نقوس المهدي
كاتب
هناك اتفاق بين غالبية فلاسفة اليونان أن الجهة اليمنى سواء في المرأة أو الرجل هي المسئولة عن تكون الذكر؛ بينما تكون الجهة اليسرى هي المسئولة عن تكون الأنثى، هذا الاختيار هو نتاج للنظرة الدونية للمرأة؛ فنلاحظ أن الخصية اليمنى هي الأكبر والأثقل كذلك اليد اليمنى هي الأقوى مقارنة باليسرى، لاحظ أيضاً الكلمة اليونانية sinistra والتي تعني الأيسر تعني أيضاً الشؤم والشر وقد أشتق من اللفظ اليوناني الكلمة الإنجليزية sinister، للمزيد بشأن دلالة اليمين واليسار عند اليونانيين يمكن مراجعة (McManus 2004) و (Peters 1997) والمراجع المرفقة في كلا البحثين.
كذلك يتفق غالبيتهم على وجود تباين بين نسب العناصر الأربعة (بحسب نظرية الأخلاط) المكونة لكل من الذكر والأنثى وهي العناصر الأربعة المكونة لأجزاء الجسم وسوائله وهي النار والماء والهواء والتراب، ومصدرها الغذاء الذي يتناوله الإنسان ويتحول في داخل الجسم من خلال عملياته الحيوية إلى تلك السوائل أو الأخلاط. ونتيجة لتغير نسب العناصر الأربعة عند الذكر والأنثى تتغير أيضاً نسب الأمزجة لكل من الذكر والأنثى تلك الأمزجة هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي ناتجة عن نسب العناصر الأربعة مع بعضها. وقد اتفق على أن الذكر أكثر حرارة من المرأة، أنظر المخطط المرفق (Mittwoch 1985).
بالطبع هناك نقاط اختلاف بين أولئك الفلاسفة، وهناك نقطة جوهرية أدت إلى انقسامهم، أهمها ما يتعلق بالماء المكون للجنين؛ إذ يستخدم هؤلاء الفلاسفة مصطلح بذور أو ماء ليقصدوا بها ما يعرف بلغة العلم حالياً الحيوانات المنوية، هذا ما يتعلق بالذكر، أما الأنثى فيُطلق مصطلح ماء ليقصد به دم الحيض وأحياناً تُستخدم لفظة بذور للمرأة ليقصد بها ما يعرف بلغة العلم حالياً البويضات. والخلاف الذي وقع بين فلاسفة اليونان يدور حول ماء المرأة وهل هناك دور لهذا الماء في تكوين جنس المولود أو أن ماء المرأة سلبي ويعطيه ماء الرجل الحياة أو الحرارة، وهذا الرأي الأخير ينفرد به أرسطو. وعلى هذا الأساس انقسمت الطرق اليونانية لتحديد جنس المولود إلى مدرستين أساسيتين: مدرسة أرسطو (384 – 322 ق. م.) ومدرسة الفلاسفة الذين سبقوا أرسطو من أمثال أبقراط وآناكساغور وديموقريطوس والتي أعاد إحياءها من جديد جالينيوس (129/130 – 199/200م).
وكلا المدرستين تعتمدان على النظرة الدونية للمرأة من حيث اليمين واليسار أو الحرارة والبرودة؛ إلا أن نظرة أرسطو أكثر سلبية من غيرها، ولمزيد من التفاصيل عن هذه النظرة الدونية في كلا المدرستين يمكن الرجوع لبحث نانسي توانا (Tuana 1988). وهناك تفريعات ثانوية لتلك المدارس أدت لظهور أربع نظريات مختلفة نوجزها هنا.
طريقة المضاجعة
أقدم الطرق اليونانية التي وصلت إلينا والتي كانوا يعتقدون أنها فعالة في الحصول على مولود ذكر كانت طريقة المضاجعة الجانبية التي نص عليها الفيلسوف آناكساغور (500 – 425 ق. م.) وهو يرى أن هناك ماء للرجل وآخر للمرأة وأن عملية تحديد الجنس تعتمد على اختلاط هذه السوائل مع بعض فإن اختلطا في الجانب الأيمن تكوّن الذكر وإن اختلطا في الجانب الأيسر تكونت الأنثى، وعليه خرج بقاعدة أو طريقة لإنتاج المولود الذكر أو الأنثى وهي تنص أنه في حال أراد الزوجان الحصول على مولود ذكر كل ما عليهما فعله هو الإضجاع على الجانب الأيمن أثناء الجماع، وعلى الجانب الأيسر في حال أرادوا المولود أنثى (Sykes 200، p. 293).
قوة ماء الرجل أو المرأة
يرى بعض فلاسفة اليونان من أمثال ديموقريطوس (460 – 360 ق. م.) وإبقراط (460 – 370 ق. م.) وهيبون Hippon (عاش في حدود العام 450 قبل الميلاد) أن هناك أهمية لماء المرأة في تحديد الجنس؛ إذ يتكون الجنين نتيجة اندماج السائلين مع بعضهما وأن تحديد جنس المولود يعتمد على أي السائلين أقوى؛ فصاحب الحيوانات المنوية القوية سينجب الذكر إما إن كانت الحيوانات المنوية ضعيفة وتغلبت عليها سوائل المرأة فسيكون المولود أنثى (Mccartney 1922).
نظرية أرسطو
تتمحور فكرة أرسطو في أن بذور الرجل (أي ماء الرجل أو الحيوانات المنوية) هي الأساس في تكوين المولود والمرأة مجرد وعاء بارد، فالمرأة تمثل الجزء البارد والرجل الجزء الحار ويعتمد تحديد جنس المولود على الحرارة الكامنة التي يزودها الذكر للأنثى. ويخص أرسطو الخصية اليمنى بأنها تحتوي على بذور تعطي حرارة كامنة أكبر وبالتالي تحدد جنس المولود الذكر إما الخصية اليسرى فتعطي بذور حرارتها الكامنة أقل فتؤدي لمولود أنثى (Mittwoch 1985).
ومن الطرق التي روج لها في تلك الحقبة للتحكم في جنس المولود هي ربط الخصية اليسرى أو الضغط عليها أثناء الجماع، أما أولئك الذين لا يرغبون بإنجاب إناث بصورة مطلقة فكل ما عليهم التخلص من الخصية اليسرى وذلك بقطعها.
نظرية جالينيوس
أما جالينيوس والذي تخصص في علم التشريح وأجرى عمليات تشريح على الحيوانات بهدف اكتشاف جسم الإنسان فهو يرى أن الأنثى لها أيضاً خصيتان (المقصود هنا المبيضين) كما للرجل وهي تنتج بذوراً كالرجل أيضاً، وقد تطرق فلاسفة اليونان القدماء الذين سبقوا أرسطو من أمثال إبقراط لفكرة وجود بذور أنثوية لكنهم لم يقولوا بوجود خصية للأنثى (Colombo 2006). أما آلية تحديد جنس المولود بحسب جالينيوس فتنص على أنه عندما تتحد بذرة رجل صادرة من الخصية اليمنى مع بذرة امرأة صادرة من الخصية اليمنى ينتج المولود الذكر وكذلك الأمر بالنسبة إلى البذور المنتجة من الخصية اليسرى لكل من الرجل والمرأة فينتج مولود أنثى، ويؤكد جالينيوس نظريات من سبقوه في أن الجزء الأيمن أكثر حرارة من الأيسر.
ويؤكد جالينيوس نظرية آناكساغور في طريقة الحصول على المولود الذكر أو الأنثى.
انتشار أفكار أرسطو في أوروبا
كان لاسم أرسطو حضور كبير بين العامة وبذلك كانت أفكاره هي الرائجة (Colombo 2006) واستمرت أفكار أرسطو في أوروبا لأكثر من 2000 سنة حيث توجد تقارير تؤكد أن عدداً من الرجال من الطبقة الأستقراطية في فرنسا كانوا يعمدون لقطع الخصية اليسرى على رغم من أن أرسطو قد صرح أن الرجل الذي يمتلك خصية واحدة يمكنه إنجاب ذكور وإناث (Sykes 200، p. 293). هذا دليل على أن أفكار أرسطو حرفت مع الزمن وأن هناك من يروج لهذه الأفكار، على سبيل المثال في العام 1748م ظهر في فرنسا كتاب ترجمة عنوانه «فن صناعة الذكور» أو بالفرنسية «L»art de faire des garçons» وهو كتاب لأحد الفرنسيين المتخصصين في التشريح ولكنه كتب اسمه المستعار Procope-Couteau. ويرى مؤلف هذا الكتاب أن عملية قطع الخصية اليسرى ستؤدي بنتيجة الحصول على مولود ذكر وأن عملية القطع ليست إلا مثل اقتلاع ضرس فهي عملية تمارس بشكل روتيني على الكلاب والخيول. وظهرت في أوروبا أيضاً نظرية تقتبس في مضمونه فكرة أرسطو الجوهرية وهي كون الأنثى وعاء سالب، وقد عرفت بنظرية التخلق السبقي، ويرى أصحاب هذه النظرية أن «الحيوان المنوي» يحتوي في داخله على فرد كامل لكنه مصغر أطلق عليه مسمى (الفرد المصغر) (Homunculus)، ويستقر الحيوان المنوي في رحم المرأة لينمو وبذلك اعتبرت المرأة مجرد وعاء سالب.
