نقوس المهدي
كاتب
أحــمــد الشـّـهـَاوي
الوَصَـايَا فِـي عِـشْـقِ الـنّـسَــــاء .
* الوصــيـــّة الأولـــى
أوصيكِ بالمحبّة , واتباعِ العشقِ , إحرصي على الإنصاتِ إلى صوتِ ديكِ قلبكِ الذي يَؤذّنُ بالوِصالِ في تمامِ الوقتْ .
أوْدِعي نفسكِ سجنَ عاشقكِ السّماوي .
تتحقّقُ كيمياءُ سعادتكِ إذا هتكتِ الحُجُبَ , وطرتِ في هوائكِ وهواكِ .
أنتِ عارفةٌ فاكتُمي , فالكتمانُ علامةُ الواصِلِ .
ستصلين إلى كمالكِ إذا توحّدتِ بحروفِ اسمكِ
إعلمي أنّ من ماتَ عاشقاً ماتَ شهيداً , ولا سعادةَ نَسعَى إليها إلا بالإخلاصِ .
* الوصــيـــّة الثــانــيـــة
طهّري قلبكِ حتى يطيب لسانكِ , فلسانكِ جوهرٌ وجوهرة , وهمزة الوصلِ بينَ روحِ من تحبينَ وجسَدِه , لأنّه يترجمُ حالكِ , ويكتبُ قلبكِ , ولا خزائنَ تُفتَحُ إلا بمفتاحِهِ.
* الوصــيـــّة الثــالــثــة
إعلمي _ قدّسَ الله سرّكِ _ أن الخواتيمَ مجهولةٌ , وانتظري كرماً وفيضاً إلهيّيْن , يرفعانكِ إلى مرتبة أهلِ المحبّة _ وهُم قليلٌ _ .
* الوصــيـــّة الرّابــعــة
إعلمي أنّ لا عِشقَ يتِمُّ لمتحوّلٍ قَلّاب , ولن تثبتَ لكِ قدمٌ دونَ أن تفيضَ روحُ جسَدِكِ.
* الوصــيـــّة الخـامِـسـَة
إنتبهي ,
فالسّرُّ في القلبِ , والبُعدُ لا يولّدُ جفاءً , مادامت القلوبُ تغيرُ وتفتَحُ .
* الوصــيـــّة السـّـادِســة
وأنتِ في غُربَةِ الدّنيا , تيَقّني أنّ عاشِقكِ وليّكِ في الحياةِ الدنيا , وفي الآخِرة .
* الوصــيـــّة السـّـابِـعـَة
أوّلُ كلامي ,
أنّ لا قيْدَ في حضرةِ الوهبِ , فدَعي نفسَكِ لكِ , كيْ يأتيَ العاشقُ قاطفاً خاطفاً متّحِداً بكِ .
* الوصــيـــّة الثـّـامـِـنـة
زيّني قُبّتكِ القُدسِيّةَ , فحشِائِشُها تُسكِرُ .
أظهِري حروفَكِ في الميتَةِ الصّغرى , التي يُولَدُ فيها قَمَرَكِ جديداً , فصوتُ الحروفِ يُذهِبُ العقلَ , ويُميتُ النظرَ , ويُفني الجسدَ , ويُروِي ويُعطِشُ .
فالعاشِقُ يعشقُ خرائطَ القمرِ ونقوشَها , ويعتصِمُ بالكنزِ المخفيّ , لأنّه يتختّمُ بالعقيقِ , ويفترِشُ البطنَ , ليكشِفَ الباطنَ .
* الوصــيـــّة التـّـاسِـعـة
ولّي وجهَكِ " لكلّ وجهةٌ هُو مولّيها ؛ لأن لا حياةَ لامرأةٍ إلا بالعشقِ , والخٌسرانُ يقعُ من الفقدِ , ولا مكسبَ معَ انفصالٍ , والاتحادُ علامةَ من صدقَ في محبّتِهِ , واعلمي أنّ قلبَكِ موصولٌ في عِرّقِ كفّ حاوليكِ .
* الوصــيـــّة العـاشـِرة
أعرُجي إلى سمائِكِ الأخيرة , عندما تكونينَ معَهُ , لا تَستَحي من فعلٍ خطَرَ لكِ , لا تَخجَلي من واردٍ جاءَكِ , أو حُلُمٌ أيْقَظَكِ , كوني نفسَكِ لا تُقَلّدي , تَجرّدي من شَواغِلِكِ , إخلعي الدّنيا عنكِ , واذهبي معهُ عاريةً إلّا منهُ.
* الوصــيـــّة الحـادِيـةَ عـشـَر
تزوّدي بجُرأةٍ في خَفَر , إحمِلي لُغَتَكِ في دَلالٍ وغُنجٍ , إفرشي نُورَكِ تحتَهُ وفَوقَهُ , وعن يمينِهِ وعن يسَارِهِ .
فلا شيءَ يتَكَرّرُ , وعاشقكِ لن ينزلَ إلى بحركِ مرّتينِ بالكيفيّةِ ذاتِها .
* الوصــيـــّة الثـّـانـِيـة عـشـَـر
تذكّري أنّ الليلَ لكِ , ففيهِ يقعُ التجلّي والإشراقُ , وفيهِ جنيُ ثِمارِ اللّذّةِ , فلا تضيّعِي العُمرَ في نومِ الليلِ , لأنّهُ خُلِقَ للعِشقِ والأسرارِ .
* الوصــيـــّة الثـّـالـِثـة عـشـَـر
فُيُوضاتُكِ لا تُدركُ , إذا تحقّقْتِ من قُدرتكِ , وقدّرتِ ثقَتَكِ بكِ , فليسَ مستبعدًا أن تكونَ فوقَ مَدارِكِ عقلكِ وتصوّراتِ وهمكِ .
فنصيحتي ,
أن تُمَرّغي خدّكِ على بابِ عاشقكِ , والجئي إلى روحِهِ , ففيها الرّحمةُ والحنانُ والودادُ , إفرشي جبينَكِ على تُرابِهِ , لأنّكُما خُلِقتُما منهُ , وإليهِ تعودانِ عاشقيْنِ .
إكتمِلا في الحياةِ والموتِ , إعلمي أنّ في موتِكما حياةً , أذكريهِ يذكركِ .
إنتهبي ,
إلى أنّهُ إذا وُهِبْتِ نعمةَ العِشْقِ فلن يستردّها الخالقُ منكِ.
* الوصــيـــّة الرّابــعــة عــشـَـر
ثمّة بونٌ بين من اكتحَلَت عيناهُ بالعشقِ , وبين من كانت عيناه عاشقتين .
ففي الأوّل يتقلّب القلبُ بين أصابعِ العاشقِ , وفي الثاني يثبتُ القلبُ على محبّةِ ودينِ العاشقِ .
ولا بدّ لي من أن أذكّرَ بما قالهُ شيخي محيي الدين بن عربي :
أدينُ بدينِ الحبّ أنّى توجّهَتْ = ركائِبهُ , فالحبّ ديني وإيماني
والمرءُ على دينِ خليلهِ , فخذي كتاب عاشقكِ في يمينكِ ,
أنتِ أمّ الكتاب ,
دنوتِ فتدلّتْ ثماركِ , وحانَ قطفُكِ , وزبَدَتْ مياهُكِ , لمّا فاضَ بحرُكِ ,
وعلَوْتِ , فملكتِ علمَ اليقين .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة عـشـَـر
أوصيكِ بأن تكونَ دِنَانُ خمرةِ قربكِ بين يديْ واصلكِ , فإنّ المرءَ ليُسقَى شراباً طهوراً عندما تكونَ كأسُ دولةِ عشقهِ في رياستهِ , فيرى نعيماً , ويلتذّ بمُلكٍ كبيرٍ , إذا ماتدلّتْ شجرةُ عشقكِ , ودنتْ ثمارُها .
* الوصــيـــّة السـّادسـة عـشـَـر
لاتمنحي سِلالكِ في دفقةٍ , فإنّ المحبّة ترقى وتتدرّجُ , فجاهِدي , وصفّي باطنَكِ , إفتحي عينَ قلبكِ , واغلقي عينيكِ , ففي عَتْمَتْهُما ترينَ ذاتِكِ في عليّين , إكشفي عنكِ غطائكِ , أوقِدي شموعَ روحِكِ , أنصِتي لموسيقى جسدِكِ , شُمّي بقلبكِ راحتَهُ , يَجِئْكِ , يَتُهْ في بحرِ بواطنِ بصائِرِهِ , هيّجي عشقَهُ بغلبَةِ الشّوقِ .
* الوصــيـــّة السـابـعـة عـشـر
إعرفي بحواسّك , فالحواسّ ألماس الجسد , لاتكذب ولايمر الكذب من جهازها , الأصابعُ تختبرُ , والعينُ تكشفُ العينَ وتخترقها , واللسانُ لايغيّبُ المعنى , وإنما يذوقُ ويحلّ , ومن ثمّ تحُلّينَ فيمن تعشقينَ
* الوصــيـــّة الثـامـنـة عـشـر
ليكُن عالمكِ الباطنيّ واسعاً لايُحَدّ , ليستقبل ويفرزَ , يمحو ويبقي , وليكُن إيمانُكِ عميقاً , بأنّ لكِ أكثرَ من صورة , وأكثر من اسمٍ , لحظةَ تُعتِمُ فيها الغُرفة , وتُضاءُ روحُكِ , وتنسرجُ شمعةٌ نائيةٌ في رُكنِها , هيّئي ذاتَكِ بحوارٍ في المحبّة , وأكثري من المُلامسة , تُدركي مالايُدرَك , لتكُن طقوسكِ فريدة تخصّكِ , تنتجها الفطرة لا الصنعة , خبّئي جسدكِ , وتدرّجي في كشفه , فالمحبّ يأسَرُ بالحجبِ , لأنّ الجسد فردوسٌ , لاتنالهُ النفوسُ بسهولةٍ , ولا يُعرفُ إلا بالمراتبِ .
* الوصــيـــّة التـاسـعـة عـشـر
إخلقي جنّتكِ في نفسكِ , ولتكُن قبّةُ السماءِ قبّتكِ الصلاتية , في قِبلتِها يتحدد مصيرُ العاشقِ .
