نقوس المهدي
كاتب
[SIZE=6]أسمى العطاونة
العانة والحلاوة المكشوفة
[/SIZE]
أذكر ذلك اليوم جيّداً كما لو أنه حدث البارحة. على حياء، أخبرت أمِّي بأن دماً يسيل من ما بين فخذيَّ. ابتسمت وألقت إليَّ بفوطة صحِّية كبيرة محشوَّة بالقطن، ذهبت لأختبئ في الحمَّام، منغلقة على نفسي ومُحاطة بمئات الأحاسيس الغريبة، ما بين الخجل، القرف، الاستياء، والخوف. لم تنطق أمِّي بكلمة واحدة، ولم أجد في صمتها وتعابير وجهها المحايدة أي إجابة تُهدِّئ من روعي. أهكذا إذاً أحشو ما بين فخذيَّ بفوطة قطنية وأتظاهر من اليوم فصاعداً وكأن شيئاً لم يكن؟! كل ما أعرفه بأني صرت الآن خصبة وولاَّدة مُهيأة لأن يُقذَف في داخلي سائل منويّ ما لتنتفخ بطني. من بعد هذا اليوم، راح مقدار الحذر يتضاعف في حياتي اليومية من كل ما يتعلَّق من قريب أو بعيد بأي ذَكَر. أصبح الذكر بُعبعاً يُلاحقني، يُعذِّبني، يمنعني من أن أجد أي سلام داخليٍّ. كم تمنَّيت لو بقيت طفلة أركض، ألعب وأنام دون أن أتقلَّب في الفراش مراراً محاولةً طمس أفكاري بالوسادة. كم كرهت الله وشعرت بجبروته وانحيازه إلى الذكر وصلَّيت بأن يهبني معجزة كأن ينمو لي قضيب ما بدلاً من هذا الشيء المسطَّح المغطى بالدم.
لم أجد أي مخرج من ورطتي هذه غير كبت جميع الأحاسيس المضطربة وطمسها بعيداً عن الأنظار. فالحديث عن هذا الجزء من الجسد يُعدُّ كالتشكيك بوجود الخالق. وما بين الفخذَين يبقى من المحرمات في صورة الفتاة العفيفة الطاهرة؟ لكن ماذا إذا وجدت نفسي كعفيفة وطاهرة أمام الطبيبة لمعالجة التهابٍ مهبليٍّ مزمن، وهذا وارد كثيراً عند المرأة؟ ماذا سأقول لأصف ما أعاني منه؟ هل سأقول «عضو تناسلي» مثلاً؟ أو «هناك تحت» يا دكتورة؟ ولماذا لا أقول بكل وضوح: «أعاني التهاباً في فَرْجي»، تماماً كما أقول: أعاني ألماً في قدمي أو في رأسي؟ ما هو سرُّ تحريم التفوُّه بكلمة «فَرْج» أو «مهبل» أو «عانة»؟! كم استغرقني الوقت لأصرخ بهذه الكلمة الأخيرة عالياً وأجهر بها دون حياء: عانة! ما أجمل ما تحمله من صور في مخيّلتي. واليوم بعدما كبرت، أول ما يخطر في ذهني لوحة «أصل العالم» لغوستاف كوربيه. ففي هذه اللوحة تُناجيني العانة الممدَّدة أمامي باسترخاء ووضوح وتجهر بحُسنها وجمالها لتكشف لي سراً من أسرار الخلق: العانة هي أصل العالم، أصل خلقنا. نعم، من هنا خرجنا، من رحم أنثى، ضمَّتنا بأحشائها، وعندما حان موعد رحيلنا، شدَّت بكل ما تمتلكه من قوَّة على أذرع السرير الطبِّية وتصبَّبت عرقاً صارخةً بخروجنا، دون أن نذكر تفاصيل هذه الرحلة، وقت مرورنا من الرحم باتجاه المهبل الذي تفتَّح لخروجنا كالزهرة، واتسع باتساع تنفُّسنا للحياة.
خوفنا المستمر من العانة ومن أسرارها الدفينة، جعلنا نحاول قدر الإمكان طمسها وخلق عبارات تنزل بها إلى الحضيض بأفكارنا البالية «البنت شاشة بيضا إذا اتسخت لا يمكن تنظيفها» و«البنت كعود الكبريت إذا اشتعلت لا فائدة منها»…
وما يُحزنني أن فتيات متعلِّمات وفي مقتبل العمر، يُردِّدن تلك العبارات كنمط يخط حياتهن ومستقبلهن ويحدِّد مصائرهن. أذكر خلال دراستي الجامعية العام 1997 عبارة زميلة لي محجَّبة (وبالإذن من المحجَّبات)، في معرض وعظها لي بـ«الاستتار» وارتداء الحجاب: «يا أسمى، الشباب بحبّو الحلاوة المغطية، ما بياكلو الحلاوة المكشوفة»!!
ضحكت وقتها وشعرت بالشفقة عليها وعلى من تحاول نيل إعجابه. «مكشوفة» بقاموسها تعني الفتاة غير المحجَّبة «الصايعة» وقد ينتهي بها الأمر إلى وصفها بـ«الشرموطة» لمجرَّد كشفها لشعرها. كم شعرت بالرِّضا الداخلي بحقيقة عدم انتمائي إلى عالم «الحلاوة المغطية»، وباعتزازي لكوني «مكشوفة» وبأن ما أُظهره يُعبِّر تماماً عمَّا في دخيلتي.
بماذا كانت ستُلقِّبني زميلتي لو علمت بأني أُحدِّث شريكي في الفراش بما يُمتِّعني، وخصوصاً حين يُمضي وقتاً طويلاً ناظراً إليه.
بالطبع، استغرقني الأمر طويلاً لأُحرِّر نفسي من قفص أمِّي وصمتها رغم شعورها بالظلم مراراً وتكراراً من قبل جدِّي المُتسلِّط. ودفعتُ الثمن هجرةً من بلد إلى آخر.
لقد تحرَّرتُ اليوم من تلك النظرة الدونيَّة إلى جسدي وإلى مهبلي الطاهر.
.
العانة والحلاوة المكشوفة
[/SIZE]
أذكر ذلك اليوم جيّداً كما لو أنه حدث البارحة. على حياء، أخبرت أمِّي بأن دماً يسيل من ما بين فخذيَّ. ابتسمت وألقت إليَّ بفوطة صحِّية كبيرة محشوَّة بالقطن، ذهبت لأختبئ في الحمَّام، منغلقة على نفسي ومُحاطة بمئات الأحاسيس الغريبة، ما بين الخجل، القرف، الاستياء، والخوف. لم تنطق أمِّي بكلمة واحدة، ولم أجد في صمتها وتعابير وجهها المحايدة أي إجابة تُهدِّئ من روعي. أهكذا إذاً أحشو ما بين فخذيَّ بفوطة قطنية وأتظاهر من اليوم فصاعداً وكأن شيئاً لم يكن؟! كل ما أعرفه بأني صرت الآن خصبة وولاَّدة مُهيأة لأن يُقذَف في داخلي سائل منويّ ما لتنتفخ بطني. من بعد هذا اليوم، راح مقدار الحذر يتضاعف في حياتي اليومية من كل ما يتعلَّق من قريب أو بعيد بأي ذَكَر. أصبح الذكر بُعبعاً يُلاحقني، يُعذِّبني، يمنعني من أن أجد أي سلام داخليٍّ. كم تمنَّيت لو بقيت طفلة أركض، ألعب وأنام دون أن أتقلَّب في الفراش مراراً محاولةً طمس أفكاري بالوسادة. كم كرهت الله وشعرت بجبروته وانحيازه إلى الذكر وصلَّيت بأن يهبني معجزة كأن ينمو لي قضيب ما بدلاً من هذا الشيء المسطَّح المغطى بالدم.
لم أجد أي مخرج من ورطتي هذه غير كبت جميع الأحاسيس المضطربة وطمسها بعيداً عن الأنظار. فالحديث عن هذا الجزء من الجسد يُعدُّ كالتشكيك بوجود الخالق. وما بين الفخذَين يبقى من المحرمات في صورة الفتاة العفيفة الطاهرة؟ لكن ماذا إذا وجدت نفسي كعفيفة وطاهرة أمام الطبيبة لمعالجة التهابٍ مهبليٍّ مزمن، وهذا وارد كثيراً عند المرأة؟ ماذا سأقول لأصف ما أعاني منه؟ هل سأقول «عضو تناسلي» مثلاً؟ أو «هناك تحت» يا دكتورة؟ ولماذا لا أقول بكل وضوح: «أعاني التهاباً في فَرْجي»، تماماً كما أقول: أعاني ألماً في قدمي أو في رأسي؟ ما هو سرُّ تحريم التفوُّه بكلمة «فَرْج» أو «مهبل» أو «عانة»؟! كم استغرقني الوقت لأصرخ بهذه الكلمة الأخيرة عالياً وأجهر بها دون حياء: عانة! ما أجمل ما تحمله من صور في مخيّلتي. واليوم بعدما كبرت، أول ما يخطر في ذهني لوحة «أصل العالم» لغوستاف كوربيه. ففي هذه اللوحة تُناجيني العانة الممدَّدة أمامي باسترخاء ووضوح وتجهر بحُسنها وجمالها لتكشف لي سراً من أسرار الخلق: العانة هي أصل العالم، أصل خلقنا. نعم، من هنا خرجنا، من رحم أنثى، ضمَّتنا بأحشائها، وعندما حان موعد رحيلنا، شدَّت بكل ما تمتلكه من قوَّة على أذرع السرير الطبِّية وتصبَّبت عرقاً صارخةً بخروجنا، دون أن نذكر تفاصيل هذه الرحلة، وقت مرورنا من الرحم باتجاه المهبل الذي تفتَّح لخروجنا كالزهرة، واتسع باتساع تنفُّسنا للحياة.
خوفنا المستمر من العانة ومن أسرارها الدفينة، جعلنا نحاول قدر الإمكان طمسها وخلق عبارات تنزل بها إلى الحضيض بأفكارنا البالية «البنت شاشة بيضا إذا اتسخت لا يمكن تنظيفها» و«البنت كعود الكبريت إذا اشتعلت لا فائدة منها»…
وما يُحزنني أن فتيات متعلِّمات وفي مقتبل العمر، يُردِّدن تلك العبارات كنمط يخط حياتهن ومستقبلهن ويحدِّد مصائرهن. أذكر خلال دراستي الجامعية العام 1997 عبارة زميلة لي محجَّبة (وبالإذن من المحجَّبات)، في معرض وعظها لي بـ«الاستتار» وارتداء الحجاب: «يا أسمى، الشباب بحبّو الحلاوة المغطية، ما بياكلو الحلاوة المكشوفة»!!
ضحكت وقتها وشعرت بالشفقة عليها وعلى من تحاول نيل إعجابه. «مكشوفة» بقاموسها تعني الفتاة غير المحجَّبة «الصايعة» وقد ينتهي بها الأمر إلى وصفها بـ«الشرموطة» لمجرَّد كشفها لشعرها. كم شعرت بالرِّضا الداخلي بحقيقة عدم انتمائي إلى عالم «الحلاوة المغطية»، وباعتزازي لكوني «مكشوفة» وبأن ما أُظهره يُعبِّر تماماً عمَّا في دخيلتي.
بماذا كانت ستُلقِّبني زميلتي لو علمت بأني أُحدِّث شريكي في الفراش بما يُمتِّعني، وخصوصاً حين يُمضي وقتاً طويلاً ناظراً إليه.
بالطبع، استغرقني الأمر طويلاً لأُحرِّر نفسي من قفص أمِّي وصمتها رغم شعورها بالظلم مراراً وتكراراً من قبل جدِّي المُتسلِّط. ودفعتُ الثمن هجرةً من بلد إلى آخر.
لقد تحرَّرتُ اليوم من تلك النظرة الدونيَّة إلى جسدي وإلى مهبلي الطاهر.
صورة مفقودة
.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: