عزيز الحدادي - الجماع فاكهة سوق الجنة.. الفصل الثاني

ل

لا أحد

الفصل الثاني:الجماع باعتباره سرا للأسرار: الجسد المقدس وبرهان اللذة


من الصدف الجميلة والرائعة في حياة المترجم يوحنا بن البطريق، تلك التي جعلته يكتشف مخطوط كتاب سر الأسرار هذا الكنز الثمين، بعد معاناة البحث في كل الهياكل التي أودعت الفلاسفة فيها أسرارهم، وقصد البلدان التي سمع بوجود هذا الكتاب فيها، وكأن الأمر يتعلق بكتاب خارق للعادة، كتاب بإمكانه أن يغير مجرى التاريخ العربي الإسلامي، وسيجعل أمير المؤمنين يشبه الاسكندر الذي كان تلميذا لمعلم الإنسانية أرسطو طاليس. هكذا قام بن البطريق بتشويقنا إلى فتح هذا الكتاب وقراءته بصوت مرتفع من أجل أن يسمعنا القارئ. ويقتسم معنا متعة الإصغاء إلى أرسطو المنحول. يقول مترجم الكتاب من اللسان الرومي إلى اللسان العربي يوحنا بن البطريق: "فلم أدع هيكلا من الهياكل التي أودعت الفلاسفة فيها أسرارا إلا أتيته، ولا عظيما من عظماء الرهبان، وظننت مطلوبي عنده إلا قصدته، حتى وصلت إلى الهيكل الذي كان بناه اسقلابيوس لنفسه، فظفرت فيه بناسك متعبد مترهب ذي علم بارع وفهم ثاقب فتلطفت له واستنزلته وأعملت الحيلة حتى أباح لي مصاحف الهيكل المودعة فيه، فوجدت في جملتها المطلوب الذي نحوه قصدت وإياه ابتغيت.
فصدرت إلى الحضرة المنصورة ظافرا بالمطلوب والمراد، وشرعت- بعون الله تعالى وتأييده وسعد أمير المؤمنين- في ترجمته"سر الأسرار(1) يدفعنا المترجم إلى السير في طريق ممتلئ بالأشباح، غير الطريق الذي اخترناه والذي يجعلنا نتعرف على برهان الجماع عند فلاسفة الإسلام، لأن الفيلسوف هو إنسان لا يتوقف عن الحياة، ولا عن الشك والحلم بأشياء رائعة كما قال نيتشه. فبدلا من أن يقدم ابن البطريق فصول الكتاب ويتحفظ بصدد بعضها، ويتساءل هل هو بالفعل لأرسطو أم منسوب إليه فقط؟، وما هي الشواهد على أن هذا الكتاب هو بالفعل للمعلم الأول؟، اختار أن ينقل إلينا فرحة أمير المؤمنين وسعادته بالحصول على هذا الكتاب، لكن ما الذي ينتظره الملك من كتاب سر الأسرار، هل يحتاج إلى حكمته؟، أم يسعى إلى معرفة أسرار حفظ صحته والاستمتاع ببهجة النكاح، وشهوة الأطعمة، ونشوة الشراب؟.
يبدو أن كاتب سر الأسرار لا يمكن أن يكون إلا لغزا محيرا، لأنه يعتبر أن كل ما ينطق به أمام الملك سر لا ينبغي إداعته، ولعل هذا ما يجعلنا نقترب من اليقين بأن أرسطو لم يكتب هذا الكتاب، خاصة وأن جل مؤلفاته لم تتحدث بلغة الأسرار، وإخفاء العلم على طالبه، بالإضافة إلى غياب المفاهيم الأرسطية التي حملها كتاب السياسة، وكتاب الأخلاق النيقوماخية وكتاب ما بعد الطبيعة وغيرها من كتبه، إذ أن أرسطو له مفاهيمه وأسلوبه ولغته تميزه عن غيره من الفلاسفة.
هكذا يجب علينا أن نحتفظ بدورنا بسر كاتب سر الأسرار لننعم مثل الملك ببهجته، حيث يخاطبه قائلا: "وأنا أودع لك هذا السر في فصول من هذا الكتاب ظاهرها حكمة ووصية، وباطنها هي البغية. فإذا تدبرت أمورها وتفهمت رموزها، نلت بها غاية أمانيك وأقصى أراجيك; فكن بها سعيدا. وفقك الله لفهم العلم وتفضيل أهله"(2).
الواقع أن حياة الملوك عبارة عن سر الأسرار غموض في غموض، لأن ما يقع في البلاط لا أحد من المواطنين يعرفه، أو بالأحرى معرفة عدد الجواري وعاشقات الملك، ومع من يحب أن يجامع، وما هو نوع الطعام أو الشراب الذي يستهويه ويثير شهوته وابتهاجه، بيد أن صاحب سر الأسرار سيقوم بفضح ذلك السر إذ من خلال اطلاعنا على كتابه نتعرف على الحياة الخاصة لأمير المؤمنين: مأكله، ومشربه ونكاحه، والفصول التي تساير مزاجه وأصناف النساء اللواتي يجامعهن عل اختلاف الفصول، فنساء الشتاء يختلف عن نساء الربيع، ونساء الصيف يغايرن نساء الخريف، كما أن لكل فصل أطعمته، ونوع حمامه وعطره، ولباسه. إنها في حقيقة الأمر حياة داخل حياة; شاقة في تنظيمها وترتيبها، بل ومسايرة نظامها المتشدد على الرغم من ابتهاجها وابتعادها عن الرتابة.
نعم إن الملك شخص غير عادي فهو يستمد سلطته من الله، كما يحب الكاتب أن يظهر لنا ذلك، إنه يحكم ويسود، يوحد، ويجمع شتات المجتمع، ولذلك ينبغي أن يتمتع ويبتهج بلحظات الشبق مع من يريد، فكل شيء مباح، إنه تعبير مربك للحلال والحرام، دوران لبراهين الجسد الخاضعة لتراتب إلهي.(3) هتك للمقدس في طهارة صافية مجنونة بالشهوة، والهذيان، فالملك مباح له حتى الصبيان لما فيهن من حرارة تدفئ الجسم حين الشعور بالارتعاش; يقول للملك: "ومن أدب الأكل أن ترفع يدك وقد بقيت بقية من شهوتك، لأن الإكثار في الأكل يضيق النفس ويبقى الطعام في قعر المعدة... ثم يتناول في آخر طعامه قليلا من الخمر الممزوج... ثم يضطجع على جنبه الأيسر فيستتم على نومه.. فإن أحس بثقل في الشراسيف فينفعه أن يضع على بطنه ثوبا ثقيلا مدفئا، أو يعانق صبية حارة الجسم"(4).
إن الآداب السلطانية تؤسس النصيحة في غياب الأخلاق، إنها تتعالى عن أخلاق الواجب، كما تتعالى عن القيم والأعراف، وبعبارة أوضح إنها نصيحة موجهة إلى المقدس الذي لا يمكن أن يكون إلا على صواب معصوم من الخطأ، ولذلك فإنها خارج الزمن أزلية تصلح لكل ملك ولأي زمان، وهي غالبا ما يكون مؤلفها مجهولا، وقد انتقلت هذه العدوة إلى الآداب السلطانية الإسلامية، لأن أغلبها لمؤلف مجهول; سواء التي ربطت النصيحة بالسياسة ومزجتها بالخيمياء والسحر والشعوذة متأثرة بروح سر الأسرار، حيث تصبح السياسة معرفة غيبية تساير الملك باعتباره ممثلا لله في الأرض، إنه أمير المؤمنين، أو التي اختصت في حفظ الصحة باعتبارها جزءا من صناعة الطب، بيد أنها تتحول في بعض الأدبيات إلى طب شعبي قواعده الخرافة، والخيمياء، والسحر، خاصة حين يتعلق الأمر بتهييج الجماع، باعتباره جوهر هذه الكتابات. ولعل متابعة قراءتنا لكتاب سر الأسرار، سيوضح إلى أي مدى يسعى كاتبه إلى جعل من عنف النكاح غاية كل نصيحة من نصائحه المتعلقة بحفظ الصحة، فالطبيعة تشبه سن المرأة في تحولاته داخل دائرة مغلقة فمن سن الشباب إلى سن الرقي والتمام ثم الانحدار نحو الكهولة والشيخوخة التي ينبغي ممارسة لعبة الإغماض اتجاهها، كما أن للنكاح مزاج مرتبط بفصول السنة، هناك فصول تسمح بكثرة الجماع والحركة، والغزو بما فيه من قبل مبللة، ولمس، وعناق، وعض. إنها طقوس طبخ للجماع والتي تشبه تناول الطعام في تناغم غاية في الانسجام وفصول لا تسمح بذلك: "وقدم ما ينبغي أن يقدم من الطعام وأخر ما ينبغي أن يؤخر، مثال ان يجمع الإنسان في أكلة واحدة طعاما يلين البطن وطعاما يحبسه. فإن هو قدم الملين وأتبعه الآخر سهل انحدار الطعام بعد انهضامه. ومتى قدم الحابس وأتبعه بالملين لم ينحدر وأفسدهما جميعا"(5) والجماع في هذا الأفق عبارة عن طعام للروح يساهم في حفظ الصحة والمزاج، ولذلك ينبغي أن ينظم حسب الحمية، لأن الإكثار منه مدمر للصحة ومفسد للمزاج. وكأن الأمر يتعلق بواجب أو بضرورة. هكذا يغيب العشق، وشاعرية العواطف والتيمم بشبقية الجماع حين يتحول إلى مجرد وصفة طبية تحفظ الصحة.