* الوصــيـــّة العـشـرون
إحرصي على أن تخلُقي في عاشقكِ دهشةَ الاستكشاف التي لا انتهاء ولا حدودَ لها , فالمرأة قارّةٌ دائمةُ الكشفِ , كنوزُها لاتُحصَر , وأسرارُها لاتُعَدُّ , والعاشقُ يُؤسَرُ فيها مادامَ في دهشةٍ حتّى النفسِ الأخير .
* الوصــيـــّة الحـاديـة والعـشـرون
مهمتكِ أن تدركي رسالة روحكِ , وهي تسعى في سبيل العاشقِ , فلا تضيّقي عليهِ المكان , فالحوائجُ كلها عندكِ , لاتجعليهِ يلتذّ بغيركِ حتى بالتخيّل , أذيقيهِ لذّة السّكْرِ والغيّبَة , فألَمِي أعضاءَهُ جميعاً , إلا قلبَهُ فهو صحيحٌ ساجدٌ راكعٌ معكِ.
* الوصــيـــّة الـثـانـيـة والعـشـرون
اسكني إليهِ في كلّ حالٍ , فحال العاشقِ بابٌ لايُدَقّ أو يُستأذَنُ في الدخولِ إليهِ , إنما هو قدرٌ محتومٌ مكتوبٌ قبلاً , ومفتوحٌ , وقد يقعُ التأخّرُ في الوصولِ .
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والعـشـرون
ليكُن كل شيءٍ عندكِ بمقدارٍ , فلاتطفئي نورَ لهبكِ مرةً واحدةً , لأنّ المحبوبَ يجوزُ إلى دارِ محبّهِ إلى قيامِ الساعة , وعلى ناركِ أن تظلّ هكذا مُشتعِلة , وإلا وقعَ الهلاكُ وتمّ .
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والعـشـرون
اطرقي البصرَ , " لا تمُدّنّ عينيك .. " وإذا تهيأت روحكِ , وصرتِ إلى درجةِ المَرْقى , ونامَ العالمُ عنكما , ولم يعُد إلا نَفَسَاكُمَا ونَفْسَكُما , فأميتي نفسَكِ حتّى تحيا , وأطلِقي خليجَكِ في صحرائِكِ , يُضيءُ قمركِ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والعـشـرون
لاتهجُري عاشقكِ إلا إذا ارتكبَ كبيرةً , حتّى لا تهلكي , فقد هلَكَتّ قبلكِ نساءٌ كثيراتٌ , قال الشعراني :
" ومعنى رأيتهِ مرتكباً كبيرةً : العلمُ بذلك ولو ببيّنةٍ , فلايُشترطُ في جوازِ الهجرِ , رؤية الهاجِر لذلك العاصي ببصرهِ , ولذلك قال سيّدي الخوّاص رضي الله عنهُ : شرط جوازِ الهجرِ علمُ الهاجرِ بوقوع المهجورِ فيما هجرَ لأجلهِ يقيناً لا ظنّاً أو تخميناً , فلا يجوزُ لك الهجرُ من غيرِ تحقّقٍ وتثبّتٍ ... "
* الوصــيـــّة السّـادسـة والعـشـرون
فليوافق سرّكِ نُطقكِ , وليغلبكِ الصدقُ , فهو من صفاتِ الأنبياءِ والرسلِ والملائكة والصالحين , هو ثاني درجة النبوّة " فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " , ففي صدقكِ ترتقينَ وتصِلِين , وتعيشين في اللذّة الكُبرى إلى النهايةِ , لأن الجسدَ لا يُحبّ _ ابداً _ إلا بمحبّة القلبِ , ودَفقِ الروحِ , وموافقةِ النفسِ .
* الوصــيـــّة السـّا بـعـة والعـشـرون
كوني معهُ صادقةٌ ومخلصةٌ أربعينَ ليلةً وأربعينَ فجراً , قودي دَفّة اللغة , وليكُن الزّمامُ في يديكِ , " تتفجّرُ ينابيعُ الحكمة من قلبكِ على لسانكِ " , وبلسانكِ خلّصي نفْسَ عاشقكِ من أدرانِها , ليعلو بك روحاً وجسداً , فرُبّ ثانيةٍ واحدةٍ منكِ معهُ تساوي حياتَهُ وزيادة , فطيبُ مذاقكِ يؤهّلُ لديمومةٍ ومواصلةٍ , والنفسُ لا تتوقُ إلا لمن تهوى وتنعمُ وترتاحُ.
* الوصــيـــّة الثـّامـنـة والعـشـرون
حَذارِ أن تجلسي على سجّادةِ النهايةِ , وتقنعِي بذلك , فلا نهايةَ في العشقِ , وكلّ نهايةٍ لها دورةُ بدايةٍ أخرى , وكلّ بدايةٍ نهايتها ليست الأخيرةَ , لأنّ البدءَ يمتدّ , وماءَ المرأةِ يجري في بحرٍ لاتنفذُ مياهُهُ .
* الوصــيـــّة التـّاسـعـة والعـشـرون
احرصي على أن يمرّ الماء بين حشائشكِ , لأن في ذلكَ متعةٌ ولذّة للعاشقِ ولكِ , والحشائشُ الخبيئةُ تُهيّجُ , إذا وقعَ البصرُ عليها , وتأذَنُ بالدخولِ دونَ طَرْقٍ , وتلتفّ على الباهِ فتُحييهِ , فتذكُرُ رأسهُ , وتهتَزّ في العتمةِ المضيئةِ , فلاتعودين تعرفينَ من أنتِ , ولا في أيّ مكانٍ أو زمانٍ , تضيعُ لغتكِ , وتخلقين لغةٍ لم تعرفي أبجديّتها من قبل , ولّدتها الحالةُ , وأحياها الحالُ , ثمّ .. تبدأين مِعراجَكِ.
الوصــيـــّة الثـّلاثـون
إذا استوى ليلكِ , وطابَ قمرُكِ , وصِرتِ من الأعليْنَ , امنحي قمرَكِ لعاشقكِ دونَ حسابٍ , فما ضاعَ عشقٌ , وتلَفَتْ روحٌ , إلا كان وراءِ ذلكَ الخُسران أمورٌ وحساباتٌ ظاهريّةٌ لا تتصّلُ بالباطنِ , ولا ترتبطُ بالقلبِ .
فاجعلي جوادكِ يركضُ في ميدانِ العشقِ , استعيني على فعلِ الحبّ بالمحبّةِ , فإنها دواءٌ ناجِعٌ , ووصفةٌ قديمةُ مقدّسةٌ , فلا حبّ يقومُ إلا والقلبُ أساسُهُ .
* الوصــيـــّة الحـاديـة والثـلاثـون
املئِي زُجاجَةَ قلبِكِ بنورِ مصباحِهِ , دعيه يجرّبُ , ويملأُ , ويتكَوْكَبُ , وتلمعُ بوارقُ كشوفهِ في شجرةِ جسدكِ المباركة , دعيهِ يُسْرجُ قنديلكِ حتّى يشتعل , لاتقلقي إذا احترق , ففي ذلكَ فرحٌ عظيم , حيثُ تتزيّنُ سماؤكِ بالسّرّ , ويضيءُ زيتُكِ , لأنّ غمامَهُ جاءَ من شرقٍ ومن غربٍ , ومن شمالٍ ومن جنوبٍ , وأنتِ بذلكَ ستسبحين في فلكهِ , طالعةً إلى مقامٍ نورٍ على نور , مرفوعةً إلى مِعراجهِ , مرتقيةً أعلى المدارجِ , واصلةً إلى مرتبةِ سيّدةِ النساء , فلا قرب ولا معرفة دون عشقٍ .
* الوصــيـــّة الثـانـيـة والثـلاثـون
نصيحتي ألا يكون سكوتكِ أكثر من كلامكِ , ولا كلامكِ أكثر من سكوتكِ , فالليل خيمةُ صمتٍ , لكنّها تتوق إلى كلامِ الصمتِ , وصمتِ الكلام , والكلامُ في الحبّ لا يُحفَظُ ولا يُعادُ , ولا يُستَعارُ , لكنّهُ ابن الحالةِ والحالِ واللحظةِ والآن والفعلِ , استخدمي ما أوتيتِ من فتنةٍ زاخمةٍ في الكلامِ , فالعينُ تقولُ واللسانُ واليدانُ والأصابعُ وسائرُ كنوزكِ تصِلُ بكِ إلى الجنّةِ التي تسعى إليها أيةُ امرأةٍ وتتوق , واعلمي أنهـــــــا بين يديكِ لو أردتِ.
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والثـلاثـون
طينتُكِ حيّةٌ بالحبّ , وتجلّيكِ منقوشٌ فيها , وذاتكِ نورانيّةٌ , بحرها لا ساحلَ لهُ , فخُذي عاشقكِ إلى بحركِ , اجعليهِ يغرقُ , ليكُنْ الذي لم يكُنْهُ , ويحلفُ بأنّ حياتَهُ وُلِدَت من غرقٍ دائمٍ , وأنّ ثانيتهُ الاخيرةَ حلّت , لمّا تحوّلتِ عنهُ , وحجبتِ بحركِ عن فمهِ , ففارقَ الغرقَ , وفارقَ الحياةَ.
* الوصــيـــّة الرّابعـة والثـلاثـون
اعلمي أنّه من الموتِ لكِ , أن يموتَ عاشقكِ بسببٍ منكِ , أو يصير كالمجنونِ هائماً , فكوني فردوساً في الأرضِ تحسُدكِ السّماء على ما أنتِ فيهِ , اكسري فتنتكِ لمن أتاكِ حاملاً حياتهُ على كفيهِ طالباً وصالكِ.
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والثـلاثـون
دعي قلبكِ يشهدُ إليكِ , ولا تدعي الشوقَ ينقصُهُ , اسأليه ولا تسألي مفتياً , غامري , ولتكُن عيناكِ صافيتينِ _ وهما تتوجهانِ إلى عاشقكِ _ , وذراعاكِ مديدتينِ , وهما تجولانِ في حقلِ جسدهِ , لاتقصري عن شيءٍ أردتِهِ قبل لُقياه , لأننا لا نشربُ الماءَ مرّتينِ , ولا ندركُ اللحظة أبداً إذا خطفها الفوتُ.
* الوصــيـــّة السـّادسـة والثـلاثـون
اعلمي أنّ الحياةَ _ كما قالَ محمّد إقبال _ " ليست إلا النارُ الباطنيّة " , فأنتِ في مقامٍ رفيعٍ , فامضِىِ إليهِ حافيةَ القدمين , محلولة الشّعر , شفيفة الملبَس , تملُكي الدنيا والآخرة , فلا تحتجِبِي عنهُ أبداً.
* الوصــيـــّة السـّابـعـة والثـلاثـون
اعلمي أنّ مُعجزتَكِ في اسمِكِ , وبساطتكِ , وعفويتكِ , وتاريخكِ الحُزنيّ , وألوهيتكِ التي في الأرضِ ترعى البشرَ الوحيدينَ اليتامى ... كعاشقكِ .
* الوصــيـــّة الثـّامـنـة والثـلاثـون
اعلمي أنّكِ بنت الأسلافِ , فلاتفرّطي في تاريخهنّ العشقيّ , أنتِ الآنَ , جُماعُهُنّ , فاجمعي تجاربهنّ في دفقة , وامنحيها لفاتحكِ الذي تلا قرآنكِ قلبيّاً , وذهبَ اسمهُ في اسمكِ.
* الوصــيـــّة التـاسـعـة والثـلاثـون
وأنتِ تحبين , اعلمي أنّهُ ليس في الأرضِ سواكِ من النّساءِ , وعندما تتجرّدينَ تجردي من الدّنيا , فمِثلُكِ نالَ مرتبتهُ , لمّا ذاقَ وانتشى , وغابَتْ روحُهُ عنهُ.
* الوصــيـــّة الأربـعـون
كوني رافدهُ في العقلِ والرّوح والنّفسِ والجسدِ , وأسطورتهُ في الدّنيا والآخرة , ومعراجهُ ليَتَرَقّاكِ , وقُطْبَهُ ليَتَلَقّى عنكِ الأسرار.
* الوصــيـــّة الحـاديـة والأربـعـون
اجعليهِ يُرابطُ في مغارتكِ , ويتلو أحزابكِ , ويحفظُ أورادكِ , ليرتحلَ في أقاليمكِ , فخرقُ العادةِ عندكِ عادةُ.
* الوصــيـــّة الثـانـيـة والأربـعـون
ربّيهِ على الوفاءِ , لأنّ العاشقَ الحقَ سِمَتُهُ الوفاءُ لا الغدرُ ونقضُ العهدِ ,
والعاشقُ الذي يصِلُ , لهُ سَمْتُ الملاكِ , وصِفة الإلهِ , وهوى الرسولِ , ولُغة النبيّ.
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والأربـعـون
لأنه حينَ يعشقُ يُجَنّ , ويهلكُ في صحراءِ محبوبهِ , فامشي إليهِ باسمِ اسمكِ , وباسم حروفكِ , وباسم من سبَقْنَكِ في العشقِ , لكنّهنّ لم يرتقينَ إلى مرتبتكِ .
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والأربـعـون
أشجاركِ تتكلّمُ , وأحجاركِ تنطقُ , وطيوركِ تكتبُ وتغنّي , فلاتهمليهِ في حوارٍ أو حديثٍ , لأنّ في المحوِ موتاً , وفي الإقصاءِ غُربةً , ويقول شيخنا أمام الغرباء أبو حيّان التوحيدي :
" الغريبُ من جفاهُ الحبيبُ ".
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والأربـعـون
كوني ديوانهُ , فأنتِ زمانُهُ وأبدالُهُ وأوتادُهُ , حيثُ أنّكِ زمانُهُ الدّائريّ المتصاعدُ , الذي هو زمنُ الأزمنة .
* الوصــيـــّة السـّادسـة والأربـعـون
كوني معهُ ولو لثانيةٍ واحدةٍ , فالقطيعةُ داءٌ لا دواءَ لهُ , والعشقُ وصلٌ بالرّوحِ والجسدِ , فاتّحِدي بهِ وحِلّي .
* الوصــيـــّة السـابـعـة والأربـعـون
أنتِ الكائنةُ العارفةُ , فقدّمي معرفتكِ إليهِ , أنتِ في الحسّ ومافوقهُ , فأدخليهِ في حضرتكِ , لاتمنحيهِ فرصةَ مغادرةِ زاويتكِ - كونِكِ الأرحبِ , فهو يتبرّكُ بكِ , ويتطلعُ إليكِ , يتحرّرُ فيكِ وبكِ , فعاشقكِ حالٌّ فيكِ , فلامعركةَ بينكُما , فأنتما متماثلان , أنتُما واحدْ.
* الوصــيـــّة الثـامـنـة والأربـعـون
خَلّيهِ في حيرةٍ , لكنّها حيرةُ الواثقِ المؤمنِ بكِ , لتكوني مثارَ تأويلهِ , ولْيكتشفَ لاوَعيَكِ .
* الوصــيـــّة التـاسـعـة والأربـعـون
كوني عصا مُحبّكِ , بحيثُ لايستطيعُ أن يملكَ من أمرهِ شيئاً دونكِ .
الوصــيـــّة الخـمـسـون
اعلمي أنّ قلبَهُ يموتُ إذا _ أنتِ _ منعتِ عنهُ مياهكِ , وحجبتِ عنهُ سرّكِ , لاتجعليهِ يتوقّعُ منكِ الفراقَ دائِماً , لأنّ في ذلكَ إذهاباً للعقلِ , ومجلبةً للجنونِ .
* الوصــيـــّة الحـاديـة والخـمـسـون
خُذي ذاتهُ أسيرة , واطلقيها في دنياكِ الوسيعة , فالمُحبّ يدركُ أن امرأتهُ تغارُ النجومُ منها , كافئيهِ على فعل الغِناءِ معكِ , فذلكَ يؤجّجُ شوقكِ , ويوقِدُ ناركِ , ويغمُرُ وردتكِ , ويروي حشائشكِ .
* الوصــيـــّة الثـانـيـة والخـمـسـون
هَبيه ناركِ فجراً وليلاً , ولاتخشَيْ النّهار , فالحُبّ لاوقتَ ولالغةَ ولامكانَ لهُ , فاظهري له أينما كان , وانتشري في هوائِهِ , دونما أن تضربي طوقاً حولَهُ .
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والخـمـسـون
ابلغي غايتَكِ العُليا معهُ , وهَيْمِني على جسَدِهِ بصَوتكِ , وعلى روحهِ بأشِعّةِ شمسكِ , فرُبّ سيفٍ يُغني عن جيشٍ , لاترتبِكي وأنتِ تضربين بجمالكِ في أرضهِ , فالحَرْثُ صنعةُ الآلهةِ , والحُبّ وحيٌ , ضيعي في بحرهِ , تجدي نَفْسَكِ.
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والخـمـسـون
يقينُ العاشقِ في أن ينزلَ ناركِ _ أبداً _ مثلُ إبراهيم , وأن يسكرَ فيكِ , ويلوذُ بنفسِهِ منكِ , لذا .. فهو عبدُكِ , وأنتِ يقينهُ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والخـمـسـون
لاتُخضِعِي قلبَهُ لنزواتِ غضبِكِ , فالغضبُ داءُ الزّمان , ولم تسلم من شرورهُ أممٌ .
* الوصــيـــّة السّـادسـة والخـمـسـون
لاتفقدي مُغامَرتَكِ , ففي كلّ مغامَرةٍ مع المُحِبّ سماءٌ جديدةٌ تُخلَقُ لكِ ولهُ معاً.
* الوصــيـــّة السّــابـعـة والخـمـسـون
اعرُجي بهِ من جسَدِكِ إلى عرشِكِ , ولتَكُن بصيرتُكِ نافذةً , وأنتِ في حالِ المعراجِ بهِ إليكِ .
* الوصــيـــّة الثّـامـنـة والخـمـسـون
هُو في ذاتِكِ , فارفعيهِ وجرّديهِ , وصفّيهِ من تُرابِ طينتِهِ , واعلمي أنّ العاشقَ إذا استقرّ في زواياكِ الأربعِ يسكُنُ , وقديماً قالَ شيخُنا :
" كُلّ شَوقٍ يسكُنُ باللقَاءِ لا يُعَوّلُ عليهِ " .
* الوصــيـــّة التـاسـعـة والخـمـسـون
لاتخجلي من صرختِكِ التي تَشُقّ الليلَ , وتُحيي النجومَ بعدَ موتِها , ففي سُكرِ الصّراخِ حياةُ العاشقِ , وفيهِ بعثُ حبّكِ.
الوصــيـــّة السـّتـّون
احرقِي حطبكِ كُلّهُ في نارهِ , فأرضكِ فيّاضَةٌ ملأْىَ , أنتِ مصباحُهُ فنَوّريهِ , وعِلّةُ وجودهِ أنتِ .
* الوصــيـــّة الحـاديـة والسـّتـّون
بلّليهِ بعطرِكِ , فالعطرُ يُفَتّحُ ماغُلّقَ , ولاتُسرفي كثيراً في أنواعِ روائحِهِ , كيْ تكونَ لكِ رائحةٌ تمتازينَ بها عن سائرِ النّساءِ , يحفظُها قلبُ عاشقكِ كتاباً أبدياً.
* الوصــيـــّة الثـّانـيـة والسـّتـّون
لاتَهْزِمِيهِ دوماً , فلاغالِبَ إلاّكِ , ولا مغلوبَ إلاّهُ .
* الوصــيـــّة الثـّالـثـة والسـّتـّون
لتكُن قاعُكِ الصّدفةَ التي ينامُ فيها ولايصحُو من سُكرِهِ , فمكّنيهِ من لؤلؤتِكِ , فأنتِ التّالةُ التي لاتكبُرُ .
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والسـّتـّون
غيّبي ظلالَ المُحبّ , وارفعي رأسهُ شاهداً عليكِ , فهو بابكِ المفتوحُ المغلقُ , ونافذتكِ إلى العوالِمِ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والسـّتـّون
خُذيهِ إلى ضوْئِكِ , لاتجعلي نارَ لحنِهِ تنطفيءُ أبداً , وتذكّري أنّ الموسيقى إحدى فواتح سوِرِ كتابِ الرّوحِ للمحبّ والمحبوب .
* الوصــيـــّة السّـادسـة والسـّتـّون
إذا كانَ المسلمونَ سيفترقونَ إلى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً يوم الحساب , فأنتِ الناجيةُ بوجدكِ , حيثُ سيهلكُ الباقون , فغوصي في ذاتكِ , استخرجي من جسدكِ النّورانيّ موسيقاهُ , فالمرأة تعجنها الموسيقى , وتخبزُها نارُ الفرحِ والمرحِ والطّربِ والرّقصِ .
* الوصــيـــّة السّـابـعـة والسـّتـّون
لاتجعلي الظّاهر يُسكِركِ , فأنتِ إبنةُ الباطنِ والتجَلّي , فاهتِكِي حجابَكِ واذهبي إلى سمائِكِ , حيثُ يسكُنُ عاشقُكِ في جنبيكِ , إنهُ منكِ ولكِ وفيكِ وبكِ يكون .
* الوصــيـــّة الثـّامـنـة والسـّتـّون
اعلمي أنّ الحبّ يبقى أبداً , لاتُغيّرُهُ المادّة , ولاتُحوّلُهُ الأزمانُ , فحذارِ أن يتخرّبَ قلبُكِ بالمظاهرِ , وتنخدعي بهامشِ القولِ وظاهرِ الكلامِ , فالمَتْنُ جُوّاكِ , ومتى كان الحكماءُ يُعَوّلونَ على الهامشِ ؟ .
* الوصــيـــّة التّـاسـعـة والسـّتـّون
ليكُن بصرُكِ إلى أعتابِ العاشقِ , وبصيرتكِ إلى معرفتهِ , فابصري بقلبِكِ ( شرطَ أن تكوني غير قلقةٍ أو مشوّشَةٍ أو تَعْبَى أو زائفةِ الرّؤيا والرّؤيَة ) , فعندهُ الخبرُ اليقينُ , والحقيقةُ الكاملةُ .
* الوصــيــّتان السـبـعون والحـاديـة والسـبـعـون
لاتنشُري سرّ حبّكِ في المجالسِ , حتى لايُذاعُ ويُروَى , وتعيهُ الآذان , ويقعُ الندم , بل بالغي في كِتمانِ الأسرار , وإيّاكِ والإفشاءِ , فالاحتياطُ في إذاعةِ ماتطويهِ روحُكِ مهمٌ لحمايةِ النفسِ من إيذاءِ المحيطِ الذي تعيشين وتعرفين .
وإذا كان الحكماءُ قد قالوا في أمثالهم :
" لاينكتمُ سرٌ , وإنّما يتقدّمُ ظهُورهُ أو يتأخرُ " ..
فكلامهم ليس تنزيلاً , فثمّ أممٌ دالتْ وطويتْ أسرارها معها في صحائفَ قلوب شعوبها ,
فلاتستودعي سرّاً لقادرٍ على نفسهِ , أو قاهرٍ نزواتهِ , لأنّ من العسرِ على الإنسانِ الكتمانِ , ولذلك قيل في الأمثالِ :
" الصدرُ إذا نَفَثَ بَرَأَ " .
وقديماً قال الشاعرُ :
ولا أكتمُ الأسرار ولكن أنمّها = ولا أدعُ الأسرار تغلي على قلبي
فإنّ قليلَ العقلِ من باتَ ليلَهُ = تقلّبهُ الأسرارُ جنباً على جنبِ
ولأنّ للحيطانِ آذاناً , فاكتمي سرّ عشقكِ يكبرْ وتسلمي , فحتى الطين اليبِسُ غير مأمونٍ على السرّ , ومتى كان الشجر الأخضرُ _ منذُ زرقاءِ اليمامةِ _ حافظاً للأسرارِ؟
* الوصــيـــّة الثـانـيـة والسـّبـعـون
لتدرّبيه على طريقتكِ في الحُب , ولا يكن لكلّ منكما طريقة , فالحب هِبَةٌ وفطرةٌ وتعلمٌ أيضاً , فكوني عُشّهُ وبلاطهُ , وأملهُ , ومطلبهُ , أنتِ الحاكمةُ بأمرهِ , ومهما مالَ الغُصنُ لأيّ سببٍ , فلاتقرّري الفِراقَ , فالعاشقُ في قلبهِ نارٌ تقتلهُ حرقاً , إذا وقعَ هجرانكِ لهُ .
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والسـّبـعـون
ليكُن دمُ قلبكِ ماءَ وُضُوئِهِ , فصلاةُ العشقِ لاتصحّ إلا بالدمّ , فهجركِ يُقفِرُهُ ويُفقِرُهُ ويُخرّبُهُ.
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والسـّبـعـون
هِبيهِ خمرتَكِ القديمةَ , فأنتِ كائِنهُ الأعلَى , لاتَحُطّي منهُ في السرّ أو العلَن , في النّهارِ أو الليلِ , كِتابةً أو شفاهةً , حتّى ليتمنّى أن يكون الموتُ عيداً كبيراً لهُ , فالعاشقُ دونكِ مصيرهُ العدمُ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والسـّبـعـون
حبّ عاشقكِ يجرفُ ماتراكمَ من شوائبَ علقَتْ , وحبّكِ منزوٍ في عميقكِ , فأحييهِ واطوي مايؤسي ويُحزنُ , فالحبّ وجودكُما معاً , وقلبكِ يسعُ أرضَهُ وسماءَهُ , وليسَ أدنى من عرشِ إلهٍ .
* الوصــيـــّة السـادسـة والسـّبـعـون
اجعلي عِشقكُما نشيداً , فمامن شيءٍ بينكما أكملُ من الحبّ , خصوصاً إذا تيقّنتِ انّكِ لستِ عابرةً أو تجربةً أو نزوةً أو .. وسيلة .
* الوصــيـــّة السـابـِعـة والسـّبـعـون
فواتِح جمالِكِ وفواتِحُ جلالكِ , هما ما في آلهةِ السّماءِ والأرضِ . خلّيهما يهديانهِ سواءَ سبيلِ العشقِ , فاللهُ خلقكِ على صورتهِ , فكوني صورة عاشقكِ , فقد جاء في الحديثِ القُدسيّ :
( .. فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعهُ الذي يسمعُ بهِ , وبصَرَهُ الذي يُبصِرُ بهِ ... ) .
* الوصــيـــّة الثـّـامـنـة والسـّبـعـون
في تجَلّي مِئذَنَتَيْكِ , يُشرِقُ العاشقُ , يشربُ خمرةً صافيةً من صدركِ , أعلمُ أنّهُما مُقدّستانِ , لكنْ لا قداسةَ تحجُبُ صوتَ مُؤَذّنِكِ عن أن يصـْـعـَـدَ , ويرقى إلى مِئذَنتيكِ السّاميتينِ .
* الوصــيـــّة التـّـاسـعـة والسـّبـعـون
ليَكُن قلبُكِ حُرّاً , وعيناكِ آسرتينِ , ويداكِ يديهِ , فَهَيْمِنِي , ولتعلُ صرختكِ المكتومة , فالعاشقُ المؤمنُ بمعشوقهِ , يحيا في النّارِ .
* الوصــيـــّة الثـّـمـانون
ليكُن دُعاؤُكِ :
اللهمّ احيِني في كعبةِ حبيبي , وأمِتني في لسانِ نارهِ .
* الوصــيـــّة الحـادِيـة والـثـمـانون
ليكُن نَهْدَاكِ طريقَ صوابهِ , فهمُا سرّكِ , وكُوُبَا سمائِهِ , ومركِبا قلبهِ , فالعالمُ ناقصٌ لا تمامَ لهُ , إلا بجوهَرِهِما .
* الوصــيـــّة الثـّـانـيـة والثـمـانـون
لتكُن حياتكِ في فنائِكِ فيهِ , ليستحِمّ في حِنّائِكِ , فأنتِ لهُ أوّل النّساءِ وآخرهنّ , سقفُ الزّمنِ .
* الوصــيـــّة الـثـالـثـة والثـمـانـون
مادامَ العاشقُ يدرِكُ أنّكِ أمّ الحقيقةِ , ويؤمنُ أنّ ماسواكِ عبثٌ , ولا غمدَ لسيفهِ إلّاكِ , فخلّيهِ مِلْكَ يديكِ , أريهِ آياتِكِ , حتّى يتبيّنَ لهُ " مـَـن هـُـوَ " .
* الوصــيـــّة الرّابـِعـة والثّـمـانـون
كوني خَيمَةَ سمائِهِ , لا تجعليهِ يعيشُ في ظُلمَةٍ , لأنّكِ نورهُ الأبهى المقدّسِ , فالمحبّةُ يتيمةُ كلّ زمانٍ لابيتَ لها سوى امرأةٍ مثلِكِ , والعاشقُ يظلّ لوحةً منقوصةً لا تكتملُ إلا بألوانِ سُكرِكِ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والثـمـانـون
علّميهِ كيفَ يرعى حُبّكِ النّادرِ , ويُغنّي كملاكٍ كلّما مَسّكِ , دفّئِي جسدهُ من بردِ الشكّ , أنبئيهِ بسرّ بساتينكِ .
* الوصــيـــّة السـادسـة والثـّمـانـون
كوني لهُ المعنى الأبعَدَ , ليبحثَ عنكِ , سافري في عُطورهِ , ليملأَ دنانَ روحِكِ , لاتَعتَزِليهِ , فهو قائِدُ قافلتِكِ نحوَ ليلِ الوحْيِ , لاتعزليهِ عن صدفتكِ , فأنتِ ماءَ مجدهِ .
* الوصــيـــّة السـابِـعـة والثـمـانـون
مالسّماء الا دُرّةٌ من كونِكِ , ما في اللوحِ المحفوظِ إلا لكِ , فاكتبيهِ أبداً , اشعِلي نارَ الأسلافِ في أحشائِهِ .
* الوصــيـــّة الثـّـامـنـة والثـمـانـون
كوني نايَهُ , فما موسيقَاكِ إلا دَمَهُ , ماعَزْفُهُ إلا اجتراحٌ لروحِهِ كي يصلَكِ , ففي الوِصالِ حياتُكُما .
.
