تأمل عميق بأمر لا يعرفه سواه ، ثم أخرج قنينة الشراب من جيب معطفه .
صَفَـَرَ وهو يهز برأسه : " ثمة فلينة داخل القنينة ! وأضاف حاملا إياها : أتريد بعضا منها ؟ "
قلت بريبة : " لكنك تقول أن هناك فلينة في الخمر ... "
فردّ إليا بالإيجاب قائلا : " أجل ! ولكن ألم تسمع بالمثل التركي :
" إنه لأحمق من يرمي البطانية كلها إلى النار بسبب برغوث واحد فيها ؟! "
فأمال َ رأسه إلى الخلف وضغط القنينة على شفتيه .
وهنا مَرَقـَتْ فتاتان انكليزيتان من الأكواخ الصيفية المجاورة يرافقهما كلب ضخم أخذتاه للسباحة مرات عدة في ذلك اليوم ... وسار مجهدا على الرمل شاب وسيم يشي بأنه تاجر من موسكو . كان بدينا وقد تقطعت أنفاسه بَيْدَ أن الطيبة كانت تتراءى على محياه كأنه عجل قد أتقنت تغذيته .
تابع إليا هؤلاء الناس كلهم بعينين مرحتين طيبتين لكنهما تخفيان شيئا من المكر في الوقت نفسه.
وفجأة التفت إلي قائلا :
" حسنا ! سأحكي لك قصة شرقية عن الموضوع الذي ورد في ذهنك الآن ... وأفصد النساء ! "
فضحكت قائلا له :
" ولماذا تعتقد بأني أفكر بالنساء ؟ "
صفر إليا وأردف قائلا :
" لا يفكر أي شخص في العالم إلا بالنساء . و قد وجد كل شيء في العالم من أجلهن ، إضافة إلى ذلك فإننا ننفق عليهن كل شيء
نملكه . "
والآن أرهف السمع إليّ ...
أثنى إحدى ركبتيه تحت الأخرى ووضع قبعته على الرمل . وبعينين نصف مغمضتين بدأ حكايته :
" ذات يوم كان هناك أحد الأتراك . وقد اتصف بالطيبة والنبل . كان فقيرا لا يملك في الدنيا إلا زوجته الوحيدة . وقد كدح بجد ومارس أشق الأعمال إلا أن الفقر ظل يلازمه . وكان ينفق كل ما يحصل عليه لشراء الطعام ويشتري بما يتبقى له هدايا يقدمها لزوجته فقد كان يحبها بإخلاص ويشعر بالخجل لأن هداياه كانت رخيصة حتى ران الحزن على ذلك الرجل التركي .
وفي أحد الأيام ، وبينما كان جالسا على عتبة كوخه مع زوجته تنهد قائلا :
" يا الله ... يا الله أنك ترى كيف أنني أعمل بجد إلا أنك لم تستجب لأية أمنية من أمنياتي ولم أشعر بالسعادة في حياتي أبدا . وقد يبقى الأمر معي هكذا حتى أموت . .. وستتركني في البرد يا الله يا أرحم الراحمين ! "
وفي ذلك الوقت مر عبر القرية نبيّ ووصل إلى كوخ التركي وسمع تفجعه فأمسك برأسه قائلا :
" إنك تلقي اللوم على الله عبثا ...إنك لا تستحق السعادة . "
فصرخ التركي : " ماذا ؟ لا أستحق السعادة ؟ أنا الذي بدأت العمل منذ أن كنت على صدر أمي ؟! "
قال النبي : " نعم ! إنك لا تستحق السعادة فأنت تحب
زوجتك كثيرا ."
وهنا استشاط التركي غضبا وقال : " أنا أحب زوجتي ؟
"ماذا إذا ً ؟ إنني لم أذق طعم السعادة في حياتي وتريد مني الآن أن أتشاجر مع زوجتي . "
قال النبي وهو يبتسم : " الأمر على النقيض مما تظن ، لقد جئت لأساعدك "
قال التركي : " بارك الله فيك . أرجوك أعنـّي! ساعدني قدر ما تستطيع لأنني لم أذق اليوم أي شيء "
- حسنا أرهف السمع إلي ... الله يرسل السعادة إليك . لقد شاء أن يمنحك ثلاث أمنيات فاطلب ما تريد تتحقق أمنيتك حالا "
أليست هذه هي السعادة حقا ؟ وسنرى ماذا ستستفيد من سعادتك .
