نقوس المهدي
كاتب
إن النساء دينهنّ في فروجهنّ"، قال أحد "الحكماء" العرب لرجل شكا إليه رفض زوجته تقرّبه منها. تلخّص هذه العبارة إلى مدى بعيد نظرة الرجل العربي إلى المرأة. في الكتب التراثية" أحاديث وروايات كثيرة تدل على أن الرجل كان ينظر إلى المرأة كآلة جنسية، وأنه كان يخاف من هذه الآلة لاعتقاده بصعوبة مجاراتها.
قراءة الكتب العربية القديمة المتخصصة في قضايا الجنس والعلاقات الجنسية تكشف عن خوف الرجل العربي من المرأة. هو خوف ينبعث من منظومة قيم ذكورية تطالب بسيطرة الرجل وتخشى من قلب هذه المعادلة. كان يفاقم من هذا الشعور اعتبار الرجل العربي أن المرأة كائنٌ لغز تقترب عمليّة فهمه من المهمّات المستحيلة.
آلة الجنس المخيفة
تصوّر الأدبيات العربية القديمة المرأة كائناً شبقياً (يحب الجنس بشدّة) يتمحور تفكيره حول مسائل الجنس. تتحدث إحدى الروايات عن استشارة بعض الرجال امرأةً كان يطلق عليها لقب "المعربدة" وكانت توصف بأنها أعلم أهل زمانها، فقيل لها: أين تجدن العقل يا معشر النسوان؟ قالت: بين الأفخاذ، قيل لها: والشهوة؟ قالت: في ذلك الموضع، قيل لها: أين تجدن محبة الرجال وكرههم؟ قالت: في ذلك الموضع.
تتجسد شبقية المرأة اللامحدودة في رواية تروى عن "عائشة المغنّية" حيناً وعن "حبّى المدنية" حيناً آخر، فعن المروي عنها أنها وصفت إحدى ممارساتها للجنس بقولها: "لقد نخرت بعلي نخرة نفر منها ألف بعير من إبل الصدقة فرّت على وجهها، فما تلاقت إلى الآن". يتضّح من هذه الرواية تصوّر العرب لقدرات المرأة الجنسية الفائقة والتي قد تقترب من حدّ الرعب.
يعتقد الرجل العربي أن وسيلته للتقرب إلى المرأة لا يمكن أن تكون إلا الجنس، والجنس الشديد أيضاً. في هذا انشدت جارية: لا ينفع الجارية الخضاب/ ولا الوشاحات ولا الجلباب/ ولا الدنانير ولا الثياب/ من دون ما تصفق الركاب.
الكتابات العربية المتخصصة بمسائل العلاقات الجنسية تقدّم مجموعة من الروايات التي تؤكد على ذلك، وفيها لا ينال الرجل مبتغاه من المرأة إلا في حال النجاح في مجاراتها جنسياً. على سبيل المثال، يروى أن رجلاً اسمه العباس كانت زوجته تأبى التقرب منه لأنه لا يعجبها في الجمال. فشكى حاله إلى أحد الحكماء فقال له الأخير "إن النساء دينهنّ في فروجهنّ"، ثم وصف له دواء يعظّم العضو، وكانت وصفته نافعة. فبعدما استعجبت زوجة الرجل مما آل إليه زوجها، أحبته و"أعطته مالها وملّكته نفسها وجميع أثاثها". وفي هذا الصدد يروى أيضاً أن رجلاً اختلف مع زوجته، ولمصالحتها تقرّب منها لغرض الجماع فقالت له: "جئتني بشفيع لا استطيع ردّه"، في إشارة إلى عضوه الذكري.
ينبعث خوف الرجل من المرأة من اعتقاده بأن المرأة مكوّنة بطريقة تجعلها متفوّقة عليه في القدرات الجنسية. تتحدث إحدى الروايات عن سؤال أحد الملوك "برجان" "وحباحب"، وهما كانتا من أهم جواريه، أيّهما أزيد شهوة النساء أم الرجال؟ قالتا: أضعف شهوة النساء أقوى من شهوة الرجال. الاعتقاد بتفوّق المرأة الجنسي تسرّب إلى دائرة المفتين. فقد سأل رجل الشعبي: ما تقول في امرأة تقول لزوجها إذا وطئها قتلتني أوجعتني؟ فقال يقتلها بذلك وديّتها في عنقي، في إجابة تعكس اقتناعه باستحالة ذلك.