الوَصَـايَا فِـي عِـشْـقِ الـنّـسَــــاء .
* الوصــيـــّة الأولـــى
أوصيكِ بالمحبّة , واتباعِ العشقِ , إحرصي على الإنصاتِ إلى صوتِ ديكِ قلبكِ الذي يَؤذّنُ بالوِصالِ في تمامِ الوقتْ .
أوْدِعي نفسكِ سجنَ عاشقكِ السّماوي .
تتحقّقُ كيمياءُ سعادتكِ إذا هتكتِ الحُجُبَ , وطرتِ في هوائكِ وهواكِ .
أنتِ عارفةٌ فاكتُمي , فالكتمانُ علامةُ الواصِلِ .
ستصلين إلى كمالكِ إذا توحّدتِ بحروفِ اسمكِ
إعلمي أنّ من ماتَ عاشقاً ماتَ شهيداً , ولا سعادةَ نَسعَى إليها إلا بالإخلاصِ .
* الوصــيـــّة الثــانــيـــة
طهّري قلبكِ حتى يطيب لسانكِ , فلسانكِ جوهرٌ وجوهرة , وهمزة الوصلِ بينَ روحِ من تحبينَ وجسَدِه , لأنّه يترجمُ حالكِ , ويكتبُ قلبكِ , ولا خزائنَ تُفتَحُ إلا بمفتاحِهِ.
* الوصــيـــّة الثــالــثــة
إعلمي _ قدّسَ الله سرّكِ _ أن الخواتيمَ مجهولةٌ , وانتظري كرماً وفيضاً إلهيّيْن , يرفعانكِ إلى مرتبة أهلِ المحبّة _ وهُم قليلٌ _ .
* الوصــيـــّة الرّابــعــة
إعلمي أنّ لا عِشقَ يتِمُّ لمتحوّلٍ قَلّاب , ولن تثبتَ لكِ قدمٌ دونَ أن تفيضَ روحُ جسَدِكِ.
* الوصــيـــّة الخـامِـسـَة
إنتبهي ,
فالسّرُّ في القلبِ , والبُعدُ لا يولّدُ جفاءً , مادامت القلوبُ تغيرُ وتفتَحُ .
* الوصــيـــّة السـّـادِســة
وأنتِ في غُربَةِ الدّنيا , تيَقّني أنّ عاشِقكِ وليّكِ في الحياةِ الدنيا , وفي الآخِرة .
* الوصــيـــّة السـّـابِـعـَة
أوّلُ كلامي ,
أنّ لا قيْدَ في حضرةِ الوهبِ , فدَعي نفسَكِ لكِ , كيْ يأتيَ العاشقُ قاطفاً خاطفاً متّحِداً بكِ .
* الوصــيـــّة الثـّـامـِـنـة
زيّني قُبّتكِ القُدسِيّةَ , فحشِائِشُها تُسكِرُ .
أظهِري حروفَكِ في الميتَةِ الصّغرى , التي يُولَدُ فيها قَمَرَكِ جديداً , فصوتُ الحروفِ يُذهِبُ العقلَ , ويُميتُ النظرَ , ويُفني الجسدَ , ويُروِي ويُعطِشُ .
فالعاشِقُ يعشقُ خرائطَ القمرِ ونقوشَها , ويعتصِمُ بالكنزِ المخفيّ , لأنّه يتختّمُ بالعقيقِ , ويفترِشُ البطنَ , ليكشِفَ الباطنَ .
* الوصــيـــّة التـّـاسِـعـة
ولّي وجهَكِ " لكلّ وجهةٌ هُو مولّيها ؛ لأن لا حياةَ لامرأةٍ إلا بالعشقِ , والخٌسرانُ يقعُ من الفقدِ , ولا مكسبَ معَ انفصالٍ , والاتحادُ علامةَ من صدقَ في محبّتِهِ , واعلمي أنّ قلبَكِ موصولٌ في عِرّقِ كفّ حاوليكِ .
* الوصــيـــّة العـاشـِرة
أعرُجي إلى سمائِكِ الأخيرة , عندما تكونينَ معَهُ , لا تَستَحي من فعلٍ خطَرَ لكِ , لا تَخجَلي من واردٍ جاءَكِ , أو حُلُمٌ أيْقَظَكِ , كوني نفسَكِ لا تُقَلّدي , تَجرّدي من شَواغِلِكِ , إخلعي الدّنيا عنكِ , واذهبي معهُ عاريةً إلّا منهُ.
* الوصــيـــّة الحـادِيـةَ عـشـَر
تزوّدي بجُرأةٍ في خَفَر , إحمِلي لُغَتَكِ في دَلالٍ وغُنجٍ , إفرشي نُورَكِ تحتَهُ وفَوقَهُ , وعن يمينِهِ وعن يسَارِهِ .
فلا شيءَ يتَكَرّرُ , وعاشقكِ لن ينزلَ إلى بحركِ مرّتينِ بالكيفيّةِ ذاتِها .
* الوصــيـــّة الثـّـانـِيـة عـشـَـر
تذكّري أنّ الليلَ لكِ , ففيهِ يقعُ التجلّي والإشراقُ , وفيهِ جنيُ ثِمارِ اللّذّةِ , فلا تضيّعِي العُمرَ في نومِ الليلِ , لأنّهُ خُلِقَ للعِشقِ والأسرارِ .
* الوصــيـــّة الثـّـالـِثـة عـشـَـر
فُيُوضاتُكِ لا تُدركُ , إذا تحقّقْتِ من قُدرتكِ , وقدّرتِ ثقَتَكِ بكِ , فليسَ مستبعدًا أن تكونَ فوقَ مَدارِكِ عقلكِ وتصوّراتِ وهمكِ .
فنصيحتي ,
أن تُمَرّغي خدّكِ على بابِ عاشقكِ , والجئي إلى روحِهِ , ففيها الرّحمةُ والحنانُ والودادُ , إفرشي جبينَكِ على تُرابِهِ , لأنّكُما خُلِقتُما منهُ , وإليهِ تعودانِ عاشقيْنِ .
إكتمِلا في الحياةِ والموتِ , إعلمي أنّ في موتِكما حياةً , أذكريهِ يذكركِ .
إنتهبي ,
إلى أنّهُ إذا وُهِبْتِ نعمةَ العِشْقِ فلن يستردّها الخالقُ منكِ.
* الوصــيـــّة الرّابــعــة عــشـَـر
ثمّة بونٌ بين من اكتحَلَت عيناهُ بالعشقِ , وبين من كانت عيناه عاشقتين .
ففي الأوّل يتقلّب القلبُ بين أصابعِ العاشقِ , وفي الثاني يثبتُ القلبُ على محبّةِ ودينِ العاشقِ .
ولا بدّ لي من أن أذكّرَ بما قالهُ شيخي محيي الدين بن عربي :
أدينُ بدينِ الحبّ أنّى توجّهَتْ = ركائِبهُ , فالحبّ ديني وإيماني
والمرءُ على دينِ خليلهِ , فخذي كتاب عاشقكِ في يمينكِ ,
أنتِ أمّ الكتاب ,
دنوتِ فتدلّتْ ثماركِ , وحانَ قطفُكِ , وزبَدَتْ مياهُكِ , لمّا فاضَ بحرُكِ ,
وعلَوْتِ , فملكتِ علمَ اليقين .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة عـشـَـر
أوصيكِ بأن تكونَ دِنَانُ خمرةِ قربكِ بين يديْ واصلكِ , فإنّ المرءَ ليُسقَى شراباً طهوراً عندما تكونَ كأسُ دولةِ عشقهِ في رياستهِ , فيرى نعيماً , ويلتذّ بمُلكٍ كبيرٍ , إذا ماتدلّتْ شجرةُ عشقكِ , ودنتْ ثمارُها .
* الوصــيـــّة السـّادسـة عـشـَـر
لاتمنحي سِلالكِ في دفقةٍ , فإنّ المحبّة ترقى وتتدرّجُ , فجاهِدي , وصفّي باطنَكِ , إفتحي عينَ قلبكِ , واغلقي عينيكِ , ففي عَتْمَتْهُما ترينَ ذاتِكِ في عليّين , إكشفي عنكِ غطائكِ , أوقِدي شموعَ روحِكِ , أنصِتي لموسيقى جسدِكِ , شُمّي بقلبكِ راحتَهُ , يَجِئْكِ , يَتُهْ في بحرِ بواطنِ بصائِرِهِ , هيّجي عشقَهُ بغلبَةِ الشّوقِ .
* الوصــيـــّة السـابـعـة عـشـر
إعرفي بحواسّك , فالحواسّ ألماس الجسد , لاتكذب ولايمر الكذب من جهازها , الأصابعُ تختبرُ , والعينُ تكشفُ العينَ وتخترقها , واللسانُ لايغيّبُ المعنى , وإنما يذوقُ ويحلّ , ومن ثمّ تحُلّينَ فيمن تعشقينَ
* الوصــيـــّة الثـامـنـة عـشـر
ليكُن عالمكِ الباطنيّ واسعاً لايُحَدّ , ليستقبل ويفرزَ , يمحو ويبقي , وليكُن إيمانُكِ عميقاً , بأنّ لكِ أكثرَ من صورة , وأكثر من اسمٍ , لحظةَ تُعتِمُ فيها الغُرفة , وتُضاءُ روحُكِ , وتنسرجُ شمعةٌ نائيةٌ في رُكنِها , هيّئي ذاتَكِ بحوارٍ في المحبّة , وأكثري من المُلامسة , تُدركي مالايُدرَك , لتكُن طقوسكِ فريدة تخصّكِ , تنتجها الفطرة لا الصنعة , خبّئي جسدكِ , وتدرّجي في كشفه , فالمحبّ يأسَرُ بالحجبِ , لأنّ الجسد فردوسٌ , لاتنالهُ النفوسُ بسهولةٍ , ولا يُعرفُ إلا بالمراتبِ .
* الوصــيـــّة التـاسـعـة عـشـر
إخلقي جنّتكِ في نفسكِ , ولتكُن قبّةُ السماءِ قبّتكِ الصلاتية , في قِبلتِها يتحدد مصيرُ العاشقِ .