والحال أن ما يهم الكاتب هو صحة الملك وطول عمره، وسعادته، لأن سعادته هي مشترك لمحيطه، والمؤلف يعلم أن: "أسرع الأشياء ضررا الخطأ في السفينة وفي مجالس الملوك"(6) والنصيحة في بعض الأمور التي تثير غضب الملك مضرة لصاحبها ولذلك يقول أفلاطون: "احذر من نصيحة الملوك الدخول إلى الاضرار بالناس. مثل أن توفر عليه حظوظه كما توفر على بعض العامة، ولكن ابتغ له الاضرار بنصيب من ماله والشكر والمحبة، فإنك تحسن بذلك أيامه ولا ينقصه مما أحسنت إلى الناس منه"(7) مع العلم أن أضر الأشياء عليك أن يعلم رئيسك أنك أحسن حالا منه. إنها لعبة ماكرة يحكمها الزمان، ولذلك فإن أغلب فلاسفة الإسلام الذين عاشوا في البلاط بالقرب من الملك كأطباء يحرصون على حفظ صحته وشفاء علله، قد تم إبعادهم ونبذهم ونفيهم، وأحيانا اغتيالهم كما وقع للفيلسوف والطبيب ابن باجة. ولم يستثنى من هذه القاعدة أحد من الحكماء فالشيخ الأكبر ابن سينا تم طرده واطهاده، ابن رشد تم نفيه ومحاصرته حتى الموت، الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي هرب في ظروف غامظة من مدينة فاس، كما هرب ابن خلدون من نفس المدينة. ذلك إن صحبة الملوك دائما فيها عطب. وصاحبنا يعرف ذلك جيدا، لأننا نجده حريصا على سعادة ملكه، من خلال إثارة شهيته للحياة، والإقبال على مباهجها، إلى درجة أنه يقول له: "ياسكندر، لا تحزن على ما فاتك، فإن ذلك من خواص النساء الضعفاء"([8])، فالمهم هو الحاضر بملذاته وطيب العيش فيه. لأنه من المحال امتلاك الماضي أو الآتي. ولكن بإمكانك الاستبداد بحاضرك وجعله في خدمة شهواتك وتطلعاتك. وليس غريبا أن ينصحه بالحذر من النساء لأن المرأة بقدر ما تمنحك لذيذ وبهجة النكاح، بقدر ما أنها تهدد حياتك بمكائدها، لأنها تصبح خطيرة عندما يكبر في قلبها الانتقام، لأن الرجل حين يغادر عشيقته يكون قلبه قاسيا فقط ، أما المرأة فإن قلبها يمتلئ بالشر: "لا تثق من خدمة النساء إلا من اختبرت ثقتها على نفسها ونفسك ومالك، فإنما أنت وديعة بين أيديهن. وتحفظ من السموم فقد صرعت الملوك"([9])، يتعلق الأمر إذن بالمرأة ذات الوجهان، فمن جهة إنها مصدر البهجة والشبق والاستيهام وجنون الشهوة لأنها تنقل الذات إلى ما بعدها. منذ اللحظات الأولى حيث يطبخ الجماع، كما يطبخ الأكل اللذيذ الذي يستمد هويته من الاحتيال بمزج المتضادات من أجل إخفاء مذاقها، ومن جهة أخرى فإن انتقامها يكون قاسيا، قد يؤدي إلى الهلاك والموت، إنها ثنائية ميتافيزيقية : اللذة والموت، الحياة والفناء، فالهتك والاستمتاع بالإقامة الأبدية في رحم المرأة أحيانا يكون ثمنه باهظا، وهو الموت من أجل ولادة جديدة، ولعل كاتبنا يدرك جيدا أن الجماع لا يمكن أن يكون ممتعا وشبقيا إلا حين يتم على حافة الخطر، إنه بمثابة سرقة للحظة نادرة من بهجة الوجود، إنه يشبه تلك الثنية التي تجمع الموجود بالوجود. ولكنه قريب من المخبأ الرفيع.
نعم إن كاتبنا لا يثير الجانب الأخلاقي للجماع، بل يبيح للملك حرية النكاح مع من يشاء، أما العامة، فينبغي أن تنكح امرأة واحدة، بعد إقرار روابط الزواج، وإلا أصبح النكاح مقرونا بالزنى: "والزاني سارق للفرج، مفسد للنسل. وجزاؤه أليم العقوبة. وقوي الشهوة هم أكثر من يؤثره على التزويج لفساد في نظام نفوسهم، لأنهم لا يصبرون على طول العشرة وجميل الصحبة، ويكون الاستطواف آثر عندهم من التمسك بعلائق الوفاء للزوجة وحسن الانقياد إلى جميل المجازاة"([10]). يبدو أن بنية هذا النص مغايرة للأدبيات الجنسية في الإسلام، وبخاصة الشعبية منها، حيث أن الجماع في هذه الأدبيات يصبح أسطوريا، لأنه من الصعب أن تجد المرأة المحمودة عند الرجال كما يتحدث عنها الروض العاطر: "فأما المحمود من النساء عند الرجال فهي المرأة الكاملة القد العريضة خصيبة اللحم كحيلة الشعر واسعة الجبين زجة الحواجب واسعة العينين في كحولة حالكة، وبياض ناصع مفخمة الوجه أسيلة ظريفة الأنف ضيقة الفم محمرة الشفائف واللسان، طيبة رائحة الفم والأنف طويلة الرقبة غليظة العنق عريضة الصدر، واقفة النهود ممتلئ، صدرها ونهدها لحما، معقدة البطن وسرتها واسعة، عريضة العانة كبيرة الفرج ممتلئة لحما من العانة إلى الآليتين، ضيقة الفرج ليس فيه ندوة، رطب سخون تكاد النار تخرج منه"([11]). هكذا تظل هذه المرأة الأسطورية مرتبطة بالأحلام. إنها تحرك لاوعي الذي يريد أن يجامع امرأة منعدمة هذه الشروط، ربما تظل مجرد صورة معلقة أمامه يرغب في الاقتراب منها، لأن الجماع لا يقوم على ما هو مرئي، بل على الاستيهام والإقامة في اللاوعي ولو للحظات. ولذلك فان أغلب قراء الروض العاطر قد نكحوا هذه المرأة المثالية وتلذذوا بمباهجها. وكمال جمالها إنها تفوح برائحة عطر جذاب كزهرة الحياة عند ابن عربي. كما أن الشيخ النفزاوي لا ينسى الحديث عن المحمود من الرجال عند النساء.
هكذا تصبح المعادلة مستحيلة، لأنه إذا كانت المرأة التي تخرج من شبقية الروض العاطر وتحفز على إنزال المني بلعبة الكلمات الساحرة الذي تمارس العنف ضد اللاغوس، مستحيلة الوجود في عالم الكون والفساد، فإن الرجل المحمود عند النساء مستحيل الوجود أيضا: "فأما المحمود من الرجال عند النساء فهو كبير المتاع (اثني عشر أصبعا، ثلاثة قبضات) القوي الغليظ البطيء الهراقة والسريع الافاقة وألم الشهوة.. لأن النساء يردن من الرجال عند الجماع أن يكون وافر المتاع طويل الاستمتاع ضعيف الصدر ثقيل الظهر بطيء الهراقة سريع الافاقة ويكون أيره طويلا ليبلغ قعر الفرج فيسده سدا فهذا محمود عند النساء "([12])ومما يثير الدهشة ان صاحب الروض العاطر لا يتحفظ بصدد الكلام المباح عن النكاح أو يخشى من عواقب النصيحة كما هو الشأن عند صاحب سر الأسرار، ذلك أن النفزاوي يتحدث بحرية، وبإمكانه أن يستغل خياله أو أن يصدق حكاية خرافية ويحكيها، على الرغم من أن كتابه موجه إلى وزير في عهده، إذ يحكي عن امرأة ملت النكاح مع زوجها لأنه ليس من المحمود من الرجال، أي كبير المتاع طويل الأير والاستمتاع ، بل إن زوجته تحتقره لصغر ذكره وقصر شهوته وقلة عمله، وكان ذميما وكانت هي عظيمة الخلقة مقعورة الفرج، فخطر ببالها أن تجامع حماره لتوفره على أير طويل، مرعب، سيقوم بنسف الشبق، وتحريك الهذيان ومنح للقساوة، ولذة الألم متعة وللشهوة البهائمية ابتهالا، إنها مفارقة غريبة، بيد أن النفزاوي يعتبرها حكاية حقيقية، وربما كان يصدقها، ويختار لها عنوانا مستفزا: المرأة والحمار، ها هنا يصبح النكاح فنا للحكي العجائبي إذ بإمكانه ان يجمع بين الإنسان والحيوان، وبين الجن والإنسان، فالمتلقي مفروض عليه أن يصدق، والحكواتي يعرف أن المتلقي إنسانا بسيطا لم يتجاوز المرحلة الحسية لانعدام المعرفة وخضوعه للجهل، ولذلك فانه يبيح لنفسه ان يحكي حكايات مدهشة: "فيأتي الحمار ويشم فرجها من خلفها فيظن الحمار أنها حمارة فيرتمي عليها.. تحبس ايره في فرجها وتجعل رأسه في باب فرجها وتوسع له حتى يدخل شيئا فشيئا إلى أن يدخل كله فتأتي لها شهوتها، فوجدت راحتها مع ذلك الحمار".