أهمية هذه التصوّرات تكمن في نتيجتها المتمثلة في الاعتقاد بميل المرأة الغريزي إلى خيانة زوجها. إحدى الروايات تروي حادثة حدثت، في زمن الخليفة المأمون، بين رجل يعتبر مسخرة إسمه بهلول وبين حمدونة بنت المأمون وزوجة الوزير الأعظم، التي اشتهرت بجمالها الفائق. ليست الحادثة هي المهمة، بل المهم هو حديث حمدونة لبهلول بعد مجامعته لها. حين سألها عن السبب الذي يدفعها إلى ممارسة الجنس مع غريب بينما هي متزوجة، شبهت في إجابتها بين المرأة والفرس وأخبرته أن المرأة تندفع إلى ذلك إذا طالت فترة عدم مجامعتها لرجل كما تحت تأثير الكلام الجميل.
المرأة اللغز
ما عقّد من العلاقة بين الرجل والمرأة هو اقتناع الرجال بأنه من المستحيل فهم النساء وبأنه من المستحيل الثقة بهنّ لأنهنّ لا تحبّنّ إلا لغاية لا يمكن للرجل أن يعرفها. في أحد أشعاره، يقول أبو نوّاس: "إن النساء شياطين خلقن فلا/ تركن لهنّ فهذا القول معروف/ إذا أحبوا امرئ أحبّوه عن غرض/ وإن جفوه غدا يا قوم مشغوف".
لم تكن المرأة في نظر العرب كائناً مسيطراً عليه بالتمام كما يعتقد الكثيرون. بل كانت لغزاً يتطلّب بحثاً صعباً لحلّه. طبعاً تصوّرات العرب لحلّ لغز المرأة لم تخرج عن مفاهيم منظومة المجتمع البطريركي. رغم ذلك، اقتنع الرجال العرب بأن فهم المرأة هو مهمّة لا تقدر عليها سوى امرأة من جنسها. لذلك، كانت المرأة هي الرسول الأفضل بين الرجال والنساء كونها أدرى بأسرار النساء. على سبيل المثال، كانت مهنة القيادة من فنون النساء وبخاصة العجائز منهنّ. وكان العرب يطلقون على القوادة لقب "أم الحكيم"، لأنها تسهّل الصعاب وتقرّب البعيد.
خوف من تسيّد المرأة
تصوّرات العرب حول طبيعة المرأة ولّد لديهم خوفاً من انقلاب الأدوار الاجتماعية وسيطرة المرأة على المجتمع كونها، بتكوينها، تمتلك قدرات جنسية لا يمتلكها الرجل. منذ القدم كان الرجل الريفي يحتقر التجمعات المدينية بسبب دور المرأة المحوري فيها. يروى عن أحد الحكماء المتنسّكين ممن كانوا يعتكفون في الجبال بعيداً عن الاجتماع، أنه نزل مرةً إلى المدينة وحين شاهد العلاقات السائدة فيها، امتعض مما رآه وقال لبعض الحكماء قبل أن يقرّر المغادرة: "رأيت جميع من فيها عبيداً للنساء".
في المسائل الجنسية الحميمية، كان العرب يرفضون الوضعيات الجنسية التي تؤشر على سيادة المرأة على الرجل. برّروا تفضيلاتهم بخرافات طبّية كما يظهر من قول الشيخ النفزاوي في كتابه "الروض العاطر في نزهة الخاطر" للرجل: "وإياك أن تطلعها عليك فإني أخاف عليك من مائها ودخوله في احليلك فإن ذلك يورث الفتق والحصى". ووصل الأمر إلى حديث الفقهاء عن الوضعيات الجنسية، فقد أفرد الفقيه العربي إبن قيّم الجوزية، في كتابه "الطبّ النبوي"، صفحات عدّة لذلك. وبعد ترداده "أن المرأة لا يطيب عيشها إلا إذا جومعت"، يؤكد أن "أحسن أشكال الجماع هو أن يعلو الرجل المرأة مستفرشاً لها بعد الملاعبة والقبلة وبهذا سميت المرأة فراشاً... وهذا من تمام قوامية الرجل على المرأة ... وأردأ أشكاله: أن تعلوه المرأة ويجامعها على ظهره، وهو خلاف الشكل الطبيعي" ثم يذهب إلى القول "إن المرأة مفعول بها طبعاً وشرعاً، وإذا كانت فاعلة خالفت مقتضى الطبع والشرع".
وفي مسألة أخرى ذات صلة، يمتدح إبن قيّم الفتاة البكر (العذراء) ويفضّلها على المرأة غير العذراء قائلاً إنه "في جماع البكر من الخاصية وكمال التعلّق بينها وبين مجامعها، وامتلاء قلبها من محبته، وعدم تقسيم هواها بينه وبين غيره ما ليس للثيب (غير العذراء)".
الأخبار والروايات التي ترد في الأدبيات العربية القديمة المتخصصة في المسائل الجنسية ليست وقائع تاريخية. على الأرجح، معظمها مختلق ولكنّه بالتأكيد يعبّر عن نظرة الرجل العربي إلى المرأة. يساعدنا هذا الخوف المضمر والعميق على فهم ظواهر إجتماعية كثيرة لا تزال سائدة في العالم العربي، كالأهمية الفائقة المعطاة لغشاء البكارة وكختان النساء للحدّ من رغباتهنّ الجنسية وما السبب في ذلك سوى خلق آليات لاستدامة المجتمع البطريركي.
.
قراءة الكتب العربية القديمة المتخصصة في قضايا الجنس والعلاقات الجنسية تكشف عن خوف الرجل العربي من المرأة. هو خوف ينبعث من منظومة قيم ذكورية تطالب بسيطرة الرجل وتخشى من قلب هذه المعادلة. كان يفاقم من هذا الشعور اعتبار الرجل العربي أن المرأة كائنٌ لغز تقترب عمليّة فهمه من المهمّات المستحيلة.
آلة الجنس المخيفة
تصوّر الأدبيات العربية القديمة المرأة كائناً شبقياً (يحب الجنس بشدّة) يتمحور تفكيره حول مسائل الجنس. تتحدث إحدى الروايات عن استشارة بعض الرجال امرأةً كان يطلق عليها لقب "المعربدة" وكانت توصف بأنها أعلم أهل زمانها، فقيل لها: أين تجدن العقل يا معشر النسوان؟ قالت: بين الأفخاذ، قيل لها: والشهوة؟ قالت: في ذلك الموضع، قيل لها: أين تجدن محبة الرجال وكرههم؟ قالت: في ذلك الموضع.
تتجسد شبقية المرأة اللامحدودة في رواية تروى عن "عائشة المغنّية" حيناً وعن "حبّى المدنية" حيناً آخر، فعن المروي عنها أنها وصفت إحدى ممارساتها للجنس بقولها: "لقد نخرت بعلي نخرة نفر منها ألف بعير من إبل الصدقة فرّت على وجهها، فما تلاقت إلى الآن". يتضّح من هذه الرواية تصوّر العرب لقدرات المرأة الجنسية الفائقة والتي قد تقترب من حدّ الرعب.
يعتقد الرجل العربي أن وسيلته للتقرب إلى المرأة لا يمكن أن تكون إلا الجنس، والجنس الشديد أيضاً. في هذا انشدت جارية: لا ينفع الجارية الخضاب/ ولا الوشاحات ولا الجلباب/ ولا الدنانير ولا الثياب/ من دون ما تصفق الركاب.
الكتابات العربية المتخصصة بمسائل العلاقات الجنسية تقدّم مجموعة من الروايات التي تؤكد على ذلك، وفيها لا ينال الرجل مبتغاه من المرأة إلا في حال النجاح في مجاراتها جنسياً. على سبيل المثال، يروى أن رجلاً اسمه العباس كانت زوجته تأبى التقرب منه لأنه لا يعجبها في الجمال. فشكى حاله إلى أحد الحكماء فقال له الأخير "إن النساء دينهنّ في فروجهنّ"، ثم وصف له دواء يعظّم العضو، وكانت وصفته نافعة. فبعدما استعجبت زوجة الرجل مما آل إليه زوجها، أحبته و"أعطته مالها وملّكته نفسها وجميع أثاثها". وفي هذا الصدد يروى أيضاً أن رجلاً اختلف مع زوجته، ولمصالحتها تقرّب منها لغرض الجماع فقالت له: "جئتني بشفيع لا استطيع ردّه"، في إشارة إلى عضوه الذكري.
ينبعث خوف الرجل من المرأة من اعتقاده بأن المرأة مكوّنة بطريقة تجعلها متفوّقة عليه في القدرات الجنسية. تتحدث إحدى الروايات عن سؤال أحد الملوك "برجان" "وحباحب"، وهما كانتا من أهم جواريه، أيّهما أزيد شهوة النساء أم الرجال؟ قالتا: أضعف شهوة النساء أقوى من شهوة الرجال. الاعتقاد بتفوّق المرأة الجنسي تسرّب إلى دائرة المفتين. فقد سأل رجل الشعبي: ما تقول في امرأة تقول لزوجها إذا وطئها قتلتني أوجعتني؟ فقال يقتلها بذلك وديّتها في عنقي، في إجابة تعكس اقتناعه باستحالة ذلك.
أهمية هذه التصوّرات تكمن في نتيجتها المتمثلة في الاعتقاد بميل المرأة الغريزي إلى خيانة زوجها. إحدى الروايات تروي حادثة حدثت، في زمن الخليفة المأمون، بين رجل يعتبر مسخرة إسمه بهلول وبين حمدونة بنت المأمون وزوجة الوزير الأعظم، التي اشتهرت بجمالها الفائق. ليست الحادثة هي المهمة، بل المهم هو حديث حمدونة لبهلول بعد مجامعته لها. حين سألها عن السبب الذي يدفعها إلى ممارسة الجنس مع غريب بينما هي متزوجة، شبهت في إجابتها بين المرأة والفرس وأخبرته أن المرأة تندفع إلى ذلك إذا طالت فترة عدم مجامعتها لرجل كما تحت تأثير الكلام الجميل.