* الوصــيـــّة العـشـرون
إحرصي على أن تخلُقي في عاشقكِ دهشةَ الاستكشاف التي لا انتهاء ولا حدودَ لها , فالمرأة قارّةٌ دائمةُ الكشفِ , كنوزُها لاتُحصَر , وأسرارُها لاتُعَدُّ , والعاشقُ يُؤسَرُ فيها مادامَ في دهشةٍ حتّى النفسِ الأخير .
* الوصــيـــّة الحـاديـة والعـشـرون
مهمتكِ أن تدركي رسالة روحكِ , وهي تسعى في سبيل العاشقِ , فلا تضيّقي عليهِ المكان , فالحوائجُ كلها عندكِ , لاتجعليهِ يلتذّ بغيركِ حتى بالتخيّل , أذيقيهِ لذّة السّكْرِ والغيّبَة , فألَمِي أعضاءَهُ جميعاً , إلا قلبَهُ فهو صحيحٌ ساجدٌ راكعٌ معكِ.
* الوصــيـــّة الـثـانـيـة والعـشـرون
اسكني إليهِ في كلّ حالٍ , فحال العاشقِ بابٌ لايُدَقّ أو يُستأذَنُ في الدخولِ إليهِ , إنما هو قدرٌ محتومٌ مكتوبٌ قبلاً , ومفتوحٌ , وقد يقعُ التأخّرُ في الوصولِ .
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والعـشـرون
ليكُن كل شيءٍ عندكِ بمقدارٍ , فلاتطفئي نورَ لهبكِ مرةً واحدةً , لأنّ المحبوبَ يجوزُ إلى دارِ محبّهِ إلى قيامِ الساعة , وعلى ناركِ أن تظلّ هكذا مُشتعِلة , وإلا وقعَ الهلاكُ وتمّ .
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والعـشـرون
اطرقي البصرَ , " لا تمُدّنّ عينيك .. " وإذا تهيأت روحكِ , وصرتِ إلى درجةِ المَرْقى , ونامَ العالمُ عنكما , ولم يعُد إلا نَفَسَاكُمَا ونَفْسَكُما , فأميتي نفسَكِ حتّى تحيا , وأطلِقي خليجَكِ في صحرائِكِ , يُضيءُ قمركِ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والعـشـرون
لاتهجُري عاشقكِ إلا إذا ارتكبَ كبيرةً , حتّى لا تهلكي , فقد هلَكَتّ قبلكِ نساءٌ كثيراتٌ , قال الشعراني :
" ومعنى رأيتهِ مرتكباً كبيرةً : العلمُ بذلك ولو ببيّنةٍ , فلايُشترطُ في جوازِ الهجرِ , رؤية الهاجِر لذلك العاصي ببصرهِ , ولذلك قال سيّدي الخوّاص رضي الله عنهُ : شرط جوازِ الهجرِ علمُ الهاجرِ بوقوع المهجورِ فيما هجرَ لأجلهِ يقيناً لا ظنّاً أو تخميناً , فلا يجوزُ لك الهجرُ من غيرِ تحقّقٍ وتثبّتٍ ... "
* الوصــيـــّة السّـادسـة والعـشـرون
فليوافق سرّكِ نُطقكِ , وليغلبكِ الصدقُ , فهو من صفاتِ الأنبياءِ والرسلِ والملائكة والصالحين , هو ثاني درجة النبوّة " فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " , ففي صدقكِ ترتقينَ وتصِلِين , وتعيشين في اللذّة الكُبرى إلى النهايةِ , لأن الجسدَ لا يُحبّ _ ابداً _ إلا بمحبّة القلبِ , ودَفقِ الروحِ , وموافقةِ النفسِ .
* الوصــيـــّة السـّا بـعـة والعـشـرون
كوني معهُ صادقةٌ ومخلصةٌ أربعينَ ليلةً وأربعينَ فجراً , قودي دَفّة اللغة , وليكُن الزّمامُ في يديكِ , " تتفجّرُ ينابيعُ الحكمة من قلبكِ على لسانكِ " , وبلسانكِ خلّصي نفْسَ عاشقكِ من أدرانِها , ليعلو بك روحاً وجسداً , فرُبّ ثانيةٍ واحدةٍ منكِ معهُ تساوي حياتَهُ وزيادة , فطيبُ مذاقكِ يؤهّلُ لديمومةٍ ومواصلةٍ , والنفسُ لا تتوقُ إلا لمن تهوى وتنعمُ وترتاحُ.
* الوصــيـــّة الثـّامـنـة والعـشـرون
حَذارِ أن تجلسي على سجّادةِ النهايةِ , وتقنعِي بذلك , فلا نهايةَ في العشقِ , وكلّ نهايةٍ لها دورةُ بدايةٍ أخرى , وكلّ بدايةٍ نهايتها ليست الأخيرةَ , لأنّ البدءَ يمتدّ , وماءَ المرأةِ يجري في بحرٍ لاتنفذُ مياهُهُ .
* الوصــيـــّة التـّاسـعـة والعـشـرون
احرصي على أن يمرّ الماء بين حشائشكِ , لأن في ذلكَ متعةٌ ولذّة للعاشقِ ولكِ , والحشائشُ الخبيئةُ تُهيّجُ , إذا وقعَ البصرُ عليها , وتأذَنُ بالدخولِ دونَ طَرْقٍ , وتلتفّ على الباهِ فتُحييهِ , فتذكُرُ رأسهُ , وتهتَزّ في العتمةِ المضيئةِ , فلاتعودين تعرفينَ من أنتِ , ولا في أيّ مكانٍ أو زمانٍ , تضيعُ لغتكِ , وتخلقين لغةٍ لم تعرفي أبجديّتها من قبل , ولّدتها الحالةُ , وأحياها الحالُ , ثمّ .. تبدأين مِعراجَكِ.
الوصــيـــّة الثـّلاثـون
إذا استوى ليلكِ , وطابَ قمرُكِ , وصِرتِ من الأعليْنَ , امنحي قمرَكِ لعاشقكِ دونَ حسابٍ , فما ضاعَ عشقٌ , وتلَفَتْ روحٌ , إلا كان وراءِ ذلكَ الخُسران أمورٌ وحساباتٌ ظاهريّةٌ لا تتصّلُ بالباطنِ , ولا ترتبطُ بالقلبِ .
فاجعلي جوادكِ يركضُ في ميدانِ العشقِ , استعيني على فعلِ الحبّ بالمحبّةِ , فإنها دواءٌ ناجِعٌ , ووصفةٌ قديمةُ مقدّسةٌ , فلا حبّ يقومُ إلا والقلبُ أساسُهُ .
* الوصــيـــّة الحـاديـة والثـلاثـون
املئِي زُجاجَةَ قلبِكِ بنورِ مصباحِهِ , دعيه يجرّبُ , ويملأُ , ويتكَوْكَبُ , وتلمعُ بوارقُ كشوفهِ في شجرةِ جسدكِ المباركة , دعيهِ يُسْرجُ قنديلكِ حتّى يشتعل , لاتقلقي إذا احترق , ففي ذلكَ فرحٌ عظيم , حيثُ تتزيّنُ سماؤكِ بالسّرّ , ويضيءُ زيتُكِ , لأنّ غمامَهُ جاءَ من شرقٍ ومن غربٍ , ومن شمالٍ ومن جنوبٍ , وأنتِ بذلكَ ستسبحين في فلكهِ , طالعةً إلى مقامٍ نورٍ على نور , مرفوعةً إلى مِعراجهِ , مرتقيةً أعلى المدارجِ , واصلةً إلى مرتبةِ سيّدةِ النساء , فلا قرب ولا معرفة دون عشقٍ .
* الوصــيـــّة الثـانـيـة والثـلاثـون
نصيحتي ألا يكون سكوتكِ أكثر من كلامكِ , ولا كلامكِ أكثر من سكوتكِ , فالليل خيمةُ صمتٍ , لكنّها تتوق إلى كلامِ الصمتِ , وصمتِ الكلام , والكلامُ في الحبّ لا يُحفَظُ ولا يُعادُ , ولا يُستَعارُ , لكنّهُ ابن الحالةِ والحالِ واللحظةِ والآن والفعلِ , استخدمي ما أوتيتِ من فتنةٍ زاخمةٍ في الكلامِ , فالعينُ تقولُ واللسانُ واليدانُ والأصابعُ وسائرُ كنوزكِ تصِلُ بكِ إلى الجنّةِ التي تسعى إليها أيةُ امرأةٍ وتتوق , واعلمي أنهـــــــا بين يديكِ لو أردتِ.
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والثـلاثـون
طينتُكِ حيّةٌ بالحبّ , وتجلّيكِ منقوشٌ فيها , وذاتكِ نورانيّةٌ , بحرها لا ساحلَ لهُ , فخُذي عاشقكِ إلى بحركِ , اجعليهِ يغرقُ , ليكُنْ الذي لم يكُنْهُ , ويحلفُ بأنّ حياتَهُ وُلِدَت من غرقٍ دائمٍ , وأنّ ثانيتهُ الاخيرةَ حلّت , لمّا تحوّلتِ عنهُ , وحجبتِ بحركِ عن فمهِ , ففارقَ الغرقَ , وفارقَ الحياةَ.
* الوصــيـــّة الرّابعـة والثـلاثـون
اعلمي أنّه من الموتِ لكِ , أن يموتَ عاشقكِ بسببٍ منكِ , أو يصير كالمجنونِ هائماً , فكوني فردوساً في الأرضِ تحسُدكِ السّماء على ما أنتِ فيهِ , اكسري فتنتكِ لمن أتاكِ حاملاً حياتهُ على كفيهِ طالباً وصالكِ.
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والثـلاثـون
دعي قلبكِ يشهدُ إليكِ , ولا تدعي الشوقَ ينقصُهُ , اسأليه ولا تسألي مفتياً , غامري , ولتكُن عيناكِ صافيتينِ _ وهما تتوجهانِ إلى عاشقكِ _ , وذراعاكِ مديدتينِ , وهما تجولانِ في حقلِ جسدهِ , لاتقصري عن شيءٍ أردتِهِ قبل لُقياه , لأننا لا نشربُ الماءَ مرّتينِ , ولا ندركُ اللحظة أبداً إذا خطفها الفوتُ.