وقد تسربت أفكار أرسطو إلى العرب منذ حقبة ما قبل الإسلام وسنتناول تفاصيل طرق تسرب الأفكار اليونانية إلى العرب في الفصل المقبل
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3267
كذلك يتفق غالبيتهم على وجود تباين بين نسب العناصر الأربعة (بحسب نظرية الأخلاط) المكونة لكل من الذكر والأنثى وهي العناصر الأربعة المكونة لأجزاء الجسم وسوائله وهي النار والماء والهواء والتراب، ومصدرها الغذاء الذي يتناوله الإنسان ويتحول في داخل الجسم من خلال عملياته الحيوية إلى تلك السوائل أو الأخلاط. ونتيجة لتغير نسب العناصر الأربعة عند الذكر والأنثى تتغير أيضاً نسب الأمزجة لكل من الذكر والأنثى تلك الأمزجة هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي ناتجة عن نسب العناصر الأربعة مع بعضها. وقد اتفق على أن الذكر أكثر حرارة من المرأة، أنظر المخطط المرفق (Mittwoch 1985).
بالطبع هناك نقاط اختلاف بين أولئك الفلاسفة، وهناك نقطة جوهرية أدت إلى انقسامهم، أهمها ما يتعلق بالماء المكون للجنين؛ إذ يستخدم هؤلاء الفلاسفة مصطلح بذور أو ماء ليقصدوا بها ما يعرف بلغة العلم حالياً الحيوانات المنوية، هذا ما يتعلق بالذكر، أما الأنثى فيُطلق مصطلح ماء ليقصد به دم الحيض وأحياناً تُستخدم لفظة بذور للمرأة ليقصد بها ما يعرف بلغة العلم حالياً البويضات. والخلاف الذي وقع بين فلاسفة اليونان يدور حول ماء المرأة وهل هناك دور لهذا الماء في تكوين جنس المولود أو أن ماء المرأة سلبي ويعطيه ماء الرجل الحياة أو الحرارة، وهذا الرأي الأخير ينفرد به أرسطو. وعلى هذا الأساس انقسمت الطرق اليونانية لتحديد جنس المولود إلى مدرستين أساسيتين: مدرسة أرسطو (384 – 322 ق. م.) ومدرسة الفلاسفة الذين سبقوا أرسطو من أمثال أبقراط وآناكساغور وديموقريطوس والتي أعاد إحياءها من جديد جالينيوس (129/130 – 199/200م).
وكلا المدرستين تعتمدان على النظرة الدونية للمرأة من حيث اليمين واليسار أو الحرارة والبرودة؛ إلا أن نظرة أرسطو أكثر سلبية من غيرها، ولمزيد من التفاصيل عن هذه النظرة الدونية في كلا المدرستين يمكن الرجوع لبحث نانسي توانا (Tuana 1988). وهناك تفريعات ثانوية لتلك المدارس أدت لظهور أربع نظريات مختلفة نوجزها هنا.
طريقة المضاجعة
أقدم الطرق اليونانية التي وصلت إلينا والتي كانوا يعتقدون أنها فعالة في الحصول على مولود ذكر كانت طريقة المضاجعة الجانبية التي نص عليها الفيلسوف آناكساغور (500 – 425 ق. م.) وهو يرى أن هناك ماء للرجل وآخر للمرأة وأن عملية تحديد الجنس تعتمد على اختلاط هذه السوائل مع بعض فإن اختلطا في الجانب الأيمن تكوّن الذكر وإن اختلطا في الجانب الأيسر تكونت الأنثى، وعليه خرج بقاعدة أو طريقة لإنتاج المولود الذكر أو الأنثى وهي تنص أنه في حال أراد الزوجان الحصول على مولود ذكر كل ما عليهما فعله هو الإضجاع على الجانب الأيمن أثناء الجماع، وعلى الجانب الأيسر في حال أرادوا المولود أنثى (Sykes 200، p. 293).
قوة ماء الرجل أو المرأة
يرى بعض فلاسفة اليونان من أمثال ديموقريطوس (460 – 360 ق. م.) وإبقراط (460 – 370 ق. م.) وهيبون Hippon (عاش في حدود العام 450 قبل الميلاد) أن هناك أهمية لماء المرأة في تحديد الجنس؛ إذ يتكون الجنين نتيجة اندماج السائلين مع بعضهما وأن تحديد جنس المولود يعتمد على أي السائلين أقوى؛ فصاحب الحيوانات المنوية القوية سينجب الذكر إما إن كانت الحيوانات المنوية ضعيفة وتغلبت عليها سوائل المرأة فسيكون المولود أنثى (Mccartney 1922).