المرأة اللغز
ما عقّد من العلاقة بين الرجل والمرأة هو اقتناع الرجال بأنه من المستحيل فهم النساء وبأنه من المستحيل الثقة بهنّ لأنهنّ لا تحبّنّ إلا لغاية لا يمكن للرجل أن يعرفها. في أحد أشعاره، يقول أبو نوّاس: "إن النساء شياطين خلقن فلا/ تركن لهنّ فهذا القول معروف/ إذا أحبوا امرئ أحبّوه عن غرض/ وإن جفوه غدا يا قوم مشغوف".
لم تكن المرأة في نظر العرب كائناً مسيطراً عليه بالتمام كما يعتقد الكثيرون. بل كانت لغزاً يتطلّب بحثاً صعباً لحلّه. طبعاً تصوّرات العرب لحلّ لغز المرأة لم تخرج عن مفاهيم منظومة المجتمع البطريركي. رغم ذلك، اقتنع الرجال العرب بأن فهم المرأة هو مهمّة لا تقدر عليها سوى امرأة من جنسها. لذلك، كانت المرأة هي الرسول الأفضل بين الرجال والنساء كونها أدرى بأسرار النساء. على سبيل المثال، كانت مهنة القيادة من فنون النساء وبخاصة العجائز منهنّ. وكان العرب يطلقون على القوادة لقب "أم الحكيم"، لأنها تسهّل الصعاب وتقرّب البعيد.
خوف من تسيّد المرأة
تصوّرات العرب حول طبيعة المرأة ولّد لديهم خوفاً من انقلاب الأدوار الاجتماعية وسيطرة المرأة على المجتمع كونها، بتكوينها، تمتلك قدرات جنسية لا يمتلكها الرجل. منذ القدم كان الرجل الريفي يحتقر التجمعات المدينية بسبب دور المرأة المحوري فيها. يروى عن أحد الحكماء المتنسّكين ممن كانوا يعتكفون في الجبال بعيداً عن الاجتماع، أنه نزل مرةً إلى المدينة وحين شاهد العلاقات السائدة فيها، امتعض مما رآه وقال لبعض الحكماء قبل أن يقرّر المغادرة: "رأيت جميع من فيها عبيداً للنساء".
في المسائل الجنسية الحميمية، كان العرب يرفضون الوضعيات الجنسية التي تؤشر على سيادة المرأة على الرجل. برّروا تفضيلاتهم بخرافات طبّية كما يظهر من قول الشيخ النفزاوي في كتابه "الروض العاطر في نزهة الخاطر" للرجل: "وإياك أن تطلعها عليك فإني أخاف عليك من مائها ودخوله في احليلك فإن ذلك يورث الفتق والحصى". ووصل الأمر إلى حديث الفقهاء عن الوضعيات الجنسية، فقد أفرد الفقيه العربي إبن قيّم الجوزية، في كتابه "الطبّ النبوي"، صفحات عدّة لذلك. وبعد ترداده "أن المرأة لا يطيب عيشها إلا إذا جومعت"، يؤكد أن "أحسن أشكال الجماع هو أن يعلو الرجل المرأة مستفرشاً لها بعد الملاعبة والقبلة وبهذا سميت المرأة فراشاً... وهذا من تمام قوامية الرجل على المرأة ... وأردأ أشكاله: أن تعلوه المرأة ويجامعها على ظهره، وهو خلاف الشكل الطبيعي" ثم يذهب إلى القول "إن المرأة مفعول بها طبعاً وشرعاً، وإذا كانت فاعلة خالفت مقتضى الطبع والشرع".
وفي مسألة أخرى ذات صلة، يمتدح إبن قيّم الفتاة البكر (العذراء) ويفضّلها على المرأة غير العذراء قائلاً إنه "في جماع البكر من الخاصية وكمال التعلّق بينها وبين مجامعها، وامتلاء قلبها من محبته، وعدم تقسيم هواها بينه وبين غيره ما ليس للثيب (غير العذراء)".
الأخبار والروايات التي ترد في الأدبيات العربية القديمة المتخصصة في المسائل الجنسية ليست وقائع تاريخية. على الأرجح، معظمها مختلق ولكنّه بالتأكيد يعبّر عن نظرة الرجل العربي إلى المرأة. يساعدنا هذا الخوف المضمر والعميق على فهم ظواهر إجتماعية كثيرة لا تزال سائدة في العالم العربي، كالأهمية الفائقة المعطاة لغشاء البكارة وكختان النساء للحدّ من رغباتهنّ الجنسية وما السبب في ذلك سوى خلق آليات لاستدامة المجتمع البطريركي.
.