الكتاب إذن موجه للعامة فبامكان صاحبه أن يحكي كما يشاء، لان العامة تشبع رغباتها بالعجائبي والغرائبي، فنفسها مؤهلة للانفعالات وحماسة الوجدان، لأنها لم تصل إلى مرحلة الوعي الذاتي، بل إنها تسبح في نعيم الوعي الشقي، كما يقول هيغل. في حين ان كتاب سر الأسرار موجه إلى ملك عالم ومثقف، لذلك فإن مؤلفه كان حذرا تجاه الحكايات وضرب الأمثال، لان ما كان يهمه بالدرجة الأولى هو متعة الملك وسعادته، وكأن الأمر يتعلق بكاتب مرافق للملك كظله، يوجه نصيحته في كل يوم، فبمجرد ما ينتهي منها، يقوم الملك بتطبيقها، إنه جماع موجه من قبل الحكيم الذي يقول له باستمرار:"ياسكندر! حفظ الصحة يكون بإذن الله على وجهين" هكذا تبدأ النصيحة التي تتوجه من الأكل ومتعته، إلى الشراب ونشوته لتتوج بالنكاح وبهجته وسحر شبقيته. إنها دوائر متداخلة فيما بينها، فغياب أحدها ينفي الكل، ولذلك فان الوجود يصبح لعبة بهذه الدوائر التي تتجاوز لحظات الزمان وتجعلها تخضع لحاضر الحاضر، وكأن الحكيم يقول للملك بأن الماضي ليس لك ولا الآتي لأنه بعيد المنال، في حين إنك سيد حاضرك، لابد أن تنعم منه، وتجعله فرحا منتشيا من خلال مزاجك، لكن كيف يجامع الملك، وما هي الأشياء التي يأكلها ويشربها من أجل تهييج شهوة النكاح؟


* الملك وكثرة الجماع في فصل الربيع
لم يكن الكاتب يخفي امتعاضه من الزمان، وخاصة حينما يصيب النفس بحزنه ويكدر فرحها، إذ ربط الزمان بفصول السنة، ومن أجل تلطيفه وجعله يتجلى من خلال تغيرات الهواء، حتى يتمكن من التحكم فيه واقتياده نحو الخضوع لنصائحه، إنها حيلة تسعى إلى شفاء النفس من الخوف من المجهول; الحيلة والبرء كما يقول الطبيب جالينوس. لأن الإنسان حين ينتقل من فصل إلى آخر قد يصاب بالكآبة، وتصبح نفسه هشة، ضعيفة أمام تقلبات الزمان. وانطلاقا من هذا التخوف أراد كاتب سر الأسرار أن يمنح لكل فصل متعته، وكأنه يتسوق من سوق الجنة يبحث عن ألذ الأطعمة والفواكه وأبهى النساء دون أن ينسى مرح الأشربة لأنها تبدد الهم والغم، وتلطف النفس وتجعلها لينة مبتهجة بالوجود تسعى إلى التوحد به مخافة من العدم الذي يهددها باستمرار، ويضعها أمام حقيقتها; وهي الموت الذي ينتظرها في ذلك المخبأ الرفيع المشترك بين الإنسانية كشهوة النكاح لأنها أعدل قسمة بين الناس.
وتحقيقا لغايته سيفتتح كلامه عن الفصول، بفصل الربيع، باعتباره أجمل فصول السنة، إنه الفصل الذي تتناسل فيه الحيوانات، وتكثر فيه الفواكه، و هواؤه يتميز بشاعرية العذوبة،إلى درجة ان كاتبنا يشبهه بجارية غاية في الفتنة. لأنه يعلم بأن ملكه يعشق النساء فوجوده باطلا بدونهن. ولذلك فإنه ينصحه بكثرة الجماع في هذا الفصل المرح، حيث ينتظره الاستمتاع باختلاط المني بالدم وامتزاجه مع عطر الهواء، إنه يهتك في لياليه الجواري في غياب صاحب الأسرار الذي لا يكتب عن شبقية نكاح الملك، لأنه يفضل الاختفاء وراء أقنعة بلاطه، متلاشيا في غسق الانتظار.
هكذا تكون بهجة الربيع هي بهجة الجماع، التي تدوم: "ثلاثة وتسعون يوما وثلاثة وعشرون ساعة" لأنه من الصعب تعداد عدد الجواري اللواتي سيلتهمهن الملك، خاصة وأن الحكيم يكتفي بقوله ويصلح فيه كثرة الجماع، دون أن يستعرض الجزئيات. حيث نجده يقول عن فصل الربيع: ".. وتفتح النوار واخضر وجه الأرض، وتكونت الحيوانات، ونتجت البهائم ودرت الضروع وانتشر الحيوان في البلاد.. وأخذت الأرض زخرفها وأزينت وصارت الدنيا كأنها جارية شابة قد تزينت وتجلت للناظرين"([13]) وبعد أن يفتح شهيته بهذه الجارية التي تشبه الدنيا في فصل الربيع، ينتقل إلى اختيار الأطعمة التي تناسب هذا الفصل وتتماشى مع تدبير بدن الملك حيث يقول: "وهذا الفصل حار رطب معتدل نسبة الهواء والدم وينفع فيه كل شيء معتدل القوى مثل الفراريج والطيهوج (الحجل) والدراج والبيض النيمرشت والخس والهنديا ولبن المعز.. ويصلح فيه كثرة الجماع وإسهال البطن ودخول الحمام والتعرق"([14])هكذا يكون كتاب السياسة في تدبير الرياسة المعروف ب "سر الأسرار"، هو في حقيقة الأمر كتاب في تدبير جسد الملك وإنعاش روحه، لأن السياسة خارج هذا الجسد لا يمكن أن تقوم، لان الملك هو السياسة وهو الدولة، فسعادته سعادتها. إنه التباس في الرؤية يسعى الكاتب إلى منحه شرعيته وقدسيته، لكن من الذي يجامع في حقيقة الأمر الملك أم فصول السنة؟، هل الجماع مرتبط بالمزاج وقوة النفس أم أنه مرتبط بهواء الفصول؟

* جسد الملك المقدس وقلة الجماع في فصل الصيف
في هذا الفصل الحار واليابس تصير الدنيا كأنها امرأة منعمة بالغة تامة كثيرة العشاق، هكذا تتحول الطبيعة إلى مجرد جسد مرأة جميلة وغاية في النعومة تخضع لدوران الزمن وتقلباته، حيث يكون الربيع هو لحظة الشباب والجمال، والجسد عبارة عن أزهار قد تفتحت وأصبح عطرها يوقظ الروح من سباتها، ويلينها لتنحل في عذوبة هوائه، وتصاب بلهيب الشبق وجنون الشهوة، هاهنا يبيح الحكيم للملك كثرة الجماع، وكأنه يشير إليه باختيار النساء الشابات والفاتنات اللواتي يستخرجن الفرح والسرور من القلب كما يفعل فصل الربيع. وينصحه بأن يقلل من النكاح في فصل الصيف حين يصبح جسد هذه المرأة منعم وبالغ وتام، أي انها بلغت سن الأربعين وما فوق. يتعلق الأمر إذن بالتلاعب بالكلمات، بالانزياح عن قول الحقيقة، لأن النصيحة والحقيقة يحكمهما التضاد، إذ لا بد لكاتب النصيحة أن يخفي الحقيقة حتى يحتفظ بوظيفته ورفقته للملك، لأنه إذا افترضنا أن زوجة الملك أو عشيقته التي تملك قلبه قد بلغ جسدها فصل الصيف، ومع ذلك ظل متيمما بها، يحتضنها، على الرغم من جماعه مع الجواري والحسنوات، والكاتب يعرف ذلك، هل يتجرأ بإثارة غضب الملك بقوله للحقيقة، أم أنه سيستعمل الحيلة واللجوء إلى مكر اللغة للحفاظ على مكانته؟
يتحرك النص إذن في هذا الفصل من خلال استراتيجية خاصة تهدف إلى إقناع الملك بعدم جدوى كثرة الجماع لأنها مفسدة للمزاج ومدمرة للبدن، مادام ان الملك قد جامع بكثرة، وبشغف كبير في فصل الربيع الذي دام ثلاثة وتسعون يوما، كانت صاخبة بالنكاح إلى درجة أن رائحة امتزاج المني بالدم كانت تصل إلى أعماق الكاتب الذي يختفي بحلول الليل حيث يترك مكانه لتمجيد الجسد، وعبادة النكاح، وعندئذ يكون هو في إطار البحث عن نصيحة الصباح، التي تصادف حلول فصل جديد. والملاحظ أنه لكي يصل إلى برهان الجماع ينطلق من ذكر محاسن أو مساوئ الفصل ثم يصف الأطعمة التي تليق به ليخلص إلى برهانه، إنها لعبة ماكرة للإقناع تقوم على ذكر بعض المقدمات المشهورة والتي لها تأثير على النفس، سهلة الاعتقاد، لأنه لا أحد من الناس سيرفض الاعتراف بعذوبة الهواء في فصل الربيع وجمال الطبيعة، ولكن ما علاقة هذا الفصل بكثرة الجماع، وما علاقة فصل الصيف بقلة الجماع؟
إنها حيلة يقتضيها تدبير الجسد المقدس الذي يحكم ويسود، ويعيش الكاتب من خلال نعمه، والشاهد على ذلك أنه سيبيح لهذا الجسد المولع بالنكاح جرعة أكثر في فصل الخريف، ولكن ليس بحجم فصل الربيع، أو فصل الشتاء، هكذا يتم تقسيم فصول الجماع إلى أربعة مراحل: مرحلة الكثرة والهذيان والهتك والقساوة والعنف لأنها تتم مع امرأة شابة، ثم مرحلة القلة والهدوء والنعومة، لأنها تتم مع امرأة بلغت كمالها، ثم مرحلة متوسطة بين المرحلتين، على الرغم من أن هذه المرأة قد: "صارت كهلة مدبرة قد تولت عنها أيام الشباب". ذلك أن المفارقة لا تبدو في النص فقط، بل تبدو أيضا في صاحب النص، لأنه يورطنا في محالات عديدة، لا نملك إلا أن نصفها بالخرافة، ذلك أن ما يهم الكاتب هو حفظ صحة الملك، ولو على حساب قراء هذا النص عبر السنين، وخاصة الذين سيتقون فيه ويطبقون تعاليمه. هكذا سيكون مآلهم الحرمان من النكاح في فصل الصيف، حيث تكثر المتعة: متعة الحياة، ولذة النكاح المقترنة بإغراء الأجساد العارية، والمثيرة للشبق وانفلات الشهوة من قبضة النفس. ان الكاتب يكتب في أفق مضاد للكتابة، انه يكتب ضد الحقيقة، من أجل ان يحكم على نصه بالعدم، أو الإقامة المؤقتة مع تلك النصوص الهامشية التي استنفدت طاقتها. ولم تعد نافعة لكل زمان. ومع ذلك لابد من الاعتراف بشبقية هذا النص، وتلك النصوص التي خرجت من رحيمه.