نظرية أرسطو
تتمحور فكرة أرسطو في أن بذور الرجل (أي ماء الرجل أو الحيوانات المنوية) هي الأساس في تكوين المولود والمرأة مجرد وعاء بارد، فالمرأة تمثل الجزء البارد والرجل الجزء الحار ويعتمد تحديد جنس المولود على الحرارة الكامنة التي يزودها الذكر للأنثى. ويخص أرسطو الخصية اليمنى بأنها تحتوي على بذور تعطي حرارة كامنة أكبر وبالتالي تحدد جنس المولود الذكر إما الخصية اليسرى فتعطي بذور حرارتها الكامنة أقل فتؤدي لمولود أنثى (Mittwoch 1985).
ومن الطرق التي روج لها في تلك الحقبة للتحكم في جنس المولود هي ربط الخصية اليسرى أو الضغط عليها أثناء الجماع، أما أولئك الذين لا يرغبون بإنجاب إناث بصورة مطلقة فكل ما عليهم التخلص من الخصية اليسرى وذلك بقطعها.
نظرية جالينيوس
أما جالينيوس والذي تخصص في علم التشريح وأجرى عمليات تشريح على الحيوانات بهدف اكتشاف جسم الإنسان فهو يرى أن الأنثى لها أيضاً خصيتان (المقصود هنا المبيضين) كما للرجل وهي تنتج بذوراً كالرجل أيضاً، وقد تطرق فلاسفة اليونان القدماء الذين سبقوا أرسطو من أمثال إبقراط لفكرة وجود بذور أنثوية لكنهم لم يقولوا بوجود خصية للأنثى (Colombo 2006). أما آلية تحديد جنس المولود بحسب جالينيوس فتنص على أنه عندما تتحد بذرة رجل صادرة من الخصية اليمنى مع بذرة امرأة صادرة من الخصية اليمنى ينتج المولود الذكر وكذلك الأمر بالنسبة إلى البذور المنتجة من الخصية اليسرى لكل من الرجل والمرأة فينتج مولود أنثى، ويؤكد جالينيوس نظريات من سبقوه في أن الجزء الأيمن أكثر حرارة من الأيسر.
ويؤكد جالينيوس نظرية آناكساغور في طريقة الحصول على المولود الذكر أو الأنثى.
انتشار أفكار أرسطو في أوروبا
كان لاسم أرسطو حضور كبير بين العامة وبذلك كانت أفكاره هي الرائجة (Colombo 2006) واستمرت أفكار أرسطو في أوروبا لأكثر من 2000 سنة حيث توجد تقارير تؤكد أن عدداً من الرجال من الطبقة الأستقراطية في فرنسا كانوا يعمدون لقطع الخصية اليسرى على رغم من أن أرسطو قد صرح أن الرجل الذي يمتلك خصية واحدة يمكنه إنجاب ذكور وإناث (Sykes 200، p. 293). هذا دليل على أن أفكار أرسطو حرفت مع الزمن وأن هناك من يروج لهذه الأفكار، على سبيل المثال في العام 1748م ظهر في فرنسا كتاب ترجمة عنوانه «فن صناعة الذكور» أو بالفرنسية «L»art de faire des garçons» وهو كتاب لأحد الفرنسيين المتخصصين في التشريح ولكنه كتب اسمه المستعار Procope-Couteau. ويرى مؤلف هذا الكتاب أن عملية قطع الخصية اليسرى ستؤدي بنتيجة الحصول على مولود ذكر وأن عملية القطع ليست إلا مثل اقتلاع ضرس فهي عملية تمارس بشكل روتيني على الكلاب والخيول. وظهرت في أوروبا أيضاً نظرية تقتبس في مضمونه فكرة أرسطو الجوهرية وهي كون الأنثى وعاء سالب، وقد عرفت بنظرية التخلق السبقي، ويرى أصحاب هذه النظرية أن «الحيوان المنوي» يحتوي في داخله على فرد كامل لكنه مصغر أطلق عليه مسمى (الفرد المصغر) (Homunculus)، ويستقر الحيوان المنوي في رحم المرأة لينمو وبذلك اعتبرت المرأة مجرد وعاء سالب.
وقد تسربت أفكار أرسطو إلى العرب منذ حقبة ما قبل الإسلام وسنتناول تفاصيل طرق تسرب الأفكار اليونانية إلى العرب في الفصل المقبل
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3267