* الوصــيـــّة السـّادسـة والثـلاثـون
اعلمي أنّ الحياةَ _ كما قالَ محمّد إقبال _ " ليست إلا النارُ الباطنيّة " , فأنتِ في مقامٍ رفيعٍ , فامضِىِ إليهِ حافيةَ القدمين , محلولة الشّعر , شفيفة الملبَس , تملُكي الدنيا والآخرة , فلا تحتجِبِي عنهُ أبداً.
* الوصــيـــّة السـّابـعـة والثـلاثـون
اعلمي أنّ مُعجزتَكِ في اسمِكِ , وبساطتكِ , وعفويتكِ , وتاريخكِ الحُزنيّ , وألوهيتكِ التي في الأرضِ ترعى البشرَ الوحيدينَ اليتامى ... كعاشقكِ .
* الوصــيـــّة الثـّامـنـة والثـلاثـون
اعلمي أنّكِ بنت الأسلافِ , فلاتفرّطي في تاريخهنّ العشقيّ , أنتِ الآنَ , جُماعُهُنّ , فاجمعي تجاربهنّ في دفقة , وامنحيها لفاتحكِ الذي تلا قرآنكِ قلبيّاً , وذهبَ اسمهُ في اسمكِ.
* الوصــيـــّة التـاسـعـة والثـلاثـون
وأنتِ تحبين , اعلمي أنّهُ ليس في الأرضِ سواكِ من النّساءِ , وعندما تتجرّدينَ تجردي من الدّنيا , فمِثلُكِ نالَ مرتبتهُ , لمّا ذاقَ وانتشى , وغابَتْ روحُهُ عنهُ.
* الوصــيـــّة الأربـعـون
كوني رافدهُ في العقلِ والرّوح والنّفسِ والجسدِ , وأسطورتهُ في الدّنيا والآخرة , ومعراجهُ ليَتَرَقّاكِ , وقُطْبَهُ ليَتَلَقّى عنكِ الأسرار.
* الوصــيـــّة الحـاديـة والأربـعـون
اجعليهِ يُرابطُ في مغارتكِ , ويتلو أحزابكِ , ويحفظُ أورادكِ , ليرتحلَ في أقاليمكِ , فخرقُ العادةِ عندكِ عادةُ.
* الوصــيـــّة الثـانـيـة والأربـعـون
ربّيهِ على الوفاءِ , لأنّ العاشقَ الحقَ سِمَتُهُ الوفاءُ لا الغدرُ ونقضُ العهدِ ,
والعاشقُ الذي يصِلُ , لهُ سَمْتُ الملاكِ , وصِفة الإلهِ , وهوى الرسولِ , ولُغة النبيّ.
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والأربـعـون
لأنه حينَ يعشقُ يُجَنّ , ويهلكُ في صحراءِ محبوبهِ , فامشي إليهِ باسمِ اسمكِ , وباسم حروفكِ , وباسم من سبَقْنَكِ في العشقِ , لكنّهنّ لم يرتقينَ إلى مرتبتكِ .
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والأربـعـون
أشجاركِ تتكلّمُ , وأحجاركِ تنطقُ , وطيوركِ تكتبُ وتغنّي , فلاتهمليهِ في حوارٍ أو حديثٍ , لأنّ في المحوِ موتاً , وفي الإقصاءِ غُربةً , ويقول شيخنا أمام الغرباء أبو حيّان التوحيدي :
" الغريبُ من جفاهُ الحبيبُ ".
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والأربـعـون
كوني ديوانهُ , فأنتِ زمانُهُ وأبدالُهُ وأوتادُهُ , حيثُ أنّكِ زمانُهُ الدّائريّ المتصاعدُ , الذي هو زمنُ الأزمنة .
* الوصــيـــّة السـّادسـة والأربـعـون
كوني معهُ ولو لثانيةٍ واحدةٍ , فالقطيعةُ داءٌ لا دواءَ لهُ , والعشقُ وصلٌ بالرّوحِ والجسدِ , فاتّحِدي بهِ وحِلّي .
* الوصــيـــّة السـابـعـة والأربـعـون
أنتِ الكائنةُ العارفةُ , فقدّمي معرفتكِ إليهِ , أنتِ في الحسّ ومافوقهُ , فأدخليهِ في حضرتكِ , لاتمنحيهِ فرصةَ مغادرةِ زاويتكِ - كونِكِ الأرحبِ , فهو يتبرّكُ بكِ , ويتطلعُ إليكِ , يتحرّرُ فيكِ وبكِ , فعاشقكِ حالٌّ فيكِ , فلامعركةَ بينكُما , فأنتما متماثلان , أنتُما واحدْ.
* الوصــيـــّة الثـامـنـة والأربـعـون
خَلّيهِ في حيرةٍ , لكنّها حيرةُ الواثقِ المؤمنِ بكِ , لتكوني مثارَ تأويلهِ , ولْيكتشفَ لاوَعيَكِ .
* الوصــيـــّة التـاسـعـة والأربـعـون
كوني عصا مُحبّكِ , بحيثُ لايستطيعُ أن يملكَ من أمرهِ شيئاً دونكِ .
الوصــيـــّة الخـمـسـون
اعلمي أنّ قلبَهُ يموتُ إذا _ أنتِ _ منعتِ عنهُ مياهكِ , وحجبتِ عنهُ سرّكِ , لاتجعليهِ يتوقّعُ منكِ الفراقَ دائِماً , لأنّ في ذلكَ إذهاباً للعقلِ , ومجلبةً للجنونِ .
* الوصــيـــّة الحـاديـة والخـمـسـون
خُذي ذاتهُ أسيرة , واطلقيها في دنياكِ الوسيعة , فالمُحبّ يدركُ أن امرأتهُ تغارُ النجومُ منها , كافئيهِ على فعل الغِناءِ معكِ , فذلكَ يؤجّجُ شوقكِ , ويوقِدُ ناركِ , ويغمُرُ وردتكِ , ويروي حشائشكِ .
* الوصــيـــّة الثـانـيـة والخـمـسـون
هَبيه ناركِ فجراً وليلاً , ولاتخشَيْ النّهار , فالحُبّ لاوقتَ ولالغةَ ولامكانَ لهُ , فاظهري له أينما كان , وانتشري في هوائِهِ , دونما أن تضربي طوقاً حولَهُ .
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والخـمـسـون
ابلغي غايتَكِ العُليا معهُ , وهَيْمِني على جسَدِهِ بصَوتكِ , وعلى روحهِ بأشِعّةِ شمسكِ , فرُبّ سيفٍ يُغني عن جيشٍ , لاترتبِكي وأنتِ تضربين بجمالكِ في أرضهِ , فالحَرْثُ صنعةُ الآلهةِ , والحُبّ وحيٌ , ضيعي في بحرهِ , تجدي نَفْسَكِ.
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والخـمـسـون
يقينُ العاشقِ في أن ينزلَ ناركِ _ أبداً _ مثلُ إبراهيم , وأن يسكرَ فيكِ , ويلوذُ بنفسِهِ منكِ , لذا .. فهو عبدُكِ , وأنتِ يقينهُ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والخـمـسـون
لاتُخضِعِي قلبَهُ لنزواتِ غضبِكِ , فالغضبُ داءُ الزّمان , ولم تسلم من شرورهُ أممٌ .
* الوصــيـــّة السّـادسـة والخـمـسـون
لاتفقدي مُغامَرتَكِ , ففي كلّ مغامَرةٍ مع المُحِبّ سماءٌ جديدةٌ تُخلَقُ لكِ ولهُ معاً.
* الوصــيـــّة السّــابـعـة والخـمـسـون
اعرُجي بهِ من جسَدِكِ إلى عرشِكِ , ولتَكُن بصيرتُكِ نافذةً , وأنتِ في حالِ المعراجِ بهِ إليكِ .
* الوصــيـــّة الثّـامـنـة والخـمـسـون
هُو في ذاتِكِ , فارفعيهِ وجرّديهِ , وصفّيهِ من تُرابِ طينتِهِ , واعلمي أنّ العاشقَ إذا استقرّ في زواياكِ الأربعِ يسكُنُ , وقديماً قالَ شيخُنا :
" كُلّ شَوقٍ يسكُنُ باللقَاءِ لا يُعَوّلُ عليهِ " .
* الوصــيـــّة التـاسـعـة والخـمـسـون
لاتخجلي من صرختِكِ التي تَشُقّ الليلَ , وتُحيي النجومَ بعدَ موتِها , ففي سُكرِ الصّراخِ حياةُ العاشقِ , وفيهِ بعثُ حبّكِ.
الوصــيـــّة السـّتـّون
احرقِي حطبكِ كُلّهُ في نارهِ , فأرضكِ فيّاضَةٌ ملأْىَ , أنتِ مصباحُهُ فنَوّريهِ , وعِلّةُ وجودهِ أنتِ .
* الوصــيـــّة الحـاديـة والسـّتـّون
بلّليهِ بعطرِكِ , فالعطرُ يُفَتّحُ ماغُلّقَ , ولاتُسرفي كثيراً في أنواعِ روائحِهِ , كيْ تكونَ لكِ رائحةٌ تمتازينَ بها عن سائرِ النّساءِ , يحفظُها قلبُ عاشقكِ كتاباً أبدياً.
* الوصــيـــّة الثـّانـيـة والسـّتـّون
لاتَهْزِمِيهِ دوماً , فلاغالِبَ إلاّكِ , ولا مغلوبَ إلاّهُ .
* الوصــيـــّة الثـّالـثـة والسـّتـّون
لتكُن قاعُكِ الصّدفةَ التي ينامُ فيها ولايصحُو من سُكرِهِ , فمكّنيهِ من لؤلؤتِكِ , فأنتِ التّالةُ التي لاتكبُرُ .
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والسـّتـّون
غيّبي ظلالَ المُحبّ , وارفعي رأسهُ شاهداً عليكِ , فهو بابكِ المفتوحُ المغلقُ , ونافذتكِ إلى العوالِمِ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والسـّتـّون
خُذيهِ إلى ضوْئِكِ , لاتجعلي نارَ لحنِهِ تنطفيءُ أبداً , وتذكّري أنّ الموسيقى إحدى فواتح سوِرِ كتابِ الرّوحِ للمحبّ والمحبوب .