وهنا اختفى النبي وتوارى عن الأنظار حالما نطق تلك الكلمات .
يا للروعة !
ولك أن تتخيل السعادة التي غمرت التركي وزوجته بقية ذلك اليوم .
- حسنا أيتها الزوجة الآن سنبدأ حياتنا حقا !
لكن الزوجة توسلت إليه أن يمنحها إحدى الأمنيات وقد تظاهرت بالرقة والعذوبة.
قال التركي : " ليكن ذلك فالأمنيتان الأخريان كافيتان لأن تمنحاني السعادة حتى نهاية عمري .
وفي تلك اللحظة رأى زوجته تتحول أمام عينيه شابة خارقة الجمال لم يحلم بمثلها أحد على الإطلاق .
قالت الزوجة : " حسنا ألست جميلة ؟ لقد تمنيت ما أريد . والآن وداعا لك . إنني ذاهبة إلى " إبراهيم حسان " . إنه أكثر وسامة منك وهو واسع الثراء لا يحتاج أحدا أبدا وحتى السلطان نفسه يتمنى أن يحظى بي . وهنا أصبح كل شيء مظلما في عيني التركي فاندفع نحو زوجته وهو يصيح :
" اللهم امسخها ضفدعا ! "
ويا للعجب !
فقد انتصبت تلك الحسناء أمامه على الفور أقبح مخلوق وكأنها الساحرة الشريرة " باباياكا " التي ورد ذكرها في الحياة القديمة . فوقف الزوجان بصمت يحدق أحدهما في الآخر . وصرخت الزوجة :
" أرجوك سيدي تذكرْ كيف كانت الأمور قبل ذلك وتذكر كم كنتُ أحبك ..."
وجثت على ركبتيها وأجهشت بالبكاء وتوسلت إليه بدموعها :
" أرجوك أعدني إلى ما كنت عليه من قبل . "
تذكر التركي الماضي ولم يستطع أن يرفض طلبها . فقال
بصوت تخنقه الدموع والعبرات ك
" اللهم أني أتوسل إليك أن تعيد زوجتي كما كانت . "
وفجأة ظهر النبي من مكان مجهول وقال وهو يلمس الساحرة القبيحة بيده :
" سيستجيب الله لدعائك ."
وعادت زوجة التركي إلى حالتها السابقة مرة أخرى .
قال النبي : " حسنا هل أنت الآن سعيد ؟ "
قال التركي وقد شعر بالخجل حتى أنه لم يعرف أين ينظر :
- " أجل أنا سعيد "
وسأله النبي : " هل انتفعت من سعادتك ؟ "
لكن التركي لوح بيده . لقد كنت على حق أيها النبي . لقد ضاع كل شيء على المرأة . لعن الله الساعة التي رأيتها فيها .
قال إليا إبراموفج وهو يرمقني بنظرة حادة :
" أتلك قصة جميلة ؟ "
استدرت وضحكت . ولسوء الحظ كان الشبه كبيرا بيني وبين ذلك التركي في الحكاية . واضطجعنا على الرمل بصمت لوقت طويل .
آه ٍ أيتها الحكمة الشرقية الأثيرة البارعة الصريحة . فكرت وأنا أنظر على الألق الأرجواني الذي يسفحه الغروب على
قمة " أي بتري " .
لكن إليا تظاهر بأنه نسي كل شيء عن الحكاية وظل يرتشف الخمر من القنينة وهو يقول :
" يا له من نبيذ مدهش ، مدهش! إنه لأحمق من يرمي البطانية كلها إلى النار بسبب برغوث واحد فيها ! "
هكذا قلتُ ونحن نستلقي على الرمال الذهبية الدافئة بعد أن اخترقا الأرض الرخوة التي غطاها الحصى على ساحل " ألوبكا "
دفع إليا قبعته إلى الخلف كعادته وفكر مليا قبل أن يجيب . كان شخصا بدينا قصيرا من منطقة القِرِم ذا وجه سفعته الشمس وعينين مرحتين . إبتسم بمكر وغرق في تأمل عميق بأمر لا يعرفه سواه ، ثم أخرج قنينة الشراب من جيب معطفه .
صَفَـَرَ وهو يهز برأسه : " ثمة فلينة داخل القنينة ! وأضاف حاملا إياها : أتريد بعضا منها ؟ "
قلت بريبة : " لكنك تقول أن هناك فلينة في الخمر ... "
فردّ إليا بالإيجاب قائلا : " أجل ! ولكن ألم تسمع بالمثل التركي :
" إنه لأحمق من يرمي البطانية كلها إلى النار بسبب برغوث واحد فيها ؟! "
فأمال َ رأسه إلى الخلف وضغط القنينة على شفتيه .
وهنا مَرَقـَتْ فتاتان انكليزيتان من الأكواخ الصيفية المجاورة يرافقهما كلب ضخم أخذتاه للسباحة مرات عدة في ذلك اليوم ... وسار مجهدا على الرمل شاب وسيم يشي بأنه تاجر من موسكو . كان بدينا وقد تقطعت أنفاسه بَيْدَ أن الطيبة كانت تتراءى على محياه كأنه عجل قد أتقنت تغذيته .
تابع إليا هؤلاء الناس كلهم بعينين مرحتين طيبتين لكنهما تخفيان شيئا من المكر في الوقت نفسه.
وفجأة التفت إلي قائلا :
" حسنا ! سأحكي لك قصة شرقية عن الموضوع الذي ورد في ذهنك الآن ... وأفصد النساء ! "
فضحكت قائلا له :
" ولماذا تعتقد بأني أفكر بالنساء ؟ "
صفر إليا وأردف قائلا :
" لا يفكر أي شخص في العالم إلا بالنساء . و قد وجد كل شيء في العالم من أجلهن ، إضافة إلى ذلك فإننا ننفق عليهن كل شيء
نملكه . "
والآن أرهف السمع إليّ ...
أثنى إحدى ركبتيه تحت الأخرى ووضع قبعته على الرمل . وبعينين نصف مغمضتين بدأ حكايته :
" ذات يوم كان هناك أحد الأتراك . وقد اتصف بالطيبة والنبل . كان فقيرا لا يملك في الدنيا إلا زوجته الوحيدة . وقد كدح بجد ومارس أشق الأعمال إلا أن الفقر ظل يلازمه . وكان ينفق كل ما يحصل عليه لشراء الطعام ويشتري بما يتبقى له هدايا يقدمها لزوجته فقد كان يحبها بإخلاص ويشعر بالخجل لأن هداياه كانت رخيصة حتى ران الحزن على ذلك الرجل التركي .
وفي أحد الأيام ، وبينما كان جالسا على عتبة كوخه مع زوجته تنهد قائلا :
" يا الله ... يا الله أنك ترى كيف أنني أعمل بجد إلا أنك لم تستجب لأية أمنية من أمنياتي ولم أشعر بالسعادة في حياتي أبدا . وقد يبقى الأمر معي هكذا حتى أموت . .. وستتركني في البرد يا الله يا أرحم الراحمين ! "
وفي ذلك الوقت مر عبر القرية نبيّ ووصل إلى كوخ التركي وسمع تفجعه فأمسك برأسه قائلا :
" إنك تلقي اللوم على الله عبثا ...إنك لا تستحق السعادة . "
فصرخ التركي : " ماذا ؟ لا أستحق السعادة ؟ أنا الذي بدأت العمل منذ أن كنت على صدر أمي ؟! "
قال النبي : " نعم ! إنك لا تستحق السعادة فأنت تحب
زوجتك كثيرا ."
وهنا استشاط التركي غضبا وقال : " أنا أحب زوجتي ؟
"ماذا إذا ً ؟ إنني لم أذق طعم السعادة في حياتي وتريد مني الآن أن أتشاجر مع زوجتي . "
قال النبي وهو يبتسم : " الأمر على النقيض مما تظن ، لقد جئت لأساعدك "
قال التركي : " بارك الله فيك . أرجوك أعنـّي! ساعدني قدر ما تستطيع لأنني لم أذق اليوم أي شيء "
- حسنا أرهف السمع إلي ... الله يرسل السعادة إليك . لقد شاء أن يمنحك ثلاث أمنيات فاطلب ما تريد تتحقق أمنيتك حالا "
أليست هذه هي السعادة حقا ؟ وسنرى ماذا ستستفيد من سعادتك .
وهنا اختفى النبي وتوارى عن الأنظار حالما نطق تلك الكلمات .
يا للروعة !
ولك أن تتخيل السعادة التي غمرت التركي وزوجته بقية ذلك اليوم .
- حسنا أيتها الزوجة الآن سنبدأ حياتنا حقا !
لكن الزوجة توسلت إليه أن يمنحها إحدى الأمنيات وقد تظاهرت بالرقة والعذوبة.
قال التركي : " ليكن ذلك فالأمنيتان الأخريان كافيتان لأن تمنحاني السعادة حتى نهاية عمري .
وفي تلك اللحظة رأى زوجته تتحول أمام عينيه شابة خارقة الجمال لم يحلم بمثلها أحد على الإطلاق .
قالت الزوجة : " حسنا ألست جميلة ؟ لقد تمنيت ما أريد . والآن وداعا لك . إنني ذاهبة إلى " إبراهيم حسان " . إنه أكثر وسامة منك وهو واسع الثراء لا يحتاج أحدا أبدا وحتى السلطان نفسه يتمنى أن يحظى بي . وهنا أصبح كل شيء مظلما في عيني التركي فاندفع نحو زوجته وهو يصيح :
" اللهم امسخها ضفدعا ! "
ويا للعجب !
فقد انتصبت تلك الحسناء أمامه على الفور أقبح مخلوق وكأنها الساحرة الشريرة " باباياكا " التي ورد ذكرها في الحياة القديمة . فوقف الزوجان بصمت يحدق أحدهما في الآخر . وصرخت الزوجة :
" أرجوك سيدي تذكرْ كيف كانت الأمور قبل ذلك وتذكر كم كنتُ أحبك ..."
وجثت على ركبتيها وأجهشت بالبكاء وتوسلت إليه بدموعها :
" أرجوك أعدني إلى ما كنت عليه من قبل . "
تذكر التركي الماضي ولم يستطع أن يرفض طلبها . فقال
بصوت تخنقه الدموع والعبرات ك
" اللهم أني أتوسل إليك أن تعيد زوجتي كما كانت . "
وفجأة ظهر النبي من مكان مجهول وقال وهو يلمس الساحرة القبيحة بيده :
" سيستجيب الله لدعائك ."
وعادت زوجة التركي إلى حالتها السابقة مرة أخرى .
قال النبي : " حسنا هل أنت الآن سعيد ؟ "
قال التركي وقد شعر بالخجل حتى أنه لم يعرف أين ينظر :
- " أجل أنا سعيد "
وسأله النبي : " هل انتفعت من سعادتك ؟ "
لكن التركي لوح بيده . لقد كنت على حق أيها النبي . لقد ضاع كل شيء على المرأة . لعن الله الساعة التي رأيتها فيها .
قال إليا إبراموفج وهو يرمقني بنظرة حادة :
" أتلك قصة جميلة ؟ "
استدرت وضحكت . ولسوء الحظ كان الشبه كبيرا بيني وبين ذلك التركي في الحكاية . واضطجعنا على الرمل بصمت لوقت طويل .
آه ٍ أيتها الحكمة الشرقية الأثيرة البارعة الصريحة . فكرت وأنا أنظر على الألق الأرجواني الذي يسفحه الغروب على
قمة " أي بتري " .
لكن إليا تظاهر بأنه نسي كل شيء عن الحكاية وظل يرتشف الخمر من القنينة وهو يقول :
" يا له من نبيذ مدهش ، مدهش! إنه لأحمق من يرمي البطانية كلها إلى النار بسبب برغوث واحد فيها ! "