أما المرحلة الأخيرة في هذا المسار المشوق وهي فصل الشتاء الذي لا يضر فيه الجماع الكثير بتعبير صاحبنا، على الرغم من أن الدنيا صارت فيه وكأنها عجوز قد هرمت ودنا منها الموت. إنها جمالية البشاعة.لا يمكننا إلا أن نستمر في وصف هذا النص الشيق وقراءته من خلال برهان الفوضى، ربما لأننا نريد أن نلحقه بفوضوية ما بعد الحداثة، حيث يصبح النص عبارة عن آثار تتجه نحو عدميتها، لان ما يمنح للنصوص قوتها هو إقامتها في العدمية، باعتبارها شعارا لمرحلة ما بعد الحداثة بكاملها. هكذا يكون صمود هذا النص أمام عدميته هو ما يحفزنا على تقديمه للقارئ في أفق فرح، حتى ننفض عنه غبار القرون الوسطى، ونجعله يتكلم بعد صمت طويل المدى. لأن ما يهم ليس ما يقوله النص، ولكن من أجل أية غاية قال ذلك. ان كتاب صاحبنا مدهش في قدرته على جعلنا نصدق ما لا يصدق، ونؤمن بما يخرج عن دائرة كل إيمان، ولعل هذا هو سر خلوده. وقدرته على اختراق النصوص الأخرى.
من أجل أن يبرهن الكاتب على دور المناخ في شبقية الجماع يتخذ الأطعمة كمقدمات مشهورة لها تأثير قوي على النفس، ان الطعام هو المهيج للجماع، هو كمياء يتوحد مع المني في عمق رحيم المرأة، انه يحرك الوجود، ويوقظه من سباته، ليستمر في رحلته نحو الزمان الأزلي. فإذا كان للربيع طعامه وفواكه، فإن للصيف أيضا طعامه وأنواع فواكهه إذ يقول: "ويؤكل كل بارد من الأطعمة والأغذية مثل لحوم العجاجيل بالخل، والقرع، والفراريج المسمنة، ودقيق الشعير، وتؤكل الحصرمية. ومن الفواكه: التفاح الموز الإجاص والرمان الحامض. ويكون المشموم وما يدهن به باردا. ويشرب الماء المبرد بالثلج ويقلل الجماع"، بالرغم من أنه في هذا الفصل تصل الطبيعة إلى كمالها: "ونضجت الثمار وسمنت البهائم واشتدت قوة الأبدان وصارت الدنيا كأنها عروس منعمة بالغة تامة كثيرة العشاق" فإن حيلة الكتاب تتسلل إلى وعي ولاوعي الملك من خلال وصف المناخ بالحرارة واليبوسة ونقص المياه وهبوب السمائم. معنى ذلك أن الجسد هو بدوره يكون حارا في غريزته، لكنه يابسا من السيلان قليل المني، لأن النكاح يقتضي إنزال المني بكثرة من أجل ملء وعاء المرأة، ذلك أن كمياء النكاح، في الروض العاطر يقتضي كمياء الماء، سواء في القبلة المبللة، أو في سيلان المني الذي يشبه سيلان الوديان، لأنه إذا كان الربيع يتصف: بكثرة مياهه: "وسالت الأودية ومدت الأنهار ونبعت العيون وارتفعت الرطوبات إلى فروع الأشجار ونبت العشب" فإن فصل الصيف يتميز بجفافه: "ونقصت المياه ويبس العشب". هكذا يؤثر هذا الفصل في الجسد، خاصة وأن استراتيجية الكاتب هي جعل الملك يؤمن بأن الجسد ينتمي إلى الطبيعة فهي التي تمنحه الصحة والمرض، القوة والضعف، ولذلك فإن هذا الممتد على امتداد الفصول مضطر لمسايرتها في لحظات ازدهارها وتألقها، وفي لحظات تقهقرها وانكماشها، إنها تمنحه الفرح والحزن في نفس الوقت، سيلان المني، ويبوسته، القوة على الجماع وانعدام هذه القوة. والشاهد على ذلك ان الكاتب يستحضر صورة المرأة، لكي يوضح تغير فصول الطبيعة ومدى تأثيرها في الجسد، باعتباره هدية ثمينة من الطبيعة لابد أن تستعيده فيما بعد، انها بقدر ما تمنح تأخذ بقدر ما أنها رائعة وشفافة وعمقها ممتلئ بحب ونزعة شاعرية متفردة بقدر ما أنها بشعة وقاسية تأخذ أشياءها بعنف وقهر لا مثيل له، إذ أنها تحول الجمال إلى بشاعة، لأن نفس الوجه الذي يكون غاية في الجمال يتحول إلى منظر بشع، والحياة إلى موت. وكأنها تقول لنا ينبغي التكفير عن ذنوبكم بالموت. هكذا يكون الملك قد مات دون أن تنتهي نصائح الكاتب، ودون أن ننتهي من استعراضها، فمن الذي سيستمع إلينا بعد هذه النقلة من الفرح والبهجة إلى الحزن والشقاء؟.
والحال أن الكتابة تصاب هي الأخرى بخيبة الأمل وعدم القدرة على الاستمرار، عندما اصطدمت بهذا الانتقال المؤلم من رحاب البهجة والسرور في ضيافة صديق الملك الذي كان ينصحنا من خلاله كيف نجامع برضى الطبيعة، لأننا نحملها في كينونتنا، ونسير في الاتجاه الذي تشير عليه، بدون تردد، ولا انتظار. بالرغم من مرارة الانتقال من فصل إلى فصل، من المتعة إلى الألم، من إباحة إفراغ القوة الناكحة في فضاء كوني من أجل شحن المرأة وتوحيد جسدها بالطبيعة وتعريضها لقوانين تقلباتها، أو على الأصح إخضاعها لمزاجها إلى منع وتحجيم الشبق بأدلة سوفسطائية. إن الطبيعة والمرأة وجهان لحقيقة واحدة، فكلاهما يهب الحياة حين يتم تبليله بالماء،لذلك فإن ذوبان الثلوج من جراء الحرارة هو نفسه تهييج قوة الجماع وسيلان الماء من فعل الطعام والشراب، فالطبيعة تنبت العشب، والمرأة تنبت الحياة، وتمنح الاستمرار للوجود.لأنها زهرة بالفعل وثمرة بالقوة. ولذلك بمجرد ما تشيخ الطبيعة، تشيخ المرأة أيضا، وتتحول إلى عجوز هرمت ودنا منها الموت، والفرق بينهما ان تحولات المرأة تتم داخل الزمان، في حين أن تحولات الطبيعة، تتم خارج الزمان أي في فضاء دائرة الفصول لانها تمتلك الأبدية، بيد أن الكاتب لكي يخرج من هذه المفارقة يترك مفهوم المرأة بدون إشارة إلى امرأة بالذات، محكوم عليها بقانون الكون والفساد، بل إنها امرأة أبدية بدورها، ولعل هذا ما يجعلنا نستحضر تلك القاعدة الطبيعية لأرسطو والتي تقول يموت الأشخاص ويبقى الجنس. هكذا تموت عاشقات الملك، وتبقى المرأة الطبيعة مستمرة في الوجود، لأنها قبل أن تموت تمنح الحياة وتتجدد كالطبيعة.

* فصل الخريف لا يندر بنهاية متعة الجماع
يصف الكاتب بشاعة الخريف بلغة قاسية ومدمرة لفرح النفس، خاصة عندما يشير إلى هجرة الطيور، وفناء الأرض مما يفتح المجال أمام الكآبة لتستوطن في النفس، وتدعوها إلى مغادرة الفرح في اتجاه الحزن والألم: "ودخل الخريف وبرد الهواء وتغير الزمان ونقصت المياه وجفت الأنهار وغارت العيون وجف النبت وفنيت الثمار.. وعرى وجه الأرض من زينته وماتت الهوام وانجحرت الحشرات وانصرف الطير والوحش يطلب البلدان الدافئة.. وتغير الهواء وصارت الدنيا كأنها كهلة مدبرة قد تولت عنها أيام الشباب" وباعتباره كاتبا للفرح، فرح الملك، وليس كاتبا لتكدير نفس الملك ودفعها إلى الحزن، يجد حلا غاية في النعومة ويتجلى في نوع الأطعمة الحارة واللينة والرطبة والأشربة المعتقة التي يصفها ببهجة وفرح تفوق ماهية الفرح: "ويستعمل من الأغذية والأطعمة ما كان حارا لينا رطبا مثل الفراريج والخرفان والعنب الحلو والشراب العتيق. ويتجنب كل ما يولد السوداء"([15])، وتماشيا مع رغبات ملكه ينصحه بالإكثار من الجماع والحركة، بيد أن: "الحركة فيه والجماع أكثر مما في الصيف وأقل مما في الشتاء والربيع"
نعم إن الكتابة عن بهجة النكاح هي نفسها الكتابة عن مباهج الطبيعة ولحظات انكماشها وحزنها، ولكن صاحبنا يمتلك دواء شافيا لهذا الانكماش، وهذا الحزن حتى لا ينتقل إلى النفس ويضعفها لتسقط ضحية الخوف من المجهول، والوسواس باعتباره بوابة مفتوحة على الهم والغم. فلكل فصل متعته، كما ان لكل طعام نكهته، ولكل شراب فرحه. إنها معادلة صعبة، بإمكانها أن تتحول إلى سلاح ضده، لان تقلبات مزاج الملك وغضبه قد يكون الحكيم ضحيتها، لأن النفس أحيانا تمل من الشهوات وتشتاق إلى الزهد والإنساك، أي إلى دربتها على الصبر، وقدرتها على الاغتراب والعزلة: "أنت وطني أيتها العزلة، ولم يعد لي وطن سواك، طالما انتظرتك"، ولذلك فإن الكاتب يحتاط من هذا الغضب، فهو لا يتحدث مثلا عن التهتك بين الجواري ونساء القصر، ومنهن زوجة الملك، كما يفعل صاحب الروض العاطر، حين تسعى زوجة الملك إلى تبديل إير بآخر، أو نكاح بقصيدة، كما انه لا يتحدث عن عبيد الملك الذين يفسقون مع جواريه ويسرقون الفروج ويدنسون النسل. ان ما يهم صاحب سر الأسرار هو كيف ومتى يجامع الملك، وما هي الأشياء المهيجة للجماع حسب الفصول؟ لأنه خارج هذا الجماع يصاب النص بالصمت المطلق، إلى درجة أنه لا يهمه كيف ينفذ الجماع الحلال بدقة بين الرجل والمرأة، كما دافع عن ذلك الروض العاطر، ورجوع الشيخ إلى صباه، بل إنه يقتصر على هذا الجماع المقدس الذي يجمع بين جسمين; جسم إلهي وجسم طبيعي، من أجل ولادة الإنسان الأعلى.
وسنرى فيما بعد كيف ان ابن سينا كان ضحية هذا النص، لأنه كان يقتات من سوقه كل أطعمته وأشربته التي تهيجه للنكاح، والأدوية المبرئة للعلل الناتجة عن النكاح.
يأخذنا هذا النص الشبقي في مساراته المرعبة واللذيذة في نفس الآن، إلى التعرف على أحوال الجماع في فصل الشتاء، باعتباره المرحلة الأخيرة في هذه الرحلة، بالرغم من أن الكاتب يوحد بين هذا الفصل وفصل الربيع. لانهما معا يفتحان شهوة الجماع والإكثار منها، لأنه إذا كان الجماع نافعا في فصل الربيع، فإنه لا يضر في فصل الشتاء. إذ أن هناك فرقا بين عذوبة هواء الربيع، وخشن الهواء في الشتاء. إلا أنه ينبغي أن يسقي الملك فرج المرأة ورحمها، كما يسقي المطر الأرض، ويجعلها تحيل بفصل الربيع، كما يحيل رحم المرأة بمولود جديد. إنها علاقة عشق وخصام بين النكاح والطبيعة، بين الاير والفرج، بين المني ومص المني وابتلاعه إلى حدود النشوة، لأن المني حسب الروض العاطر يسكر المرأة أكثر من الشراب المعتق. والشاهد على ذلك المراة التي تسمى بالمني التي لا يشبعها سيلان المني الذي ابتلعته من كل الرجال الذين هيجت شهوتهم. إنها امرأة تمتص المني بنشوة السكر، كما يمتص الطفل ثدي أمه، وكما ينتشي محب الخمر بكأسه. استطاعت أن تمتص المني بدون توقف إلى أن جاء العبد ميمون الذي يلتهم صفر البيض بشراهة وينكحها بعنف يدخلها إلى لحظة الفناء عند إنزال المني والاتصال بلحظة الإشباع وإخماد نار الرغبة المهيجة لجسد المني. إن النفزاوي يصف لنا صخب الجماع بين المرأة المني والعبد ميمون الذي دام ستون يوما بدون توقف، بعنف مهيج لشهوة النكاح. إنها حكاية تشبه حكاية المرأة والحمار، تستفز لكي تهيج، تضع القارئ في قلب التضاد، وتجعله هو الآخر يلتهب بلمس جسده أو إيره. وهذا بالذات ما يقصده صاحب الروض العاطر. كما ان كتاب رجوع الشيخ إلى صباه ينقلنا إلى جحيم النكاح من خلال حكاية المرأة والخباز، حين يصف بدقة ذلك النكاح الصاخب الذي تم فوق دقيق القمح، بحركات عنيفة وصلت إلى حدود هتك الفرج وإنزال المني ليمتزج بالدم والدقيق الأبيض، وتشعر تلك المرأة وكأنها فقدت روحها. لكن ما الذي يجعل النكاح عنيفا ومسكونا بالقساوة والهذيان والهتك وتفضيل الاير الكبير عن الاير الصغير، والفرج الكبير والعريض عن الفرج الذي لا خير فيه؟ من الذي يجامع في الواقع هل الإنسان المشار إليه، أم أن هناك شخصا آخر يقيم بداخله ينتشي بالفتك والدم كما تنتشي المرأة بالقساوة وإنزال المني؟
إن كتاب "سر الأسرار"يظل نصا محافظا ليست له الجرأة التي امتلكها صاحب الروض العاطر، أو رجوع الشيخ إلى صباه اللذين استطاعا إزالة الاحتشام وتسمية الأشياء بأسمائها، من خلال ربط النكاح بالطب الشعبي وبالنص القرآني، لأن: "قراءة القرآن مهيئة للجماع" كما قال الشيخ النفزاوي، لأن النكاح ذوغائية مبتهجة فهو نظام إلهي وفاسق في آن واحد.([16]) هكذا يصبح النص الأدبي في الثقافة الشعبية الإسلامية ينشر الوعي بأهمية الجماع بين الناس، ولكن الجماع الحلال، على الرغم من أن هناك انزياحات يصمت بصددها صاحب الروض العاطر، ويتعلق الأمر بالنكاح الفاسق في حكاية جماع صامت بين امرأة وزوج جارتها، دون أن يعلم هو بذلك لأن الوقت كان ليلا وتسللت إلى فراشه فظنها زوجته. لأنه كان قوي المتاع غليظ الاير بطئ الهراقة سريع الافاقة وألم الشهوة. إنها حكاية تنقل إلينا الخيانة الزوجية، ولكن في هذه الحالة ليس الرجل سارق الفرج، إنها المرأة التي سرقت إيره ولو لبرهة شبقية من الزمان، كما كانت تلك المرأة الأخرى تسرق إير الحمار لمدة طويلة. إن الزنى لعبة متبادلة بين المرأة والرجل أحدهما يسرق الإير والآخر يسرق الفرج. من أجل الاستمتاع فقط ويتم تهيجه بالعطر. لعل هذه المتعة المتبادلة يمكن أن تسمى سرقة فاضلة سرقة كانت غايتها إسعاد النفس في زمن يسير عند شيخنا.
إذا كان الجماع ينتمي إلى باب حفظ الصحة من صناعة الطب، وكان الطب هو الاقتصاد في الأشياء، استنادا إلى حكمة ابقراط([17]) الذي كان يحمل على نفسه في الحمية. فقال له تلميذه: أيها الحكيم لو زدت في غذائك شيئا ازددت قوة ونشاطا به. فقال: "أي بني! إنما أطلب الغذاء حرصا مني على البقاء، ولا أطلب البقاء حرصا مني على الغذاء. فإن صاحب سر الأسرار يأخذ بهذا القانون الطبي، ويسعى إلى تطبيقه من خلال تحديد طقوس النكاح وربطه بالفصول ووضعية المزاج. لكنه يتجرأ ويمنع الملك من المباضعة في بعض اللحظات لأنه يعتبر أن نفس الملك وديعة عنده يجب أن يحفظها من الدمار: "وليحذر الجماع ذلك اليوم عقب الحمام وتلك الليلة، لئلا يهدم الجماع جميع ما ذكرناه ودبرناه فهو أتم للصحة وأبرأ للجسم وأجلب للقوة وأدوم للعافية"([18]) كما يمنعه من نكاح نساء الهدايا المبعثة من الملوك، وخاصة ملك الهند لأنه يتم تغذيتها بالسم حتى صارت مثل الأفعى تقتل كل من يجامعها ببرهان عسلها أو عرقها، حيث يقول: "وتذكر أم ملك الهند إذا بعثت إليك البعثة وفي جملتها الصبية التي غذيت من صغرها بالسم حتى صارت في طبيعة الأفعى، ولولا أني تفرست ذلك فيها.. وأخرجت التجربة أنها تقتل ببضعها وعرقها، فلولا ذلك ومعرفته لأهلكتك"([19]) وكأنه يريد أن يقول لملكه بأنك شغوف بالنكاح لا تستثني حتى الهدايا.
إن صاحبنا يبدو بمثابة طبيب للجماع غريب المزاج، وخاصة يعتبر ان الجماع دواء، وداء في نفس الوقت كما هو الشراب، فالقارئ يرث حيرة الملك أمام إضراب مزاج هذا الرجل. ولعل هذا بالذات ما يشكل مصدر الاختلاف بينه وبين الأدبيات الجنسية الإسلامية التي تأثرت به، لأنها لا تعتبر الجماع حفظ للصحة، ولذلك ينبغي إخضاعه للحمية، بل إنه شبق مهتاج وهذيان وجنون للشهوة يعبر عن فحولة الرجل وقوته وعظمته، حين يقوم بالغزو والهتك وألم الشهوة ولو اقتضى الحال كل أيام العمر شريطة أن يختار الشخص الذي يتهيأ للجماع أطعمة خاصة بذلك، تدخل في باب طبخ الجماع، يقول شيخنا النفزاوي إلى وزيره: "اعلم يرحمك الله أيها الوزير أن هذا الباب فيه منافع كثيرة جليلة تقوي على الجماع للشيخ الكبير والطفل الصغير، وهؤلاء قال فيهم الشيخ الناصح لخلق الله من داوم على مخاخ البيض كل يوم بلا بياض على الريق هيج الجماع.. واشتاقه شوقا عظيما" الواقع أن الشيخ النفزاوي لا يتحفظ بصدد النكاح، أو يعتبر كثرته مدمرة للجسد، ومفسدة للمزاج، كما هو الحال مع كاتب سر الأسرار، الذي يسير وفق تعريفه للفلسفة كما تركها الأوائل، وبالذات الحكيم ابقراط: "لأن الفلسفة إنما هي ملك الشهوات"، بيد أن صاحبنا يجد نفسه في حيرة مما يجعل نصه متورطا في المحالات، لأن قوامه الأنطولوجي، أي أسسه الوجودية تقوم على الإباحة والمنع، النصيحة بالإكثار، ثم النصيحة بالقلة. هكذا يصبح جسد الملك يخضع للتضاد، أو على الأصح إن النصيحة تساير مزاج الملك ورضاه، ولذلك فإن الحيلة أفضل وسيلة لتبليغ النصيحة. لأنه إذا كان الملك في حاجة إلى النكاح وكبرت شهوته، وعظم شبقه، فإنه يستحيل على صاحب النصيحة منعه من ذلك، وإلا سيصبح مزعجا لحياة ولي نعمته.
ههنا تتحرك النصيحة لتتحد مع المكر، ويخاطب الملك بلغة أخرى أكثر شاعرية، ووقعها يكون قويا على النفس: "فإن وجد عطشا فليشرب من شراب الورد والتفاح الممسك بالماء البارد نحو نصف رطل، ثم يتمطى قليلا ناظرا إلى كل صورة حسنة مصورة محكمة التصوير، وإن كان إلى آدمي حسن الوجه فهو أفضل وأتم"([20]). ومن غير شك أن النظر إلى وجه امرأة جميلة يثير الشهوة، ويوقظ العنف الناكح، بدلا من أن يهدئ شبقية الجسد ويجعلها تخضع لنصيحة الحكيم الذي يعرف بأنه واقف أمام باب الاستحالة.
ولعل هذا ما يدفعنا إلى النظر في قانون طبخ الجماع عند أرسطو المنحول وعند الشيخ النفزاوي في أفق التضاد، لأن الأول يريد إعادة الهدوء، والسكون إلى شهوة الجماع بواسطة النظر في المرأة الجميلة والاستلذاذ بمحاسنها دون أن يصل الناظر إلى تهيج شهوة النكاح، لأنها كالعاصفة حين تبدأ ألا تتوقف إلا بعد إنزال الدمعتين. إنها وحش مخبول بلغة سوفكليس. أما الثاني، فإن ما يهمه هو التحريض على تقوية الشهوة وإيقاظ نارها وهيجانها واشتياقها إلى درجة أن إيره لا ينام عليه ليلا ونهارا: "ولبن النوق أيضا ممزوج بعسل وداوم عليه يرى من القوة عجبا ولا ينام عليه إيره ليلا ونهارا"([21]) مع العلم ان صاحب الروض العاطر قد اشترط صفر البيض، وهو كمياء جوهري لتقوية الجماع، والمرأة المحمودة عند الرجال التي يشيهي فرجها حتى الكاتب نفسه، الذي لا يكتب في حياد تام، بل يجامع بواسطة شبق الكلامات وما تحدثه في النفس، وهي أيضا مهيجة للجماع ومحركة للاستيهام. ويصبح الذي يكتب عن النكاح منغمسا في شهوته، أو ربما أنه بإنزال النص يتم إنزال المني، والشاهد على ذلك أن النفزاوي يطلب من الله باستمرار أن يقربه من فرج المرأة الفاتنة ولو لليلة واحدة، هكذا ينتفض بين الحين والآخر حين يكون بصدد وصف الفرج المثالي الذي هو كبير وضيف وليس فيه ندوة رطب سخون تكاد النار تخرج منه ليقول: "نطلب من الله أن يعطينا فرجا مثيلا، آمين"([22]). كما أنه حين يكون في إطار الكتابة الممتعضة على ذلك الفرج الذي لاخير فيه: "وهو فرج واسع بارد نتن الرائحة أصلع ذو قذارة وعفونة وماء" فإنه يلتمس من الله أن يبعده عنه كما أبعد السماء على الأرض: "نطلب من الله أن يحفظنا من فرج مثيل آمين"، لكن هل تقبل دعوة الكاتب ويحقق مبتغاه حين يجامع فرجا مثيلا، أو حين يبعده عن الفرج الذي لا خير فيه؟، هل كان الكاتب بالفعل صادقا في هذه الدعوات؟ أم أن الأمر يتعلق بلغة الإقناع؟.
ربما كان على كاتب سر الأسرار أن يصف للملك هذا الفرج الذي لا خير فيه من أجل تحجيم شهوة الجماع ولو لبرهة الزمان، بدلا من أن ينصحه بالنظر إلى امرأة جميلة مثيرة يتمناها الكاتب في أحلامه، ولكن صاحبنا ليست له جرأة الشيخ النفزاوي، لكي يطلب بصوت مرتفع من الله أن يعطيه فرجا مثيلا، بل نجده في إحدى فقرات الكتاب ينتفض من الجماع، دون الخوف من غضب الملك، أو قساوة عقوبته، خاصة عندما اعتبر أن شهوة النكاح هي من خواص الخنازير، كان من الممكن أن تجلب عليه هذه العبارة سخط الملك وانتقامه، لأن صحبة الملوك دائما فيها عطب. ومع ذلك فإنه اكتسب الجرأة لنصيحة ملك يهوى الجماع ويقدسه، حيث يقول: "ياإسكندر! لا تمل إلى النكاح فإنه من خواص الخنازير.فما الفخر في شيء الدواب أكثر فيه منك؟ وهو ينقص الجسم ويهلك العمر ويفسد البنية ويكسب أخلاق النساء. وكفى بالتشبيه بما ذكرناه عجزا"([23])لكن ما الذي دفع الحكيم إلى هذه النصيحة المستفزة والتي تحتقر شهوة الجماع؟، هل لأنه لاحظ أن ملكه كان إيره لا ينام ليلا ولا نهارا وخاف على صحته، أم أنه خشي فقدان سلطته وملكه من جراء فقدان اعتداله؟.
الواقع أننا لا نملك إجابة مقنعة عن هذين السؤالين، وكل ما نملكه هو القول بأننا أمام نص مهيج لاضطراب في دروبه الملتوية، لأنه بمجرد ما يجعلك تثق في نصيحته، وتستريح بالقرب من حكمته، ينقلب عليك ويأخذك إلى مقام الحيرة والتقلب لتقتنع بحكمة الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي الذي يقول: "من لم يذق متعة الحيرة ولذة التقلب لا قلب له. ومن لا قلب له لا يعول عليه".
ولعل قدرنا هو أننا نمتلك قلبا مما جعلنا نتيه في عوالم كتاب لا سر له، إنه كتاب يقع بين الرفض والقبول كتاب لم نصل إلى حد الآن من لمس هويته، هل هو كتاب في السياسة والحكمة، أم انه كتاب في حفظ الصحة وتحقيق التوازن في الجماع والأكل والشراب، أم أنه كتاب في الخيمياء والسحر والشعوذة؟.
إذا أردنا أن نكون أقرب إلى الحقيقة جاز لنا القول بأنه كتاب يجمع بين المتناقضات: الحكمة والشعوذة، السياسة والسحر، حفظ الصحة وتدمير الصحة، شبقية الجماع وقدسيته، بهائمية الجماع وتفاهته، إنها ثنائيات تجعل الحكم يقيم داخل اللاحكم، والفهم في اللافهم، والاقتناع في اللاقتناع. لأنه على عكس الروض العاطر الذي كان صاحبه واضحا في دعوته إلى الشغف بأسرار الجماع وتقديم النصيحة لمن : "أراد النكاح في الليل كله وأتاه ذلك على غفلة قبل أن يستعمل جميع ما ذكرنا فليأخذ من البيض قدر ما يجد به شبعا ثم يلقيه في طاجين، ويضع معه سمنا طريا. ثم يلقى عليه ما يغمره عسلا ويخلط بعضه على بعض ويأكله بشيء من الخبز شبعا لا ينام إيره في تلك الليلة" إنه طب شعبي أقرب إلى الخيمياء الذي يقول لك: خذ ما تريد واترك ما تشاء من أجل أن تحصل على غايتك. ويستعمل النفزاوي لعبة الإقناع على قارئه من خلال استعمال عبارة: "وهو مجرب عندنا". بمعنى أن الكاتب قبل أن يقدم نصيحته يقوم بتجريبها، وكأننا أمام رجل يأكل البيض والسمن والعسل . و لا ينام إريه في تلك الليلة، إنه يقيم للقارئ جسرا على الهاوية ، خاصة عندما يقوم بهذه التجربة وتكلل بالفشل، لان إيره لا يستطيع أن يظل واقفا ليلة بكاملها ، لان الجماع مرتبط بالحركة، و الحركة تسكن حين تصل إلى غايتها، فما يحكيه النفزاوي إذن هو خرافة ينبغي تصديقها، والاعتقاد في صحتها إذا كنا نؤمن بالطب الروحاني، و تسعى إلى الاستمتاع بلذة النص، لأنه نص ينقلك إلى طقوس الجماع، تفوح منه رائحة الصخب ، و ينطق بصوت ألم الشهوة من شدة قوة الهتك و عنف النكاح. إنه يؤثر في قارئه أكثر من تأثير أفلام الخلاعة الجنسية على مشاهدها. لأنه نص يتسلل مباشرة إلى كينونة اللاوعي و يستوطنها، بل يجعلها تتحرك كالأعمى الذي يرى بيديه. إنها بلاغة عنيفة و ناعمة في ذات الوقت تتأسس على التضاد: إير قوي محمود عند النساء، إير ضعيف مكروه عندهن، الفرج المحمود أو المكروه، رائحة طيبة ، رائحة نتنة، ساخن، بارد، خصيبة اللحم ضامرته، ([24]).

و بينما وهو يسرد أوصاف الفرج المحمود يتدخل ليلتمس جماعه هو أيضا، إنه فن الإقناع بامتياز. يبني حججه انطلاقا من ذاته، لان الذات التي تنطق باسم اللاغوس الجنسي هي نفسها في حاجة إلى الانخراط في صخب الشهوة. كما أن كاتب الروض العاطر لم يضع حدودا بينه و بين النص الذي يكتبه، إنه يصف المرأة المحمودة عند الرجال و كأنها توجد أمامه كما فعل الرسام غويا في لوحته المدهشة " لاماخا " هذه المرأة الأسطورية التي سترافق الإنسان إلى ما لا نهاية، امرأة بحجم التاريخ، يتجول في فضاء جسدها الفاتن، ليمارس القهر على قارئ مضطر ليجامع ذلك الفرج الذي لا خير فيه: واسع، بارد، نتن الرائحة أصلع ذو قدارة و عفونة و ماء، وبخاصة أن صاحب الروض يطلب من الله أن يحفظه من فرج مثيل.
إنها رغبة عنيفة في امتلاك المتلقي، وإخضاعه لسلطة النص، إذ أن النص يتجلى لا كمصدر للشبق فقط، بل كطبيب شعبي يمزج بين الطب الجسماني و الطب الروحاني، إنه يصف الطعام المهيج للجماع كما يصف دواءا للأمراض التي تصيب الأعضاء الجنسية، أو التي تساهم في الزيادة في حجم الاير و تغليظه، بالإضافة إلى ما يجعل الفرج غير المحمود محمودا عند الرجال. بيد أن ما يصفه من أدوية تدخل في باب السحر أكثر من صناعة الطب، و قد تكون خطيرة على صحة الإنسان.
هاهنا نصل إلى وضع اليد على مكامن الاختلاف بين كتاب سر الأسرار والروض العاطر في نزهة الخاطر، هذا الكتاب الذي يمثل جنسا أدبيا للشبق الجنسي في الإسلام، إنه نص يتداول أمام أبواب المساجد وفي الحمامات الشعبية والأسواق، وقد تجده عند العطار الذي يبيع الأدوية التقليدية والأعشاب، كما وصفها شيخ الناصحين. الذي هو راوي مجهول لا أحد يعرفه حتى صاحب الروض العاطر، الذي يستعمل الاسم دون أن يعرف صاحبه، ربما يكون هو صاحب سر الأسرار ممتزجا بنصوص ابن سينا في الطب وغيرها، ذلك أن هذا الكتاب الساحر عبارة عن موسوعة مختصرة ، شامل لكل فنون القول ، إنه يعادل مكتبة ضخمة بالنسبة للملك، كتاب في حجم مكتبة، إنه يتكلم عن كل شيء و لا شيء في نفس الوقت، لأنه كتاب يربي النفس على الكسل باعتباره شقيق النفس التي تكره التعب و العمل الشاق.
نعم إن تعلقنا ب " سر الأسرار " وإلحاحنا على قراءته ملتبسا مع الأدبيات الجنسية في الإسلام، لم تكن الغاية منه منح لهذه الأدبيات شهرة أكثر من الشهرة التي اكتسبتها، أي أن انتشارها وأرقام مبيعاتها لا تحصى. إنها كتب بدون ناشر ولا تحتاج إلى إشهار، تباع كما يباع السباح، ولعل ما زاد من شعبيتها وانتشارها عدم تعرضها للتحريم أو الرفض من قبل الفقهاء والأئمة في المساجد، بل إنها محببة إلى نفوسهم، تتم قراءتها في غسق الليالي، مثيرة ومسلية للروح كحكايات ألف ليلة وليلة ، حيث الجنس اتحد مع الزمان ليشكلا إمبراطورية الشبق داخل بلاط الملوك، كما أن ما تصنفه من أطعمة، لأنها لا تتحدث عن الاشربة، بسيط وفي متناول الطبقات الشعبية التي تتوجه إليها بالأساس، فالروض العاطر مثالا لا يتحدث عن الطعام الباذخ أو الفواكه الملوكية و التي لا يعرفها القارئ، لأنه ليس موجها لملك كما هو عليه الحال في كتاب سر الأسرار، الذي يصف للملك فواكه وأطعمة نادرة الوجود، غالية الكلفة من المستحيل أن يتناولها قراء الروض العاطر أو رجوع الشيخ إلى صباه، إن ما يقدمه الروض لا يتجاوز حدود ما هو موجود في متناول الجميع كالبيض، والعسل، والبصل، وحليب النوق، إنها لعبة للإغراء والوصول إلى قلوب الملايين من الناس، ولذلك أصبح الكتاب الأكثر مبيعا في تاريخ الإنسان. فقوته تكمن في انتشاره، وتحكمه في بناء اللاوعي الجنسي عند الإنسان العربي.
كما انه لم تكن غايتنا أيضا التعريف بكتاب سر الأسرار الذي تجاوز حدود الشهرة، إنه كتاب بلغ درجة التقديس في القرون الوسطى، وأصبح مصدرا لكل الأدبيات السياسية والجنسية والطبية، بل أن رغبتنا اقتصرت في استعراض بلاغة الجماع في هذا الكتاب من أجل مقارنتها بميتافيزيقا النكاح عند فلاسفة الإسلام وأدباء الثقافة الشعبية، وبعبارة أوضح ما هو التأثير العنيف الذي مارسه هذا النص اللغز على مسار الكتابات الجنسية في الإسلام؟ هل يتعلق الأمر بنص شيطاني منبوذ من الله، أم أنه نص روحاني يدبر الجسد من أجل سعادة الروح، ونيلها لمثال الخير؟.
لم يكن صاحب سر الأسرار يعتبر نفسه كاتبا عاديا يقدم النصائح للملك، وتنتهي مهمته بمجرد انتهائها، ويتم الاستغناء عن خدمته مقابل أجر زهيد أو ثروة باهظة، بل انه كان فيلسوفا وطبيبا وفلاكيا وساحرا وصيدليا، فهذه المهام تمنحه مكانة رفيعة في محيط الملك، لأنه امتلك قلبه وجعله يؤمن بأن حياته وصحته وسعادته مرتبطة بهذا الحكيم، بيد أن ما يهمنا في هذه العلاقة الغريبة التي تجمع الملك بكاتم أسراره، هو مستوى وعي الملك الذي يدبر أمة بكاملها ، فمن جهة انه ابن الله، سلطانه منتشر في ملكه، وعظمته، وقوته تصل إلى كل سكان مملكته، ومن جهة أخرى انه إنسان بسيط وهش، وخرافي يصدق السحر والشعوذة ومتيمم بالشهوات يعشق النكاح و المبالغة فيه، إلى درجة أن مدبر جسده يجد نفسه مضطرا للتدخل لكي يضع حدا لهذه المبالغة مستغلا حيلة الطبيب الماهر، حين يقول للملك: " فأما ما يهزل البدن و ييبسه: قلة الطعام والشراب، وكثرة التعب، والسهر الطويل... وإفراط المجامعة وشغل البال والفقر والخوف "([25]). لكن ما يلبث يستقر على هذا الرأي، أو هذه النصيحة حتى يجد نفسه أمام نصيحة مضادة لها أكثر فرحا، بإمكانها أن تلطف مزاج الملك وتبعده عن الهم والغم، وتجعله أكثر سعادة وبهجة وسرور، حين يعتبران مآل الجسم الذي لا يجامع هو التحول إلى مجرد هيولى، أي بدن كثير اللحم وعريض الخلقة مما يمنحه منظرا بشعا: " وأما ما يسمن البدن ويهيجه ويكثر لحمه: قلة المجامعة وأكل الخبز السميد ولحم الدجاج المسمنة، والشرب في الأواني الجديدة الطيبة الرائحة واطرح الهم و الحزن " (26).
إنها مفارقة عجيبة تقع على مساحة شاسعة بين المنع والإباحة، بين ما تفعله كثرة الجماع في الجسم إذ تهز له وتيبسه، وما تفعله قلة النكاح، إنها تسمن البدن وتهيجه وتكثر لحمه، فالملك يوجد أمام خيار صعب; فاما أن يجامع بكثرة، نظرا لتوفره على سوق الجنة المكتظ بالجواري والحسناوات اللواتي يشبهن الكبيرت الأحمر، بلغة الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي ، ويصيح جسمه هزيلا و يكسبه أخلاق النساء، وإما أن لا يجامع و يصح بدنه سمينا و لحمه كثير حين يقوم بقهر رغبته أمام العطر الذي يفوح من سو ق الجنة، عطر الأجساد العارية التي تقضي يومها في الاستحمام و تنتظر دورها لامتصاص المني المقدس للملك باعتباره ممثلا لله في الأرض، وهناك من الجواري من لا يصل دورها إلى أن تختفي في كآبة الخريف، أو أحزان الشتاء، عندما تتحول إلى امرأة كهلة، تولت عنها أيام الشباب، أو عجوز هرمت ودنا منها الموت بعدما كانت جارية شابة تزينت وتجلت للملك الذي قام بهتكها بعنف و نكاحها بهذيان مسكون بجنون الشهوة إلى حدود الانفصال عن شخصية الملك والاتحاد بالايروس في حضرة افروديت صاحبة الجلالة وملكة اللذة.
و قد كان الكاتب يستمع إلى صخب هذا الجماع المقدس وينتشي بألم تلك الجارية الشابة مثل الملك الذي ينساها بمجرد إنزال المني في رحمها، لتمتلك قدسيتها وتحريمها على الآخرين حتى الموت، إنه قانون لعبة المقدس، فلا أحد بإمكانه أن يجامع نساء الملك، وإلا سيصبح الملك مثله مثل الناس، في حين أن الملك مرتبط بالأفلاك السماوية، إنه كوكب من كواكبها جاء إلى الأرض لكي ينشر العدل وينكح أجمل النساء، و يأكل ألذ الطعام، و يشرب أعتق الاشربة، باعتبارها دواءا وليس مجرد غداء: لان الشراب ذهبي اللون بين الحمرة والصفرة، حريف الطعم لذيذا قد رسبت أثقاله ورقت أجزاؤه... يفرح القلب و يحسن اللون و يطلق اللسان و يشجع الجبان ويسوق إلى كل شيء مونق مبهج ويبعث على كل منقبة كريمة وخصلة حميدة... وهو أحد السموم القاتلة لمن لم يدر مقدار استعماله ([27]).
وانطلاقا من هذا الاعتبار يسعى الكاتب إلى إبراز الوجه المقدس للملك من خلال عدة تجليات، كأن ينصحه بعدم الإكثار من الظهور للناس، أو الإكثار من الهزل والضحك في مجالسه، وعدم مجالسة العامة. بالإضافة إلى تميزه بمظهره الإلهي وأن لا يقوم ولا يقعد ولا يأكل ولا يشرب ولا ينكح إلا عن اختبار من علوم النجوم إذ لابد: " أن تحفظ بهذه النفس الشريفة الملكوتية فإنما هي وديعة عندك.. وإن أمكنك أن لا تقوم ولا تقعد ولا تأكل ولا تشرب و لا تصنع صنعا ، إلا عن اختبار من علم النجوم فذلك ملاك أمرك "([28])
هكذا يضع الحكيم نفسه أمام استحالة الممكن، فكل ما يقوم به يستمده من واهب الصور ، فهو في الواقع لا يخدم الملك، بل ان هناك قوة غيبية تملي عليه ما ينبغي القيام به، ولذلك فإنه يجعلنا نرتبط بالسماء، ونؤمن بعظمة ملكه، الذي لا يجب أن يشرب حتى الأدوية حينما يكون مريضا، إلا بمباركة السماء، وعناية القمر والأفلاك الأخرى: " إذا أردت أن تشرب دواء فليكن القمر في البروج الجنوبية، ما خلا الجدي" ويكون متصلا بالزهرة أو المشتري، فإن يكن في العقرب أو الحوت فهو أفضل، أوفي الميزان مع الشمالية. واحذر أن يكون القمر مع زحل، فإنه يجمد الدواء في البطن .([29])
إذا كان كمياء الجسد يفرح القلب ويولد السرور من خلال التحكم في ثلاثية المقدس حسب نصائح سر الأسرار وهي: لذة الطعام، ونشوة الشراب، وبهجة الجماع فان كمياء الروح التي تطيل العمر، وتقضي على الأمراض والعلل، وتبعد البشاعة عن الجسم، تستمد روحها من دوران الأفلاك. إن جسد الملك مرتبط بتناغم الأفلاك السماوية، فبرؤه لا يتوقف على مهارة الطبيب، أو فعالية الدواء، بل على انسجام أفلاك الكون، لان الملك قمر الأرض، لابد أن يسير بقمر السماء: " فإذا كان موضوع القمر أو الطالع له سلطان على ذلك الموضع من الجسد، فلا تتعرضه "،([30]) و كأنه يقول للملك بأنه لا يملك نفسه، إنه مبعوث إلى الأرض: " فلا تفعل شيئا ( يتعلق بصحتك ) حتى يهل الهلال و يقارب الشمس بثلاثة عشرة درجة. و احذر أن يكون القمر في القوس وهو الطالع أو في الدلو أو في الجدي أو في الجوزاء. وتحفظ من نظر الشمس إلى القمر و الطالع في التربيع، أو المقابلة وكون القمر في الاجتماع و القمر في بروج مائية. واحذر أن يكون المريخ في الطالع أو مقابلا له، و كذلك زحل ".([31])
هكذا ينبغي أن يدبر جسد الملك وروحه، لأنه هبة من السماء، فحياته لا تشبه حياة البشر المنغمسة في الأرض، وليست لها علاقة بالسماء التي تحتضن الله، باعتباره مدبرا للأفلاك، فالتوجه إلى السماء معناه الدعاء والابتهال إلى مدبر الأفلاك، كما أن تقديس الملك هو تقديس لهذه الإرادة الإلهية. إنها لعبة خداع يؤسس عليها الحكيم خطابه، لكي يبرهن على أن الملك مبعوثا من الله في الأرض، وهو الناطق باسم القوة الإلهية، ومردد النصائح لا يتجاوز حدود ما أملته عليه السماء.الواقع أننا أمام رجل ثمل بالمكر والخداع، لأنه ينقلنا من صخب ومتعة النكاح، وعذوبة الهواء ونشوة الشراب إلى التصديق ما لا ينبغي تصديقه، إلى الإيمان بما لا يجب الإيمان به، إنه ملتهم للأحلام الجميلة، ومدمر لبراءة الوجود باعتباره يختار للإنسان الإقامة في بهاء الطغيان والاستبداد. من خلال تبريره للأفعال الوحشية التي يقوم بها ملكه، ذلك أن هتك حسناوات النساء، وعنف النكاح مع الجواري اللواتي لا يمكن عدهن مرتبط بقدسية السلطة إلى درجة أن طرد المرأة الألفية والمرأة المني من البلاط باعتبارهن يرمزان إلى بشاعة النكاح والإيمان به إلى حدود الهذيان. يبررها الحكيم بحفظ صحة الملك ولا يهمه أن يجعل المتلقي يشارك في صخب هذا الجماع الميتافيزيقي الذي لا نعرف إن كان مرتبطا بالجسد أم بالروح، أم أن الروح هي التي تنكح بعنفها مستغلة الجسد في تنفيذ بطشها على جسد آخر، لان النكاح هو اغتيال ناعم لجسد آخر، يتألم، يصيح، ينزف بالدماء، إنها لعبة سادية متبادلة بين روحين متواطئين على جسدهما المغمى عنه



ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - سر الأسرار م م ص 69
2 - سر الأسرار م م ص 71
3 - سر الأسرار خ ص 102
4 - سر الأسرار م م ص 90-91
5 - سر الأسرار م م ص 90
6 - سر الأسرار م م ص177
7 - أفلاطون في الإسلام م م بدوي ص 190
8 - سر الأسرار م م ص84
9 - سر الأسرار م م ص 84
10 - أفلاطون في الإسلام تحقيق بدوي ص 229
11 - النفزاوي، الروض العاطر
12 - م م ص 104
13 - سر الأسرار. م م ص 92
14 - سر الأسرار م م ص 93
15 - سر الأسرار م م ص 94
16 - عبد الكبير الخطيبي م م ص 102
17 - ابقراط م م ص 87
18 - سر الأسرار م م ص 106
19 - سر الاسرار م م ص85
20 - سر الاسرار م م ص 106
21 - سر الاسرار م م ص114
22 - سر الأسرار م م ص 119
23 - سر الأسرار م م ص 79
24 - الاطبي م م ص 115
25 - سر الأسرار م م ص104
26 - سر الأسرار م م ص104
27 - سر الأسرار م م ص101-102
28 - سر الأسرار م م ص 85
29 - سر الأسرار م م ص 115
30 - سر الأسرار م م ص 115
31 - سر الأسرار ص 114


.


 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...