* الوصــيـــّة السّـادسـة والسـّتـّون
إذا كانَ المسلمونَ سيفترقونَ إلى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً يوم الحساب , فأنتِ الناجيةُ بوجدكِ , حيثُ سيهلكُ الباقون , فغوصي في ذاتكِ , استخرجي من جسدكِ النّورانيّ موسيقاهُ , فالمرأة تعجنها الموسيقى , وتخبزُها نارُ الفرحِ والمرحِ والطّربِ والرّقصِ .
* الوصــيـــّة السّـابـعـة والسـّتـّون
لاتجعلي الظّاهر يُسكِركِ , فأنتِ إبنةُ الباطنِ والتجَلّي , فاهتِكِي حجابَكِ واذهبي إلى سمائِكِ , حيثُ يسكُنُ عاشقُكِ في جنبيكِ , إنهُ منكِ ولكِ وفيكِ وبكِ يكون .
* الوصــيـــّة الثـّامـنـة والسـّتـّون
اعلمي أنّ الحبّ يبقى أبداً , لاتُغيّرُهُ المادّة , ولاتُحوّلُهُ الأزمانُ , فحذارِ أن يتخرّبَ قلبُكِ بالمظاهرِ , وتنخدعي بهامشِ القولِ وظاهرِ الكلامِ , فالمَتْنُ جُوّاكِ , ومتى كان الحكماءُ يُعَوّلونَ على الهامشِ ؟ .
* الوصــيـــّة التّـاسـعـة والسـّتـّون
ليكُن بصرُكِ إلى أعتابِ العاشقِ , وبصيرتكِ إلى معرفتهِ , فابصري بقلبِكِ ( شرطَ أن تكوني غير قلقةٍ أو مشوّشَةٍ أو تَعْبَى أو زائفةِ الرّؤيا والرّؤيَة ) , فعندهُ الخبرُ اليقينُ , والحقيقةُ الكاملةُ .
* الوصــيــّتان السـبـعون والحـاديـة والسـبـعـون
لاتنشُري سرّ حبّكِ في المجالسِ , حتى لايُذاعُ ويُروَى , وتعيهُ الآذان , ويقعُ الندم , بل بالغي في كِتمانِ الأسرار , وإيّاكِ والإفشاءِ , فالاحتياطُ في إذاعةِ ماتطويهِ روحُكِ مهمٌ لحمايةِ النفسِ من إيذاءِ المحيطِ الذي تعيشين وتعرفين .
وإذا كان الحكماءُ قد قالوا في أمثالهم :
" لاينكتمُ سرٌ , وإنّما يتقدّمُ ظهُورهُ أو يتأخرُ " ..
فكلامهم ليس تنزيلاً , فثمّ أممٌ دالتْ وطويتْ أسرارها معها في صحائفَ قلوب شعوبها ,
فلاتستودعي سرّاً لقادرٍ على نفسهِ , أو قاهرٍ نزواتهِ , لأنّ من العسرِ على الإنسانِ الكتمانِ , ولذلك قيل في الأمثالِ :
" الصدرُ إذا نَفَثَ بَرَأَ " .
وقديماً قال الشاعرُ :
ولا أكتمُ الأسرار ولكن أنمّها = ولا أدعُ الأسرار تغلي على قلبي
فإنّ قليلَ العقلِ من باتَ ليلَهُ = تقلّبهُ الأسرارُ جنباً على جنبِ
ولأنّ للحيطانِ آذاناً , فاكتمي سرّ عشقكِ يكبرْ وتسلمي , فحتى الطين اليبِسُ غير مأمونٍ على السرّ , ومتى كان الشجر الأخضرُ _ منذُ زرقاءِ اليمامةِ _ حافظاً للأسرارِ؟
* الوصــيـــّة الثـانـيـة والسـّبـعـون
لتدرّبيه على طريقتكِ في الحُب , ولا يكن لكلّ منكما طريقة , فالحب هِبَةٌ وفطرةٌ وتعلمٌ أيضاً , فكوني عُشّهُ وبلاطهُ , وأملهُ , ومطلبهُ , أنتِ الحاكمةُ بأمرهِ , ومهما مالَ الغُصنُ لأيّ سببٍ , فلاتقرّري الفِراقَ , فالعاشقُ في قلبهِ نارٌ تقتلهُ حرقاً , إذا وقعَ هجرانكِ لهُ .
* الوصــيـــّة الثـالـثـة والسـّبـعـون
ليكُن دمُ قلبكِ ماءَ وُضُوئِهِ , فصلاةُ العشقِ لاتصحّ إلا بالدمّ , فهجركِ يُقفِرُهُ ويُفقِرُهُ ويُخرّبُهُ.
* الوصــيـــّة الرّابـعـة والسـّبـعـون
هِبيهِ خمرتَكِ القديمةَ , فأنتِ كائِنهُ الأعلَى , لاتَحُطّي منهُ في السرّ أو العلَن , في النّهارِ أو الليلِ , كِتابةً أو شفاهةً , حتّى ليتمنّى أن يكون الموتُ عيداً كبيراً لهُ , فالعاشقُ دونكِ مصيرهُ العدمُ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والسـّبـعـون
حبّ عاشقكِ يجرفُ ماتراكمَ من شوائبَ علقَتْ , وحبّكِ منزوٍ في عميقكِ , فأحييهِ واطوي مايؤسي ويُحزنُ , فالحبّ وجودكُما معاً , وقلبكِ يسعُ أرضَهُ وسماءَهُ , وليسَ أدنى من عرشِ إلهٍ .
* الوصــيـــّة السـادسـة والسـّبـعـون
اجعلي عِشقكُما نشيداً , فمامن شيءٍ بينكما أكملُ من الحبّ , خصوصاً إذا تيقّنتِ انّكِ لستِ عابرةً أو تجربةً أو نزوةً أو .. وسيلة .
* الوصــيـــّة السـابـِعـة والسـّبـعـون
فواتِح جمالِكِ وفواتِحُ جلالكِ , هما ما في آلهةِ السّماءِ والأرضِ . خلّيهما يهديانهِ سواءَ سبيلِ العشقِ , فاللهُ خلقكِ على صورتهِ , فكوني صورة عاشقكِ , فقد جاء في الحديثِ القُدسيّ :
( .. فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعهُ الذي يسمعُ بهِ , وبصَرَهُ الذي يُبصِرُ بهِ ... ) .
* الوصــيـــّة الثـّـامـنـة والسـّبـعـون
في تجَلّي مِئذَنَتَيْكِ , يُشرِقُ العاشقُ , يشربُ خمرةً صافيةً من صدركِ , أعلمُ أنّهُما مُقدّستانِ , لكنْ لا قداسةَ تحجُبُ صوتَ مُؤَذّنِكِ عن أن يصـْـعـَـدَ , ويرقى إلى مِئذَنتيكِ السّاميتينِ .
* الوصــيـــّة التـّـاسـعـة والسـّبـعـون
ليَكُن قلبُكِ حُرّاً , وعيناكِ آسرتينِ , ويداكِ يديهِ , فَهَيْمِنِي , ولتعلُ صرختكِ المكتومة , فالعاشقُ المؤمنُ بمعشوقهِ , يحيا في النّارِ .
* الوصــيـــّة الثـّـمـانون
ليكُن دُعاؤُكِ :
اللهمّ احيِني في كعبةِ حبيبي , وأمِتني في لسانِ نارهِ .
* الوصــيـــّة الحـادِيـة والـثـمـانون
ليكُن نَهْدَاكِ طريقَ صوابهِ , فهمُا سرّكِ , وكُوُبَا سمائِهِ , ومركِبا قلبهِ , فالعالمُ ناقصٌ لا تمامَ لهُ , إلا بجوهَرِهِما .
* الوصــيـــّة الثـّـانـيـة والثـمـانـون
لتكُن حياتكِ في فنائِكِ فيهِ , ليستحِمّ في حِنّائِكِ , فأنتِ لهُ أوّل النّساءِ وآخرهنّ , سقفُ الزّمنِ .
* الوصــيـــّة الـثـالـثـة والثـمـانـون
مادامَ العاشقُ يدرِكُ أنّكِ أمّ الحقيقةِ , ويؤمنُ أنّ ماسواكِ عبثٌ , ولا غمدَ لسيفهِ إلّاكِ , فخلّيهِ مِلْكَ يديكِ , أريهِ آياتِكِ , حتّى يتبيّنَ لهُ " مـَـن هـُـوَ " .
* الوصــيـــّة الرّابـِعـة والثّـمـانـون
كوني خَيمَةَ سمائِهِ , لا تجعليهِ يعيشُ في ظُلمَةٍ , لأنّكِ نورهُ الأبهى المقدّسِ , فالمحبّةُ يتيمةُ كلّ زمانٍ لابيتَ لها سوى امرأةٍ مثلِكِ , والعاشقُ يظلّ لوحةً منقوصةً لا تكتملُ إلا بألوانِ سُكرِكِ .
* الوصــيـــّة الخـامـسـة والثـمـانـون
علّميهِ كيفَ يرعى حُبّكِ النّادرِ , ويُغنّي كملاكٍ كلّما مَسّكِ , دفّئِي جسدهُ من بردِ الشكّ , أنبئيهِ بسرّ بساتينكِ .
* الوصــيـــّة السـادسـة والثـّمـانـون
كوني لهُ المعنى الأبعَدَ , ليبحثَ عنكِ , سافري في عُطورهِ , ليملأَ دنانَ روحِكِ , لاتَعتَزِليهِ , فهو قائِدُ قافلتِكِ نحوَ ليلِ الوحْيِ , لاتعزليهِ عن صدفتكِ , فأنتِ ماءَ مجدهِ .
* الوصــيـــّة السـابِـعـة والثـمـانـون
مالسّماء الا دُرّةٌ من كونِكِ , ما في اللوحِ المحفوظِ إلا لكِ , فاكتبيهِ أبداً , اشعِلي نارَ الأسلافِ في أحشائِهِ .
* الوصــيـــّة الثـّـامـنـة والثـمـانـون
كوني نايَهُ , فما موسيقَاكِ إلا دَمَهُ , ماعَزْفُهُ إلا اجتراحٌ لروحِهِ كي يصلَكِ , ففي الوِصالِ حياتُكُما .
.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: